المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: أحاديث الدجال وأشراط الساعة وغيرها - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - جـ ٦

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الدعوات

- ‌باب فضل الدعاء

- ‌باب الأمر بالدعاء وفضله

- ‌باب فضل الدعاء بظهر الغيب

- ‌باب في مسائل من الدعاء

- ‌باب كرامات الأولياء وفضلهم

- ‌كتاب الأمور المنهي عنها

- ‌باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان

- ‌باب تحريم سماع الغيبة وأمر من سمع غيبة محرمة بردها

- ‌باب ما يباح من الغيبة

- ‌باب تحريم النميمة وهي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد

- ‌باب النهي عن نقل الحديث وكلام الناس إلى ولاة الأمور إذا

- ‌باب ذم ذي الوجهين

- ‌باب تحريم الكذب

- ‌باب بيان ما يجوز من الكذب

- ‌باب الحث على التثبت فيما يقوله ويحكيه

- ‌باب بيان تغليظ تحريم شهادة الزور

- ‌باب تحريم لعن إنسان بعينه أو دابة

- ‌باب جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين

- ‌باب تحريم سب المسلم بغير حق

- ‌باب تحريم سب الأموات بغير حق أو مصلحة شرعية

- ‌باب النهي عن الإيذاء

- ‌باب النهي عن التباغض والتقاطع والتدابر

- ‌باب تحريم الحسد

- ‌باب النهي عن التجسس والتسمع لكلام من يكره استماعه

- ‌باب النهي عن سوء الظن بالمسلمين من غير ضرورة

- ‌باب تحريم احتقار المسلمين

- ‌باب النهي عن إظهار الشماتة بالمسلم

- ‌باب تحريم الطعن في الأنساب الثابتة في ظاهر الشرع

- ‌باب النهي عن الغش والخداع

- ‌باب تحريم الغدر

- ‌باب النهي عن المن بالعطية ونحوها

- ‌باب النهي عن الافتخار والبغي

- ‌باب تحريم الهجران بين المسلمين فوق ثلاثة أيام إلا لبدعة في

- ‌باب النهي عن تناجي اثنين دون الثالث

- ‌باب النهي عن تعذيب العبد والدابة والمرأة والولد بغير سبب شرعي

- ‌باب تحريم التعذيب بالنار في كل حيوان حتى النملة ونحوها

- ‌باب تحريم مطل الغني بحق طلبه صاحبه

- ‌باب كراهية عودة الإنسان في هبة لم يسلمها إلى الموهوب له

- ‌باب تأكيد تحريم مال اليتيم

- ‌باب تحريم الرياء

- ‌باب ما يتوهم أنه رياء وليس رياء

- ‌باب تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية والأمرد الحسن لغير حاجة شرعية

- ‌باب تحريم الخلوة بالأجنبية

- ‌باب تحريم تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال في لباس وحركة وغير

- ‌باب النهي عن التشبه بالشيطان والكفار

- ‌باب نهي الرجل والمرأة عن خضاب شعرهما بسواد

- ‌باب النهي عن القزع وهو حلق بعض الرأس دون بعض وإباحة

- ‌باب كراهية الاستنجاء باليمين ومس الفرج باليمين من غير عذر

- ‌باب كراهة المشي في نعل واحدة أو خف واحد لغير عذر

- ‌باب النهي عن ترك النار في البيت عند النوم ونحوه سواء

- ‌باب النهي عن التكلف وهو فعل وقول ما لا مصلحة فيه

- ‌باب تحريم النياحة على الميت ولطم الخد وشق الجيب ونتف الشعر

- ‌باب النهي عن إتيان الكهان والمنجمين والعراف وأصحاب الرمل والطوارق

- ‌باب النهي عن التطير

- ‌باب تحريم تصوير الحيوان في بساط أو حجر أو ثوب أو

- ‌باب تحريم اتخاذ الكلب إلا لصيد أو ماشية أو زرع

- ‌باب كراهية تعليق الجرس في البعير وغيره من الدواب وكراهية استصحاب

- ‌باب كراهة ركوب الجلالة

- ‌باب النهي عن البصاق في المسجد والأمر بإزالته منه إذا وجد

- ‌باب كراهية الخصومة في المسجد ورفع الصوت فيه ونشد الضالة والبيع

- ‌باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو غيره

- ‌باب كراهية الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب لأنه يجلب النوم فيفوت

- ‌باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وأراد أن يضحي

- ‌باب النهي عن الحلف بمخلوق كالنبي صلى الله عليه وسلم والكعبة

- ‌باب تغليظ اليمين الكاذبة عمدا

- ‌باب ندب من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها أن

- ‌باب العفو عن لغو اليمين وأنه لا كفارة فيه وهو ما

- ‌باب كراهة الحلف في البيع وإن كان صادقا

- ‌باب كراهة أن يسأل الإنسان بوجه الله عز وجل غير الجنة

- ‌باب كراهة سب الحمى

- ‌باب النهي عن سب الريح وبيان ما يقال عند هبوبها

- ‌باب كراهة سب الديك

- ‌باب النهي عن قول الإنسان مطرنا بنوء كذا

- ‌باب تحريم قوله لمسلم يا كافر

- ‌باب النهي عن الفحش وبذاءة اللسان

- ‌باب كراهة التقعير في الكلام والتشدق فيه وتكلف الفصاحة واستعمال ودقائق

- ‌باب كراهة قوله خبثت نفسي

- ‌باب كراهة تسمية العنب كرما

- ‌باب النهي عن وصف محاسن المرأة لرجل إلا أن يحتاج إلى

- ‌باب كراهة قول الإنسان في الدعاء اللهم اغفر لي إن شئت

- ‌باب كراهة قول ما شاء الله وشاء فلان

- ‌باب كراهة الحديث بعد العشاء الآخرة

- ‌باب تحريم امتناع المرأة من فراش زوجها إذا دعاها ولم يكن

- ‌باب تحريم صوم المرأة تطوعا وزوجها حاضر إلا بإذنه

- ‌باب تحريم رفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام

- ‌باب كراهة وضع اليد على الخاصرة في الصلاة

- ‌باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام ونفسه تتوق إليه أو مع مدافعة

- ‌باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة

- ‌باب كراهة الالتفاف في الصلاة لغير عذر

- ‌باب كراهة شروع المأموم في نافلة بعد شروع المؤذن في إقامة

- ‌باب كراهة تخصيص يوم الجمعة بصيام أو ليلته بصلاة من بين

- ‌باب تحريم الوصال في الصوم وهو أن يصوم يومين أو أكثر

- ‌باب تحريم الجلوس على قبر

- ‌باب النهي عن تجصيص القبور والبناء عليها

- ‌باب تغليظ تحريم إباق العبد من سيده

- ‌باب تحريم الشفاعة في الحدود

- ‌باب النهي عن التغوط في طريق الناس وظلهم وموارد الماء ونحوها

- ‌باب النهي عن البول ونحوه في الماء الراكد

- ‌باب كراهة تفضيل الوالد بعض أولاده على بعض في الهبة

- ‌باب تحريم إحداد المرأة على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على

- ‌باب تحريم بيع الحاضر للبادي وتلقي الركبان والبيع على بيع أخيه

- ‌باب النهي عن إضاعة المال في غير وجوهه التي أذن الشرع

- ‌باب النهي عن الإشارة إلى مسلم بسلاح ونحوه سواء أكان جادا

- ‌باب كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان إلا بعذر حتى يصلي

- ‌باب كراهة رد الريحان لغير عذر

- ‌باب كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة من إعجاب

- ‌باب كراهة الخروج من بلد وقع فيها الوباء فرارا منه وكراهة

- ‌باب التغليظ في تحريم السحر

- ‌باب النهي عن المسافرة بالمصحف إلى بلاد الكفار إذا خيف وقوعه

- ‌باب تحريم استعمال إناء الذهب وإناء الفضة في الأكل والشرب والطهارة

- ‌باب تحريم لبس الرجل ثوبا مزعفرا

- ‌باب النهي عن صمت يوم إلى الليل

- ‌باب تحريم انتساب الإنسان إلى غير أبيه وتوليه إلى غير مواليه

- ‌باب التحذير من ارتكاب ما نهى الله عز وجل ورسوله صلى

- ‌باب ما يقوله ويفعله من ارتكب منهيا عنه

- ‌باب ما يقوله ويفعله من ارتكب منهيا عنه

- ‌باب المنثورات والملح

- ‌باب: أحاديث الدجال وأشراط الساعة وغيرها

- ‌كتاب الاستغفار

- ‌باب بيان ما أعد الله تعالى للمؤمنين في الجنة

الفصل: ‌باب: أحاديث الدجال وأشراط الساعة وغيرها

‌باب المنثورات والملح

‌باب: أحاديث الدجال وأشراط الساعة وغيرها

1808 -

عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا فقال ما شأنكم؟ قلنا يا رسول الله ذكرت الدجال الغداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل فقال غير الدجال أخوفني عليكم إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج ولست فيكم فكل امريئ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم إنه شاب قطط عينه طافية كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف إنه خارج خلة بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا يا عباد الله فاثبتوا قلنا يا رسول الله وما لبثه في الأرض قال أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم قال لا اقدروا له قدره قلنا يا رسول الله وما إسراعه في الأرض قال كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى وأسبغه ضروعا وأمده خواصر ثم يأتي القوم فيدعوهم

ص: 607

فيردون عليه قوله فيصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ويمر بالخربة فيقول لها أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك فبينما هو كذلك إذ بعث الله تعالى المسيح ابن مريم صلى الله عليه وسلم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي إلى حيث ينتهي طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله ثم يأتي عيسى صلى الله عليه وسلم قوما قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هو كذلك إذ أوحى الله تعالى إلى عيسى صلى الله عليه وسلم أني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء ويحصر نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم فيرغب نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى الله تعالى فيرسل الله تعالى عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ثم يهبط نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم

ص: 608

وأصحابه رضي الله عنهم إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى الله تعالى فيرسل الله تعالى طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ثم يرسل الله عز وجل مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة ثم يقال للأرض أنبتي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس واللقحة من البقر لتكفي من الناس واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس فبينما هم كذلك إذ بعث الله تعالى ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة رواه مسلم قوله خلة بين الشام والعراق أي طريقا بينهما وقوله عاث بالعين المهملة والثاء المثلثة والعيث أشد الفساد والذرى بضم الذال المعجمة وهو أعالي الأسنمة وهو جمع ذروة بضم الذال وكسرها واليعاسيب ذكور النحل وجزلتين أي قطعتين والغرض الهدف الذي يرمى إليه بالنشاب أي يرميه رمية كرمي النشاب إلى الهدف والمهرودة بالدال المهملة المعجمة وهي الثوب المصبوغ قوله لا

ص: 609

يدان أي لا طاقة والنغف دود وفرسى جمع فريس وهو القتيل والزلفة بفتح الزاي واللام والقاف وروي الزلفة بضم الزاي وإسكان اللام وبالفاء وهي المرآة والعصابة الجماعة والرسل بكسر الراء اللبن واللقحة اللبون والفئام بكسر الفاء وبعدها همزة الجماعة والفخذ من الناس دون القبيلة

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين كتاب المنثورات والملح المنثورات يعني أنها من أبواب متفرقة ليست من باب واحد والملح جمع ملحة وهي ما يستملح ويستعذب ثم ذكر الباب الأول باب الدجال وأشراط الساعة الدجال مبالغة من الدجل وهو الكذب والدجال يعني كثير الكذب الذي لا يتصف إلا بالكذب وأما أشراط الساعة فهي علامات قربها كما قال الله تعالى فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها يعني علاماتها القريبة ثم ذكر حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه الطويل وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال ذات غداة يعني ذات صبح في يوم من الأيام فخفض فيه ورفع يعني أنه تكلم بكلام طويل حتى ظنوا أنه في طائفة

ص: 610

النخل يعني ظنوا أنه ذكر في المدينة وأنه قد جاء ولكن الأمر لم يكن كذلك ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم عرف ذلك فيهم فسألهم فقالوا إنك ذكرت الدجال الغداة وخفضت فيه ورفعت فظننا أنه في النخل فقال غير الدجال أخوفني عليكم يعني أخاف عليكم شيئا أشد من الدجال ومن ذلك الرياء حيث ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فسئل عنه فقال الرياء أن الإنسان يرائي في عباداته يصلي لأجل الناس يتصدق لأجل الناس يحسن الخلق لأجل الناس..

فهذا رياء والعياذ بالله والمرائي حابط عمله والرياء من صفات المنافقين كما قال الله تبارك وتعالى {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} واعلم أيها المرائي أن الله سيفضحك عن قرب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال من راءى راءى الله به يعني أظهر مراءاته وعيوبه عند الناس ومن سمع سمع الله به ثم قال صلى الله عليه وسلم إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم يعني لو خرج الدجال وأنا موجود فأنا أكفيكم إياه وإن يخرج يعني وليس فيهم فامرؤ حجيج نفسه يعني كل إنسان يحاج عن نفسه والله خليفتي على كل مؤمن فاستخلف ربه عز وجل أن يكون مؤيدا للمؤمنين واقيا لهم من فتن الدجال الذي ليس بين خلق آدم وقيام الساعة فتنة أشد منها نسأل الله أن يقينا وإياكم فتنته والله الموفق تابع الحديث السابق.

ص: 611

روى المؤلف رحمه الله تعالى عند سياق حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه في كتابه رياض الصالحين قال عند سياق هذا الحديث في ذكر الدجال إنه شاب قطط عينه طافية شاب من بني آدم قطط يعني مجتمع الخلق عينه طافية يعني أنه لا يبصر بها كأنه عنبة طافية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فهو أعور خبيث لكن الله عز وجل يرسله فتنة للناس فيأتي إليهم يدعوهم ويدعي أنه رب وقد مكن الله له فكان يأتي القوم يدعوهم فيستجيبون له ويؤمنون به فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت يشاهدون ذلك بأعينهم يقول أيتها السماء أمطري فتمطر أيتها الأرض أنبتي فتنبت لكن ليس بقدرته وقوته بل بإرادة الله عز وجل لكن الله مكن له ابتلاء وامتحانا فيصبحون تروح عليهم سارحتهم يعني الغنم والإبل أكثر ما يكون ذروعا وأوفر ما تكون ذرى وأمدها خواصر تمتلئ بطونها وتمتلئ ضروعها ويكون عليها الشحم ويأتي القوم فيدعوهم فلا يستجيبون له يردونه فينصرف فيصبحون ممحلين ليس لهم من أموالهم شيء الأرض خربت والسماء لا تمطر والمال يمور ولكن هؤلاء هم الذين لهم الأجر والثواب وعاقبتهم حميدة أما الأولون الذين آمنوا به وأمطرت السماء وأنبتت الأرض فهم خاسرون وإن ظنوا أنهم رابحون ويأتي إلى الخربة أرض خربة ما بها بناء وما بها أناس فيقول أيتها الأرض أخرجي كنوزك فتخرج كنوزها وما بها من معادن من ذهب وفضة وغير ذلك فتتبعه كيعاسيب النحل ثم إنه يبقى في الأرض أربعين يوما اليوم الأول طوله طول سنة كم شهرا إثنا عشر شهرا 360 يوما هذا اليوم الأول يوم والثاني مقداره شهر 30 يوما والثالث مقداره جمعة يعني أسبوعا وباقي الأيام وهي سبعة وثلاثون

ص: 612

يوما كالأيام المعتادة ولكن الله عز وجل نبه الصحابة قالوا يا رسول الله هذا اليوم الذي كسنة تكفينا فيه صلاة واحدة فيكون عليهم في اليوم كم خمس صلوات قال لهم لا اقدروا له قدره يعني صلوا صلاة السنة كاملة في يوم واحد وهذا مما يؤخذ به يقال إنسان وجب عليه صلاة سنة كاملة في يوم واحد وأيضا يؤخذ به من جهة أخرى وجبت زكاة ماله في يوم واحد وأيضا فيقال يصوم رمضان بعض يوم يعني جزءا من اثني عشر جزءا من هذا اليوم نقول هذا يوم الدجال وسبحان الله الحكيم الذي أكمل لنا الدين قبل أن يموت سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم أنطق الله الصحابة أن يسألوا عن هذا اليوم هل تكفي فيه صلاة واحدة أم لا يوجد الآن في الأرض من يومهم ستة أشهر وليلهم ستة أشهر عند المدار القطبي ستة أشهر والشمس عليهم وستة أخرى والشمس لا يرونها فكيف يصلي هؤلاء يصلون صلاة يوم وليل فقط أو يقدرون لها قدرها نقول يقدرون لها قدرها كيوم الدجال تماما اليوم الثاني من أيام الدجال كشهر كيف تكون فيه الصلاة..

