المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - جـ ٦

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الدعوات

- ‌باب فضل الدعاء

- ‌باب الأمر بالدعاء وفضله

- ‌باب فضل الدعاء بظهر الغيب

- ‌باب في مسائل من الدعاء

- ‌باب كرامات الأولياء وفضلهم

- ‌كتاب الأمور المنهي عنها

- ‌باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان

- ‌باب تحريم سماع الغيبة وأمر من سمع غيبة محرمة بردها

- ‌باب ما يباح من الغيبة

- ‌باب تحريم النميمة وهي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد

- ‌باب النهي عن نقل الحديث وكلام الناس إلى ولاة الأمور إذا

- ‌باب ذم ذي الوجهين

- ‌باب تحريم الكذب

- ‌باب بيان ما يجوز من الكذب

- ‌باب الحث على التثبت فيما يقوله ويحكيه

- ‌باب بيان تغليظ تحريم شهادة الزور

- ‌باب تحريم لعن إنسان بعينه أو دابة

- ‌باب جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين

- ‌باب تحريم سب المسلم بغير حق

- ‌باب تحريم سب الأموات بغير حق أو مصلحة شرعية

- ‌باب النهي عن الإيذاء

- ‌باب النهي عن التباغض والتقاطع والتدابر

- ‌باب تحريم الحسد

- ‌باب النهي عن التجسس والتسمع لكلام من يكره استماعه

- ‌باب النهي عن سوء الظن بالمسلمين من غير ضرورة

- ‌باب تحريم احتقار المسلمين

- ‌باب النهي عن إظهار الشماتة بالمسلم

- ‌باب تحريم الطعن في الأنساب الثابتة في ظاهر الشرع

- ‌باب النهي عن الغش والخداع

- ‌باب تحريم الغدر

- ‌باب النهي عن المن بالعطية ونحوها

- ‌باب النهي عن الافتخار والبغي

- ‌باب تحريم الهجران بين المسلمين فوق ثلاثة أيام إلا لبدعة في

- ‌باب النهي عن تناجي اثنين دون الثالث

- ‌باب النهي عن تعذيب العبد والدابة والمرأة والولد بغير سبب شرعي

- ‌باب تحريم التعذيب بالنار في كل حيوان حتى النملة ونحوها

- ‌باب تحريم مطل الغني بحق طلبه صاحبه

- ‌باب كراهية عودة الإنسان في هبة لم يسلمها إلى الموهوب له

- ‌باب تأكيد تحريم مال اليتيم

- ‌باب تحريم الرياء

- ‌باب ما يتوهم أنه رياء وليس رياء

- ‌باب تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية والأمرد الحسن لغير حاجة شرعية

- ‌باب تحريم الخلوة بالأجنبية

- ‌باب تحريم تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال في لباس وحركة وغير

- ‌باب النهي عن التشبه بالشيطان والكفار

- ‌باب نهي الرجل والمرأة عن خضاب شعرهما بسواد

- ‌باب النهي عن القزع وهو حلق بعض الرأس دون بعض وإباحة

- ‌باب كراهية الاستنجاء باليمين ومس الفرج باليمين من غير عذر

- ‌باب كراهة المشي في نعل واحدة أو خف واحد لغير عذر

- ‌باب النهي عن ترك النار في البيت عند النوم ونحوه سواء

- ‌باب النهي عن التكلف وهو فعل وقول ما لا مصلحة فيه

- ‌باب تحريم النياحة على الميت ولطم الخد وشق الجيب ونتف الشعر

- ‌باب النهي عن إتيان الكهان والمنجمين والعراف وأصحاب الرمل والطوارق

- ‌باب النهي عن التطير

- ‌باب تحريم تصوير الحيوان في بساط أو حجر أو ثوب أو

- ‌باب تحريم اتخاذ الكلب إلا لصيد أو ماشية أو زرع

- ‌باب كراهية تعليق الجرس في البعير وغيره من الدواب وكراهية استصحاب

- ‌باب كراهة ركوب الجلالة

- ‌باب النهي عن البصاق في المسجد والأمر بإزالته منه إذا وجد

- ‌باب كراهية الخصومة في المسجد ورفع الصوت فيه ونشد الضالة والبيع

- ‌باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو غيره

- ‌باب كراهية الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب لأنه يجلب النوم فيفوت

- ‌باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وأراد أن يضحي

- ‌باب النهي عن الحلف بمخلوق كالنبي صلى الله عليه وسلم والكعبة

- ‌باب تغليظ اليمين الكاذبة عمدا

- ‌باب ندب من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها أن

- ‌باب العفو عن لغو اليمين وأنه لا كفارة فيه وهو ما

- ‌باب كراهة الحلف في البيع وإن كان صادقا

- ‌باب كراهة أن يسأل الإنسان بوجه الله عز وجل غير الجنة

- ‌باب كراهة سب الحمى

- ‌باب النهي عن سب الريح وبيان ما يقال عند هبوبها

- ‌باب كراهة سب الديك

- ‌باب النهي عن قول الإنسان مطرنا بنوء كذا

- ‌باب تحريم قوله لمسلم يا كافر

- ‌باب النهي عن الفحش وبذاءة اللسان

- ‌باب كراهة التقعير في الكلام والتشدق فيه وتكلف الفصاحة واستعمال ودقائق

- ‌باب كراهة قوله خبثت نفسي

- ‌باب كراهة تسمية العنب كرما

- ‌باب النهي عن وصف محاسن المرأة لرجل إلا أن يحتاج إلى

- ‌باب كراهة قول الإنسان في الدعاء اللهم اغفر لي إن شئت

- ‌باب كراهة قول ما شاء الله وشاء فلان

- ‌باب كراهة الحديث بعد العشاء الآخرة

- ‌باب تحريم امتناع المرأة من فراش زوجها إذا دعاها ولم يكن

- ‌باب تحريم صوم المرأة تطوعا وزوجها حاضر إلا بإذنه

- ‌باب تحريم رفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام

- ‌باب كراهة وضع اليد على الخاصرة في الصلاة

- ‌باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام ونفسه تتوق إليه أو مع مدافعة

