المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله عز وجل والقول في السفر - شرح زروق على متن الرسالة - جـ ٢

[زروق]

فهرس الكتاب

- ‌باب في الجهاد

- ‌باب في الأيمان والنذور

- ‌باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع

- ‌باب في العدة والنفقة والاستبراء

- ‌باب في البيوع وما شاكل البيوع

- ‌باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

- ‌باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن العارية والوديعة واللقطة والغصب

- ‌باب في أحكام الدماء والحدود

- ‌باب في الأقضية والشهادات

- ‌باب في الفراض

- ‌باب جمل من الفرائض ومن السنن الواجبة والرغائب

- ‌باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك

- ‌باب في الطعام والشراب

- ‌باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله عز وجل والقول في السفر

- ‌باب في التعالج وذكر الرقي والطيرة والنجوم والخصاء والوسم وذكر الكلاب والرفق بالمملوك

- ‌باب في الرؤيا والتثاؤب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي وغير ذلك

- ‌باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات

- ‌باب ما يجب منه الوضوء والغسل

- ‌باب طهارة الماء والثوب والبقعة وما يجزئ من اللباس في الصلاة

- ‌باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه وذكر الاستنجاء والاستجمار

- ‌باب في الغسل

- ‌باب فيمن لم يجد الماء وصفة التيمم

- ‌باب في المسح على الخفين

- ‌باب في أوقات الصلاة وأسمائها

- ‌باب الأذان والإقامة

- ‌باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن

- ‌باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم

- ‌باب جامع في الصلاة

- ‌باب في سجود القرآن

- ‌باب في صلاة السفر

- ‌باب في صلاة الجمعة

- ‌باب في صلاة الخوف

- ‌باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى

- ‌باب في صلاة الخسوف

- ‌باب في صلاة الاستسقاء

- ‌باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت وكفنه وتحنيطه وحمله ودفنه

- ‌باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

- ‌باب في الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله

- ‌باب في الصيام

- ‌باب في الاعتكاف

- ‌باب في زكاة العين والحرث والماشية وما يخرج من المعدن وذكر الجزية وما يؤخذ من تجار أهل الذمة والحربيين

- ‌باب في زكاة الماشية

- ‌باب في زكاة الفطر

- ‌باب في الحج والعمرة

- ‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

- ‌باب في الجهاد

- ‌باب في الأيمان والنذور

- ‌باب في النكاح والطلاق الرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع

- ‌باب في العدة والنفقة والاسبتراء

- ‌باب في البيوع وما شاكل البيوع

- ‌باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

- ‌باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن والعارية والوديعة واللقطة والغصب

- ‌باب في أحكام الدماء والحدود

- ‌باب في الأقضية والشهادات

- ‌باب في الفرائض

- ‌باب جمل من الفرائض والسنن الواجبة والرغائب

- ‌باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك

- ‌باب في الطعام والشراب

- ‌باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله عز وجل والقول في السفر

- ‌باب في التعالج وذكر الرقي والطيرة والنجوم والخصاء والوسم والكلاب والرفق بالملوك

- ‌باب في الرؤيا والتثاؤب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي ويغير ذلك

الفصل: ‌باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله عز وجل والقول في السفر

‌باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله عز وجل والقول في السفر

ذكر في هذه الترجمة سبعة أشياء كلها مهمة فالسلام من السلامة وهو من أسماء الله أيضا والاستئذان طلب الإذن في الدخول والتناجي: المسارة في الحديث والمراد ذكر أحكام ذلك وما بعده.

(ورد السلام واجب والابتداء به سنة).

أما كون رد السلام واجبا فلقوله تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} [النساء: 86] فالرد من حق المبتدئ به فلذلك كان واجبا لا لذاته والابتداء به سنة لأنه إبرار للمسلمين ومعروف بينهم وقد تقدم أن من حق المسلم على المسلم أن يسلم عليه إذا لقيه.

وفي البخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه قلت يا رسول الله أي الإسلام خير؟: " أن تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" وقال عمر رضي الله عنه ثلاث من جمعهن فقد حاز الخير كله الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعالم والإنفاق من الإقتار انتهى.

(والسلام أن يقول الرجل: السلام عليكم ويقول الراد وعليكم السلام أو يقول سلام عليكم كما قيل له وأكثر ما ينتهي السلام إلى البركة أن تقول في ردك وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ولا تقل في ردك سلام الله عليك).

هذه كيفية السلام وما يتعلق بها وقد ذكر فيه السلام بالتعريف في الابتداء والتنكير في الرد وقد قالوا إن المنكر تحية أهل الجنة والمعرف تحية أهل الدنيا وهل المقصود اسم الله فالمراد الله شاهد عليكم أو حفيظ ونحوه وهو مقتضى التأمين وطلب الأمان به الذي يشرع من أجله والمراد السلامة منا عليكم فهو تأمين دون طلب وقد ورد في الشرع تارة للتأمين وتارة للإبرار.

وفي كون السلام ينتهي إلى البركة يحتمل أن يكون المراد هذا منتهاه في عرف الشرع وما وراء ذلك بدعة ويحتمل أنه المراد في عرف الاستعمال. وما رواءه زيادة تكلف وهذا هو الظاهر لأن الزيادة قد وردت عن بعض السلف والله أعلم.

ص: 1068

قال بعض الشراح وإنما قال لا تقل سلام الله عليك لأنها تحية أهل القبور قلت وفيه نظرلأن عليه السلام إنما حيا أهل القبور بقوله:" سلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" والظاهر أنه إنما نهى عنه لإيهامه الإخبار عن تحقق السلام من الله أو طلب السلام من الله عليه وهي تحية النبوة وقد قال: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} [النور: 63] بعضا الآية.

(وإذا سلم واحد من الجماعة أجزأ عنهم وكذلك إن رد واحد منهم).

ذكر هنا الابتداء بالسلام من سنن الكفاية والرد من فروض الكفاية وهو المذهب لأن مقصود السلام التأمين ويجوز أمان بعض المسلمين عن بقيتم وحيث الإبرار فالواحد كاف في تحصيل مصلحته خلافا لأبي يوسف من الحنفية وفي حديث علي كرم الله وجهه: " يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم ويجزئ عن الجماعة أن يرد أحدهم" رواه أحمد والبيهقي وعليه الجمهور والله أعلم.

(وليسلم الراكب على الماشي والماشي على الجالس).

أما تسليم الراكب على الماشي فللتأمين من جهة أنه قدر عليه فالأمان مطلوب منه غالبا لا من الماشي وأما الإبرار فإنه في عز وكبر والآخر في محل مكابدة وضعة فالعطف من الراكب أولى وأمس بالتواضع وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: " ليسلم الصغير على الكبير والمار على القاعد والقليل على الكثير" متفق عليه وفي رواية لمسلم: " والراكب على الماشي" انتهى.

