المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في البيوع وما شاكل البيوع - شرح زروق على متن الرسالة - جـ ٢

[زروق]

فهرس الكتاب

- ‌باب في الجهاد

- ‌باب في الأيمان والنذور

- ‌باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع

- ‌باب في العدة والنفقة والاستبراء

- ‌باب في البيوع وما شاكل البيوع

- ‌باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

- ‌باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن العارية والوديعة واللقطة والغصب

- ‌باب في أحكام الدماء والحدود

- ‌باب في الأقضية والشهادات

- ‌باب في الفراض

- ‌باب جمل من الفرائض ومن السنن الواجبة والرغائب

- ‌باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك

- ‌باب في الطعام والشراب

- ‌باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله عز وجل والقول في السفر

- ‌باب في التعالج وذكر الرقي والطيرة والنجوم والخصاء والوسم وذكر الكلاب والرفق بالمملوك

- ‌باب في الرؤيا والتثاؤب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي وغير ذلك

- ‌باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات

- ‌باب ما يجب منه الوضوء والغسل

- ‌باب طهارة الماء والثوب والبقعة وما يجزئ من اللباس في الصلاة

- ‌باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه وذكر الاستنجاء والاستجمار

- ‌باب في الغسل

- ‌باب فيمن لم يجد الماء وصفة التيمم

- ‌باب في المسح على الخفين

- ‌باب في أوقات الصلاة وأسمائها

- ‌باب الأذان والإقامة

- ‌باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن

- ‌باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم

- ‌باب جامع في الصلاة

- ‌باب في سجود القرآن

- ‌باب في صلاة السفر

- ‌باب في صلاة الجمعة

- ‌باب في صلاة الخوف

- ‌باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى

- ‌باب في صلاة الخسوف

- ‌باب في صلاة الاستسقاء

- ‌باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت وكفنه وتحنيطه وحمله ودفنه

- ‌باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

- ‌باب في الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله

- ‌باب في الصيام

- ‌باب في الاعتكاف

- ‌باب في زكاة العين والحرث والماشية وما يخرج من المعدن وذكر الجزية وما يؤخذ من تجار أهل الذمة والحربيين

- ‌باب في زكاة الماشية

- ‌باب في زكاة الفطر

- ‌باب في الحج والعمرة

- ‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

- ‌باب في الجهاد

- ‌باب في الأيمان والنذور

- ‌باب في النكاح والطلاق الرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع

- ‌باب في العدة والنفقة والاسبتراء

- ‌باب في البيوع وما شاكل البيوع

- ‌باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

- ‌باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن والعارية والوديعة واللقطة والغصب

- ‌باب في أحكام الدماء والحدود

- ‌باب في الأقضية والشهادات

- ‌باب في الفرائض

- ‌باب جمل من الفرائض والسنن الواجبة والرغائب

- ‌باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك

- ‌باب في الطعام والشراب

- ‌باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله عز وجل والقول في السفر

- ‌باب في التعالج وذكر الرقي والطيرة والنجوم والخصاء والوسم والكلاب والرفق بالملوك

- ‌باب في الرؤيا والتثاؤب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي ويغير ذلك

الفصل: ‌باب في البيوع وما شاكل البيوع

‌باب في البيوع وما شاكل البيوع

البيوع جمع بيع جمع باعتبار أنواعه وتقاسيمه وهي كثيرة، وحقيقته الشرعية نقل ملك إلى ملك بعوض معين على وجه صحيح فخرجت الإجارة بذكر نقل الملك لأنها نقل منافع والكتابة ونحوها بقوله إلى ملك لأنها إلى حرية وبذكر العوض الهبة المجردة والصدقة وبتعيينه هبة الثواب وبالوجه الصحيح الفاسد لأنه لا ينقل الملك على المشهور وإن أردت القول الآخر أسقطت هذا القيد (ع) البيع الأعم عقد معاوضة على غير منافع ولا متعة لذة فتخرج الإجارة والنكاح ويدخل الصرف والمراطلة والسلم وهبة الثواب.

قال: والغالب عرفا أخص منه بزيادة دون مكايسة أحد عوضيه غير هب ولا فضة معين غير المعين فيه فتخرج الأربعة المذكورة والمشاكلة المجانسة والموافقة في الوصف بوجه ما فالمشاكل للبيوع الإجارة والجعل والشركة والقراض والقرض والمساقاة ونحو ذلك من العقود والله أعلم.

(وأحل الله البيع وحرم الربا).

أتى بهذه الآية للدلالة على حلية البيع وهو محل إجماع فلا يحتاج إلى دليل نعم قال عبد الوهاب الأصل في البيوع الحلية حتى يدل دليل على خلافه وإنما يحل البيع إذا تمت شروطه في أركانه وأركانه أربعة:

أولها: الصيغة المعقود بها وهي ما يدل على الرضا الباطن من قول منهما كبعني وبعتك وفعل منهما كأن يعطيه الثمن فيعطيه المثمون وهي المعاطاة وبالقول من أحدهما وهو الاستحباب والفعل من الآخر وهو القبول واحترز بالرضا الباطن من بيع المضغوط فإن رضاه ظاهرا فقط والله أعلم.

الثاني: المعوقد فيه وهو الزمان وشرطه أن يكون خليا عن النهيى بالمطابقة كوقت نداء الجمعة أو بالعموم كوقت صلاة ضاق وقتها إلا أنه في الأول يفسخ على المشهور وفي الثاني لا يفسخ وانظر المقدمات.

الثالث: المعقود عليه وهو الثمن والمثمون وشرطه أن يكون طاهرا منتفعا به مقدورا على تسليمه غير مخصوص بنهي في بيعه أو ملكه معلوم القدر والصفة.

الرابع: عاقداه وهما البائعان وشرطهما التمييز لا لسكر فتردد ولا يلزم منهما إلا

ص: 718

بالغ رشيد بخلاف غيره فإنه يوقف على إجازة وليه والربا قيل كل بيع فاسد وقيل ما فيه زيادة على أمر الله في ثمن أو أجل وفيهما كربا الجاهلية في الديون.

(وكان ربا الجاهلية في الديون أما إن يقضيه وأما إن يربي له فيه).

يعني إذا حل الأجل فإما أن يقضى الذي له أو يزيده في القدر لأجل الزيادة في الأجل وهذا النوع من الربا مجمع على تحريمه وفيه نزل قوله تعالى: {اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا} [البقرة: 278] الآية وقد قال مالك شرب الخمر وأكل الحرام أيسر من الربا لأن الله تعالى قد توعد على أكل الربا بالحرب ولم يقل ذلك في خمر ولا غيره ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل الربا وموكله وشاهديه وقال هم سواء أخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه ويسمى هذا بالنسيئة ومقابله ربا الفضل وهو خاص بالنقود وشيء من المطعومات كما يذكر إن شاء الله.

(ومن الربا في غير النسيئة بيع الفضة بالفضة يدا بيد متفاضلا وكذلك الذهب بالذهب).

ص: 719

أتى بهذا تبينها وردا على من يقول: لا ربا إلا في النسيئة وهو مذهب وقع الإجماع على ترك العمل به لقوله صلى الله عليه وسلم: " الذهب بالذهب وزنا بوزن والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل فمن زاد أو اتسزاد فهو ربا" رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(ولا يجوز ذهب بذهب ولا فضة بفضة إلا مثلا بمثل يدا بيد).

يعني جيد الجنس ورديئه وصحيحه ومكسوره وتبره ومضروبه سواء وتتحقق فيه المماثلة بالمراطلة وهي جعل كل منهما في كفة حتى إذا استويا أخذ كل واحد منهما ما باع به أو بصنجة أو بوزن أحدهما حتى إذا علم وزن الآخر كذلك ثم يأخذ ويعطي بلا مهلة قيل والصنجة أحسن لتحققها وسمع القرينان لا باس بالشاهدين ابن رشد لا فرق بينه وبين غيره (ع) وأظنه المعروف عندنا بالقسطون وهو لا يؤدي إلى تحقيق ويستثنى

ص: 722

مما ذكر السلف للمعروف وإبدال الناقص بالوازن معروف فيما قل والرد في الدرهم والدرهمين ولكل شروط فانظرها.

(والفضة بالذهب ربا إلا يدا ببيد).

هذا هو المسمى صرفا عند الفقهاء، أعني بيع كل منهما بخلاف جنسه منهما وشرطه التناجز فقط كما أنه شرط في الجنس الواحد مع التماثل فلا يجوز فيه تأخير معتبر اتفاقا وحكى اللخمي في يسير التأخير جدا قولين بالتخفيف والكراهة ومنعوا فيه الحمالة والرهن والحيازة واتفاق والوكالة والحوالة ولو في المجلس على المشهور وشرط أشهب التقابض الحسي فلم يجز صرف ما في الذمم ولا مصارفة الذمم والمشهور خلافه.

(والطعام من الحبوب والقطنية وشبهها مما يدخر من قوت أو إدام لا يجوز الجنس منه بجنسه إلا مثلا بمثل يدا بيد ولا يجوز فيه تأخير).

(الحبوب) ذوات السنابل كالقمح والشعير والسلت وذوات الأغلاث: الدخن والذرة والأرز والقطنية ذوات المزاود الفول وذويه سميت بذلك لأنها تقطن في البيوت أي تدوم فيها لقلة استعمالها فمنها الكرسنة على المشهور وقاله أشهب واختاره اللخمي وقال ابن حبيب ليست منها ولابن رشد ليست بطعام إنما هي علف لقول يحيى بن يحيى وابن وهب لا زكاة فيها والقوت ما تقوم به البنية الآدمية والإدام ما يتبع القوت من مصلحاته وهذا نحو ما في الموطأ من قول ابن نافع أن العلة في منع التفاضل الطعمية والادخار والائتدام وحملت أيضا على أن العلة الاقتيات والادخار فقط كلازم قول اللخمي المذهب أن الجوز واللوز ربويان الباجي من جعل العلة الاقتيات والادخار لم يجعلهما ربويين والمشهور أن العلة مجموعهما وعليه الأكثر وحمل عليه ابن رشد المدونة.

وحكى في الجواهر عن بعض المتأخرين أنه المعمول به وقال القاضيات الاقتيات والادخار للعيش غالبا وأنكره اللخمي ومصلحات القوت مثله في علة حكمه وهو المعبر عنه بالإدام فما اجتمعت فيه العلل فربوي اتفاقا وما انتفت منه فلا وما ثبت فيه بعضها اختلف فيه بحبسه وشرح ذلك يطول فانظره ومعنى الربوي الذي لا يجوز التفاضل في الجنس الواحد منه ويمنع التأخير فيه عند بيعه به والله أعلم.

(ولا يجوز طعام بطعام منه إلى أجل كان من جنسه أو من خلافه كان مما

ص: 723

يدخر أو لا يدخر).

ص: 724

يعني أن علة تحريم التأخير إنما ثبت كونه طعاما لا يجوز بيعه بطعام إلا يدا بيد وما ليس بطعام كالصبر والسقمونيا والطلع والكثر وهو البلح الصغير جدا والقضب والقصب والزعفران فليس بربوي حتى قال ابن سحنون يستتاب مانع بيع الزعفران بطعام إلى أجل لأنه لي بربوي إجماعا ورده (ع) بأنه إجماع غير قطعي وإنما يستتاب مانع القطعي واختلف في الحلبة هل هي طعام أو دواء ثالثها الخضراء طعام لا غيرها وهل على ظاهرها أو باتفاقها خلاف والمشهور إلحاقها بالطلع والكثير فليست بربوبة والله أعلم.

(ولا بأس بالفواكه والبقول وما لا يدخر متفاضلا وإن كان من جنس واحد يدا بيد).

يريد الفواكه الخضرة التي لا تدخر بوجه وفيما ادخر بعلاك أو في أفق دون أفق اختلاف كالتين وحب الفجل على المشهور وروى محمد ربوية التين وهو أحد قولي القاضي واستظهر وثالثها لابن نافع يابسها ربوي لا أخضرها ولابن رشد لا يكون حب الفجل ربويا إلا حيث يتخذ لزيته وهو المشهور والله أعلم.

(ولا يجوز التفاضل في الجنيس الواحد فيما يدخر من الفواكه اليابسة ومن سائر الإدام والطعام والشراب إلا الماء وحده).

الفواكه اليابسة كالجوز واللوز والتين إذا اعتبرنا مطلق الادخار إلا أن قيدناه بما يعم ادخاره ولا يدخل البلوط لندور ادخاره، ولأنه مما يوجد بنفسه غير دائم الادخار.

ص: 725

وقد ذكر ابن ناجي أن المعتبر في الادخار ستة أشهر فما فوقها ومن الإدام البصل والثوم والمشهور ربويتهما وقيل فيهما قولان (ع) والليم من مصلحات الإدام بخلاف النارنج ومشهور المذهب ما ذكر من أن الماء غير ربوي لأنه ليس بطعام وإن كان مقتاتا مدخرا.

وروى ابن وهب وابن نافع أبو الفرج لا يجوز بطعام إلى أجل فأخذ منه عبد الوهاب ربويته ووهم لأن غير الربوي كذلك وأجيب بأن علة انتفاء الربوية كونه ليس بطعام فلما أعطي حكمه لزم أن يكون مثله في الربوية لوجود شروطها والله أعلم.

(وما اختلف أجناسه من ذلك من سائر الحبوب والثمار والطعام فلا بأس بالتفاضل فيه يدا بيد ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد منه إلا في الخضر والفواكه).

هذا إجمال بعد تفصيل وتحصيل بعد توصيل وقد ذكر ابن أبي جمرة في حديث: " ثلاثة من كن فيه وجد حلاوة الإيمان" والسنة في إلقاء العلم إن شاء الله الإجمال بعد التفصيل والتفصيل بعد الإجمال ليقع الفهم والتحصيله وجملة هذا الفصل دائر على حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: " الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيدا" رواه مسلم وعليه عمل الكافة ثم اختلفوا في قصرا الحكم عليها وتعدية ما ذكر فيها بجامع حكمته فذهب الظاهرية لقصر الحكم عليها وذهب الحنفي إلى أن العلية الكيل والوزن والشافعي الطعم في المطعومات والثمنية في النقود، وقيل العلية في الثمنية وعلى الأول تدخل الفلوس وعلى الآخر لا تدخل والقولان في المذهب وفي المذهب في غيرها طريقان إحداهما تفصيلية ففي البر الاقتيات وكذا الشعير للضرورة وفي التمر التفكه وأنكر لأنه كان قوتا في زمنه عليه السلام وفي الملح الإصلاح للقوت وفي معنى الملح كل ما يشاركه في علته واستظهر ابن بشير هذه الطريقة والثانية إجمالية فقال القاضي إسماعيل الاقتيات وروى اللخمي الادخار غالبا والمشهور مجموعهما وقد تقدم.

(والقمح والشعير والسلت كجنس واحد فيما يحل فيه ويحرم).

ص: 726

(السلت): حب يشبه الشعير المقشور في صورته ويقرب من القمح في لونه وطعمه يعرف بشعير النبي عند أهل المغرب ولم يختلف قدماء أهل المذهب في كون الشعير والقمح جنسا واحدا وخالف فيه السيوري وعبد الحميد فجعلاه غيره كالشافعي والكافة (ع) وفي أجراء الخلاف في السلت مثلهما نظر والأظهر عدمه ألحق ابن حبيب العلس وهو حب صغير يقرب من خلقة البر، وألحق ابن وهب الدخن والذرة الأرز قائلا إنها جنس وهو مذهب الليث فلعله سرى إليه من قراءته عليه

ص: 727

والمذهب عدم إلحاقها وأنها أجناس والله أعلم.

(والزبيب كله صنف والتمر كله صنف).

يعني أن أعلاه وأدناه واحد في البيوع وقد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا على خيبر فأتاه بتمر جنيب فقال عليه السلام: " أكل تمر خيبر كذا؟ ".

قال: لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع منه بالصاعين الصاعين بالثلاثة فقال: " لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا".

أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما وألحق القاضي أبو بكر الباقلاني الزبيب بالتمر فجعلها جنسا واحدا الباجي: والتين كله صنفه أي لا يجوز فيه التفاضل على القول بربويته والله أعلم.

(والقطنية أصناف في البيوع واخلف فيها قول مالك ولم يختلف قوله في الزكاة أنها صنف واحد).

فالفول والترمس والجلبان والعدس واللوبيا والحمص والبسلة والكرسنة كل ذلك أجناس يجوز التفاضل فيها على المشهور وهو المرجوع عنه في المدونة والمرجوع إليها أنها صنف واحد.

وفي الموازية الذي ثبت عليه مالك وقال أصحابه أنها أصناف إلا اللوبيا مع الحمص والبسلة مع الجلبان وما قاله من عدم اختلاف قوله في الزكاة يعني في المدونة وإلا فقد وجد في الموازية ما يدل للقول بأنها أصناف في الزكاة وقد تقدم إلحاق الكرسنة بها.

(ولحوم ذوات الأربع من الأنعام والوحش صنف ولحوم الطير كله صنف ولحوم دواب الماء كله صنف).

ص: 728

لا يباع شيء من ذلك بجنسه إلا مثلا بمثل يدا بيد وقاله ابن عبد السلام لقول الشافعي في ذوات الأربع والطير والنعام من الطير اللخمي واختلف في التفاضل في البيض فمنعه مالك ورآه مدخرا وحكى ابن شعبان فيه الجواز والمنع ونص غيره على أن المشهور المنع وفي تهذيب الطالب عن الموازية البيض كله صنف النعام والطاووس فما دونهما مما يطير أو لا يطير يستحيا أو لا يستحيا صغيره وكبيره لا يباع إلا مثلا بمثل تحريا وإن اختلف الأعداد والمشهور استثناء قشر بيض النعام لأنه سلعة على حدته وغير مستهلك.

عبد الوهاب والجراد جنس وحده لا من الطير ولا من الحوت وأجاز في المدونة التفاضل بينه وبين الحوت وهذا كله النيئ وفي جنسيه المطبوخ من جنسين قولان وشهر عبد الحق اتحادهما كالخبزين (ع) وظاهر المدونة أن طبخه بالماء واللملح لغو وفي مصلوق الفول والترمس بيابسه متافضلا ثالثها يجوز في الترمس فقط.

(وما تولد من لحوم الجنس الواحد من شحم فهو كلحمه).

يعني أن الشحوم تابعة للحومها لأنها متولدة عنها والفرع تابع لأصله فلا يجوز شحم بشحم من جنسه إلا متماثلا وكذلك الشحم باللحم والمذهب أن الأمراق المختلفة باللحوم المطبوخة جنس وقيل إلا ما غلب عليه الشحم واللحم إلا أن يكون تغييرها بدخول إبزار ونحوه عليها فإنه تصير به جنسا آخر والله أعلم.

ص: 729

(وألبان ذلك الصنف وجبنه وسمنه صنف).

يعني الألبان كلها صنف ما له زبد وما لا زبد له يباع بعضه ببعض متماثلا ولو اختلف زبدها أو كان أحدهما لا زبد له كلبن الإبل بلبن البقر على المشهور اعتبارا بالمنفعة الحالية ومنعه أبو الفرج بكل وجه للمزابنة والمخيض والمضروب بمثله متماثلا جائز اتفاقا والمشهور منعه متفاضلا نص عليه ابن الفاكهاني.

و (الجبن) بضم الجيم والموحدة مضمومة مع شد النون أو مسكنة مع تخفيفها معلوم وجواز بعضه ببعض متماثلا واضح إن تحقق التماثل والسمن بمثله جائز بخلاف اللبن بأحد هذه لأنها تكون منه فيمنع متماثلا ومتفاضلا للمزابنة و (الزبد) بالسمن من باب الرطب باليابس وكذلك الأقط باللبن فيمنع الخمس باللبن والأقط كذلك والله أعلم.

(ومن ابتاع طعاما فلا يجوز بيعه قبل أن يستوفيه إذا كان شراؤوه ذلك على كيل أو وزن أو عدد بخلاف الجزاف وكذلك كل طعام أو إدام أو شراب إلا الماء وحده).

الابتياع شرط وكذا ما في معناه من الإجارة ونحوها والمقصود أن من ملك طعاما على معاوضة فلا يبيعه ولا يعاوض عليه حتى يستوفيه بخلاف ما ملك من غير معاوضة كالهبة والصدقة والإرث والحرث والسلف فإنه يجوز بيعه قبل قبضه وكذا من أخرجه بغير عوض فإنه يجوز وإن كان مبتاعا له فلا يجوز فالبيع شرط في الوجهين وكونه طعاما شرط فيجوز بيع غيره قبل القبض بأي وجه ملك والكيل ونحوه شرط بخلاف الجزاف فإنه يجوز بيعه قبل نقله على المشهور.

وروى الوقار منعه حتى ينقل وهو نص حديث وقاله ابن حبيب في كل مبيع وفيه حديث وأفاد بقوله (كل طعام) دخول الربوي وغيره وهو المشهور خلافا لرواية ابن وهب في اشتراطه وفي مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يكتاله" الحديث وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه: " لأنه دراهم بدراهم" والطعام مرجا وعلله أهل المذهب بربح ما لم يضمن واستثناء الماء لأنه ليس بطعام وقد تقدم.

(وما يكون من الأدوية والزراريع التي لا يعتصر منها زيت فلا يدخل ذلك

ص: 730

فيما يحرم من بيع الطعام قبل قبضه أو التفاضل في الجنس الواحد منه).

هذا أصل يرجع إليه فيما هو طعام وما لا المازري والنكة التي تدور عليها فروع هذا الباب هي اعتبار الغرض في مقتضى العادة في الطعام هل يدخل للدواء أو العلاج أو لإصلاح القوت أو للاقتيات أو للائتدام؟ قال الكل ربوي إلا الأولين لأنهما ليسا بطعام في جري العادة.

وفي المدونة يجوز بيع زريعة الفجل الأبيض والصلق والكراث والبصل والحرقر وهو البطيخ الأصفر وشبهه قبل قبضه لأنه ليس بطعام وإن أنتب طعاما فأما زريعة الفحل الذي يخرج منه الزيت فلا يجوز بيعه قبل أن يستوفيه لأن هذا طعام ألا ترى أن الزيت فيه ابن رشد هذا في البلد الذي يخرج فيه. اللخمي واختلف في التوابل فمذهب المدونة أنها طعام وروى ابن شعبان ليست بطعام وقال ابن القاسم الشمار وهو النافع عندنا والبسباس عند إفريقية والينسون هو الحبة حلوة والكمونان الأسود وهو الشونيز والأخضر وهو المر هذه الأربعة طعام يجري فيها الربا.

وقال أصبغ وابن المواز أدوية وروى أشهب كل واحد منها صنف وعن ابن القاسم كلها صنف وعنه الأولان صنف والكمونان صنف ابن حبيب الحرف ليس بطعام وألحق (ع) الليم بالطعام المدخر لأنه من مصلحات إدامه بخلاف النارنج والزنجبيل بالفلفل لأنه مصلح مثله وهو واضح.

(ولا بأس ببيع طعام القرض قبل أن يستوفيه).

وكذلك الموروث والموهوب والمتصدق به لأنه ملك من غير عوض، بخلاف ما كان إجازة أو عوضا عن شيء قال في الواضحة والموازية ما يأخذ القضاة والمؤذنون وصاحب السوق والكتاب زاد في البيان والجند والأعوان فلا يباع حتى يستوفى وما كان لغلة أو عطية أو هبة أو ميراث فقال مالك في العتبية ومثل ما فرض عمر لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس أن يباع قبل قبضه وفيما يفرض صداقا قولان ابن عبد السلام وما يفرض من نفقات الزوجات أخف منه ورده (ع) فانظر ومعن الفرض هو السلف والله أعلم.

(ولا بأس بالشركة والتولية والإقالة في الطعام المكيل قبل قبضه).

(الشركة) الإدخال في الصفقة ببعضها و (التولية): إخراج المبيع لغير ربه

ص: 731

و (الإقالة): ارجاعة لربه وشرط الكل: أن يكون بمثل الثمن وصفة عقده وإلا صار بيعا مستأنفا وأن لا يشترط على الشريك والمولي أن ينقد عنه الكل أو البعض غير حصته لأنه سلف جر منفعة وما ذكر في الشركة هو المشهور وروى أبو الفرج لا شركة في طعام حتى يقبض والإقالة جائزة اتفاقا واختلف في إلحاق التولية فيها أو بالشركة على قولين وإنما أبيحت هذه الثلاث لما دخلها من المعروف وقد روي استثناؤها في حديث من مراسيل سعيد بن المسيب والله أعلم.

تحصيل:

فإن بعض الشيوخ بيع الطعام قبل قبضه على ثلاثة أقسام جائز وممنوع ومختلف فيه، فالجائز بيعه أربعة طعام القرض والإرث والصدقة وهبة غير الثواب، والممنوع بيعه أربعة المشتري على التوفية من كيل أو وزن أو عدد والمستأجر به والمصالح به في دم عمد وطعام النكاح أي المجعول صداقا ونحوه وفيه خلاف والختلف فيه أربعة المصالح به في الخطأ والمكاتب به ومعروف المعلم والمبيع جزافا والله أعلم.

(وكل عقد بيع أو إجارة أو كراء بخطر أو غرر في ثمن أو مثمون أو أجل فلا يجوز).

(عقد البيع) ما كان لتمليك الرقبة و (الإجارة) العقد على منفعة الحيوان العاقل و (الكراء) على منفعة ما لا يعقل من حيوان أو غيره وما لم يتيقن وجوده كقوله بعني فرسك بما أربح غدا فقد يربح وقد لا و (الغرر) ما يتيقن وجوده يش في تمامه كبيع الثمار قبل بدو صلاحها قاله المتيوي ومثال الخطر في الثمن بيع النتاج المنهي عنه شرعا وكذا الاستئجار به والاكتراء.

وفي المثمون عسيب الفجل أي استئجاره على اللقاح وشراء ماء ظهره ومثال الغرر البيع والاستئجار على عبده الآبق وبعيره الشارد فإنه لا يدري هل يجده سليما أو معيبا أو لا يجده وكذا بيع الملامسة والمنابذة المنهي عنه. وكلام الشيخ يتضمن ثمانية عشر صورة لأنهما أصلان الخطر والغرر كل منهما يجري في ثلاثة هي البيع والأجرة والكراء وكل واحد من الثلاثة تجري فيه ثلاثة فيكون تسعة في اثنين بثمانية عشر والله أعلم.

ص: 732

(ولا يجوز بعي الغرر ولا بيع شيء مجهول ولا إلى أجل مجهول)

ص: 733

قيل هذا مكرر مع ما قبله في نفسه وأجيب بأن تكريره للتأكيد وما كرر به في نفسه هو أن بيع المجهول هو الغرر كذي الأجل المجهول وقيل كرر للمغايرة وأن الثاني تفسير للخطر الذي هو قسيم للغرر نعم الغرر يداخل الخطر ولا ينعكس فإنه في الخطر إذا كان هل يكون على المراد أو على خلافه لأن الجهل بالوجود يتضمن الجهل بالوصف ولا ينعكس وقد فسر الخطر بجهل الوجود والغرر بجهل الكيفية وفي الإرشاد بيع الغرر ما يتعذر تسليمه ولا ينتفع به كالمشرف وقال المازري حقيقة الغرر ما تردد بين السلامة والعطب (ع) والأقرب أنه ما شك في أحد وصفيه أو مقصودية غالبا الباجي ويسير الغرر عفو إذ لا يكاد يفارق المازري وكون متعلق اليسير غير مقصود والضرورة إلى ارتكابه وغرره كقوله كبيع الجبة المحشوة المجهول حشوها الممنوع بيعه وحده وجواز كراء الشهر مع احتمال نقصه وتمامه وجواز دخول الحمام مع اختلاف قدر ماء الناس ولبثهم فيه والشرب من السقاء إجماعا في الجميع دليل إلغاء ما هو منه يسير غير مقصود دعت الضرورة للغوه انتهى وحديث النهي عن بيع الغرر رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(ولا يجوز في البيوع التدليس والا الغش ولا الخلابة ولا الخديعة ولا كتمان العيوب ولا خلط دنيء بجيد ولا أن يكتم من أمر سلعته ما إذا ذكره كرهه المبتاع أو كان ذكره أبخس له في الثمن).

(التدليس) إخفاء العيب وإظهار الحسن كتسويد شعر الأمة الكبيرة وجعل

ص: 737

طيب السلع من فوقها لتباع على ذلك (والغش): إدخال ما ليس منها عليها كخلط اللبن بالماء والحناء بالسدر والنيلج بالرمل ونحو ذلك (والخديعة) أن يريه النصح من نفسه ويريد تحصيله في غير كزيادة الثمن أو نقص السلعة ونحوه (والخلابة) الخيانة بأن يريه شيئا ويعطيه دون أن يظهر له التغفل ويعامله بالحيلة فيكتب على السلعة اثنا عشر ليرى أن اشتراها بها ويطلب فيها عشرة ويبيعها بثمانية وهي عليه بدون ذلك أو يجعل في طرف كساء ونحوه ليزيد في ثمنه بعض الطماعين لأجل ذلك.

وقيل: هي الخديعة وكتمان العيوب بالفعل كسترها وبالقول كمدحها وبالسكوت عما أطلع عليه فيها والكل ممنوع و (خلط دنيء بجيد) كالسمين من اللحم بالهزيل قال ابن القاسم لا يحل ولو بينه وقال مالك من خلط بدونه عوقب والذي كرهه المبتاع ثوب الميت بالوباء والمجذوم والمقمل والجديد النجس قال الغبريني ومنه دراهم الكيمياء لأنها لا تقف لشديد الاختبار في الغالب ولا يحصل منها على حقيقة ونص (ع) على تجريح المشتغل بمطلق علم الكيمياء وأفتى الشيخ أبو الحسن المنتصر بمنع إمامة المشتغل بها وقد عقد ابن الحاج فصلا للكلام على ذلك فانظره فإنه مهم وقيل كل ما ذكره الشيخ داخل في التدليس وقيل بعضها مرادف لبعضها فانظر ذلك.

(من ابتاع عبدا فوجد به عيبا فله أن يحبسه ولا شيء له أو يرده ويأخذ ثمنه).

هذه عاقد باب الرد بالعيب (ع) الرد بالعيب لقب لتمكين المبتاع من رد مبيعه على بائعه لنقص حالة بيع عليها غير قلة كمية قبل ضمانه مبتاعه فقوله غير قلة أراد به أن الرد بالعيب يتعلق بنقص الكيفية لا بنقص الكمية إذ له حكم يخصه وكون ذلك قبل ضمانه المبتاع شرط احترز به من رده بعد الحكم بكونه ضامنا له لتصرف ونحوه ثم قوله: (عبدا) لا مفهوم له لأن غير العبد في ذلك كالعبد والمراد بالعيب هنا العيب المفسد وهو ما نقص المنفعة أو كان علاقة أو مخوف العاقبة قاله في الإرشاد السطي في تعليقه على المدونة العيوب في الرقيق بالأبدان والأديان والأخلاق والعلائق وهي الولد والزوج والزوجة تكون له لأنها لنقص الثمن والمنفعة الباجي عيب الرد ما نقص الثمن كاعلور وبياض العين والصمم والخرص.

ص: 738

وفي قوله: (فوجد به عيبا) أن رده بالعيب القديم الذي لا علم له به حال العقد فول كان حادثا فلا رجوع له ولو علم به ثم تصرف بعد العلم به لزمه ولو تنازعا في وجوده أو قدمه رد لأصحاب المعرفة وإن لم يكونوا عدولا المتيطي ويقبل أهل الكتاب إذا لم يوجد غيرهم والواحد يجزئ لأنه من باب الخبر.

