الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في الأقضية والشهادات
يعني ذكر أحكامها ومتعلقاتها والأقضية: جمع قضاء وأصله في اللغة الحكم وقال أبو منصور الأزهري: هو في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقضاء الشيء وتمامه وحقيقته عرفا قال (ع): صفة حكمية توجب لموصوفها نفوذ حكه الشرعي ولو بتعديل أو تجريح لا في عموم مصالح المسلمين فيخرج التحكيم وولاية الشرطة وأحكامها وأخواتهما والإمامة انتهى.
وحكم القضاء وجوبه لمن أهل له على الكفاية ويجوز الفرار وإن عين دون سائر فروض الكفاية (س) وما ذلك إلا لعظم الخطر في الفصل بين الناس عياض: وشروط القضاء التي لا يتم للقاضي القضاء إلى بها ولا ينفذ ولا يستديم عقدة إلا معها عشرة الإسلام والعقل والحرية والذكورة والبلوغ والعلم والعدالة والسلامة من العمي والصمم والبكم وكونه واحدا لا أكثر انتهى وفي أخيرته تفصيل:
(والبينة على المدعي واليمين على من أنكر).
هذا لفظ الحديث أخرجه البيهقي بإسناد صحيح رواه أبو عمر من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وزاد: " إلا في القسامة" وفي البخاري وغيره: " ولو يعطي الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه". و (المدعي): من عريت دعواه من مرجح غير شاهد (ع): المدعى عليه من اقترنت دعواه به قال: وقول ابن الحاجب: من ترجح قوله عن مصدق يبطل عكسه بالمدعي ومعه بينة وفي المقدمات قال: ابن المسيب المدعي من قال قد كان والمدعى عليه من قال لم يكن ومن عرفهما لم يلتبس عليه الحكم ابن رشد: وليس كلامه على عمومه في كل موضع وذكر ما يطول نقله فانظره.
(ولا يمين حتى تثبت الخلطة أو الظنة كذلك قضى حكام أهل المدينة).
يعني أنه لا يقضى باليمين علىالمدعى عليه حتى يثبت كونه مخالطا للدعي أو يكون منه ما يظن به صدق دعواه (ع)(الخلطة): حالة ترفع بعد توجه الدعوى على المدعى عليه: قال: وثبوتها بما تثبت به الحقوق من شاهدين أو شاهد وامرأتين وفي ثبوتها بشاهد واحد ثالثها مع اليمين ورابعها بشاهد وامرأتين المشهور توجه يمين التهمة وهو ظاهر قول الشيخ أو الظنة والظنة بكسر الظاء المشالة من الظن وهي التهمة ابن رشد مذهب مالك وكافة أصحابه العمل بالخلطة.
وحكى ابن زرقون عن ابن نافع لا يعمل بها (ع): وعمل القضاة اليوم عندنا عليه وقال وحكى ابن عبد السلام أن بعض القضاة كان يحكم بها إذا طلبها المدعى عليه أصبغ وخمسة لا تعتبر في الخلطة الصانع والمتهم بالسرقة ومن قال عند موته لي على فلان دين ومن مرض في رفقة فادعى على رجل منها أنه دفع إليه مالا فيحلف ولو كان أعد لها والغريب يدعي أمانة على بعض أهل البلد ذكرها ابن رشد وكأنها عنده المذهب وإنما أسندها لقضاء حكام أهل المدينة لأنه ليس في الآثار المسندة ما يدل لثبوتها قاله أبو عمر نعم جاء عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في الموطأ قال مالك وعليه العمل عندنا
فهو إجماع أهل المدينة.
وما حكى عن عمر بن عبد العزيز من قوله تحدث للناس أقضية واضح والمراد قضية عادلة والله أعلم.
(وإذا نكل المدعى عليه لم يقض للطالب حتى يحلف فيما يدعي فيه المعرفة).
يعني أن الطالب إذا عجز عن إقامة البينة بما يدعيه فإنه لا يقضى له على المدعى عليه بمجرد دعواه بل حتى يحلف على ما يدعيه إن كان يعرف تقرره في ذمته حقيقة لا إن كانت دعوة تهمة فإنها لا تنقلب على المشهور والحكم بذلك عمل بغموس فإذا حلف الطالب مع نكول المطلوب تنزلت يمينه منزلة عدل ونكول غريمة منزلة عدل يثبت حقه في الأصل بما يشبه العدلين والأصل في الحقوق أن لا تثبت إلا بشيئين أولهما الشاهدان ثم بالشاهد واليمين أو المرأتين واليمين أو الأصول واليمين أو اليمين والنكول.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه" الحديث. ابن يونس: وكول المدعي بعد نكول المدعى عليه كحلف المدعى عليه (ع): هونص الروايات فيها وفي غيرها والله أعلم.
(واليمين بالله الذي لا إله إلا هو).
يعني يمين القضاء فيما قال وجل بهذا اللفظ لا يزاد عليه ولا ينقص منه على المشهور وزاد ابن كنانة عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم ابن شعان: وإن حلف عند منبره عليه الصلاة والسلام فليقل ورب هذا المنبر اللخمي: واختلف إذا قال والله لم يزد على ذلك قال: فمقتضى قول مالك أنها يمين جازمة واختاره اللخمي لأنها يمين تكفير (ع): ولا يلزم من أنها تكفير أنها تثبت بها الحقوق. وقال أشهب: لا تجزئه وهو ظاهر المدونة وفي لفظ يمين القسامة خمسة مذكورة في محلها وفي يمين اللعان ثلاثة فانظرها فقد قيدها المازري وغيره.
(ويحلف قائما عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ربع دينار فأكثر وفي غير المدينة يحلف في ذلك الجامع في وحيث يعظم منه).
اليمين تغلظ في الأمور على حسبها فتغلظ بالهيئة وهو كونه قائما في القسامة واللعان والمال الذي له بال، فلو حلف جالسا لم يجزئه على المشهور، وذكر مكي في تذكرته جوازه في القسامة جلوسا عن عبد الملك وفي غيرها أحرى ابن الفاكهاني إنما يحلف قائما لأنه أردع له عن اليمين أما المكان ففي المدونة عند منبره عليه الصلاة والسلام وفي غير المدونة في المساجد لأنها المعظمة عند أهل الإسلام لعله ينزع ولعبد الحق عن مالك: يحلف في مكة عند الركن يعني الأسود.
كل ذلك في ربع دينار فأكثر الأبهري: لأنه أقل ما تثبت به الحرمة في استباحة يد السارق وعقد النكاح وفي الجلاب: يحلف في أقل من ربع دينار في سائر المساجد في ربع دينار في الجامع ولا يحلف عند منبر غير منبره عليه الصلاة والسلام ولا بد من حضور صاحب الحق لتقاضي اليمين فلو حلف دون حضوره لزمه إعادته قال بعضهم: يريد ما لم يتغيب لذلك فيقدم القاضي لذلك من يفعله وأما التغليظ بالزمان فمطلوب في الأمور العظيمة كالقاسمة واللعان ونحوهما يقصد بذلك ما بعد العصر والجمعة ورمضان وليلة القدر منه ويوم عرفة وعاشوراء ونحو ذلك.
(ويحلف الكافر بالله حيث يعظم).
يعني أن الكافر في الحقوق لا يحلف بغير قوله "الله" فلا يقبل منه غير الحلف بالله ولا يزاد على قوله والله في المشهور المذهب وروى الواقدي يزيد اليهودي الذي أنزل التوارة على موسى والنصراني: الذي أنزل الإنجيل على عيسى وفي تحليف اليهودي
يوم السب والنصراني يوم الأحد قولان لابن القاسم وبعض المتأخرين حكاهما ابن عات وخص غيره الخلاف باليهودي والذي يعظمه النصراني الكنيسة واليهودي بيت الصلاة والبيعة والمجوسي بيت النار والله أعلم.
(وإذا وجد الطالب بينة بعد يمين المطلوب لم يكن علم بها قضى لها بها وإن كان علم بها فلا تقبل منه وقد قيل تقبل منه).
يعني أن المطلوب إذا عدم البينة عند المطالبة له تحليف المطلوب ثم إن وجد بينة لم يقض بها إن كان عالما بها وكتم أمرها على المشهورن وإن كان علمه بها مع اعتقاد عجزه عن الاجتماع بها لبعدها أو لمانع يمنع من أدائها وثبت ذلك قضي لها بها وإن لم يكن له عذر لم يقض له بها على المشهور كما إذا لم يحلف المطلوب حتى أسقط له القيام بها وقد قيل تقبل منه إشارة لقول عمر رضي الله عنه البينة العادلة خير من اليمين الفاجرة ولو حلف على أنه متى وجد بينه قام بها ففي إعمال شرطه قولان فانظر ذلك.
(ويقضى بشاهد ويمين في الأموال ولا يقضى بذلك في نكاح أو طلاق أو حد ولا في دم عمد أو نفس إلا في القسامة في النفس وقد قيل يقتضى بذلك في الجراح).