يصلون صلاة شهر واليوم الثالث يصلون صلاة أسبوع واليوم الرابع وما بقي كالعادي ثم سأله الصحابة رضي الله عنهم عن سيره في الأرض هل هو كالسير المعتاد كسير الإبل أو سير الأرجل قال يسير كالغيث اجتذبته الريح والله أعلم كيف كان إسراعه هل يحدث الله له آلات طائرات أو غيرها ما تدري لكنه هذا الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكون كالغيث سنة وشهر وأربعة وأربعون يوما ثم ينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فيقتله والله الموفق تابع الحديث السابق ساق المؤلف رحمه الله في باب المنثورات والملح وأشرطة الساعة وغيرها حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه الذي حدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء من أشرطة الساعة ومنها الدجال وسبق أن الدجال هو ذو الدجل والكذب والتمويه والتغرير وأنه كافر وأنه يخرج خلة بين الشام والعراق يعني يخرج من طريق بين الشام والعراق من قبل إيران ويتبعه من يهود أصفهان سبعون ألفا وكأنهم والله أعلم يجتمعون هناك ليتبعوا الدجال لأن اليهود أهل دجل وكذب وغدر وخيانة لا يؤمنون وسبق أنه يأتي القوم ويدعوهم من أجابوه منهم حصل لهم القسط والرخاء ومن عصاه حصل لهم عكس وذلك

أنت ثم ذكر من فتنته أنه يأتيه شاب ممتلئ شبابا من

ص: 613

المسلمين فيقول له أشهد أنك الدجال الذي أخبرنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم فيقطعه نصفين بالسيف، ويجعل واحدة بعيدة عن الأخرى، ثم يدعوه بعد أن قطعه - يا فلان فيجتمع النصفين ببعضهم البعض ويقوم ويقبل على الدجال يتهلل وجهه وكأنه لم يفعل شيئا، ثم يقول له: والله أشهد أنك أنت المسيح الدجال، والله ما ازددت فيك إلا بصيرة فيقتله للمرة الثانية ويقطعه نصفين ثم يدعوه فيأتي ووجهه يتهلل، ثم يأتي الثالثة فيعجز أن يقتله، هكذا من فتنة الدجال والإنسان إذا رأى هذا يغتر بلا شك، ثم إن الله تعالى ينزل عيسى ابن مريم رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يداه على أجنحة ملكين، لأن الملائكة أولو أجنحة، ينزلان به من السماء، لأن عيسى الآن حي في السماء، ينزل عند قيام الساعة ليقتل الدجال ينزل، وكأنه والله أعلم قد اغتسل بماء طيب، إذا طأطأ رأسه قطر ماء، وإذا رفعه تحدر منه مثل الجمان، فيحتمل أن هذا ماء ويحتمل أنه عرق والله أعلم، ثم إنه يطلبه أي يطلب الدجال الخبيث الماكر الأعور فلا يحل لكافر يجد ريح عيسى إلا مات - سبحان الله _ نفس عيسى يقتل الكافر ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه وهذا أيضا من آيات الله يعني أنفاسنا نحن لا تعدو إلا شبرا أو نحوه لكن نفس عيسى ينتهي حيث ينتهي طرفه ومعنى ذلك أنه يقتل أناسا كثيرين من الكفار لأن هذا النفس يطير في الهواء ولا يحل لكافر يجد نفسه إلا مات ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق هكذا وصفه النبي صلى الله عليه وسلم وهي لابد أن توجد عند نزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فيبلغ الدجال فيدركه عند باب اللد واللد الآن في فلسطين استعمرها اليهود عليهم لعائن الله إلى يوم القيامة اسعتمروها يدرك عيسى

ص: 614

المسيح الدجال فيقتله هناك وبهذا انتهى المسيح الدجال وبقي المسيح رسول الله عيسى صلى الله عليه وسلم والله الموفق ثم يأتي عيسى ابن مريم قوما قد عصمهم الله عز وجل من فتنة الدجال فيمسح على وجوههم ويبشرهم بمنازلهم في الجنة فبينما هم كذلك يعني على حالهم إذا يوحي الله عز وجل إلى عيسى أني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم وهؤلاء العباد ليسوا عباد دين بل عباد قدر {إن كل من في السماوات والأرض إلا أتي الرحمن عبدا} هؤلاء العباد هم يأجوج ومأجوج من كل حدب ينسلون أي من كل مكان مرتفع ينسلون لأن الشعاب والأودية لا تسعهم فتجدهم يصعدون الجبال لينزلوا إلى الأرض من كثرتهم هؤلاء من بني آدم ليسوا جنا ولا جنسا ثالثا بل هم من بني آدم ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى يقول يوم القيامة يا آدم فيقول لبيك وسعديك فيقول الله له أخرج من ذريتك بعثا إلى النار أو قال بعث النار قال يا رب وما بعث النار قال من كل ألف تسعمائة وتسع وتسعين من بني آدم كل هؤلاء في النار إلا واحدا في الألف من بني آدم من أهل الجنة فكبر ذلك على الصحابة وعظم عليهم وقالوا يا رسول الله أينا ذلك الواحد قال لهم صلى الله عليه وسلم أبشروا فإنك في أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج منكم واحد من يأجوج ومأجوج ألفا فاستبشر الصحابة بذلك ثم قال إني لأرجو أن تكونوا ربع

ص: 615

أهل الجنة فكبر الصحابة فرحا بنعمة الله عز وجل ثم قال أرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة فكبروا وفرحوا ثم قال أرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة وهذه الثالثة عندي فيها شك لكن قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة مائة وعشرون صفا منهم ثمانون من هذه الأمة المهم أن يأجوج ومأجوج من بني آدم شكلهم شكل بني آدم لا يختلفون عنهم أما ما ورد في بعض الآثار أن منهم القصير المفرط في القصر والطويل في الطول وأن بعضهم يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى كل هذا لا صحة له هم من بني آدم ومثلهم لكنهم أمم عظيمة كما قال تعالى {وهم من كل حدب ينسلون} أي من كل مرتفع لأن الأرض السهلة لا تسعهم من كثرتهم {ينسلون} أي يسرعون كأنهم مسلطون على بني آدم فيقول عز وجل لعيسى إني قد بعثت عبادا لا يدان لأحد بقتالهم يعني ما لأحد على قتالهم من قوة فحرز عبادي إلى الطور يعني احترزوا فيه والطور جبل معروف فيصعد عيسى صلى الله عليه وسلم ومن معه إلى الطور ويحضرون فيه حتى إنهم يلحقهم من الجوع وشدة المؤنة ما يكون رأس الثور أحب إلى أحدهم من كذا وكذا من الدنانير وحينئذ يرغب عيسى وقومه إلى الله عز وجل يدعون الله تعالى أن يصرف عنهم هذه الأمم التي حاصرتهم في هذا الجبل فيرسل الله تعالى النغف وهو عبارة عن دودة في أعناقهم فيصبحون فرسى جمع فريسة يعني موتى كنفس واحدة كل

ص: 616

هذه الأمم التي لا يحصيها إلا الله تموت في ليلة واحدة لأن الأمر بيد الله عز وجل هذا النغف من حين ما يدخل في أعناقهم يموتون على الفور ثم ينزل عيسى ابن مريم وقومه إلى الأرض وإذا الأرض مملوءة من هذه الجثث نتنا ورائحة خبيثة فيرغب عيسى وقومه إلى الله عز وجل أن يفكهم من هذا فيرسل الله تعالى طيورا كأعناق البخت يعني مثل أعناق الإبل طيورا كبيرة قوية تأخذ الواحد منهم وتلقيه في البحر ومعنى هذا أنها طيور عظيمة لا يعلم عددها إلا الله عز وجل كل هذا بقدرة الله سبحانه وتعالى لأن أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون لا تستغرب لا تقل من أين جاءت الطيور وكيف توالدت والله على كل شيء قدير هذه الطيور مثل أعناق الإبل تحمل الواحد وتلقيه في البحر ولا يبقى فيهم أحد..

لكن كما تعلمون لابد أن يبقى في الأرض شيء من القذر والأذى والرائحة بعد هذه الجثث فيرسل الله تعالى مطرا عظيما يغسل الأرض لا يكن منه مدر ولا وبر كل الأرض تمتلئ ماء حتى تكون كالزلقة تنظف تنظيفا تاما بإذن الله عز وجل ويأمر الله الأرض أن تخرج بركاتها وثمراتها فيكون فيها الثمرات العظيمة والخير والبركة حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي فئاما من الناس ومن البقر تكفي القبيلة من الناس ومن الغنم تكفي الفخذ من الناس وهي واحدة لكن الله ينزل فيها البركة فتكفي أمما وتكثر الخيرات والبركات وكل هذا يدل على عظمة وقدرة الله عز وجل {فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا} بدلا من حصرتهم في الطور لا يجدون شيئا إذا بالأرض تنبت وتنزل فيها البركة والثمار

وغير ذلك كل هذا بأمر الله عز وجل والله الموفق

ص: 617

1809 -

وعن ربعي بن حراش قال: انطلقت مع أبي مسعود الأنصاري إلى حذيفة بن اليمان رضي الله عنهم فقال له أبو مسعود حدثني ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال قال إن الدجال يخرج وإن معه ماء ونارا فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق وأما الذي يراه الناس نارا فماء بارد عذب فمن أدركه منكم فليقع في الذي يراه نارا فإنه ماء عذب طيب فقال أبو مسعود وأنا قد سمعته متفق عليه.

1810 -

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما فيبعث الله تعالى عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فيطلبه فيهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ثم يرسل الله عز وجل ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا فيتمثل لهم الشيطان فيقول ألا تستجيبون فيقولون فما تأمرنا فيأمرهم بعبادة الأوثان وهم في ذلك دار رزقهم حسن عيشهم ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا وأول

ص: 618

من يسمعه رجل يلوط حوض إبله فيصعق ويصعق الناس حوله ثم يرسل الله أو قال ينزل الله مطرا كأنه الطل أو الظل فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ثم يقال يا أيها الناس هلم إلى ربكم {وقوفهم إنهم مسؤولون} ثم يقال أخرجوا بعث النار فيقال من كم فيقال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فذلك يوم يجعل الولدان شيبا وذلك يوم يكشف عن ساق رواه مسلم الليت صفحة العنق ومعناه يضع صفحة عنقه ويرفع صفحته الأخرى.

1811 -

وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة وليس نقب من أنقابهما إلا عليه الملائكة صافين تحرسهما فينزل بالسبخة فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج الله منها كل كافر ومنافق رواه مسلم.

1812 -

وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يتبع الدجال

ص: 619

من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة رواه مسلم.

1813 -

وعن أم شريك رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لينفرن الناس من الدجال في الجبال رواه مسلم.

1814 -

وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال رواه مسلم.

1815 -

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فيتلقاه المسالح مسالح الدجال فيقولون له إلى أين تعمد فيقول أعمد إلى هذا الذي خرج فيقولون له أو ما تؤمن بربنا فيقول ما بربنا خفاء فيقولون اقتلوه فيقول بعضهم لبعض أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحد دونه فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن قال يا أيها الناس إن هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر الدجال به فيشبح فيقول خذوه وشجوه فيوسع ظهره وبطنه ضربا فيقول أوما تؤمن بي فيقول أنت المسيح الكذاب فيؤمر به فيؤشر بالمنشار من مفرقه

ص: 620

حتى يفرق بين رجليه ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له قم فيستوي قائما ثم يقول له أتؤمن بي فيقول ما ازددت فيك إلا بصيرة ثم يقول يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل الله ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا فلا يستطيع إليه سبيلا فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار وإنما ألقي في الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين رواه مسلم وروى البخاري بعضه بمعناه المسالح هم الخفراء والطلائع.

1816 -

وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: ما سأل أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدجال أكثر مما سألته وإنه قال لي ما يضرك قلت إنهم يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء قال هو أهون على الله من ذلك متفق عليه.

1817 -

وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب ألا إنه أعور وإن ربكم عز وجل

ص: 621

ليس بأعور مكتوب بين عينيه ك ف ر متفق عليه.

1818 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أحدثكم حديثا عن الدجال ما حدث به نبي قومه إنه أعور وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار فالتي يقول إنها الجنة هي النار متفق عليه.

1819 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال بين ظهراني الناس فقال إن الله ليس بأعور ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية متفق عليه.

[الشَّرْحُ]

هذه الأحاديث الكثيرة التي ساقها المؤلف رحمه الله تعالى في بيان الدجال هي جديرة بأن تساق وتذكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما بين خلق آدم

ص: 622

وقيام الساعة أمر أكبر من الدجال ولذلك ما من نبي من الأنبياء إلا أنذر قومه به مع أنه لا يأتي إلا في آخر الزمان والله عز وجل يعلم أن محمدا خاتم الأنبياء ومع ذلك أنذر به الأنبياء السابقون والحكمة من هذا التنويه بفتنته وبيانها وأنها عظيمة وإن كان لن يأتي إلا في آخر الدنيا ففتنته عظيمة وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الدجال يدخل كل بلد يدعو الناس والعياذ بالله لعبادته إلا مكة والمدينة فإنه لا يدخلهما لأن عليهما الملائكة على كل باب منهما يذودون عنهما عن مكة والمدينة وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يتبعه من يهود أصفهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة وهو نوع رفيع من الثياب المعنى أنه يتبعه من أصفهان وهي معروفة من مدن إيران يتبعه منها سبعون ألفا وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعور وأن الرب عز وجل ليس بأعور لأن العور نقص والله عز وجل منزه عن كل نقص واستدل أهل السنة والجماعة من هذا الحديث على أن ربنا جل وعلا له عينان لكنهما لا تشبهان أعين المخلوقين لقوله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وذكر أيضا في هذه الأحاديث أن رجلا شابا مسلما يخرج إذا سمع به ليبين للناس كذبه فيتلقاه حرس الدجال المتسلحون ويقولون أين تريد يقول أريد هذا الرجل الذي خرج فيأخذونه ويقولون أتؤمن بربنا فيقول لا إنه الدجال فيريدون أن يقتلوه ولكن بعضهم يقول لبعض أليس قد قال ربنا لا تقتلوا أحدا دوني فيتركونه ثم يأتون به

ص: 623

إلى الدجال فيشهد هذا الرجل المسلم أنه هو الدجال الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فيغضب عليه ويأمر بالمنشار فينشر من رأسه إلى ما بين رجليه يعني شقه طولا ويجعل كل فرقة منه في جانب روية الغرر كما جاء في الحديث السابق ويمشي بينهما ثم يدعوه فيخرج ويقوم يتهلل وهو يقول والله ما ازددت فيك إلا بصيرة يفعل هذا مرتين أو ثلاثة ثم يريد أن يقتله ويعجز يجعل الله تعالى هذا الرجل حديدا لا يستطيع أن يقتله وهذا إما يكون حديدا حقا والله على كل شيء قدير وإما أن يكون صلبا لا تنفذ فيه السيوف هذه كلها صفات الدجال ومنها أيضا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن معه نارا وجنة ولكن ناره جنة وجنته نار ولما سأل أبو هريرة رضي الله عنه إنهم يقولون إن معه جبلا من خبز قال إنه أهون على الله من ذلك يعني حتى لو كان معه هذا الشيء فإنه أهون على الله من ذلك أو أن المعنى أنه لا يكون معه هذا لكنه مموه.

وعلى كل حال فإننا نؤمن أنه سيكون في آخر الزمان رجل يخرج يسمى الدجال من أوصافه ما ذكر في هذا الباب وغيره ونستعيذ بالله منه في كل صلاة كل صلاة أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد الأخير أن نستعيذ بالله من عذاب جهنم وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال منه ومن فتنة المحيا والممات ومن عذاب القبر ومن عذاب النار.

1820 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا

ص: 624

تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر يا مسلم هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود متفق عليه

1821 -

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل بالقبر فيتمرغ عليه ويقول يا ليتني مكان صاحب هذا القبر وليس به الدين وما به إلا البلاء متفق عليه

1822 -

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون فيقول كل رجل منهم لعلي أن أكون أنا أنجو وفي رواية يوشك أن يحسر الفرات عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا متفق عليه

ص: 625

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين فيما ذكره من أشراط الساعة ما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه لا تقوم الساعة حتى يقتتل المسلمون واليهود المسلمون بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم هم أتباع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأما قبل ذلك فالمسلم من اتبع الشريعة القائمة فقوم موسى في عهد موسى مسلمون والنصارى في عهد عيسى مسلمون ومن آمن من قوم نوح مسلمون وهكذا كل من كان مؤمنا برسول قائمة رسالته فهو مسلم لكن بعد بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ليس مسلما إلا من آمن به صلى الله عليه وسلم وإلا فلا يخفاكم أن الحواريين قالوا نحن أنصار الله وأن ملكة سبأ قالت إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين وغير ذلك مما هو معروف اليهود هم اتباع موسى سموا بذلك نسبة إلى جدهم يهوذا فهم ينتسبون إليه لكن مع التعريب صاروا يهود بالدال وهي أمة ملعونة غدارة خوانة مكارة واصفة لربها بالعيب والنقص قالوا أي اليهود يد الله مغلولة وقالوا {إن الله فقير} وقالوا إن الله تعب حين خلق السماوات والأرض فاستراح يوم السبت..