قال: وهذا هو المشهور والمعمول به وقال بعضهم إنما ذلك إذا بعثهم القاضي وإلا فلا بد من عدلين عبد الملك وليس له أن يتمسك به ويأخذ الأرش للنقص إنما هو أخذ أو ترك والله أعلم.

(إلا أن يدخله عنده عيب مفسد فله أن يرجع بقيمة العيب القديم من الثمن أو يرده ويرد ما نقصه العيب عنده).

يعني لأن له من الحق مثل الذي عليه فيختار أحد الأمرين فإذا أراد الرجوع بقيمة العيب القديم قوم العبد سليما ثم بعيبه القديم فأخذ من الثمن ما بين السلامة والعيب فإذا كان سليما بثلاثين هي ثمنه مثلا وبعيبه القديم بعشرين رد عليه البائع عشرة وكان له معها وإن أراد الرد قوم ثلاث تقويمات أولا سليما لتعرف نسبه العيب القديم عند التقويم الثاني فتكون على البائع ثم يقوم ثالثا معيبا بالعيب الحادث بعد القديم فيكون للبائع ما نقصه على المبتاع ويأخذه البائع مثاله لو قوم سليما بثلاثين وكان ثمنه معيا بالقديم بعشرين ثم الحادث بعد بخمسة عشر كان للبائع على المشتري خمسة وللمشتري على البائع عشرة فيقاصة بالخمسة ويعطيه خمسة إن شاء وإلا أخذ كل وأعطى ولو كان الثمن مخالفا للقيمة أخذ منه على نسبتها وبيان ذلك في المقدمات.

والعيوب ثلاثة: عيب مفسد وهو الذي تقدم وعيب مفيت وليس فيه إلا القيمة عيب ليس بمفسد ولا مفيت وهو الخفيف كالرمد والجرب والدماميل فلا حكم له والله أعلم.

وقوله: (وإن رد عبدا بعيب وقد استغله فله غلته) يعني لقوله عليه السلام " الخراج بالضمان".

رواه أبو داود والترمذي والغلة بالضمان وفسره كما أنه إذا هلك ضمنه إذا

ص: 739

استغله فله غلته وهذا عام في كل شيء أخذ بوجه جائز ولا خلاف أن اللبن غلة وأن الولد جزء يرد واختلف في الصوف.

(والبيع على الخيار جائز إذا ضربا لذلك أجلا قريبا إلى ما تختبر في تلك السلعة أو ما تكون فيه المشورة).

الخيار ثلاثة أنواع خيار النقيصة وهو الرد بالعيب وتقدم آنفار وخيار المجلس ويأتي الكلام عليه عند قوله والبيع ينعقد بالكلام وخيار التروي وهو المذكور هنا (ع) الخيار بيع وقف بته على إمضاء يتوقع فيخرج ذو الخيار الحكمي وحكمه الجواز لحديث ابن عمر رضي الله عنه في البيعين المازري وفي كونه رخصة لاستثنائه من الغرر وحجر المبيع خلاف والأجل فيه شرط حكمي فلو سكنا عنه حكم به ولو نفياه فسد وظاهر كلام الشيخ أن اشتراطه شرط وليس كذلك بل شرط وجوده قربه على الوجه الذي ذكره من الاختبار والمشهورة اللخمي ويختلف الأمر في ذلك بحسب المبيع التونسي ولا يجوز في التروي أكثر من ثلاثة أيام قال ولو شرط في الدار شهر للتروي لم يجزه بخلاف الاختبار ورده اللخمي لتفاوت النظر في الاثمان فليس التردد في دفع دينار كالتردد في دفع عشرة فمعنى التروي النظر في أمره هل يأخذ أو تيرك وفي قوله (المشورة) البيع على مشورة فلان أو خياره وفيه خلاف مشهوره الجواز بشرط حضوره أوقرب مغيبه لا إن بعد ولأصبغ وابن القاسم لا يعجبني ولسحنون يفسد لوجود الغرر والله أعلم.

(ولا يجوز النقد في الخيار ولا في عهدة الثلاث ولا في المواضعة بشرط).

يعني أن من شرط بيع الخيار أن لا يشترط فيه النقد وكذلك المواضعة وعهدة الثلاث وزاد بعد هذا بيع الغائب على الصفة والأرض غير المأمونة قبل أن تروى فهي إذا خمس لا يجوز فيها النقد بشرط ويجوز بغير شرط وإنما يمنع لأنه يكون تارة بيعا وتارة سلفا ومعنى المواضعة جعل الأمة على يد أمين إلى أن تظهر براءة رحمها فينبرم بيعها وعهدة الثلاث الرجوع بكل ما يحدث في الرقيق من العيوب في ثلاثة أيام بعد عقد البيع وقوله (والضمان في ذلك والنفقة على البائع) يعني في الخيار وفي عهدة الثلاث وفي المواضعة لأن المبيع لم يخرج عن ملكه في ذلك.

وهذا على أن بيع الخيار منحل حتى ينبرم وحكى المازري فيه قولين وقال ابن

ص: 740

رشد هو منحل اتفاقا فإن أمضى فهل يعد ممضي من يوم نزل أو من يوم أمضى قولان قال والمبيع في مدة الخيار للبائع والأمضاء نقل وقال بعد الرحمن هو ملك للمبتاع فالأمضاء تقرير والرد فسخ.

(وإنما يتواضع للاستبراء الجارية التي للفراش في الأغلب أو التي أقر البائع بوطئه وإن كانت وخاشا).

يعني أن المواضعة إنما تكون في الرفعيات اللواتي شأنهن الاتخاذ للفراش أو التي أقر البائع بوطئها للتبري من شغل رحمها ابن رشد الحكم بالمواضعة واجب في كل بلد كانت جارية فيه أو لم تكن ولم يختلف قول مالك كما اختلف في العهدة ولو شرط تركها بطل الشرط فقط على المشهور.

وقال الأبهري: يفسد البيع بشرط ترك المواضعة حيث تجب اللخمي ولا مواضعة في ست ذات زوج وذات حمل ومعتدة من وفاة ومعتدة من طلاق ومستبرأة من زنا ومستبرأة من غصب (والوخس) هي الأمة الدنيئة الوصف التي لا تشتهي في الغالب والله أعلم.

(ولا تجوزو البراءة من الحمل إلا حملا ظاهرا).

(البراءة): التبري مما عسى أن يكون منه وذلك لا يصح وقوعه إلا في العليات ففي لام الشيخ قلق بل قال ابن الفخار إجماله لهذا اللفظ غلط والصواب أنه لا يجوز في الحمل إلا في الجواري المرتفعات إلا في حمل ظاهر وتجوز في الحمل من الوخش وإن لم يكن ظاهرا قال هذا قول مالك لا يعرف خلافه وذلك لأنه عيب في الرفيعة كمال في الوخش وفي المدونة لا يجوز بيع أمة رائعة بالبراءة من الحمل ولا بأس بذلك في الوخش انتهى.

(والبراءة في الرقيق جائزة مما لم يعلم البائع).

عياض معنى البراءة أن لا يرجع بعيب قديم في المبيع مما لم يعلم البائع وما ذكره الشيخ هو الذي رجع إليه مالك (والبراءة في الرقيق) خاصة ولا تنفعه البراءة مما لم يعلم حتى يبينه ولا في غير الرقيق مطلقا عبد الوهاب لأن الرقيق يخفي عيوبه وغيره لا يخفيها وحكى عياض في ذلك عشرة أقوال مشهورها ما هنا والله أعلم.

ص: 741

(ولا يفرق بين الأم وولدها في البيع حتى يثغر).

يعني لحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: " من فرق بين والدة ولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة" رواه أحمد وصححه الترمذي والحاكم وقالا على شرط مسلم.

وقال ابن القطان عن الأشراف أجمع المسلمون على العمل بهذا الخبر إذا كان الولد طفلا لم يبلغ سبع سنين وهو حد التفريق عند ابن حبيب والإثغار سقوط الرواضع وقيل نباته بعد السقوط ابن عبد السلام والأمر في ذلك قريب ويروى بتشديد الثاء مع كسرها واعتباره هو المشهور والذي في المدونة ما لم يعجل كن جواري أو غلمانا وروى ابن غانم لا تفرقة إلا بالبلوغ وقال ابن عبد الحكم لا يفرق بينها أبدا والمشهور عدمه ولا يلحق غيرهما اتفاقا والمشهور إن جمعا في ملك لا يصح ثم هل هو حق لله وهو المشهور فلا يجوز التفريق إذا رضيت الأم أولها فيجوز إذا رضيت.

وقال ابن عبد الحكم أو للولد فإذا أقيم به جاز ثم إن وقعت التفرقة فسخ إلا أن يجمعا في ملك وقيل مطلقا ويعاقبان وقوله في البيع شرط فيجوز في العتقد اتفاقا وكذا الهبة والصدقة ويؤمران بالمقاومات أو البيع من واحدة فانظر ذلك.

(وكل بيع فاسد فضمانه من البائع فإن قبضه المبتاع فضمانه من المبتاع من يوم قبضه فإن حال سوقه أو تغير في بدنه فعليه قيمته يوم قبضه ولا يرده وإن كان مما يوزن أو يكال فليرد مثله).

ص: 742

البيع الفاسد هو الذي اختلفت بعض شروطه أركانه أو كلها عبد الوهاب هو ما وقع على خلاف وفق الشرع وشرطه والمشهور أن البيع الفاسد لا ينقل الملك بعقده فإذا هلك قبل قببضه فضمانه من ربه بخلاف الصحيح فإنه على ذمة المشتري بنفس العقد على المشهور وسمع سحنون وابن القاسم يضمن المبتاع الجزاف ولو كان بأرص بائعه وهو جار على المشهور في أن النظر إليه قبض وظاهر كلامه أنه يضمنه بالقبض ولو كان مجمعا على فساده وهو المشهور خلافا لسماع أبي زيد وظاهره ولو كان بيع خيار لاشتراط النقد فيه أو لطول مدة أجله والمشهور أنه على حكمه في الخيار فيستثني خلافا لابن سحنون وقوله يوم (قبضه) يعني: لا يوم البيع ابن يونس لأن الفاسد فيه الرد قبل القبض فلا يضمنه بخلاف الصحيح فإنه لا زم له وإن لم يقبض وهذا على المشهور وقوله فإن حال سوقه أو تغير في بدنه يروى بدنه بموحدة ونون يعني بسمن أو هزال ونحوه ويروى في يديه أي وهو في كمه هذا أعم وحوالة الأسواق أن يغيرها بالغلاء والرخص فإذا تغير سوق السلعة وهي مما يفتيه حوالة الأسواق وجبت القيمة إن كانت مقومة كالعروض أو المثل إن كانت مثلية كالطعام وجميع المكيلات والموزونات قال في المدونة والبيع الفاسد إذا فات عجلت فيه القيمة وفسخ البيع.

ابن يونس وإذا وجبت القيمة في البيع الفاسد فأجرة المقوم عليهما إن كان لا يقوم إلا بها لأنهما دخلا البيع بمعنى واحد وعزاه لبعض القرويين وقوله ولا يرد في المقوم

ص: 745

يريد جبرا وأما بالرضا فلذلك جائز بعد معرفة القيمة لئلا يكون بيعا ثانيا بثمن مجهول وقيل يجوز وإن لم تعرف القيمة اللخمي لم يختلف فيما يكال أو يوزن أنه لا يفته تغيره في نفسه ولا ذهاب عينه لأنه مما يقضى فيه بالمثل والمثل يقوم مقام الأول واختلف إذا تغير سوقه وهو قائم العين أو فائت فقال مالك وابن القاسم ليس بفوت وقال ابن وهب وغيره أنه فوت والله أعلم.

(ولا يفيت الرباع حوالة الأسواق).

قاعدة المسألة إن كان ما شأنه أن يتخذ للأسواق كالعروض والحيوان والرقيق تفيته الحوالة وما شأنه أن يتخذ للأسواق كالرباع والعقار لا تفيته وما تردد بينهما كالطعام فقولان تقدما فوقه والله أعلم.

(ولا يجوز سلف يجر منفعة).

يعني جرها للمسلف لا للمستلف لأن استلافه عين المنفعة بخلاف المسلف فإنه كالمتصدق وقد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه السلف على ثلاثة أوجه سلف تريد به وجه الله فلك وجه الله وسلف تريد به وجه صاحبك فلك وجه صاحبك وسلف اسلفته لتبدل خبيثا بطيب فذلك الربا قال فكيف أصنع قال إن تشق الصحيفة فإن أعطاك مثل الذي أعطيته قبلته وإن أعطاك دون ما أسلفته أجرت وإن أعطاك فوقه طابت به نفسه فذلك شكر لك ولك أجر ما أنظرته به واختلف فيهما إذا كان النفع لهما كالسائس في الغلاء ليأخذ عوضه جديدا قال ابن بشير وهو من السفتجة وفيها اختلاف مشهورها المنع وأفتى بعض شيوخنا بالجواز للضرورة وصورتها يسلف منه في بلد ويكتب لوكيله أن يفدع له في أخرى من خوف الطريق ولو شرط إسقاط يمين القضاء عند التنازع فقيل منفعة تمنع وقيل لا ولو أطاع بذلك فأجيز وقيل هو هدية مديان والله أعلم.

(ولا يجوز بيع وسلف وكذلك ما قارن السلف من إجارة أو كراء)

يعني إذا كان ذلك بشرط لنهيه عليه السلام عن بيع وشرط صححه الترمذي والحاكم وابن خزيمة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقال لا يحل البيع بشرط السلف إجماعا ابن رشد تحصيل القول مسألة البيع والسلف هل هو بيع فاسد أو من بيوع الشروط؟ فقال ابن عبد الحكم فاسد ومذهب الكتاب أنه من بيوع الشروط.

ص: 746

وقاله مالك وابن القاسم وسحنون وأصبغ وابن حبيب وعليه لو أسقط الشرط قبل الغيبة على المبيع وقبل فواته جاز ولو أسقطه بعد الغيبة عليها وقيل الفوات فقال سحنون وابن حبيب لا يصح لأن الربا بينهما قد تم وقال الأصبغ يصح ما لم تفت وإن فات فإن كان السلف من البائع فله الأقل من الثمن والقيمة وإذا كان من المبتاع فقال ابن القاسم عليه الأكثر منهما بالغا ما بلغ وقال أصبغ ما لم تجاوز القيمة والسلف فلا يزاد وهي القيمة يوم القبض قاله في المدونة أو يوم الفوت وقاله في الجلاب فانظره.

(والسلف جائز في كل شيء إلا في الجواري وكذلك تراب الفضة).

شروط السف سبعة أن يكون مما يجوز تملكه وبيعه وأن يكون مما تحصره الصفة وأن يكون معلوم الصفة وكونه غير منفي الأجل ولا تدخله عارية الفروج كالجوري لغير ذلك محرم ومن لا يطأ على المشهرو وكونه مما يبان به وينقل ومما يقدر على أدائه بعد فقوله في كل شيء يريد مما يحصل في الذمة وبيان به إلا الجواري لأن فيهن عارية الفروج وأجازه ابن عبد السلام في الجواري بشرط أن يرد عينها واختلف في إجارتها لمن لا يمكن منه الوطء هل هو قيد في المشهور أو قول بالتفصيل وتراب الفضة لا تحصره الصفة فلذلك منع والله أعلم.

(ولا تجوز الوضعية من الدين على تعجيله ولا التأخير به على الزيادة فيه).

الأولى تسمى عند الفقهاء ضع وتعجل وحكمها المنع على المشهور لأن من عجل شيئا قبل الأجل عد مسلفا فيكون قد سلف دينارا مثلا على أن يقبض من نفسه عند الأجل اثنين ونقل اللخمي جوازه فنقله طالب من كتابه فأنكر عليها فبحث في بيوعه فلم يوجد فاغتم لذلك فرآه اللخمي في منامه فأخبره فقال ذكرته في الخلع فنظره فوجده فكان رفعة له وأما الزيادة فيه للتأخير فهو ربا الجاهلية المتقدم أولا ويسمى أخر وأزيدك والله أعلم.

