الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
باب في الجهاد
يعني ذكر حكمه وتوابعه وبعض فروعه وقد جرت عادة المالكية بإلحاقه بالعبادات اعتبارا بقصد الجهاد ولأنه نصرة لدينالله وطلب لإعلاء كلمته وإعانة على الدخول في الإسلام وجعله الشافعية في باب الجناية اعتبارا بأنه جناية على الكافر لأجل كفره ابن رشد وهو مأخوذ من الجهد- بفتح الجيم - أي التعب فمعنى الجهاد في سبيل الله: المبالغة في إتعاب النفس في ذات الله وإعلاء كلمته التي جعلها طريقا إلى الجنة وسببا إليها.
قال الله تعالى {وجاهدوا في الله حق جهاده} [الحج: 78] وحقيقته عرفا قتال العدو لإعلاء كلمة الله
(والجهاد فريضة يحمله بعض الناس عن بعض) ما ذكر من أن الجهاد فرض كفاية هو المشهور لقوله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين} [التوبة: 122] الآية.
وكذلك طلب العلم فريضة يعني ما يلزم الإنسان في خاصته بل كل أمر يحتاج إليه من أمور الدنيا والدين من غير خصوص بشخص ولا عموم في الأشخاص فهو كذلك حتى أصول الصنائع والقيام بضرائر الناس فانظر ذلك. وعن سحنون الجهاد سنة فقط وعن ابن المسيب وابن شبرمة فرض عين كالحج الأول وقد تعرض له الأحكام الخمسة بحسب العوارض والمقصود والله أعلم.
(وأحب إلينا أن لا يقاتل العدو حتى يدعوا إلى دين الله فإما أن يسلموا أو يؤدوا الجزية وإلا قوتلوا).
صوةرة الدعوى أن يقال لهم إما أن تسلموا أو تؤدوا الجزية أو انتصبوا للحرب فإن أجابوا للأولى بينت لهم الشريعة من الصلاة والزكاة والصوم والحج فإن قبلوا ذلك وإلا قوتلوا قاله ابن حبيب وهو ظاهر الرسالة ونحوه في حديث معاذ رضي الله عنه حين بعثه صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وهذا إذا كان المسلمون في منعة ولم يعاجلهم العدو وكان قريب الدار بحيث لا يخفى عليه أمر الإسلام وقد حصل المازري في الدعوة أربعة أقوال الوجوب وعدمه وثالثها تجب فيمن تبلغه الدعوة ورابعها تجب على الجيش الكبير الآمن لا على غيره ورجح إن عاجلوا لم تجب وإن لم يعاجلو ورجي قبولهم وجبت إن كانوا جاهلين بها اتفاقا والخلاف فيما سوى ذلك.
ابن رشد إن تيقنت الإجابة وجبت الدعوة وإن رجيت استحبت وإن أيست جازت.
(وإنما تقبل منهم الجزية إذا كانوا حيث تنالهم أحكامنا وإن بعدوا منا فلا
تقبل منهم الجزية إلا أن يرتحلوا إلى بلادنا وإلا قوتلوا).
(الجزية): مقصودة لإظهار عز الإسلام وتقريب أذهانهم لقبوله وإلا فالأصل عدم تقرير الكفر ومتى بعدوا منا لم يكن ذلك فيهم قال الله تعالى {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرن} [التوبة: 29] وقدرها وشروطها وأقسامها تقدمت في باب الزكاة.
(والفرار من العدو من الكبائر إذا كانوا مثلي عدد المسلمين فأقل فإن كانوا أكثر من ذلك فلا بأس بذلك).
الفرار من الزحف حرام إجماعا إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فشرط كون العدو مثلي عدد المسلمين فأقل لقوله تعالى: {فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله} [الأنفال: 66] فالحكم ألا يفر واحد من اثنين ظاهر ولو انفرد وانفردوا أو كانوا أقوى استعدادا وخيلا وقيل إنما المراد مقابلة جمع بجمع ضعفهم لا واحد باثنين في انفرادهم.
قال العراقيون وإذا بلغ المسلمون اثنا عشر ألفا لم يجز الفرار مطلقا ولو بلغ العدو مائتي ألف لقوله عليه السلام: " ولن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة إلا أن تختلف كلمتهم" وعزاه ابن رشد لأكثر أهل العلم وأنكره سحنون ومن فر من الزحف حين لا يباح له ترد شهادته وإمامته إلا أن تظهر توبته (ع) وظهورها بجهاده مرة أخرى وعدم فراره ابن رشد حمل الرجل الواحد منالجيش الكثير على جيش العدو للسمعة والشجاعة مكروه اتفاقا (ع) الصواب حرمته ولعل مراده قال وحمله محتسبا بنفسه ليقوي نفوس المسلمين في كونه مكروها منهيا عنه وجائز مستحبا ليقوى على ذلك قولان والثاني الصحيح وقال ابن المواز فمن نزل به العدو وحده له أن يقاتل أو يستأسر وسمع القرينان حمل رجل أحاط به العدو على مثليه خوف الأسر خفيف.