إلى غير ذلك مما وصفوا الله تعالى به بالنقائص والعيوب أما الرسل فحدث ولا حرج كفروا بالرسل وقتلوهم بغير حق وقتلوا المسيح عيسى ابن مريم بزعمهم {وما قتلوه وما صلبوه} فهم

ص: 626

أخبث أمة من الأمم وهم قوم خونة غدارة لا يوفون بعهد ولا ذمة ولا يؤتمنون على شيء قبل يوم القيامة يقاتلون المسلمين وتأمل كلمة المسلمين يقتتل المسلمون واليهود فينصر المسلمون عليهم نصرا عزيزا حتى إن اليهودي يختبئ بالحجر وبالشجر فيقول الشجر والحجر فينطق بأمر الله الذي أنطق كل شيء فيقولان يا مسلم هذا يهودي تحتي فاقتله أحجار تنطق وأشجار لماذا لأن القتال بين المسلمين وبين اليهود أما بين العرب واليهود فهذا الله أعلم من ينتصر لأن الذي يقاتل اليهود من أجل العروبة فقد قاتل حمية وعصبية ليس لله عز وجل ولا يمكن أن ينتصر ما دام قتاله من أجل العروبة لا من أجل الدين والإسلام إلا أن يشاء الله لكن إذا قاتلناهم - أي اليهود - من أجل الإسلام ونحن على الإسلام حقيقة فإننا غالبون بإذن الله حتى الأحجار والأشجار تتكلم لصالحنا وضد اليهود أما ما دامت المسألة عصبية وعروبة وما أشبه ذلك فلا ضمان للنصر أبدا ولهذا لا يمكن أن يقوم للعرب قائمة على هذا الأساس أي أساس العروبة والدليل على هذا الواقع فقد طحنوا وخبزوا عليها ولم تستفد شيئا بل بالعكس صارت النكبات العظيمة من اليهود على العرب شيئا عظيما احتلوا ديارهم وحاصروهم وآذوهم لكن لو كان القتال من أجل الإسلام وباسم المسلمين ما قامت لليهود قائمة لكن من جهل العرب صاروا يقاتلون اليهود

ص: 627

من أجل العروبة ولذلك لم ينصروا عليهم حتى الآن الانتصار على اليهود حقيقة في الإسلام لا غيب ولن تقوم الساعة حتى يحصل ما أخبر به الصادق المصدوق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون وينتصرون عليهم ويظهرون عليهم وينادي الحجر والشجر الذي ليس من عادته أن ينطق يا مسلم هذا يهودي فاقتله كذلك أيضا من أشراط الساعة والذي لابد أن يكون أن الفرات وهو النهر المعروف في شرقي أقصى الجزيرة يحسر عن ذهب جبل من ذهب أو كنز من ذهب تحسر بمعنى أن الذهب يخرج جبلا والذهب معروف

رأيت الناس قد ذهبوا

إلى من عنده ذهب

فالذهب يسلب العقول سوف يحسر هذا الماء النهر الجاري عن جبل من ذهب سبحان الله كل إنسان يقاتل غيره ويقول لعلي أنا الذي أنجو ويقاتل من أجل أن يحصل على الذهب..

البترول لأجل أن يحصل على البترول وصاروا يسمونه الذهب الأسود فالله أعلم بما أراد رسول الله لكننا إلى الآن لا نعرف الذهب إلا أنه ذلك المعدن الأصفر المعروف فنبقى على ما هو عليه ووراءنا أجيال فالدنيا لم تنته بعد حتى نوقف الحديث على الواقع الذي نحن فيه بل ننتظر ما أخبر به الصادق المصدوق ولابد أن يقع ويقتتل الناس عليه وهذا من أشراط الساعة لكنه لم يأت بعد والله الموفق

ص: 628

1823 -

وعنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي يريد عوافي السباع والطير وآخر من يحشر راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمها فيجدانها وحوشا حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما متفق عليه

1824 -

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يكون خليفة من خلفائكم في آخر الزمان يحثو المال ولا يعده رواه مسلم

1825 -

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب فلا يجد أحدا يأخذها منه ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن به من قلة الرجال وكثرة النساء رواه مسلم

1826 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اشترى رجل من رجل عقارا فوجد الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب

ص: 629

فقال له الذي اشترى العقار خذ ذهبك إنما اشتريت منك الأرض ولم أشتر الذهب وقال الذي له الأرض إنما بعتك الأرض وما فيها فتحاكما إلى رجل فقال الذي تحاكما إليه ألكما ولد قال أحدهما لي غلام وقال الآخر لي جارية قال أنكحا الغلام الجارية وأنفقا على أنفسهما منه وتصدقا متفق عليه

1827 -

وعنه رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كانت امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما فقالت لصاحبتها إنما ذهب بابنك وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك فتحاكما إلى داود صلى الله عليه وسلم فقضي به للكبرى فخرجتا على سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم فأخبرتاه فقال ائتوني بالسكين أشقه بينهما فقالت الصغرى لا تفعل رحمك الله هو ابنها فقضى به للصغرى متفق عليه

[الشَّرْحُ]

في هذا الباب الذي عقده النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين في المنثورات والملح تقدم ما تقدم من ذكر الدجال ويأجوج ومأجوج وذكر أحاديث في هذا المجلس تدل على أن المدينة النبوية زادها الله تشريفا وتعظيما أنه يخرج عنها

ص: 630

أهلها ولا يبقى فيها إلا العوافي أي السباع والطيور ليس فيها أحد لكن هذا لم يأت بعد ولكن هذا لم يأت بعد ولكن ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فسوف يقع لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ومنها كثرة المال حيث أخبر صلى الله عليه وسلم أنه يقوم في آخر الزمان خليفة يحثو المال ولا يعده يعني أنه ينفق إنفاقا بلا عدد لكثرة الأموال ومنها أيضا حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهذا ليس من أشراط الساعة لكن من الملح أن رجلا اشترى من رجل أرضا فوجد فيها جرة من ذهب فذهب المشتري إلى البائع وقال خذ هذا فإنما اشتريت أرضا ولم أشتر الذهب فقال البائع أنا بعت الأرض وما فيها هذا يدل على ورعهما فكل واحد ورع يقول ليس لي هذا المال فتحاكما إلى رجل فقال لأحدهما ألك ابن قال نعم وقال للثاني ألك جارية قال نعم فقال زوجا الابن بالجارية واجعلا هذا الذهب للمهر والنفقة ففعلا ففي هذا دليل على أنه يوجد من الناس من هو ورع إلى هذا الحد أما حكم هذه المسألة فقال العلماء رحمهم الله إن الإنسان إذا باع أرضا على شخص ووجد المشتري فيها شيئا مدفونا فيها من ذهب أو غيره فإنه لا يملكه بملك الأرض ولكنه للبائع وإذا كان البائع اشتراها من آخر فهي للأول لأن هذا المدفون ليس من الأرض بخلاف المعادن لو اشترى أرضا ووجد فيها معدنا من ذهب أو فضة أو حديد أو غيره فإنه يتبع الأرض هذا من الملح

ص: 631

ومنها أيضا حديث أبي هريرة في قصة امرأتين خرجتا بابنين لهما فأكل الذئب ابن واحدة منهما وبقي ابن الأخرى فقالت كل واحدة منهما إنه لي فتحاكما إلى داود عليه السلام فقضى به للكبرى اجتهادا منه لأن الكبرى ربما تكون قد توقفت عن الإنجاب أما الصغرى شابة وربما تنجب غيره في المستقبل ثم خرجتا منه إلى سليمان ابنه فأخبرتاه بالخبر فدعا بالسكين وقال أشقه بينكما نصفين أما الكبرى فرحبت وأما الصغرى فأبت وقالت هو ابنها أدركتها الشفقة لأنه ابنها حقيقة هو للصغرى وليس للكبرى ولكن الكبرى لن تبال لأنه ابن غير هام لا يهمها أن يذهب كما ذهب ولدها الذي أكله الذئب لأنه ليس ولدها لكن الصغرى أدركتها الرحمة فقالت هو بنيها يا نبي الله فقضى به للصغرى بأي بينة القرينة لأن كونها ترحم هذا الولد وتقول هو للكبرى ويبقى حيا وإن كان سيكون عند غيرها لكن بقاؤه حيا ولو كان عند غيرها أهون من شقه نصفين فقضى به للصغرى أخذ العلماء من هذا الحديث العمل بالقرائن وأنه يجوز للقاضي أن يحكم بالقرائن إذا كانت قوية ومن ذلك ما حصل بين امرأة العزيز ويوسف بن يعقوب عليهما الصلاة والسلام فمن المعلوم أن يوسف حبس في السجن وكان صلى الله عليه وسلم جميلا جدا حتى إنه أعطى نصف الحسن فامرأة العزيز وهي امرأة ملكة لها حسب ولها منزلة لكن عجزت أن تملك نفسها حتى مكرت به وكادت له وأدخلته في البيت وغلقت الأبواب ودعته إلى نفسها والعياذ بالله ولكنه

ص: 632

عصمه الله عز وجل فلحقته وأمكست بثوبه وانشق الثوب من الخلف ووجدا سيدها لدى الباب وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم هذا حصل قبل السجن {قال هي راودتني عن نفسي} وهذا قبل أن يسجن ليس عنده بينة والمرأة قد لحقته وهو يريد الخروج ومن يصدق سوف يكون المصدق في هذه الحال امرأة العزيز لأنها ذات حسب وزوجة الملك فلا يمكن أن تذل نفسها للخادم ولكن {قال هي راودتني عن نفسي} فحكم حاكم من أهل البيت قال انظروا إلى قميصه ثوبه إن كان قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين لأنه إذا كان من قبل يعني أنه الطالب المراود وأرادت التخلص منه فمزقت ثوبه وإن كان من دبر فهو قد هرب منها ولحقته {فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم} وصار الصادق يوسف وليس معه بينة تشهد ولكن هناك قرينة وهذا لا شك أنه قاعدة جليلة للقاضي ولمن جعل حكما بين الناس..

والله الموفق

ص: 633

1828 -

وعن مرداس الأسلمي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يذهب الصالحون الأول فالأول وتبقى حثالة كحثالة الشعير أو التمر لا يباليهم الله بالا رواه البخاري

1829 -

وعن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال ما تعدون أهل بدر فيكم قال من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها قال وكذلك من شهد بدرا من الملائكة رواه البخاري

1830 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أنزل الله تعالى بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم متفق عليه

[الشَّرْحُ]

هذه أيضا من الأحاديث التي ذكرها النووي في آخر كتابه رياض الصالحين من الملح منها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه يذهب الصالحون الأول فالأول ثم يبقى حثالة كحثالة الشعير أو التمر لا يبالي الله بهم بالا يعني لا يبالي بهم ولا يرحمهم ولا ينزل عليهم الرحمة فالصالحون يذهبون الأول وهذا الحديث يشبه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه حين جاء الناس إليه يشكونه ما وجدوا من الحجاج بن يوسف الثقفي

ص: 634

فأخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يأتي على الناس زمان إلا وما بعده شر منه حتى تلقوا ربكم فهذا الحديث يشبه الحديث الذي أشرنا إليه ولذلك تجد الناس يتردون كل عام عن العام الذي قبله يذهب الصالحون الأول فالأول فيما سبق تجد الناس يتهجدون في الليل يصومون في النهار يتصدقون من أقواتهم يؤثرون على أنفسهم في اليوم تجد الناس تغيروا من سنة إلى أخرى إلى أردى من قبل سهروا في الليل على غير طاعة الله ونوم في النهار أو لهو أو بيع وشراء يشتمل على الغش والكذب والخيانة والعياذ بالله فالناس إلى أردأ لكن مع ذلك في الناس خير لا شك يوجد أناس ولله الحمد على دين الله مستقيمين على ما يبدو لكن العبرة بالعموم والشمول ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الثالث الذي رواه البخاري أنه إذا أنزل بهم العذاب شمل الجميع كما قال تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب لكنهم يبعثون يوم القيامة على نياتهم كل على ما هو عليه ولذلك يجب الحذر من أن يكون الإنسان من الحثالة التي كحثالة الشعير أو التمر وأن يحرص على أن يستقيم على أمر الله حتى لو كان الناس قد هلكوا فإنهم إن أصيبوا بالعذاب فإنه يبعث كل إنسان على نيته

ص: 635

كذلك أيضا من الملح أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ما تعدون أهل بدر فيكم قال النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها قال وكذلك الملائكة الذين قاتلوا في بدر بدر اسم مكان بين مكة والمدينة معروف كان فيه وقعة بين المسلمين والمشركين سببها أن أبا سفيان صخر بن حرب كان رئيسا في أهل مكة وكان قدم من الشام بميرة عير فيها طعام لأهل مكة فلما سمع بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أنه قادم إلى مكة أخبر أصحابه بذلك وكان أهل مكة قد أخرجوا المسلمين من ديارهم وأموالهم واستباحوها فكان للمؤمنين أن يستبيحوا أموال الكفار جزاء وفاقا فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ليخرجوا إلى هذه العير فقط فخرج معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا يعني ما بين العشرة إلى العشرين يعني مائة وعشرون أو ثلاثمائة وعشرون ليس معهم سلاح ما معهم إلا سبعون بعيرا يتعاقبونها وفرسان فقط لأنهم لم يخرجوا لقتال وإنهم خرجوا للعير يأخذونها ويرجعون أبو سفيان كان رجلا محنكا ذكيا أرسل إلى أهل مكة وقال لهم أنقذوا عيركم محمد وأصحابه سيخرجون إلينا ليأخذوها ثم سلك طريق البحر بعيدا عن المدينة وقريش لما سمعت بهذا أخذتها حمية الجاهلية فاستنفروا ونفروا جميعا بكبرائهم وعظمائهم لحكمة أرادها الله عز وجل فلما خرجوا ظاهر مكة جاءهم الخبر أن أبا سفيان سلم ونجا لأنه سلك طريق البحر بعيدا عن المدينة ولم يدركه الرسول وأصحابه فتشاوروا فيما بينهم قالوا مادامت العير نجت فنرجع إلى مكة وما لنا والحروب فقال كبراؤهم كأبي جهل وغيره والله ما نرجع إلى مكة أبدا حتى نصل إلى بدر وهي نقطة المفرق بين

ص: 636

مكة والمدينة والشام ننحر الجزور ونشرب الخمور نعوذ بالله وتعزف علينا القيان فرحا وطربا وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدا أعوذ بالله خرجوا كما قال الله عز وجل {خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس} فصمموا على أن يقابلوا الرسول صلى الله عليه وسلم ويلتقوا في بدر كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا وقريش تسعمائة رجلا لكن قريشا مستعدة للحرب بعتادها وقوتها والرسول صلى الله عليه وسلم ما استعد ولكن الله عز وجل جمع بينهما على غير ميعاد لينفذ ما حكم وأراد عز وجل فالتقوا وفي هذا يقول الله عز وجل {إذ يريكهم الله في منامك قليلا} فقد رآهم الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام قليلا ليتشجع على لقائهم {ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم} سبحان الله هم يرون الصحابة قليلين والصحابة يرونهم قليلين حتى يتحفز كل واحد لمقابلة الآخر فالتقوا وحدثت معركة وقتل من أهل مكة سبعون وأسر سبعون وقتل من المسلمين سبعون رجلا سبحان الله {وتلك الأيام نداولها بين الناس} المهم أنه حدثت الواقعة وقاتلوا قتالا شديدا وقتل صناديد قريش ومنهم السبعة أو الثمانية الذين ألقوا سلا الجزور على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد تحت الكعبة في هذه القصة المشهورة والتي دعا فيها الرسول عليهم قائلا اللهم عليك بقريش اللهم عليكم بقريش اللهم عليك بفلان وفلان وعددهم فقتلوا في بدر ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بهؤلاء الصناديد الكبراء وألقوا في قليب بئر منتنة خبيثة وبقى الرسول صلى الله عليه وسلم منصورا مظفرا في ذلك

ص: 637

المكان ثلاثة أيام وكان من عادته إذا قاتل قوما وانتصر عليهم أن يبقى في العرسة ثلاثة أيام..

