الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(باب اسْتِحْبَابِ إِطَالَةِ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فِي الْوُضُوءِ)
اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مُصَرِّحَةٌ بِاسْتِحْبَابِ تَطْوِيلِ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ أَمَّا تَطْوِيلُ الْغُرَّةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا هو غسل شئ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَمَا يُجَاوِزُ الْوَجْهَ زَائِدٌ على الجزء الذي يجب غسله لا ستيقان كَمَالِ الْوَجْهِ وَأَمَّا تَطْوِيلُ التَّحْجِيلِ فَهُوَ غَسْلُ مَا فَوْقَ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ فَوْقَ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ وَالثَّانِي يُسْتَحَبُّ إِلَى نِصْفِ الْعَضُدِ وَالسَّاقِ وَالثَّالِثُ يُسْتَحَبُّ إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَقْتَضِي هَذَا كُلَّهُ وَأَمَّا دَعْوَى الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ فَوْقَ الْمِرْفَقِ وَالْكَعْبِ فَبَاطِلَةٌ وكيف تصح دعواهما وقد ثبت فُعِلَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَهُوَ مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ خَالَفَ فِيهِ مُخَالِفٌ كَانَ مَحْجُوجًا بِهَذِهِ السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمَا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْ زَادَ فِي عَدَدِ المرات وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ وَيُقَالُ الْمُجَمِّرُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ الْمَكْسُورَةِ وَقِيلَ لَهُ المجمر الأنه كَانَ يُجْمِرُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ يُبَخِّرُهُ وَالْمُجْمِرُ صِفَةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ وَيُطْلَقُ عَلَى ابْنِهِ نُعَيْمٍ مَجَازًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ وَأَشْرَعَ فِي السَّاقِ) مَعْنَاهُ أَدْخَلَ الْغُسْلَ فِيهِمَا
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أَنْتُمُ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْغُرَّةُ بَيَاضٌ فِي جَبْهَةِ الْفَرَسِ وَالتَّحْجِيلُ بَيَاضٌ فِي يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ سُمِّيَ النُّورُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرَّةً وَتَحْجِيلًا تَشْبِيهًا بِغُرَّةِ الْفَرَسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ مِنَ الْأُمَمِ تَرِدُونَ عَلِيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ) أَمَّا السِّيمَا فَهِيَ الْعَلَامَةُ وَهِيَ مَقْصُورَةٌ وَمَمْدُودَةٌ لُغَتَانِ ويقال السيميا بِيَاءٍ بَعْدَ الْمِيمِ مَعَ الْمَدِّ وَقَدِ اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ زَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى شَرَفًا وَقَالَ آخَرُونَ لَيْسَ الْوُضُوءُ
مختصا وَإِنَّمَا الَّذِي اخْتَصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ هَذَا بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ مَعْرُوفُ الضَّعْفِ وَالثَّانِي لَوْ صَحَّ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْأَنْبِيَاءُ اخْتَصَّتْ بِالْوُضُوءِ دُونَ أُمَمِهِمْ إِلَّا هَذِهِ الْأُمَّةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَإِنِّي لَأَصُدُّ النَّاسَ عَنْهُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (وَأَنَا أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ) هُمَا بِمَعْنَى أَطْرُدُ وَأَمْنَعُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَيُجِيبُنِي مَلَكٌ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ فَيُجِيبُنِي بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مِنَ الْجَوَابِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمِيعِ الرواة الا بن أَبِي جَعْفَرٍ مِنْ رُوَاتِهِمْ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ فَيَجِيئُنِي بِالْهَمْزِ مِنَ الْمَجِيءِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَالثَّانِي وَجْهٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَهَلْ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا هَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِهِ عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُرْتَدُّونَ فَيَجُوزُ أَنْ يُحْشَرُوا بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فَيُنَادِيهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلسِّيمَا الَّتِي عَلَيْهِمْ فَيُقَالُ لَيْسَ هَؤُلَاءِ مِمَّا وُعِدْتَ بِهِمْ إِنَّ هَؤُلَاءِ بَدَّلُوا بَعْدَكَ أَيْ لَمْ يَمُوتُوا عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ إِسْلَامِهِمْ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ارْتَدَّ بَعْدَهُ فَيُنَادِيهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ سِيمَا الْوُضُوءِ لَمَا كَانَ يَعْرِفُهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَيَاتِهِ مِنْ إِسْلَامِهِمْ فَيُقَالُ