ابن رشد له أن يستأسر اتفاقا.
(ويقاتل العدو مع كل بر وفاجر من الوالاة)
يعني أن الإمام الجائر يجاهد معه ولو كحان ذلك عونا له على ظلمه لأن الجهاد معه نصرة للإسلام وتركه خذلان للمسلمين فيرتكب أخف الضررين وقد كان مالك يمنع ذلك أولا ثم رجع عنه إلى الجواز وهو الأشهر.
وفي سنن أبي داود عن أنس رضي الله عنه " ثلاثة من أصل الإيمان الكف عن من قال لا إله إلا الله لا نكفره بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل والجهاد ماض إلى يوم القيامة لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل والإيمان بالقدر".
(ولا بأس بقتل من أسر من الأعلاج ولا يقتل أحد بعد أمان ولا يخفر لهم بعهد).
العلج: الرجل من كبار العجم قاله الجوهري وفي التلقين يخيرج الإمام في الأسرى بين خمس خصال القتل والاسترقاق والمن والفداء عقد الذمة يعني أنه يجتهد فيما يراه مصلحة من ذلك يفعله وفي الموازية إن ترك قتل الأسير لرجاء فداء أو بيع أو دلالة أو سبب أو أخذوه يستخبرونه الخبر أو أبقوه لصنعة تظاهر بها فلم تكن لم يقتل ومن تركه ليرى الإمام فيه رأيه فليقتله وإنما لم يقتل أحد بعد أمان لأن ذلك خيانة.
وقد قال تعالى {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا} [البقرة: 177] وخفر العهد نقضه وقد قال عليه السلام: " إني لا أخفر بالعهد ولا أهيج الرسل".
وبعث معاوية رسلا للروم فغدروهم وكان عنده رسل منهم فأكرمهم وأرسلهم فقيل له في ذلك فقال وفاء بعهد خير من غدر بغدر.
(ولا يقتل النساء والصبيان ويجتنب قتل الرهبان والأحبار إلا أن يقاتلوا وكذلك المرأة تقتل إن قاتلت).
فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان وقال أبو بكر رضي الله عنه في أصحاب الصوامع دعوهم وما حبسوا أنفهسم إليه وأصحاب الصوامع هم الرهبان من النصارى والأحبار وعلماء اليهود قالوا وهم ينتفع برأيهم فالواجب جواز قتلهم وقد قال أبو بكر رضي الله عنه في الذين فحصوا أوساط رءوسهم في الكنائس أضرب ما فحصوا عنه بالسيف.
والحاصل أن من ذكر إذا لم تكن له شوكة ولا رأي لا يقتل وإن كان ينتفع برأيه ويتعرض للقتال فإنه يقتل فالمرأة والصبي يقتلان إذا قاتلا في وجه القتال وبعد أسرهما لا يقتلان والأحبار والرهبان كذلك إلا أن يكون لهما رأي ينتفع به فيكون حكمهما كالمقاتلة.
واختلف في وجه ترك قتل من ذكر فقيل لأنهم أقرب للإسلام فيتركون لما يرجى من ذلك وهذا مبني على أن القتال للكفر وقيل لأنهم لا يقاتلون بناء على أن القتل إنما هو للقتال إذ قال تعالى {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة} [التوبة: 36] وفي بعض نسخ الرسالة الأجراء بدلا من الأحبار لأن الأحبار يقتلون للانتفاع في الرأي والتحريض وكل من لا شوكة له فكالنساء والصبيان مثل الزمن والشيخ الفاني والأجير للخدمة والصانع والفلاح إذا أسروا ولم يكن منهم قتال لا يقتلون على المشهور وقال سحنون يجوز قتلهم.
(ويجوز أمان أدنى المسلمين على بقيتهم وكذلك المرأة والصبي إذا عقل الأمان).