إلى آخر ما هو مشهور عن تلك القصة المهم أن الذين قاتلوا في بدر وهم ثلاثمائة وسبعة عشر رجلا هم من أفضل المسلمين أتدرون ماذا قال لهم ربهم عز وجل قال {اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم} كل ذنب يفعله واحد من أهل بدر مهما كان عظمه فهو مغفور له لكنهم لم يكفروا وحصل هذا تطبيقا فإن أحدهم لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يذهب إلى قريش في غزوة الفتح أرسل حاطب وهو ممن حضروا معه بدرا امرأة معها كتاب إلى قريش قال لهم إن الرسول صلى الله عليه وسلم سيغزوكم فانتبهوا فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك فأرسل رجلين أحدهما علي بن أبي طالب إلى هذه المرأة وأدركوها في روضة خاء وأمسكوا بها وقالوا لها إلى أين قالت إلى مكة وماذا معك قالت لا شيء قالوا لها إما أن تعطينا ما معك وإلا كشفنا عنك فأخرجته لهم وإذا هو كتاب من حاطب بن بلتعة رضي الله عنه وهو ممن شهد بدرا فجاءوا به للرسول صلى الله عليه وسلم وعرضوه عليه فدعاه قائلا ما هذا يا حاطب كيف تخون كيف ترسل إلى قريش بأخبارنا وهذا يسمى عند الناس جاسوسا اعتذر بعذر قال عمر أو غيره من الصحابة يا رسول الله أنا أضرب عنقه فإنه قد خان الله ورسوله قال صلى الله عليه وسلم أما علمت أن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فوقعت هذه الفعلة القبيحة الشنيعة

ص: 638

وقعت موقع مغفرة لماذا لأن الرجل من أهل بدر فهم رضي الله عنهم وجمعنا وإياكم معهم في جنات النعيم فالذي منع الرسول أن يقتل هذا الرجل أنه شهد بدرا وعلى هذا إذا وجدنا جاسوسا من المسلمين يخبر الكفار بأخبارنا وجب قتله حتى لو قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وجب قتله بدون استثناء لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمنعه من قتل حاطب إلا كونه من أهل بدر وهي مزية لن تحصل إلى يوم القيامة وقد استدل العلماء رحمهم الله بهذا الحديث على أن الجاسوس يقتل سواء أكان مسلما أم كافرا على كل حال لأنه يفضي بأخبارنا إلى أعدائنا والله الموافق

1831 -

وعن جابر رضي الله عنه قال: كان جذع يقوم إليه النبي صلى الله عليه وسلم يعني في الخطبة فلما وضع المنبر سمعنا للجذع مثل صوت العشار حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه فسكن وفي رواية: فلما كان يوم الجمعة قعد النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت أن تنشق وفي رواية: فصاحت صياح الصبي فنزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذها فضمها إليه فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت قال

ص: 639

بكت على ما كانت تسمع من الذكر رواه البخاري

[الشَّرْحُ]

هذه الأحاديث المنثورة التي ذكرها المؤلف رحمه الله في آخر كتابه رياض الصالحين حديث جابر وفيه آية من آيات الله عز وجل وآية لرسوله صلى الله عليه وسلم واعلم أن الله تعالى لم يبعث نبيا إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر لأنه لو أرسل رسولا بدون آية تدل على أنه رسول الله ما صدقه أحد ولكان للناس عذر في رد قوله ولكن الله تعالى بحكمته ورحمته ما أرسل رسولا إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر الآيات يعني العلامات التي تدل على صدقه وآيات النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة ومن أراد الاستزادة منها فعليه بكتابين أحدهما الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح فقد ذكر رحمه الله شيخ الإسلام في هذا الكتاب في آخره من آيات النبي صلى الله عليه وسلم الكونية والشرعية ما لم يحصل لغيره رحمه الله رحمة واسعة والثاني البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله فآيات الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرة منها ما ذكره جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إلى جزع نخلة فلما صنعت له امرأة من الأنصار منبرا يخطب عليه فإذا بالجزع يحن حنان العشار وأحيانا يبكي بكاء الصبي لفقد النبي صلى الله عليه وسلم الله أكبر جماد..

جزع..

يبكي لفقد الرسول صلى الله عليه وسلم

ص: 640

والآن قمم عظيمة فقدت لا يبكي لها أحد أعاننا الله وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته نزل النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يسكته كما تسكت الأم صبيا وهو جماد فسكت الجزع فكان في هذا آتيان 1 _ صياح الجزع لما فقد النبي صلى الله عليه وسلم 2_ سكوت الجزع لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم يسكته ونظيرها آية وقعت لموسى عليه السلام فقد آذاه بنو إسرائيل أذية عظيمة كما قال الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا من جملة ما قالوا فيه إنه آذر يعني كبير الخصيتين وهو عيب وكان صلى الله عليه وسلم يستتر إذا اغتسل وكانوا هم يغتسلون عراة فقالوا إن موسى لا يستتر إلا لما فيه من عيب فأراد الله عز وجل أن يريهم أنه لا عيب فيه بغير اختيار موسى نزل يغتسل مرة ووضع ثوبه على حجر فلما كان يغتسل هرب الحجر ذهب يسعى يشتد فلحقه موسى يقول ثوبي حجر ثوبي حجر يعني أعطني ثوبي يا حجر والحجر سائر حتى وصل إلى ملأ من بني إسرائيل فشاهدوا موسى بلا عيب والحمد لله ثم وقف الحجر فجعل موسى يضربه لأنه فعل فعل ما يفعله العاقل فاستحق أن يؤدبه بالضرب مثل ذلك ما تفعله الأمهات بأولادها الصغار إذا عثر الطفل أو ضربه شيء جعلت تضرب ما أعثره لأجل أن تسكت الصبي وتطيب خاطره المهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ينزل يسكت الجزع فسكت وهذه من آيات الله عز وجل والله أعلم

ص: 641

1832 -

وعن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها حديث حسن رواه الدارقطني وغيره

[الشَّرْحُ]

هذه الأحاديث من أحاديث الملح المنثورة التي ذكرها النووي رحمه الله في آخر كتابه رياض الصالحين عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة لكم فلا تبحثوا عنها هذه ثلاث جمل بينها النبي صلى الله عليه وسلم وبين حكمها أولا فرض الله فرائض وأعظم فرائض الله على عباده التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ففي شهادة أن لا إله إلا الله توحيد الله بالعبادة وألا يعبد أحد سواه وفي شهادة أن محمدا رسول الله توحيد النبي صلى الله عليه وسلم بالمتابعة بحيث لا يتابع أحد سواه هذه أفرض الفرائض ثم الصلوات والزكاة والصوم والحج وبر الوالدين وصلة الرحم وحسن الجوار والصدق والنصيحة

أشياء كثيرة فرضها الله تعالى على عباده منها فرائض عينية على كل واحد ومنها فرائض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين فالصلوات الخمس فرض عين لابد على كل مسلم أن يقوم بها والصلاة على الجنازة

ص: 642

فرض كفاية إذا قام بها البعض سقط الإثم عن الباقين وحد حدودا فلا تعتدوها في الفرائض قال لا تضيعوها ولكن احرصوا عليها وقوموا بها على الوجه المطلوب وحد حدودا فلا تعتدوها يعني جعل للأشياء حدا معينا فالصلوات الخمسة مثلا لها حد وهي أوقاتها الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد فيء الزوال العصر من هذا الوقت إلى غروب الشمس والمغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر العشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل الفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس هذه حدود الصوم له حد من طلوع الفجر إلى غروب الشمس الحج له حد أشهر معلومات في أماكن معينة إلخ حد حدودا فلا تعتدوها يعني لا تتجاوزوها قال تعالى ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه {ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون} وسكت عن أشياء رحمة لكم فلا تبحثوا عنها سكت عن أشياء لم يوجبها علينا ولم يحرمها ولو شاء لأوجب علينا ما شاء وحرم ما شاء لكنه سكت عن أشياء لولا رحمته لألزمنا بها وأضرب لكم مثلا بالصلوات الخمس فأول ما فرضها الله على العباد خمسين صلاة في اليوم والليلة ثم إن الله تعالى عفا وصارت خمسا في العمل خمسين في الثواب وأشياء كثيرة عفا الله عنها ولو شاء لألزمنا بها وفي قوله وسكت عن أشياء دليل على ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة من أن الله يتكلم بصوت مسموع لأن السكوت ضد الكلام وهو

ص: 643

جل وعلا يتكلم بما شاء متى شاء كيف شاء لا نعلم كيف يتكلم ولا متى ولا بماذا يتكلم لكن نؤمن بأنه إذا أراد شيئا قال له كن فيكون ولهذا لا تحصى كلمات الله عز وجل قال الله تعالى {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام} يعني لو كانت جميع أشجار الأرض أقلاما يكتب بها {والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} وقال عز وجل {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا}

1833 -

وعن عبد الله بن أبي أوفي رضي الله عنهما قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد وفي رواية نأكل معه الجراد متفق عليه

1834 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين متفق عليه

ص: 644

ثم ذكر حديث عبد الله بن أوفى رضي الله عنه قال غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد معه الجراد معروف وهو من الحلال يأكله الإنسان حيا وميتا قال النبي صلى الله عليه وسلم أحلت لنا ميتتان ودمان الميتتان الجراد والحوت ولهذا لا يحتاج إلى تزكية وهو صيد فإن كان في مكة حرم على الإنسان أن يصيده وأن يطيره من مكانه ويجب على من رأى من يصيده بالحرم أن يزجره ويمنعه لأنه صيد محرم لا يجوز صيده في مكة ولا أن تطيره وغيرها من الطيور وفي هذا دليل على أن الصحابة رضي الله عنهم يستدلون بإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم يعني إن فعلوا شيئا وأقرهم عليه فهو حلال وهو كذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يستطيع منعهم ولكن ما دام سكت دل ذلك على الجواز أما حديث أبي هريرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين اللدغ هو لدغ الحية المؤمن كيس فطن محترز لا يلدغ من جحر مرتين بمعنى أنه إذا حدث له شيء من أي عمل يكون فإنه لا يعود إليه لأنه يحاذر وإذا لدغ من جحر تركه وعرف أنه لا فائدة منه فالمؤمن

ص: 645

لا يلدغ من جحر مرتين لأنه حاذر فطن كيس فدل ذلك على أن الإنسان ينبغي له أن يكون فطنا وألا يعود لشيء أصابه منه ضرر بل يكون مؤمنا لأن هذا من كمال الإيمان والله الموفق

المنثورات والملح (القسم الثاني)

1835 -

وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل ورجل بايع رجلا سلعة بعد العصر فحلف بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه وهو على غير ذلك ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفي وإن لم يعطه منها لم يف متفق عليه

[الشَّرْحُ]

هذه الأحاديث ذكرها المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين كلها عن أبي هريرة رضي الله عنه أن ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ثلاثة يعني ثلاثة أصناف ليس المقصود ثلاثة رجال وإنما قد يكونون أمما عظيمة اتصفوا بهذه الأوصاف أولهم رجل على فضل ماء في فلاة يمنعه ابن السبيل يعني إنسان عنده ماء من مزرعة أو بئر أو غير ذلك في أرض فلاة خالية من السكان يمر الناس

ص: 646

من عنده ليشربوا فيمنعهم والعياذ بالله هذا لا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم وما بالك بحال رجل هذا حاله لا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم يوم القيامة والثاني رجل باع سلعة بعد العصر فحلف للمشتري أنه أعطى كذا وكذا وهو كاذب فاشتراها المشتري بناء على ما قاله البائع أنه صدق والأمر ليس كذلك فهذا أيضا لا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم وذكر النبي صلى الله عليه وسلم العصر لأن أفضل أوقات النهار ما بعد صلاة العصر وإلا فلو حلف الإنسان على سلعة في غير هذا الوقت أيضا فإنه لا يكلمه الله ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم ففي حديث أبي ذر الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قالها ثلاثا فقال أبو ذر من هم يا رسول الله خابوا وخسروا قال المسبل يعني الذي يسبل ثوبه ينزله على الكعب حتى يجره على الأرض والثاني المنان الذي يمن على الناس إذا أعطاهم مالا أو علمهم أو أحسن إليهم بشيء جعل يمن عليهم والعياذ بالله والثالث المنفق سلعته بالحلف الكاذب يعني الذي يحلف وهو كاذب ليزيد ثمن السلعة فدل ذلك على أن ذكر وقت العصر في حديث أبي هريرة إنما هو لشدة العذاب والوعيد وإلا فكل من حلف على سلعة وهو كاذب من أجل أن يزيد ثمنها فإنه لا يكلمه الله ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم

ص: 647

والثالث في حديث أبي هريرة رجل بايع إماما لا يبايعه إلا للدنيا إن أعطاه وفى له بالبيعة وإن لم يعطه لم يف بالبيعة هذا أيضا من الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم وذلك أن بيعة الإمام واجبة يجب على كل مسلم أن يكون له إمام سواء كان إماما عاما كما كان في عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من الخلفاء أو إماما في منطقته كما هو الحال الآن ومنذ أزمنة بعيدة من زمن الأئمة الأربعة ومن بعدهم والمسلمون متفرقون كل جهة لها إمام وكل إمام مسموع له ومطاع بإجماع المسلمين لم يقل أحد من المسلمين إنه لا تجب الطاعة إلا إذا كان الخليفة واحدا لجميع بلاد الإسلام ولا يمكن أن يقول أحد بذلك لأنه لو قيل بهذا ما بقى للمسلمين الآن إمام ولا أمير ولمات الناس كلهم ميتة جاهلية لأن الإنسان إذا مات وليس له إمام فإنه يموت ميتة جاهلية يحشر مع أهل الجهل والعياذ بالله الذين كانوا قبل الرسالات فالإمام في مكان وفي كل منطقة بحسبها

ص: 648

فهذا الرجل بايع الإمام لكنه بايعه للدنيا لا للدين ولا لطاعة رب العالمين إن أعطاه من المال وفى وإن منعه لم يف فيكون هذا الرجل والعياذ بالله متبعا لهواه غير متبع لهداه ولا طاعة مولاه بل هو بنى بيعته على الهوى قد يقول قائل مثلا نحن لم نبايع الإمام فليس كل واحد بايعه فيقال هذه شبهة شيطانية باطلة هل الصحابة رضي الله عنهم حين بايعوا أبا بكر هل كل واحد منهم بايع حتى العجوز في بيتها واليافع في سوقه أبدا المبايعة لأهل الحل والعقد ومتى بايعوا ثبتت الولاية على كل أهل هذه البلاد شاء أم أبى ولا أظن أحدا من المسلمين بل ولا من العقلاء يقول إنه لابد أن يبايع كل إنسان ولو في جحر بيته ولو عجوزا أو شيخا كبيرا أو صبيا صغيرا ما قال أحد بهذا حتى الذين يدعون الديمقراطية في البلاد الغربية وغيرها لا يفعلون هذا وهم كاذبون حتى انتخاباتهم كلها مبنية على التزوير والكذب ولا يبالون أبدا إلا بأهوائهم فقط الدين الإسلامي متى اتفق أهل الحل والعقد على مبايعة الإمام فهو الإمام شاء الناس أم أبوا فالأمر كله لأهل الحل والعقد ولو جعل الأمر لعامة الناس حتى للصغار والكبار والعجائز والشيوخ وحتى من ليس له رأي ويحتاج أن يولى عليه ما بقى للناس إمام لأنهم لابد أن يختلفوا

ص: 649

المهم هذه ثلاثة أشياء إذا صارت في الإنسان فإن الله لا يكلمه يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم وفي هذا الحديث دليل على ثبوت كلام الله عز وجل كما هو مذهب أهل السنة والجماعة أن الله يتكلم كما شاء وبما شاء ومتى شاء لا أحد يعجزه ولا يمتنع عليه شيء إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون {وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا} فقوله لا يكلمهم الله دليل على أنه يكلم غيرهم وهو كذلك وفيه أن الله ينظر نظرين الأول العام فإنه لا يخفى على نظره شيء جل وعلا يرى كل شيء والثاني الخاص وهو نظر الرحمة وهو المعنى في الحديث فإن الله لا ينظر إليهم نظر رحمة وفيه أيضا دليل على أن الله هو المزكي للعباد كما قال الله تعالى {ولكن الله يزكي من يشاء} فالمزكي للأمور وللأشخاص وللأعمال هو رب العالمين عز وجل فاسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن زكاه ربه إنه على كل شيء قدير

ص: 650

1836 -

وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بين النفختين أربعون قالوا يا أبا هريرة أربعون يوما قال أبيت قالوا أربعون سنة قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عجب الذنب فيه يركب الخلق ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل متفق عليه

1837 -

وعنه قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال متى الساعة فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم بل لم يسمع حتى إذا قضى حديثه قال أين السائل عن الساعة قال ها أنا يا رسول الله قال إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة رواه البخاري

1838 -

وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يصلون لكم فإن أصابوا فلكم وإن أخطئوا فلكم وعليهم رواه البخاري

1839 -

وعنه رضي الله عنه {كنتم خير أمة أخرجت للناس} قال: خير الناس للناس يأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في

ص: 651

الإسلام

1840 -

وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عجب الله عز وجل من قوم يدخلون الجنة في السلاسل رواهما البخاري معناها يؤسرون ويقيدون ثم يسلمون فيدخلون الجنة

[الشَّرْحُ]

هذه الأحاديث من الملح والمنثورات وسبق الكلام عن الكثير منها فهذه أحاديث أربعة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول بين النفختين أربعون يعني النفخ في الصور والصور موكل به ملك من الملائكة يسمى إسرافيل هذا الصور ينفخ فيه أول مرة فيفزع الناس لهوله وشدته ثم يصعقون كلهم أي يموتون كما قال الله تعالى ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين وقال تعالى {ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} فالنفخة الأولى يكون بها الفرع والصعق يعني الموت والفناء والنفخة الثانية يكون فيها القيام {فإذا هم قيام ينظرون} قيام من قبورهم ينظرون ماذا حدث وذلك أن الله تعالى يرسل عليهم قبل ذلك مطرا غليظا كمني الرجال ثم ينبتون في قبورهم كما ينبت حمى السيل يعني حبة

ص: 652

تنبت في الأرض ثم تخرج وهم كذلك ينبتون ثم ينفخ في الصور النفخة الثانية فيخرج من هذا الصور كل نفوس العالم بإذن الله وتذهب كل نفس إلى جسدها الذي كانت تعمره في الدنيا لا تخطئه..