(ولا تعجيل عرض على الزيادة فيه إذا كان من بيع ولا بأس بتعجيله ذلك من قرض إذا كانت الزيادة في الصفة).

العرض إذا بيع لأجل فليس للمشتري أن يجبر صاحبه على التعجيل وله ذلك

ص: 747

تفضلا ولو أخذ شيئا على التعجيل لم يجز لأنه يدخله حط الضمان وأزيدك وهو من أكل المال بالباطل كضمان بجعل وهذا إذا كان من بيع لأن الأجل فيه من حق البائع إذ لا يجبر عليه بخلاف القرض الذي هو السلف فإن الأجل فيه من حق المدين فيجبر عليه عند تعجيله وهو من حسن القضاء وإنما يجوز في القرض إذا كانت الزيادة على الصفة لأنه من باب حسن القضاء وقد صح: " خياركم أحسنكم قضاء". واستسلف صلى الله عليه وسلم بكرا فرد رباعيا رواه مسلم بمعناه ولو كانت الزيادة في القدر ففيه اختلاف هو قول الشيخ.

(ومن رد في القرض أكثر عددا في المجلس القضاء فقد اختلف في ذلك إذا لم يكن فيه شرط ولا وأي ولا عادة فأجازه أشهب وكرهه ابن القاسم ولم يجزه).

خرج بقوله (عددا) الصفة وقد تقدم جوازها وبقوله في مجلس القضاء ما كان قبل ذلك لأنه هدية مديان وقال مجلس القضاء لأنه يشمل ما وقع وغيره والشرط معلوم والوأي ما يفهم به المقصود من الزيادة وغيرها كقوله أسلفني وترى ما أعمل لك من عادتي وإنما أرد بزيادة ونحو هذا فإن ذلك سلف بشرط نفع وهو حرام وما عزاه لأشهب عزاه غير لعيسى وعزى لأشهب الجواز بقيد اليسارة كالدرهمين في المائة ودينارين.

كذلك ومنعه في ذلك ابن حبيب قائلا في كل شيء إن كانا من أهل الصحة ويكون ذلك عند القضاء أو بعده لا قبله والمنع لابن القاسم في الرسالة مطلقا وفي غيرها الأمثل رجحان الميزان.

(ومن عليه دنانير أو دراهم من بيع أو قرض مؤجلا فله أن يعجله قبل أجله وكذلك له أن يعجل العروض والطعام من قرض لا من بيع).

ص: 748

الأجل في القرض من حق المقترض فله التعجيل مطلقا إلا أن يكون في تعجيله ضرر على رب الدين وفي البيع من حق البائع فما يراد للأسواق لا يجبر على قبوله عند تعجيله إلا أن يشاء إن كان مما يرصد للأسواق كالعروض والطعام بخلاف الدنانير والدراهم فأنه يجبر إلا لخوف ونحوه.

ص: 749

وقال ابن القاسم: إن كان الغريم معسرا أجبر رب الدين على أخذه وإن كان موسرا لا يجبر ويجبر الغريم على أداء الحق أي عند الأجل والله أعلم.

(ولا يجوز بيع ثمر أو حب لم يبد صلاحه ويجوز بيعه إذا بدا صلاح بعض وإن نخلة من نخيل كثيرة).

بيع الثمر قبل بدو صلاحها على ثلاثة أوجه:

أحدها: أن يشتريها على التبقية إلى طيبها فهذا لا يجوز اتفاقا في المذهب.

الثاني: بيعها على الجد الآن وهذا يجوز بشروط ثلاثة: أن يكون فيها ما ينتفع به وإلا فهو أكل المال بالباطل وأن تمس الحاجة إليه؛ وإلا فهو إضرار ولا يتمالا عليه أهل البلد وإلا فهو فساد في الأرض.

الثالث: أن يشتريها على السكة وفيه قولان يصح ويحمل على الجد في الحال وهو في المدونة في البيوع الفاسدة.

وقال العراقيون: لا يصح وهو الجاري على المشهور في البيع المحتمل للصحة والفاسد أنه محمول على الفساد خلافا لابن حبيب وتؤولت به المدونة فانظر ذلك وقد علل رسول الله صلى الله عليه وسلم المنع بقوله: " أرأيت إن منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال

ص: 750

أخيه" الحديث وصلاح الثمرة طيبها ويختلف باختلاف الثمار وجامع ذلك أن يصلح للأكل والانتفاع به ففي التين حلاوته وفي العنب جريان الماء فيه وفي الزيتون أن ينحو إلى السواد وفي القثاء والفقوس أن ينعقد ويبلغ مبلغا يوجد له طعم وروى أصبغ عن أشهب أن يؤكل فقوسا قال أشهب فقوسا قد تهيأ للتطبيخ فأما الحبوب والقطاني ونحوها فباشتداد الحب والنور بانفتاحه وذوات الأصل إذا استقلت وفي الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه نهى عليه السلام عن بيع الثمار حتى تزهي قيل وما زهوها قال: " تحمار وتصفر" متفق عليه وعنه نهى عليه السلام عن بيع العنب حتى يسود عن بيع الحب حتى يشتد رواه أصحاب السنن غير النسائي وصححه ابن حبان والحاكم عليه العمل عند أهل العلم والله أعلم.

وقولهك ويجوز إذا بدأ صلاح بعضها إلى آخره يعني لأن تأخيره لطيب جميعه يؤدي إلى فساده ابن المواز وإذا بدأ صلاح نخله واحدة من نخيل كثيرة جاز البيع إلا أن تكون باكورة فلا يباع بها المؤخر عبد الوهاب المراعى بلوغ الزمان الذي يؤمن فيه بلوغ العاهة على الثمرة غالبا لأنالو لم نجز البيع إلا بعد أن يبدو الصلاح في الحائط كله لكان في هذا ضررا عظيما بأرباب الأموال لأنه إذا حبس أوله على آخره فسد وفيه مشقة على المشتري لأنه يريد أن يتفكه ففي بيعه بصلاح بعضه مصلحة للجميع.

وإنما يباع بشرط اتحاد النوع واتصال الأرض ولو لم يتحد الملك على المشهور الله أعلم.

(ولا يجوز بيع ما في الأنهار والبرك من الحيتان ولا بيع الجنين في بطن أمه ولا بيع ما في بطون سائر الحيوانات ولا بيع نتاج ما تنتج الناقة ولا بيع ما في ظهور الإبل ولا بيع الآبق والبعير الشارد).

ص: 751

الأنهار جمع نهر بالسكون والفتح وهو الماء السائل الكثير والبرك بالكسر جمع بركة وهو الذي انقطعت جريته وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه نهى عليه السلام عن شراء السمك في الماء لأنه غرر رواه أحمد وما في المدونة موافق له ونهى عليه السلام عن بيع المضامين وهي ما في بطون الإناث من الإبل وعن الملاقيح وهي ما في ظهور الذكور وقيل بالعكس والكل ممنوع للخطر والغرر كسائر الحيوان وبيع النتاج وهي حبل الحبلة وهو أن يبيع النتاج نفسه وقيل إنتاجها ثم إنتاج التي في بطنها ونهى عليه السلام عن عسب الفحل وهو اكتراؤه لحبل الأنثى فلا يجوز إلا أن يكون على زمان أو مرات فإن حبلت فيما دونه فسخ في باقيه و (بيع الآبق والشارد) في حال إباقه وشروده غرر عبد الوهاب ويجمع الغرر ثلاثة: تعذر التسليم والجهل بالمبيع والقمار ثم ذكر تفصيله فانظره.

(ونهى عن بيع الكلاب واختلف في بيع ما أذن في اتخاذه منها وأما من قتله فعليه قيمته).

أما النهي عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن متفق علي من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، وفي مسلم من حديث جابر بن عبد اله رضي الله عنه زجر عليه السلام عن ثمن الكلب وثمن السنور وزاد النسائي:" إلا كلب صيد" فمن ثم قال سحنون أبيعه وأحج بثمنه ولا خلاف في منع غير المأذون وفي غيره ثمانية أقوال مشهورها ما ذكره الشيخ وفي ضحايا المدونة من قتله فعليه قيمته.

ولابن المواز لا يجوز بيع القرد ولا كسبه وأجازوا بيع الهر والسبع للجلد والله أعلم. ومهر البغي ما تأخذه الزانية على بضعها وسمى مهرا مجازا وحلوان الكاهن ما يأخذه على تكهينه والله أعلم.

(ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان من جنسه).

لنهيه عليه السلام عن بيع اللحم بالحيوان قال مالك إن هذا في الجنس الواحد يعني للمزابنة وأجازه أو حنيفة مطلقا نقل أبو عمر عن أشهب مثله قائلا والمعروف عنه كقول مالك وقال ابن القصار وهوخاص بالحي الذي لا يراد إلا اللحم حكاه ابن محرز وعزاه اللخمي له ولعبد الوهاب والأبهري وغيرهم من البغداديين والمشهور ما هنا وقال الشافعي بالمنع مطلقا هو ظاهر الحديث والله أعلم.

ص: 752

وهذا كله في النيء فأما المطبوخ: فقال ابن القاسم: يجوز بالحيوان ولابن المواز عن أشهب كراهته ولابن شاس عنه المنع على اعتبار صورته بالطبخ جنسا آخر وحكى (ع) رابعا هو جوازه نقدا وكراهته لأجل والله أعلم.

(ولا بيعتان في بيعة وذلك أن يشتري سلعة إما بخمسة نقدا أو بعشرة إلى أجل قد لزمته بأحد الثمنين).

نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة رواه أبو داود والنسائي وصححه الترمذي وابن حبان من حديث ابن عمر رضي الله عنه وفسره أهل المذهب بما ذكر لما في رواية أبي داود: " باع بيعتين في بيعة فله أو كسهما أو الربا" يعني أن له أقل ما باع به على كل حال وإلا أخذ الربا والحكم كذلك عندنا بعد الفوات وفي الجلاب لزوم أحد مثمونين مختلفين بثمن واحد من ذلك واللزوم شرط فلو كان على الغير اللزوم جاز لانتفاء الغرر قاله المازري ولو قال هذه الشاة بدينار أو هذا الثوب بدينار ولم يزد عليه.

فروى ابن القاسم وابن وهب منعه وروى أشهب جوازه وفي المدينة جواز شراء ثوب اختاره من ثياب أو ثوبين على اللزوم ولو اختلفت القيمة وقال ابن المواز إذا لم يختلفا اختلافا يبيح سلم أحدهما في الآخر ومنع ابن حبيب حتى يستويا في الصفة والقيمة (ع) وهو الأقرب قائلا ولو قيل بالمنع مطلقا لكان له وجه لاختلاف الإغراض في المقومات والله أعلم.

(ولا يجوز بيع الثمر بالرطب والزبيب بالعنب متافضلا ولا مثلا بمثل ولا رطب بيابس من جنسه من سائر الثمار والفواكه وهو مما نهى عنه من المزابنة).

(المزابنة): مفاعلة من الزبن وهو الدفع وسمي خزان جهنم بالزبانية لأنهم يدفعون الكفار إليها وسميت هذه بذلك لأن كل واحد من البيعين يرى أنه دفع صاحبه عما يريده من الفائدة بجهل المبيع وقاعدة المذهب أن الجهل بالتماثل كتحقيق التفاضل فيما لا يجوز فيه التفاضل فلذلك لا يجوز التمر بالرطب وما ذكر معه.

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر فقال: " أنيقض الرطب إذا يبس؟ " قال: "نعم " فنهى عن ذلك.

ص: 753

رواه أصحاب السنن وصححه ابن المديني والترمذي وابن حبان والحاكم وفي المتفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلا بتمر كيلا وإن كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا وإن زرعا أن يبيعه بكيل طعام نهى عن ذلك كله الحديث.

وبمعنى ما في الحديث فسرها أهل المذهب إذ قالوا هي بيع معلوم بمجهول أو بيع مجهول بمعلوم من جنسه قال في الإرشاد ومنها رطب كل جنس بيابسه وحب بدهنه ولبن بجبن أو زبد أو سمن إلا المخيض والمشهور جواز الحليب والرطب والمشوي والقديد والعفن كل بمثله إن استويا في الشيء والعفن ونحوها والله أعلم.

(ولا يباع جزاف بمكيل من صنفه ولا جزاف بجزاف من صنفه إلا أن يتبين الفضل بينهما إن كان مما يجوز التفاضل في الجنس الواحد منه).

ما ذكره أولا هو الذي فسر به المزابنة في الحديث المتقدم فبيع الجزاف بالمكيل بيع المعلوم بمجهول وبيع الجزاف بالجزاف بيع مجهول بمجهول ومنه الرطب بالرطب عند قوم والمشهور خلافه إن تقاربا.

وقال ابن رشد في الرطب باليابس لا يجوز ذلك في الصنف الذي لا يجزو فيه التفاضل اتفاقا قال: واختلف فيما يجوز فيه التفاضل كالتفاح والخوخ وعين البقر على ثلاثة أقوال كلها لابن القاسم بالمنع وهو ظاهر سماع عيسى والجواز في رسم باع شاة والجواز إن تبين الفضل بينهما لسماع أبي زيد ورجع فضل بن مسلمة بالقولين إليه وهو ظاهر الرساة وفي قوله: (من صنفه): أن يجوز بغير صنفه ففي الذخيرة بشروط الجزاف وفي غيرها تفصيل يطول فانظره.

(ولا بأس ببيع الشي الغائب على الصفة).

يعني إذا وصف بما تختلف فيه الأغراض والأثمان ووصفه غير بائعها ابن العطار ولو المشتري للأمن من كذب البائع وفي المدونة: جوا بيعه دون صفة وقيل إن اشترط الخيار للمبتاع إذا رآه لا إن سكتا عنه أو اشتراط نفيه.

المازري وأنكر ابن القصار والأبهري والقاضي مذهب المدونة لجهل المبيع حال العقد (ع) مذهب المدونة هو المعروف والغائب على ثلاثة أوجه غائب العين بحاضر

ص: 754

المجلس وهذا لا يجوز بيعه إلا بعد رؤيته غير البرنامج على خلاف فيه وغائب المجلس حاضر البلد جاز بيعه في المدونة على الصفة في خمس مواضع في الموازية منعه لأنه عدول للخبر عن المعاينة دون ضرورة وغائب بخروجه عن البلد وهو ثلاثة أوجه بعيد جدا كإفريقية من خراسان وهذا لا يجوز مطلقا وبعيد بعدا متوسطا بحيث لا يتغير وصفه في مدة الوصول إليه فهذا يجوز وقريب كاليوم ونحوه ويجوز بيعه على المشهور خلافا لرواية ابن شعبان وما دون ذلك حاضر والله أعلم.

(ولا ينتقد فيه بشرط إلا أن يقرب مكانه أو يكون مما يؤمن تغيره من دار أو أرض أو شجر فيجوز النقد فيه).

شروط بيع الغائب ثلاثة أن يكون موصوفا أو معلوما للمشتري على المشهور وأن يكون في رؤيته كلفة على المشهور أيضا وأن لا ينقد فيه بشرط أن كان على البت ومطلقا إن كان على الخيار وقوله: (إلا أن يكون مما يؤمن تغيره) فيه أن ضمان الغائب من البائع وهو المشهور في غير الربع والعقار، وفي المدونة يختلف قول مالك في الربع أنه من المبتاع.

وفي قوله: (بشرط) أن التطوع جائز وهو ظاهر المدونة والتلقين وقيدها اللخمي إن كان بما يجوز بالمكيل والموزون لأن غيره غرر وكذا شرطوا كونه على البت إذ قالوا كل ما يتعجل قبضه عند أمد الخيار لا يجوز النقد فيه بشرط ولا دونه.

وهي مسائل أربعة المواضع في الخيار وبيع الغائب على الخيار والكراء المضمون على خيار والسلم بخيار.

وقد تقدم أن في الرسالة خمسا لا يجوز النقد فيها بشرط وبقيت خمس هي بيع العقار مذارعة والحائط على عدد نخله وأجير لزرع ودابة معينين اشترطت منفعتهما بعد شهر الخامس الجهل فانظر أصولها.