- ‌باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة

- ‌باب كراهة الالتفاف في الصلاة لغير عذر

- ‌باب كراهة شروع المأموم في نافلة بعد شروع المؤذن في إقامة

- ‌باب كراهة تخصيص يوم الجمعة بصيام أو ليلته بصلاة من بين

- ‌باب تحريم الوصال في الصوم وهو أن يصوم يومين أو أكثر

- ‌باب تحريم الجلوس على قبر

- ‌باب النهي عن تجصيص القبور والبناء عليها

- ‌باب تغليظ تحريم إباق العبد من سيده

- ‌باب تحريم الشفاعة في الحدود

- ‌باب النهي عن التغوط في طريق الناس وظلهم وموارد الماء ونحوها

- ‌باب النهي عن البول ونحوه في الماء الراكد

- ‌باب كراهة تفضيل الوالد بعض أولاده على بعض في الهبة

- ‌باب تحريم إحداد المرأة على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على

- ‌باب تحريم بيع الحاضر للبادي وتلقي الركبان والبيع على بيع أخيه

- ‌باب النهي عن إضاعة المال في غير وجوهه التي أذن الشرع

- ‌باب النهي عن الإشارة إلى مسلم بسلاح ونحوه سواء أكان جادا

- ‌باب كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان إلا بعذر حتى يصلي

- ‌باب كراهة رد الريحان لغير عذر

- ‌باب كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة من إعجاب

- ‌باب كراهة الخروج من بلد وقع فيها الوباء فرارا منه وكراهة

- ‌باب التغليظ في تحريم السحر

- ‌باب النهي عن المسافرة بالمصحف إلى بلاد الكفار إذا خيف وقوعه

- ‌باب تحريم استعمال إناء الذهب وإناء الفضة في الأكل والشرب والطهارة

- ‌باب تحريم لبس الرجل ثوبا مزعفرا

- ‌باب النهي عن صمت يوم إلى الليل

- ‌باب تحريم انتساب الإنسان إلى غير أبيه وتوليه إلى غير مواليه

- ‌باب التحذير من ارتكاب ما نهى الله عز وجل ورسوله صلى

- ‌باب ما يقوله ويفعله من ارتكب منهيا عنه

- ‌باب ما يقوله ويفعله من ارتكب منهيا عنه

- ‌باب المنثورات والملح

- ‌باب: أحاديث الدجال وأشراط الساعة وغيرها

- ‌كتاب الاستغفار

- ‌باب بيان ما أعد الله تعالى للمؤمنين في الجنة

الفصل: ‌باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان

‌كتاب الأمور المنهي عنها

‌باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين، باب تحريم الغيبة ووجوب حفظ اللسان، ثم ذكر عدة آيات في هذا المعنى.

والغيبة بينها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لأصحابه أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: الغيبة ذكرك أخاك بما يكره، فقالوا: يا رسول الله أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته يعني مع الغيبة، فالغيبة من كبائر الذنوب التي لا تكفرها الصلاة ولا الصدقة ولا الصيام ولا غيرها من الأعمال الصالحة، بل تبقى على الموازنة، قال ابن عبد القوي رحمه الله في نظمه الآداب:

وقد قيل صغرى غيبة ونميمة

وكلتاهما على نص أحمد

أي أحمد بن حنبل رحمه الله، يعني أنه قد نص على أن الغيبة والنميمة من كبائر الذنوب.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم في تعريف الغيبة ذكرك أخاك بما يكره، يشمل ما يكرهه من عيب خلقي وعيب خلقي وعيب ديني، كل شيء يكرهه فإنك إذا ذكرته به فهي غيبة، من العيب الخلقي مثلاً لو اغتبته أنه أعرج، أعور، أو طويل، أو قصير، أو ما أشبه ذلك، هذه غيبة، أو خلقي كما لو ذكرته بأنه ليس بعفيف يعني يتتبع النساء ينظر إلى النساء ينظر إلى المردان وما أشبه ذلك أو عيب ديني، بأن تقول إنه مبتدع أو إنه لا يصلي مع الجماعة، إنه لا

ص: 103

يفعل كذا وكذا تعيبه في غيبته ولهذا سميت غيبة، لأنها في غيبة الإنسان، أما لو كان ذلك في وجهه فإنه يسمى سباً وشتماً ولا يسمى غيبة.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته.

يعني بهته مع الغيبة، فحذف الشق الثاني لأنه معلوم، ونظير ذلك في الكلام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: ليت أنا نرى إخواننا، قالوا يا رسول الله أولسنا إخوانك؟ قال: لا أنتم أصحابي، وإخواننا هم الذين يأتون من بعدي يعني فيؤمنون به وهم لا يرونه، وقوله أنتم أصحابي لا يعني بذلك نفي الأخوة بل الصحابة إخوانه وأصحابه ومن بعده إخوانه وليسوا أصحابه، هذا أيضاً فقد بهته يعني ولا يمكن أن يكون غيبة بل هو غيبة وبهتان.

