الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(وَفِي الْمُذْنِبِينَ وَحَلَّتِ الشَّفَاعَةُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ
وَغَيْرِهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ كَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ وَجَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الرُّؤْيَةِ وَحَشْرِ النَّاسِ اتِّبَاعُ كُلِّ أَمَةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ ثُمَّ تَمْيِيزُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ ثُمَّ حُلُولُ الشَّفَاعَةِ وَوَضْعُ الصِّرَاطِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْأَمْرَ بِاتِّبَاعِ الْأُمَمِ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ هُوَ أَوَّلُ الْفَصْلِ وَالْإِرَاحَةِ مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ وَهُوَ أَوَّلُ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ وَأَنَّ الشَّفَاعَةَ الَّتِي ذَكَرَ حُلُولَهَا هِيَ الشَّفَاعَةُ فِي الْمُذْنِبِينَ عَلَى الصِّرَاطِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَأَنَّهَا لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَلِغَيْرِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَحَادِيثِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهَا الشَّفَاعَةَ فِيمَنْ دَخَلَ النَّارَ وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ مُتُونُ الْحَدِيثِ وَتَتَرَتَّبَ مَعَانِيهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ) أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ وَبَيَّنَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ قَوْلَهُ أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ هُوَ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ الرَّاوِي وَهَذَا التَّفْسِيرُ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ مَنْ أَخْبَرَ الْقُرْآنُ أَنَّهُ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ وَهُمُ الْكُفَّارُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ به وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ السَّلَفُ أَنَّهُ)
لَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ أَحَدٌ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (ثم آتيه فأقول يارب) مَعْنَى آتِيهِ أَيْ أَعُودُ إِلَى الْمَقَامِ الَّذِي قُمْتُ فِيهِ أَوَّلًا وَسَأَلْتُ وَهُوَ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بشار قالا حدثنا بن أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ مُسْلِمٌ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ) قَالَ مُسْلِمٌ (وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَهِشَامٌ صَاحِبُ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ مُسْلِمٌ وَحَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ المثنى قالا حدثنا معاذ وهو بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ) قَالَ مُسْلِمٌ
(حدثنا أبو الربيع العتكي حدثنا حماد بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَنَزِيُّ) يَعْنِي عَنْ أَنَسٍ هَذِهِ الْأَسَانِيدُ رِجَالُهَا كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ وَهَذَا الِاتِّفَاقُ فِي غَايَةٍ مِنَ الْحُسْنِ وَنِهَايَةٍ مِنَ النُّدُورِ أَعْنِي اتِّفَاقَ خَمْسَةِ أَسَانِيدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مُتَوَالِيَةٍ جَمِيعُهُمْ بَصْرِيُّونَ وَالْحَمْدُ لله على ما هدانا له فأما بن أَبَى عَدِيٍّ فَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ وَأَمَّا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ هَكَذَا يُرْوَى فِي كُتُبِ الحديث وغيرها وأن بن قتيبة قال في كتابه أدب الكتاب الصواب بن أَبِي الْعَرُوبَةِ بِالْأَلْفِ وَاللَّامِ وَاسْمُ أَبِي عَرُوبَةَ مِهْرَانُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَيْضًا أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ مِمَّنِ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَأَنَّ الْمُخْتَلِطَ لَا يُحْتَجُّ بِمَا رَوَاهُ فِي حَالِ الِاخْتِلَاطِ وَشَكَكْنَا هَلْ رَوَاهُ فِي الِاخْتِلَاطِ أَمْ فِي الصِّحَّةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَا كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْمُخْتَلِطِينَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عُرِفَ أَنَّهُ رَوَاهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا هِشَامٌ صَاحِبُ الدَّسْتَوَائِيِّ فَهُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبَعْدَهُمَا مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقُ مَفْتُوحَةٌ وَبَعْدَ الْأَلِفِ يَاءٌ مِنْ غَيْرِ نُونٍ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَهَكَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَزِيدُ فِيهِ نُونًا بَيْنَ الْأَلِفِ وَالْيَاءِ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى دَسْتَوَاءَ وَهِيَ كَوْرَةٌ مِنْ كُوَرِ الْأَهْوَازِ كَانَ يَبِيعُ الثِّيَابَ الَّتِي تُجْلَبُ مِنْهَا فَنُسِبَ إِلَيْهَا فَيُقَالُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ وَهِشَامٌ صَاحِبُ الدستوائي أى صاحب البر الدَّسْتَوَائِيُّ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى أَوْهَمَتْ لَبْسًا فَقَالَ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَذَانِ حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ صَاحِبِ الدَّسْتَوَائِيِّ فَتَوَهَّمَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ أَنَّ قوله صَاحِبِ الدَّسْتَوَائِيِّ مَرْفُوعٌ وَأَنَّهُ صِفَةٌ لِمُعَاذٍ فَقَالَ يُقَالُ صَاحِبُ الدَّسْتَوَائِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُهُ وَهَذَا الذى قاله صاحب المطالع ليس بشئ وَإِنَّمَا صَاحِبُ هُنَا مَجْرُورٌ
صِفَةٌ لِهِشَامٍ كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي نَحْنُ الْآنَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ فَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَأَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ وَتَرْكُهُ وَأَنَّ الْمِسْمَعِيُّ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى مِسْمَعٍ جَدِّ الْقَبِيلَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُعَاذٌ وهو بن هِشَامٍ فَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْفُصُولِ وَفِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَأَنَّ فَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ قَوْلُهُ بن هِشَامٍ فِي الرِّوَايَةِ فَأَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَهُ وَلَمْ يَسْتَجِزْ أَنْ يَقُولَ مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ لِكَوْنِهِ لم يقع في الرواية فقال وهو بن هِشَامٍ وَهَذَا وَأَشْبَاهُهُ مِمَّا كُرِّرَ ذِكْرُهُ أَقْصِدُ بِهِ الْمُبَالَغَةَ فِي الْإِيضَاحِ وَالتَّسْهِيلِ فَإِنَّهُ إِذَا طَالَ الْعَهْدُ بِهِ قَدْ يُنْسَى وَقَدْ يَقِفُ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ بالموضع المتقدم والله أعلم وأما قوله قَوْلُهُ أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ فَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالتَّاءِ وَهُوَ أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ الَّذِي يُكَرِّرُهُ مُسْلِمٌ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَاسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ نَسَبَهُ مُسْلِمٌ مَرَّةً زَهْرَانِيًّا وَمَرَّةً عَتَكِيًّا وَمَرَّةً جَمَعَ لَهُ النَّسَبَيْنِ وَلَا يَجْتَمِعَانِ بِوَجْهٍ وَكِلَاهُمَا يَرْجِعُ إِلَى الْأَزْدِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْجَمْعِ سَبَبٌ مِنْ جَوَازٍ أَوْ خَلِفٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَعْبَدٌ الْعَنَزِيُّ فَهُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِفَتْحِ النُّونِ وَبِالزَّايِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزْنُ ذَرَّةً) الْمُرَادُ بِالذَّرَّةِ وَاحِدَةُ الذَّرِّ وَهُوَ الْحَيَوَانُ الْمَعْرُوفُ الصَّغِيرُ مِنَ النَّمْلِ وَهِيَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَمَعْنَى يَزْنُ أَيْ يَعْدِلُ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ شُعْبَةَ جَعَلَ مَكَانَ الذَّرَّةِ ذُرَةً فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ رَوَاهُ بِضَمِّ الذَّالِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ تَصْحِيفٌ مِنْهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ قَالَ يَزِيدُ صَحَّفَ فِيهَا أَبُو بِسْطَامَ يَعْنِي شُعْبَةَ قَوْلُهُ (فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَأَجْلَسَ ثَابِتًا مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ) فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ وَكَبِيرِ الْمَجْلِسِ أَنْ يُكْرِمَ فُضَلَاءَ الدَّاخِلِينَ عَلَيْهِ وَيُمَيِّزَهُمْ بِمَزِيدِ إِكْرَامٍ فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (إِخْوَانُكَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ) قَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ أَنَّ فِي الْبَصْرَةِ ثَلَاثَ لُغَاتٍ فَتْحُ الْبَاءِ وَضَمُّهَا وَكَسْرُهَا وَالْفَتْحُ هُوَ الْمَشْهُورُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ الْآنَ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَيَعُودُ الضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِ إِلَى الْحَمْدِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَيُقَالُ انْطَلِقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ بُرَّةٍ أَوْ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ مِنْهَا فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ) ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم بَعْدَهُ (فَيُقَالُ انْطَلِقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ) ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
(فَيُقَالُ لِي انْطَلِقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ) أَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَاتَّفَقَتِ الْأُصُولُ عَلَى أَنَّهُ فَأَخْرِجْهُ بِضَمِيرِهِ صلى الله عليه وسلم وَحْدَهُ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي بَعْضِ الْأُصُولِ فَأَخْرِجُوهُ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى لَفْظِ الْجَمْعِ وَفِي بَعْضِهَا فَأَخْرِجْهُ وَفِي أَكْثَرِهَا فَأَخْرِجُوا بِغَيْرِ هَاءٍ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ فَمَنْ رَوَاهُ فَأَخْرِجُوهُ يَكُونُ خِطَابًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَمَنْ حَذَفَ الْهَاءَ فَلِأَنَّهَا ضَمِيرُ الْمَفْعُولِ وَهُوَ فَضْلَةٌ يَكْثُرُ حَذْفُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ مُكَرَّرٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ السَّلَفِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَنَظَائِرُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرَةٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا تَقْرِيرَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَأَوْضَحْنَا الْمَذَاهِبَ فيها والجمع بينها والله أعلم وقوله (هَذَا حَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي أَنْبَأَنَا بِهِ فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ فَلَمَّا كُنَّا بِظَهْرِ الْجَبَّانِ قُلْنَا لَوْ مِلْنَا إِلَى الْحَسَنِ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ وَهُوَ مُسْتَخْفٍ فِي دَارِ أَبِي خَلِيفَةَ قَالَ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ وَقُلْنَا يَا أَبَا سَعِيدٍ جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَبِي حَمْزَةَ فَلَمْ نَسْمَعْ بِمِثْلِ حَدِيثٍ حَدَّثَنَاهُ فِي الشَّفَاعَةِ قَالَ هِيهِ فَحَدَّثْنَاهُ الْحَدِيثَ قَالَ هِيهِ قُلْنَا مَا زَادَنَا قَالَ حَدَّثَنَا بِهِ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً وَهُوَ يَوْمئِذٍ جَمِيعٌ وَلَقَدْ تَرَكَ مِنْهُ شَيْئًا مَا أَدْرِي أَنَسِيَ الشَّيْخُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يُحَدِّثَكُمْ فَتَتَّكِلُوا قُلْنَا لَهُ