سبحان الله بينهما أربعون قيل لأبي هريرة أربعون يوما قال أبيت يعني لا يدري قالوا أربعون سنة قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت قال النبي صلى الله عليه وسلم بينهما أربعون فنقول كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم والله أعلم المهم أن هذا هو النفخ في الصور ثم يقوم الناس إلى يوم الحساب لرب العالمين فيحاسبهم كل يحاسب بذنبه وحسابه عز وجل دائر ما بين الفضل والعدل لا ظلم فيه لأن المحاسبة إما ظلم أو عدل أو فضل وحسابه عز وجل دائر ما بين الفضل والعدل قال الله عز وجل {فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعلمون} أما الحديث الثاني حديث الأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال متى الساعة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتحدث إلى أصحابه فمضى في حديثه لم يحب أن يقطعه صلى الله عليه وسلم وكأنه والله أعلم حديث متواصل فقال قوم سمع ما قال فكرهه والإنسان إذا كره سؤال السائل فلا حرج عليه ألا يجيبه حتى ولو سمعه لأنه قد يكون السائل ليس عنده حكمة فيسأل سؤالا غير مناسب فللمجيب أن يدعه ولا يجيب وقال آخرون لعله لم يسمعه فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم حديثه قال أين السائل قال أنا يا رسول الله

ص: 653

قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة يعني إذا فسد الناس وكانت الأمور تسند إلى غير أهلها الفتوى تسند للجاهل والإمارة تسند للسفيه والإدارة تسند لمن لا علم عنده بالإدارة

وهكذا والخلاصة أنه إذا فسد الناس فانتظر الساعة لأن الساعة تقوم على شرار الخلق ففي هذا التحذير من تضييع الأمانة وأنه يجب أن يولي المناصب الأهل فالأهل لأن هذا مقتضى الأمانة أما الحديث الثالث فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن هناك أئمة يعني أمراء يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم وهذا وإن كان في الأمراء يشمل أيضا أئمة المساجد يصلون لكم فإن أحسنوا في الصلاة وأتوا بها على ما ينبغي فذلك لكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم يعني ليس عليكم أنتم من إساءتهم من شيء وفي هذا إشارة إلى أنه يجب الصبر على ولاة الأمر وإن أساءوا في الصلاة وإن لم يصلوها على وقتها فإن الواجب ألا نشذ عنهم وأن نؤخر الصلاة كما يؤخرون وحينئذ يكون تأخيرنا للصلاة عن أول وقتها يكون تأخيرا بعذر لأجل موافقة الجماعة وعدم الشذوذ ويكون بالنسبة لنا كأننا صلينا في أول الوقت وفي هذا إشارة إلى أن الشذوذ عن الناس وعن ولاة الأمور والبعد عنهم وإثارة الناس عليهم ونشر مساوئهم كل هذا مجانب للدين الإسلامي فالدين

ص: 654

يأمر بالخير والعدل وينهى عن الشر والفساد حتى إن الله قال {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء} إذا ذكرت سيئة فاذكر الحسنة أما أن تسعد بذكر السيئات وتجحد الحسنات فهذا جور وظلم والله عز وجل لا يحب الظلم {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} أي لا يحملكم بغض قوم على عدم العدل بل اعدلوا هو أقرب للتقوى فهؤلاء الذين يصلون ويؤخرون الصلاة عن وقتها نصلي معهم ويكون لنا الأجر وإن كان التأخير فيه وزر فعلى المؤخرين أما الحديث الرابع لأبي هريرة عجب الله لقوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل وفسره المؤلف رحمه الله بأنهم قوم من الكفار يؤسرون ثم يسلمون فيكون هذا الأسر سببا في إسلامهم ودخولهم الجنة والله الموفق

1841 -

وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها رواه مسلم

1842 -

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه من قوله: قال لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته..

رواه مسلم هكذا

ص: 655

ورواه البرقاني في صحيحه عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فيها باض الشيطان وفرخ

1843 -

وعن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال قلت: لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله غفر الله لك قال ولك قال عاصم فقلت له استغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم ولك ثم تلا هذه الآية {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} رواه مسلم

1844 -

وعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت رواه البخاري

[الشَّرْحُ]

هذه الأحاديث من الأحاديث المنثورة التي ذكرها النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين منها حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحب البقاع إلى الله مساجدها وأبغض البقاع إلى الله أسواقها أو قال البلاد فالمساجد مساجد الله عز وجل ولهذا أضافها الله إلى نفسه فقال ومن أظلم ممن منع

ص: 656

مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وقال تعالى {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإتياء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار} فالمساجد أحب البقاع إلى الله لأنها محل ذكره وعبادته وقراءة شرعه وغير ذلك من مصالح الدنيا والدين ولهذا كان بذل المال فيها من أفضل أنواع البذل والبذل فيها من الصدقة الجارية وهي أفضل من أن يجعل الإنسان ماله في أضحية أو عشاء أو ما أشبه ذلك فإذا جعل ماله في بناء المساجد وعمارتها كان ذلك أفضل لأن المساجد صدقة جارية باقية عامة كل المسلمين ينتفعون بها المصلون والدارسون والمتعلمون والمعلمون والذين آواهم البرد أو الحر إلى المساجد إلى غير ذلك أما الأسواق فإنما مأوى الشياطين فيها باض الشيطان وفرخ والعياذ بالله ونصب رايته وخيمته لأن أسواق البيع والشراء الغالب فيها إلا ما شاء الله الكذب والغش والخيانة والحلف وما أشبه ذلك فلهذا كانت أبغض البلاد إلى الله عز وجل وفي هذا الحديث إثبات الحب والبغض لله عز وجل أي أن الله يحب ويبغض ومن أصول أهل السنة والجماعة أننا نؤمن بذلك ونقول إن الله تعالى يحب ويبغض وهو سبحانه وتعالى موصوف بصفات الكمال وأنه لا يحب إلا ما فيه الخير والصلاح ولا يبغض إلا الشر والخبائث وينبغي أيضا كما جاء في حديث سلمان ألا يكون أول من يدخلها ولا آخر من يخرج منها لأنها أبغض البلاد إلى الله ويحصل فيها اختلاط بين الرجال والنساء والنظرات المحرمة والكلام المحرم وما أشبه ذلك

ص: 657

أما حديث عبد الله بن سرجس رضي الله عنه فهو أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر له فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم قال استغفر لي يا رسول الله فأجابه وفي هذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس كغيره أي يسأل منه الدعاء أن إنسانا يقول له يا رسول الله استغفر لي وهذا في حياته أما بعد موته فلا يجوز فمن سأل الرسول أن يستغفر له بعد وفاته فهو مشرك كافر أما في حياته فلا بأس وقد أمر الله نبيه أن {يستغفر لذنبه وللمؤمنين والمؤمنات} فقال واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والمغفرة هي أن الله تعالى يستر العبد ولا يطلع الناس على ذنبه ويعفو عنه ويتجاوز عنه لأنها مأخوذة من الستر والوقاية وهو المغفرة

1845 -

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء متفق عليه

[الشَّرْحُ]

هذه الأحاديث من الأحاديث المنثورة التي ذكرها النووي رحمه الله في آخر كتابه رياض الصالحين منها حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أول ما يقض بين الناس يوم القيامة في الدماء وذلك أن الله تعالى يفصل يوم القيامة بين العباد ويحكم بينهم أما فيما بينهم وبين الله فحكمه دائر بين العدل والفضل إما أن

ص: 658

يجازي بالعدل وإما بالفضل وأما فيما بين الناس بعضهم مع بعض فيجازي بالعدل فكل إنسان منهم يعطى حقه بدون نقص ولا زيادة فأول ما يحاسب عليه العبد من حقوق الله الصلاة فإن كان أحسنها فقد أفلح وأنجح وإن كان قد ضيعها فهو لما سواها أضيع لأن من ضيع الصلاة فلا آمر له بالمعروف ولا ناهي له عن المنكر كما قال تعالى اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر أما فيما بين العباد فأول ما يقضي بينهم في الدماء القتل ثم الأموال والأعراض والقتل تارة يكون بحق وتارة يكون بغير حق والمقصود بذلك القتل بغير حق فهذا هو أول ما يقض فيه بين الناس يوم القيامة وفي هذا الحديث إثبات القضاء يوم القيامة وأنه حق وأنه لابد أن يعطي كل مظلوم مظلمته لكن هاهنا مسألة وهي يأتي إنسان إلى شخص يكون قد ظلمه بغيبة أو قذف أو ما أشبه ذلك ثم يطلب منه السماح بعد أن تاب إلى الله وندم فيقول لصاحب الحق اسمح لي أنا مذنب وأنا الآن أستغفر الله وأتوب إليه فاسمح لي ويعتذر ولكن صاحب الحق لا يقبل فهنا نقول إذا علم الله من العبد صحة التوبة فإن الله تعالى يتحمل عنه حق هذا الآدمي الذي أبى أن يسامحه ومثل ذلك أيضا المال لو أن إنسانا كان بينك وبينه مشاجرة وجحدت ماله

ص: 659

وكان في ذمتك له مال لكنك جحدته ثم بعد ذلك تبت إلى الله وأقررت به وذهبت إليه وقلت يا فلان أنا جحدتك حقك في الأول والآن أنا تائب إلى الله ونادم خذ مالك ولكنه قال بيني وبينك يوم القيامة فهنا نقول إذا علم الله من نيتك أنك صادق في التوبة فإن الله يتحمل عنك الإثم يعني يرضي صاحبك لكن تصدق بهذا المال عنه حتى تبرأ ذمتك منه فمثلا إذا كان حقه مائة ريال ثم جئت إليه بعد أن ندمت واستغفرت وقلت له خذ هذه الدراهم مائة ريال قال لا أريدها من عملك الصالح يوم القيامة وأبى فحينئذ نقول إذا علم الله من نيتك أنك صادق فإنك لا تأثم ويزول عنك الإثم لكن هذه المائة تصدق بها عن صاحبك تخلصا منها

1846 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم رواه مسلم

1847 -

وعنها رضي الله عنها قالت: كان خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم القرآن رواه مسلم في جملة حديث طويل

ص: 660

1848 -

وعنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه فقلت يا رسول الله أكراهية الموت فكلنا نكره الموت قال ليس كذلك ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه رواه مسلم

أما الحديث الثاني فحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن بدء الخلق فذكر صلى الله عليه وسلم أن الملائكة خلقوا من النور ولذلك كانوا كلهم خيرا لا يعصون الله ولا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون فالملائكة خلقوا من نور أما الشياطين الجن فقال إنهم خلقوا من نار وفي هذا دليل على أن الجن هم ذرية الشيطان الأكبر الذي أبى أن يسجد لآدم وقال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين فالجن كلهم مخلوقون من النار ولهذا كثير منهم الطيش والعبث والعدوان على كل من يستطيعون العدوان عليه لكن اقرأ آية الكرسي في ليلك فلا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك الشيطان حتى تصبح وخلق آدم مما ذكر لكم يعني خلق من طين من تراب من

ص: 661

صلصال كالفخار لأن التراب صار طينا ثم صار فخارا فخلق منه آدم عليه الصلاة والسلام ولهذا قال الله تعالى {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} وحديثها الثاني رضي الله عنها قالت كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم القرآن يعني أنه يتخلق بأخلاق القرآن ما أمر به القرآن قام به وما نهى عنه القرآن اجتنبه سواء كان ذلك في عبادات الله أو في معاملة عباد الله فخلق النبي صلى الله عليه وسلم القرآن وفي هذا إشارة من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أننا إذا أردنا أن نتخلق بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم فعلينا أن نتخلق بالقرآن لأن هذا هو أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم حديثها الثالث رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه فقالت عائشة رضي الله عنها أكراهية الموت يا رسول الله فكلنا يكره الموت قال ليس كذلك فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا أحب لقاء الله أحب الله لقاءه وذلك أن المؤمن يؤمن بما أعد الله للمؤمنين في الجنة من الثواب الجزيل والعطاء العميم الواسع فيحب ذلك وترخص عليه الدنيا ولا يهتم بها لأنه سوف ينتقل إلى خير منها فحينئذ يحب لقاء الله ولاسيما عند الموت إذا بشر بالرضوان والرحمة فإنه يحب لقاء الله عز وجل ويتشوق إليه فيحب الله لقاءه أما الكافر والعياذ بالله فإنه إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله فكره الله لقاءه ولهذا جاء في حديث المحتضر أن نفس الكافر إذا بشرت بالغضب والسخط تفرقت في جسده وأبت أن تخرج ولهذا تنزع النفس

ص: 662

روح الكافر من جسده كما ينزع الشعر من السفود المبلول بمعنى أنه يكره على أن تخرج روحه وذلك لأنه يبشر والعياذ بالله بالشر ولهذا قال الله تعالى {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم} فهم شحيحون بأنفسهم والعياذ بالله لا يريدون أن تخرج ولكن الملائكة تقول أخرجوا أنفسكم فإذا بشرت تفرقت في الجسد فينتزعها الملائكة كما ينتزع السفود من الصوف المبلول والعياذ بالله حتى تخرج المهم أن المؤمن يحب لقاء الله لأنه يحب الله عز وجل يحب ثوابه يحب جنته يحب النعيم فهو يحب لقاء الله ولاسيما عند الموت فيحب الله لقاءه اللهم اجعلنا ممن يحب لقاءك يا رب العالمين وأحسن لنا الختام إنك على كل شيء قدير

1849 -

وعن أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي ليقلبني فمر رجلان من الأنصار رضي الله عنهما فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا فقال صلى الله عليه وسلم على رسلكما إنها صفية بنت حيي فقالا سبحان الله يا رسول الله فقال إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن

ص: 663

يقذف في قلوبكما شرا أو قال شيئا متفق عليه

[الشَّرْحُ]

هذان الحديثان ذكرهما المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين الأول حديث صفية بنت حيي رضي الله عنها أم المؤمنين كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفا في المسجد في رمضان ولا اعتكاف إلا في رمضان لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتكف في غير رمضان إلا سنة واحدة فاتته العشر في رمضان فقضاها في شوال وما عدا ذلك فلم يشرع لأمته صلى الله عليه وسلم أن يعتكفوا في غير رمضان وإنما كان الاعتكاف من أجل تحرى ليلة القدر فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأول من رمضان رجاء ليلة القدر ثم الأوسط ثم قيل له إنها في العشر الأواخر فواظب على الاعتكاف في العشر الأواخر وأما حديث عمر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أنه نذر أي عمر أن يعتكف ليلة أو ليلتين في المسجد الحرام فقال أوف بنذرك فهذا لا يدل على أن الاعتكاف مشروع وإنما يدل على وفاء النذر بالاعتكاف وأنه ليس بمعصية لو أوفى بنذره فيه لكن السنة أن الاعتكاف يكون في رمضان فقط وفي العشر الأواخر منه فقط اعتكف صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر والاعتكاف هو لزوم المسجد في طاعة الله ليتفرغ الإنسان للعبادة وليس لغير ذلك

ص: 664

جاءته صفية وهو معتكف لتتحدث إليه وهي امرأته ولا بأس للإنسان أن يتحدث إليه أهله وهو معتكف فذلك من الألفة والمحبة والمودة ثم قامت إلى بيتها وكان النبي صلى الله عليه وسلم خير الناس بأهله كما قال صلى الله عليه وسلم خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي فقام معها يشيعها إلى بيته فإذا برجلين من الأنصار يمران فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم خجلا واستحييا فأسرعا في مشيهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم على رسلكما يعني لا تسرعا إنها صفية بنت حيي لئلا يظنا أنها امرأة جاءت لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل محل السكن وإيواء البيوت فقالا سبحان الله تعجبا أن يقول الرسول هذا الكلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فيصل إلى قلبه وإلى عروقه كما أن الدم يسير في جميع البدن كذلك الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ومجرى هذا اسم مكان أي في مكان جريان الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا أو قال شيئا ففي هذا الحديث دليل على فوائد 1_ حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم في معاملته أهله 2_ ومنها جواز زيارة المرأة زوجها في الاعتكاف وأن ذلك لا يبطل الاعتكاف حتى لو فرض أنه تلذذ بالنظر إليها وما أشبه ذلك فإنه لا يضر لأن الله إنما نهى عن مباشرة النساء في الاعتكاف

ص: 665

3_

ومنها أنه ينبغي للإنسان أن يشيع أهله إذا انقلبوا من عنده إذا كان ذلك ليلا أو في وقت يخاف فيه عليهم 4_ ومنها أنه ينبغي للإنسان أن يزيل أسباب الوساوس من القلوب فمثلا إذا خشي أن أحدا يظن به شرا فإنه يجب عليه أن يزيل ذلك عنه ويخبره بالواقع حتى لا يحدث في قلبه شيء 5_ ومنها أنه إذا حدث للإنسان ما يتعجب منه فليقل سبحان الله كما قال ذلك الأنصاريان وأقرهما النبي صلى الله عليه وسلم 6_ ومنها شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ودرء الشر عنهم أما الحديث الثاني عن العباس رضي الله عنه فهو في قصة حنين وحنين هي اسم مكان غزا به النبي صلى الله عليه وسلم ثقيفا وكان الصحابة رضي الله عنهم قد فتحوا مكة في رمضان في السنة الثامنة من الهجرة ومعهم عشرة آلاف من خارج مكة وألفان من أهل مكة فالجميع اثنا عشر ألفا فجعل بعضهم يقول لبعض لن نغلب اليوم من قلة أعجبوا بكثرتهم ولكن الله تعالى أراهم أن النصر من عند الله وأن الكثرة والقوة لا تحولان بين قضاء الله وقدره قابلوا ثقيفا وكانت ثقيف ثلاثة آلاف وخمسمائة نفر والمسلمون اثنا عشر ألفا ومعهم الرسول صلى الله عليه وسلم فكمنت لهم ثقيف في وادي حنين ومعلوم أنه إذا كمنوا لهم ثم تقدم بعضهم وتأخر آخرون سوف تحدث الهزيمة انهزم الصحابة رضي الله عنهم وولوا ولم يبق مع الرسول صلى الله عليه وسلم من اثني عشر ألفا إلا نحو مائة رجل كما قال الله تعالى ثم وليتم مدبرين ولكن محمدا صلى الله عليه وسلم الذي أعطاه الله تعالى الشجاعة العظيمة والإقدام في موضع الإقدام جعل يركض بغلته نحو العدو وهو يقول صلى الله عليه وسلم أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب يعلمهم عليه الصلاة والسلام وأمر العباس رضي الله عنه وكان رجلا جهوري الصوت أمره أن ينادي الصحابة ليرجعوا فجعل ينادي يا أصحاب السمرة

يا أصحاب السمرة يا أصحاب السمرة أقبلوا..