واعلم أن الغيبة تزداد قبحاً وإثماً بحسب ما تؤدي إليه، فغيبة العامة من الناس ليست كغيبة العالم أو ليست كغيبة الأمير أو المدير أو الوزير أو ما أشبه ذلك، لأن غيبة ولاة الأمور صغيراً كان الأمر أو كبيراً أشد من غيبة من ليس لهم إمرة وليس له أمر ولا ولاية، لأنك إذا اغتبت عامة الناس إنما تسيء إليه شخصياً فقط، أما إذا اغتبت من له أمر فقد أسأت إليه وإلى ما يتولاه من أمور المسلمين، مثلاً فرض أنك اغتبت عالماً من العلماء، هذا لا شك أنه عدوان عليه شخصيا كغيره من المسلمين لكنك أيضاً أسأت إساءة كبيرة إلى ما يحمله من الشريعة، رجل عالم يحمل الشريعة، إذا اغتبته سقط من أعين الناس، وإذا سقط من أعين الناس لن يقبلوا قوله ولم يأتوا إليه يرجعون إليه في أمور دينهم، وصار ما يطلبه من الحق مشكوكاً فيه لأنك اغتبته، فهذه جناية

ص: 104

عظيمة على الشريعة.

كذلك الأمراء، إذا اغتبت أميراً أو ملكاً أو رئيسًا أو أشبه ذلك ليس هذه غيبة شخصية له فقط بل هي غيبة له وفساد لولاية أمره؛ لأنك إذا اغتبت الأمير أو الوزير أو الملك معناها أنك تشحن قلوب الرعية على ولاتهم، وإذا شحنت قلوب الرعية على ولاة أمورهم فإنك في هذه الحال أسأت إلى الرعية إساءة كبيرة؛ إذ أن هذا سبب لنشر الفوضى بين الناس، وتمزق الناس وتفرق الناس، واليوم يكون رمياً بالكلام، وغداً يكون رميًا بالسهام؛ لأن القلوب إذا شحنت وكرهت ولاة أمورها، فإنها لا يمكن أن تنقاد لأوامرهم، إذا أمرت بخير رأته شرا ولهذا قال الشاعر كلمة صادقة، قال:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

كما أن أعين السخط تبدي المساوئ

فأنت مثلاً إذا اغتبت أحداً من الكبار الذين لهم ولاية أمر على المسلمين، قيادة دينية، أو قيادة تنفيذية وسلطة، فإنك تسيء إلى المسلمين عمومًا من حيث لا تشعر، قد يظن بعض الناس أن هذا يشفي من غليله وغليانه، لكن كيف يصب جامه على أمن مستقر ليقلب هذا الأمن إلى خوف، وهذا الاستقرار إلى قلق؟ أو ليقلب هذه الثقة بالعالم إلى سحب الثقة، إذا كنت ذا غليان أو إذا كان صدرك مملوءًا غيظًا فصبه على نفسك قبل أن تصبه على غيرك، انظر مساوئك أنت، هل أنت ناج من المساوئ؟ هل أنت سالم؟ أول عيب فيك أنك تسب ولاة الأمور وتغتاب ولاة الأمور، قد يقول: أنا أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، نقول: حسناً ما قصدت، ولكن البيوت تؤتى من أبوابها، ليس طريق

ص: 105

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تنشر معايب ولاة أمورك؛ لأن هذا مما يزيد المنكر، لا يثق الناس في أداء أحد، إذا قال العالم: هذا منكر، قالوا: هذا اجعلوه على جنب، إذا قال الأمير: هذا منكر، وأراد أن يمنع منه، يقول لا، أنت ما أصلحت نفسك حتى تصلح غيرك، فيحدث بهذا ضرر كبير على المسلمين، والعجب أن بعض المفتونين بهذا الأمر، أي بسبب ولاة الأمور من العلماء والأمراء، العجب أنهم لا يأتون بحسنات هؤلاء الذين يغتابونهم، حتى يقوموا بالقسط، لأن الله يقول: يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجر منكم شنأن قوم على ألا تعدلوا، لا يجرمنكم: لا يحملنكم بغضهم على ألا تعدلوا، والعجب أيضاً أنك لا تكاد تجد في مجالسهم أو في أفواههم يوماً من الدهر إلا قليلاً أنهم يقولون: يا أيها الناس اتقوا كذا، اتقوا الغش، اتقوا الكذب.

الغش موجود في البيع والشراء والمعاملات والكذب موجود أيضاً والغيبة موجودة، لا تكاد تجد أنهم يصبون حامهم (غضبهم) على إصلاح العامة ويحذرونهم، ومن المعلوم أن العامة إذا صلحت فالشعب هو العامة، الشعب يتكون من زيد وعمر وبكر وخالد، أفراد، إذا صلحت الأفراد صلح الشعب، وإذا صلح الشعب فلابد أن تصلح الأمة كلها، لكن بعض الناس يكون فيه مرض يحب مثل هذا الأمر، يحب أن يطرح على بساط البحث عالمًا من العلماء فيتتبع عوراته ولا يذكر خيراته ويشيع هذه العورات بين الناس، أو

ص: 106

يأخذ أميرًا، أو وزيرًا أو ملكًا، ويضعه على البساط ثم يشرحه ويتكلم فيه، ولا يذكر شيئاً من حسناته، سبحان الله أين العدل؟ إذا كان الله عز وجل {يقول الحق وهو يهدي السبيل} حتى في معاملة المشركين، يقول عز وجل:{وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها} قالوا كلمتين وجدنا عليها آبائنا، والثانية: والله أمرنا بها، حكم الله بينهم {قل إن الله لا يأمر بالفحشاء} فقبل منهم الحق وهو أنهم وجدوا آباءهم عليها ورد الباطل.

إذا كنت تريد أن تتكلم بالعدل تكلم بالعدل أما أن تتبع عورات المسلمين ولاسيما ولاة الأمور منهم، فاعلم أن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، وأن من تتبع الله عورته فضحه ولو في بيت أمه.