حَدِّثْنَا فَضَحِكَ وَقَالَ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ما ذكرت لكم هذا إلا وأنا أريد أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي فِي الرَّابِعَةِ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ لِي يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فأقول يارب ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ أَوْ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْكَ وَلَكِنْ وَعِزَّتِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي وَجِبْرِيَائِي لَأُخْرِجَنَّ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ فَأَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ أَنَّهُ حَدَّثَنَا بِهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَرَاهُ قَالَ قَبْلَ عِشْرِينَ سَنَةً وَهُوَ يَوْمئِذٍ جَمِيعٌ) هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ فَلِهَذَا نَقَلْتُ الْمَتْنَ بِلَفْظِهِ مُطَوَّلًا لِيِعْرِفَ مُطَالِعُهُ مَقَاصِدَهُ أَمَّا قَوْلُهُ بِظَهْرِ الْجَبَّانِ فَالْجَبَّانُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْجَبَّانُ وَالْجَبَّانَةُ هُمَا الصَّحْرَاءُ وَيُسَمَّى بِهِمَا الْمَقَابِرُ لِأَنَّهَا تَكُونُ فِي الصحراء وهو من تسمية الشئ بِاسْمِ مَوْضِعِهِ وَقَوْلُهُ بِظَهْرِ الْجَبَّانِ أَيْ بِظَاهِرِهَا وَأَعْلَاهَا الْمُرْتَفِعِ مِنْهَا وَقَوْلُهُ مِلْنَا إِلَى الْحَسَنِ يَعْنِي عَدَلْنَا وَهُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَوْلُهُ وَهُوَ مُسْتَخْفٍ يَعْنِي مُتَغَيِّبًا خَوْفًا مِنَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ وَقَوْلُهُ قَالَ هِيهِ هُوَ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ الثَّانِيَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ فِي اسْتِزَادَةِ الْحَدِيثِ إِيهِ وَيُقَالُ هِيهِ بِالْهَاءِ بَدَلَ الْهَمْزَةِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ إِيهِ اسْمٌ سُمِّيَ بِهِ الْفِعْلُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ تَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا اسْتَزَدْتَهُ مِنْ حَدِيثٍ أَوْ عمل إيه بكسر الهمزة قال بن السِّكِّيتِ فَإِنْ وَصَلْتَ نَوَّنْتَ فَقُلْتَ إِيهٍ حَدِيثًا قال بن السَّرِيِّ إِذَا قُلْتَ إِيهِ فَإِنَّمَا تَأْمُرُهُ بِأَنْ يَزِيدَكَ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَعْهُودِ بَيْنَكُمَا كَأَنَّكَ قُلْتَ هَاتِ الْحَدِيثَ وَإِنْ قُلْتَ إِيهٍ بِالتَّنْوِينِ كَأَنَّكَ قُلْتَ هَاتِ حَدِيثًا مَا لِأَنَّ التَّنْوِينَ تَنْكِيرٌ فَأَمَّا إِذَا أَسْكَنْتَهُ وَكَفَفْتَهُ فَإِنَّكَ تَقُولُ إِيهًا عَنْهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُوَ يَوْمئِذٍ جَمِيعٌ فَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمِيمِ
وَمَعْنَاهُ مُجْتَمِعُ الْقُوَّةِ وَالْحِفْظِ وَقَوْلُهُ فَضَحِكَ فِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِضَحِكِ الْعَالِمِ بِحَضْرَةِ أَصْحَابِهِ إِذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أُنْسٌ وَلَمْ يَخْرُجْ بضحكه إلى حد يعد تركا للمرؤة وَقَوْلُهُ فَضَحِكَ وَقَالَ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ فِيهِ جَوَازُ الِاسْتِشْهَادِ بِالْقُرْآنِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِثْلُهُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا طَرَقَ فَاطِمَةَ وَعَلِيًّا رضي الله عنهما ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ يَقُولُ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شئ جدلا وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ وَقَوْلُهُ مَا ذَكَرْتُ لَكُمْ هذا إلا وأنا أريد أن أحدثكموه ثم أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَتَمَّ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ أُحَدِّثَكُمُوهُ ثُمَّ ابْتَدَأَ تَمَامَ الْحَدِيثِ فَقَالَ ثُمَّ أَرْجِعُ وَمَعْنَاهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ وَلَكِنْ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي وَجِبْرِيَائِي لَأُخْرِجَنَّ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَعْنَاهُ لَأَتَفَضَّلَنَّ عَلَيْهِمْ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ غَيْرِ شَفَاعَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ عز وجل وَجِبْرِيَائِي فَهُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ عَظَمَتِي وَسُلْطَانِي أَوْ قَهْرِي وَأَمَّا قَوْلُهُ فَأَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ أَنَّهُ حَدَّثَنَا بِهِ إِلَى آخِرِهِ فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ تَأْكِيدًا وَمُبَالَغَةً فِي تَحْقِيقِهِ وَتَقْرِيرِهِ فِي نَفْسِ الْمُخَاطَبِ وَإِلَّا فَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ) أَمَّا حَيَّانُ فَبِالْمُثَنَّاةِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ أبي حيان وأبي زرعة في أولكتاب الْإِيمَانِ وَأَنَّ اسْمَ أَبِي زُرْعَةَ هَرَمٌ وَقِيلَ عمرو وقيل عبيد الله وقيل عبد الرحمن وَاسْمُ أَبِي حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ قَوْلُهُ (فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَحَبَّتُهُ صلى الله عليه وسلم لِلذِّرَاعِ لِنُضْجِهَا وَسُرْعَةِ اسْتِمْرَائِهَا مَعَ زِيَادَةِ لَذَّتِهَا وَحَلَاوَةِ مَذَاقِهَا وَبُعْدِهَا عَنْ مَوَاضِعِ الْأَذَى هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ
بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ مَا كَانَتِ الذِّرَاعُ أَحَبَّ اللَّحْمِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَكِنْ كَانَ لَا يَجِدُ اللَّحْمَ إِلَّا غِبًّا فَكَانَ يَعْجَلُ إِلَيْهَا لِأَنَّهَا أَعْجَلُهَا نُضْجًا قَوْلُهُ فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ رَوَوْهُ بِالْمُهْمَلَةِ وَوَقَعَ لِابْنِ مَاهَانَ بِالْمُعْجَمَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ بِمَعْنَى أَخَذَ بِأَطْرَافِ أَسْنَانِهِ قَالَ الْهَرَوِيُّ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّهْسُ بِالْمُهْمَلَةِ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ وَبِالْمُعْجَمَةِ الْأَضْرَاسُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّمَا قَالَ هَذَا صلى الله عليه وسلم تحدثا بنعمة الله تعالى وقد أمره اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا وَنَصِيحَةً لَنَا بِتَعْرِيفِنَا حَقَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قيل السيد الذي يفوق قومه والذي يفزع إِلَيْهِ فِي الشَّدَائِدِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَيِّدُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِنَّمَا خُصَّ يوم القيامة لارتفاع السودد فِيهَا وَتَسْلِيمُ جَمِيعِهِمْ لَهُ وَلِكَوْنِ آدَمَ وَجَمِيعِ أَوْلَادِهِ تَحْتَ لِوَائِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ أَيِ انْقَطَعَتْ دَعَاوَى الْمُلْكِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُسْمِعهُمُ الدَّاعِيَ وَيَنْفَذُهُمُ الْبَصَرَ أَمَّا الصَّعِيدُ فَهُوَ الْأَرْضُ الْوَاسِعَةُ الْمُسْتَوِيَةُ وَأَمَّا يَنْفَذُهُمُ الْبَصَرَ فَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَذَكَرَ الْهَرَوِيُّ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ رُوِيَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَبِفَتْحِهَا قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ بِالْفَتْحِ وَبَعْضُهُمْ بِالضَّمِّ قَالَ الْهَرَوِيُّ قَالَ الْكِسَائِيُّ يُقَالُ نَفَذَنِي بَصَرَهُ إِذَا بَلَغَنِي وَجَاوَزَنِي قَالَ وَيُقَالُ أَنَفَذْتُ الْقَوْمَ إِذَا خَرَقْتُهُمْ وَمَشَيْتُ فِي وَسَطِهِمْ فَإِنْ جُزْتَهُمْ حَتَّى تَخَلَّفْتَهُمْ قُلْتَ نَفَذْتُهُمْ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَقَالَ الْهَرَوِيُّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ يَنْفُذُهُمْ بَصَرُ الرَّحْمَنِ تبارك وتعالى حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ وَقَالَ غَيْرُ أَبِي عُبَيْدٍ أَرَادَ تَخْرِقُهُمْ أَبْصَارُ النَّاظِرِينَ لِاسْتِوَاءِ الصَّعِيدِ وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَحَاطَ بِالنَّاسِ أَوَّلًا وَآخِرًا هَذَا كَلَامُ الْهَرَوِيِّ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ معناه أنه يحيط بهم الناظر لايخفى عليه منهم شيء لاستواء الارض أي لَيْسَ فِيهَا مَا يَسْتَتِرُ بِهِ أَحَدٌ عَنِ الناظرين قال
وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ يَأْتِي عَلَيْهِمْ بَصَرُ الرَّحْمَنِ سبحانه وتعالى لِأَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى تُحِيطُ بِجَمِيعِهِمْ فِي كُلِّ حَالٍ فِي الصَّعِيدِ الْمُسْتَوِي وَغَيْرِهِ هَذَا قَوْلُ صَاحِبِ الْمَطَالِعِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو السَّعَادَاتِ الْجَزَرِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بَصَرُ الرَّحْمَنِ سبحانه وتعالى أَوْ بَصَرُ النَّاظِرِ مِنَ الْخَلْقِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَرْوُونَهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْمُهْمَلَةِ أَيْ يَبْلُغُ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ حَتَّى يَرَاهُمْ كُلَّهُمْ وَيَسْتَوْعِبَهُمْ مِنْ نَفَذَ الشَّيْءُ وَأَنْفَذْتُهُ قَالَ وَحَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى بَصَرِ النَّاظِرِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى بَصَرِ الرَّحْمَنِ هَذَا كَلَامُ أَبِي السَّعَادَاتِ فَحَصَلَ خِلَافٌ فِي فَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا وَفِي الذَّالِ وَالدَّالِ وَفِي الضَّمِيرِ فِي يُنْفِذُهُمْ وَالْأَصَحُّ فَتْحُ الْيَاءِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَأَنَّهُ بَصَرُ الْمَخْلُوقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ وَضَبَطَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ المتأخرين بالفتح وَالْإِسْكَانِ وَهَذَا لَهُ وَجْهٌ وَلَكِنَّ الْمُخْتَارَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَبْلَ هَذَا أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ وَلَوْ كَانَ بِإِسْكَانِ الْغَيْنِ لَقَالَ
بَلَغْتُمْ قَوْلُهُ (فَيَقُولُ آدَمُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبْ بَعْدَهُ مِثْلَهُ) الْمُرَادُ بِغَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَظْهَرُ مِنَ انْتِقَامِهِ مِمَّنْ عَصَاهُ وَمَا يَرَوْنَهُ مِنْ أَلِيمِ عَذَابِهِ وَمَا يُشَاهِدُهُ أَهْلُ الْمَجْمَعِ مِنَ الْأَهْوَالِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ وَلَا يَكُونُ مِثْلُهَا وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِثْلُهُ وَلَا يَكُونُ بَعْدَهُ مِثْلُهُ فَهَذَا مَعْنَى غَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَنَّ رِضَاهُ ظُهُورُ رَحْمَتِهِ وَلُطْفُهُ بِمَنْ أَرَادَ بِهِ الْخَيْرَ وَالْكَرَامَةَ
لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ التَّغَيُّرُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى) الْمِصْرَاعَانِ بِكَسْرِ الْمِيمِ جَانِبَا الْبَابِ وَهَجَرُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْجِيمِ وَهِيَ مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ هِيَ قَاعِدَةُ بِلَادِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ هَجَرٌ اسْمُ بَلَدٍ مُذَكَّرٌ مَصْرُوفٌ قَالَ وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِ هَاجِرِيٌّ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ فِي الْجُمَلِ هَجَرٌ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ قُلْتُ وَهَجَرٌ هَذِهِ غَيْرُ هَجَرٍ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرٍ تِلْكَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْمَدِينَةِ كَانَتِ الْقِلَالُ تُصْنَعُ بِهَا وَهِيَ غَيْرُ مَصْرُوفَةٍ وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَأَمَّا بُصْرَى فَبِضَمِّ الْبَاءِ وَهِيَ مَدِينَةٌ مَعْرُوفَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دِمَشْقَ نَحْوُ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ وهي مدينة حوران وبينها وَبَيْنَ مَكَّةَ شَهْرٌ
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أَلَا تَقُولُونَ كيفه قالوا كيفه يارسول اللَّهِ) هَذِهِ الْهَاءُ هِيَ هَاءُ السَّكْتِ تَلْحَقُ في الوقف واما قول الصحابه كيفه يارسول اللَّهِ فَأَثْبَتُوا الْهَاءَ فِي حَالَةِ الدَّرَجِ فَفِيهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا أَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُجْرِي الدَّرَجَ مَجْرَى الْوَقْفِ وَالثَّانِي أَنَّ الصَّحَابَةَ قَصَدُوا اتِّبَاعَ لَفْظِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي حَثَّهُمْ عَلَيْهِ فَلَوْ قَالُوا كَيْفَ لَمَا كَانُوا سَائِلِينَ عَنِ اللَّفْظِ الَّذِي حَثَّهُمْ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (إِلَى عِضَادَتَيِ الْبَابِ) هُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ عِضَادَتَا الْبَابِ هُمَا خَشَبَتَاهُ مِنْ جَانِبَيْهِ
[195]
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تُزْلَفَ لَهُمُ الْجَنَّةَ) هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ وَمَعْنَاهُ تَقْرُبُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ للمتقين أَيْ قَرُبَتْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