(والعهدة في الرقيق جائزة إن اشترطت أو كانت جارية بالبلد فعهدة الثلاث الضمان فيها من البائع من كل شيء وعهدة السنة من الجنون والجذام والبرص).

(العهدة) الرجوع بالثمن كذا عند المتيوي وقال الباجي العهدة تعلق المبيع

ص: 755

بضمان البائع بعد العقد وقد قال عليه السلام: " عهدة الرقيق ثلاثة أيام" أخرجه أبو داود من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه واختلف هل هي حكم شرعي يحكم بها على من جهلها ومن عرفها وهذه رواية المدنيين وروى المصريون لا تلزم إن لم يجعلهم الإمام عليها وبتعين جهلهم عليها ورى أشهب لا يجعلهم ويترك أهل كل بلد على حالهم وإن اشترطت أو وجدت عادة بها وهذا هو المشهور والذي هنا وفي المدونة عهدة الثلاث أمر قائم بالمدينة.

وذهب ابن عبد الحكم إلى تحريم عهدة السنة المشهور أنها في الجواز كالتي قبها وإن خالفتهافي المتعلق والمدة إذ مدة الأولى أضيق ومتعلقها أوسع ومدة الثانية أوسع ومتعلقها أضيقها فإن هذه من ثلاث فقط وتلك من كل شيء فيرد بما حدث من ذلك في المدة المذكورة فيهما على ما ذكر ولو شرط إسقاطها فهل تسقط ويصح أو يصح وتلزم أو يفسد أقوال ومبدؤها من يوم البيع وفي تليق بعضها لبعض آخرها ولغو قولان فانظر ذلك.

(ولا بأس بالسلم في العروض والرقيق والحيوان والطعام والإدام بصفة معلومة وأجل معلوم ويعجل رأس المال أو يؤخره إلى مثل يومين أو ثلاثة وإن كان بشرط).

(السلم) لغة: السلف وقريب منه في الشرع وليس به البيوع أرعبة ما تعجل

ص: 756

الثمن والمثمون وهو بيع النقد وما تأخر فيه الكالئ بالكالئ وما تعجل فيه المثمون وهو البيع إلى أجل وما تعجل فيه الثمن وهذا هو السلم وكلها مباح إلا الثاني والسلم رخصة مستثناة من أصل ممنوع وهو بيع ما ليس عنده ورسمه. (ع) عقد معاوضة يوجب عمارة ذمة بغير عين ولا منفعة غير مماثل العوضين فخرج بغير عين البيع إلى أجل وبلا منفعة كراء الدور والأرضين والرواحل المضمونة وبغير مماثل العوضين السلف ولها شروط تزيد على العشرة منها أن يكون مما يجوز تملكه وبيعه في عوضين وأن يكون مثمونه مما يبان به وينقل.

وأن يكون مما تحصره الصفة وأن يكون مع ذلك موصوفا بما تختلف فيه الأغراض والأثمان وأن يوصف بذلك عند العقد حتى يعلم قدره ووصفه وأن يكون رأس ماله معجلا أو في حكم المعجل وأن يكون ثمنه مخالفا لمثمونه في الصفة التي تتعلق بها الأغراض وأن يكون مرسلا في الذمة غير معني الجهة وأن يكون أجله واسعا تختلف به الأثمان وتحول به الأسواق وأن يكون ثمنه ومثمونه مما يباع بعضه ببعض إلى أجل لا كذهب بفضة أو طعام بطعام وأن يكون مما يمكن وجوده عند الأجل لا كتركي أسود أو حبشي أبيض وكلها مأخوذة من كلام الشيخ.

فقوله: (العروض) إلى قوله: (الإدام) دخل فيه كونه يملك وبيان به إذا لم يكن الربع والعقار الذي لا بيان به وكونه مما تحصره الصفة وقوله: (بصفة معلمومة وأجل معلوم) ففيه كونه معلوم القدر والصفة مؤجلا معلوم الأجل.

وقوله: (ويعجل رأس المال) فيه شرط تعجيل الثمن وجواز تأخيره المدة اليسيرة

ص: 759

وذلك توسعة وإلا فالأصل التعجيل لا سيما عند من يجيز السلم الحال والمشهور خلافه وقال ابن رشد وقع في المدونة ما ظاهره أن رأس المال لا يتأخر بشرط لا قليل ولا كثير والمشهور أنه جائز كما قال الشيخ المتيوي وفي طرر ابن بزخ أن تأخير رأس المال بغير شرط جائز اتفاقا وإن تأخر إلى أكثر بشرط لم يجز اتفاقا وإن تأخر إلى الثلاث بشرط أو إلى فوقها بغير شرط فاختلف هذا اختصار كلامه وسيأتي منه إن شاء الله.

(وأجل السلم أحب إلينا أن يكون خمسة عشر يوما أو على أن يقبض ببلد آخر وإن كانت مسافته يومين أو ثلاثة ومن أسلم إلى ثلاثة أيام يقبضه ببلد أسلم فيه فقد أجازه غير واحد من العلماء وكرهه آخرون).

تضمن كلامه هذا كون الأجل واسعا تختلف فيه الأسواق عرفا وتحديد ذلك بالخمسة عشر يوما هو قول ابن القاسم لأنه الغالب ولم يحد مالك فيه حدا لاختلاف حال السلع والأسواق وعن مالك جوازه إلى يومين وعن ابن عبد الحكم إلى يوم وقال أصبغ إن وقع إلى يومين لم يفسخ لأنه ليس بحرام بين ولا مكروه بين واختاره ابن حبيب.

وقال ابن المواز فسخه أحب إلينا وهو ظاهر المدونة عند ابن رشد وقوله: (أو على أن يقبض ببلد آخر): جعل اختلاف البلدين كتابعد الأجل لحصول المقصد واختلاف الأسعار وذكر اليومين والثلاثة للتقليل لئلا يقال لا يجزئ إلا إذا كانت مسافة كمسافة الأجل المذكور ونحوه قاله المتيوي ونفى به أيضا ما يتوهم من أن مجرد الاختلاف كاف بل لا بد من بعد ما لأن ما تقاربت مسافته تقاربت أسعاره وقاله ابن العطار وقال بعض المتأخرين: قد يختلف ذلك بالأمن والخوف وغيرهما عبد الحق عن بعض الأندلسين إنما يجوز بشرط أن يضربا أجلا للقبض في البلد الذي يقبض فيه ويكون الخروج لتتنزل المسافة منزلة الأجل وهذا إن كان السفر في البر لا في البحر إذ لا مسافة له معروفة ففي اشتراط الأجل في اختلاف البلدان قولان وقيل يتفق على عدم اشتراط الأجل اختلافهما.

وقوله: (ومن أسلم إلى ثلاثة أيام) إلى آخره: للشيوخ فيه طريقان: أحدهما: تقدر إلى مسافة ثلاثة أيام فتكون هي المسألة التي قبلها لكنه خالف في القبض دون محل

ص: 760

الشرط فأجازه غير واحد من العلماء وهو مالك وأصحابه لأنهما لم يدخلا على إسقاط الأجل ومنع آخرون لأنه آل إلى السلم الحال وهو ممنوع على المشهور ويتهمان على قصده والطريق الثاني لا تقدير فيها وأنه عقد على الوجه الممنوع على المشهور فيراعى فيه الخلاف وهو قول ابن عبد الحكم من جواز اليوم وهو نحو قول أصبغ لعدم فسخه في اليومين كما تقدم وقد ذكر الجزولي الطريقين في فهم كلام الشيخ واقتصر المتيوى على الأول والله أعلم.

(ولا يجوز أن يكون رأس المال من جنس ما أسلم فيه ولا يسلم شيء في جنسه ولا فيما يقرب منه إلا أن يقرضه شيئا في مثله صفة ومقدارا والنفع للمستلف).

سلم الشيء في جنسه ممنوع لأنه سلف جر منفعة إلا أن يقصد سلفا على وجه المعروف مع المساواة بكل وجه ولا نفع للمسلف بحال فإنه مندوب وقد تقدم حكم السلف قبل هذا وسلم الشيء في جنسه على ثلاثة أوجه أحدها أن تتفق المنافع فلا يجوز الثاني: أن تختلف بوجه لا يبعد به عنه فكذلك أيضا وهو قوله (فيما قرب منه).

الثالث: أن تختلف اختلافا متباينا فهذا جائز فالجنسية هنا معتبرة بما تختلف به الأغراض والأثمان وإن اتفقت الأعيان فلذلك أجازوا إحمارا فارها بحمارين غير فارهين ونحو ذلك، ومسائل الباب كثيرة.

وأصله حديث ابن عباس رضي الله عنه:

قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فوجدهم يسلفون في التمر السنة والسنتين والثلاثة فقال: " من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم" إلى أجل معلوم متفق عليه.

(ولا يجوز دين بدين وتأخير رأس المال بشرط إلى محل السلم أو ما بعد من العقدة من ذلك).

يعني أن تأخير رأس مال السلم بشرط إلى محل القبض من باب دين بدين لأنه داينه بالمبيع على أن يداينه بالثمن وقد جاء في الحديث النهي عن بيع الكالئ بالكالئ يعني الدين بالدين رواه إسحاق بن راهويه والبزار بإسناد ضعيف ابن المنذر أجمع أهل

ص: 761

العلم على أن الدين بالدين لا يجوز. (ع) وحقيقته بيع شيء في ذمته بشيء في ذمة أخرى غير سابق تقرر أحدهما على الآخر، وهو معني قولهم: ابتداء الدين بالدين، وهو ملزوم لتعدد الذمة قال: ووجهه كصريحه كوجه الظهار والتفليس وغيرهما لا كوجه الشغار، وأما ما تقدم فيه تقرر الذمة فيسمى فسخ الدين في الدين، ويدخل في الدين بالدين ثلاثة أوجه: ابتداء الدين بالدين وهو قد تقدم تفسيره ومنعه بالإجماع وبيع الدين بالدين وهو محرم بالسنة المجمع على إعمالها وله صورة وفسخ الدين بالدين في الدين وهو محرم القرآن لدخوله في ربا الجاهلية وقد ذكر الشيخ صورته فقال:

(لا يجوز فسخ دين في دين وهو أن يكون لك شيء في ذمته فتفسخه في شيء آخر لا تتعجله).

مثال أن يكون لك عليه دينار إلى شهر فتؤخره به على أن يعطيك به ثوبا إلى شهرين فيدخله آخر وأزيدك وما في معناه وفي ذلك وجوه أربعة لكل منها أحكام أولها فسخه في معين يتأخر قبضه غائبا كان أو حاضرا الثاني: فسخه في شيء مضمون في الذمة الثالث فسخه في منفعة معينة من ذوات معينة الرابع فسخه في منفعة مضمونة فانظر ذلك إن شئت.

ومثال ابتداء الدين بالدين أن تبيع له ثوبا على أن يأخذه بعد شهر ولا يعطيك شيئا إلى شهر وإلى نصفه.

ومثال بيع الدين بالدين أن يكون لك دين على رجل إلى شهر فتبيعه من آخر إلى شهرين وقد نص في المدونة على أن شرط بيع الدين تنجيز الثمن فانظر ذلك.

(ولا يجوز بيع ما ليس عندك على أن يكون عليك حالا).

لحديث مسلم أن حكيم بن حزام رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " لا تبع ما ليس عندك" قال المتيوي: لأنه إذا اشترى ما ليس عنده كأنه قال له خذ هذه الدراهم واشتر بها كذا وكذا على أن لك ما فضل وعليه ما نقص ابن رشد وبيع ما ليس عندك ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

ص: 762

قسم جائز: وهو أن يبيع بنقد ما ليس عنده إلى أجل ترتفع فيه الأسواق وتنخفض وهو السلم الذي جوزه القرآن والسنة.

وقسم ممنوع: وهو أن يكون الثمن والمثمون مؤجلين.

وقسم مختلف: فيه وهو كونها نقدا فوجه كراهته أن كمن اشترى منه سعلة فلان على أن يخلصها منه وإن كان هذا أشد كراهة لأن فلان قد لا يبيع ووجهه أشهب بما تقدم عن المتيوي قائلا: فتدخله المخاطرة والغرر والله أعلم.

(وإذا بعت سلعة بثمن مؤجل فلا تشترها بأقل منه نقدا أو إلى أجل دون الأجل الأول، ولا بأكثر منه إلى أبعد من أجله وأما إلى الأجل نفسه فذلك كله جائز وتكون مقاصة).

وهذه المسألة بيوع الآجال ولم يقل بها غير مالك لاعتباره سد الذرائع وذلك في البيوع على أوجه هو كل ما لو قصد لكان حراما إذا كثر قصد الناس إليه منع عنده كل بيع تضمنه كسلف جر منفعة وسلف وبيع لا ما يقل القصد إليه كأسلفني وأسلفك وضمان بجعل فإنه لا يمنع ما يتضمنه إلا بقصده ومن اشترى ما باعه إلى أجل بأقل منه نقدا فكأنه أسلف ذلك الأقل على أن يأخذ عوضه ما باع به وهو الأكثر عند الأجل فكان سلفا جر منفعة.

وكذال إلى أجل دون الأجل لأنه يدفع عند الأجل الأدنى ويأخذ أكثر منه عند الآخر فهي كالتي قبلها وإن اشتراه بأكثر إلى أبعد كان المشتري الآن مسلفا عند أجله ما يأخذ عوضه بعد أكثر منه وهو الأجل.

الثاني: فهذه ثلاثة ممنوعة من اثني عشر وهو ما تعجل فيه الأقل وضابط المسألة أن تقول إذا اتفقت الآجال فلا تبال بالأثمان وإذا اتفقت الأثمان فلا تبال بالآجال وإذا اختلفت الآ<ال والأثمان فإن رجع إلى اليد مثل ما خرج منها أو أقل جاز وإلا منع وقد أنهى ابن رشد صورها إلى نحو من خمسين فانظر المقدمات.

وفي الديباج المذهب لابن فرحون أن الشار مساحي لما دخل بغداد ليقرأ فيها قال له بعض الناس كم تعرف في مسألة بيوع الآجل من وجه قال ثمانين ألف وجه فكأنهم استبعدوا ذلك فأخذ يسرد حتى جاوز المائتين فاستثقلوها فترك والله أعلم.

ص: 763

(والمقاصة): جعل مالك فيما عليك إذا تساويا الدينان أو في بعضه عند وجوبه بقدره أن تراضيا عليه وفي الحكم بها إن امتنع أحدهما قولان وقد قال عليه السلام: " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" رواه أبو داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(ولا بأس بشراء الجزاف فيما يوزن أو يكال سوى الدنانير والدراهم ما كان مسكوكا، وأما نقار الذهب والفضة فذلك فيهما جائز، ولا يجوز شراء الرقيق والثياب جزافا ولا ما يمكن عدده بلا مشقة جزافا).

عبد الوهاب بيع الجزاف فيه ضرب من الغرر ولكن أجيز للرفق والمشقة في الكيل والوزن وشرط جوازه سبعة قال في الشامل وجاز جزاف إن رئي وجهلاه معا واستوى مكانه وأمكن حرزه وهما من أهله ولم تقصد آحاده إلا أن يقل ثمنه كبطيخ وفقوس وهل أن علم البائع عدده قولان لا غير مرئي كغائب ونحو قمح في تبن بخلاف زرع قائم كمحصود على الأظهر وأخرج بقوله: (مما يوزن أو يكال): ما تقصد آحاده من عروض ونحوها ولابن حبيب لا يباع ما يعرف أحدهما كيله أو وزنه جزافا إلا في القثاء والبطيخ والأترج وما تختلف مقاديره فلا بأس به يريد لأن العدد لا يؤدي فيه إلى معرفة لاختلاف مقاديره. ومنعه ابن المواز مطلقا وبقوله: (ما كان مسكوكا) غير المسكوك فيجوز الجزاف في غير المسكوك من الدراهم لأنها غير مقصودة الآحاد فتجوز جزافا على الصحيح وقال اللخمي في المسكوك إن تعومل به عددا جازو إلا فقولان بالمنع والكراهة وعكس الباجي فقال: إن تعومل به عددا لو يجز اتفاقا لأنها مقصودة الآحاد وإلا فقولان وحكى ابن حارث المنع لمالك والجواز لابن عبد الحكم مطلقا وطريقة ابن رشد وابن يونس أن بيع الدنانير والدراهم والفلوس جزافا ممنوع ونقار الذهب والفضة في فجر أو نحوها مما لم يكيف اللخمي: وأجاز محمد بيع الحلي المحشو ذهبا أو فضة جزافا ما لم يعلم البائع وزنه يريد إذا دل دليل على ما في داخله كقطع طرف منه يدل على كثافته ورقته.