المهم أن علينا أن نتجنب الغيبة، وأن نكف ألسنتنا، وأن نعلم أن كل كلمة تكون غيبة لشخص فإنما تكون نقصاً من حسناتنا وزيادة في حسنات هذا الذي ظلم بسبه كما جاء في الحديث أتدرون من المفلس فيكم؟ قالوا: من لا درهم عنده ولا متاع، قال: لا المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، فيأتي وقد ظلم هذا، وشتم هذا، وأخذ مال هذا فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن بقي من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاتهم وطرح عليه ثم طرح في النار.

حتى إننا سمعنا عن بعض السلف أنه سمع عن شخص يغتابه فأرسل إليه بهدية من الذي أرسل الذي اغتيب، أرسل إلي

ص: 107

الذي اغتابه بهدية وقال له: أنت أهديتني حسنات أنتفع بها يوم القيامة، وأنا أهديك هذه الهدية تنتفع بها في الدنيا، وآخر أمرها أن تكون خراءة أو بولاً.

المهم يا إخوان نصيحتي لنفسي ولكم أن تتجنبوا الغيبة، وأن تتجنبوا الخوض في مساوئ ولاة الأمور من العلماء والأمراء والسلاطين وغيرهم، إذا كنتم تريدون الخير والإصلاح، فالباب مفتوح، اتصلوا بأنفسكم، اتصلوا بقنوات أخرى إذا لم تستطيعوا أن تتصلوا بأنفسكم، ثم إذا أديتم الواجب سقط عنكم ما وراء ذلك، ثم اعلم يا أخي، هل غيبتك هذه للعلماء أو الأمراء هل تصلح من الأمور شيئاً؟ أبدًا بل هي إفساد الواقع لا تزيد الأمر إلا شكا ولا ترتفع بها مظلمة ولا يصلح بها فاسد، وإنما الطرق موجودة، ثم على الإنسان أن يتكلم بالعدل كما قلت، إذا ابتليت بنشر مساوئ الناس فانشر المحاسن حتى تتعادل الكفة أو ترجح إحدى الكفتين على الأخرى، أما أن تبتلى بنشر المعايب وتكون أخرس في نشر المحاسن، فهذا ليس بعدل.

وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح

قال الله تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} وقال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} .

وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} .

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصاحين باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان، سبق لنا أن الغيبة هي أن تذكر أخاك بما يكره في دينه أو خلقه أو خلقته

ص: 108

أو غير ذلك، كل شيء يكرهه أخوك فلا تذكره به في حال غيبته، وسبق لنا أن الغيبة من الكبائر من كبائر الذنوب، وأنه لا تكفرها الصلاة ولا الصدقة ولا الصيام ولا الحج إلا أنها كغيرها من الكبائر يوازن بينها وبين الحسنات، وسبق لنا أن الغيبة تختلف، أي يختلف حكمها وقبحها بحسب ما تقضي إليه من مفاسد، وسبق لنا أن غيبة ولاة الأمور من العلماء والأمراء أشد من غيبة غيرهم لما يترتب على ذلك من المفاسد العظيمة، أما ما ساقه المؤلف من الآيات فأولها قوله تعالى ولا يغتب بعضكم بعضا.

وهذه معطوفة على ما ذكر في أول الآية: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه} ، فنهى الله عن الغيبة ثم ضرب مثلاً ينفر منه كل أحد، فقال:{أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه} ، لو قدم لك أخوك المسلم ميتًا هل تحب أن تأكل لحمه؟ الجواب: لا.

الكل يقول: لا أحب ذلك، ولا يمكن، فإذا قال قائل: ما هي مناسبة الغيبة لهذا المثل؟ قلنا: لأن الذي تغتابه غائب لا يمكن أن يدافع عن نفسه، كالميت إذا قطعت لحمه لا يمكن أن يقوم ليدافع عن نفسه، ولهذا إذا ذكرت أخاك بما يكره في حال وجوده فإن ذلك لا يسمى غيبة فإن بل يسمى سباً وشتمًا.

{واتقوا الله إن الله تواب رحيم} ، فأمر بتقوى الله عز وجل بعد أن نهى عن الغيبة، وهذا إشارة إلى أن الذين يغتابون الناس لم يتقوا الله عز وجل.

واعلم أنك إذا سلطت على عيب أخيك ونشرته وتتبعت عورته فإن الله تعالى

ص: 109

يقيد لك من يفضحك ويتتبع عورتك حيًا كنت أو ميتًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في بيت أمه.

إلا أن الغيبة إذا كانت للنصح والبيان فإنه لا بأس بها؛ كما لو أراد إنسان أن يعامل شخصًا من الناس، وجاء إليك يستشيرك، يقول: ما تقول؟ هل أعامل فلانًا؟ وأنت تعلم أن هذا سيئ المعاملة، ففي هذا الحال يجب عليك أن تبين ما فيه من العيب من باب النصح، ودليله أن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها خطبها ثلاثة من الصحابة: أسامة بن زيد، ومعاوية بن أبي سفيان، وأبو جهم، فجاءت تستشير النبي صلى الله عليه وسلم تقول له خطبني فلان وفلان وفلان، فقال لها عليه الصلاة والسلام: أما أبو جهم فضراب للنساء، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة فذكر هذين الرجلين بما يكرهان لكن من باب النصيحة لا من باب نشر العيب والفضيحة، وفرق بين هذا وهذا، وكذلك لو جاء إنسان يستشيرك قال: اطلب العلم عند فلان؟ وأنت تعلم أن فلانًا ذو منهج منحرف، فلا حرج عليك: لا تطلب العلم عنده.

