المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما يباح من الغيبة - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - جـ ٦

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الدعوات

- ‌باب فضل الدعاء

- ‌باب الأمر بالدعاء وفضله

- ‌باب فضل الدعاء بظهر الغيب

- ‌باب في مسائل من الدعاء

- ‌باب كرامات الأولياء وفضلهم

- ‌كتاب الأمور المنهي عنها

- ‌باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان

- ‌باب تحريم سماع الغيبة وأمر من سمع غيبة محرمة بردها

- ‌باب ما يباح من الغيبة

- ‌باب تحريم النميمة وهي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد

- ‌باب النهي عن نقل الحديث وكلام الناس إلى ولاة الأمور إذا

- ‌باب ذم ذي الوجهين

- ‌باب تحريم الكذب

- ‌باب بيان ما يجوز من الكذب

- ‌باب الحث على التثبت فيما يقوله ويحكيه

- ‌باب بيان تغليظ تحريم شهادة الزور

- ‌باب تحريم لعن إنسان بعينه أو دابة

- ‌باب جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين

- ‌باب تحريم سب المسلم بغير حق

- ‌باب تحريم سب الأموات بغير حق أو مصلحة شرعية

- ‌باب النهي عن الإيذاء

- ‌باب النهي عن التباغض والتقاطع والتدابر

- ‌باب تحريم الحسد

- ‌باب النهي عن التجسس والتسمع لكلام من يكره استماعه

- ‌باب النهي عن سوء الظن بالمسلمين من غير ضرورة

- ‌باب تحريم احتقار المسلمين

- ‌باب النهي عن إظهار الشماتة بالمسلم

- ‌باب تحريم الطعن في الأنساب الثابتة في ظاهر الشرع

- ‌باب النهي عن الغش والخداع

- ‌باب تحريم الغدر

- ‌باب النهي عن المن بالعطية ونحوها

- ‌باب النهي عن الافتخار والبغي

- ‌باب تحريم الهجران بين المسلمين فوق ثلاثة أيام إلا لبدعة في

- ‌باب النهي عن تناجي اثنين دون الثالث

- ‌باب النهي عن تعذيب العبد والدابة والمرأة والولد بغير سبب شرعي

- ‌باب تحريم التعذيب بالنار في كل حيوان حتى النملة ونحوها

- ‌باب تحريم مطل الغني بحق طلبه صاحبه

- ‌باب كراهية عودة الإنسان في هبة لم يسلمها إلى الموهوب له

- ‌باب تأكيد تحريم مال اليتيم

- ‌باب تحريم الرياء

- ‌باب ما يتوهم أنه رياء وليس رياء

- ‌باب تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية والأمرد الحسن لغير حاجة شرعية

- ‌باب تحريم الخلوة بالأجنبية

- ‌باب تحريم تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال في لباس وحركة وغير

- ‌باب النهي عن التشبه بالشيطان والكفار

- ‌باب نهي الرجل والمرأة عن خضاب شعرهما بسواد

- ‌باب النهي عن القزع وهو حلق بعض الرأس دون بعض وإباحة

- ‌باب كراهية الاستنجاء باليمين ومس الفرج باليمين من غير عذر

- ‌باب كراهة المشي في نعل واحدة أو خف واحد لغير عذر

- ‌باب النهي عن ترك النار في البيت عند النوم ونحوه سواء

- ‌باب النهي عن التكلف وهو فعل وقول ما لا مصلحة فيه

- ‌باب تحريم النياحة على الميت ولطم الخد وشق الجيب ونتف الشعر

- ‌باب النهي عن إتيان الكهان والمنجمين والعراف وأصحاب الرمل والطوارق

- ‌باب النهي عن التطير

- ‌باب تحريم تصوير الحيوان في بساط أو حجر أو ثوب أو

- ‌باب تحريم اتخاذ الكلب إلا لصيد أو ماشية أو زرع

- ‌باب كراهية تعليق الجرس في البعير وغيره من الدواب وكراهية استصحاب

- ‌باب كراهة ركوب الجلالة

- ‌باب النهي عن البصاق في المسجد والأمر بإزالته منه إذا وجد

- ‌باب كراهية الخصومة في المسجد ورفع الصوت فيه ونشد الضالة والبيع

- ‌باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو غيره

- ‌باب كراهية الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب لأنه يجلب النوم فيفوت

