المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب تحريم سب المسلم بغير حق - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - جـ ٦

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الدعوات

- ‌باب فضل الدعاء

- ‌باب الأمر بالدعاء وفضله

- ‌باب فضل الدعاء بظهر الغيب

- ‌باب في مسائل من الدعاء

- ‌باب كرامات الأولياء وفضلهم

- ‌كتاب الأمور المنهي عنها

- ‌باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان

- ‌باب تحريم سماع الغيبة وأمر من سمع غيبة محرمة بردها

- ‌باب ما يباح من الغيبة

- ‌باب تحريم النميمة وهي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد

- ‌باب النهي عن نقل الحديث وكلام الناس إلى ولاة الأمور إذا

- ‌باب ذم ذي الوجهين

- ‌باب تحريم الكذب

- ‌باب بيان ما يجوز من الكذب

- ‌باب الحث على التثبت فيما يقوله ويحكيه

- ‌باب بيان تغليظ تحريم شهادة الزور

- ‌باب تحريم لعن إنسان بعينه أو دابة

- ‌باب جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين

- ‌باب تحريم سب المسلم بغير حق

- ‌باب تحريم سب الأموات بغير حق أو مصلحة شرعية

- ‌باب النهي عن الإيذاء

- ‌باب النهي عن التباغض والتقاطع والتدابر

- ‌باب تحريم الحسد

- ‌باب النهي عن التجسس والتسمع لكلام من يكره استماعه

- ‌باب النهي عن سوء الظن بالمسلمين من غير ضرورة

- ‌باب تحريم احتقار المسلمين

- ‌باب النهي عن إظهار الشماتة بالمسلم

- ‌باب تحريم الطعن في الأنساب الثابتة في ظاهر الشرع

- ‌باب النهي عن الغش والخداع

- ‌باب تحريم الغدر

- ‌باب النهي عن المن بالعطية ونحوها

- ‌باب النهي عن الافتخار والبغي

- ‌باب تحريم الهجران بين المسلمين فوق ثلاثة أيام إلا لبدعة في

- ‌باب النهي عن تناجي اثنين دون الثالث

- ‌باب النهي عن تعذيب العبد والدابة والمرأة والولد بغير سبب شرعي

- ‌باب تحريم التعذيب بالنار في كل حيوان حتى النملة ونحوها

- ‌باب تحريم مطل الغني بحق طلبه صاحبه

- ‌باب كراهية عودة الإنسان في هبة لم يسلمها إلى الموهوب له

- ‌باب تأكيد تحريم مال اليتيم

- ‌باب تحريم الرياء

- ‌باب ما يتوهم أنه رياء وليس رياء

- ‌باب تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية والأمرد الحسن لغير حاجة شرعية

- ‌باب تحريم الخلوة بالأجنبية

- ‌باب تحريم تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال في لباس وحركة وغير

- ‌باب النهي عن التشبه بالشيطان والكفار

- ‌باب نهي الرجل والمرأة عن خضاب شعرهما بسواد

- ‌باب النهي عن القزع وهو حلق بعض الرأس دون بعض وإباحة

- ‌باب كراهية الاستنجاء باليمين ومس الفرج باليمين من غير عذر

- ‌باب كراهة المشي في نعل واحدة أو خف واحد لغير عذر

- ‌باب النهي عن ترك النار في البيت عند النوم ونحوه سواء

- ‌باب النهي عن التكلف وهو فعل وقول ما لا مصلحة فيه

- ‌باب تحريم النياحة على الميت ولطم الخد وشق الجيب ونتف الشعر

- ‌باب النهي عن إتيان الكهان والمنجمين والعراف وأصحاب الرمل والطوارق

- ‌باب النهي عن التطير

- ‌باب تحريم تصوير الحيوان في بساط أو حجر أو ثوب أو

- ‌باب تحريم اتخاذ الكلب إلا لصيد أو ماشية أو زرع

- ‌باب كراهية تعليق الجرس في البعير وغيره من الدواب وكراهية استصحاب

- ‌باب كراهة ركوب الجلالة

- ‌باب النهي عن البصاق في المسجد والأمر بإزالته منه إذا وجد

- ‌باب كراهية الخصومة في المسجد ورفع الصوت فيه ونشد الضالة والبيع

- ‌باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو غيره

- ‌باب كراهية الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب لأنه يجلب النوم فيفوت