ومقتضاه أن مقصود السلام الإبرار فتأمله وقد قال علماؤنا إنما المذهب الترتيب مع الأمن فأما مع الخوف فلا يسلم إلا على الوجه الذي يأمن به قالوا ويجوز له تركه سلام من يستقل سلامه وذكره ابن فرحون وغيره فانظره.

(والمصافحة حسنة).

يعني مليحة جميلة لأنها تزيل الوغر من القلب وتشعر بالتناصر والتعاضد وكيفيتها وضع الرجل يده في يد صاحبه يشد كل واحد يده قدرا يفهم بوجود القبضة بصاحبه والمشهور ما ذكر من استحبابها وهو مذهب الموطأ خلافا لمن يرى كراهتها أو منعها فقد قال ابن فرحون في نسكه الثلاثة الأقوال عن المذهب وعن ابن رشد الكراهة لرواية

ص: 1069

أشهب وقال هي أخف من المعانقة.

وقد جاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: " ما من مسلم يلتقي مع أخيه المسلم فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا" رواه الترمذي والأحاديث في الباب كثيرة قال علماؤنا وجوازها مقيد بما إذا لم يؤد لمكروه فقد قال بعض السلف يكون في هذه الأمة لوطيون ثلاثة قوم بالفعل وقوم المصافحة وقوم بالنظر وأخذ القول بالكراهة مبني على سد الذريعة في ذلك وبالله التوفيق.

(وكره مالك المعانقة وأجازها ابن عيينة).

أما كراهة المعانقة فحسما لذريعة المنكر وأما إجازتها لابن عيينة فلحديث فيها ابن رشد وروي أن ابن عيينة دخل على مالك فصافحه وقال يا أبا محمد لولا بدعة لعانقتك قال عانق من هو خير منك ومني النبي صلى الله عليه وسلم قال مالك جعفر قال نعم قال ذاك حديث خاص يا أبا محمد لي بعام فقال ابن عيينة ما يخص جعفرا يخصنا وما يعمه يعمنا إذا كانا صالحين ثم قال أفتأذن لي أن أحدثك في مجلسك قال نعم يا أبا محمد فحدث بحديث قدوم جعفر من الحبشة ومعانقة النبي صلى الله عليه وسلم له وتقبليه بين عينيه ابن رشد لما لم يرو أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله مع غير جعفر رأى مالك خصوصه وكراهته لسائر الناس إذ لم يصحبه عمل وبالله التوفيق.

(وكره مالك تقبيل اليد وأنكر ما روي فيه).

إنما كرهه لما يدعو إليه من الكبر والنخوة ورؤية النفس ومساعدتها في حظها وربما كان ذريعة للمكروه وقد رويت فيها أحاديث كثيرة منها أن وفد عبد القيس لما قدموا عليه صلى الله عليه وسلم ابتدروا يديه ورجليه وهو صحيح وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في سعد بن مالك أن أباه استشهد في أحد فخرج مع الناس يلقي النبي صلى الله عليه وسلم حين الدفع إلى المدينة قال: " قبلت يده" فقال سعد قلت نعم قال: " آجرك الله في أبيك " صحيح.

وحديث الأعرابي الذي سأله آية فقال: " ادع تلك الشجرة" فجاءت حتى وقفت بين يديه فقا ائذن لي فلأسجد لك فأبى فقال: " لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة تسجد لزوجها" فقال الرجل ائذن لي فلأقبل يديك ورجليك

ص: 1070

فأذن له إلى غير ذلك وإنكار مالك لمن روى في تقبيل اليد إن كان من جهة الروايةفمالك حجة فيه لأنه إمام حديث وإن كان من جهة الفقه فلما تقدم وعمل الناس على الجواز لمن يجوز التواضع منه ويطلب إبراره وبالله التوفيق.

(ولا تبتدئ اليهود والنصارى بالسلام فمن سلم على ذمي فلا يستقبله وإن سلم على يهودي أو نصارني فليقل عليك ومن قال عليك السلام بكسر السين وهي الحجار فقد قيل ذلك).

ش: إنما لا يبتدءون بالسلام لأن السلم تحية وإكرام، وإكرام الكافر وتحتيه لم يرد في الشرع وفي حديث علي كرم الله وجهه:" لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقة" رواه مسلم والاستقالة أن يقول رد لي سلامي الذي سلمت عليك وقد كان ذلك في أول الإسلام ثم نسخ.

ابن رشد وقد روى أشهب عن مالك في جامع العتبية لا يسلم على أهل الذمة ولا يرد عليهم ومعناه أنه لا يرد عليهم مثل ما يرد على المسلم ويقتصر في الرد عليهم بأن يقول وعليكم. كما جاء في الحديث الذي ينبغي في هذا أن يقال عليكم يغيروا وإن تحققت أنه قال في سلامه السلام عليكم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن اليهود إذا سلموا عليكم يقول أحدهم السلام عليكم فقولوا وعليكم" رواه مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنه وكون السلام بكسر السين هي الحجارة مذكورة في اللغة والرد بمثل ذلك وإن أبيح مع احتمال ما قالوه فوجب التوقف وإ كان حكم الظن وجوده فالأولى المقابلة قلت وقد رأتيهم يسوؤهم الرد عليهم ويستحبون السكوت عن إجابتهم فلا ينبغي أن يهملوا في ذلك لما يحصل لهم من النكاية والله أعلم.

(والاستئذان واجب فلا تدخل بيتا فيه أحد حتى تستأذن ثلاثا فإن أذن لك وإلا رجعت).

أما وجوب الاستئذان فلقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} [النور:27] الآية ابن رشد تستأنسوا يعني تستأذنوا وقد اختلف في تقديم الاستئذان على السلام وعكسه وصورته على الأول

ص: 1071

أن يقول سلام عليكم ثم يدخل ثم يهمل قليلا ثم يعيد لانتهاء الثلاث فالأولى تنبيه والثانية تثبيت والثالثة استبراء وإعذار وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذن استتأذن ثلاثا وإذا سلم سلم ثلاثا وفي الحديث: " لا تأذنوا لمن لم يبدأ بالسلام".

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيته يحك رأسه بمدرى ورجل ينظر إليه من صائر الباب فقال: " لو علمت أنك تنظر إلي لطعنت به في عينك إنما جعل الإذن من أجل البصر" قالوا وينبغي للإنسان أن يبنه في دخوله وخروجه لبيته بالتنحنح ونحوه خوف أن يطلع على ما يكره فيه وكان السلف يفعلون ذلك.