أما القضاء بالشاهد واليمين في المال فهو سنة وقد روى ابن حبيب عن طرق كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد مع اليمين وكل ما يقضى فيه بالشاهد واليمين يقضى فيه بالمرأتين واليمين وبالنكول مع اليمين واختلف في إلحاق ما هو آيل إلى المال بالمال كالوصية والوكالة ولانكاح بعد الموت ونحو ذلك فالمشهور الإلحاق ومقابلة عدمه ولا يقضى بذلك يعني بالشاهد واليمين في النكاح يريد في حال الحياة إذ قال ابن القاسم في التي يشهد لها رجل بالنكاح تحلف معه وترث.
وقال أشهب: لا ترث اعتبار بمآله إلى المال وأنه بشهادة على عقد لا يلزم الإرث إلا به وتوقف أصبغ ولكنه إذا أنكر لزمته اليمين على النفي فإن أبى قيل يحبس حتى يحلف وقيل تنجز عليه طلقة حين نكوله وقال ابن القاسم بلغني عن مالك أنه إذا ال سجنه دين وخلي سبيله وهو رأي. قيل: والطول سنة وعلى المشهور فالخلع آيل إلى المال وفيه اختلاف وأما الحد فلا يقضى فيه بالشاهد واليمين واختلف هل يتبرأ القاذف باليمين أم لا؟.
وقد تقدم وأما دم العمد فقال المتيطي: قال بعض الفقهاء: اختلف في القصاص من جراح العمد بشاهد ويمين على ثلاثة أولها لمالك في كتاب الأقضية يقتص به ومقابله لابن القاسم في كتاب الشهادات وثالثها لعبد الملك وروايته يقضى بذلك في صغير الجراح دون كبيرها واختاره سحنون والقسامة تقدم الكلام عليها قالوا: وكل دعوى لا تثبت إلا بشاهدين فلا يمين بمجردها خلافا لأبي حنيفة والشافعي والله أعلم.
(ولا تجوز شهادة النساء إلا في الأمولا ومائة امرأة كامرأتين وذلك كرجل واحد يقضي بذلك مع رجل أو مع اليمين فيما يجوز فيه شاهد ويمين وشهادة امرأتين فقط فيما لا يطلع عليه الرجال من الولاة والاستهلال وشبهه جائزة).
يعني: أن النساء لا تجوز شهادتهن فيما هو من شأن الرجال إلا في الأموال إجماعا لقوله تعالى: {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان} [البقرة: 282] فالمشهور أن ما يؤول إلى الأموال كالأموال وقد تقدم ابن محرز وشهادة النساء جائزة في ثلاثة مواضع عند ابن القاسم أحدها: الأموال الثاني: ما ليس بمال ولكنه موجب مال كالوصية بالمال والوكالة على الأموال والموت إن لم يكن في التركة إلا المال الثالث: ما لا يطلع عليه الرجال في غالب الحال فأما الأموال فلا تقبل شهادتهن فيها إلا مع رجل أو مع يمين الطالب، وأما الثاني فهو ما ليس بمال يعني ويؤول إليه فإنها لا تقبل إلا بما تقبل به في المال. وأما الثالث وهو ما لا يحضره الرجال في غالب الحال فإن شهادة امرأتين تقوم مقام الرجلين ولا يلزم الطالب يمين وذلك كشهادتهما على الولاة والاستهلال والرضاع وعيوب النساء والحمل والحيض والسقط وشبه ذلك فانظر ذلك، فإنما أتيت به باختصار والله سبحانه أعلم.
(ولا تجوز شهادة خصم ولا ظنين).
يعني أن شهادة الخصم على خصمه لا تجوز لأنه عدوه ولا يؤمن على شأنه والظنين المتهم الذي يظن بموالاة المشهود له أو معاداة المشهود عليه ومنه الزوج للزوجة وهي له والولد لأبيه وهو له أبو عمر: لا تجوز شهادة العدو على عدوه مصارما كان أو غير مصارم وللمازري عن ابن كنانة إن كانت العدواة خفيفة على أمر خفيف لم تبطل الشهادة.
وفي نوازل سحنون: إن كانت العدواة على أمور الدنيا كالأموال والمواريث والتجارات ونحوها سقطت وإن كان غصبا لله لفسقه وجرأته على الله لا لغير ذلك جازت ابن رشد وقوله مفسر لجميع الروايات ولذلك لا تسقط شهادة القاضي على من أقام عليه الحدود وضربه في أمر يوجب ضربه وحصل ابن رشد في شهادة الخصوم
بعضهم على بعض ثلاثة أقوال فانظرها.
ومن باب الظنة قول ابن وهب لا تجوز شهادة القارئ يعني العالم على مثله المتطي: لأنهم أشد الناس تحاسدا وقال سفيان الثوري ومالك بن دينار (ع) والعلماء على خلاف ذلك فشهادة ذوي القبول منهم مقبولة بينهم كغيرهم قال: ولعل قول ابن وهب فيمن ثبت التحاسد بينهم والله أعلم.
(ولا يقبل إلا العدول).
يعني لقوله تعالى {وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: 2] والعدول: جمع عدل وهو الذي لا يميل عن الحق لعدواة ولا صداقة ولا غيرها (ع): العدالة صفة مظنة يمنع لموصوفها البدعة وما يشينه عرفا ومعصية غير قليل الصغائر فالصغائر الخسيسة مندرجة فيما يشين وبادر الكذب في غير عظيم مفسدة عفو مندرج في قليل الصغائر بدليل قولها- يعني المدونة- ومما يجرح به الشاهد كونه كذابا في غير شيء ولابن محرز عن الأبهري في صفة من تقبل شهادته هو المجتنتب للكبائر المتقي لأكثر الصغائر إذا كان ذا مروءة وتمييز متيقظا متوسط الحال بين البغض والمحبة. قال ابن محرز: وقد أتت هذه الصفة على جميع ما ينبغي في الشاهد انتهى.
عياض: وشروط العدالة أربعة صدق اللهجة واجتناب الكبائر وتوقي المثابرة على الصغائر والتزام مروءة مثله وذكر أن شروط الشاهد ثمانية البلوغ والعقل والإسلام والحرية والعدالة.
قلت: وما قبلها مندرج فيها فلو اكتفى بها كان أحسن، ثم قال: وضبط الإشهاد عند الأداء وحسن السماع وارتفاع الظنة من عدواة خاصة للمشهود عليه أو ولاية خاصة للمشهود له، قال: وقد ينخرم بعض هذه الشروط في بعض النوازل، وقال: الشيخ في النوادر عدول كل بلدا مثلهم حالا يعني عند فقد العدول لأنها حالة ضرورة والله أعلم.
(ولا تجوز شهادة المحدودة ولا شهادة عبد ولا صبي ولا كافر وإذا تاب المحدود في الزنا قبلت شاهدته إلا في الزنا).
أما شهادة المحدود فلأن الحد لا يقع إلا على فاسق ولا شهادة لفاسق إلا أن
يتوب المازري: ولا تقبل توبته لمجرد قوله تبت بل بدلالة حاله والقرائن على صدقه مع اتصافه بصفات العدالة قال: ولا توقيت في ذلك ووقته بعض أهل العلم بسنة وبستة أشهر والتحقيق ما قلته والمشهور أن الحرية شرط العدالة والصبا مانع من قبول الشهادة إلا في الجراح بشرطها وشهادة الكافر مردودة إجماعا إذ لا أكبر من جرمه وكون المحدود في الزنا لا تقبل شهادته فيه لتهمته تكثير أمثاله وأضعاف المعرة عن نفسه بذلك وهذا حكم كل محدود المشهور لا تقبل شهادته فيما حد فيه وقال ابن كنانة إذا صحت التوبة قبلت الشهادة وما حد فيه كغيره المازري وهو ظاهر المدونة.
(ولا تجوز شهادة الابن للأبوين ولا هما له ولا الزوج للزوجة ولا هي له وتجوز شهادة الأخ العدل لأخيه).
يعني ومنع ذلك كله للتهمة بالمباحات لما بين من ذكر المودة غالبا المازري وما علا من الآباء وما سفل من الأبناء كالملاصق في المنع لأن المودة لا تختص بالقريب بل قد تكون للأبعد آكد كما هو مشاهد ونسب بعض الشافعية لمذهب مالك إجازة شهادة الأبناء للآباء لا العكس فأنكر والله أعلم.
ثم اعلم أن مواضع الشهادة سبعة:
أولها: التغفل فلا يقبل المتغفل ولو كان عدلا.
الثاني: الجلب لنفسه والدفع عنها وسيأتي ذكرهما.
والثالث: التهمة بالحب والبغض ومنه والوالد والولد والخصم وما في معناه.
الرابع: العداوة وقد تقدم القول فيها.
الخامس: نقص المعرة بتكثير مثلها ومنها شهادة المحدود فيهما حد فيه.
السادس: الحرص على الأداء والتحمل وفيه تفصيل فانظر ذلك فإنه معهم وبالله التوفيق.
وقوله: (وتجوز شهادة الأخ العدل لأخيه): ظاهره إن لم يكن مبرزا وهذا هو المشهور وقيل بشرط التبرز في العدالة على مذهب ابن القاسم والأجير لمن استأجره إن لم يكن في عياله كالأخ لأخيه وكذا المولى لمن أعتقه والصديق والملاطف والشريك المفاوض في غير مال المفاوضة والله أعلم.