مثل أن يكون في عقيدته شيء أو في فكره شيء أو في منهجه شيء وتخشى أن يؤثر على هذا الذي جاء يستشيرك أيطلب العلم عنده أم لا، وجب عليك أن تبين له، تقول: لا تطلب العلم عند هذا، هذا فيه كذا وكذا

ص: 110

من العيوب حتى لا ينتشر عيبه بين الناس؛ والأمثلة على هذا كثيرة، والمهم أنه إذا كان ذكرك أخاك بما يكره من أجل النصيحة فلا بأس.

وقد شاع عند الناس كلمة غير صحيحة وهي قولهم: [لا غيبة لفاسق] هذا ليس حديثًا وليس قولاً مقبولا بل الفاسق له غيبة مثل غيره، وقد لا يكون له غيبة فإذا ذكرنا فسقه على وجه العيب والسب فإن ذلك لا يجوز، وإذا ذكرناه على سبيل النصيحة والتحذير منه فلا بأس بل قد يجب، والمهم أن هذه العبارة ليست حديثًا عن الرسول عليه والسلام

قال الله تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} وقال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} وقال تعالى {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}

[الشَّرْحُ]

قد سبق الكلام عن الآية الأولى ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم أما الآية الثانية فهي قوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} .

(لا تقف) يعني: لا تتبع ما ليس بك به علم، وهذا النهي يشمل كل شيء، كل شيء ليس لك به علم فلا تتبعه أعرض عنه ولا تتكلم فيه لأنك على خطأ، وهذا إذا كان بالنسبة لما تنسبه إلى الله ورسوله كان محرمًا من أشد المحرمات إثما، إذا قلت مثلاً: قال الله تعالى كذا وكذا والله لم يقله، أو تفسر الآية بما تهواه لا بما تدل عليه الآية، فقد قلت على الله ما لا تعلمه، ولهذا سيأتي

ص: 111

الحديث: من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ولا يحل لأحد أن يفسر آية من كتاب الله وهو لا يعلم معناها، وإنما يفسرها بالظن والتخمين؛ لأن الأمر خطير؛ لأنك إذا فسرت آية إلى معنى من المعاني فقد شهدت على الله إنه أراد كذا وكذا وهذا خطر عظيم، ولهذا يجب على الإنسان التحرز من التسرع فيما ليس له به علم بالنسبة للأحكام الشرعية، وكذلك غيرها ولكن هي أشد، وقد قرن الله تعالى القول عليه بلا علم، قرنه بالشرك، فقال تعالى:{إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطنا وأن تقولوا على ما الله لا تعلمون} وكذلك إذا قفوت ما ليس لك به علم بالنسبة للآدميين (بني آدم) ؛ بأن تنقل عن شخص أنه قال كذا وكذا وهو لم يقله، حتى لو قيل لك: إنه قال كذا وكذا، فلا تعتمد على هذا حتى تتيقن، لاسيما إذا كثر القول بين الناس في الأمور، فإن يجب التحرز أكثر؛ لأن الناس إذا كثر فيهم القول والقيل والقال فإنهم يبنون من الحبة قبة، ومن الكلمة كلمات ولا يتحرزون في النقل ولهذا يسمع لإنسان أنه ينقل عنه أو عن غيره ما ليس بصحيح إطلاقاً؛ لأن الناس مع القول والقيل والقال يكون لهم هوى، والعياذ بالله، فيقولون ما لا يعلمون.

ثم ذكر الآية الثالثة وهي قوله تعالى {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} المؤلف رحمه الله لم يسق إلا هذه الثالثة، وليته ساق الآيات كلها لكان

ص: 112

أحسن، فالله تعالى يخبر أنه خلق الإنسان، وهذا أمر معلوم بالضرورة والفطرة، فالله وحده هو الخالق والخالق يعلم من خلق كما قال تعالى:{ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} فهو جل وعلا يعلم بأحوالنا ونياتنا ومستقبلنا وكل ما يتعلق بنا، ولهذا قال:{ونعلم ما توسوس به نفسه} الشيء الذي تحدث به نفسك يعلمه الله قبل أن نتكلم، ولكن هل يؤاخذك به، في هذا تفصيل، إن ركنت إليه وأثبته في قلبك عقيدة، فإن الله يؤاخذك به، وإلا فلا شيء عليك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم فمثلاً لو أن إنسان صار يوسوس ويفكر؛ هل يطلق زوجته أو لا ومثل هذا كثير بين الناس، فإنها لا تطلق حتى ولو عزم على أن يطلقها فإنها لا تطلق إلا بالقول أو بالكتابة الدالة على القول أو بالإشارة الدالة على القول؛ لأن الله تجاوز عن هذا الأمة ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم، قال:{ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد} فإن الله تعالى وكل بالإنسان ملكين يلازمانه، أحدهما عن اليمين والثاني عن الشمال، عن اليمين وعن الشمال يلازمانه دائما ويكتبان عليه كل ما نطق به وكل ما فعل ولهذا قال:{ما يلفظ من قول إلا ليه رقيب عتيد} (ومن) هنا زائدة للتوكيد، يعني ما يلفظ قولاً من الأقوال أي قول كان، إلا لديه رقيب عتيد؛ (رقيب) أي مراقب (عتيد) أي حاضر لا

ص: 113

يتركه، وأنت الآن لو جعلت في جيبك مسجلاً يسجل ما تقول لوجدت العجب العجاب مما يصدر منك أحيانًا وأنت لا تفكر فيه، والرجل قد يتكلم الكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً، تهوي به في النار كذا وكذا خريفًا والعياذ بالله، (الرقيب) معناه المراقب الذي يراقبك (العتيد) الحاضر الذي لا يغيب عنك أي قول كان يكتب، ويذكر عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أنه دخل عليه أحد أصحابه وهو مريض، يئن من المرض، فقال له إن فلانًا من التابعين يقول عن الملك يكتب حتى أنين المريض، فأمسك رحمه الله عن الأنين خوفًا من أن يكتب عليه، ولهذا ينبغي على الإنسان أن يقلل من الكلام ما استطاع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت (فليقل خيرًا) أي كلام فيه الخير، إما لأنه خير بذاته، وإما أنه خير لما يؤدي إليه من الألفة بين الجلساء والمحبة؛ لأنك إذا حضرت مجلسًا مثلاً ولم تتكلم فيه لم يستحب الناس الجلوس معك، لكن إذا انطلقت في الكلام المباح من أجل أن تتألفهم وتتودد إليهم فهذا خير.