(أدنى المسلمين) العبد ونحوه ولا خلاف في جواز تأمين الإمام وأمير الجيش مطلقا لم يلحق بأمانه ضرر للمسلمين واختلف في غيره ممن جمع شروطا خمسة الإسلام والبلوغ عقل وحرية وذكورة فالمشهور انعقاد أمانهم وفي المجنون والكافر اختلاف مشهوره خلاف الذي قبله وظاهر كلام الشيخ بل نصه أن البلوغ والذكورية ليسا بشرط وقد قال عليه السلام: " قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ" فقيل إجازة لها وقيل تقرير حكم فمن ثم جاء الخلاف في أمان المرأة هل يتوقف على الإجازة؟ وكذا غيرها أم لا؟ والله أعلم.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: " المسلمون تتكافا دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويرد عليهم
أقصاهم وهم يد على من سواهم" الحديث وفي البخاري من حديث علي كرم الله وجهه " ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم" زاد ابن ماجه " ويرد عليهم أقصاهم".
(وما غنم المسلمون بإيجاف فليأخذ الإمام خمسة ويقسم أربعة أخماس بين أهل الجيش وقسم ذلك ببلد الحرب أولى).
الغنيمة ما حصل بأيدي المسلمين من أموال الكفار على سبيل القهر بالخيل والركاب كذا عرفها بعضهم والإيجاف في اللغة الإضرار ومنه قوله تعالى {قلوب يومئذ واجفة} [النازعات: 8] والوجيف: ضرب من سير الإبل والخيل كأنه اضطر بها عند الحرب لحركاته والله أعلم والخيل معلومة والركاب الإبل والله أعلم.
ثم قوله (فليأخذ الإمام خمسه) إلى آخره لا خلاف فيه من حيث الجملة لقوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} [الأنفال: 41] الآية ولا يختص بذلك أحد بعينه بل يفعل فيه الإمام نظره وله إيقافه لنوائب المسلمين خلافا لابن عبد الحكم وروي عن عمر رضي الله عنه والمشهور أن غنيمة الأرض توقف للمصالح فلا تخمس ولا تقسم وقال سحنون وينبغي أن تباع أولا بالدراهم ثم تقسم الدراهم فإن لم يوجد من يشتري فتقسم بالقيمة ويقرع عليه.
ابن حبيب وسمعت أهل العلم يقولون ما تستطاع قسمته قسمة الإمام إذا شاء وإلا قسم ثمنه الباجي والأظهر عندي قسمة ذلك لفعله صلى الله عليه وسلم ولأن حقوقهم متعلقة بعينه وإنما كان قسمها ببلد الحرب أولى لأنه أبلغ في نكاية العدو وقال في المدونة وهم أولى برخصها ولأنه أبعد من الضياع لأن من حاز سهما حفظه وإذا كان الأمر شائعا كان الحفظ متراخيا.
(وإنما يقسم ويخمس ما أوجف عليه بالخيل والركاب وما غنم بقتال).
يعني أن ما كان موجب أخذه من أموال الكفار قتلا هو الذي يخمس وما هربوا عنه بسبب قتال أو كان مركبا انكسر في البحر وخرج لبر المسلمين هو فيء لبيت المال لا يقسم ولا يخمس واختلف فيما فروا عنه لنزول الجيش بهم على قولين حكاهما
اللخمي وروى محمد وغيره ما أخذ من حيث يقاتل عليه كما أخذ من فرارهم فهو الذي قوتل عليه وهذا في حق الجيش والواحد والاثنين ونحوهم لهم ما أخذوه دون شيء والله أعلم.
(لا بأس أن يأكل من الغنيمة قبل أن يقسم الطعام والعلف لمن احتاج إلى ذلك).
في هذا الكلام جواز ما ذكر وإن بغير إذن الإمام عياض أجمع المسلمون على إجازة أكل الطعام من الغنيمة بأرض العدو بقدر الحاجة وجمهورهم على عدم شرط إذن الإمام وحكاية الزهري بشرطه لم يتابع عليه ابن حبيب عدم قسم المطعم والمشرب ومن أصابه أحق به إلا أن يواسي منه أو يفضل عن حاجته وله النفقة إلى منصرفه دون إذن الإمام ولو نهاهم عنه ثم اضطروا إليه جاز لهم أكله.
وفي المدونة الطعام والعلف والغنم البقر بأرض الحرب جائز أكله وفروع هذا
الفصل كثيرة فانظرها.
(وإنما يسهم لمن حضر القتال أو تخلف عن القتال في شغل المسلمين من أمر جهادهم).
يسهم لمن توفتر فيه شروط سبعة بلا خلاف كونه حرا مسلما بالغا عاقلا صحيحا حاضرا للوقعة قاتل أو لم يقاتل خارجا بنية الجهاد لا لتجارة أو أجير فإذا توفرت الشروط السبعة قسم له بلا خلاف واختلف في المرأة تقاتل والعبد والصبي المطيق والمجنون القادر والمريض قبل توجه الغنيمة وتعداد ذلك يطول فانظره والحاصل أنهم ثلاثة أقسام قسم يسهم له باتفاق وهو المذكور بالشروط السبعة وقسم لا يسهم له اتفاقا ومنه التجار والأجراء وقسم يختلف فيه فانظر ذلك.
(ويسهم للمريض وللفرس الرهيص).
(الرهيصة) أن يدمى باطن حافر الدابة من حجر تطؤه ونحوه قال الكسائي رهصت الدابة رهصا وأرهصها الله تعالى والمريض بعد الإشراف على الغنيمة يسهم له وكذلك الذي دخل القتال وهو مريض ثم تمادى به ثالثها إن كان له رأي ينتفع به أسهم له وإلا فلا.
(ويسهم للفرس سهمان وسهم لراكبه).
يعني فالفارس له ثلاثة أسهم والراجل له سهم واحد وهذا هو المشهور في الفارس سهم للفرس وسهم للفارس وسهم في خدمته وقال ابن وهب إنما له سهمان سهم له وسهم لراكبه وقال أبو حنيفة لا يكون الحيوان البهيمي أفضل من الآدمي وهو صحيح في وجوه أخر مردود في هذا الوجه للسنة والمصلحة.
(ولا يسهم للعبد ولا للصبي ولا للمرأة إلا أن يطيق الصبي الذي لم يحتلم القتال ويجيزه الإمام ويقاتل فيسهم له ولا يسهم للأجير إلا أن يقاتل).
وأما العبد والذمي فثالثها يسهم له إن كانوا محتاجا إليهم وإلا فلا وأما المرأة إن قالت ففيها قولان وأما الصبي المطيق فثالثها إن قاتل أسهم له وظاهر كلام الشيخ تخصيصه بالخلاف دون من ذكر معه فانظره ثم ما ذكر الشيخ فيه من الشروط يفيد قولا رابعا إن خلا هذا الوجه من الخلاف فانظر ذلك.
والمجنون المطبق حيث لا ينتفع به ألبتة لا يسهم له والذي يعقل بوجه ما يسهم له وربما كان قتاله أنفع لتحامله والأعمى والأعرج والأقطع إن كانت بهم منفعة أسهم لهم وإلا فلا ولا يسهم للأجراء الذين يخرجون لا بنية الجهاد اتفاقا إن لم يقاتلوا وإن قاتلوا فقولان وإن خرجوا بنية الجهاد أسهم لهم وحضور القتال شرط وقد تقدم.
(ومن أسلم من العدو على شيء في يديه من أموال المسلمين فهو له حلال).
خلافا للشافعي في أنه لربه بناء على أنهم لا يملكون علينا وقول الشيخ (من أموال المسلمين) أخرج به الرقاب فلو أسلم وبيده أسير مسلم لم يصح تقريره عليه ولو ملك له وهو معروف المذهب وخالف فيه ابن شعبان وأحمد بن خالد قال ابن عبد البر وهو شذوذ من القول ولو أسلم وبيده مسلمون ثلاثة يجبر على بيعهم قاله أصخاب مالك إلا ابن قاسم فإنه قال لا يجبر وثالثها يجبر على بيع النساء المسلمات دون الرجال رواه سحنون عن ابن القاسم.
(ومن اشترى شيئا منها من العدو لم يأخذه إلا بالثمن وما وقع في المقاسم منها فربه أحق به بالثمن وما لم يقع في المقاسم منها فربه أحق به بلا ثمن).
ذكر في هذه الجملة مسائل ثلاث أولها من اشترى من العدو شيئا أخذه في حربه فعرفه ربه بعنيه أنه لا يؤخذ منه إلا بالثمن وهذا قول مالك وأبي حنيفة خلافا للشافعي فإنه يأخذه بلا شيء لأنهم لا يملكون علينا.
فرع:
وما فدى من اللصوص هل يأخذه ربه بغير شيء أو لا يأخذه إلا بما فدى به قولان حكاهما ابن بشير (ع) والأظهر أن فداءه بحيث يرجى لربه خلاصه من اللص بأمر مأمن حرمة ربه أو قوته أو إغاثة تمنع اللص من الاستمداد به فيوجب حرمان فادية (س) عن اختيار بعض أشياخه أن ربه لا يأخذه إلا بالثمن لأن عدم الثمن يؤدي لعدم نصح ذي الوجاهة ومن له قدرة على افتكاكه من افتكاكه وبالناس حاجة لهذا الأمر ولا تجوز له الأجرة على ذلك إن دفع الثمن من عنده لأنه سلف جر منفعة وإن كان الدافع غيره ففي إجازة ذلك محل للنظر " قلت" وهي قريبة من مسألة الغفر وثالثها إن
كان ذلك بجاهة مجردا حرم لأنه ثمن الجاه وإن كان بقوة أو بني عمه ونحو ذلك جاز.