(ولا تجوز شهادة مجرب في كذب ولا مظهر لكبيرة ولا جار إلى نفسه ولا دافع عنها ولا وصي ليتيمة وتجوز شهادته عليه).
أما المجرب في الكذب بتكراره منه فلا تصح شهادته لأنه غير موثوق بقوله وأما المظهر للكبيرة فهو فاسق والفاسق لا تقبل شهادته إلا أن يتوب وتظهر توبته وظاهر كلامه أن الفلتة في الكذب لا تضر ما لم يتضمن عظيم مفسدة كما تقدم في كلام ابن عرفة وأن عدم إظهار الكبيرة هو الشرط.
ومثال الجار لنفسه أن يشهد لمن في عياله بوصية أو بوصية له فيها نصيب وقد حصل فيها ابن رشد: إذا كان نصيب الشاهد منها يسيرا أربعة: صحتها له ولغيره وعزاه لابن القاسم في المدونة ورواية مطرف وبطلانها لهما وهي رواية بن وهب وجوازها لغيره لا له وقاله عبد الملك. ورابعها ليحيى ابن سعيد في المدونة فانظره.
ومثال الدافع عنها شهادة المديان المعسر لرب الدين منعها ابن القاسم وأشهب وعبد الملك ومطرف قائلا لأنه كالأسير في يده ومن الجر شهادة الوصي ليتيمه وقد يكون للدفع وحكى الجلاب فيها للوصي على يتيمه روايتان وفي الإرشاد وغيره كل من لا تجوز شهادته عليه تجوز شهادته له وهو أصل لا يطرد فتأمله.
(ولا يجوز تعديل النساء ولا تجريحهن).
يعني: لأنهن ناقصات عقل ودين كما صح والتعديل والتجريح أصل يستدام العمل به ولذلك قال سحنون: ليس كل من تجوز شهادته تجوز تزكيته وقد تجوز شهادة الرجل ولا تجوز تزكيته ولا يجوز في التزكية إلا العدل المبرز والناقد الفطن الذي لا يخدع عقله ولا يستنزل في رأيه المتيطي وقول سحنون هذا هو الذي عليه أكثر أصحاب مالك وبه العمل وإن شهود التعديل ليسوا كغيرهم قال: وعنه أنهم يكونون كسائر شهود الحق والله أعلم.
(ولا يقبل في التزكية إلا من يقول عدل رضي).
يعني: يقول ذلك في شهادته فيمن شهد له عدل في نفسه مرضي في أفعاله لأن الله تعالى قد قال مرة {ممن ترضون من الشهداء} [البقرة: 282] وقال مرة {وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: 2] وظاهر ما هنا أنه لا يكفي أحد الوصفين اللخمي:
إن قالهما صحت العدالة وإن اقتصر فاختلف فيه إن كان سكوته عن الآخر لا مع سؤال فإن كان مع سؤال لم تصح ول سأل فتوقف لم تقبل لأنها ريبة وحكى ابن هشام عن ابن شعبان أن قوله خير تعديل وكذا قوله نعم العبد. وروى ابن وهب قوله لا أعلم إلا خيرا ليس بتعديل والله أعلم.
(ولا يقبل في ذلك ولا في التجريح واحد).
يعني أن الشهادة في التعديل والتجريح لا يكفي فيهما إلا عدلان فصاعدا وظاهره سواء في ذلك السر والعلانية والأصوب حملهما على العلانية لأن المشهور الاكتفاء بالواحد في السر لما تقرر أن ما يبتدئ فيه القاضي بالسؤال يكفي فيه الواحد وفي المجموعة عن ابن القاسم: يكفي الواحد في تزكية السر وفي العتبية لا أحب أقل من اثنين وقال سحنون وابن زرقون وهو ظاهر المدونة ابن المناصف: لابد من اثنين على كل حال ولو فيما ابتدأه القاضي وهو ظاهر ما هنا والله أعلم.
(وتجوز شهادة الصبيان في الجراح قبل أن يفترقوا أو يدخل بينهم كبير).
قوله (الصبيان): شرط فلا تجوز شهادة البنات وفيها اختلاف وظاهر كلامه عموما وليس كذلك بل الأحرار العاقلون لا شهادة المحكوم لهم بالإسلام غير المعروفين بالكذب وشرطهم الانفراد فلو كان معهم كبير بالأصالة أو بالعرض لم يقبلوا وكون شهادتهم في الجراح ظاهرة ولا تجوز في غيره حتى القتل.
والمشهور جوازها في القتل وهو قول ابن القاسم وروايته (وقبل أن يفترقوا أو يدخل بينهم كبير): لئلا يخببوا أي يعلموا خلاف الحق الذي يعرفونه وذكر عبد الوهاب في تلقينه أن شهادة الصبيان جائزة بشروط تسعة: كونهم أحرارا ذكورا محكوما لهم بالإسلام عاقلين للشهادة وكون المشهود به جرحا أو قتلا وكون ذلك فيما بينهم لا لصغير على كبير ولا لكبير على صغير وكونهم اثنين فصاعدا واتفاقهم في الشهادة من غير اختلاف.
فرع:
ما يقع للنساء في الحمامات والأعراس والمآتم فشهادة النساء فيه مقبولة وقال اللخمي: حكى الجلاب في ذلك قولين وإن لم تكونا عدلتين لأنه موضع لا يحضره العدول وحكى المازري روايتين ظاهر لفظ الجلاب أن معروف المذهب السقوط والله أعلم.
(وإذا اختلف المتبايعان استحلف البائع ثم يأخذ المبتاع أو يحلف ويبرأ).
اختلاف المتبايعين على سبعة أوجه اختلاف في جنس المعقود عليه واختلاف في نوعه واختلاف في قدر الثمن واختلاف في القبض واختلاف في الأجل واختلاف في البت والخيار واختلاف في الصحة والفساد.
والذي تكلم عليه الشيخ هنا هو الاختلاف في قدر الثمن وتضمن كلامه أنهما يتحالفان ويتفاسخان يريد إذا كانت السلعة قائمة لم تفت وسواء قبضها المبتاع أو لم يقبضها على المشهور والمشهور تبدئة البائع باليمين كما قال وفي العتبية: يبدأ المشتري وثالثها يقرع بينهما ورابعها يخير الحاكم.
وعلى المشهور فيحلف البائع بالذي لا إله إلا هو ما بعت سلعتي هذه منه إلا بعشرة فإذا حلف خير المبتاع بين أن يأخذ العشرة أو يحلف على أنه إنما أخذها بالخمسة ثم يفسخ ونص هذه اليمين في كتاب الخيار يدل على أن كلا منهما على إثبات دعواه ونفي دعوى خصمه.
قال: ويتحصل في التبدئة أربعة أقوال ثم ذكر الأقوال المتقدمة قال: وهل هي من باب الأولى أو الأوجب؟ قولان وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا اختلف المتبايعان ليس بينهما بينة فالقول ما يقول رب السلعة أو يتناكران".
رواه أصحاب السنن وأحمد وصححه الحاكم من طريق ابن مسعود رضي الله عنه وظاهر كلام الشيخ العموم فانظر ذلك.
(وإذا اختلف المتداعيان في شيء بأيديهما حلفا وقسم بينهما فإن أقاما بينتين قضى بأعد لهما فإن استويا حلفا وكان بينهما).
يعني أن المتداعيين إذا ادعى كل واحد منهما الشيء المدعى فيه لنفسه وهو مما يصلح أن يكون لصاحبه معه فيه شرك ولم يقم لواحد منهما دليل على صدقه ولم ينازعهما فيه أحد وهومما يشبه أن يكسبه كل واحد منهما فالحكم أن يقسم بينهما نصفين بعد أيمانهما ومن نكل منها سقط حقه للآخر ولو تعدد المختلفون واختلفت دعواهم فادعى واحد الكل والآخر النصف وهو بأيديهما ولا مرجح قال مالك: وأكثر أصحابه يقسم على العول لمدعي الجميع سهمان ولمدعي النصف سهم.
وقال ابن القاسم وعبد الملك على التنازع فيقول لصاحب الكل النصف لأنه مسلم له ولمدعي النصف نصف النصف وهو الربع ويزاد للأول الربع الباقي من محل
النزاع وهو النصف والله أعلم.
وقوله: (وإن أقاما بينتين) إلى آخره: ذكر فيه حكم تعارض البينتين (ع) تعارض البينتين اشتمال كل واحد منهما على ما ينافي الآخر والحكم في ذلك أن البينتين إذا تكافأتا تساقطتا ولا ترجيح إلا بالأعدلية لأن العدد لا يفيد العدالة بذاته وفي المسألة اختلاف فانظره.
(وإذا رجع الشاهد بعد الحكم أغرم ما أتلف بشهادته إن اعترف أنه شهد بزور وقاله أصحاب مالك).
يعني إن رجع الشاهد عن شهادته بعد الحكم فإن الحكم لا ينتقض ويغرم ما أتلف بشهادته وسواء كان رجوعه قبل القبض أو بعده ابن حارث اتفقوا فيما إذا رجع بعد الحكم وقبل قبض المال أن المال واجب للمحكوم له وفي كتاب السرقة من المدونة: إن رجعا بعد الشهادة بدين ضمناه ظاهره ولو بعد تنفيذه وظاهره ولو رجعا لشك والذي عند الشيخ من أن الضمان مع تعمد الزور هو قول الأكثر من أصحاب مالك وقالت طائفة منهم بالغرم ولو في الوهم، وهو ظاهر المدونة ولو كان رجوعه قبل الحكم لم تنفذ شهادته ويجرح في الزوج ويؤدب وإن كان لشبهة أو لاشتباه لم تسقط شهادته ولا يؤدب إن كان عدلا مؤمنا.