وقال ابن حبيب مشى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرأى نارا فأتاها فإذا بقوم يشربون ومعهم شيخ فاقتحم عليهم فقال يا أعداء الله قد أسكن الله منكم فقال الشيخ ما نحن بأعظم منك إنما تعديت ودخلت بغير إذن فالله تعالى يقول: {حتى تستأنسوا} فاستحشم عمر رضي الله عنه وقال ذروا هذه لهذه ويكتفى في الإذن بالصبي والعبد والصغير ونحوه لضرورة الناس إلى ذلك ذكره القرافي في آخر شرح التنقيح فانظره وما يفعله بعض الناس وقوله سبحان الله في الاستئذان بدعة صريحة وإساءة أدب مع الله وقد بينا ذلك في كتاب البدع وبالله التوفيق.

(ويرغب في عيادة المرضى).

قد صح الترغيب في ذلك ففي مسلم:" حق المسلم على المسلم ستة إذا لقيته فسلم عليه وإذا عاك فأجبه وإذا مرض فعده وإذا استنصحك فانصحه وإذا عطس فشمته وإذا مات فاتبعه"

نعم وإنما العيادة في المرض المعتبر لقوله عليه السلام: " ثلاثة لا يعاد منها الضرس والرمد والدماميل" رواه أبو داود وفي الموطأ: " من عاد مريضا لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" قيل وما خرفة الجنة قال:" جنانها".

وآداب عيادة المريض كثيرة أمها ثلاثة الإتيان في وقت لا يضر بأهل البيت ولا بالمريض والإيناس بما أمكن مع التذكير بالله والإفساح له في الأجل والتخفيف في الجلوس نده قدر ما يؤنس ولا يضر وفي الترمذي: " من عاد مريضا لم يحضر أجله

ص: 1072

فقال عنده أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبعا فإن الله يشفيه" قال حسن صحيح.

وقال ابن خليل السكوني إن من خطأ العامة قولهم للمريض ذهب الشر فهو ممنوع وأفتى به أبو القاسم الغبريني وأفتى (ع) بالجواز محتجا بقوله تعالى: {وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض} [فصلت: 51] الآية إذ جاء في التفسير أنه المريض والله أعلم.

(ولا يتناج اثنان دون واحد وكذلك جماعة إذا أبقوا واحد منهم وقد قيل لا يبنغي ذلك إلا بإذنه).

قد صح النهي عن تناجي اثنين دون واحد رواه مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه بلفظ: " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون الآخر حتى يختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يحزنه" وهو متفق عليه وقال تعالى {إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا} [المجادلة: 10] الآية ودخول الحزن عليه في ذلك من جهة التقية منهم أو موجبه الاحتقار والمجانبة فلا يختص بالخوف خلافا لمن رأى ذلك وفي الجلاب لا بأس بتناجي جماعة دون جماعة وكذلك الجماعة إذا أبقت اثنين بخلاف الواحد كما هنا والله أعلم.

(وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله قال عمر وأفضل من ذكر الله باللسان ذكر الله عند أمره ونهيه).

إنما لم يكن أنجى للعبد من الذكر لأنه تعلق بالله بلا واسطة بل قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أنبئكم بأفضل أعمالكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ " قالوا ما ذاك يا رسول الله قال: " ذكر الله".

وأحاديث هذا الباب كثيرة.

ثم الذكر ثلاثة أنواع ذكر بالقلب ومرجعه للتعظيم والإجلال وذكر بالجوارح ومرجعه الامتثال للأمر والنهي وذكر باللسان فالأول أعلى وعنه ينشأ الآخران والثاني:

ص: 1073

يليه لأنه قيام بحق العبودية والقيام بحق العبودية هو المقصود.

والثالث مقدمة لهما ونتيجة عنهما فقد قال عبد الوهاب إذا أكثر العبد من ذكر الله تعالى تجدد خشوعه وازداد يقينه وبعدت عن قلبه الغفلة وكان إلى التقوى أقرب وعن المعاصي أبعد.

وقال ابن عطاء الله في الحكم لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه فإن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر من وجود حضور ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور وما ذلك على الله بعزيز انتهى.

وباب الذكر واسع وفضله كثير لأنه باب الولاية ومفتاح العناية وكل عبادة دونه محدودة قالوا وهو منشور الولاية أي مرسومها ونصيرها فمن أعطى الذكر أعطى المنشور وربك الفتاح العليم.

(ومن دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما أصبح وأمسى اللهم بك نصبح وبك نمسي إلخ ومن دعائه عليه السلام عند النوم أنه كان يضع يده اليمنى تحت خده الأيمن ويده اليسرى على فخذه الأيسر ثم يقول اللهم باسمك وضعت جنبي وباسمك أرفعه إلخ).

أما الحديث الأول فلم أقف على تخريجه وهو من أوضح الأدعية وأحسنها وقد حكى ابن العربي في سراج المريدين عن بعض من وصله بإسنناده من الأئمة أن كل شيء يشترط فيه الصحة وإلا من قال كذا فله كذا يريد إذا كان واضح المعاني والموضع الذي يطلب فيه الذكر والدعاء عموما عند الصباح وقد تقدم منه في باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وعند المساء وقد ذكره مع الصباح هنا.

وأول الصبح طلوع الفجر لكن المرغب فيه ما بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس والرغب فيه مساء عند اصفرار الشمس وأقربه يسيرا أو بعده إلى النوم والسحر وقت المناجاة وكذا عند النوم والانتباه في الليل ومن الاستيقاظ للفجر.

ص: 1074

ومن أصح ما روي في ذلك حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " إذا أويت إلى مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل باسمك اللهم وضعت جنبي" إلخ قال البراء فجعلت أرددهن فقلت ورسولك الذي أرسلت فقالن النبي صلى الله عليه وسلم " لا ونبيك الذي أرسلت" قال وهو خلاف ما ذكره الشيخ هنا إذ إنما أتى بما رده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل هي غلطة قلم وقيل لما كان الحديث مما لا يخفي على أحد.

وقد جرى في الكتب تركها لأن ذلك من الخطأ الذي لا يخفي على أحد وهذا بعيد وقيل بل تبع في ذلك رواية ابن ماجه إذ لم يذكر رده عليه السلام على البراء وكأنه لم يحفظ غيره وإلا فزيادة العدل مقبولة قالوا وإنما غير بين الأول والثاني لينبه على أن كل رسول نبي فيقر للرسول بالوصفين النبوة العامة لنوع والرسالة الخاصة لنوع منه والله أعلم.