تأخذ بقوله صلى الله عليه وسلم: فليقل خيرًا أو ليصمت والمهم أن من جملة الأقوال التي تكتب الغيبة، فاحذر أن تكتب عليك؛ لأنك إذا اغتبت أحدًا فإنه يوم القيامة يأخذ من حسناتك التي هي أغلى ما يكون عندك في ذلك الوقت، فإن بقي من حسناتك شيء، وإلا أخذ من سيئات الذين اغتبتهم وطرح عليك ثم طرحت في النار.

والله الموفق

ص: 114

باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلامًا ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة والسلامة لا يعدلها شيء.

1511 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا، أو ليصمت متفق عليه.

وهذا الحديث صريح في أنه ينبغي أن لا يتكلم إلا إذا كان الكلام خيرًا، وهو الذي ظهرت مصلحته، ومتى شك في ظهور المصلحة، فلا يتكلم.

1512 -

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده.

متفق عليه.

[الشَّرْحُ]

ذكر المؤلف النووي رحمه الله في كتابه (رياض الصالحين) في باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان: اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلامًا ظهرت فيه المصلحة الدينية أو الدنيوية، وهذا الكلام مأخوذ من قول

ص: 115

النبي صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت وهو الحديث الذي ساقه المؤلف رحمه الله، فإذا استوى الأمران، أن يسكت أو يتكلم، فالسلامة أفضل، يعني لا يتكلم إذا كان يشك هل في كلامه خيرًا أو لا، فالأفضل ألا يتكلم؛ لأن السلامة لا يعدلها شيء، والساكت سالم إلا إذا اقتضت الحال أن يتكلم فليتكلم، مثلاً لو رأى منكرًا فهنا لا يسكت، يجب أن يتكلم وينصح وينهى عن هذا المنكر؛ وأما إذا لم تقتضي المصلحة أن يتكلم فلا يتكلم لأن ذلك أسلم له؛ ثم اعلم أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت يدل على أنه يجب على الإنسان أن يسكت إذا لم يكن الكلام خيرًا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم شرط الإيمان بالله واليوم الأخر أن يقول الخير وإلا فليسكت؛ لكن الخير نوعان: خير في ذات الكلام، كقراءة القرآن والتسبيح والتكبير والتهليل وتعليم العلم وما أشبه ذلك هذا خير وخير لغير الكلام، يعني خيرًا في الكلام وخيرًا لغير الكلام بمعنى أن الكلام مباح لكن يجر إلى مصلحة يجر إلى تأليف القلب وانبساط الإخوان وسرورهم بمجلسك هذا أيضاً من الخير؛ لأن الإنسان لو بقي ساكتًا من أول المجلس لآخره مله الناس وكرهوه، وقالوا: هذا رجل فظ غليظ؛ لكن إذا تكلم بما يدخل السرور عليهم وإذا كان كلامًا مباحًا فإنه من الخير، وأما من تكلم بكلام يضحك الناس وهو كذب فإنه قد ورد فيه الوعيد: (ويل لمن حدث وكذب ليضحك به القوم

ص: 116

ويل له ثم ويل له) وهذا يفعله بعض الناس ويسمونها (النكت) ، يتكلم بكلام كذب ولكن من أجل أن يضحك الناس، هذا غلط، تكلم بكلام مباح من أجل أن تدخل السرور على قلوبهم، وأما الكلام الكذب فهو حرام.

ثم ذكر حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي المسلم خير يعني أي المسلمين خير؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده أي لا يعتدي على المسلمين لا بلسانه؛ بغيبة أو نميمة أو سب أو ما أشبه ذلك، ويده يعني لا يأخذ أموالهم ولا يضرب أبشارهم، بل هو كاف عادل، لا يأتي الناس إلا ما هو خير، هذا هو المسلم، وفي هذا حث على أن يسلم الإنسان من لسانك ويدك، احفظ لسانك لا تتكلم في عباد الله إلا في الخير، كذلك احفظ يدك لا تجن على أموالهم ولا على أبشارهم، بل كن سالمًا يسلم منك وهذا هو خير المسلمين

1513 -

وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة متفق عليه.

1514 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق

ص: 117

والمغرب متفق عليه.

ومعنى: يتبين يتفكر أنها خير أم لا.

1515 -

وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم رواه البخاري.

[الشَّرْحُ]

هذه أحاديث ثلاثة في بيان خطر اللسان وأنه من أعظم ما يكون من الأعضاء خطورة، ففي الحديث الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة الذي بين لحييه هو اللسان والذي بين الرجلين هو الفرج، سواء للرجل أو المرأة، يعني من حفظ لسانه وحفظ فرجه، حفظ لسانه عن القول المحرم، من الكذب والغيبة والنميمة والغش وغير ذلك، وحفظ فرجه من الزنا واللواط ووسائل ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يضمن له الجنة، يعني أن جزاءه هو الجنة إذا حفظت لسانك وحفظت فرجك، فزلة اللسان كزلة الفرج، خطيرة جدًا، وإنما قرن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما لأن في اللسان شهوة الكلام، كثير من الناس يتنطع ويتلذذ إذا تكلم في أعراض

ص: 118

الناس، ويتفكه والعياذ بالله.

وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين فنجده أحب شيء عنده أن يتكلم في أعراض الناس، ومن الناس من يهوى الكذب، فنجد أحسن شيء عنده هو الكذب، والكذب من كبائر الذنوب لاسيما إذا كذب بالكلمة ليضحك القوم فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ويل لمن حدث فكذب ليضحك به القوم، ويل له ثم ويل له.

وأما الثاني الذي قرن بينه وبين شهوة الكلام فكذلك شهوة النساء، فإن الإنسان مجبول على ذلك ولاسيما إذا كان شابًا، فإذا حاول حفظ هاتين الشهوتين، ضمن النبي صلى الله عليه وسلم له الجنة، أي هذا جزاؤه، لأنهم خطيران.

كذلك أيضاً الحديث الثاني إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب الكلمة (ما يتبين فيها) يعني لا يتأكد، ينقل ما سمع وكفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع فتجده يتكلم بالكلمة ولا يتبين ولا يتثبت ولا يدرس معناه ولا يدرس ماذا توصل إليه، والعياذ بالله يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب.

ومسافة ما بين المشرق والمغرب بعيدة جدًا، نصف الكرة الأرضية، ومع ذلك كلمة واحدة زل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب، وهذا يدل على وجوب التأكد مما تتكلم به، سواء نقلته إلى غيرك أو نقلته عن غيرك، تثبت، اصبر، لا تستعجل، ما الذي يوجب لك أن تستعجل في المقال؟ اصبر حتى

ص: 119

تتثبت ويتبين لك الأمر، ثم إن رأيت مصلحة في الحديث فتحدث، وإذا لم تر مصلحة في الحديث فاسكت من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خير أو ليصمت.

وأما الحديث الثالث هو أن الرجل يتكلم بالكلمة من رضوان الله، ويعني كلمة ترضي الله، قرآن، تسبيح، تكبير، تهليل، أمر بالمعروف، نهي عن المنكر، تعليم علم، إصلاح ذات البين، وما أشبه ذلك، يتكلم بالكلمة ترضي الله عز وجل ولا يلقي لها بالاً، يعني أنه لا يظن أنها تبلغ به ما بلغ، وإلا فهو قد درسها وعرفها وألقى لها البال، لكن لا يظن أن تبلغ ما بلغت يرفع الله له بها درجات في الجنة، وعلى ذلك رجل يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي بها بالاً يهوي بها في النار، لأنه تكلم بها ولا ظن أن تبلغ ما بلغت، وهذا يقع كثيراً، كثيراً من الناس والعياذ بالله تجده يسأل عن فلان العاصي وما أشبه ذلك فيقول: هذا اتركه، اترك هذا، وهذا والله ما يعرف سبيله، هذا والله ما يغفر الله له، هذه كلمة خطيرة.

كان رجل عابد يمر برجل عاص، عابد يعبد الله، فيقول هذا الرجل العابد: والله لا يغفر لفلان، انظر، والعياذ بالله تحجر واسعًا وتألى على الله، والله لا يغفر لفلان؛ لأن الرجل العابد هذا معجب بعمله، يرى نفسه، ويدلي بعمله على ربه، وكأن له المنة على الله سبحانه وتعالى، فقال: والله لا يغفر الله لفلان، قال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان؟ قد غفرت لفلان وأحبطت عملك الملك والسلطان لمن؟ لله عز وجل، ما هو لك حتى تقول: والله ما يغفر الله لفلان.

والملك والسلطان لله لا ينازعه فيه منازع إلا أذله الله، قال: من ذا الذي يتألى علي أن لا

ص: 120

أغفر لفلان؟ قد غفرت لفلان وأحبطت عملك كلمة واحدة صارت سببًا لحبط عمله نسأل الله العافية.

إذاً احذر زلة اللسان، ومن ذلك أيضاً أي من زلل اللسان إذا قال مثلاً شخص: يا فلان، إن جارنا لا يصلي لعلك تنصحه إن شاء الله خيرًا قال له: هذا ما يمكن أن يهتدي أبدًا، هذا طاغ هذا فاسق.

أعوذ بالله، القلوب بيد من؟ بيد الله عز وجل كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما من قلب من قلوب بني آدم إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل يقلبه كيف يشاء، إن شاء أزاغه وإن شاء هداه.

وهذا شيء مسلم به حتى الإنسان أحيانًا يجد في قلبه أشياء يعرف أنها من الشيطان، وأنه إن لم يثبته الله زل، فالقلوب بيد الله عز وجل فكيف تقول هذا ما ينفع له شيء هذا ما هو مهتد؟ حرام هذا ما يجوز، ادع ولا تيأس، ألا يوجد في هذه الأمة من كان من ألد أعدائها وأشد خصومها؟ وكان ثاني اثنين في زعامة الأمة بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من؟ عمر بن الخطاب، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه مناوئاً للدعوة الإسلامية، وكان يحذر منها وكان يفر منها وكان من ألد أعدائها، فهداه الله فصار هو الخليفة الثاني بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك خالد بن الوليد، عكرمة بن أبي جهل، ماذا فعل في أحد؟ كرا على المسلمين من الخلف على فرسيهما ومعهم فرسان آخرون واختلطا بالمسلمين وحدثت الهزيمة وفي النهاية كانا قائدين عظيمين من قواد المسلمين، فلا تيأس يا أخي، واسأل الله الهداية والثبات، ولا تزل بلسانك،

ص: 121

فتهلك، حمانا الله من معاصيه، ووفقنا لما يرضيه، إنه على كل شيء قدير

1516 -

وعن أبي عبد الرحمن بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه رواه مالك في الموطأ والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

وعن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله حدثني بأمر اعتصم به قال: قل ربي الله، ثم استقم قلت: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: هذا رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

1518 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي رواه الترمذي.