وإن كان على خلاف ذلك، قال ابن القاسم يؤدب وسحنون: لا يؤدب وبه العمل فإذا الأقسام ثلاثةك رجوع قبل الحكم ورجوع بعده وقبل النفوذ ورجوع بعد الحكم والنفوذ وقد ذكرت أحكامها فوقه.
وقوله: (أغرم) يعني: المتقوم وأما ما لا تقويم فيه كالبضع فلا يغرمه واستشكل تقييد غرامته باعترافه بالزور لأن العمد والخطأ في أموال الناس سواء وإحالة الشيخ على أصحاب مالك إما أنه لا نص فيه لمالك أو تبريا من القول بذلك لضعفه.
(ع) الرجوع عن الشهادة انتقال الشاهد بعد أداء شهادته بأمر إلى عدم الجزم به دون نقضه فيدخل انتقاله للشك على أحد القولين فإن الشك حاكم أو غير حاكم وقيل بعد شهادته وهو ظاهر الروايات وظار لفظ المازرى صدقه على ما قبل الأداء فانظر ذلك.
(من قال رددت إليك ما وكلتني عليه أو على بيعه أو دفعت إليك ثمنه أو وديعتك أو قراضك فالقول قوله).
يريد مع يمينه مطلقا من غير تفصيل وقال عبد الملك ولا يحلف إن طال جدا وروى مطرفك لا يصدق الوكيل فيما قرب كالأيام اليسيرة ويصدق فيما بعد كالشهر بيمين ولا يمين إن بعد جدا وقال أصبغ: لا يصدق الوكيل المخصوص على بيع شيء بعينه إلا ببينة على الدفع ويصدق المفوض إليه مع يمينه ما لم يطل جدا فلا يمين فلا يصدق في الأول مع يمينه لأن جميع من ذكر مؤتمنون فلذلك كان القول قولهم مع أيمانهم نعم لو قبض أحدهم شيئا ببينة لم يبرأ ببينة.
ولم يتكلم الشيخ في الوكالة إلا في هذا الموضع فلنذكر حقيقتها وحكمها وأركانها باختصار.
فأما حقيقتها فقال (ع): الوكالة جعل ذي أمر عين أمره التصرف فيه لغيره الموجب لحوق حكم جاعله كأنه فعله فخرج نيابة إمام الطاعة أميرا أو قاضيا وإمام صلاة لعدم لحوق في النائب في الصلاة الجاعل والوصية للحوق حكم فاعلها عن الجاعل وأما حكمها فقال المازري جائزة بإجماع وأما أركانها فأركانها ثلاثة العاقدان وهما الوكيل الموكل عليه والصيغة فشرط الوكيل أن يكون جائز الأمر في التصرف لنفسه وشرط الموكل مع جواز تصرفه كونه قادرا على القيام بما وكل فيه وتفصيل ذلك في المطولات فانظره.
(ومن قال: دفعت إلى فلان كما أمرتني فأنكر فلان فعلى الدافع البينة وإلا ضمن وكذلك على ولي الأيتام البينة أنه أنفق عليهم أو دفع إليهم وإن كانوا حضانته صدق في النفقة فيما يشبه).
يعني من دفع إلى غير اليد التي دفعت له لم يبرأ إلا بإشهاده على الدفع لأنه أمين الذي دفع له لا الذي يدفع إليه ابن يونس: وكل من دفع إلى غير اليد الذي دفعت له فعليه البينة أصله قوله تعالى {فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم} [النساء:6] وذلك في الوصي يدفع للأيتام وقال ابن القاسم من بعث بمال صلة أو هبة لرجل أو صدقة مع رجل فأنكر القابض فعلى الرسول البينة وإلا غرم وكذلك ولو أمره بصدقة
على مساكين من أعيانهم فإن لم يكونوا معينين فهو مصدق يريد وإن اتهم حلف ودليل قول الشيخ فأنكر فلان أنه لو أقر بالقببض وادعى الضياع قبل قوله وبرئ الدافع وهو دليل لا يصح عن إطلاقه بل فيه تفصيل فانظره.
وقوله (وإن كانوا في حضانته صدق) فيما يشبه في المدونة وقال فيها ويصدق في الإنفاق عليهم إن كانوا في حجره ما لم يأت بسرف عياض: قال مالك: وابن القاسم وأشهب بعد يمينه قال: وهذا لا يختلف فيه قال أبو عمر ولو أراد الوصي أن يحاسب بما لا بد منه ولا يشك فيه ويسقط ما زاد فلا يمين عليه عياض: لا بد من يمينه لاحتمال استغناء اليتيم عن مثل تلك النفقة التي لا شك فيها أياما متفرقة أو متوالية لمرض أو صلة من أحد ومفهوم ما هنا أنه إذا ادعى ما لا يشبه لا يقبل ونحوه عن الموازية والله أعلم.
(والصلح جائز إلا ما جر إلى حرام ويجوز على الإقرار والإنكار).
أصل هذا الباب قوله عليه الصلاة والسلام " الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا" أخرجه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (ع) الصلح انتقال عن حق ودعوى إلى عوض لرفع نزاع أو خوف وقوعه قال: وقول عياض الصلح معواضة عن دعوى يخرج عنه صلح الإقرار وأصل بابه الندب لكن قد يعرض له الوجوب والتحريم والإنكار والكراهة:
ولا يجوز نقض صلح أبرما
…
وإن تراضايا وجبرا ألزما
عياض: الصلح معاوضة عن دعوى وهو على ثلاثة أضرب صلح على الإقرار وصلح على الإنكار وصلح على سكوت من المطلوب قال: وهو عندنا جائز بالوجوه الثلاثة. ولابن الجهم عن بعض أصحابنا منعه على الإنكار وهو مذهب الشافعي وعلى الإقرار معاوضة صحيحة فيعتبر فيها ما يعتبر في البيع يعني مما يحل ويحرم وعلى الإنكار يختلف فيه أصل مالك وأصل ابن القاسم فمالك يعتبر فيه ثلاثة أشياء ما يجوز على دعوى المدعي وإنكار المنكر وعلى ظاهر الحكم فيما اصطلحا عليه فإن صح الصلح على الوجوه الثلاثة صح الصلح.
قال: وعلى هذا يأتي مذهبه في الكتاب ويفهم من قوله إذا كان مقرا المسألة فقوله وهو مقر بها دليله أنه إن لم يكن مقرا لم يجز وهو قوله في العتبية وذلك مع الإقرار يكون محسنا بتأخيره وفي الإنكار على مراعاة ما يوجبه الحكم فالمدعي يخشى قلب اليمين عليه أو يحلف الآخر فيذهب ماله فتأخيره سلف جر منفعة فيمتنع على أصل مالك في مراعاة الأصول الثلاثة كذا لا يجوز على دعوى المدعي ومنع إنكار المنكر على ظاهر الحكم وأما على أصل ابن القاسم الذي لا يعتبر ما يوجبه الحكم وإنما
يعتبر صلح كل واحد منهما على انفراده فالمنكر يقول: إنما التزمت ما التزمت لرفع النزاع والمدعي يقول: لئلا يجحدني فيظلمني فإنما أخرت لدفع مظلمة وذلك جائز لي ولم أستجر نفعا مستجلبا انتهى. فانظر التنبيهات.
وقوله (إلا ما جر إلى حرام) يعني: بعقده أو عوضه أو غير ذلك كان يصالح على دنانير معجلة بمؤجلة ونحو ذلك قال علماؤنا: والحكم به في الإنكار لا يحل لمن علم أنه على الباطل منهما ما أخذه من صاحبه وهذا من صور استباحة الحرام به فاعرف ذلك.
(والأمة الغارة تتزوج على أنها حرة فليسدها أخذها وأخذ قيمة الولد يوم الحكم له).
الأمة الغارة هي التي تدعو رجلا إلى أن يتزوجها مخبرة بمقالها أو شاهد حالها أنها حرة فيتزوجها على ذلك ثم يظهر خلافه ولا يخلو أمرها من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون السيد له في النكاح والاستخلاف وإنما غرت بذلك الحرية فهذه يسمح مقامه عليها بالمسمى لا دونه قال اللخمي وأرى إن اختار المقام معها أن يحط عنه من المسمى ما زاد على الحرية.
الثاني: أن يتزوجها على أنها حرة ولم يكن السيد أذن له ولا في الاستخلاف وهذا يفسخ على المعروف أبدا خلافا لمن رأى صحته بإجازة السيد لأن الولي مجبر وعقد المجبر بغير إذنه يبطل النكاح.
الثالث: أن يكون أذن في النكاح ولم يأذن في الاستخلاف وهو كالذي قبله في تحتم الفسخ ثم حيث يتعين فسخه فقبل البناء لا شيء لها وبعده ولا حمل ولا ولادة فواضح من باب النكاح وإن ولدت فالولد لاحق لأبيه ويلزمه للسيد قيمته.