وقوله: (في الرقيق والثياب): لأنهما مما تقصد آحاده ومما يمكن عده بلا مشقة،

ص: 764

وروى محمد منع الجزاف في كبير الحيتان وروى يحي عن ابن القاسم في كثير الخشب المجموع بعضها إلى بعض لأنه مما تخف مؤنة عده كالبقر والغنم وروى محمد في الثياب والحيوان وسائر العروض التي لا تكال ولا توزن المازري لم يفصل بين كبير وصغير والصواب إن تساوات آحاده وقد مبلغه لأجل كل واحدة في نفسها جازت وإلا منع وقاله ابن حبيب في حي الطير في الأقفاص.

وقد ذكر ابن الفاكهاني في شرحه هنا فروعا نقلها عن عبد الوهاب تطول فانظره.

(ومن باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع وكذلك غيرها من الثمار والإبار التذكير وإبار الزرع خروجه من الأرض).

ما ذكره في النخل هونص حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين وغيرها من الثمار مقيس عليها وفي نصه أن غير المأبورة للمبتاع ولا خلاف فيه إن كان المأبور الجميع وإن كان المأبور البعض فإن كان الأقل فهو تبع للأكثر وإن تساويا فإن كان في نخلات بأعيانها فقال ابن زرقون لا يختلف في أن ما أبر للبائع وما لم يؤبر للمبتاع وإن كان شائعا في نخلة ومقابله كذلك فأربعة؛ لابن حبيب وابن دينار مع ابن القاسم في العتبية، وثالثها بخير المبتاع فإما أسلم جميع الثمرة وإلا فسخ البيع.

ابن العطار: والقضاء بقول ابن القاسم في العتبية وأن لكه للمبتاع وقاله ابن المواز والمشهور أنه لا يجوز للمبتاع بعد الإبار لبعض الثمرة بل كلها خلافا لأشهب ولا يجوز للبائع اشتراط غير المأبورة على المشهور وحكى المخزومي فيه خلافا مبناه على أن المستثنى مبيع فلا يجوز كالجنين في بطن أمه أو المستثنى مبقى فانظر ذلك ولا يلزمه الجد قبل الطيب إن اشترط ما يجوز له اتفاقا المتيطي: في كون السقي على البائع أو على المبتاع قولان لابن المواز والمخزومي ابن القاسم لو اشترى زيتونة للقطع وتوانى حتى أثمرت فثمرتها له والتذكير التلقيح والتشقيح وهو جعل نور الذكر في محل نور الأنثى ليسري غباره إليها بالريح فيثبت ما فيها وينعقد قالوا وكل ما له زهر فعقده كإباره.

الباجي: التأبير في التين وما لا زهر له بروز جميع الثمرة عن موضعها والمشهور ما ذكر في إبار الزرع فمن باع أرضا بها زرع لم يخرج فهو للمشتري وقيل للبائع والله أعلم.

ص: 765

(ومن باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع).

حكم مال العبد كالثمرة المأبورة ابن رشد لمشتري العبد أن يستثني ماله ولو كان عينا وسماه والثمن عينا ولو كان لأجل لأنه للعبد لا للمبتاع وهو بين من قول مالك في الموطأ الأمر المجتمع عليه عندنا أن للمبتاع اشتراط مال العبد عينا أو عرضا لأنه لا زكاة فيه على سيده والعبد يستحل فرج جاريته بملكه إياها وإن عتق تبعه ماله ابن رشد لو استثنى مشتري العبد ماله لنفسه لا للعبد لم يجز إلا بما يجوز به بيعه وفي الموازية لا يجوز للبائع أن يستثني لباس العبد أو الأمة قال والشرط باطل ويتبع العبد لباس مهنته يعني بخلاف لباس الزينة والله أعلم.

(ولا بأس بشراء ما في العدل على البرنامج بصفة معلومة).

(البرنامج) بفتح الباء وكسرها فارسي معرب وهو الرقم على إعدال البرنامج بعددها وصفتها قاله عياض والمشهور الجواز كما ذكر وروى ابن شعبان المنع عبد الوهاب وشرط الجواز ذكر عدد ما فيه ووصفه ما تختلف فيه الأغراض وفي الموطأ جواز بيع البرنامج بخلاف الساج المدرج قال وفرق بينهما عمل الماضين ومعرفته في صدور الناس الشيخ عن ابن حبيب فرق بينهما كثرة الثياب وعظم المؤنة في الفتح أبو عمر إذا خرج طرف الثوب أجزاه.

(ولا يجوز شراب ثوب لا ينشر ولا يوصف أو في ليل مظلم لا يتأملانه ولا يعرفان ما فيه وكذلك الدابة في ليل مظلم).

هذا معنى الحديث المتفق عليه في النهي عن بيع المنابذة والملامسة قال في المدونة: (الملامسة): شراؤك الثوب لا تنشره ولا تعلم ما فيه وتبتاعه ليلا أو لا تتأملانه أو ثوبا مدرجا لا ينشر من جرابه. و (المنابذة) أن تبيع ثوبا من رجل فتنبذ إليه من غير تأمل منكما ذكروا في الساج المدرج والثوب الرفيع جدا خلاف ابن رشد أما ثوب على غير هذه الصفة فلا ينبغي أن يختلف فيه والدابة في ليل مظلم مثل الثوب قالوا إلا ما يراد للذبح فيكفي فيه الجس وبيع الأعمى أو شراؤه عن صفة يعلمها جائز للضرورة بخلاف ما لا يعلم.

(ولا يسوم أحد على سوم أخيه وذلك إذا ركنا وتقاربا لا في أول التساوم).

ص: 766

قد صح قوله عليه السلام: " لا يبيع بعضكم على بيع بعض" وهو متفق عليه وهو من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال مالك في الموطأ إنما النهي إذا ركنا بأن يركن البائع للتسليم وجعل يشترط ووزن الذهب ويتبرأ من العيوب وشبه ذلك مما يعرف أنه أراد مبايعة السالم ذكر القيمة خرج للغالب فلا مفهوم له.

الباجي روى محمد الذمي كالمسلم وبيع المزايدة خارج عن ذلك لعدمالركون ولو بيع على ذلك فروى ابن حبيب يمضي لسحنون عن ابن القاسم يؤدب فاعله الباجي لعله فيمن تكرر ذلك منه روى ابن حبيب يعرضها على الأول بالثمن زادت أو نقصت وإن اتفق عليها ما زادت به غرمه الأول مع الثمن وإن نقصت لم يحطه والله أعلم.

(والبيع ينعقد بالكلام وإن لم يفترق المتبايعان).

ص: 767

أشار بهذا الحديث: " البيعان بالخيار ما لم يفترقا" رواه جميع أهل الصحة حتى مالك ولم يقل به للعمل واتفاق الفقهاء السبعة على ذلك وقيل إلا ابن المسيب وقال ابن حبيب السيوري كالشافعي وغيره فانظر ذلك وبالله التوفيق.

تنبيه:

هنا انتهى كلام الشيخ في البيوع فذكر أولا الصرف وما في معناه ثم الرد بالعيب وما يرجع إليه ثم الخيار وحكمه ثم القرض وما يتبعه ثم السلم وشروطه ثم البيع الفاسد ثم أشار لأركان البيع بآخر مسألة وجعلها كالتنبيه لأن كل ما ذكر من البيوع وما بعدها مشاكلة وهي عشرة بعد السبعة الإجارة والجعل والكراء وتضمين الصناع والشركة والقراض والمساقاة والمزارعة والجوائح والعرايا فتأمل ذلك تجده وبالله التوفيق.

(والإجارة: جائزة إذا ضربا لها أجلا وسميا الثمن).

ص: 768

(الإجارة) مأخوذة من الأجر والثواب وتطلق على الجعل والكراء بخلاف العكس فهي بهذا الوجه تمليك منفعة بعوض وبالوجه الأخص عرفها (ع) فقال الإجارة بيع منفعة ما أمكن نقله لغلة غير سفينة لا يحوان لا يعقل بعوض غير ناشئ عنها بعضها يتبعض بتبعيضها فخرج بما أمكن نقله كراء الدور والأرضين إذ إنما يسمى كراء واستثنيت السفينة لأنها مما ينقل وعقدها كراء الإجارة ونفى غير الحيوان العاقل ليدخل فيها العاقل لأن العقد على غير العاقل إنما يسمى كراء لا إجارة وسواء الدواب والرواحل وغيرها وتخرج المغارسة بكون العوض غير ناشئ عنها.

وقوله: (بعضه) يعني بعض العوض يتبعض بتبعيضها أي بتبعيض الإجارة فخرج الجعل إذ لا شيء فيه إلا بتمام العمل.

ابن المنذر الإجماع على جواز قال ابن يونس: وشذ الأصم فمنعها وهو مبتدع لا يعتبر وأجل الإجارة نوعان وجود فراغها وعملها في زمن مقدر شرط وكل جائز ثم إن جمع بينهما في الشرط كان يقول على أن تعملها اليوم وهو على ثلاثة أوجه:

ص: 771

أحدها: أن يكون الأجل أوسع من العمل.

الثاني: أن يكون لا يسع العمل.

الثالث: أن يكون الزمان مقدار العمل فيجوز في الأول لا في الثاني اتفاقا فيهما واختلف في الثالث بالجواز والمنع وفي المشهور منهما قولان عياض والإجارة معاوضة صحيحة يجري فيها ما يجري في جميع البيوع من الحلال والحرام وتبعه ابن الحاجب في ذلك وبحث فيه ابن عبد السلام فانظره.

(ولا يضرب في الجعل أجل في رد آبق أو بعير شارد أو حفر بئر أو بيع ثوب ونحوه ولا شيء له إلا بتمام العمل).

(الجعل) نوع من الإارة بفارقها في اللزوم وضرب الأجل ومنع النقد فيه وكونه لا شيء له إلا بتماغم العمل (ع): الجعل: عقد معاوضة على عمل آدمي بعوض ناشئ عن محله بل لا يجب عوضه إلا بتمامه لا بعضه ببعضه قال بعضهم والقياس منع الجعل لما فيه من الغرر كما قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وأجازه أهل المذهب بحديث السلم إذ جاعلوهم على قطيع من الغنم كما في الصحيح ولأن شرع من قبلنا شرع لنا فيما لم يرد فيه شيء وقد قال منادي يوسف عليه السلام {ولمن جاء به حمل بعير} [يوسف: 72] وفي المقدمات من شرط صحة الجعالة أن يكون الجعل معلوما ولا ينقد فيه ولا يكون منفعة فيه للجاعل إلا بتمام العمل ولا يضرب للعمل المجعول فيه أجل فإن ضرب فيه أجلا ولم يشترط أن يترك متى شاء لم يجز.

واختلف إذا اشترط أجلا فعن ابن القاسم قال مالك في مثل هذا أنه جائز وهو جل قوله الذي يعتمد عليه ابن يونس يريد إذا كان له أن يترك متى شاء انتهى وإنما لا يضرب في الجعل أجل لأنه لو انتهى قبل تمام الأجل ذهب عناؤه باطلا إذ لا يستحق إلا بتمام العمل ولو علق بتمام الأجل فقط خرج عن كونه جعلا ويلزم بالمشروع من جهة الجاعل على المشهور ابن عبد السلام فهو يشبه القراض في المشهور أيضا ورد الآبق يلزم به أن يكون ربه قد جعل فيه جعلا وسواء جاء به من عين له أو غيره وله نفقة العبد في مدة الإتيان به ولو جاء بضالة ابتداء فله أجر مثله إن كانت عادته الأجرة عن الآبق.

وكان سيده ممن لا يتولى ذلك بنفسه، ولربه أن يتركه ولا يدفع أجرا ولو وجده

ص: 772

دون عمل لم يجز عليه أخذ بشارة ولا غيرها لوجوب ذلك عليه وكذا إن دل على مكانه ويرد ما أخذه وفي الإرشاد يجوز في الحصاد والجداد ونفض الزيتون بجزء منه معين ولو كان بنصف ما يخرج منه لم يجز ونص عليه في المدونة في سماع أشهب لا بأس به وتأوله ابن رشد وفي المدونة لا خير في أن يدفع الرجل دابته لمن يحتطب عليها بالنصف ابن المواز يري ثمن نصف الحطب ولو أراد نصفه عينه أو نقلة بنقلة جاز. ولو قال القط أو احصد فما حصدت أو لقطت فلك نصفه لم يجز لأنه مجهول والله أعلم.

ويشترط في الجعل على حفر البئر ثلاثة اختبار الأرض في لينها وقساوتها ونص عليه في المدونة واستواء الجاعل والمجعول في العلم بها والجهل قال في العتبية فلو كان أحدهما عالما بها فقط منع وكونها في غير أرض المجاعل لئلا ينتفع بما فعل عند العجز أو الفسخ.

وشرط بيع الثوب ثلاثة كونه بغير أجل وتسمية الثمن أو تفويضه وتسمية المعطي على بيعه دون تحديد ابن يونس عن ابن المواز الجائز في الجعل في بيع الثوب عند مالك وأصحابه أن يقول له بعه بكذا ولك كذا أو يقول بعه بما رأيت ولك كذا. فلو قاله الجاعل للمنادي لا تبع إلا بإذن ولم يسم ثمنا فهو جعل فاسد والأقرب أنه يريد إلى إجارة مثله قال بعض القروين لأنه خرج عن حكم الجعل والله أعلم.

(والأجير على البيع إذا تم الأجل ولم يبع وجب له جميع الأجر وإن باع في نصف الأجل فله نصف الإجارة).

يعني أنه استأجر على بيع شيء بعينه إلى أجل فإن عمل في ذلك ما شرط عليه أو مقتضى العرف فانقضى الأجل ولم يبع فله أجره كاملا بخلاف الجعل فإنه لا شيء له إلا بتمام العمل ابن يونس يريد أن لا ينتفع الجاعل بما عمل له المجعول فيكون له بقدر ما انتفع من عمله ولو باع في نصف الأجل فله نصف الإجارة أو في أقل منه فله بحسب ما عمل المتيوى ويجوز استئجار الدلال شرها على بيع سلع فإن كان معينة فلا يجوز النقد فيها بشرط ومتى باعها فله بحسابه فإن تم الأجل قبل بيعها استحق أجره وإن كانت غير معينة جاز النقد فيها وعليه أن يبيع له طول الأمد على ما جرت به العادة.

ص: 773

وقد قسم ابن القاسم الجعل إلى أقسام ثلاثة فانظر ذلك وفي المدونة كل ما جاز فيه الجعل جازت فيه الإجارة وليس كل ما جازت فيه الإجارة يجوز فيه الجعل وقد بحث (ع) بما يطول ذكره فانظره.

(والكراء كالبيع فيما يحل ويحرم).