- ‌باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وأراد أن يضحي

- ‌باب النهي عن الحلف بمخلوق كالنبي صلى الله عليه وسلم والكعبة

- ‌باب تغليظ اليمين الكاذبة عمدا

- ‌باب ندب من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها أن

- ‌باب العفو عن لغو اليمين وأنه لا كفارة فيه وهو ما

- ‌باب كراهة الحلف في البيع وإن كان صادقا

- ‌باب كراهة أن يسأل الإنسان بوجه الله عز وجل غير الجنة

- ‌باب كراهة سب الحمى

- ‌باب النهي عن سب الريح وبيان ما يقال عند هبوبها

- ‌باب كراهة سب الديك

- ‌باب النهي عن قول الإنسان مطرنا بنوء كذا

- ‌باب تحريم قوله لمسلم يا كافر

- ‌باب النهي عن الفحش وبذاءة اللسان

- ‌باب كراهة التقعير في الكلام والتشدق فيه وتكلف الفصاحة واستعمال ودقائق

- ‌باب كراهة قوله خبثت نفسي

- ‌باب كراهة تسمية العنب كرما

- ‌باب النهي عن وصف محاسن المرأة لرجل إلا أن يحتاج إلى

- ‌باب كراهة قول الإنسان في الدعاء اللهم اغفر لي إن شئت

- ‌باب كراهة قول ما شاء الله وشاء فلان

- ‌باب كراهة الحديث بعد العشاء الآخرة

- ‌باب تحريم امتناع المرأة من فراش زوجها إذا دعاها ولم يكن

- ‌باب تحريم صوم المرأة تطوعا وزوجها حاضر إلا بإذنه

- ‌باب تحريم رفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام

- ‌باب كراهة وضع اليد على الخاصرة في الصلاة

- ‌باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام ونفسه تتوق إليه أو مع مدافعة

- ‌باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة

- ‌باب كراهة الالتفاف في الصلاة لغير عذر

- ‌باب كراهة شروع المأموم في نافلة بعد شروع المؤذن في إقامة

- ‌باب كراهة تخصيص يوم الجمعة بصيام أو ليلته بصلاة من بين

- ‌باب تحريم الوصال في الصوم وهو أن يصوم يومين أو أكثر

- ‌باب تحريم الجلوس على قبر

- ‌باب النهي عن تجصيص القبور والبناء عليها

- ‌باب تغليظ تحريم إباق العبد من سيده

- ‌باب تحريم الشفاعة في الحدود

- ‌باب النهي عن التغوط في طريق الناس وظلهم وموارد الماء ونحوها

- ‌باب النهي عن البول ونحوه في الماء الراكد

- ‌باب كراهة تفضيل الوالد بعض أولاده على بعض في الهبة

- ‌باب تحريم إحداد المرأة على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على

- ‌باب تحريم بيع الحاضر للبادي وتلقي الركبان والبيع على بيع أخيه

- ‌باب النهي عن إضاعة المال في غير وجوهه التي أذن الشرع

- ‌باب النهي عن الإشارة إلى مسلم بسلاح ونحوه سواء أكان جادا

- ‌باب كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان إلا بعذر حتى يصلي