والمشهور يوم الحكم كما ذكر الشيخ وقال المغيرة يوم الولادة وثالثها يوم القيامة حكاه ابن بشير وهو قول المغيرة وأشهب فلا يسقط الضمان بموته وهل يقوم بحاله أم لا وصوب المازري الثاني وعزاه لابن القاسم وأخذ من المدونة فانظره ثم قوله (فللسيد أخذها) ظاهره وله أن يجيز وليس ذلك على المنصوص بل يجب فسخ نكاحها مطقا والله أعلم.
(ومن استحق أمة قد ولدت فله قيمتها وقيمة الولد يوم الحكم وقيل يأخذها وقيمة الولد وقيل له قيمتها فقط إلا أن يختار الثمن فيأخذه من الغاصب الذي باعها ولو كانت بيد غاصب عليه الحد وولد رقيق معها لربها).
هذه المسألة من الاستحقاق (ع) والاستحقاق: رفع مالك شيء بثبوت ملك قبله أو حرية كذلك من غير عوض فيخرج العتق وغيره وحكمه الوجوب عند تيسير أسبابه في الدفع على عدم يمين مستحقة وعلى غير يمينه مباح كغير الدفع لأن الحلف مشقة وقد ذكر الشيخ في الاستحقاق الأمة بعد ولادتها من يد مشتريها بوجه صحيح ثلاثة هي واضحة في كلامه وكلها لمالك وأول أقواله هو الثاني في الرسالة ثم رجع فقال بالأول فيها وثالثها ليس له إلا قيمة الولد خاصة لثبوت حرية الولد بالأصالة وبه أفتى مالك لما استحقت أم ولده إبراهيم. نقله اللخمي وغيره.
وقال هو آخر قوله وأخذ به ابن كنانة وقال ابن يونس في المجموعة: رجع مالك بعد ذلك القول إلى أخذها مع قيمة الولد ابن كنانة وعليه كان حتى مات. وقوله (إلا أن يختار الثمن) يعني فيكون كالتقرير لبيع الغاصب والله أعلم.
(ومستحق الأرض بعد أن عمرت يدفع قيمة العمارة قائمة فإن أبى دفع إليه المشتري قيمة البقعة براحا فإن أبيا كانا شريكين بقيمة ما لكل واحد).
يعني: أن من استحق أرضا من يد مشتر أو غيره بغاصب وقد تصرف فيها بالبناء والغرس ونحو ذلك فإن المستحق يخير بين دفعه للمستحق من يده قيمة الغرس والبناء قائما أي على ما هو عليه من البناء والغرس ويأخذ الأرض بما فيها من بناء أو غرس أو يترك ذلك الذي بنى أو غرس ويأخذ قيمة أرضه براحا لا شيء فيه برضا الباني أو الغارس فإن أبى المستحق من قيمة الزينة وطلب قيمة أرضه براحا وامتنع صاحبها من ذلك لم يجبر واحد منهما ويقضي باشتراكهما بالقيمة.
(س) اختلف في الباني والغارس على قولين:
أحدهما: أن يكونا شريكين بقدر ما بنيا به ذلك البناء وفي صفته وهو أشهر القولين.
والقول الثاني: وهو المشهور أيضا أن يكون شريك ما زادت قيمة البناء والغرس
في قيمة الأرض براحا وفي تقييد الجزولي المبيع هذا كله ما لم يسرف في البنيان فأما إن أسرف فإنما يأخذ قيمة المعتاد ويسقط الزائد وقيل له قيمة بنائه مطلقا أسرف أم لا. المازري في كون قيمة بنائه يوم البناء أو يوم المحاكمة قولان وعند الجزولي القيمة معتبرة يوم الحكم عند ابن القاسم وقال أشهب يوم البنيان فانظر ذلك.
(والغاصب يؤمر بقلع بنائه وشجره وزرعه إن شاء أعطاه ربها قيمة ذلك النقض والشجر ملقى بعد قيمة أجر من يقلع ذلك ولا شيء عليه فيما لا قيمة له بعد القلع والهدم)
الأصل فيما ذكر قوله عليه الصلاة والسلام " ليس لعرق ظالم حق". روي- بكسر المهملة وسكون الراء قبل القاف- وبفتحها من العرق الذي هو مظنة التعب والخدمة قال والعرق الظالم كل ما احتفر أو غرس بغير حق وقال ربيعة: العرق الظالم ظاهر وباطن فالظاهر: ما بناه في أرض غيره والباطن: ما غرس أو أحتفر في ذلك.
الأبهري وإنما قلنا له قيمته منقوضا لأنه لم يبن بإذن صاحب الأرض فكان المقال لصاحب الحق لأنه اضر به ورفع الضرر واجب وهذا بخلاف من دخل بوجه جائز كما تقدم ومعنى قوله ملقى يعني مقلوعا فيعتبر الشجر حطبا والبناء أنقاضا وما لا قيمة له بعد القلع كالجبس والزواق ونحوه ولا يحسب.
وقوله: 0بعد قيمة أجر من يقلع ذلك) هو المشهور. وحكى ابن رشد عن ابن
دحون أن مذهب ابن القاسم لا يحط من ذلك أجرة القلة الهدم قال وهو مذهب المدونة فانظره قال بعضهم ولم يتكمل الشيخ على امرأته وفي الأمة يحتاج إلى تفصيل وفي فصول اختلاف فانظره وبالله التوفيق.
(ويرد الغاصب الغلة ولا يردها ما غير الغاصب).
قد تقدم نحو هذا في باب الشفعة وفي كتاب الغصب من المقدمات تحصيل الاختلاف في الغلال أنها على ثلاثة أقسام:
الأولى: غلة متولدة من الشيء المغصوب على خلقته وهيئته كالولد فإنه يرد مع الأم بلا خلاف وإن ماتت الأم كان مخيرا بين الولد وقيمة الأم.
الثاني: غلة متولدة منه على غير هيئته وماهيته كاللبن والصوف والثمر وفيها قولان:
أحدهما: أن ذلك للغاصب لضمانه لقوله عليه الصلاة والسلام " الخراج بالضمان".
والثاني: أنه يردها إن كانت قيمة أو قيمتها إن ادعى تلفها ولم يعرف ذلك إلا من قوله مع يمين المغصوب فإن تلف الشيء المغصوب كان مخيرا بين أن يضمنه القيمة ولا شيء له في الغلة أو يأخذه بالغلة ولا شيء له في القيمة.
الثالثة: الغلة التي هي غير متولدة عن الشيء المغصوب وهي الأكرية والخرابات وشيئ ذلك فاختلفوا فيها على خمسة أقوال: نذكرها ثم قال وهذا كله فيما اغتل من العين المغصوبة مع بقائها وقيامها وأما ما اغتل منها بتفويتها وتصريفها وتحويل عينها كالدنانير والدراهم بالتجارة والزرع بحرث ونحو ذلك، فهي له قولا واحدا ولو قصد غصب الغلة دون الرقة وكان ضامنا لها قال وقد تقدم في بيع الخيار أن كل من دخل بوجه جائز لا يضمن الغلة وأن الولد جزء لا غلة وفي الصوف ونحوه اختلاف بخلاف اللبن والله أعلم.
(والولد في الحيوان وفي الرقيق إذا كان الولد منغير السيد يأخذه المستحق للأمهات من يد مبتاع أو غيره).
المشهور أن الولد جزء لا غلة فيرد مع أمه إذا استحقت مطلقا ولأنها تقوم في أم الولد وقال السيوري غلة فلا يرد ومن اشترى عالما بالغصب فله حكم الغاصب لأن المباشر في ذلك كالأصلي فيه وإن اختلف إن مات الولد قبل الحكم على الغاصب فقال ابن القاسم لا يغرم شيئا من قمية الولد وقال أبو حنيفة وقال أشهب والشافعي يغرم الغاصب قيمة الولد فانظر ذلك.
(ومن غصب أمة ثم وطئها فولده رقيق وعليه الحد).
تكرر الكلام على هذه المسألة الجزولي إضافة الولد للغاصب يؤذن بلحوق نسبه وقال عبد الوهاب ولد الزنا لاحق بأمه قال: ويحتمل أن يكون إنما إضافة لشبهته وأنها لو كانت بنتا حرمت عليه عند ابن القاسم ولم تحرم عليه عند ابن عبد الحكم وهو صحيح مذهب الشافعية وقال سحنون هو خطأ صراح قلت وقد يكون إطلاقه بعرف التخاطب فلا تبنى عليه الأحكام وهو الظاهر والله سبحانه أعلم.
(وإصلاح السفل على صاحب السفل والخشب للسقف عليه وتعليق الغرف عليه إذا وهي السفل وهدم حتى يصلح ويجبر على أن يصلح أو يبيع ممن يصلح).
يعني: أنها إذا كانت دارا لرجلين علوها لأحدهما وسفلها للآخر فانهدمت وجب على صاحب السفل إصلاح سفله ليتمكن صاحب العلو من إصلاح علوه وسمع أصبغ من أشهب باب الدار على صاحب السفل ولو انهدم السفل لسقوط العلو عليه ففي المدونة يجبر رب السفل على أن يبني أو يبيع اللخمي: ولو انهدم العلو فانهدم السفل لسقوطه عليه وكان ذلك سبب الانهدام وبناء العلو وصاحب السفل حاضر عالم ساكت فلا ضمان على صاحب العلو وانظر بقية تفصيله.