(ع) الكراء عقد على منافع غير آدمي أو ما بيان به وينقل فيدخل بغير آدمي كراء الرواحل والدواب وبما يبان به وينقل غير الدور والأرضين لأن غير ذلك إجارة إلا السفينة وهذا كله تحفظ عن الإصطلاح وإلا فالكل إجارة وأركانها كالبيع عاقد ومعقود فيه ومعقود به ومعقود عليه وشرط الكل كما في البيع إلا الأجير فله شروط تخصه هي أن يكون متقوما غير متضمن استيفاء عين قصدا ولا واجب ولا محرم ولا ممتنع تسليمه فخرج ما ليس له قيمة باستئجار الأشجار لتجفيف الثياب وفيه قولان:

ابن عبد السلام: والأقرب الجواز لتأثير الأشجار بذلك ونقص منفعة كثيرة منها وخرج بغير متضمن استيفاء عين قصدا كراء الشجرة لثمرها والشاة لصوفها ونتاجها وذكر القصد لما كان تبعا فإنه يجوز كلبن الظهر وثمرة الشجرة في الدار المكتراة أو لم يبلغ قيمة الثمرة الثلث فانظر ذلك وبكونه غير واجب يخرج الاستجئار على ما تعين من العبادة كصلاة وصوم ونحوه، وتجوز على ما لم يتعين كالأذان والقيام بالمسجد وعلى الإمامة إذا انضم إليها أحدهما وإلا فلا وبه العمل.

وجوزها ابن عبد الحكم مطلقا خلافا لابن حبيب وروى الجواز في الفرض لا في النفل وفي قيام رمضان روايتان فإن كانت أجرة الإمام من الأحباس أو من بيت المال كره خاصة وقيل يجوز كذا في الشامل وجعله غيره طريقة والله أعلم والذي يمنع تسليمه كنس المسجد من الحائض مثلا والدار لمن يتخذها خمارة أو كنيسة والأرض الغرقة التي لا يرتفع الماء عنها إلا نادرا ولا إليها إلا كذلك والله أعلم.

(ومن اكترى دابة بعينها إلى بلد فماتت انفسخ الكراء فيما بقي وكذلك الأجير يموت والدار تنهدم قبل تمام مدة الكراء).

ص: 774

ذكر مسائل ثلاثة وأعطى لها حكما واحد: هو انفساخها في كلها وما ذلك إلا لإتفاقها ي شرطها وكونها بعينها وقاعدة الباب أن هلاك ما يستوفي منه المنفعة كالدار والأجير ونحو ذلك تنفسخ به الإجارة بخلاف ما تستوفي به فإنها لا تنفسخ بهلاكه إلا حبيين وفرسين صبي الرضاع وصبي التعليم وفرس الرياضة وفرس النزوان وخالف سحنون في الصبيين وزاد ابن الحاجب المستأجر على قلع ضرس فسكنت أو على

ص: 776

القصاص من غريم فعفى عنه وزاد المازري من أجر على حصد وزرع أو بناء دار فمنع مانع من ذلك زاد غيرهما الحائط والخياط يستأجران على عمل ذلك اللباس لا للتجارة وليس عنده غيرها.

زاد الباجي مداواة العليل مدة فيموت قبل المدة فهي إذا عشرة أو نحوها تنفسخ مما يستوفى به وقد ضبطوه بأن كل ما يتعذر خلفه ينسخ كراؤه وإن كا ما يستوفى به وستأتي زيادة بعد إن شاء الله وقوله: (الدار تنهدم) يريد كلها أو معظمها أو ما فيه مضرة كبير منها وتسقط الوجيبة بخروجه للإصلاح فلا يلزمه الرجوع بخلاف ما إذا بقي ساكنا حتى أصلحت ولو سكن الصحيح منها وقد انهدم الأكثر فأجرى ابن رشد في لزوم الكراء قولين لابن القاسم لزوم الكراء وهو الجاري على المدونة وعدمهه وهو الجاري على ما في سماع عيسى فإن اتفقا على الإصلاح أو رضي بسكناها منهدمة بجميع الكراء فلا فسخ اتفاقا وبما ينوب الباني على أحد القولين والله أعلم.

(ولا بأس بتعليم المعلم القرآن على الحذاق ومشارطة الطبيب على البرء).

(الحذاق) –بكسر الحاء والدال المهملة- عياض يحذقهم القرآن يعلمهم ويحفظهم إياه الجواهر حذق الصبي القرآن والعمل بحذق حذقا وحذاقا أمهر فيه وحذق بالكسر لغة فيه ويقال لليوم الذي يختم فيه القرآن هذا يوم حذاقة وفي الموازية قال مالك لم يبلغني عن أحد كراهية تعليم القرآن والكتاب بأجر المتيطي: وتنقسم الإجارة فيه إلى قسمين مشاهرة ومساناة لا يشترط فيها حفظ جزء معلوم أو على جزء معلوم منه أو جميعه ولا يذكر فإن استأجره لمدة وشرط عليها فيا حفظ جزء من القرآن ولا يدري هل يمكن ذلك منه أم لا فسدت الإجارة، وإن كان الغالب أنه يحفظ ذلك فيه أجيز ومنع.

فإن مضى الأجل ولم يتعلم فيه الجزء الذي شرط فيه كان له الأقل من أجرة المثل والمسمى وروى الجلاب أنه لا يجوز في التعليم إلا مشاهرة أو مساناة ابن عبد السلام ولا ب من اختبار حال المتعلم إذا كانت الإجارة على تعليمه جزءا من القرآن

ص: 777

أو سورة وكذلك إن كانت الإجارة على تعليمه جزءا معلوما من الصناعة لسرعة تعليم الحاذق وبطء البليد والله أعلم.

وأما مشارطة الطبيب فقال ابن عبادة هي وتعليم الصبي على الأيام إجارة وعلى الحذاق والبرء جعل عبد الوهاب يجري ذلك عند أصحابنا مجرى الجعل والإجارة وأجازوه للضرروة ابن يونس ولا يكون الدواء إلا من عند العليل ولو كان من عند الطبيب كان غررا لأنه إن مهر حتى برأ أخذ حقه وإلا ذهب عناؤه باطلا وإن برأ دخله جعل وبيع وقاله ابن القاسم وابن وهب في العتبية ولو دخل على أنه إن لم يبرأ أخذ ثمن أدويته لم يجز لأنه شرطان في شرط ولو دخل على الإجارة لم يجز اشتراط النقد لأنه قدر يبرأ قبل الأجل فيأخذ بحسابه فيدور الباقي بين السلف والإجارة ونص عليه اللخمي فانظره.

(ولا ينتقض الكراء بموت الراكب أو الساكن ولا بموت غنم الرعاية وليأت بمثلها).

يعني لأن كلا مما ذكر مما يستوفى به لا منه ولا يتعذر مماثله وظاهر ما هنا أن غنم الرعاية يأتي بمثلها إن لم يشترط خلفها عليه وحمله أبو عمران وهو قول سحنون وابن حبيب والأخوين، فأما ابن القاسم فقال لا بد من شرط خلف المعينة وإلا فسد العقد ولا يأتي بمثلها إن هلكت.

وفي المدونة إن لم تكن بأعيانها كان لها الخلف وإن لم يشترط وإن كانت بأعيانها فلا يجوز حتى يشترط ابن عبد السلام قول سحنون ومن معه أجري على الأصول والله أعلم.

(ومن اكترى كراء مضمونا فماتت الدابة فليأت بغيرها وإن مات الراكب لم ينفسخ الكراء وليكتر وإمكانه غيره).

المضمون المرسل في الذمة ومقابله المعين وقد قال ابن القاسم كراء الدواب على قسمين مضمون بذمة أو دابة بعينها وقد مضى عمر رضي الله عنه أن الدابة المعينة إذا هلكت انفسخ الكراء ولا يأتي بغيرها إلا أن يشترط البلاغ وهو المضمون وقاله علي كرم الله وجه ابن يونس كراء الدابة المعينة كسائر السلعة المعينة وكراء المضمون كشراء السلعة

ص: 778

المضمونة فانظره ابن المواز إن وقع على الإطلاق حمل على المضمون حتى يتبين خلافه وانظر بقية مسائله إن شئت وقوله (وليكتروا مكانه) يعني أولياء الميت لأن ما يستوفى به لا يتعين وللمكتري أن يكري لكن يتعين اتحاد الأصل والفروع في وصفه من الثقل والخفة ونحوها فلا يجوز أكثر بخلاف دونه والله أعلم.

(ومن اكترى ماعونا أو غيره فلا ضمان عليه في هلاكه بيده وهو مصدق إلا أن يتبين كذبه).

(الماعون) ما يستعان به في الأمور من الأثاث الجوهري الماعون اسم جامع لأثاث البيت كالقدر والفأس ونحوهما وأصل المذهب أن من ملك منفعة بعوض فالقول قوله في تلف الذات كانت مما يغاب عليه كالجفنة أو مما لا يغاب عليه كالحيوان هذا هو المعروف قال في المدونة ومن استأجر فسطاطا أو بساطا أو غرائر أو آنية إلى مكة ذابها راجعا جاز فإن ادعى حين رجع ضياع هذه الأشياء في البداءة صدق في الضياع ولزمه الكراء كله إلا أن يأتي ببينة على وقت الضياع وذكر عن الغير سقوط الكراء مطلقا إلا ما قال أنه انتفع به وروى أشهب كقوله مالك وابن القاسم في الدمياطية تضمينه بالقصعة ولابن رشد وسحنون هنا كلام فانظره.

(والصناع ضامنون لما غابوا عليه عملوه بأجر أو بغير أجر).

يعني لأن ترك الأجر لا يخرجهم عن حكم الاستصناع (ع) المنتصب لبيع صنعته بمحله اللخمي المنتصب من أقام نفسه لعمل صنعته التي استعمل فيها كان بداره أو بسوقها وغير المنتصب من لم يقم نفسه ولا منها معاشه.

قال في المدونة وقد قضى الخلفاء رضي الله عنهم بتضمين الصناع وهذا العامة الباجي ضمان الصناع مما أجمع عليه عامة علماء المدينة وقال القاضي أجمع عليه الصحابة ابن رشد وللشافعي قول بعدم الضمان وإن عمل بأجر وهذا كله إذا لم تقم بينة بأن هلاكه من غيره ففي المدونة إذا احترق الخبز في الفرن فلا ضمان على الفران لأن النار تغلبه فليست كغيرها إلا أن يغر من نفسه ويفرط والله أعلم.

(ولا ضمان على صاحب الحمام ولا ضمان على صاحب السفينة ولا كراء له إلا على البلاغ).

ص: 779

أصل الباب عدم تضمين من أخذ بالأمانة وتضمين أمره على ذلك فجاء ما جاء به الصناع ويبقى غيرهم على الأصل اللخمي واختلف في تضمين صاحب الحمام ما ذهب من الثياب قال مالك في المدونة ولا ضمان عليه وفي الموازية يضمن إلا أن يأتي بحارس فيسقط ضمانه ويعود الخلاف في الحارس وللموازية كالمدونة لا ضمان عليه وقال ابن حبيب يضمن وفي المدونة إذا غرقت السفينة بفعل النواتية فإن فعلوا ما يجوز لهم فعله من السير والعمل فيها لم يضمنوا وإن قعدوا فأخرقوا في أمر أو علاج ضمنوا ما هلك فيها من الناس والحمولة والمشهور قول مالك لاشيء لهم إلا بالبلاغ وقال ابن نافع له بحساب ما سار وقال يحيى بن عمر وأصبغ إن كانت المسافة لجية كما بين أفريقية والأندلس أو صقلية فكما قال مالك وإن كانت على خلاف ذلك كما بين مصر والإسكندرية فكما قال ابن نافع والقولان في الدابة بالمتاع تتلف في الطريق كذلك والله أعلم.

(ولا بأس بالشركة بالأبدان إذا عملا في موضع واحد عملا واحدا متقاربا).

ص: 780

ولا بأس بالشركة فيه إباحة شركة الأبدان والشركة ثلاثة أنواع هذا منها وشرط كلها النصح والأمانة قال عليه السلام ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما رواه أبو داود صححه الحاكم ولكل أحكام تذكر بعد إن شاء اله عياض الشركة عقد يلزم بالعقد كسائر العقود والمعواضات وهو رخصة في بابه الذي يختص به هذا مذهب ابن القاسم ومذهب غيره أنه لا يلزم إلا بالخلط.

وذكر الشيخ لهذه الشركة شرطين هما أن يعملا عملا واحدا أو متقاربا في محل واحد وفهم من كلامه شرط تقاربهما في الحذق بالعمل والقدرة عليه زاد غره الآله بينهما بقدر الشركة بملك أو كراء أو غيره ويتساويان في العمل ويتقاربان والربح على نسبة ذلك واتحاد مكانها فهي إذا خمسة والله أعلم.

(وتجوز الشركة بالأموال على أن يكون الربح بينهما بقدر ما أخرج كل واحد منهما والعمل عليهما بقدر ما شرطا من الربح لكل واحد ولا يجوز أن

ص: 781

يختلف رأس المال ويستوفيا في الربح).

الاشتراك لغة الاختلاط وعرفا قال (ع) الشركة الأعمية تقرر متمول بين مالكين فأكثر فقط والأخصية بيع مالك كل بعضه ببعض كل الآخر بموجب صحة قصد تصرفهما في الجميع قال فتدخل الأولى شركة الإرث والغنيمة لا شركة التجر وهما في الثانية على العكس انظر بقيته.

عياض: الشركة ثلاثة أضرب شركة أموال وشركة أبدان وشركة ذمم وكل ضرب منها ثلاثة أقسام فشركة الأموال شركة مفاوضة وهي الاختلاط فيكل شيء من أموال التجارة وهي الجائزة عندنا باتفاق ومنعها الشافعي ثم قال بعد كلام.

الثاني: شركة العنان وهي الشركة في شيء مخصوص للتجارة قال في تفسير ابن مزين على السواء واتفق على جوازها ولم يعرف لمالك اسمها ولا تخصيصها بالجواز

ص: 782

واستعمال هذا اللفظ ببلدهم ويقال عنهم بكسر العين من عنان الدابة وبالفتح من عن الأمر.

الثالثة: شركة مضاربة وهي القراض من الضرب في الأرض بالمال في السفر به.

وأما شركة الأبدان فهي أيضا ثلاثة أضرب شركة بغير آله ولا رأس مال كالحمل على الرءوس التعليم والخياطة والبناء فمن شرط جوازها ثلاث صفات التقارب في القدرة والمعرفة بذلك العمل وأن يكون عملا واحدا وأن يكونا فيه مجتمعين ثم تأمل ما في العتبية من جواز الافتراق بتقاربهما والتعاون في الموضعين فردها إلى المدونة ثم قال الثالث أن يكون عملهما يحتاج إلى آله كالكمد والنجر والنسج والصيد بالجوارح والعمل على الدواب فيحتاج لشرطين زائدين على الثلاثة المتقدمة الاشتراك في ملك الآلة والقسمة على رءوس أموالهما.

أما شركة الذمم فعلى ثلاثة أضرب شركة في شراء شيء بعينه فهذه تجوز اتفاقا أو اختلافا ويتبع كل واحد منهما بقدر نصيبه الثانية اشتراكهما في معين على أن يحمل كل واحد منهما لصاحبه فإن كانا معتدلين فيهما جازت الشركة والبيع وإن كانا مختلفين لم تجز الثالثة: أن يشتركا على غير معين فهذا لا يجوز لأنه من باب تحمل عني وأحمل عنك وأسلفني وأسلفك انتهى ما تعلق به الغرض من كلام عياض وربما أسقطت بعض فروعه لطوله وإلا فهو بلفظه والله أعلم.

تنبيه:

تجوز الشركة بالعرضين اتفقا أواختلفا ورأس مالها ما قوما به وبالعينين بشرط اتحادهما لا ذهب من ناحية وفضة من الآخر لأنها شركة وصرف قاله في المدونة وأجازه سحنون ونحوه في كتاب ابن المواز ولو كان نوعاهما من كل جانب متماثلا جاز ذلك واتحاد الضربين شرط ولا عبرة باختلاف السكك واختلف في الشركة بالطعامين وفي جواز غيبة أحد المالين قولان لابن القاسم مع مالك وسحنون وخلط المال حقيقة أو حكما شرط وبالله التوفيق.

(والقراض جائز بالدنانيروالدراهم وقد أرخص فيه بنقار الذهب والفضة ولا يجوز بالعروض ويكون إن نزل أجيرا في بيعها وعلى قراض مثله في الثمن).