قال: " واجعلهن آخر ما تتكم به فإن مت من ليلتك مت على الفطرة" وفي الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:" من قال عند النوم أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب غليه ثلاث مرات غفرته له ذنوبه وإن كانت مثل عدد ورق الأشجار وإن كانت كرمل عالجج وعدد أيما الدنيا" قال حسن صحيح.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند نومه المعوذتين وينفث فيه كفيه ثم يمسح بهما على وجهه وما استطاع من جسده رواه البخاري وغيره.

وفيه من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: " من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإن دعا استجيب له وإن استغفر غفر له وإن صلى قبلت صلاته"وفيه أن فاطمة رضي الله عنها شكت إليه طحن الرحا فوعدها بخادم إن جاء سبي فلما جاء السبي جاءت هي وعلي كرم الله وجهه فقال صلى الله عليه وسلم " ألا أدلكما على ما خير لكما من خادم إذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين فذلك ما خير

ص: 1075

لكما من خادم" قال بعض العلماء في ذلك إشارة إلى أن العمل بذلك يذهب بالعتب ويعين على الأعمال الشاقة والله أعلم.

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: " آية الكرسي عند النوم حفظ إلى الصباح" قال البلالي رحمه الله نعم ويقرأ آخر سورة الكهف يسأل إيقاظه بعد وضوء وخفة معدة وتوبة وسلامة صدر ثم قال قلت ويقرأ: {الله يتوفى الأنفس حين موتها} [الزمر: 42] إلى قوله: {إلى أجل مسمى} يسأل إيقاظه كيف شاء وهو سر عجيب انتهى.

وذكر الغزالي وأبو طالب المكي أظنه عن علي كرم الله وجهه إن من قرأ عند نومه {وإلهكم إله واحد لا إله هو الرحمن الرحيم} [البقرة: 163] إلى قوله يعقلون لم يفلت القرآن من صدره فهذه جملة فوائد محلقة بما ذكر الشيخ وبالله التوفيق.

(ومما روي في الدعاء عند الخروج من المنزل اللهم إني إعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي).

ش: هذا الحديث رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وفي حديث أنس رضي الله عنه: " إذا خرج الرجل من بيته احتوشته الشياطين فإذا قال باسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله قال الملك كفيت وهديت ووقيت فتفرق عنه الشياطين ويقولون ما تصنعون عند رجل كفي وهدي ووقي".

رواه أبو داود من حديث أنس رضي الله عنه وهو صحيح وفي رواية " يقول ذلك ثلاثا" ومما صح أنه يقال عند القيام من النوم: " الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشورن أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله رب العالمين، اللهم إني أسألك خير هذه اليوم فتحه ونصره ونوره وبركته وهداه وأعوذ بك من شره وشر ما بعده " أظنه من رواية النسائي مفرقا ومعه ألفاظ مختلفة فانظر ذلك وبالله التوفيق.

(وروي في دبر كل صلاة أن يسبح الله ثلاثا وثلاثين ويكبر الله ثلاثا

ص: 1076

وثلاثين ويحمد الله ثلاثا وثلاثين ويختم المائة بالا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وعند الخلاء يقول الحمد لله الذي رزقني لذته وأخرج عني مشقته وأبقى في جسمي قوته).

أما الذكر في أدبار الصلوات فقد تقدم في باب صفة العمل في الصلاة المفروضة وحديثها متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وغيره وأن من قاله غفرت له من ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر وروي " عشرا عشرا" وروي " أحد عشر أحد عشر" وهو مقتضى قوله " حتى يكون منهن كلهن ثلاث وثلاثون" قال شيخنا أبو عمر وعثمان الديمي حافظ عصره كان الله له وهي رواية الاكثر على أنه يحتمل الجمع في العدد المذكور بأن يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثا وثلاثين فيكون في العدد التفصيلي تسع وتسعون وفي الإجمالي ما ذكره وهي اختبار جماعة من الأئمة منهم (ع) وكذا ذكر الآبي عنه وهو الأقرب والله أعلم.

وما ذكر في الخروج من الخلاء هو من آداب الإحداث وقد صح أنه عليه السلام كان إذا دخل الخلاء قال " باسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث" متفق عليه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه غير البسملة فإنها في الترمذي من رواية علي كرم الله وجهه بسند ضعيف الخطابي والخبث بالمعجمة أولا وآخرا بينهما موحدة مضمومة جمع خبيث وهم ذكور الجن والخبائث إناثهم وفي حديث عائشة رضي الله عنها " كان إذا خرج من الخلاء قال غفرانك" وصححه أبو حاتم والحاكم وقال الترمذي وليس في الباب أصح منه.

وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه أنه عليه السلام " كان يقول الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" أخرجه أبو داود فيما أظن والله أعلم والحديث الذي ذكره الشيخ أنه في المراسيل والله أعلم.

(وتتعوذ من كل شيء تخافه وعندما تحل بموضع أو تجلس بمكان أو تنام

ص: 1077

فيه أعوذ الله التامات من شر ما خلق من التعوذ أن تقول أعوذ بوجه الله الكريم وكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ إلى قوله إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن ويقال في ذلك أيضا: ومن شر كل دابة ربي آخذ بناصيتها إني ربي على صراط مستقيم.

التعوذ لغة: التحصن والتزرب والتمنع والاعتصام وهو شأن المؤمنين والموحدين بل الأنبياء والمرسلين فقد قال موسى عليه الصلاة والسلام: " إني عذت بربي وربكم من كل متكبر جبار ومن كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب" وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من التعويذ ما لا يحصى كثرة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق من قال ذلك لم تصبه حمة تلك الليلة" أخرجه أصحاب السنن والحمة بضمة المهملة وتخفيف الميم ذات السم كالحية والعقرب ونحوهما.

وفي مسلم قال رجل يا رسول الله ماذا لقيت البارجة من عقرب لدغتني قال" لو أنك قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثا لم تضرك" وذكر ابن الجزري إنها تقال في الليل ثلاثا والنهار مرة بناء على عدم الذكر الثلاث في الأمر بها نهارا أو يحتمل أن يكون اكتفاء.

وفي الترمذي وغيره: " إن قالها مسافر عند نزوله ثلاثا لم يزل محفوظا حتى يرتحل من منزله ذلك" قال ابن العربي جربتها أكثر من عشرين سنة قال بعض شيوخنا وأنا كذلك قلت وأنا كذلك حتى إني مرة ذكرتها فلم تتم على لساني فأصابني في ليلتي بلية وكذلك نهار فيما أظن والله أعلم.