وأما كون الخشب للسقف عليه فلأنه ستاره وقد أضاف الله تعالى السقف للأسفل فقال تعالى {لبيوتهم سقفا} [الزخرف: 33] وسمع ابن القاسم في رجلين بينهما منزل لأحدهما علوه وللآخر سفله فانكسر السقف الأدنى سقف البيت فقال على رب البيت إصلاح خشبه وجريده ابن رشد مثله في المدونة ولا خلاف فيه والمراد بالتعليق حمله على خشب ونحوها والغرف جمع غرفة وهي ما ارتفع من بيوت المنزل
ومعنى (وهي): ضعف ضعفا شديدا فلم يبق له قوة حمل.
وفي العتبية: إنما كانعليه التعليق لأن عليه أن يحمل على بناء أو تعليق قال فيها وكذلك لو كان على العلو فتعليق العلو على الثاني على الأوسط وحكى اللخمي قولا على أنه على ذي العلو ابن شعبان إلا أن يهدمه من حاجة (ع) جواز هدمه من غير حاجة وفي النوادر: ليس لرب السفل هدمه إلا من ضرورة.
وقوله (أو يبيع ممن يصلح) قال سحنون: إنما يجوز البيع بشرط الإصلاح إذا كان البائع لا مال له وإلا لم يجز يريد ويجبر على الإصلاح كما نقله ابن يونس وقال ابن القصار: يجبر مطلقا إلا أن يختار صاحب العلو بناءه من ماله أو يمنع رب السفل من النفع به حتى يعطيه ما أنفق والله أعلم.
(ولا ضرر ولا ضرار)
هذا لفظ حديث رواه مالك وغيره وهل معناه لا تضر أحد ولا يضرك أحد أو على معنى التأكيد لا تضر ولا تضر وقاله ابن حبيب وقيل: لا يلزمك الصبر على إضار غيرك وقيل: الضرر ما لك فيه منفعة ولغيرك فيه مضرة والضرر ما لغيرك فيه مضرة ولا نفع لك فيه وقيل: الضرر من أحد الجارين والضرر منهما لهما وقيل: لا تضر ولا تتسبت في الضرر هذا هو الأصوب والله أعلم.
(ولا يفعل ما يضر بحاره من فتح كوة قريبة يكشف جاره منها أو فتح باب قبالة بابه أو حفر ما يضر بجاره في حفره وإن كان في ملكه).
ما ذكر من تفاصيل دفع الضرر ووصف الكوة بالقريبة شرط فلو كانت بعيدة لا يوصل إل الكشف منها إلا بتكلف لم يؤمر بغلقها ومن نظر منها منع وأدب إن ثبت قصده لذلك.
وقد كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه يوقف على سرير فإن كشف البيت منع وإلا فلا والله أعلم، وظاهر كلام الشيخ أو فتح باب قبالة بابه وإن كانت السكة نافذة وهو قول سحنون والأظهر حمله على غير النافذة ليوافق المدونة وذكر ابن رشد: في فتح الباب في السكة الغير النافذة ثلاثة أقوال: المعمول به منها المنع مطلقا إلا
أن يأذن فيه جميع أهل الزقاق وقاله ابن زرب: واقتصر عليه المتيطي وأما حفر البئر فقال ابن القاسم في المدونة: إذا غارت بئر جاره بحفر بئر في داره لزم هدم بئره وقال أشهب: لا يمنع فانظر ذلك وفي المسألة فروع كثيرة فانظرها وبالله التوفيق.
(ويقضى بالحائط لمن إليه القمط والعقود).
القمط: جمع قماط الجوهري: الأصل الحبل الذي يشد به قوائم الشاة عند الذبح وكذا ما يشد به الصبي في المهد وقال غيره: القمط معاقد الحيطان والعقود عبارة عن تداخل الأركان المازري وقد تحاكم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جدار فقضى بالحائط لمن إليه العقود فظاهر كلام الشيخ أنه يقضي به له بغير يمين بناء على أن العرف يقوم مقام الشاهدين وفي السألة قولان.
(ولا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ).
الكلأ مقصور العشب الطرية وقيل واليابسة وقد صح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه النهي عما ذكر ومعناه أن من حفر بئرا بالفيافي لا يحل له منعها خوفا ممن يسقي منها أو يرعى مما حواليها والله أعلم.
(وأهل آبار الماشية أحق بها حتى يسقوا ثم الناس فيها سواء).
عبد الوهاب يعني الآبار المحتفرة في الفيافي وحيث لا يملكها وروى ابن القاسم في المجموعة: لا تورث بئر الماشية ولا تباع ولا توهب وسمع القرينان لا تباع مياه المواشي إنما يشرب منها أبناء السبيل ولا يصلح فيها غطاء ابن رشد والآبار والمواجن والجباب يصنعها الرجل في الفيافي للماشية وهو أحق بما يحتاج لماشيته ويدع الفضل للناس والله أعلم.
(ومن كان في أرضه عين أو بئر فله منعها إلا أن تنهدم بئر جاره وله زرع يخاف عليه فلا يمنعه فضله واختلف هل عليه في ذلك ثمن أم لا).
ما ذكر في العين والبئر هو معروف المذهب (ع): الأظهر لا خلاف أن رب الماء المستخرج يحفر في أرضه هو أحق به كالماء في الآنية وذكر غيره عن يحيى بن عمر ليس له منعها إلا أن تنهدم بئر جاره حملا للحديث على عمومه ونحوه في العتبية عن يحيى بن يحيى فانظر ذلك وإنما تلزمه إعارة جاره بشروط ثلاثة أن يكون قد زرع على بئره وأن تكون قد انهدمت بنفسها وأن يأخذ في البناء فإذا انخرم شرط لم يلزمه ولكها مأخوذة
من كلام الشيخ.
وقوله: (فلا يمنعه) أي: ويقضي عليه به قال مالك وقال عيسى يؤمر به ولا يقضى عليه والخلاف في الثمن قال في البيان قولان في المدونة ابن رشد إن كان يجد ثمنا وإلا فلا ثمن قولا واحدا والله أعلم.
(وينبغي أن لا يمنع الرجل جاره أن يغرز خشبة في جداره ولا يقضي عليه بذلك).
يعني لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن منع ذلك متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ويروى في الحديث بضم أوله على الجمع وبفتحات آخرهن تاء منونة على الإفراد وحمله مالك وجماعة من العلماء على الندب رجوعا للأصل وهو عدم التزام في التصرف في ملك ليس له من غير ضرورة فادحة والعموم لا يفيد الضرورة بل هو من حق الجواز المندوب إليه وعليه حملت رواية أبي هريرة رضي الله عنه وهل جدار المسجد كغيره يجوز ويندب وبه أفتى ابن عات أو يمنع وبه أفتى ابن العطار وابن مالك فانظر ذلك.
(وما أفسدت الماشية من الزرع والحوائط بالليل فذلك على أربابها ولا شيء عليهم في فساد النهار).
هذا قول مالك والشافعي وقال الليث بن سعد ويحيى بن يحيى من أصحابنا بضمانها ليلا ونهارا من أصحابها وسمع أشهب سواء كان محظرا أو غير محظر ابن القاسم: وجميع الأشياء في ذلك سواء الحمام والنخل وغيره الباجيك المواضع ثلاثة أضرب: أضرب يتداخل فيه المزارع فهذا الذي يكون فيه الليل على أصحاب المواشي والنهار على أصحاب الزرع وضرب تنفرد به المزارع والحوائط وليس بمسرح وهذا لا يجوز إرسال المواشي فيه وما أفسدت ليلا ونهارا فعلى أربهابها، وضرب جرت عادة الناس بالإرسال فيه فأحدث فيه رجل زرعا من غير إذن الإمام في الإحياء فلا ضمان على أهل المواشي ليلا أو نهارا.
وفي المدونة: عن أصبغ ليس لأهل الماشية أن يخرجوها إلى قرب الزرع بغير ذواد وعليه أن يذودها من الزرع فإذا بلغوا المرعى سرحوها ما شذ منها إلى الزرع لا يضر فاعرف ذلك وانظره.
(ومن وجد سلعته في التفليس فإما حاصص وإلا أخذ سلعته إن كانت تعرف بعينها وهو في الموت أسوة الغرماء).