هلموا والسمرة هي الشجرة التي بايع الصحابة عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية على ألا يفروا وهم فروا الآن فقال يا أصحاب السمرة يذكرهم بهذه المبايعة وهذه السمرة شجرة بايع النبي صلى الله عليه وسلم تحتها الصحابة على ألا يفروا أبدا وفيها يقول الله تعالى {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} فأخبر الله تعالى أنه رضى عنهم وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة بشرى عظيمة أنهم لا يدخلون النار لا قليلا ولا كثيرا المهم أن العباس دعاهم بهذا يا أصحاب السمرة قالوا لبيك..

لبيك وأقبلوا كأنهم البقر على أولادها الصغار يعني مسرعين جدا فقاتلوا العدو وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم حصيات رمى بها وجوه القوم وقال انهزموا ورب محمد وصار الأمر كذلك انهزمت ثقيف وغنم منها النبي صلى الله عليه وسلم غنائم كثيرة كثيرة جدا ما بين إبل وغنم وأحوال فالحاصل أن هذا الحديث من آيات الله عز وجل حيث نصر الله المؤمنين بعد أن أراهم قوته وأن الأمر أمره جل وعلا ليس بالكثرة ولا بالقوة ولا بالعزيمة ولكن النصر من عند الله عز وجل قال الله تعالى {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء} وفي هذا الحديث من الفوائد 1_ قوة شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم حيث تقدم إلى العدو بقوله وفعله أما فعله فإنه جعل يركض بغلته التي هو راكب عليها نحو العدو وأما قوله فإعلانه بصوته الرخيم أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب 2_ ومنها أنه يجب على الإنسان ألا يعجب بقوته ولا بكثرته ولا بعلمه ولا بماله ولا بذكائه ولا بعقله والغالب أن الإنسان إذا أعجب فإنه يهزم بإذن الله إن أعجب بكثرته هزم وإن أعجب بعلمه ضل وإن أعجب بعقله تاه لا تعجب بنفسك ولا بأي قوة من قواتك بل استعن بالله عز وجل وفوض الأمر إليه حتى يتم لك ما تريد 3_ ومنها جواز ركوب البغلة والبغل متولد من بين الحمار والفرس ينزو الحمار على الأنثى من الخيل فتلد البغل وهو نجس وحرام لكنه طاهر في ظاهره كالهرة طاهرة ولكن بولها وعذرتها نجسة وكذلك البغل فعرقه طاهر ومسه حال ركوبه طاهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم ركبه وهو يعرق وقد يكون المطر ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحترز منه فدل ذلك على أنه طاهر وهو القول الراجح 4_ ومنها أنه ينبغي للإنسان أن ينادي الناس بما يشجعهم لأن العباس لم يقل يا أيها المؤمنون يا أيها الصحابة بل قال يا أصحاب السمرة لأن هذا يشجعهم ويذكرهم بالبيعة التي بايعوا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم 5_ ومنها أن الله تعالى قد ينصر الفئة القليلة ولو على باطل على الفئة الكثيرة ولو على حق الفئة القليلة هنا من الكفار ثلاثة آلاف وخمسمائة الفئة الكثيرة الصحابة رضي الله عنهم ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كن يستفاد من هذا فائدة أيضا أن العاقبة للمتقين حتى لو هزم المسلمون بكثرتهم فإن العاقبة لهم لأن الله تعالى يقول {فاصبر إن العاقبة للمتقين} والله الموفق

1850 -

وعن أبي الفضل العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نفارقه ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء فلما التقى المسلمون والمشركون ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها إرادة أن لا تسرع وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عباس ناد أصحاب السمرة قال العباس وكان رجلا صيتا فقلت بأعلى صوتي أين أصحاب السمرة فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا يا لبيك يا

ص: 666

لبيك فاقتتلوا هم والكفار والدعوة في الأنصار يقولون يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم فقال هذا حين حمي الوطيس ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال انهزموا ورب محمد فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فمازلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا رواه مسلم الوطيس التنور ومعناه اشتدت الحرب وقوله حدهم هو بالحاء المهملة أي بأسهم

ص: 667

1851 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى {يا أيها الرسل كلوا من الطبيات واعملوا صالحا} وقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طبيات ما رزقناكم} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك رواه مسلم

1852 -

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم

ص: 670

شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر رواه مسلم العائل الفقير

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف رحمه الله تعالى في آخر كتابه رياض الصالحين من الأحاديث المنثورة ما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم كان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم وحسن بلاغته وبيانه أنه يذكر أحيانا الأشياء مفصلة محددة حتى يسهل حفظها وفهمها أحيانا يقول ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة وأحيانا يقول اثنتان من أمتي

وأحيانا يقول سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله وأشباه ذلك كثيرة لأن الشيء إذا فصل وحدد في العدد صار أضبط للإنسان وأقرب إلى الفهم ولا ينسى ثلاثة يعني ثلاثة أصناف وليس المراد ثلاثة أفراد بل ثلاثة أصناف من الناس لا يكلمهم الله يوم القيامة تكليم رضا وإلا فإنه عز وجل يتكلم تكليم غضب حتى يكلم أهل النار لما قالوا ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال لهم {اخسئوا فيها ولا تكلمون}

ص: 671

لكن المراد كلام الرحمة والرضا فهؤلاء الثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم أي نظر رحمة وإشفاق وإكرام وعزة بل يذلهم عز وجل ولا يزكيهم أي لا يجعل لهم زكاء بل هم في شقاء دائم والعياذ بالله الأول شيخ زان يعني كبير السن زان هذا والعياذ بالله زناه أشد من زنا الشاب لأن دواعي الشهوة فيه قليلة على عكس الشاب فدواعي الشهوة فيه قوية قد تغلبه على ما في قلبه من كراهة الزنا وبغضه لكن الشيخ ميت الشهوة فإذا زنا الشيخ والعياذ بالله وهو الكبير دل ذلك على فساد طويته وأنه يحب الزنا لأنه زنا لا لقوة شهوة عنده الثاني ملك كذاب الملك هو حاكم له السلطة إذا قال فعل ولهذا قال ابن المواردي في لاميته المشهورة

جانب السلطان واحذر بطشه

لا تخاصم من إذا قال فعل

السلطان يقول وينفذ ويفعل ولا حاجة له إلى الكذب وإنما عامة الرعية ربما يحتاج الواحد منهم إلى الكذب لينقذ نفسه لكن السلطان الملك ليس له حاجة إلى الكذب فإذا كذب فهو من الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم والعياذ بالله الثالث عائل مستكبر عائل يعني فقير سبحان الله فقير ويستكبر على الناس الغني ربما يستكبر لغناه كما قال عز وجل {كلا

ص: 672

إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} لكن الفقير ليس له سبب يستكبر به على الناس فإذا استكبر دل ذلك على خبثه وخبث طويته وأنه رجل طبع على الكبرياء والعياذ بالله

1853 -

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة رواه مسلم

1854 -

وعنه قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال خلق الله التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم صلى الله عليه وسلم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من النهار فيما بين العصر إلى الليل رواه مسلم

أما الحديث الثاني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سيحون وجيحون والنيل والفرات كل من أنهار الجنة هذه أربعة أنهار في الدنيا وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها من أنهار

ص: 673

الجنة فقال بعض أهل العلم إنها من أنهار الجنة حقيقة لكنها لما نزلت إلى الدنيا غلب عليها طابع أنهار الدنيا وصارت من أنهار الدنيا لأن أنهار الآخرة أربعة أنهار الجنة أربعة فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى وهذه الأنهار الأربعة في الجنة لا نعلم كيفيتها ولا طعمها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الجنة عن ربه عز وجل في الحديث القدسي أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر لكن سيحون وجيحون والنيل والفرات معلومة وهي تأسن تتغير مع طول المدة فللعلماء فيها تأويلات 1 - أنها من أنهار الجنة حقيقة لكن لما نزلت إلى الأرض صار لها حكم أنهار الدنيا 2 - أنها ليست من أنهار الجنة حقيقة لكنها أطيب الأنهار وأفضلها فذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوصف لها من باب رفع شأنها والثناء عليها والله أعلم بما أراد رسوله صلى الله عليه وسلم أما الحديث الثالث خلق الله التربة يوم السبت إلى آخر الحديث..

فهذا الحديث رواه الإمام مسلم رحمه الله وقد أنكره العلماء عليه فهو حديث ليس بصحيح ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يخالف القرآن

ص: 674

الكريم وكل ما خالف القرآن الكريم فهو باطل لأن الذين رووا نقلة بشر يخطئون ويصيبون والقرآن ليس فيه خطأ كله صواب منقول بالتواتر فما خالفه من أي حديث كان فإنه يحكم بأنه غير صحيح وإن رواه من رواه لأن الرواة هؤلاء لا يتلقون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة لكن بواسطة الإسناد حدثنا فلان عن فلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء قد يخطئون لكن القرآن ليس فيه خطأ فهذا الحديث مما أنكره أهل العلم رحمهم الله على الإمام مسلم ولا غرابة في ذلك لأن الإنسان بشر مسلم وغير مسلم كلهم بشر يخطئون ويصيبون فعلى هذا لا حاجة أن نتكلم عليه ما دام ضعيفا فقد كفيناه والله الموفق

1855 -

وعن أبي سليمان خالد بن الوليد رضي الله عنه قال: لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية رواه البخاري

1856 -

وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم واجتهد فأخطأ فله أجر متفق عليه

ص: 675

1857 -

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء متفق عليه

1857 -

وعنها رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مات وعليه صوم صام عنه وليه متفق عليه

[الشَّرْحُ]

والمختار جواز الصوم عمن مات وعليه صوم لهذا الحديث والمراد بالولي القريب وارثا كان أو غير وارث هذه الأحاديث التي ذكرها النووي رحمه الله في آخر كتابه رياض الصالحين فمنها حديث خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه انقطع في يده تسعة أسياف في غزوة مؤتة ولم يبق معه إلا صفيحة يمانية خالد بن الوليد رضي الله عنه من أشجع الناس ولكن هو كان في غزوة أحد في جيش قريش المشركين وهو ممن كروا على الصحابة رضي الله عنهم من خلف جبل أحد وقاتلوا الصحابة وقاتلوا النبي صلى الله عليه وسلم هو وعكرمة بن أبي جهل ثم من الله عليهما بالإسلام فكانا من قواد المسلمين

ص: 676

وفي قصتهما دليل على كمال قدرة الله عز وجل وأنه بيده أزمة الأمور وأنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء فكم من ضال هداه الله وكم من مهتد أضله الله والعياذ بالله وانظر إلى حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها يعني الرجل يعمل حتى لا يبقى على أجله إلا ذراع أي مدة قريبة ثم يموت فيسبق عليه الكتاب وأما الحديث الثاني حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر المراد بالحاكم هنا القاضي والظاهر أن المفتى مثله يعني أن الإنسان إذا اجتهد في طلب الحق وتبين له شيء من الحق ثم أفتى به أو حكم به فهو على خير إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد ولا يضيع الله تبارك وتعالى أجر من أحسن عملا فدل ذلك على أن الإنسان إذا اجتهد وتحرى الحق وبذل وسعه في ذلك فإن الله سبحانه وتعالى يثيبه على هذا إن أصاب فله أجران الأجر الأول على إصابة الحق والثاني على اجتهاده وإن أخطأ فله أجر واحد وهو الاجتهاد وبذل الوسع والطاقة في طلب الحق

ص: 677

وأما الحديث الثالث حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه يعني إذا مات الإنسان وعليه صيام فإنه يصوم عنه وليه سواء كان نذرا أو واجبا في أصل الشرع فإذا قدر أن رجلا أفطر في رمضان لأنه مسافر ثم تهاون بعد رمضان ولم يقض لأنه يجوز أن يؤخر القضاء إلى شعبان ولكنه مات قبل القضاء فإن وليه أي وارثه يصوم عنه من أم أو أب أو ابن أو بنت أو زوجة وهذا ليس على سبيل الوجوب بل الاستحباب فإن لم يصم وليه أطعم عنه عن كل يوم مسكينا وكذلك لو كان عليه كفارة ومات قبل أن يؤديها مع تمكنه منها فإنه يصوم عنه وليه وكذلك لو نذر أن يصوم ثلاثة أيام ومات قبل أن يصوم فإنه يصوم عنه وليه فإن لم يفعل فإنه يطعم عن كل يوم مسكينا وأما حديث عائشة رضي الله عنها وهو الحديث الرابع فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء الحمى هي المرض الذي يصيب الإنسان بالحرارة في جسمه هذه من فيح جهنم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أما كيف وصل فيح جهنم إلى بدن الإنسان فهذا أمره إلى الله ولا نعرفه ما ندري لكن نقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء يعني صبوا على المريض ماء يبرده وهذا من أسباب الشفاء لمن أصيب بالحمى وقد شهد الطب الحديث بذلك فكان من جملة علاجات الحمى أنهم يأمرون أي الأطباء المريض أن يتحمم بالماء وكلما كان أبرد على وجه لا مضرة فيه فهو أحسن وبذلك تزول

ص: 678

الحمى بإذن الله والله الموفق

1859 -

وعن عوف بن مالك بن الطفيل أن عائشة رضي الله عنها حدثت أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة رضي الله تعالى عنها والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها قالت أهو قال هذا قالوا نعم قالت هو لله علي نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدا فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة فقالت لا والله لا أشفع فيه أبدا ولا أتحنث إلى نذري فلما طال ذلك على ابن الزبير كلم المسور بن محزمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وقال لهما أنشدكما الله لما أدخلتماني على عائشة رضي الله عنها فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي فأقبل به المسور وعبد الرحمن حتى استأذنا على عائشة فقالا السلام عليك ورحمة الله وبركاته أندخل قالت عائشة ادخلوا قالوا كلنا قالت نعم ادخلوا كلكم ولا تعلم أن معهما ابن الزبير فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة رضي الله عنها وطفق يناشدها ويبكي وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدانها إلا كلمته وقبلت منه ويقولان إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عما قد علمت من الهجرة ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج طفقت تذكرهما وتبكي وتقول إني نذرت والنذر شديد فلم يزالا بها حتى كلمت ابن

ص: 679

الزبير وأعتقت في نذرها أربعين رقبة وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها رواه البخاري

[الشَّرْحُ]

هذان حديثان عظيمان فيهما فوائد ذكرهما المؤلف رحمه الله في آخر كتابه رياض الصالحين في الأحاديث المنثورة الحديث الأول حديث عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين وأفضل زوجاته بعد موته وكانت من كانت في العلم والعبادة والرأي والتدبير وكان عبد الله بن الزبير وهو ابن أختها أسماء بنت أبي بكر سمع عنها أنها تبرعت وأعطت عطايا كثيرة فاستكثر ذلك منها وقال لئن لم تنته لأحجرن علها وهذه كلمة شديدة بالنسبة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لأنها خالته وعندها من الرأي والعلم والحلم والحكمة ما لا ينبغي أن يقال فيها ذلك القول والحجر عليها يعني منعها من التصرف في مالها أو التبرع الكبير من مالها فسمعت بذلك وأخبرت به أخبرها بذلك الواشون الذين يشون بين الناس ويفسدون بينهم بالنميمة والعياذ بالله والنميمة من كبائر الذنوب وقد حذر الله من النمام وإن حلف فقال ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم ومر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة على قبرين من قبور المسلمين فقال إنهما ليعذبان في قبورهما وما يعذبان في كبير يعني لا يعذبان في أمر

ص: 680

شاق وأمر صعب بل يسهل بالنسبة للقيام به لا بالنسبة لعظمه عند الله أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول يعني لا يستنجي استنجاء تاما وإذا أصاب البول ثوبه أو بدنه لا يبالي به وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة يأتي للناس فيخبر بما قال البعض في البعض الآخر من أجل أن يفرق بينهم والعياذ بالله فالنميمة من كبائر الذنوب يعذب عليها النمام في قبره ولا يدخل الجنة نمام نسأل الله العافية المهم أن هذه الكلمة وصلت إلى عائشة فنذرت رضي الله عنها ألا تكلمه أبدا وذلك لشدة ما حصل لها من الانفعال على ابن أختها وهجرته ومن المعلوم أن هجر أم المؤمنين رضي الله عنها لابن أختها سيكون شديدا عليه فحاول أن يسترضيها ولكنها صممت لأنها ترى أن النذر شديد فاستشفع إليها برجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعلا حيلة بأم المؤمنين لكنها حيلة حسنة لأنها أدت إلى مطلوب حسن وهو الإصلاح بين الناس والكذب في الإصلاح بين الناس باللسان جائز فكيف بالأفعال استأذنا على عائشة رضي الله عنها فسلما عليها وهذه هي السنة عند الاستئذان أنك إذا قرعت الباب على شخص تقول السلام عليكم ثم استأذناها في الدخول فقالا ندخل قالت نعم قالوا كلنا قالت كلكم ولم تعلم أن عبد الله بن الزبير معهما لكنها لم تقل هل معكم