- ‌باب كراهة رد الريحان لغير عذر

- ‌باب كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة من إعجاب

- ‌باب كراهة الخروج من بلد وقع فيها الوباء فرارا منه وكراهة

- ‌باب التغليظ في تحريم السحر

- ‌باب النهي عن المسافرة بالمصحف إلى بلاد الكفار إذا خيف وقوعه

- ‌باب تحريم استعمال إناء الذهب وإناء الفضة في الأكل والشرب والطهارة

- ‌باب تحريم لبس الرجل ثوبا مزعفرا

- ‌باب النهي عن صمت يوم إلى الليل

- ‌باب تحريم انتساب الإنسان إلى غير أبيه وتوليه إلى غير مواليه

- ‌باب التحذير من ارتكاب ما نهى الله عز وجل ورسوله صلى

- ‌باب ما يقوله ويفعله من ارتكب منهيا عنه

- ‌باب ما يقوله ويفعله من ارتكب منهيا عنه

- ‌باب المنثورات والملح

- ‌باب: أحاديث الدجال وأشراط الساعة وغيرها

- ‌كتاب الاستغفار

- ‌باب بيان ما أعد الله تعالى للمؤمنين في الجنة

الفصل: ‌باب ما يباح من الغيبة

‌باب ما يباح من الغيبة

اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه بها وهو ستة أسباب: - الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان بكذا.

الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجوا قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه، ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حرامًا.

الثالث: الاستفتاء: فيقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي أو زوجي، أو فلان بكذا، فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقي، ودفع الظلم؟ ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخص، أو زوج، كان من أمره كذا؟ فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين، ومع ذلك فالتعيين جائز كما سنذكره في حديث هند إن شاء الله تعالى.

الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم، وذلك من وجوه: منها جرح المجروحين من الرواة والشهود، وذلك جائز بإجماع

ص: 134

المسلمين، بل واجب للحاجة.

ومنها المشاورة في مصاهرة إنسان، أو مشاركته، أو إيداعه، أو معاملته، أو غير ذلك، أو محاورته، ويجب على المشاور أن لا يخفي حاله، بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة.

ومنها إذا أراد متفقها يتردد إلى مبتدع، أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك، فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النصيحة، وهذا مما يغلط فيه، وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويلبس الشيطان عليه ذلك، ويخيل إليه أنه نصيحة فليتفطن لذلك.

ومنها أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها: إما بألا يكون صالحاً لها، وإما بأن يكون فاسقًا، أو مغفلاً، ونحو ذلك، فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية عامة ليزيله، ويولي من يصلح، أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله، ولا يغتر به، وأن يسعى في أن يحثه على الاستقامة أو يستدل به.

الخامس: أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، ومصادرة الناس، وأخذ المكس، وجباية الأموال ظلماً، وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ويحرم ذكره بغيره، من العيوب، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه.

السادس: التعريف، فإذا كان الإنسان معروفًا بلقب الأعمش، والأعرج والأصم، والأعمى والأحول، وغيرهم جاز تعريفهم بذلك،

ص: 135

ويحرم إطلاقه على جهة التنقيص، ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى.

فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مجمع عليه.

[الشَّرْحُ]

هذا الباب ذكره المؤلف النووي رحمه الله تعالى في كتابه (رياض الصالحين) فيما يجوز من الغيبة وذكر لذلك ستة أسباب، وكلامه رحمه الله ليس بعده كلام؛ لأنه كله كلام جيد وصواب وله أدلة وسيذكرها إن شاء الله تعالى في هذا الباب، يذكر الأدلة وسنتكلم عليها في حينها إن شاء الله فنسأل الله أن يغفر للنووي رحمه الله وأن يجمعنا وإياكم في به جنات النعيم

1531 -

عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ائذنوا له، بئس أخو العشيرة؟ متفق عليه.

احتج به البخاري في جواز غيبة أهل الفساد وأهل الريب.

1532 -

وعنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظن فلانًا وفلانًا

ص: 136

يعرفان من ديننا شيئاً رواه البخاري.

قال الليث بن سعد أحد رواة هذا الحديث: هذان الرجلان كانا من المنافقين.

1533 -

وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن أبا الجهم ومعاوية خطباني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما معاوية، فصعلوك لا مال له، وأما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه متفق عليه.

وفي رواية لمسلم: وأما أبو الجهم فضراب للنساء وهو تفسير لرواية: لا يضع العصا عن عاتقه وقيل: معناه: كثير الأسفار.