- ‌باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وأراد أن يضحي

- ‌باب النهي عن الحلف بمخلوق كالنبي صلى الله عليه وسلم والكعبة

- ‌باب تغليظ اليمين الكاذبة عمدا

- ‌باب ندب من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها أن

- ‌باب العفو عن لغو اليمين وأنه لا كفارة فيه وهو ما

- ‌باب كراهة الحلف في البيع وإن كان صادقا

- ‌باب كراهة أن يسأل الإنسان بوجه الله عز وجل غير الجنة

- ‌باب كراهة سب الحمى

- ‌باب النهي عن سب الريح وبيان ما يقال عند هبوبها

- ‌باب كراهة سب الديك

- ‌باب النهي عن قول الإنسان مطرنا بنوء كذا

- ‌باب تحريم قوله لمسلم يا كافر

- ‌باب النهي عن الفحش وبذاءة اللسان

- ‌باب كراهة التقعير في الكلام والتشدق فيه وتكلف الفصاحة واستعمال ودقائق

- ‌باب كراهة قوله خبثت نفسي

- ‌باب كراهة تسمية العنب كرما

- ‌باب النهي عن وصف محاسن المرأة لرجل إلا أن يحتاج إلى

- ‌باب كراهة قول الإنسان في الدعاء اللهم اغفر لي إن شئت

- ‌باب كراهة قول ما شاء الله وشاء فلان

- ‌باب كراهة الحديث بعد العشاء الآخرة

- ‌باب تحريم امتناع المرأة من فراش زوجها إذا دعاها ولم يكن

- ‌باب تحريم صوم المرأة تطوعا وزوجها حاضر إلا بإذنه

- ‌باب تحريم رفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام

- ‌باب كراهة وضع اليد على الخاصرة في الصلاة

- ‌باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام ونفسه تتوق إليه أو مع مدافعة

- ‌باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة

- ‌باب كراهة الالتفاف في الصلاة لغير عذر

- ‌باب كراهة شروع المأموم في نافلة بعد شروع المؤذن في إقامة

- ‌باب كراهة تخصيص يوم الجمعة بصيام أو ليلته بصلاة من بين

- ‌باب تحريم الوصال في الصوم وهو أن يصوم يومين أو أكثر

- ‌باب تحريم الجلوس على قبر

- ‌باب النهي عن تجصيص القبور والبناء عليها

- ‌باب تغليظ تحريم إباق العبد من سيده

- ‌باب تحريم الشفاعة في الحدود

- ‌باب النهي عن التغوط في طريق الناس وظلهم وموارد الماء ونحوها

- ‌باب النهي عن البول ونحوه في الماء الراكد

- ‌باب كراهة تفضيل الوالد بعض أولاده على بعض في الهبة

- ‌باب تحريم إحداد المرأة على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على

- ‌باب تحريم بيع الحاضر للبادي وتلقي الركبان والبيع على بيع أخيه

- ‌باب النهي عن إضاعة المال في غير وجوهه التي أذن الشرع

- ‌باب النهي عن الإشارة إلى مسلم بسلاح ونحوه سواء أكان جادا

- ‌باب كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان إلا بعذر حتى يصلي

- ‌باب كراهة رد الريحان لغير عذر

- ‌باب كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة من إعجاب

- ‌باب كراهة الخروج من بلد وقع فيها الوباء فرارا منه وكراهة

- ‌باب التغليظ في تحريم السحر

- ‌باب النهي عن المسافرة بالمصحف إلى بلاد الكفار إذا خيف وقوعه

- ‌باب تحريم استعمال إناء الذهب وإناء الفضة في الأكل والشرب والطهارة

- ‌باب تحريم لبس الرجل ثوبا مزعفرا

- ‌باب النهي عن صمت يوم إلى الليل

- ‌باب تحريم انتساب الإنسان إلى غير أبيه وتوليه إلى غير مواليه

- ‌باب التحذير من ارتكاب ما نهى الله عز وجل ورسوله صلى

- ‌باب ما يقوله ويفعله من ارتكب منهيا عنه

- ‌باب ما يقوله ويفعله من ارتكب منهيا عنه

- ‌باب المنثورات والملح

- ‌باب: أحاديث الدجال وأشراط الساعة وغيرها

- ‌كتاب الاستغفار

- ‌باب بيان ما أعد الله تعالى للمؤمنين في الجنة

الفصل: ‌باب تحريم سب المسلم بغير حق

‌باب تحريم سب المسلم بغير حق

قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا}

1559 -

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر متفق عليه:

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف رحمه الله في كتابه: رياض الصالحين باب تحريم سباب المسلم بغير حق سبه يعني عيبه ووصفه بما يكره لكن في حضوره أما إذا كان في غيبته فهو غيبة ثم ذكر المؤلف رحمه الله قول الله تعالى والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا الذين مبتدأ فقد احتملوا خبره المعنى أن الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسب المؤمن والمؤمنة اللذين أوذيا فقد احتملوا بهتانا أي كذبا وإثما مبينا أي عقوبة والعياذ بالله وهذا يشمل كل أذية سواء كان في القول أو في الفعل وكلما كان الإنسان أحق بالإكرام كانت أذيته أعظم وأكبر إثما فأذية القريب ليست كأذية البعيد وأذية الجار ليست كأذية غير الجار وأذية من له حق عليك ليست كأذية من لا حق له عليك المهم أن الأذية تتفاوت

ص: 218

أثمها وجرمها بحسب المؤذي والعجب أن كثيرا من المسلمين اليوم يؤذون جيرانهم بالمضايقات والاطلاع على عوراتهم وغير ذلك وهذا من أعظم ما يكون من الإثم قال النبي صلى الله عليه وسلم والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن - ثلاث مرات - قالوا من يا رسول الله؟ قال الذي لا يأمن جاره بوائقه يعني ظلمه وغشمه وقوله تعالى: {بغير ما اكتسبوا} يفهم منها أنه إذا أوذي المؤمن بما اكتسب فليس في ذلك بأس يعني لو آذيت إنسانا ردا على فعل له آذاك فأذيته فلا بأس أو آذى إنسانا لإقامة حد لله عز وجل أو آذى لأداء حق عليه أبى أن يقوم به فلا بأس بل قد أمر الله تعالى باللذين يأتيان الفاحشة فقال: {واللذان يأتيانها منكم فئاذوهما} فأمر بإيذائهما {تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما} وهذا قبل أن يشرع قتل الفاعل والمفعول به في اللواط كان اللوطي في الأول لا يجلد ولا يقتل لكن يؤذى حتى يتوب ثم أمر الله تعالى بقتل الفاعل والمفعول به على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وأجمع الصحابة على ذلك ثم ذكر المؤلف حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر وهذا يدل على أن الفسق أهون من الكفر لأنه جعل السب فسوقا وجعل القتل كفرا المقاتلة جعلها كفرا فعلى هذا إذا سب المسلم أخاه صار هذا الساب فاسقا لا تقبل شهادته ولا يجعل له ولاية ولا على بنته لا يزوج ولا ابنته لأنه صار فاسقا ولا يصح أن يكون إماما للمسلمين، ولا

ص: 219

يصح أن يكون مؤذنا هكذا قال كثير من العلماء رحمهم الله وفي بعض المسائل هذه خلاف لكن المهم أن من سب أخاه فإنه يفسق أما من قاتله فإنه يكفر إن استحل المقاتلة بغير حق فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة وإن لم يستحلها ولكن لهوى في نفسه فإن يكون كافرا لكنه كفر لا يخرج من الملة والدليل على ذلك قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} فجعل الله الطائفتين المقتتلتين إخوة للطائفة المصلحة وهذا يدل على أنهما لا يخرجان من الإيمان لكنه كفر دون كفر والله الموفق

1560 -

وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يرمي رجل رجلا بالفسق أو الكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك رواه البخاري

1561 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المتسابان ما قالا فعلى البادي منهما حتى يعتدي المظلوم رواه مسلم

ص: 220

[الشَّرْحُ]

قال النووي رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين في باب تحريم سباب المسلم بغير حق عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من دعى أخاه بكفر أو فسق عاد عليه ما لم يكن صاحبه كذلك يعني إذا قلت لإنسان أنت فاسق أو يا فاسق صرت أنت الفاسق إلا إذا كان هو كذلك وهكذا من كفر أحدا وقال أنت كافر أو يا كافر وليس كذلك صار القائل هو الكافر وفي هذا دليل على أن هذا من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد هذا القائل أن يكون هو الذي يتصف بهذه الصفة وعلى هذا فلا يحل للإنسان أن يقول لأخيه المؤمن يا فاسق أو يقول فلان فاسق إلا إذا كان كذلك وأراد أن يحذر منه فلا بأس وكذلك لا يقول له يا كافر أو يقول فلان كافر فإنه لا يحل له ذلك ما لم يكن هكذا وفيه التحذير من تكفير المسلمين بغير دليل شرعي خلافا لما يتجاسر به بعض الناس والعياذ بالله يكفر على أدنى شيء يقول هذا كفر وهذا فسق وما أشبه ذلك وأما الحديث الثاني فهو عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المتسابان ما قالا فعلى البادي منهما المتسابان مبتدأ ما مبتدأ ثاني فعلى البادي خبر المبتدأ الثاني والجملة خبر المبتدأ الأول والمعنى أن المتسابان إذا تسابا وتشاتما بكلام سيئ فإن الإثم على البادي منهما ما قالا