وفي المسألة كلام متسع فانظره ويصدق المشتري من العدو فيما يشبه من الثمن فإن ادعى ما لا يشبه رجع إلى القيمة.
وقوله (فيما وقع في المقاسم بالثمن) يعني به القيمة التي وقع المقسم بها وقت القسم وإن عثر عليه في المغنم قبل القسمة كان له بلا شيء وكأنه لم يؤخذ منه لانفساخ ملك الكافر إلى غير مالك معين.
(ولا نفل إلا من الخمس على الاجتهاد من الإمام ولا يكون ذلك قبل الغنيمة والسلب من النفل).
ذكر في هذه الجملة مسائل أربع:
أولها: (لا نفل) –بفتحات- أي لا زيادة بعد القسم أو إعطاء لمن لا قسمة له إلا من وسط الغنيمة وهو مذهب كثير من علماء الحجاز خلافا لأهل الشام وبعض أهل العراق.
الثاني: كونه على الاجتهاد من الإمام هو الأصل لينتفي الظلم والميل ويجري الأمر على ما هو السداد إن شاء الله.
الثالث: لا يكون قبل الغنيمة لئلا يوقع الناس نفوسهم في الهلاك على طلب الدنيا وقد كره مالك الأسير أن يقاتل مع الروم عدوا لهم على أن يخلوه إلى بلد الإسلام قال ولا يسفك أحد دمه على مثل هذا.
الرابع: السلب من النفل فإذا قال الإمام " من قتل قتيلا فله سلبه " فذلك نفل يجري فيه حكمه فلا يقول قبل القتال لئلا يتهالك الناس في طلب الدنيا وقال الحنفي وغيره يقال قبل القتال لأنه إغراء على القتال.
(والرباط فيه فضل كثير وذلك بقد خوف أهل ذلك الثغر وكثرة تحرزهم من عدوهم).
(الرباط): حفظ الثغر أن الموضع الذي يلي الكفار من بلد الإسلام ليكون ذلك سبب لحقن دماء المسلمين قال ابن عمر رضي الله عنه شرع الرباط لحق دماء المسلمين والجهاد لسفك دماء المسلمين أحب إلي فظاهره أن الرباط أفضل.
من الجهاد وقال عمر رضي الله عنه بعكسه قال ابن رشد في هذا أن ذلك بحسب المواضع وشدة الحاجة إلى الرباط وعدمها فلا يقال إن أحدهما أفضل من الآخر على الإطلاق.
وحكى المازري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تمام الرباط أربعين يوما" فاستحب العلماء ذلك قال وليس من سكن الثغر بأهله وولده مرابطا إنما الرباط من خرج من منزله يتفقد الثغر في موضع الخوف ووقته.
(ولا يغزى بغير إذن الأبوين إلا أن يفجأ العدو مدينة قوم ويغيرون عليهم ففرض عليهم دفعهم ولا يستأذن الأبوان في مثل هذا).
إنما لا يغزى بغير إذن الأبوين لأن حقوقهما محرم وبرهما فرض عين والجهاد فرض كفاية فإذا فجأ العدو ومدينة قوم هم فيها أو بإزائها وجبت النصرة على الأعيان فسقط حق الوالدين وهذا كله إذا كانا مسلمين لأن الكافر لا يحب نصرة الإسلام ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
خاتمة:
الجهاد على أربعة أنواع جهاد بالقلب وجهاد باللسان وجهاد باليد وجهاد بالسيف فالأول جهاد النفس والشيطان عن المحرمات والشهوات وفيه قال صلى الله عليه وسلم: " المجاهد من جاهد نفسه عن هواها".
والثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشرطه وهي ثلاث أن يكون محققا في مذهب الفاعل وأن لا يؤدي إلى منكر أعظم وأن يسلم فيه من الضرر في دينه ونفسه.
والثالث: جهاد العامة بالحدود والآداب ونحوها وهو نصيب الأمراء ليس لأحد فيه شيء إلا الرجل في أهله بالوجه السائغ له.
والرابع: جهاد الكفار بالسيف وفرائضه خمس طاعة الإمام وترك الغلول والثبات عند الزحف والوفاء بالأمان وثبات الواحد للاثنين فأقل وباب الجهاد طويل عريض في أحكامه فلنقتصر على ما ذكرناه ومن أراد الاستيفاء فعليه بالمطولات وبالله التوفيق.