1534 -

وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أصاب الناس فيه شدة، فقال عبد الله بن أبي: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بذلك، فأرسل إلى عبد الله بن أبي فاجتهد يمينه: ما فعل؟ فقالوا: كذب زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقع في نفسي مما قالوه شدة حتى أنزل الله تعالى تصديقي {إذا جاءك المنافقون} ثم دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم، ليستغفروا لهم فلووا رؤوسهم متفق عليه.

ص: 137

[الشَّرْحُ]

تقدم أن النووي رحمه الله ذكر باباً في بيان ما يجوز من الغيبة وذكر لذلك أحاديث فمنها حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن عليه رجل، يعني ليدخل بيته فقال ائذنوا له، بئس أخو العشيرة وفي لفظ بئس ابن العشيرة وكان هذا الرجل من أهل الفساد والغي، فدل هذا على جواز غيبة من كان من أهل الفساد والغي وذلك من أجل أن يحذر الناس فساده حتى لا يغتروا فيه فإذا رأيت شخصًا ذا فساد وغي لكنه قد سحر الناس ببيانه وكلامه يأخذ الناس منه ويظنون أنه على خير، فإنه يجب عليك أن تبين أن هذا الرجل لا خير فيه وأن تثني عليه شرًا؛ لأجل ألا يغتر الناس به، كم من إنسان طليق اللسان فصيح البيان إذا رأيته يعجبك جسمه وإن يقول تسمع لقوله، ولكنه لا خير فيه، فالواجب بيان حاله، كذلك أيضاً ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة أيضاً قال ما أظن أن فلانًا وفلانًا يعرفان من دينناً شيء وكانا من المنافقين فأثنى عليهما شرًا وأنهما لا يعرفان من الدين شيئاً، لأن المنافق لا يعرف من دين الله شيئاً في قلبه وإن كان يعرف بأذنه، لكن لا يعرف بقلبه والعياذ بالله، فهو منافق يظهر أنه مسلم ولكنه كافر، قال الله تعالى: ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون.

ص: 138

وذكر أيضًا حديث فاطمة بنت قيس في المشورة أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته أنه خطبها ثلاثة من الرجال معاوية بن أبي سفيان، وأبي الجهم، وأسامة بن زيد، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أما معاوية فصعلوك لا مال له؛ لكنه رضي الله عنه بقي حتى صار خليفة للمسلمين؛ لكنه في ذلك الوقت فقير.

قال: أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فضراب للنساء.

وفي رواية: أنه لا يضع العصا عن عاتقه، وهما بمعنى واحد، يعني أنه سيئ العشرة مع النساء يضربهن والمرأة لا يجوز ضربها إلا لسبب بينه الله في قوله:{واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن} أما أن تكون تضرب امرأتك كلما خالفت أية مخالفة فهذا غلط ولا يحل لقوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} لكن إذا خفت نشوزها وترفعها عليك وعدم قيامها بواجبك فاستعمل معها هذه الرتب: أولا عظها خوفها بالله، بين لها أن حق الزوج لا يجب تضيعه، فإن استقامت فهذا المطلوب وإلا فالرتبة الثانية اهجرها في المضجع، لا تنام معها أما الكلام فلا تهجرها، لكن لك رخصة أن تهجرها في الكلام ثلاثة أيام؛ لأنه لا يحل أن يهجر أخاه فوق ثلاثة يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهم الذي يبدأ بالسلام الرتبة الثالثة إذا لم يشري بها هذا فاضربوهن، لكن ضربًا غير مبرح، يعني

ص: 139

ليس شديدًا، بل ضرب يحصل به التأديب فقط وفي لفظ أنه لا يضع العصا عن عاتقه وهما بمعنى واحد وقيل إن معنى قوله أنه لا يضع العصا عن عاتقه أنه كثير الأسفار، لأن صاحب السفر في ذلك الوقت، يسافر بالإبل ويحتاج العصا، والظاهر أن المعنى واحد يعني ضراب للنساء ولا يضع العصا عن عاتقه بمعنى واحد، لأن الروايات يفسر بعضها بعضًا، ثم قال أنكحي أسامة بن زيد بن الحارثة فنكحته فاغتطبت به ورأت فيه خيرًا، ففي هذا دليل على أن الإنسان إذا جاء يستشيرك في شخص فذكرت عيوبه فلا بأس؛ لأن هذا من باب النصيحة وليس من باب الفضيحة، وفرق بين من يغتاب الناس ليظهر مساوئهم ويكشف عوراتهم وبين إنسان يتكلم بالنصيحة.