ص: 681

عبد الله بن الزبير فلم تستفصل وأتت بقول عام ادخلوا كلكم فدخلوا فلما دخلوا عليها وإذا عليها الحجاب حجاب أمهات المؤمنين وهو عبارة عن ستر تستتر به أمهات المؤمنين لا يراهن الناس وهو غير الحجاب الذي يكون لعامة النساء لأن الحجاب الذي لعامة النساء هو تغطية الوجه والبدن ولكن هذا حجاب يكون حاجبا وحائلا بين أمهات المؤمنين والناس فلما دخلا البيت دخل عبد الله بن الزبير الحجاب لأنه ابن أختها فهي من محارمه فأكب عليها يقبلها ويبكي ويناشدها الله عز وجل ويحذرها من القطيعة ويبين لها أن هذا لا يجوز لكنها قالت النذر شديد ثم إن الرجلين أقنعاها بالعدول عما صممت عليه من الهجر وذكراها بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث حتى اقتنعت وبكت وكلمت عبد الله بن الزبير ولكن هذا الأمر أهمها شديدا فكانت كلما ذكرته بكت رضي الله عنها لأنه شديد وهذا قاعدة في كل إنسان يخاف الله كل من كان بالله أعرف كان منه أخوف كلما ذكرت هذا النذر وأنها انتهكته بكت رضي الله عنها ومع هذا أعتقت أربعين عبدا من أجل هذا النذر ليعتق الله تعالى رقبتها من النار وفي هذا دليل على شدة إيمان أمهات المؤمنين وحرصهن على العتق من النار والبراءة من عذاب الكفار ففي هذا الحديث دليل على فوائد 1_ أن الإنسان لا يحل له أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام ولاسيما إذا كان قريبا وأنه يجب عليه أن يحنث ويكفر لقول النبي صلى الله عليه وسلم من حلف

ص: 682

على يمين فرأى خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير والله عز وجل غفور رحيم بالنسبة لليمين إذا كفرت عن يمينك وأتيت الذي هو خير كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم 2_ فضيلة الإصلاح بين الناس ومعلوم أن الإصلاح بين الناس من أفضل الأعمال قال الله تعالى {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما} 3_ جواز الحيل إذا لم تصل إلى شيء محرم لأن عائشة رضي الله عنها تحيل عليها الرجلان في الدخول عليها ومعهما عبد الله بن الزبير 4_ رقة قلوب الصحابة وسرعة بكائهم رضي الله عنهم من خشية الله عز وجل وهذا دليل على لين القلب وخشيته لله وكما كان قلب الإنسان أقسى كان من البكاء أبعد والعياذ بالله ولذلك نرى الناس لما كانوا أقرب للآخرة من اليوم نجد فيهم الخشوع والبكاء وقيام الليل واللجوء إلى الله والصدقة وفعل الخير لكن لما قست القلوب صارت المواعظ تمر عليها مرور الماء على الصفا لا تنتفع به إطلاقا نسأل الله لنا ولكم العافية

ص: 683

1860 -

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى قتلى أحد فصلى عليهم بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع إلى المنبر فقال إني بين أيديكم فرط وأنا شهيد عليكم وإن موعدكم الحوض وإني لأنظر إليه من مقامي هذا وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها قال فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه وفي رواية ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم قال عقبة فكان آخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وفي رواية قال إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها والمراد بالصلاة على قتلى أحد الدعاء لهم لا الصلاة المعروفة

ص: 684

[الشَّرْحُ]

هذا الحديث ذكره المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين في آخر أبوابه في الأحاديث المنثورة عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد فصلى على الشهداء هناك أي دعا لهم وليس المراد الصلاة المعروفة كما قال المؤلف رحمه الله لأن صلاة الجنازة المعروفة إنما تكون قبل الدفن لا بعده إلا من فاته الصلاة عليه قبل الدفن يصلي عليه بعده لكن هذه الصلاة الدعاء كما في قوله تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم يعني ادع لهم ثم صعد المنبر صلى الله عليه وسلم وخطب الناس كالمودع وأخبر أنه يرى حوضه ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأطيب من المسك رائحة وآنيته كنجوم السماء في الكثرة والنور هذا الحوض يرده الناس وهم عطاش من طول المقام يوم القيامة ويشرب منه المؤمنون جعلنا الله وإياكم ممن يشربون منه بمنه وكرمه ويذاد عنه الكافرون فمن شرب من شريعته في الدنيا واهتدى بسنته واتبع آثاره فليبشر أنه سيشرب من حوضه يوم القيامة ومن لم يكن كذلك حرم إياه والعياذ بالله كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول إنه ينظر إلى حوضه الآن كشف له عنه في الدنيا كما كشف عنه حين رأى الجنة والنار في صلاة الكسوف وهذه أمور غيبية لا نعرف كيف كذلك ولكن الله ورسوله أعلم المهم علينا أن نؤمن ونصدق فهذا الحوض يرده الناس يوم القيامة ويشربون منه إلا من طغى

ص: 685

واستكبر والعياذ بالله وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يخشى على أمته الشرك لأن البلاد ولله الحمد فتحت وصار أهلها إلى التوحيد ولم يقع في قلب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقع الشرك بعد ذلك لكن لا يفهم من هذا أي من كونه لا يخاف الشرك على أمته ألا يقع فإن الشرك وقع الآن فهو موجود الآن من المسلمين من يقول إنه مسلم وهو يطوف بالقبور ويسأل المقبورين ويذبح لهم وينذر لهم فهو موجود والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل إنكم لن تشركوا حتى نقول إن ما وقع ليس بشرك لأن الرسول نفى أن يكون الشرك وهو لا ينطق عن الهوى لكن قال إني لا أخاف وهذا بناء على وقوع الدعوة في عهده صلى الله عليه وسلم وبيان التوحيد وتمسك الناس به لكن لا يلزم من هذا أن يستمر ذلك إلى يوم القيامة ويدل لهذا أنه صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تعبد فئام من أمته الأوثان أي جماعات كبيرة ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك الساعة لا يخشى على أمته الشرك لكن خشي شيئا آخر الناس أسرع إليه وهو أن تفتح الدنيا على الأمة فيتنافسوها ويتقاتلوا عليها فتهلكهم كما أهلكت من قبلهم وهذا هو الذي وقع الآن فقد فتحت الدنيا وجاءتنا من كل جانب وصار فيها ما لا يخطر على البال مما سبق ولو أن أحدا حدث به لم يصدق لكن وقع فصار الناس الآن يتنافسون فيها ويتقاتلون عليها فأهلكتهم كما أهلكت من كان قبلهم والذين لم يقاتلوا

ص: 686

عليها صارت قلوبهم للدنيا والعياذ بالله الدنيا همهم في المنام واليقظة والقعود والقيام والليل والنهار حتى أصبح المثل المشهور واقعا على كثير من الناس وهو الحلال ما حل باليد من حرام أو حلال وحتى صدق فيهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي على الناس زمان لا يبالي الرجل أخذ المال من حلال أو حرام والعياذ بالله أصبح الناس الآن يتقاتلون على الدنيا - على الدنيا - والعجب أن الإنسان يسعى وراء الدنيا التي خلقت له فيكون كأنه هو الذي خلق لها والعياذ بالله يخدمها خدمة عظيمة يرهق فيها بدنه وعقله وفكره وراحته والأنس بأهله ثم ماذا قد يفقدها في لحظة يخرج من بيته ولا يرجع إليه ينام على فراشه ولا يستيقظ وهذا مشاهد والعجب أن هذه الآيات نشاهدها نشاهد من عقد على امرأة ولم يدخل عليها

مات مع شدة شوقه إليها وبعد أمله ولكن حال دونه المنون نجد أناسا معهم بطاقات دعوة زواجهم ثم يموتون وهي في سياراتهم إذن فما فائدة الدنيا وهي إلى هذا الحد في الغرور لذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو الرحيم بالمؤمنين الرءوف بهم الشفيق عليهم إنما يخشى علينا أن تفتح الدنيا فنتنافس فيها وهذا هو الواقع فاحذر يا أخي لا تغرنك الحياة الدنيا ولا يغرنك بالله الغرور أنت

ص: 687

إن وسع الله عليك الرزق وشكرته فهو خير لك وإن ضيق عليك وشكرت فهو خير لك أما أن تجعل الدنيا أكبر همك ومبلغ علمك فهذا خسار في الدنيا والآخرة أعاذنا الله وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن

1861 -

وعن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطب حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر حتى غربت الشمس فأخبرنا ما كان وما هو كائن فأعلمنا أحفظنا رواه مسلم

1862 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه رواه البخاري

[الشَّرْحُ]

هذه الأحاديث من الأحاديث التي ذكرها المؤلف في كتابه (رياض الصالحين) من الأحاديث المنثورة التي لا تختص بباب دون باب فمنها هذا الحديث الدال على أن النبي صلى الله عليه وسلم أخطب الناس وأن الله

ص: 688

تعالى أعطاه قوة لم يعطها أحدا غيره فقد صلى الفجر صلى الله عليه وسلم ذات يوم وصعد المنبر وخطب الناس حتى أذن الظهر ثم نزل فصلى الظهر ثم عاد فصعد المنبر وخطب حتى أذن العصر فنزل وصلى العصر ثم صعد المنبر فخطب حتى غابت الشمس يعني يوما كاملا من صلاة الفجر إلى غروب الشمس وهو صلى الله عليه وسلم يخطب ولم يذكر أنه خرج إلى البيت ليتغدى أو نحو ذلك فإما أن يكون صائما وإما أن يكون قد انشغل بما هو أهم وكذلك أيضا لم يذكر أنه صلى راتبة الظهر فيكون هنا اشتغل عن الراتبة بما هو أهم لأن موعظة الناس وتعليم الناس أهم من الراتبة فإن دار الأمر بين أداء الراتبة والتعليم فالتعليم أفضل قال وأخبرنا بما كان وما يكون يعني مما أطلعه الله عليه وليس يعلم الغيب إلا من أطلعه الله عليه فقط فأعلمه الله عز وجل في ذلك اليوم شيئا من علوم الغيب الماضية ومن الغيوب المستقبلة وأخبر بها صلى الله عليه وسلم فأعلمنا أحفظنا يعني منا من علم وحفظ وبقى ذلك في ذهنه ومنا من لم يحفظ ففي هذا دليل على قوة النبي صلى الله عليه وسلم ونشاطه وحرصه على إبلاغ الرسالة حتى قام يوما كاملا وأما الحديث الثاني فهو حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه النذر هو أن يلزم الإنسان نفسه شيئا لله عز وجل مثل أن يقول لله علي نذر أن أقوم أن أصوم أن أصلي أن أقرأ القرآن أن أتصدق..

..

ألخ والنذر إما حرام وإما مكروه فبعض العلماء

ص: 689

يرى أن النذر حرام وأنه لا يحل للإنسان أن ينذر لأنه يكلف نفسه ما هو في غنى عنه وكم من إنسان نذر ولم يوف وكم من إنسان نذر وتعب في الوفاء وكم من إنسان نذر وذهب إلى أبواب العلماء يستفتيهم لعله يجد رخصة المهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر واختلف علماء المسلمين في هذا النهي فمنهم من قال إنه للتحريم ومنهم من قال إنه للكراهة ولكن إذا نذر أن يطيع الله وجب عليه أن يطيع الله وجوبا فإذا قال لله علي نذر أن أصوم كل يوم اثنين من كل أسبوع وجب عليه ذلك ولا يحل له أن يخلف إلا لعذر كمرض ونحوه وإذا نذر أن يصلي كل يوم ركعتي الضحى وجب عليه أن يصلي ركعتين

إلخ مع أنه كان في حل من ذلك إن شاء صام وإن شاء لم يصم وإن شاء صلى وإن شاء لم يصل

إلخ في غير فرائض الله فهو في حل وسعة فيذهب فيضيق على نفسه والعجب أن بعض الناس نسأل الله لنا ولهم الهداية إذا كان مريضا قال لله علي نذر إن عافاني الله لأفعلن كذا وكذا سبحان الله الله لا يعافيك إلا إذا أعطيت الشرط ولهذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم لذلك فقال إن النذر لا يرد قضاء إذا أراد الله أمرا سواء نذرت أو لم تنذر سيتم وقال إنه لا يأتي بخير وصدق صلى الله عليه وسلم النذر ما فيه خير وأعلم أنك إذا نذرت على شرط فلم توف إذا حصل الشرط فإنك

ص: 690

مهدد بأمر عظيم مهدد بنفاق يجعله الله في قلبك حتى تموت قال الله عز وجل ومنهم من عاهد الله لئن ءاتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين عاهدوا الله إن أعطانا مالا لنتصدق منه ونقوم بطاعة الله {فلما ءاتاهم من فضله} وتم لهم مطلوبهم {بخلوا به وتولوا} ما وفوا بما عاهدوا الله عليه {فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه} نفاق دائم لا يوفقون إلى التوبة منه ولا تنسلخ قلوبهم منه بل يبقى في قلوبهم إلى أن يموتوا والعياذ بالله على النفاق فالمهم يا أخي المسلم احذر النذر وحذر إخوانك المسلمين وقل للمريض إن أراد الله لك شفاء شفاك بدون نذر وقل للتلميذ إن أراد الله أن تنجح نجحت بدون نذر وقل لمن ضاع منه شيء إن أراد الله آتاك به من غير نذر واصدق الله في نفسك إذا حصل ذلك الشيء فحينئذ أشكر الله تصدق بما شئت صم صل أما أن تنذر وكأن الله عز وجل لا يأتي إلا إذا شرط له شرط نسأل الله العافية ولهذا فالقول بالتحريم قول قوي وإليه مال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أما من نذر أن يعصى الله فلا يعصه ولو نذر أن يشرب الخمر مثلا حرم عليه شربها ولا يحل له أن يشرب الخمر بالنذر لا يقول أنا نذرت وأوفي بنذري نقول لا وفاء لنذر في معصية الله لو نذر أن يعتدي على شخص لا يحل أن يعتدي عليه ولو نذر لو

ص: 691

نذر أن يغتاب شخصا فلا يحل له أن يغتابه ولو نذر أن يقاطع قريبه لم يحل له أن يقاطع قريبه لو نذر أن يعق والديه لم يحل له أن يعق والديه لأن ذلك معصية ومن نذر أن يعصي الله فلا يعص ولكن ماذا يفعل قال أهل العلم إنه لا يعصى الله ويكفر كفارة يمين يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم أو يعتق رقبة فإن لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعة لحديث ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم

1863 -

وعن أم شريك رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بقتل الأوزاغ وقال كان ينفخ على إبراهيم متفق عليه

أما الحديث الثالث فهو قتل الوزغ والوزغ سام أبرص هذا الذي يأتي في البيوت يبيض ويفرخ ويؤذي الناس أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله وكان عند عائشة رضي الله عنها رمح بها تتبع الأوزاغ وتقتلها وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من قتله في أول مرة فله كذا وكذا من الأجر وفي الثانية أقل وفي الثالثة أقل

كل ذلك تحريضا للمسلمين على المبادرة لقتله وأن يكون قتله بقوة ليموت في أول مرة وسماه النبي صلى الله عليه وسلم فاسقا وأخبر أنه كان ينفخ النار على إبراهيم والعياذ بالله حين ألقاه أعداؤه في النار جعل هذا الخبيث الوزغ ينفخ النار على إبراهيم من أجل أن يشتد لهبها مما يدل على عدواته التامة لأهل التوحيد والإخلاص ولذلك ينبغي للإنسان أن يتتبع الأوزاغ في بيته في السوق في المسجد ويقتلها والله الموفق

1864 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى وإن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة وفي رواية من قتل وزغا في أول ضربة كتب له مائة حسنة وفي الثانية دون ذلك وفي الثالثة دون ذلك رواه مسلم

ص: 692

قال أهل اللغة الوزغ العظام من سام أبرص

ص: 693

1865 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رجل لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على سارق فقال اللهم لك الحمد لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية فقال اللهم لك الحمد على زانية لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غني فأصبحوا يتحدثون تصدق على غني فقال اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني فأتي فقيل له أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته وأما الزانية فلعلها تستعف عن زناها وأما الغني فلعله أن يعتبر فينفق مما آتاه الله رواه البخاري بلفظه ومسلم بمعناه

[الشَّرْحُ]

أما حديث أبي هريرة الثاني فهو في قصة الرجل الذي خرج ليتصدق ومعروف أن الصدقة على الفقراء والمساكين فوقعت صدقته في يد سارق فأصبح الناس يتحدثون تصدق الليلة على سارق والسارق ينبغي أن يعاقب لا أن يعطى وينمى ماله فقال هذا الرجل المتصدق الحمد لله حمد الله لأن الله تعالى محمود على كل حال وكان من هدى النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أصابه ما