واختلف في معنى كلمات الله التامات فقيل التي لا نقص فيه ولا عيب قال الترمذي الحكيم وهي قوله كن فيكون لأنها وإن كانت على حرفين لم يلحقها نقص في المعنى ولا غض في التركيب لحسنها ونفوذها عياض وقيل التامات النافعة الشافية الباقية وقيل الفاضلة وقيل المراد بها القرآن الترمذي الحكيم وقد جاء في القرآن والسنة الاستعاذة بالذات من الذات وبالصفات من الصفات والكل استعاذة به تعالى فيقال أعوذ بالله من الشيطان وأعوذ بكلمات الله من شر الشيطان فانظر ذلك.

ص: 1078

ومعنى (وجه الله) وجوده وذاته عند التأويل والكريم الجليل الرفيع القدر ومنه قول نسوة يوسف عليه السلام {إن هذا إلا ملك كريم} [يوسف: 31] ومعنى (التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر) أي الكل يتصرفون دفعا وجلبا ونحوه (وكل أسماء الله حسنى) أي حسنة جميلة ومعنى (ذرا) فرق في الأرض و (برأ) خلق من البرأ التراب ويقال براهيا فهو الخالق البارئ المصور ويؤخذ من ذلك أن أسماء الله ما لا تعلم وأصل الطارق ما يأتي بالليل فاستعمل في النهار توسعا.

والدابة ما يدب على الأرض أي يمشي عليها (وأخذه بناصيتها) تصريفها بأمره دون توقف ولا تردد (إن ربي على صراط مستقيم) أي تصرفه لا نقص فيه ولا قصور وكذلك أفعاله وصفاته كلها لا اعوجاج ولا نقص وقد ورد فيما يقال مساء وصباحا من قال: "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاثا صباحا ومساء لم تصبه فجأة بلاء" رواه أبو داود وغيره.

وفي حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه: " من قال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثلاثا وقرأ ثلاث أيات من آخر سورة الحشر بعث الله له سبعين ألف ملك يحفظونه حتى يصبح وإن قالها نهارا فكذلك حتى يمسي" قال النووي وإسناده صحيح وأذكار هذا الباب كثيرة وقد انتفينا منها جملة في غير هذا الكتاب وبالله التوفيق.

(ويستحب لمن دخل منزله أن يقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله).

والأصل فيما ذكر قوله تعالى: {ولولا إذا دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله} [الكهف: 39] له قال القاضي أبو بكر بن العربي الذكر مشروع في كل حال العبد على الندب ومن جملة الأوقات التي يستحب فيها ذكر الله تعالى إذا دخل أحدنا منزله أو مسجده أن يقول كما قال الله تعالى: {ولولا إذا دخلت جنتك} الآية وقال أشهب عن مالك ينبغي لكل من دخل منزله أن يقول هذا.

وقال ابن وهب لابن ميسرة رأيت على باب وهب بن منبه مكتوبا ما شاء الله لا قوة إلا بالله وعنه أنه قال أربع أمان من قال هذا أمن من هذا من قال حسبنا الله ونعم الوكيل أمن من كيد الناس كما قال تعالى: {الذين قال لهم الناس إن

ص: 1079

الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم} [آل عمران: 173] الآية ومن قال أفوض أمري إلى الله أمنه الله تعالى من المكر لقوله تعالى: {فوقاه الله سيئات ما مكروا} [غافر: 45] الآية ومن قال لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين أمن من الغم وما من أحد يقول ما شاء الله لا قوة إلا فأصابه شيء إلا رضي به انتهى.

(ويكره العمل في المساجد من خياطة ونحوها ولا يغسل فيه يديه ولا يأكل إلا مثل الشيء الخفيف كالسويق ونحوه ولا يقص فيه شاربه ولا يقلم أظافره وإن أخذه في ثوبه).

قد أمر الله تعالى بتعظيم المساجد ونظافتها وتكريمها وتنزيهها عن غير ما بنيت له وبين الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل الذي بال في المسجد ذلك بقوله " إن المساجد لم تبن لهذا وإنما بنيت لذكر الله والصلاة وتلاوة القرآن" وقد قال تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع} [النور: 36] الآية فالأمور ثلاثة أمر متمحض للآخرة وله بنيت المساجد وأمر بتمحض الدنيا فلم تبن له فلا يعمل فيها كإنشاد الضالة والبيع وإلا بتياع والأمر يكون تارة لله وتارة للدنيا كذكر أخبار الجاهلية وأكل الشيء الخفيف للضرورة ونحو ذلك وهذا بعد التحفظ مما يكون إهانة لها كالبصاق إذ قا عليه السلام: " البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها" يعني بأن يحفر لها بالحصباء ثم يرده عليها وسمع ابن القاسم لا بأس بالتخم تحت حصيرة إذا كان محصرا وكرهه في نعليه إلا أن يعجز عنه تحت حصيرة وكره مالك قتل القملة أو دفنها فيه قال الشيخ وقتل البرغوث أخف عنده اللخمي البرغوث من دواب الأرض ولا بأس بطرحه بها واستخف مرة قتل ما خف من قمل وبراغيث.

قال ويقتل العقرب والفارة وسمع ابن القاسم والقرينان كراهة الترويح فيه التراويح وسمع ابن القاسم كراهة تفقيع الأصابع به وبغيره وخصه ابن القاسم به ابن رشد كرهه به في الصلاة فقط وسكت عن غيرها قال ولا بأس بتشبيك الأصابع به في غير صلاة وثبت في حديث ذي اليدين فأما عمل الصنائع فيه كالخياط والخرز ونحوه فالمشهور الكراهة مطلقا وثالثها إن كان بغير أجرة جاز وإلا فلا والأمر في النسخ

ص: 1080

كالخياطة إن كان بغير أجرة وقيل جاز وإلا كره واستحب كتب الوثيقة إن خف وسمع ابن القاسم خفة وذكر الحق وجواز قضاء الحق فيه على غير وجه التجر والصرف وسمع أيضا لا بأس بوضوء الطاهر بعجز المسجد وتركه أحب إلي.

ابن رشد قول سحنون لا يجوز لما يسقط من غسالة الأعضاء وكره مالك الوضوء بالمسجد وإن جمعه في طست وذكر أن هاشما فعله فأنكره عليه الناس وقال سحنون لا يعلم فيه الصبيان ولا يخاط فيه وفي المدونة لا يأخذ المعتكف به من شعره وأظافره ولا يدخل إليه حجاما لذلك وإن جمعه وألقاه خارجه لحرمة المسجد.

قلت وهو معنى ما ذكر الشيخ هنا بزيادة كراهة ما سوى الخفيف من الأكل وهو سماع ابن القاسم كراهة الطعام به كفعل الناس في رمضان وخفة أكل الضيف في بيت فيه ابن رشد والتمر وشبهه من باب الطعام وسمع أرجو خفة اليسير ولا تعجبني ألوان اللحم ولا برحابه وسمع تعليق الاقناء في مسجده عليه السلام لضيافة من أتى يريد الإسلام وجواز أكل الرطب بالمسجد يجعل فيه صدقة.