ما ذكره في حديث الموطأ وغيره من قوله صلى الله عليه وسلم عياض ومعنى التفليس: العدم وأصله من الفلوس أي صار صاحب الفلوس بعد إن كان صاحب الذهب والفضة ثم استعمل في كل من عدم المال وحقيقته الشرعية قال (ع): التفليس الأخص ما منع دخول دين سابق عليه على لاحق عليه بعده بحكم الحاكم بخلع كل مال من يده لغرمائه عن قضاء ما لمزمه فخرج بخلع إلى آخره خلع كل ماله باستحقاق عليه موجبه منع دخول دين سابق عليه انظر بقيته إن شئت وظاهر كلام الشيخ أنه: يحاصص كانت من بيع أو قرض وقاله الأصيلي أبو محمد قال ابن رشد هو المشهور وقاله مالك وجميع أصحابه ورواه ابن القاسم وقال به. وقوله (سلعته) يعني: بعينها وصفتها لم تتغير عن حالها ولا فاتت من يد صاحبها ومعنى حاصص دخل مع الغرماء في جملة المال حتى أخذ نصيبا على نسبة ماله منه ثم إن بقي له شيء كان فيه متبعا ذمته وإن اختار سلعته لم يتبع بشيء وكأنه رضي بفسخ بيعه هذا كله إن كانت السلعة مما تعرف بعينها كالدواب والرقيق والحيوان والثياب ونحوها من ذوات القيم فأما ذوات الأمثال كالزيت والقمح فليس فيه إلا الحصاص ما لم تشهد بينه بأنه فرغ زيته في هذه الجرة أو قمحه في هذه المطمورة كان وحده أو مع غيره فإنه يخير مع المكيلة أو الحصاص والله أعلم.
(والضامن غارم لما ضمن وحميل الوجه إن لم يأت به غرم حتى يشترط أن لا يغرم).
ابن الحاجب الضمان شغل ذمة أخرى بالحق وتبعه (خ) واعترض بوجوه يطول جلبها وقد قال عليه الصلاة والسلام: " الزعيم غارم" يعني الضامن فيقال: ضامن وزعيم وأدين وقبيل وحميل هذه صيغة وشرط الضمان أن يكون من أهل التبرع وظاهر كلام الشيخ أن لرب الدين مطالبة الضامن وإن كان المدين حاضرا مليا وهذا قول مالك الأول؛ وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
ثم رجع مالك فقال: ليس له الأخذ من الضامن إلا بعد تعدد الاستيفاء من الغريم وهذا الذي يجب حمل كلام الشيخ عليه فإن صرح به بعد هذا فلو غاب الغريم ففي
تعجيل غرم الحميل والتلوم له قولان لابن القاسم ابن رشد هما على قولي مالك الأول والثاني وفي حمل الغريم على الملأ وعلى العدم قولان لابن القاسم وسحنون ولوشرط أنه يأخذ بحقه من شاء منهما فأربعة مشهورها له شرطه وقوله: (وحميل الوجه) إلى آخره: قال عبد الوهاب: هذا مبني على جواز الحميل بالوجه وهو قولنا وقول أبي حنيفة خلافا للشافعي وشرطه أنه لا يغرم لعدم إحضاره بل يلزمه البحث عنه بالغاية ثم إذا عجز فلا شيء عليه ومسائل الباب كثيرة فانظرها.
(ومن أحيل بدين فرضي فلا رجوع له على الأول وإن أفلس هذا إلا أن يغره منه).
الإحالة: نقل دين من ذمة إلى ذمة تبرأ به الأولى وشرطها رضى المحيل والمحال لا المحال عليه عياض: وهي عند الأكثر رخصة لأنها مبايعة مستثناة من الدين بالدين والعين بالعين غير يد بيد لأنها معروف قال وفي حمل الأمر به على الندب والإباحة قولان للأكثر وبعضهم والأمر بها في قوله صلى الله عليه وسلم: " مطل الغنى ظلم ومن أحيل على ملئ فليتبع".
نكتة صوفية:
قال القضاي أبو بكر بن العربي قوله تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} [هود:6] إحالة على الله ومن أحيل على مليء فليتبع والمشهور عدم اعتبار رضا المحال عليه إذا رضى المحيل والمحال وقد ذكروا للحوالة شروط ستة أولها: رضا المحيل والمحال لا المحال عليه وقيل: والمحال عليه وكونها بدين ثابت في الذمة أو آيل إلى الثبوت وتجانس الدينين وإلا كان فسخ دين ونحوه حضور المحال عليه وإن لم يشترط قبوله وإقراره بالدين قاله بان فتحون للخروج من خلاف شرط ما فيه خصومة إذ فيه قولان: لابن القاسم وعبد الملك.
وصيغتها إذ وقع في العتبية من قول ابن القاسم في المطلوب يذهب بالطالب إلى غريم له فيأمره بالأخذ منه ويأمر الآخذ بالدفع إليه فيتقاضاه فيقضيه البعض أو لا يقضيه شيئا، إن للطالب أن يرجع على الأول لأنه يقول ليس هذا احتيالا وإنما أردت أن أكفيك التقاضي وإنما وجه الحول أن يقول: أحيلك بحقك على هذا وأبرأ إليك به.
وقوله (إن أفلس ظاهره): طرأ الفلس أو كان قديما ثم ظهر إلا أن المحيل غير عالم به وفيه خلاف.
المازري: ولا أعلم نصا في جحود المحال عليه أصله الدين الذي وقعت الحوالة فيه وقاله غيره إن ذلك لا يوجب الرجوع إلى المحيل لأنه فرط إذا لم يشهد على المحال عليه قال مالك: ولا يلزم المحال الكشف عن ذمة المحال عليه هل هو غني أم لا بخلاف الدين المستقر في الذمة وفرق بأن الإحالة معروف وهذا الدين مبني على المكايسة ورفع الضرر بما أمكن.
وقوله: (إلا أن يغره منه) يعني: بحيث كان عالما بعدم المحال عليه ثم أحاله عليه قصدا لذلك ولو أخبره بفلسه فرضي به منه لزمه وسمع سحنون من المغيرة. أن شرط المحال على المحيل أنه إن أفلس عليه رجع إليه فله شرط ابن رشد اتفاقا قال وهذا صحيح لا أعلم فيه اختلافا أي وفيه نظر لأنه شرط مناقض للعقد فانظر ذلك.
(وإنما الحوالة على أصل دين وإلا فهي حمالة).
وقد تقدم من شروط الحوالة أن تكون بدين ثابت في الذمة أو آيل إلى الثبوت فإذا لم يكن دين فهي حمالة أي ضامن يرجع به على الغريم أو حميل يتبرع به عنه فهي إذا ثلاثة الحوالة والحمالة والحمل.
(ولا يغرم الحميل إلا في عدم الغريم أو غيبته).
يعني: أن مما يفرق بين الحمالة والحوالة أن الحوالة يغرم على كل حال والحمالة إنما يغرم في عدم الغريم أي كان حميلا بالمال أو بغيبته إن كان حميلا بالوجه أو بالمال وقد تعذر الاستيفاء منه أو كان حميلا في جميع الأحوال والله أعلم.
(ويحل بموت المطلوب أو تفليسه كل دين عليه ولا يحل ما كان له غيره).
أما حلول ما عليه فلخراب ذمته في الفلس بوجوب المال للغرماء وفي الموت بانتقاله للورثة وما ذكر الشيخ من حلول دينه المؤجل بفلسه هو المشهور من أربعة حكاها (ع) فانظره.
وإنما لا يحل الذي له على الناس لقيام ذاته مع عدم دخول الآفة على ذممهم والله
أعلم وشروطه الحجر على المفلس وما يعامل به يطول ذكرها نعم لا يحرم ماله إلا بعد الحجر عليه والحكم بذلك وفيما بين الحكم والحجر والقيام اختلاف فانظره.
(ولا تباع رقبة المأذون فيما عليه ولا يتبع به سيده).
العبد المأذون له في التجارة كالحر فيما بيده وسيده فيه أجنبي فلا تباع رقبته في دينه على المشهور خلافا لسحنون وسيده أسوة الغرماء فيما بيده إن عامله بشيء وليس له فعل ما لا مصلحة للمال فيه وأجازه فيه وأجاز ابن القاسم قراضه وإنما لا يتبع سيده بما عليه لأنه ظلم إذ لم يتسبب فيه بوجه والله أعلم.
(ويحبس المديان ليستبرأ).
ظاهر كلامه وإن كان مجهول الحال قال مالك ولا يحبس في الدين حر ولا عبد إذا لم يتبين لدده أن يكون غيب ماله ولكن يستبرأ أمره إلا أن يحبسه قدر تلومه في اختباره وكشف حاله أو يأخذ عليه حميلا بذلك يعني بالوجه: قال التونسي: فإن لم يجد شيئا ولا يغيب شيئا لم يحبسه ويحبس من اتهم أن يكون غيب مالا ومثل من يقعد من التجار بأموال الناس ويقول ذهبت مني ولا يعلم أهل موضعه أنه أجيج بسرقة أو حرق أو نحو ذلك. فإنهم يحبسون وفي حمل مجهول الحال على الملأ أو على العدم اختلاف.
(ولا حبس على معدم).
يعني لقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: 280] وروي أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يستحلفانه أنه لا يجد قضاء لا في عرض ولا في قرض وأنه إن وجد ليقضين قال ابن فتوح يحلف ليقضينه عاجلا خوفا من التطويل عليه والله أعلم.
(وما انقسم بلا ضرر قسم من ربع أو عقار وما لم ينقسم بغير ضرر فمن دعا إلى البيع أجبر عليه من أباه).