أما الحديث الرابع فهو حديث زيد بن الأرقم رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر وكان معه المؤمنون والمنافقون فأصاب الناس شدة، فتكلم المنافقون وقالوا {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا} يعني: لا تعطوهم شيئاً من النفقة حتى يجوعوا ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وكذبوا، المؤمنون لا يمكن أن يتركوا النبي صلى الله عليه وسلم لو ماتوا جوعًا وظمأ ما تركوه، لكن هذا هي حال المنافقين الذين يلمزون النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقات إذا أعطوا رضوا وإذا لم يعطوا فإذا هم يسخطون، أما المؤمنون فلن يتركوا الرسول صلى الله عليه وسلم {لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا} حتى هنا للتعليل وليست للغاية لأجل أن ينفضوا عنه، ولكن كذبوا في ذلك وقالوا أيضًا

ص: 140

{لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} ويعني بالأعز نفسه وقومه، وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع ذلك زيد بن الأرقم رضي الله عنه فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بأن عبد الله بن أبي قال هذا الكلام، فأرس إليه النبي صلى الله عليه وسلم أي عبد الله بن أبي -، فاجتهد يمينه أنه لم يقل هذا، يعني حلف وأقسم واشتد في القسم أنه ما قال ذلك؛ لأن المنافقين هذا دأبهم، يحلفون علي الكذب وهم يعلمون فأقسم أنه ما قال ذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم ويترك سريرتهم إلى الله، فلما بلغ ذلك زيد بن الأرقم اشتد عليه الأمر؛ لأن الرجل حلف وأقسم عند الرسول الله صلى الله عليه وسلم واجتهد يمينه في ذلك فاشتد هذا على زيد بن الأرقم، فقال: كذب زيد بن الأرقم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني أخبره بالكذب حتى أنزل الله تصديق زيد بن الأرقم في قوله: {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} وتأمل جواب الله عز وجل لقول عبد الله بن أبي [ليخرجن الأعز منها الأذل] حيث قال: {ولله العزة ولرسوله} ولم يقل إن الله هو الأعز لأنه لو قال هو الأعز لصار في ذلك دليل على أن المنافقين لهم العزة، وهم لا عزة لهم، بل قال {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} في هذه الآية دليل على أنه لا بأس أن الإنسان ينقل كلام المنافق إلى ولي

ص: 141

الأمر حتى يتخذ فيه ما ينبغي اتخاذه، وكذلك ينقل كلام المفسد إلى ولي الأمر حتى لا يتمادى في إفساده، وإذا كان الإنسان يخشى من الكلام أن يحصل فيه فساد وجب عليه أن يبلغه إلى ولي الأمر حتى يقضي على الفساد قبل أن يستشفي، لا يقال: أخشى أن ولي الأمر يفعل بي أو يفعل فيه لا قد يفعل فيه هو الذي جنى على نفسه إذا كان يتكلم بكلام يخشى منه الفساد، فالواجب رفع الكلام إلى ولي الأمر، لكن لابد من التثبت وألا يقع الإنسان في حرج، في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لما أنكر عبد الله بن أبي ما قيل عنه نزل الوحي بتصديق زيد بن الأرقم في وقتنا لا يوجد وحي يؤيد أو يفند فأنت إذًا تثبت وسمعت من بعض كلامًا يؤدي إلى الشر والفساد وجب عليك أن تبلغ به ولي الأمر حتى لا يستشفي الشر والفساد، فالمهم أن المؤلف رحمه الله ذكر مسائل وضوابط لما يجوز من الغيبة، ثم ذكر أدلة ذلك والله الموفق

1535 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قالت هند امرأة أبي سفيان للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم؟ قال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف متفق عليه.