وفي المجموعة روى ابن نافع أرجو خفة فطورهم على كعك أو تمر منزوع النوى وقد كثر حتى إن الصلاة تقام وهو في أفواههم ما هذا بحسن وقال عنه علي: يشرب فيه الماء لا الطعام إلا المعتكف أو المضطر أو مجتازا وقال ابن شعبان في امرئ رأى في ثوبه دما كثيرا في المسجد يخرج به ولو كان في الصلاة وقال غيره ينزعه ويتركه بني يديه ويستره بطرف منه قال بعضهم وعليه الخلاف في إدخال النعل للمسجد هل يجوز مكشوفا أو لا بد من ستره بخرقة ونحوها.

قلت وقد يبحث فيه بأن هذا غير محقق النجاسة والآخر محقق وإن كان الغالب في محل وطئه النجاسة مع وجود الضرورة فتأمل ذلك وقد خرج مسلم من حديث أبي هريرية رضي الله عنه: " من سمع رجلا ينشد ضالة في المسحد فليقل لا رد الله عليك ضالتك فإن المساجد لم تبن لهذا" وللترمذي والنسائي عنه: " إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع فيه فقولوا لا أربع الله تجارتك" وقد تقدم تعريف الضالة فيه وإنشادها في باب اللقطة.

وروى ابن القاسم النهي عن السؤال فيه ابن عبد الحكيم ولا يعطى من سأل في المسجد روى الشيخ لا ينبغي رفع الصوت في المسجد ولا بالعلم كان الناس ينهون عنه

ص: 1081

عياض أجازه ابن مسلمة بالعلم ولا ينادي به بجنازة ابن حبيب ولا يذكر فيه شعر الهجو والغناء ولا بأس بغيره من الشعر وقال ابن الماجشون ينشد فيه ويذكر أيام العرب ابن رشد لا ينشد فيه شعر ولا ضالة ولا تسل به السيوف ولا يحدث فيه حدث الريح.

(وأرخص في مبيت الغرباء في مساجد البادية).

يعني للضرورة ابن رشد لأنها مقصودة في ذلك في أصلها بنائها وقال عليه السلام: " المسجد بيت الغريب" قال ابن العربي إن لم يكن بيته فأين يذهب وأفتي ابن رشد بسعة إدخال ما لا غناء به عن المبيت في المسجد من سدنته لحراسته من اضطر للمبيت من شيخ ضعيف زمن مريض ورجل لا يستطيع الخروج ليلا للمطر والريح والظلمة له أن يتخذ ظروفا بها للبول.

(ع) وفيه نظر لأن ما يحرم بها اتخاذه غير واجب وصونها عن ظروف البول واجب منه ولا يدخل في نفل بمعصية وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصحح إرساله وحمل على القرى لا على دور السكنى ولا يبعد عمومه.

وقال اللخمي يجب على كل قرية بناء مسجد لإقامة الجماعة ويندب إليه في محلة بعيدة عن جامع بلدها ومنع سحنون صعود مؤذن منارا يرى منه الدور ولو كان بينه وبينها فضاء واسع ابن رشد العبد كالقرب إلا مالا يتبين فيه الأشخاص والهيئات والذكر من الأنثى ولا باس أن يتخذ بيته محرابا. ابن رشد ويحترمه بحرمة المسجد وسمع ابن القاسم كره الناس تزويق المساجد إلاما خف والنقش في قبلتها ما لم يكن يشغل المصلين.

وكذا نقشه بالذهب في حديث ابن عباس رضي الله عنه: " ما أمرت بتشييد المساجد" رواه أبو داود وصححه ابن حبان وفي حديث أنس رضي الله عنه: " لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد" رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان.

ابن رشد ولابن وهب وابن نافع جواز نقشها بالذهب وقال ابن القاسم الصدقة بما يبخر به المسجد أحب غلي وقال ابن هشام صاحب مفيد الحكام خالف أهل الأندلس مذهب مالك بإجازة غرس الأشجار في المسجد أخذا منهم بمذهب الأوزاعي قلت وذلك.

ص: 1082

منهم استصحاب الأصل تقليدهم إذ كان مقلدهم قبل مالك الأوزاعي والله أعلم.

(ولا ينبغي أني قرأ في الحمام إلا الآيات اليسيرة ولا يكثر ويقرأ الراكب والمضطجع والماشي من قرية إلى قرية ويكره ذلك للماشي إلى السوق وقد قيل إن ذلك لمتعلم واسع).

الحمام بيت الشيطان فيتعوذ فيه بما أمكن من الآيات القرآنية وهو أيضا محل النجاسة فلا يقرأ فيه القرآن إلا للتعوذ ونحوه وذلك بالآيات اليسيرة والزيادة مكروهة كما أن الجنب لا يقرأ إلا كذلك وإلا فقد فعل حراما وقراءة الراكب وما بعده لقوله تعالى {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم} [آل عمران: 191].

والفرق بين الماشي من قرية إلى قرية والماشي إلى السوق أن طرق القرى الغالب عليه الطهارة وطرق الأسواق الغالب عليها النجاسة وأيضا الماشي إلى السواق طالب دنيا والآخر صاحب حاجة وخص بعضهم الكراهة بالمشي لسوق الحاضرة لأنها مظنة النجاسة بخلاف سوق البادية وظاهر كلام الشيخ العموم ومن خصص الجواز بالمتعلم فلضرورة الاستذكار فأما القراءة مع الجنائز في الطرق فبدعة والله أعلم.

(ومن قرأ القرآن في سبع فذلك حسن والتفهم مع قلة القراءة أفضل وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرأه في أقل من ثلاث).

يعني أن الختم في كل أسبوع حسن وعلى ذلك كان السلف فمنهم من يجعلها بين الليل والنهار ومنهم من يجعل ختمة بالليل وختمة بالنهار فيختمون الليلية ليلة الجمعة والنهارية يوم الاثنين ويكون ذلك أول الليل وأول النهار ليستغفر له الملائكة في بقية يومه.

وقد اختلف طرقهم في التجزئة وأحسنها في اليوم الأول ثلاث سور وفي الثاني خمس وفي الثالث سبع وفي الرابع تسع وفي الخامس إحدى عشر وفي السادس ثلاثة عشر وفي السابع يختم بقيته فيقف على سورة العقود في أول يوم وفي ثانيه على سورة يونس وفي الثالث على سورة بني إسرائيل وفي الرابع على سورة الشعراء وفي الخامس على سورة والصافات وفي السادس على أول المفصل وهي الحجرات على المشهور وفي السابع يختم ومنهم من يجزئ بالأحزاب وبالآي ونحو ذلك وكل واسع وفعل السلف أحسن.