ارْتَدُّوا بَعْدَكَ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَصْحَابُ الْمَعَاصِي وَالْكَبَائِرِ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى التَّوْحِيدِ وَأَصْحَابِ الْبِدَعِ الَّذِينَ لَمْ يَخْرُجُوا بِبِدْعَتِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ وعلى هذا القول لا يقطع لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُذَادُونَ بِالنَّارِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يزادوا عُقُوبَةً لَهُمْ ثُمَّ يَرْحَمُهُمُ اللَّهُ سبحانه وتعالى فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَذَابٍ قَالَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ غُرَّةٌ وَتَحْجِيلٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَانُوا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَعْدَهُ لَكِنْ عَرَفَهُمْ بِالسِّيمَا وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرِو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كُلُّ مَنْ أَحْدَثَ فِي الدِّينِ فَهُوَ مِنَ الْمَطْرُودِينَ عَنِ الْحَوْضِ كَالْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَسَائِرِ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ قَالَ وَكَذَلِكَ الظَّلَمَةُ الْمُسْرِفُونَ فِي الْجَوْرِ وَطَمْسِ الْحَقِّ وَالْمُعْلِنُونَ بِالْكَبَائِرِ قَالَ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يُخَافُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ عَنُوا بِهَذَا الْخَبَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) فِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ وَلَا ضَرُورَةَ وَدَلَائِلُهُ كَثِيرَةٌ قَوْلُهُ (سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ) هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْجِيمِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ يُونُسَ بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا مَعَ الْهَمْزِ فِيهِنَّ وَتَرْكِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وانا إن شاء الله بكم لا حقون) أَمَّا الْمَقْبُرَةُ فَبِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْكَسْرُ قَلِيلٌ وَأَمَّا دَارَ قَوْمٍ فَهُوَ بِنَصْبِ دَارَ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَوِ النِّدَاءِ الْمُضَافِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ قَالَ وَيَصِحُّ الْخَفْضُ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْكَافِ والميم
فِي عَلَيْكُمْ وَالْمُرَادُ بِالدَّارِ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ الْجَمَاعَةُ أَوْ أَهْلُ الدَّارِ وَعَلَى الْأَوَّلِ مِثْلُهُ أَوِ الْمَنْزِلُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ فَأَتَى بِالِاسْتِثْنَاءِ مَعَ أَنَّ الْمَوْتَ لَا شَكَّ فِيهِ وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ أَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّكِّ وَلَكِنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَهُ لِلتَّبَرُّكِ وَامْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قوله ولا تقولن لشئ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الله وَالثَّانِي حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ عَادَةٌ لِلْمُتَكَلِّمِ يُحَسِّنُ بِهِ كَلَامَهُ وَالثَّالِثُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عَائِدٌ إِلَى اللُّحُوقِ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ اذ شَاءَ اللَّهُ وَقِيلَ أَقْوَالٌ أُخَرُ ضَعِيفَةٌ جِدًّا تَرَكْتُهَا لِضَعْفِهَا وَعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا مِنْهَا قَوْلُ مَنْ قَالَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ رَاجِعٌ إِلَى اسْتِصْحَابِ الْإِيمَانِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ كَانَ مَعَهُ صلى الله عليه وسلم مُؤْمِنُونَ حَقِيقَةً وَآخَرُونَ يُظَنُّ بِهِمُ النِّفَاقَ فَعَادَ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَيْهِمْ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ وَإِنْ كَانَا مَشْهُورَيْنِ فِيهِمَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَدِدْتُ أنا قد رأينا اخواننا قالوا أو لسنا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ التَّمَنِّي لَا سِيَّمَا فِي الْخَيْرِ وَلِقَاءِ الْفُضَلَاءِ وَأَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا أَيْ رَأَيْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقِيلَ الْمُرَادُ تَمَّنِي لِقَائِهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَ الْإِمَامُ الْبَاجِيُّ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي لَيْسَ نَفْيًا لِأُخُوَتِّهِمْ وَلَكِنْ ذَكَرَ مَرْتَبَتَهُمُ الزَّائِدَةَ بِالصُّحْبَةِ فَهَؤُلَاءِ إِخْوَةٌ صَحَابَةٌ وَالَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا إِخْوَةً لَيْسُوا بِصَحَابَةٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى انما المؤمنون اخوة قال القاضي عياض ذهب أبو عمرو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي فَضْلِ مَنْ يَأْتِي آخِرَ الزَّمَانِ إِلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيمَنْ يَأْتِي بَعْدَ الصَّحَابَةِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ وَأَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم خَيْرُكُمْ قَرْنِي عَلَى الْخُصُوصِ مَعْنَاهُ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي أَيْ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ فَهَؤُلَاءِ أَفْضَلُ الْأُمَّةِ وَهُمُ الْمُرَادُونَ بِالْحَدِيثِ وَأَمَّا مَنْ خَلَّطَ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ رَآهُ وَصَحِبَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَابِقَةٌ وَلَا أَثَرٌ فِي الدِّينِ فَقَدْ