ص: 694

يسره قال الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات وإذا أصابه خلاف ذلك قال الحمد لله على كل حال هذا هدى النبي صلى الله عليه وسلم وأما ما يقوله بعض الناس الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه فهذه عبارة لا ينبغي أن تقال لأن كلمة على مكروه تنبئ عن كراهتك لهذا الشيء وأن هذا فيه نوع من الجزع ولكن قل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله على كل حال والإنسان لا شك في أنه في هذه الدنيا يوما يأتيه ما يسره ويوما يأتيه ما لا يسره فإن الدنيا ليست باقية على حال وليست صافية من كل وجه بل صفوها مشوب بالكدر نسأل الله أن يكتب لنا ولكم بها نصيبا للأخرة لكن إذا أتاك ما يسرك فقل الحمد لله الذي بنعمتة تتم الصالحات وما يسوؤك فقل الحمد لله على كل حال ثم إنه خرج هذا الرجل فقال لأتصدقن الليلة فوقعت صدقته في يد زانية امرأة بغى تمكن الناس من الزنا بها فأصبح الناس يتحدثون تصدق الليلة على زانية وهذا شيء لا يقبله العقل ولا الفطرة فقال الحمد لله ثم قال لأتصدقن الليلة وكأنه رأى أن صدقته الأولى والثانية لم تقبل فتصدق فوقعت في يد غني والغني ليس من أهل الصدقة بل من أهل الهدية والهبة وما أشبه ذلك فأصبح الناس يتحدثون تصدق الليلة على غني فقال الحمد لله

ص: 695

على سارق وزانية وغني وقد كان يريد أن تقع صدقته في يد فقير متعفف نزيه لكن كان أمر الله قدرا مقدورا فقيل له إن صدقتك قد قبلت لأنه مخلص قد نوى خيرا لكنه لم يتيسر له وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن إذا حكم الحاكم فاجتهد فأخطأ فله أجر هذا مجتهد ولم يتيسر له ما يريد فقيل له أما صدقتك فقد قبلت وأما السارق فلعله أن يستعف عن السرقة ربما يقول هذا مال يكفيني وما البغي فلعلها أن تستعف عن الزنا لأنها ربما كانت تزني والعياذ بالله ابتغاء المال وقد حصل لها ما يكفها عن الزنا وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما آتاه الله هكذا النية الطيبة يحصل بها الثمرات الطيبة وكل هذا الذي ذكر متوقع وربما يكون يستعف السارق عن السرقة والبغي عن الزنا والغني يعتبر ففي هذا الحديث دليل على أن الإنسان إذا نوى الخير وسعى فيه وأخطأ فإنه يكتب له ولا يضره ولهذا قال العلماء رحمهم الله إذا أعطى زكاته من يظنه من أهل الزكاة فتبين أنه ليس من أهلها فإنها تجزئة مثلا رأيت رجلا عليه ثياب رثة تحسبه فقيرا فأعطيته الزكاة ثم تحدث الناس أنه غني عنده أموال كثيرة فهل تجزئك الزكاة الجواب نعم تجزئه الزكاة لأنه قيل لهذا الرجل أما صدقتك فقد قبلت وكذلك إذا أعطيتها غيره ممن ظننته مستحقا ولم يكن كذلك فإنها تجزئك والله الموفق

ص: 696

1866 -

وعنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوة فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة وقال أنا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون مم ذاك يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فينظرهم الناظر ويسمعهم الداعي وتدنو منهم الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب مالا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس ألا ترون إلى ما أنتم فيه إلى ما بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم فيقول بعض الناس لبعض أبوكم آدم ويأتونه فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك وأسكنك الجنة ألا تشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا فقال إن ربي غضب غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح فيأتون نوحا فيقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وقد سماك الله عبدا شكورا ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى إلى ما بلغنا ألا تشفع لنا إلى ربك فيقول إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقولون يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل

ص: 697

الأرض اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول لهم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني كنت كذبت ثلاث كذبات نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى فيأتون موسى فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالاته وبكلامه على الناس اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قد قتلت نفسا لم أومر بقتلها نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنبا نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيأتون محمدا صلى الله عليه وسلم وفي رواية فيأتوني فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي ثم

ص: 698

يقال يا محمد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول أمتي يا رب أمتي يا رب فيقال يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب ثم قال والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى متفق عليه

[الشَّرْحُ]

هذا الحديث الطويل الذي ساقه المؤلف رحمه الله في آخر كتابه (رياض الصالحين) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة فقدمت إليه الذراع فنهس منها نهسة وكانت تعجبه الذراع يعني ذراع الشاة وكانت تعجب النبي صلى الله عليه وسلم لأن لحمها أطيب ما في الجسم من لحم لين وسريع الهضم ومفيد وكانت تعجب النبي صلى الله عليه وسلم فنهس منها نهسة ثم حدثهم هذا الحديث العجيب الطويل فقال أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم وأشرف بني الإنسان عند الله تبارك وتعالى أتدرون مم ذاك قالوا لا يا رسول الله فساق لهم بيان شرفه وفضله صلى الله عليه وسلم على جميع بني

ص: 699

آدم ذكر أن الناس يحشرون يوم القيامة في صعيد واحد أولهم وآخرهم كما قال عز وجل قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم يجمعون في صعيد واحد والأرض يومئذ ممدودة ليست كهيئتها اليوم كروية لا ترى إذا مددت بصرك لا ترى إلا ما يواجهك من ظهرها فقط أما يوم القيامة فإن الأرض تمد مد الجلد وليس فيها جبال ولا أودية ولا أنهار ولا بحار تمد مدا واحدا والعالم فيها يسمعهم الداعي وينفذهم البصر يعني لو تكلم الإنسان يسمعهم آخر واحد والبصر ينفذهم يراهم لأنه ليس بها تكور حتى يغيب بعض عن بعض ولكن كلهم في صعيد واحد في ذلك اليوم تدنو الشمس من الخلائق على قدر ميل ويلحقهم من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فتضيق بهم الأرض ويطلبون الشفاعة لعل أحدا يشفع فيهم عند الله جل وعلا ينقذهم من هذا الموقف العظيم على الأقل يلهمهم الله عز وجل أن يأتوا إلى آدم أبي البشر فيأتون إليه ويبينون فضله، لعله يشفع لهم عند الله عز وجل يقولون له: أنت آدم أبو البشر كل البشر من بني آدم الذكور والإناث إلى يوم القيامة خلقك الله بيده كما قال تعالى منكرا على إبليس {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} خلقه الله بيده وخلق بقية البشر بكلمة كن فيكون أما آدم فخلقه جل وعلا بيده يقولون خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته قال الله تعالى {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم

ص: 700

فسجدوا} وعلمك أسماء كل شيء قال الله تعالى {وعلم آدم الأسماء كلها} ونفخ فيك من روحه قال الله تعالى {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} كل هذا يعلمه الخلق ولاسيما أمة محمد الذين أعطاهم الله تعالى من العلوم ما لم يعط أحدا من الأمم فيعتذر ويقول إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله ولن يغضب مثله قط ثم يذكر خطيئته أن الله سبحانه وتعالى نهاه أن يأكل من شجرة فأكل قال الله تعالى {ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} شجرة في الجنة لا ندري ما هذه الشجرة ولا نوعها ولا كبرها ولا صغرها شجرة أبهمها الله فعلينا أن نؤمن بها مبهمة نهى آدم أن يأكل منها وبين له أنه إذا أكل منها هو وزوجه فإنهما يكونان من الظالمين ولكن عدوهما الشيطان دلاهما بغرور ووسوس لهما وقاسهما إني لكما لمن الناصحين فغرهما ونسى آدم ما عهده إلى الله عز وجل {وعصى آدم ربه فغوى} نسى وأكل من الشجرة فعوقب بأن أخرج من الجنة إلى الأرض لحكمة يريدها الله عز وجل فيذكر معصيته ويقول نفسي نفسي يعني عسى أن أنقذ نفسي ويؤكد ذلك ويكرره ثلاث مرات اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح ونوح هو الأب الثاني للبشرية لأن الله أغرق جميع أهل الأرض الذين كذبوا نوحا {وما آمن معه إلا قليل} وكان نوح هو

ص: 701

الأب الثاني للبشر اذهبوا إلى نوح فيأتون إلى نوح لأنهم في شدة وضيق فيأتونه ويذكرون نعم الله عليه وأنه أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض وأن الله سماه عبدا شكورا ولكنه يقول كما قال آدم في غضب الله عز وجل إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قط ولن يغضب مثله ثم ذكر دعوته التي دعا بها على قومه {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} وفي رواية أنه يذكر دعوته التي دعا بها لابنه {فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين} يذكر ذنبه والشافع لا يشفع إلا إذا كان ليس بينه وبين المشفوع عنده ما يوجب الوحشة والمعصية بين العبد وربه توجب الوحشة بينهما وخجله منه فيذكر معصيته فيقول نفسي نفسي نفسي ويحيلهم إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم فيأتي الناس إليه ويقولون أنت خليل الله في الأرض ويذكرون من صفاته ويطلبون منه أن يشفع لهم عند ربه فيعتذر ويقول إنه كذب ثلاث كذبات ويقول نفسي نفسي نفسي والكذبات هي قوله إني سقيم وهو ليس بسقيم لكنه قال متحديا لقومه الذين يعبدون الكواكب والثانية قوله للملك الكافر هذه أختي يعني زوجته ليسلم من شره وهي ليست كذلك والثالثة قوله: {بل فعله كبيرهم هذا} أي الأصنام لأن إبراهيم صلى الله عليه وسلم ذهب إلى أصنامهم وكسرها فلما

ص: 702

رجعوا وجدوها مكسرة قالوا {من فعل هذا بآلهتنا} فقالوا فعله فتى يقال له إبراهيم وجرى بينهم وبين إبراهيم ما جرى وقال لهم {بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون} وهو ما فعل وإنما الذي فعله هو إبراهيم صلى الله عليه وسلم لكن ذكر ذلك على سبيل التحدي لهؤلاء الذين يعبدون الأوثان هذه كذبات في ظاهر الأمر لكنها في الحقيقة وبمناسبة تأويله صلى الله عليه وسلم لم تكن كذبات لكنه لشدة ورعه وحيائه من الله تبارك وتعالى اعتذر لهذا الإثم ويقول نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى فيأتون إلى موسى ويذكرون من صفاته وأن الله تعالى كلمه تكليما واصطفاه على أهل الأرض برسالاته وكلامه فيذكر ذنبا ويعتذر يذكر أنه قتل نفسا قبل أن يؤذن له في قتلها وهو القبطي الذي كان في خصام مع رجل من بني إسرائيل وموسى من بني إسرائيل صلى الله عليه وسلم والقبطي من أهل فرعون {فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه} دون أن يؤمر بقتله فرأى صلى الله عليه وسلم أن هذا يحول مما يحول بينه وبين الشفاعة للخلق حيث قتل نفسا لم يؤمر بقتلها وقال نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى فيأتون إلى عيسى ويذكرون منه منة الله عليه أنه نفخ فيه من روحه وأنه كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه لأنه عيسى خلق بلا أب

ص: 703

فلا يذكر ذنبا ولكنه يحيلهم إلى محمد صلى الله عليه وسلم وهذا شرف عظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان أربعة من الأنبياء يعتذرون بذكر ما فعلوه وواحد لا يعتذر بشيء ولكن يرى أن محمدا صلى الله عليه وسلم أولى منه فيأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقبل ذلك ويجلس تحت العرش ويفتح الله عليه من المحامد والثناء على الله ما لم يفتحه على أحد غيره ثم يقال له ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع فيشفع صلى الله عليه وسلم يقول يا رب أمتي أمتي فيتقبل الله شفاعته ويقال له أدخل أمتك من الباب الأيمن من الجنة وهم شركاء مع الناس في بقية الأبواب وهذه فيها دلالة ظاهرة على أن النبي صلى الله عليه وسلم أشرف الرسل والرسل هم أفضل الخلق كما قال عز وجل {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} هؤلاء هم الأصناف الأربعة الذين هم أفضل الخلق والنبي صلى الله عليه وسلم أفضلهم والله الموفق

1865 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال جاء إبراهيم صلى الله عليه وسلم بأم إسماعيل وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت عند درجة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هناك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء

ص: 704

ثم قفي إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا هذا الوادي ليس فيه أنيس ولا شيء فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها قالت له آلله أمرك بهذا قال نعم قالت إذا لا يضيعنا ثم رجعت فانطلق إبراهيم صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات فرفع يديه فقال {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع} حتى بلغ {يشكرون} وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال يتلبط فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات قال ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم فذلك سعي الناس بينهما فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقال صه تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت قد أسمعت إن كان عندك غواث فأغث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال بجناحه

ص: 705

حتى ظهر الماء فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا وجعلت تغرف الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف وفي رواية بقدر ما تغرف قال ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم رحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا قال فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك لا تخافوا الضيعة فإن ههنا بيتا لله يبنيه هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا فقالوا إن هذا الطائر ليدور على ماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء فرجعوا فأخبروهم فأقبلوا وأم إسماعيل عند الماء فقالوا أتأذنين لنا أن ننزل عندك قالت نعم ولكن لا حق لكم في الماء قالوا نعم قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فألقى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس فنزلوا فأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كانوا بها أهل أبيات وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب فلما أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم إسماعيل

ص: 706

فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت خرج يبتغي لنا وفي رواية يصيد لنا ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بشر نحن في ضيق وشدة وشكت إليه قال فإذا جاء زوجك أقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا فقال هل جاءكم من أحد قالت نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة قال فهل أوصاك بشيء قالت نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول غير عتبة بابك قال ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك الحقي بأهلك فطلقها وتزوج منهم أخرى فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده فدخل على امرأته فسأل عنه قالت خرج يبتغي لنا قال كيف أنتم وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بخير وسعة وأثنت على الله تعالى فقال ما طعامكم قالت اللحم قال فما شرابكم قالت الماء قال اللهم بارك لهم في اللحم والماء قال النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم دعا لهم فيه قال فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه وفي رواية فجاء فقال أين إسماعيل فقالت امرأته ذهب يصيد فقالت امرأته ألا تنزل فتطعم وتشرب قال وما طعامكم وما شرابكم قالت طعامنا اللحم وشرابنا الماء قال اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم قال فقال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم بركة دعوة إبراهيم صلى الله عليه وسلم قال

ص: 707

فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه فلما جاء إسماعيل قال هل أتاكم من أحد قالت نعم أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير قال فأوصاك بشيء قالت نعم يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك قال ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم فلما رآه قام إليه فصنع كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد قال يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر قال فاصنع ما أمرك ربك قال وتعينني قال وأعينك قال فإن الله أمرني أن أبني بيتا ههنا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها فعند ذلك رفع القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وفي رواية إن إبراهيم خرج بإسماعيل وأم إسماعيل معهم شنة فيها ماء فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنة فيدر لبنها على صبيها حتى قدم مكة فوضعها تحت دوحة ثم رجع إبراهيم إلى أهله فاتبعته أم إسماعيل حتى لما بلغوا كداء نادته من ورائه يا إبراهيم إلى من تتركنا قال إلى الله قالت رضيت بالله فرجعت وجعلت تشرب من الشنة ويدر لبنها على صبيها حتى لما

ص: 708

فنى الماء قالت لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا قال فذهبت فصعدت الصفا فنظرت ونظرت هل تحس أحدا فلم تحس أحدا فلما بلغت الوادي سعت وأتت المروة وفعلت ذلك أشواطا ثم قالت لو ذهبت فنظرت ما فعل الصبي فذهبت ونظرت فإذا هو على حاله كأنه ينشغ للموت فلم تقرها نفسها فقالت لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا فذهبت فصعدت الصفا فنظرت ونظرت فلم تحس أحدا حتى أتمت سبعا ثم قالت لو ذهبت فنظرت ما فعل فإذا هي بصوت فقالت أغث إن كان عندك خير فإذا جبريل صلى الله عليه وسلم فقال بعقبه هكذا وغمز بعقبه على الأرض فانبثق الماء فدهشت أم إسماعيل فجعلت تحفن

وذكر الحديث بطوله.

رواه البخاري بهذه الروايات كلها الدوحة الشجرة الكبيرة قوله قف أي ولى والجري الرسول وألفي معناه وجد قوله ينشغ أي يشهق

1866 -

وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين متفق عليه

ص: 709

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن سعيد بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين الكمأة هي التي تعرف عند الناس بالفجع تنبت من كثرة الأمطار ولاسيما الأمطار الموسمية وهي معروفة لذيذة الطعم تنبت على الأرض وإذا كبرت يأخذها الناس بدون كلفة وبدون مشقة ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم إنها من المن أي مما من الله به على عباده بيسر وسهولة وماؤها شفاء للعين يعني أن الماء الذي يستخرج منها إذا مرضت العين بسبب الرطوبة فإن هذه تشفيه بإذن الله عز وجل لأن ماءها ناشف وإن كان سائلا ينشف العين ويزيل عنها الرطوبات ولهذا قال وماؤها شفاء للعين يعني ليس من كل مرض بل من الأمراض التي أسبابها الرطوبة فإنها تشفى بإذن الله عز وجل ولكن كيف يستخرج ماؤها قيل إنها تصهر على النار ثم تعصر لأنها إذا صهرت على النار لانت ثم تعصر وقيل إنها تقطع قطعا صغيرة ثم تعصر عصرا شديدا فيخرج منها الماء ولكنه قليل.

والله الموفق

ص: 710