ص: 1083

وقال الإمام أبو حامد ينبغي أن يكون الختم ما بين الشهر إلى الجمعة فيكون إذا أبطأ ختم في الشهر مرة وإذا عجل لم ينقص من الجمعة وفي النسائي من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقرأه في ستين" ثم لم يزل ينقصه حتى قال" اقرأه في سبع" فقال أطيق افضل من ذلك فقال: " لا أقل من ذلك ومن قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقه أو لم يفهم ما يقول"

وقد كان جملة من السلف يختمون في كل يوم وذلك بحسب قوة حالهم وهو كرامة لهم كما حكي عن منصور بن زياد أنه كان يختمه بين المغرب والعشاء واتفق أهل بلدنا على أن الشيخ أبا عبد الله محمد بن عمير العكرمي كان يختم كذلك.

وقال لي سيدي أبو عبد الله محمد بن زمام رحمه الله وكان خديما له وفعل ذلك بحضرته مرارا قال ونسمع قراءة مبينة وربما تعجبه الآية فيرددها استطابة أو للتفهم وهذه الكرامة من نسبه معجزة داود عليه السلام إذ قال عليه السلام: " يسر على داود عليه السلام القرآن فكان يختم الزبور بين أن تسرج له الدابة".

وكان شيخنا أبو عبدا لله القوري رحمه الله يختم بذلك لما حكى عن موسى الصدائي صاحب الشيخ أبي مدين أنه كان يختم بين اليوم والليلة أربعة وعشرين ألف ختمة قال السهروردي ولقد لقيته في المطاف يوما فسلم علي ثم مشيت معه من الباب إلى طرف الحجر وهو يقرأ القرآن فختم في هذه المدة كذا كذا ختمة قلت وهذا شيء يكاد ينفر العقل عن تصديثه وقدرة الله أوسع وبالله التوفيق وقد ألف النووي مختصرا ومطولا في آداب حملة القرآن وهو القدوة والمرجع فلينظر كلامه في ذلك.

(ويستحب للمسافر أن يقول عند الركوب باسم الله اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل إلى قوله وإنا إلى ربنا لمنقلبون).

شرع الشيخ هنا في القول في السفر وقد ألف الناس في آداب السفر وأكثروا وطولوا واقتصروا ومدار ذلك على أن المسافر تتعين عليه خمسة أشياء:

أولها: النظر في حكم سفره بأن كان مباحا أو مندوبا أو واجبا قدم عليه وإلا فلا.

الثاني: أن يستخير الله تعالى ويستشير فيه أهل المعرفة به ما لم يكن واجبا عينا في الحال فلا استخارة ولا استشارة.

ص: 1084

الثالث: أن يتعلم ما يلزمه في سفره من أحكام التيمم والقبلة والجمع والقصر ونحو ذلك.

الرابع: أن يتخير صديقا صالحا لرفقته إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه ويعزم على إسعافه واتباعه إلا فيما بأن غية.

والخامس: أن يستعمل الآداب المروية فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلماء الأمة وأول ذلك أن لا يخرج من بيته حتى لا يبقى عليه حق يمكنه أداؤه من دين أو نفقة أو رد مظلمة أو غير ذلك إذ لعله لا يرجع ويوصي فيما بلا بد له منه ويترك لأهله كفايتهم قدر وسعة وإلا فلهم من لا تضيع ودائعه فيستودع الله صغيرهم وكبيرهم بعزم صحيح وقلب صادق عالما أنه راحم بهم مه كما وقع للشيخ أبي الفضل بن النحوي رحمة الله عليه حين عزم على الحج إذ كتاب رقعة ودفعها إلى أهله وقال الذي كتب له هذه الورقة يقولم بأمركم فلما خرج جاءهم رجل فقرأها وكان يقوم لهم بما يحتاجونه حتى كان يوم دخول الشيخ قطع ذلك عنهم ولا علم لهم به.

فدخل الشيخ فسألهم عن حالهم فذكروا له الحكاية فقال هاتوا الورقة فأتوا بها فإذا فيه مكتوب له:

إن الذي وجهت وجهي له

هو الذي خلفت في أهلي

لم يخف عنه حالهم سعة

وفضله أوسع من فضلي

فإذا تخلق بهذا وتحققه صلى ركعتين عند خروجه ليحفظ في أهله حتى يرجع إليهم كما ورد في الحديث ثم يقرأ آية الكرسي فإنها أمان لهم حتى يرجع إليهم ثم يقول اللهم زودني التقوى واغفر لي ذنبي ووجهني للخير أينما توجهت.

ويختار لسفره يوم الخميس فهو السنة وإلا فيوم الاثنين وإلا فالأيام كلها لله فإذا أراد الخروج ودع أهله وودعوه وكذا أقاربه وأصحابه ويقال لهم في ذلك إن الله إذا استودع شيئا حفظه استودع الله دينك وأمانتك وخواتم عملك زودك الله التقوى وغفر ذنبك ووجهك الخير أينما توجهت.

فإذا أراد الركوب قال باسم الله لأنها السنة ثم استوى على دابته كبر ثلاثا ثم قال اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل إلى آخره ويعمل على مقتضى ذلك بأن

ص: 1085

يراقب الله في سفره ويرجوه ويخافه كحال الصاحب أي الملازم مع ملازمه فإ الصحبة هي الملازمة بنوع من المداخلة ولولا ورود هذا اللفظ من الشارع ما جاز لنا إطلاقه.

والخليفة القائم بالأمر بدلا ممن هو واجب عليه أو مطلوب منه ووعثاء السفر بالمعجمة بعد المهملة والمد نصبه ومشتقه والكآبة سوء الحال والانكسار من الحزن قاله الجوهري والمنقلب بفتح اللام المرجع.

فأما قوله: (ويقول الراكب) يعني مسافرا كان أو غيره لقوله تعالى: {وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون (12) لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين (13) وإنا إلى ربنا لمنقلبون} [الزخرف: 12 - 14] ومنه قولهم فلان قرن فلان إذا كان مثله في الشدة ويذكر نفسه برجوعه إلى الله تعالى التواضع ويتقي. فإن الركوب محل انتفائها والله أعلم.