يَكُونُ فِي الْقُرُونِ الَّتِي تَأْتِي بَعْدَ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ مَنْ يَفْضُلُهُمْ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآثَارُ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا أَيْضًا غَيْرُهُ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى الْمَعَانِي قَالَ وَذَهَبَ مُعْظَمُ الْعُلَمَاءِ إِلَى خِلَافِ هَذَا وَأَنَّ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَرَآهُ مَرَّةً مِنْ عُمْرِهِ وَحَصَلَتْ لَهُ مَزِيَّةُ الصحبة أفضل من كل من يأتي بعد فَإِنَّ فَضِيلَةَ الصُّحْبَةِ لَا يَعْدِلُهَا عَمَلٌ قَالُوا وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ) أَمَّا بَيْنَ ظَهْرَيْ فَمَعْنَاهُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ بِفَتْحِ الظَّاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَأَمَّا الدُّهْمُ فَجَمْعُ أَدْهَمَ وَهُوَ الْأَسْوَدُ وَالدُّهْمَةُ السَّوَادُ وَأَمَّا الْبُهْمُ فَقِيلَ السُّودُ أَيْضًا وَقِيلَ الْبُهْمُ الَّذِي لَا يُخَالِطُ لَوْنَهُ لَوْنًا سِوَاهُ سَوَاءٌ كَانَ أَسْوَدَ أَوْ أَبْيَضَ أَوْ أَحْمَرَ بَلْ يَكُونُ لَوْنُهُ خَالِصًا وهذا قول بن السِّكِّيتِ وَأَبِي حَاتِمٍ السِّخْتِيَانِيُّ وَغَيْرِهِمَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ) قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ أَنَا أَتَقَدَّمهُمْ عَلَى الْحَوْضِ يُقَالُ فَرَطَ الْقَوْمُ إِذَا تَقَدَّمَهُمْ لِيَرْتَادَ لهم الماء ويهيء لَهُمُ الدِّلَاءَ وَالرِّشَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بِشَارَةٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ زَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى شَرَفًا فَهَنِيئًا لِمَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَطَهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ) مَعْنَاهُ تَعَالَوْا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي هَلُمَّ لُغَتَانِ أَفْصَحُهُمَا هَلُمَّ لِلرَّجُلِ وَالرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنَ الصِّنْفَيْنِ بِصِيغَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِهَذِهِ اللُّغَةِ جَاءَ الْقُرْآنُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى هلم شهداءكم والقائلين لاخوانهم هلم الينا واللغة الثانية هلم يارجل وهلما يارجلان وهلموا يارجال وَلِلْمَرْأَةِ هَلُمِّي وَلَلْمَرْأَتَانِ هَلُمَّتَا وَلِلنِّسْوَةِ هَلُمَّنَّ قَالَ بن السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ الْأُولَى أَفْصَحُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا) هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ سُحْقًا سُحْقًا
مَرَّتَيْنِ وَمَعْنَاهُ بُعْدًا بُعْدًا وَالْمَكَانُ السَّحِيقُ الْبَعِيدُ وَفِي سُحْقًا سُحْقًا لُغَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ إِسْكَانُ الْحَاءِ وَضَمُّهَا قَرَأَ الْكِسَائِيُّ بِالضَّمِّ وَالْبَاقُونَ بِالْإِسْكَانِ وَنُصِبَ عَلَى تَقْدِيرِ أَلْزَمَهُمُ اللَّهُ سُحْقًا أَوْ سَحَقَهُمْ سُحْقًا قَوْلُهُ (فَقُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا هَذَا الْوُضُوءُ فَقَالَ يَا بنى فروخ أنتم ها هنا لو علمت أنكم ها هنا مَا تَوَضَّأْتُ هَذَا الْوُضُوءَ سَمِعْتُ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ) أَمَّا فَرُّوخُ فَبِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ فَرُّوخُ بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم مِنْ وَلَدٍ كَانَ بَعْدَ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ كَثُرَ نَسْلُهُ وَنَمَا عَدَدُهُ فَوَلَدَ الْعَجَمَ الَّذِينَ هُمْ فِي وَسَطِ الْبِلَادِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَرَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ هُنَا الْمَوَالِيَ وَكَانَ خِطَابُهُ لِأَبِي حَازِمٍ قَالَ الْقَاضِي وَإِنَّمَا أَرَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ بِكَلَامِهِ هَذَا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ يُقْتَدَى بِهِ إِذَا تَرَخَّصَ فِي أَمْرٍ لِضَرُورَةٍ أَوْ تَشَدَّدَ فِيهِ لِوَسْوَسَةٍ أَوْ لِاعْتِقَادِهِ فِي ذَلِكَ مَذْهَبًا شَذَّ بَهُ عَنِ النَّاسِ أَنْ يَفْعَلَهُ بِحَضْرَةِ الْعَامَّةِ الْجَهَلَةِ لِئَلَّا يَتَرَخَّصُوا بِرُخْصَتِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَوْ يعتقدوا أن