ص: 122

1519 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من وقاه الله شر ما بين لحييه، وشر ما بين رجليه دخل الجنة رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

1520 -

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال: أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

1521 -

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أصبح ابن آدم، فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان، تقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك: فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا رواه الترمذي.

معنى تكفر اللسان: أي تذل وتخضع له.

1522 -

وعن معاذ رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني عن النار؟ قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل ثم تلا: {تتجافى جنوبهم عن

ص: 123

المضاجع} حتى بلغ {يعملون} .

ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه قلت: بلى يا رسول الله: قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه قال: كف عليك هذا قلت يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟ رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وقد سبق شرحه.

[الشَّرْحُ]

هذا من الأحاديث التي ساقها المؤلف رحمه الله، كلها فيها التحذير من اللسان وشروره وآفاته، وأن الإنسان ربما يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً ولا يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله بها عليه سخطه إلى يوم يلقاه، وكلها فيها التحذير من اللسان وآفاته، ولهذا قيل: احفظ لسانك أن تقول فتبتلى إن البلاء موكل بالمنطق.

كثير من الناس يدعو على نفسه بشر وهو لا يشعر يدعو على ولده، يدعو على ماله، يدعو على صديقه، يدعو على قريبه، من حيث لا يشعر فربما يصادف ذلك بابًا مفتوحًا فيصبه الدعاء،

ص: 124

وفي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ألا أخبرك بملاك ذلك كله أي بما يملك هذا كله، قلت: بلى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بلسانه وقال: كيف عليك هذا فقلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ يعني هل نؤاخذ بما نتكلم به، فقال ثكلتك أمك يا معاذ وهذه كلمة يقصد بها تعظيم الأمر، وهل يكب الناس على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم فاحذر يا أخي هذه الحصائد واحفظ لسانك، ومن حفظ اللسان، أن يحفظ لسانه عن الكذب والغش وقول الزور والنميمة والغيبة وكل قول يبعده من الله عز وجل ويوجب عليه العذاب، فإنه يجب عليه أن يتنزه منه، نسأل الله أن يحفظ علينا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، إنه على كل شيء قدير

1523 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: ذكرك أخاك بما يكره قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته رواه مسلم.

1524 -

وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر بمنى في حجة الوداع: إن دماءكم، وأموالكم وأعراضكم حرام

ص: 125

عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بل بلغت متفق عليه

1525 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا قال بعض الرواة: تعني قصيرة، فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته قالت: وحكيت له إنساناً فقال: ما أحب أني حكيت إنسانًا وإن لي كذا وكذا رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

ومعنى: مزجته خالطته مخالطة يتغير بها طعمه، أو ريحه لشدة نتنها وقبحها، وهذا من أبلغ الزواجر عن الغيبة، قال الله تعالى:{وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}

1526 -

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم رواه أبو داود.

1527 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله رواه مسلم.

ص: 126

[الشَّرْحُ]

هذه بقية الأحاديث التي ساقها المؤلف رحمه الله في باب الغيبة والأمر بحفظ اللسان، واشتملت على أشياء متعددة منها بيان الغيبة، وأنها ذكرك أخاك بما يكره، وقد سبق لنا بيان هذا وأن الغيبة ذكرك أخاك بما يكره في دينه أو خلقه أو بدنه أو أهله أو غير ذلك، إلا إذا كان المقصود النصيحة، كما لو استشارك شخص في معاملة إنسان وأنت تعرف من هذا الإنسان أنه ليس أهلاً للمعاملة، وأنه مثلاً كذاب أو ما أشبه ذلك، وأردت أن تبين له ما فيه من عيب، فلا بأس فيه، وبينا دليل هذا في حديث فاطمة بنت قيس حين استشارت النبي فيمن خطبوها معاوية بن أبي سفيان وأبو جهم وأسامة بن زيد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فضراب للنساء، انكحي أسامة، فهذا من باب النصيحة فلا بأس بها، وتضمنت هذه الأحاديث إعلان رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريم الدماء والأموال والأعراض في حجة الوداع في أكبر مجتمع حصل بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الصحابة؛ لأن الذين حجوا معه قريب من مائة ألف، ومع ذلك أعلن عليه الصلاة والسلام وقال: إن أموالكم ودماءكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم قال: اللهم اشهد.

وكذلك أيضاً بينت هذه الأحاديث أن ذكرك أخاك بما يكره ولو بما

ص: 127

يتعلق بخلقته كالطويل والقصير وأما أشبه ذلك، كما في حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت في صفية بنت حيي إحدى أمهات المؤمنين: حسبك من صفية كذا تعني أنها قصيرة، تقول للرسول صلى الله عليه وسلم: فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته يعني لو خلطت بماء البحر على كبره وسعته لمزجته، أي أثرت فيه وهي كلمة يسيرة جداً لكنها عظيمة، حيث إنها في ضرتها، وحيث إنها قد يحدث من هذه الكلمة أن يكره النبي صلى الله عليه وسلم صفية، فلعظمها صار لها هذا الأثر العظيم، كذلك أيضاً العقوبة العظيمة التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم وقد أسري به، أنه قد مر بأقوام لهم أظافر من النحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: الذين يقعون في أعراض الناس يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم فالمهم أن الواجب على الإنسان الحذر من إطلاق اللسان، وألا يتكلم إلا بخير إن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، قال النبي صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت نسأل الله أن يحمينا وإياكم من سخطه وأن يعيننا وإياكم على شكره وحسن عبادته

ص: 128