وأنكر ابن الحاج الأذان خلف المسافر عند وداعه وكذا الإقامة وقال أنه بدعة وليلازم في سفره {لإيلاف قريش} [قريش: 1] مساء وصباحا فإنها أمان من وحشة السفر وخوفه {قل يا أيها الكافرون} و {إذا جاء نصر الله} والإخلاص والمعوذات ثلاثا صباحا وثلاثا مساء فإنها بركة عظيمة مجربة في السعة والوجاهة والتجمل وإذا أتي بلدا أو قرية كبر ثلاثا ثم قال اللهم بارك لنا فيها اللهم حببنا إلى أهلها وحبب صاليح أهلها إلينا وإن وضع يده على سورها عند دخولها وقرأ لإيلاف قريش يكرر آخرها ثلاثا لم يزل بها آمنا طاعما بفضل الله وإذا ارتقى على رحله لئلا يدور به وهو يقرأ {إنا أنزلناه في ليلة القدر} حتى يأتي موضعه فإنه أمان له.

وذكر لي بعض العلماء حفيظة لمن أراد نجاته تكتب وتجعل في الرحل ونصها حسبي الله من كل شيء الله يغلب كل شيء ولا يقف لأمر الله شيء ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم انتهى والكلام في هذه الباب واسع فانظره وبالله التوفيق.

(وتكره التجارة إلى أرض العدو وبلد السودان).

أما كراهة التجارة إلى أرض الحرب فللدخول تحت أحكامهم وفي المدون شدد مالك الكراهة في التجارة إلى أرض الحرب لجري أحكام المشركين عليهم عياض إن تحقق ذلك حرم ويختلف إذا لم يتحقق وتؤولت المدونة بالكراهة والتحريم وأجرى أبو

ص: 1086

مهدي الغبريني الركوب في مراكبهم على ذلك.

وأما بلاد السودان فقيل المراد بها بلد الكفر منها لأنها كبلاد الحرب قلت والذي يظهر أن ذلك لما فيها من الخاطرة بالنفس والمال من أجل العطش والخوف ونحو ذلك فإنه شديد حسبما أخبرنا والله به أعلم.

(وقال النبي صلى الله عليه وسلم السفر قطعة من العذاب).

هذا الحديث ثابت من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وقد فسر صلى الله عليه وسلم وجه العذاب بقوله: " يدع أحدكم نومه وطعامه وشرابه فإذا قضى نهمته أي حاجته فليعجل إلى أهله ولا يطرق أهله ليلا لعله يجد في بيته ما يكره".

قال ابن عباس فتقحم النهي رجلان فوجدا في بيتهما رجلين وقد روى في الموطأ هذا الحديث دون قول ابن عباس رضي الله عنه وقد أخذ منه استبحاب تعجيل الأوبة بعد قضاء الحاجة وأنه ينبغي القدوم نهارا فإن قدم ليلا أمهل حتى يدخل ضحى وفي الصحيح أنهم قدموا فقال صلى الله عليه وسلم " أمهلوا حتى تتمشط الشعثة وتستحد المغيبة".

قال العلماء وينبغي أن يقدم بين يديه من يعلم بقدومه لأجل ذلك وإن كان سفره بعيدا فليأت أهله بهدية ويبدأ بالمسجد عند دخوله لأنه أقرب لتوصل الناس غليه ولأن الضيف إنما يأتي لبيت الضيافة والمسجد لابيت ضيافة ربنا سبحانه فيصلي فيه ركعتين خفيفتين ويحمد الله على قوومه سالما ويهمل قليلا حتى يبلغ خبره فليأتي إليه من يريده ولا يطيل جدا لئلا يلح بأهل البيت ثم إذا دخل عندهم فليس لأحد عليه حق قد سئل مالك عن مطالبته أمه بالمبيت عندها يوم قدومه وطلبته زوجته بذلك فقال يبيت عند زوجته لأن حقها في مقابلة أمر بخلاف أمه وهي ملحق بإرضائها والله أعلم.

ويحكى أن عائشة رضي الله عنها قالت لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " السفر قطعة من العذاب" لقلت إن العذاب قطعة من السفر وإنما سمي سفرا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال أي يظهرها ويبديها وفي هذا الحديث أنه ينبغي في السفر المساحة في العجز

ص: 1087

والنسيان والحرج ونحوه لأن من كان في العذاب كيف يطالب بهذه الأمور وبالله التوفيق.

(ولا ينبغي أن تسافر المرأة مع غير ذي محرم منها سفر يوم وليلة فأكثر إلا في حج الفريضة خاصة في قول مالك في رفقة مأمونة وإن لم يكن معها ذو محرم فذلك لها).

معنى لا ينبغي لا يصح فهو يتناول المحرم كما يتناول المكروه ومحمله هنا على التحريم كما حمل قوله في الصيام وينبغي للصائم أن يحفظ لسانه وجوارحه على الوجوب وقد قال صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسافة يوم وليلة إلا ومعها ذي محرم".

وفي بعض الروايات: " ثلاثة أيام" وفي رواية: " فوق ثلاثة" وحمل ذلك على اختلاف السائلين باختلاف المواطن وأن ذلك معلق بأقل ما يقع عليه اسم السفر وقال ابن رشد اليوم والليلة مظنة تهيؤ المكروه من الأجنبي لها ومطاوعتها له فلذلك منع وتهيؤ ذلك فيما دون ذلك مع الناس بعيد ولما أجمع العلماء على أن وجوب الحج على المرأة كالرجل كانت استطاعتها بحسب إمكانها والإمكان مع الولي والزوج حاصل فإذا لم يكن ولي ولا زوج فالجمهور على أن الرفقة المأمونة تتنزل منزلة أحدهما.

وممن قال به مالك رحمه الله وقال ابن عبد الحكم لا بد من زوج أو محرم في ذلك كغيره لأنه لا يزل عورتها غير أحدهما اللخمي وقوله آمن من قول مالك قال فتخرج مع نساء أو رجال لا بأس بهم في قول مالك وفي سفرها بحرا لحج الفريضة إن كانت المركب واسعة وأهلها مأمونوت وأفردت بموضع جاز على المشهور وإن كان هناك نساء وقيل لا يشترط وروى ابن حبيب لا يشترط إذن الزوج ولا وجود المحرم في حج الفريضة إن كانت الرفقة المأمونة وهو الذي حكاه الشيخ هنا.

وفي المدونة من ليس لها ولي تخرج مع من تثق به من الرجال والنساء ابن رشد جماعة النساء كالمحرم وسمع القرينان لا تخرج مع حنتها دون جماعة النساء ابن رشد هو كسماع ابن القاسم كراهة سفرها مع ربيبها عداوة الربيب وقلة شفقته عليها.

قلت: ولما تيقن من السنة الناس في شأنها وقد عوين ذلك مرارا وبالله التوفيق وصلى الله سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصبحه وسلم تسليما.

ص: 1088