القسمة تسيير مشاع من تمليك مالكين معينا له (ع) وانظر بقيته وذكر عياض أن أقسامها أربعة وتأتي إن شاء الله ومعنى قوله: (وما انقسم) أي: ما قبل القسمة بلا ضرر أشار إلى أن ما فيه ضرر في القسمة كالرحا الواحدة وما في معناها، وصرح به أنه
لا يقسم وما في المقدمات: الذي جرى به العمل عندنا بقرطبة أن الدار لا تنقسم حتى يصير لكل واحد من الشريكين ما ينتفع به ومذهب ابن القاسم عدم مراعاة ضرر الثمن وإنما المراعى عنده ضرر الانتفاع والله سبحانه أعلم.
(وقسمة القرعة لا يكون إلا في صنف واحد ولا يؤدى أحد الشركاء ثمنا وإن كان في ذلك تراجع لم يجز القسم إلا بتراض).
قد تقدم تفسير عياض للقسمة وأنها أربعة أضرب: قسمة حكم وإجبار هي قسمة السهم والقرعة لا تجوز إلا بالتقويم والتعديل والتسوية في الجنس الواحد من غير المكيل والموزون ولا تجوز بتعديل السهام بزيادة دراهم أو غيرها من غير جنس المقسم من أحد الجهتين والمتقاسمين.
الثانية: قسمة مراضاة وتقويم فيما اختلفت أجناسه واتفقت وهي جائزة بغير قرعة ولم يجزها ابن القاسم وغيره بالقرعة لأن القرعة تنافي التراضي وأجازه أشهب وأخذ نحوه من مسألة النخلة والزيتونة في المدونة لابن القاسم.
الثالث: قسمة مراضاة بغير تعديل وحكمها كالبيع في كل وجه ولا يرجع فيها بالغبن ويرجع به في الأولين.
الرابعة: قسمة مهايأة وهي قسمة المنافع بالمراضاة لا بالإجبار والقرعة وهي على وجهين مقاسمة على الزمان ومقاسمة على الأعيان قال وهي جائزة على الجملة لكن تختلف فروعها بما هو معلوم فانظر ذلك.
(ووصى الوصي كالوصي).
يعني إن كان الأصلي بوصية الوصي لا يوصيه القاضي. وقال الشافعي: ليس للوصي أن يوصي كان لأب أو غيره لنا أن الأب أنزله منزلته فكان له من التصرف ما له لأن يد الوكيل كيد الموكل اللخمي: والوصية بالنظر للولد تخص بالأب الرشيد والوصي والحاكم ولا تجوز وصيةالجد بولد الولد والأخ بأخيه واختلف في وصية الأم بولدها فيما يرثه منها إن كان قليلا قال في المدونة كستين دينارا بالجواز والمنع والله أعلم.
(وللوصي أن يتجر بأموال اليتامى ويزوج إماءهم).
أما التجارة بأموالهم فعلى أن يكون الربح لهم والوضيعة عليهم جائزة، وله أن
يدفعه قرضا لغيره على وجه النظر، ولا يجوز أن يتجر به لنفسه، فإن فعل قيل: الربح لهم والوضيعة عليه. وقيل: له الربح وعليه الخسارة، وثالثها: إن كان مليا فالربح له وإن كان معسرا فالربح للأيتام، والله أعلم.
وأما تزويج إمائهم فيريد إن كان على وجه النظر لهم لسقوط النفقة عن اليتامى بلزومها أزواجهم، وفي المدونة: له تزويج الذكور أياض، وقيل: لا، لأنه يصيره مديانا بالصداق، والولد لغيره ويشتغل بالخدمة على الزوجات ويترك الأيتام، قال بعض الشراح: وعلى هذا القول تحمل الرسالة إذ تكلم على الإماء فقط والله أعلم.
(ومن أوصى إلى غير مأمون فإنه يعزل).
يعني أن الأب إذا أوصى رجلا على ولده فظهر أنه لا يؤمن على ماله ونحوه أنه يعزل ولو كان الأب عالما بذلك لأن ذلك حق الولد فشرط ثبوت الوصية بقبولها كون الوصي بالغا عاقلا أمينا قادرا على التصرف بالمال بصيرا بذلك وقال مالك في المدونة لا تجوز الوصية إلى غير عدل (ع) المراد بالعدالة في هذا الفصل الستر لا الصفة المشترطة في الشهادة والمشهور عزل غير الأمين كما ذكره والشيخ وقال المخزومي: لا يعزل ولكن يقام معه غيره واستحسن أصبغ هذا إن ان الوصي مثل القريب والولي ومن يرى أنه يحسن النظر وحصل (ع) في المسألة أربعة أقوال وللخمي فيها تفصيل تفصيل فانظره.
(ويبدأ بالكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث).
يعني: أن للميت في ماله بعد موته ما يجهز به لأنه كالمفلس فيبقى له ما لا بد له منه ثم يعطي الباقي أو بعضه في دين أو إن كان مما تتوجه المطالبة به وهو ثابت بوجه شرعي ثم ينفذ وصاياه على حكم ما تقدم من تبدئه أو حصاص أو غير ذلك إن فضل شيء وله ثلث تخرج منه أو يحبسه ثم بعد ذلك يرث ورثته فيما بقي على كتاب الله وقد تقدم شيء من هذا وهو في الحقيقة من باب المواريث والله أعلم.
(ومن حاز دارا على حاضر عشر سنين تنسب إليه وصاحبها حاضر عالم لا يدعي شيئا فلا قيام له ولا حيازة بين الأقارب والأصهار في مثل هذه المدة).
الدار ليس بشرط والمراد من حاز شيئا من الرباع ومعنى حاز وضع يده عليها وجرى بالتصرف فيها ومفهومه أن الغالب لا يتقيد بما ذكر من المدة وهو كذلك والمدة عشر سنين يعني ولو لم يكن هدم ولا بناء لأن الكلام في حيازة الأجنبي غير الشريك والمشهور أن المدة ما ذكر وقيل لا تحديد بمدة بل باجتهاد الإمام.
وحيازة العروض والحيوان أقل من ذلك وكونها تنسب إليه شرط في صحة الحوز والمحوز عنه يسمع نسبتها للحائز ولا ينكر ولا مانع يمنعه من الإنكار قال ابن المكوي مذهب المدونة كالحيازة القاطعة فلا يمين على الحائز إذا تمت شروطها وصح ثبوتها.
وقول عيسى يحلف خلاف المدونة المازري تصح الحيازة للحاضر بسبعة شروط الحوز ووضع اليد على الشيء المحوز وأن ينسب إليه وأن يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه وأن تطول المدة وأن لا ينازع المحاز عنه في تلك المدة وأن يكون حاضرا عالما بالغا رشيدا لم يمنعه من القيام مانع وفي أمر الأقرباء والأصهار اختلاف وتفصيل فانظر كلام ابن رشد في ذلك كله وبالله التوفيق.
(ولا يجوز إقرار المريض لوارثه بدين أو بقبضه).
يعني لأن حكم الواقع في المرض كله حكم الوصية ولا وصية لوارث ومدار هذه المسائل لانتفاء التهمة وثبوتها فحيث يتهم بمحاباة يمنع ولا يصح وحيث لا فيجوز ويصح وكذا قال عبد الوهاب وغيره وفروع ذلك متسعة فانظرها فإنه يطول على أمرها مع أني محتاج إليها ولأن في تفاصيلها ضرورة يلزم بها تطويلها وبالله التوفيق.
(ومن أوصى بحج أنفذ والوصية بالصدقة أحب إلينا).
يعني: أن الوصية بالحج إذا وقعت أنفذت مراعاة لقول من يقول " من لم يحج حج عنه وليه" ولا خلاف في منعها أعني النيابة في الحج للصحيح القادر في حال الحياة وأجاز ابن وهب حجه عن أبويه العاجزين فقط وكون الوصية بالصدقة أحب إلى العلماء لكونها متفق عليها والمالية المحصنة كالصدقة ونحوها لا خلاف في النيابة فيها وما كان فيه مال وبدن كالحج والجهاد فاختلف فيه الباجي ولا خلاف في منع النيابة في الأعيان وهو صحيح واضح.
(وإذا مات أجير الحج قبل أن يصل فله بحساب ما سار ويرد ما بقي وما هلك بيده فهو منه إلا أن يأخذ المال على أن ينفق على البلاغ فالضمان من الذين واجروه ويرد ما فضل إن فضل شيء).
أجير الحج نوعان مضمون وبلاغ فالمضمون: كسائر الإجارات في الشرط والاسيتفاء وهو الذي ذكر الشيخ أولا وصورته أن يأخذ المال على أن يحج به له غنمه وعليه غرمه فلا يطالب بما يحتاج ولا يرد ما فضل والبلاغ بخلاف ذلك وهو الذي
ذكره آخرا وتفصيل الكلام فيه مذكورة في باب الحج عند غير الشيخ فليراجعه من له به حاجة وبالله التوفيق.
خاتمة:
قصدنا في هذه التعليقة حصول الفائدة بالجملة فلذ
…
لك اعتنينا بأبواب العبادات وأتينا في أبواب الأحكام بما تيسر على أن ما نذكر ولو فعلنا ما فعلنا لا يغني عن مراجعة كتب الشروط والوثائق وهو من شأن القضاة ومن في معناهم فليعتبر ذلك ولا يعترض علينا بتقصير فإنا محله ولا بخروج عن المقصد فإنا موضع الجهل والله الموفق بمنه وكرمه وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم.