الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التحذير من ارتكاب ما نهى الله عز وجل ورسوله صلى
الله عليه وسلم عنه
قال الله تعالى {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} وقال تعالى {ويحذركم الله نفسه} وقال تعالى {إن بطش ربك لشديد} وقال تعالى {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} .
1806 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يغار وغيرة الله أن يأتي المرء ما حرم الله عليه متفق عليه
[الشَّرْحُ]
قال النووي رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين باب التحذير من الوقوع فيما نهى الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم عنه يعني أن الإنسان يجب أن يكون حذرا من الوقوع في المحرمات ولا
يتهاون ولا يغلبه الأمن من مكر الله عز وجل فإن بعض الناس يغره الشيطان يقول افعل المعصية واستغفر الله افعل المعصية ورحمة الله تعالى سبقت غضبه افعل المعصية فقد قال الله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء إلى غير ذلك من الأماني الكاذبة التي يغر بها الشيطان بني آدم {وما يعدهم الشيطان إلا غرورا} فالواجب الحذر مما نهى الله ورسوله عنه ثم استدل المؤلف رحمة الله بآيات من كتاب الله منها قول الله تعالى {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} {فليحذر الذي يخالفون عن أمره} أي عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى يخالفون عنه يخرجون عنه ولا يبالون به ويرتكبونه ليحذروا {أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} فتنة في قلوبهم والعياذ بالله يلقي في قلوبهم الفتنة من الشك فيما يجب اليقين فيه أو الشهوة فيما يحرم تناوله ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله أتدري ما الفتنة يعني في قوله تعالى {أن تصيبهم فتنة} الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك والعياذ بالله فاحذر الفتنة احذر المخالفة عن أمر الله ورسوله أن يصيبك فتنة {أو يصيبهم عذاب أليم} أي عذاب مؤلم إما في الدنيا وإما في الآخرة وقال الله تعالى {يحذركم الله نفسه} يعني احذروا الله عز وجل فإنه شديد العقاب كما قال تعالى {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن
عذابي هو العذاب الأليم} وقال تعالى {اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم} فبدأ بالعقاب وثنى بالمغفرة لئلا يغلب الأمن من مكر الله والإنسان إذا أمن من مكر الله أصابه البلاء والعذاب ولهذا قال الله تبارك وتعالى {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} الآمن من مكر الله هو المغالي وإنه يعمل ما يشاء من المعاصي ولا يخافه لكنه في الحقيقة خاسر لأن مآله العذاب والنكال نسأل الله العافية وقال تبارك وتعالى {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله إن الله ليملي للظالم يعني يمهله ويدعه يظلم نفسه حتى إذا أخذه لم يفلته وتلا قوله تعالى {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} فالحذر الحذر من التهاون بمعصية الله عز وجل حتى إن من أهل العلم من قال إن الرجل إذا فعل المعصية متهاونا بها ولو كانت صغيرة صارت كبيرة والعياذ بالله لما قام في قلبه من التهاون بها
نسأل الله أن يؤمنا وإياكم من أسباب عقابه وغضبه
[الشَّرْحُ]
سبق لنا الكلام على أنه لا يجوز للإنسان أن يغتر في إمهال الله تعالى له وأن يرتكب المعاصي بناء على أن الله لن يعالجه بالعقوبة وأن هذا من باب الأمن من مكر الله عز وجل وذكرنا أن الله تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وتلا قول الله تعالى كذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد وكثير من الناس يتهاون في هذا الأمر يعصي الله فينهى عن ذلك ويترك الواجب فيؤمر بفعله ويقول {إن الله غفور رحيم} {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وأنا لم أشرك بالله فيقال له إن الذي قال ذلك هو الذي قال {اعلموا أن الله شديد العقاب} وقال {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم} ولا يجوز لك أن تغتر بإمهال الله لك ربما يمهل الله العبد على معاصيه ويستدرجه من حيث لا يعلم حتى إذا أخذه أخذه أخذ عزيز مقتدر والعياذ بالله فإياك أن تتهاون راقب الله عز وجل واعلم أن لكل داء دواء فإذا مسك طائف من الشيطان تذكر واتعظ وأقبل على الله وتب إلى الله عز وجل وكن كمن قال الله فيهم {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}
والتوبة لابد فيها من شروط خمسة: 1 - الإخلاص لله عز وجل بألا يحمل الإنسان على التوبة مراعاة أحد من الخلق ولا أن ينال بذلك جاها أو رئاسة بل يخلص النية لله عز وجل خوفا من عقابه ورجاء لثوابه.
2 -
الندم على ما فعل من الذنب بحيث لا يتساوى عنده الذنب وعدمه بل يندم على ما حصل منه ويتحسر في نفسه ويقول ليتني لم أفعل هذا لكنه يخضع لقضاء الله وقدره ويتوب إلى الله عز وجل.
3 -
الإقلاع عن الذنب بترك المعصية إن كان الذنب معصية أو فعل الواجب إن كان الذنب بترك الواجب يمكن تداركه فأما أن يصر على الذنب ويرجو التوبة فهذا خطأ وهذا من الأماني الكاذبة بعض الناس يقول أستغفر الله وأتوب إليه من الغيبة وهو يغتاب الناس يقول أستغفر الله من الربا وهو يأكل الربا يقول أستغفر الله وأتوب إليه من حقوق الناس وهو يأكل حقوق الناس يماطل في الحق الذي عليه مع قدرته على وفائه وغير ذلك من الأمور التي يكذب بها الإنسان على نفسه في أنه تائب وهو لم يتب وإذا كان الذنب حقا لآدمي فلابد أن يوصله إليه أخذ مالا من شخص سرق منه مالا وجاء يسأل يقول إنه تاب نقول رد المال إلى صاحبه أما بدون أن ترده إلى صاحبه فالتوبة لم تتم كذلك توبته من أكل لحم الناس يغتاب شخصا يسبه في
المجالس وقال إنه تاب إلى الله نقول له اذهب واطلب منه أن يحلك حتى تنفعك التوبة وإنما قيدنا هذا بما إذا كان قد علم أنك قد اغتبته وإلا فلا حاجة أن تخبره أثن عليه بالخير في المجالس التي كنت تسبه فيها ثم استغفر الله له.
4 -
العزم على ألا يعود يعني لا يتوب إلى الله وهو عازم على أن يعود متى سنحت الفرصة فإن هذه ليست توبة بل يجب أن يعزم على ألا يعود إلى الذنب.
5 -
أن تكون التوبة في وقت القبول وذلك بأن يتوب قبل أن يحضره الموت أو قبل أن تطلع الشمس من مغربها فإن لم يتب إلا إذا حضره الموت فإن التوبة لا تنفع.
ومن هذا نعرف أن التوبة واجبة على الفور بدون تأخير لأن الإنسان لا يدري متى يفاجأ بالموت فيجب عليه أن يكون مستعدا نسأل الله تعالى أن يتوب علينا وعليكم وأن يتوفانا على الإيمان.