ص: 142

وأما البخل بما يزيد فهذا حرام لا يجوز، ومن وقع عليه ذلك فله أن يتظلم إلى شخص يمكن أن يأخذ الحق له، فهذه هند تظلمت عند الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يقل لها لا تقولي رجل شحيح، أقرها على ذلك لأنها تطلب حقها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم خذي ما يكفيك ويكفي ولدك بالمعروف فأذن لها أن تأخذ من ماله بغير علمه ما يكفيها ويكفي ولدها، ولكن بالمعروف، يعني لا تزيد على ذلك، فدل هذا على مسائل: أولاً: جواز غيبة الإنسان للتظلم منه، لكن بشرط أن يكون ذلك عند من يمكنه أخذ الحق لصاحبه، وأما إذا لم يكن كذلك فلا فائدة من التظلم، ومنها أنه يجب على الإنسان أن ينفق على أهله على زوجته وولده بالمعروف، حتى لو كانت الزوجة غنية، فإنه يجب على الزوج أن ينفق، ومن ذلك ما إذا كانت الزوجة تدرس، وقد شرط على الزوج تمكينها من تدريسها فإنه لا حق له فيما تأخذه من راتب لا نصف ولا أكثر ولا أقل، الراتب لها مادام قد شرط عليه عند العقد أنه لا يمنعها من التدريس فرضي بذلك، فليس له الحق أن يمنعها من التدريس وليس له الحق أن يأخذ من مكافأتها أي من راتبها شيئاً، هو لها، أما إذا لم يشترط عليه أن يمكنها من التدريس، ثم لما تزوج قال لا تدرسي، فهنا لهما أن يصطلحا على ما يشاءان، يعني مثلاً له أن يقول: أمكنك من التدريس بشرط أن يكون لي نصف الراتب أو ثلثاه أو ثلاثة أرباعه أو ربعه وما أشبه ذلك، على ما يتفقان عليه، وأما إذا شرط عليه أن تدرس وقبل فليس

ص: 143

له الحق أن يمنعها وليس له الحق أن يأخذ من راتبها شيئاً ومن فوائد هذا الحديث أيضاً أنه يجوز لمن له النفقة على شخص وامتنع من عليه النفقة من بذل النفقة، أن يأخذ من ماله بقدر النفقة سواء علم أم لم يعلم، وسواء أذن أم لم يأذن فللمرأة مثلاً أن تأخذ من جيب زوجها ما يكفيها ويكفي أولادها، وكذلك أيضًا تأخذ من شنطته أو صندوقه ما يكفيها ويكفي أولادها سواء علم أم لم يعلم، فإن قال قائل: إذا كان لي حق على إنسان وجحد وأنكر وقدرت على أخذ شيء من ماله، فهل يجوز أن آخذ مقدار حقي من ماله؟ يعني مثلاً إنسان عنده لي مائة ريال وجحد قال: ما لك عندي شيء فهل إذا قدرت على شيء من ماله يجوز أن أخذ من ماله مائة ريال؟ الجواب لا، لا يجوز، والفرق بين هذا وبين النفقة أن النفقة لإنقاذ النفس وسببها ظاهر، كلنا يعرف أن هذه زوجة فلان وأن الزوجة لها نفقة، بخلاف الدين فإنه أمر خفي لا يقال عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أدي الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك.

فهذا هو القول الراجح في هذه المسألة، ويعبر عنها عند العلماء بمسألة الظفر، يعني من ظفر بمال من له حق عليه هل يأخذ منه أم لا؟ والجواب بالتفصيل أنه إذا كان في مقابل النفقة الواجبة فلا بأس وأما إذا كان في مقابل دين واجب، فإنه لا يجوز لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تخن من خانك.

والله الموفق

ص: 144