ص: 221

فعلى البادي منهما ما لم يعتد المظلوم فإن اعتدى صار عليه الإثم وفي هذا دليل على أنه يجوز للإنسان أن يسب صاحبه بمثل ما سبه به ولا يتعدي ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله من لعن والديه قالوا: يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه فدل هذا على أن الإنسان إذا كان سببا للشر فإنه يناله من شره ما قال فعلى البادئ منه ما لم يعتد المظلوم فإن اعتدى فعليه وإن أخذ بحقه بدون زيادة فليس عليه شيء والله الموفق

1562 -

وعنه قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب قال: اضربوه قال أبو هريرة فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه فلما انصرف قال بعض القوم أخزاك الله قال: لا تقولوا هذا لا تعينوا عليه الشيطان رواه البخاري

[الشَّرْحُ]

هذه بقية الأحاديث في باب تحريم سب المسلم بغير حق وقد سبق حديثان حديث ابن مسعود وحديث أبي هريرة رضي الله عنهما في هذا الموضوع أما الحديث الثالث فهو عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل قد شرب يعني قد شرب الخمر وذلك بعد أن نزل تحريمها والخمر كل ما أسكر فهو خمر سواء كان من العنب أو من التمر أو من الشعير أو من البر أو من غير ذلك كل ما أسكر فهو خمر قال النبي صلى الله عليه وسلم:

ص: 222

كل مسكر خمر وكل مسكر حرام والإسكار هو تغطية العقل على وجه اللذة والطرب ليس مجرد تغطية العقل ولهذا البنج ليس مسكرا وإن كان يغطي العقل والمبنج لا يدري ماذا حصل له لكن الخمر نسأل الله العافية يجد الإنسان من السكر لذة وطربا ونشوى حتى يتصور أنه ملك من الملوك وأنه فوق الثريا وما أشبه ذلك كما قيل في هذا:

ونشربها فتتركنا ملوكا

وكما قال حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه لابن أخيه النبي صلى الله عليه وسلم حين رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكران فتكلم معه فقال له حمزة وهو سكران هل أنتم إلا عبيد أبي وهذه كلمة بشعة لكنه سكران والسكران لا يؤاخذ بما يقول وهذا قبل أن ينزل تحريم الخمر وكان الخمر على أربع مراحل: المرحلة الأولى إباحة أن الله أباحه للعباد إباحة طيبة فقال تعالى: ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا يعني تشربونه فتسكرون وتتجرون به فتحصلون رزقا المرحلة الثانية تعريض الله تعالى بتحريمه وقال تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما} ولم ينه عنهما

ص: 223

في هذه المرحلة الثانية المرحلة الثالثة قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} فنهى عن قربان الصلاة في حال السكر وهذا يقتضي أنه يباح شرب الخمر في غير أوقات الصلاة المرحلة الرابعة: التحريم البائن قال تعالى في سورة المائدة وهي من آخر ما نزل قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} فاجتنبه الناس لكن لما كانت النفوس تدعوا إليها إلى الخمر وشربها جعل لها رادع يردع الناس عن شربها وهو العقوبة ولم يقدر لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فعقوبة الشارب ليست حدا لكنها تعزير ولهذا جيء برجل شرب الخمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم اضربوه ولا قال أربعين ولا ثمانين ولا مائة ولا عشرة فقاموا يضربونه منه الضارب بثوبه ومنهم الضارب بيده ومنهم الضارب بنعله لكن ضربوه نحو أربعين جلدة فلما انصرفوا وانصرف الرجل قال رجل من القوم: أخزاه الله يعني أذله وفضحه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقل هكذا لا تدع عليه بالخزي رجل شرب مسكرا وجلد وتطهر بالجلد لا تعينوا عليه الشيطان فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يسبوه مع أنه شارب خمر إذا ما موقفنا من شارب الخمر موقفنا أن ندعوا له بالهداية قل اللهم اهده اللهم أصلحه اللهم أبعده عن هذا وما أشبه ذلك أما أن تدعوا عليه فإنك تعين عليه الشيطان وفي هذا دليل على أن الخمر محرم وأن عليه عقوبة

ص: 224

لكن في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه انتشرت الفتوحات ودخل في دين الإسلام أناس جدد وكثر شرب الخمر في عهده وكان رضي الله عنه رجلا حازما ناهيك به فأراد أن يعاقب شارب الخمر بعقوبة تكون أشد وأردع إلا أنه رضي الله عنه لورعه وتحرزه جمع الصحابة أي جمع ذوي الرأي وليس المراد كل الصحابة لأن السوقة وعامة الناس لا يصلحون لمثل هذه الأمور ولا لأمور السياسة وليس لعامة الناس أن يلوكوا ألسنتهم بسياسة ولاة الأمور السياسة لها أناس والصحون والقدور لها أناس آخرون ولو أن السياسة صارت تلاك بين ألسن عامة الناس فسدت الدنيا لأن العامي ليس عنده علم وليس عنده عقل وليس عنده تفكير وعقله وفكره لا يتجاوز قدمه ويدل لهذا قول الله تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به} ونشروه قال تعالى: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} دل هذا على أن العامة ليسوا كأولي الأمر وأولي الرأي والمشورة فليس الكلام في السياسة من المجالات العامة ومن أراد أن تكون العامة مشاركة لولاة الأمور في سياستها وفي رأيها وفكرها فقد ضل ضلالا بعيدا وخرج عن هدي الصحابة وهدي الخلفاء الراشدين وهدي سلف الأمة فالمهم أن عمر بن الخطاب لحزمه جمع ذوي الرأي من الصحابة وقال لهم ما معناه (كثر شرب الخمر) وإذا قل الوازع الديني يجب أن يقوى الرادع السلطاني يعني إذا ضعف الأمر من الناحيتين الوازع الديني والرادع السلطاني فسدت الأمة فاستشارهم ماذا يصنع فقال عبد الرحمن بن عوف يا أمير المؤمنين أخف الحدود ثمانون جلدة ارفع العقوبة إلى ثمانين جلدة ويشير رضي الله عنه أعني عبد الرحمن إلى حد القذف فإن الله تعالى قال: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم

ص: 225

ثمانين جلده} هذا أخف الحدود فرجع عمر رضي الله عنه عقوبة شارب الخمر إلى ثمانين وهذا كالنص الصريح على أن عقوبة شارب الخمر ليست حدا بل هي صريح لأنه قال: أخف الحدود ثمانين ووافقه الصحابة على هذا ولم يقل عمر رضي الله عنه: أنه ليس كذلك فرفعه عمر وجعل ذلك ثمانين جلدة من أجل أن يرتدع الناس وقد جاء في السنة أن شارب الخمر إذا شرب فجلد ثم شرب فجلد ثم شرب فجلد ثم شرب الرابعة فإنه يجب قتله هكذا جاء في السنة وأخذ بظاهره الظاهرية وقالوا شارب الخمر إذا جلد فإنه يقتل في الرابعة لأنه أصبح عنصرا فاسدا لم ينفع فيه الإصلاح والتقويم وقال جمهور العلماء لا يقتل بل يكرر عليه الجلد كلما شرب جلد وتوسط شيخ الإسلام رحمه الله فقال: إذا كثر شرب الخمر في الناس ولم ينته الناس بدون القتل فإنه يقتل في الرابعة وهذا قول وسط روعي فيه الجمع بين المصلحتين مصلحة ما يدل عليه بعض النصوص الصريحة لأن عمر لم يرفع العقوبة إلى القتل مع أنه يقول إن الناس كثر شربهم وبين هذا الحديث الذي اختلفت الناس في صحته وفي بقاء حكمه هل هو منسوخ أو غير منسوخ وهل هو صحيح أو غير صحيح فعلى كل حال فالذي اختاره شيخ الإسلام هو عين الصواب أنه إذا كثر شرب الناس والخمر ولم ينته الناس بدون قتل فإنه يقتل الشارب في الرابعة وليت ولاة الأمور يعملون هذا العمل ولو عملوا هذا العمل لحصل خير

ص: 226

كثير واندرأ شر كثير وقل شرب الناس للخمر الذي بدأ ينتشر والعياذ بالله وفي بعض البلاد الإسلامية انتشر كانتشار الشراب المباح كعصير الليمون وعصير البرتقال وما أشبه ذلك وهذا لا شك أنه مظهر غير مظهر المسلمين وأنه استباحة له في الواقع كونه يصبح منشورا بين الناس يفتح الإنسان الثلاجة ويشرب الخمر والعياذ بالله هكذا كأنه استباحه وهذا ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف فإن الناس الآن تقاسموا هذه الأشياء الأربعة منهم من انتشر في شعوبهم الزنا واللواط والعياذ بالله وصار عندهم مباحا يذكر لنا أنه في بعض البلاد إذا نزلت الطائرة وإذا في المطار فتيات وفتيان يقالون للنازل ما تريد؟ جميلة غير جميلة شابة غير شابة؟ الحر يعني الزنا أو اللواط وفي بعض البلاد الخمر منتشر يباع في الأسواق ويشرب ليلا ونهارا وكأنه شراب حلال وفي بعض البلاد ولاسيما في المتوفين من رعيتهم نجد الرجل كالمرأة يلبس الحرير واللين من الثياب وربما يلبس حلي الذهب قلادة خاتم أو ما أشبه ذلك والمعازف الآن حدث ولا حرج المعازف منتشرة في غالب بلاد الإسلام إن لم أقل في كل بلاد الإسلام فقد انتشرت والعياذ بالله المعازف بجميع أنواعها فنسأل الله السلامة والهداية وأن يصلح ولاة الأمور ورعاياهم إنه على كل شيء قدير

ص: 227

1562 -

وعنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قذف مملوكه بالزنا يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال متفق عليه.

1563 -

وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قذف مملوكه بالزنا يقام عليه الحد يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال متفق عليه.

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف الإمام النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين في باب تحريم سباب المسلم بغير حق.

ساق أحاديث وقبلها آية، والحديث الأخير عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قذف مملوكه بالزنا أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال المملوك هو العبد يملكه الإنسان، والمملوك كالسلعة يباع ويشترى ويوهب، ويرهن ويوقف إلا أن أحكام الله عز وجل هو والحر عل حد سواء في غير الأمور المالية.

والسيد مالك للرقيق لعينه يعني رقبته ولمنافعه، فإذا قذف عبده بأن قال للعبد: يا زاني أو يا لوطي، أو ما أشبه ذلك من كلمات القذف فإنه لن يحد في الدنيا؛ لأنه سيد، والعبد مملوك، لكن يقام عليه في دار عذابها أشد والعياذ بالله وهي الدار الآخرة يقام عليه الحد يوم القيامة وعلى هذا فيكون قذف المملوك من كبائر الذنوب لأنه رتب عليه عقوبة في الآخرة وكل شيء رتب عليه عقوبة في الآخرة فإنه يكون من كبائر الذنوب، كما قال أهل العلم رحمهم الله في حد الكبيرة.

وأما لو زنى المملوك حقيقة وقذفه سيده بذلك فإنه لا حد عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إلا أن يكون كذلك يعني كما قال ولكن

ص: 228

متى يكون كما قال؟ يكون بأن يشهد عليه أربعة.

أربعة رجال عدول بأنه زنى ويصرحون بذكر حقيقة الوطء أو يقر هو بنفسه على نفسه فحينئذ يرتفع الحد عن السيد.

وأعلم أن الرقيق إذا زنى فإن عليه نصف حد الحر كما قال الله تبارك وتعالى: فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة يعني الإماء {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} والذي يتنصف من عذاب المحصنات هو الجلد فيكون على الرقيق إذا زنى خمسون جلدة فقط قال العلماء ويسقط عنه التغريب، لأن الزاني الحر إذا زنى وهو غير محصن فإنه يجلد مائة جلدة ويطرد عن البلد عاماً كاملا أما الرقيق فأنه يجلد خمسين جلدة ولا يغرب لأن التغريب إضرار بسيده فيكون من باب تحميل الإنسان ما لم يحتمله، وللسيد أن يقيم على عبده الحد إذا زنى لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها فأمر السيد أن يجلدها أما الحر فإنه لا يتولى جلده إلا الإمام أو نائبه حتى لو كان ابنك وزنى وهو بالغ عاقل فإنه لا يتولى إقامة الحد عليه إلا الإمام أو نائبه وكذلك لو زنى أخوك بعد بلوغه وهو عاقل فإنه لا يقيمه إلا الإمام أو نائبه أما السيد فيقيمه على عبده خاصة في الجلد وأما لو سرق العبد فالسرقة فيها قطع اليد ولا يتولى قطع اليد إلا الإمام أو نائبه ولهذا قال العلماء: إن السيد لا يقيم الحد على عبده إلا إذا كان الحد جلداً والله أعلم

ص: 229