ص: 783

القراض رخصه شرعية مباركة لقوله عليه السلام: " ثلاثة فيهن البركة البيع إلى أجل والمقارضة خلط الشعير بالبر للبيت لا للبيع".

رواه ابن ماجه عن صهيب رضي الله عنهما.

وحقيقة القراض تنمية العامل المال بالتجارة على جزء من الربح يتفقان عليه قاله في الإرشاد ونحوه قال ابن الحاجب إجارة على التجر في المال بجزء من ربحه ورده (ع) ثم رسمه هو بقوله القراض تمكين مالم لمن يتجر به بجزء من ربحه لا بلفظ إجارة وفي مختصر الشيخ خليل القراض توكيل على تجر في نقد مضروب مسلم بجزء من ربحه إن علم قدرهما فخرج بقوله: (على تجر) ما عدا الشركة وخرجت الشركة بقوله: (في نقد) لأنها لا تختص به بل تجوز بالعروض بخلافه وخرج (بجزء من المال) بعدد منه وبـ (المضروب) النقار والتبر والحلي في الكل خلاف كالفلوس وبقوله مسلم اشتراط يده معه أو جعل أمين عليه إذ يفسد بذلك وخرج بالربح غيره مطلقا منه أو من غيره والعمل بالجزء والقدر شرط يفسد بعقده ثم هو من العقود الجائزة فلا يجب إلا بالشروع في العمل كشغل المال الظعن به والله أعلم.

عياض لا خلاف في جواز القراض بين المسلمين وأنه رخصة مستثناة من الإجارة المجهولة ومن السلف بمنفعة قال ولا خلاف فيه الدنانير والدراهم وغير جائز بالعروض لأنه فسخ دين في دين وسواء كانت العروض ما كانت واختلف في الشروط التي بها يصح فعندنا أن شروطه عشرة تقدير رأس المال للعامل وكونه معلوما وكونه غير مضمون على العامل وكونه مما يتبايع به أهل تلك البلدة من العين مسكوكا كان أو غير مسكوك ومعرفة الجزء الذي تقارضا عليه من ربحه وكونه مشاعا لا مقدرا بعد ذلك تقديرا وأن لا يختص أحدهما بشيء معين سواه إلا ما يضطر إليه العامل من نفقة ومؤنة في السفر وله اختصاص العامل بالعمل وأن لا يضيق عمله بالتحجير أو بتخصيص يضر بالعامل وأن لا يضربا له أجلا انتهى.

والنقار بكسر النون معناه الفجرات ونحوها قال في المدونة وقد ذكر بعض

ص: 784

أصحابنا أن مالكا سهل في القراض بنقار الذهب والفضة فسألت مالكا عن ذلك فقال: لا يجوز وقد تقدم منع القراض بالعروض وذكر الشيخ أنه إن نزل أي وقع القراض بالعروض أنه يكون أجيرا في بيعها ومقارضها في ثمنها فيعطى أجرة البيع من رأس المال ويعتبر القراض من يوم قبض الثمن وإشغال وكأنه وكيل في الوجهين ويعتبر المثل في الجانبين وإنما هذا إذا فات بالعمل وإلا فسخ فقط وما ذكر الشيخ هو المشهور ومذهب المدونة والله أعلم.

(وللعامل كسوته وطعمه إذا سافر في المال الذي له بال وإنما يكتسى في السفر البعيد).

قال في المدونة وإذا كان العامل مقيما في أهله فلا كسوة له من المال ولا نفقة قال الشيخ إلا أن يشغله البيع فيتغذى بالأفلس ولا ينفق منه لتجهزه لسفره حتى يظعن فإذا شخص كانت نفقته في المال في طعامه وشرابه وفيما يصلحه بالمعروف من غير سرف ذاهبا وراجعا إن كان المال يحمل ذلك ابن الفاكهاني قيل وأقله خمسون دينارا عينا قال غيره وهو في الموازية وفي مختصر ما ليس في المختصر ينفق منه إذا كان يسيرا وإن كان سبعين دينارا وقال بعض الشيوخ إذا كان السفر بعيدا والمال كثيرا فالنفقة والكسوة وإن كان السفر قريبا والمال قليلا فله النفقة دون الكسوة على ما في سماع عيسى وظاهر الواضحة لا نفقة ولا كسوة والله أعلم.

(ولا يتقسمان الربح حتى ينض رأس المال).

لأنهما إن اقتسما الربح قبل النضوض حصل في المال وضيعة جبراها مما اقتسماه فلم يكن لقسمتهما فائدة قال ابن المواز أخبرني أصحاب مالك أنه قال لا يجوز أن يتفاصلا حتى يحضر جميع المال ثم يقبض رأس ماله ثم يقتسمان الربح وفي الباب مسائل يطول جلبها فانظرها إن شئت وبالله التوفيق.

(والمساقاة جائزة في الأصول على ما تراضيا عليه من الأجزاء والعمل كله على المساقي).

المساقاة مأخوذة من السقي لأنه معظم ما يعمل فيها (ع) المساقاة عقد على عمل مؤنة النبات بقدر ما من غلته لا بلفظ بيع أو إجارة أو جعل فيدخل قول المدونة لا

ص: 785

بأس بالمساقاة على أن كل الثمرة للعامل ومساقة البعل عياض هي سنة على حيالها مستثناة من المخابرة وكراء الأرض بما يخرج منها ومن بيع الثمرة والإجارة بها قبل طيبها وقبل وجودها ومن الإجارة المجهولة والغرر.

والأصل في ذلك معاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر ولداعيته إلى ذلك وهو أصل منقول بأحكام تختص به قال وتنعقد باللفظ كسائر الإجارات والمعاوضات كما قال الكتاب ولا نتعقد إلا بلفظ المساقاة خصوصا على مذهب ابن القاسم فلو قال استأجرتك على عمل حائطي وسقيه بنصف ثمرته أو ربعها لم يجز حتى يسمياها مساقاة.

قال: وشروط وجوبها وصحتها وجوازها ثمانية:

أولها: أنها لا تصح إلا في أصل يثمر أو ما في معناه من ذوات الأزهار والأوراق التي ينتفع بها كالورد والآس.

الثاني: أن يكون قبل طيب الثمرة وجواز بيعها.

الثالث: أن تكون مدة معلومة ما لم تطل جدا.

الرابع: أن تكون بلفظ المساقاة كما تقدم.

الخامس: أن تكون بجزء مشاع مقدر.

السادس: أن يكون العمل كله على العامل.

السابع: أن لا يشترط واحد منهما من الثمرة ولا من غيرها شيئا معينا خالصا لنفسه.

الثامن: أن لا يشترط على العامل عملا خارجا عن منفعة الثمرة أو يبقى بعد جذاذها مما له بال وقدر انتهى.

وقد جعل ابن نافع غير الأصول الثابتة مثلها في المساقاة وقيده مالك بالضرورة فقول الشيخ: (في الأصول): يريد وما في معناها وحكمها وقوله من الأجزاء يريد وكذلك عمل الثمر كله على المساقي قاله في المدونة وقوله (والعمل كله على المساقي) يعني أنه إنما يأخذ على عمله فلا حجة له في رده على غيره ولا يجوز اشتراط شيء منه عليه.

(ولا يشترط عليه عملا غير عمل المساقاة ولا عمل شيء ينشئه في الحائط

ص: 786

إلا ما لا بال له من سد الحظيرة وإصلاح الضفيرة وهي مجتمع الماء من غير أن ينشئ بناءها والتذكير على العامل وتنقية مناقع الشجر وإصلاح مسقط الماء من الغرب وتنقية العين وشبه ذلك جائز أن يشترط على العامل).

المشترط في المساقاة ثلاثة أقسام:

قسم يقتضيه الحكم وهو ما تفتقر إليه الثمرة من سقي أو آلة أو فاعلية ونفقة العبيد والدواب ونحو ذلك فهذا لا يحتاج فيه إلى شرط.

وقسم يلزم بالشرط وهو ما لا بال له كسد الحظيرة وإصلاح الضفيرة ولا يلزم بلا شرط.

ص: 787

وقسم لا يجوز اشتراطه وهو ما كان خارجا عن عمل المساقاة أو كان يبقى بعد فراغها وله بال كإنشاء حائظ ونحوه وكلام الشيخ وقوله (سد) يروى بالمهملة والمعجمة والحظيرة.

قال يحيى بن يحيى ما يحظر بزرب فهو حظيرة الباجي: ومعنى سد الحظيرة أن يسترخى رباطه فيشترط على العامل سده والضفيرة عيدان تشد وتنسج ثم تضفر وتطين يجتمع فيه الماء كالصهريج.

وقوله: (التذكير على العامل) يحتمل أن يريد تعليق الذكار وهو عمل مجرد وشراؤه والإتيان به مع ذلك وحكى اللخمي اختلافا عن مالك وتأول عليه بعضهم كون العمل على العامل والذكار على رب الحائط والله أعلم.

ومنقع الماء مجتمعه في أصول الشجر قال الجوهري و (الغرب) الدلو العظيمة و (المسقط) بكسر القاف موضع السقوط وهو مما جاء على غير قياس لأن مضارعه يسقط بالضم والله أعلم.

(ولا تجوز المساقاة على إخراج ما في الحائط من الدواب وما مات منها فعلى ربه خلفه، ونفقة الدواب والأجراء على العامل وعليه زريعة البياض اليسير ولا بأس أن يلغى ذلك للعامل وهو أحله وإن كان البياض كثرا لم يجز أن يدخله في مساقاة النخل إلا أن يكون قدر الثلث من الجميع فأقل).

يعني إذا كان في الحائط دواب ورقيق حال العقد لم يجز لربه إخراجهم عند عقد المساقاة ولا بعد ذلك لأن العامل إنما دخل عليهم ولو لم يكونوا لم يلزمه الإتيان هم وإن مات منهم شيء فعلى ربه خلفه لنقص العدد الذي دخل عليه العامل وقال في المدونة ونفقة الدواب على العامل كانوا لربه أو له وكذا نفقة الأجراء وكسوتهم إن كانت مشترطة كانت على العامل وإن كانت وجيبة كانت على رب الحائط إن دخل عليهم وكل هذا على المشهور وفي مختصر ما ليس في المختصر نفقة الرقيق على رب الحائط والله أعلم.

و (الزريعة بتخفيف الراء وتشديدها لحن وهي ما يستنبت منه الشيء والبياض ما لا شجر فيه من الأرض وما ذكر في ذلك هو المشهور وقوله وهو أحله قال ابن عبد

ص: 788

السلام ليسلما من كراء الأرض بما يخرج منها وفي الباب أحكام وفروع فانظرها إن شئت وبالله التوفيق.

(والشركة في الزرع جائزة إذا كانت الزريعة منهما جميعا والريح بينهما كانت الأرض لأحدهما والعمل على الآخر أن العمل بينهما وأكتريا الأرض أو كانت بينهما أما إن كان البذر من عند أحدهما ومن عند الآخر الأرض والبذر من عند أحدهما وعلى الآخر العمل جازا إذا تقاربت قيمة ذلك).

هذا فصل المزارعة وفي كونها عقدا لازما بالعقد أو لا تلزم إلا بالأبدان ثلاثة لسحنون مع عبد الملك وابن كنانة وابن القاسم في كتاب ابن سحنون وقال ابن كنانة في المبسوط لا تلزم إلا بالشروع ابن رشد وبه الفتيا بقرطبة وهو قياس رواية علي في لزوم الجعل وثالثها لابن القاسم في سماع أصبغ لا تلزم إلا بالأبدان ابن حارث واتفقوا على لزومها بالعمل.

عياض وجوهها ثلاثةك إن اشتركا في الأرض والزريعة والعمل جاز اتفاقا وإن اختص أحدهما بالأرض من عنده والآخر بالبذر والأرض لها قيمة اشتركا في غيرها تساويا أو تفاوتا لم تجز وتفسد اتفاقا لاشتمالها على كراء الأرض بما يخرج منها لا على قول الداودي والأصيلي ويحيى بن يحيى في إجازة كراء الأرض بالجزء وهو خلاف مذهب مالك وأصحابه وما عدا هذين الوجهين يختلف فيه انتهى.

وحاصله إذا كانت الأرض سالمة من كرائها بما تنتب لئلا يقابلها أو جزء منها الزريعة أو جزء منها فإن ذلك جائز بأي وجه كان إذا تساويا في الربح بأن لا يأخذ كل واحد على نسبة ماله ولا يشترط الشركة في الآلة والبقر قاله مالك في رواية ابن القاسم وهو المشهور قال ابن غالب في رواية لا يجوز إلا مع الاشتراك في الآلة وقد تضمن كلام الشيخ صورا أربعة أولها الزريعة منهما جميعا والربح بينهما والأرض لإحداهما والعمل في مقابلتها. الثانية: بحالها والعمل بينهما والأرض كانت ملكا أو مكتراة أو غير ذلك. الثالثة: أن يكون البذر في مقابلة الأرض أو جزء منها كانت لمن جعلها أو اكتراها والعمل عليها أو على واحد منهما.

ص: 789

الرابعة: أن يكون كل شيء منهما والزريعة من عند واحد وعلى الآخر العمل والأرض مكتراة بينهما فكل هذه الصور عنده جائزة إلا الثالثة فتأمل ذلك.

وقد سئل ابن رشد عن رجلين اشتركا في الزرع على أن جعل أحدهما الأرض والزرع والبقر. والثاني: العمل ويكون الربع للعامل بيده والثلاثة الأرباع لصاحبه هل يجوز ذلك أم لا فأجاب لا يخلو الأمر من ثلاثة أوجه: أحدها: أن يعقداها بلفظ الشركة.

الثاني: أن يعقداها بلفظ الإجارة الثالث: أن لا يسميا في عقدها شركة ولا إجارة فإن عقداها بلفظ الشركة جازت وإن عقداها بلفظ الإجارة لم تجز وإن لم يسميا شركة ولا إجارة وإنما قال أدفع إليك أرضي وبقري وبذري وتتولى أنت العمل ويكون لك ربع الزرع أوخمسه أو جزء من أجزائه يسميانه فحمله ابن القاسم على الإجارة فلم يجزه وإليه ذهب ابن حبيب وحمله سحنون على الشركة فأجازه ثم قال هذا تحصيل القول عندي في هذه المسألة، وقد كان أدركنا من الشيوخ لا يحصلونها، هذا التحصيل ويذهبون إلى أنها مسألة اختلاف جملة من غير تفصيل وليس ذلك عندي بصحيح انتهى.

قال ابن عبد السلام وهذه هي مسألة الخماس في بلادنا ورده (ع) بما يطول ومرجعه لتحيق مناظرها فانظره.

(ولا ينقد في كراء أرض غير مأمونة قبل أن تروى).

مفهوم كلامه أن المأمونة يجوز فيها كالتي رويت ابن رشد لا يفرق ابن القاسم في الأرضين بين العقد لعام ولا أعوام ولوكانت غير مأمونة وهي في جواز النقد قسمان فالمأمونة كأرض النيل والمطر المأمون والسقي بالأنهار والعيون الثابة والآبار المعينة النقد فيها لأعوام كثيرة جائزة وغير المأمونة لا يجوز فيها النقد إلا بعد ريها وإمكان حرها كانت من أرض النيل أو المطر أو العير أو الآبار وهي في وجوبه قسمان فارض النيل يجب فيها إذا رويت لأنها لا تفتقر للسقي فبريها يكون المكتري قابضا لما اكترى.

وأرض السقي والمطر لا يجب فيها حتى يتم الزرع ويستغنى عن الماء ووافقه ابن

ص: 790

الماجشون في أرض النيل وفي أرض السقي لغير مأمون وخالفه في أرض السقي المأمون فانظر بقية كلامه فقد طال علي وتفاصيل الباب كثيرة.

(ومن ابتاع ثمرة في رءوس الشجر فأجيج ببرد أو جراد أو جليد أو غيره فإن أجيح قدر الثلث فأكثر وضع عن المشتري قدر ذلك من الثمن وما نقص عن الثلث فمن المبتاع).

(الجائحة) ما ينزل بالثمر من المتلفات في زمن انتظار استيفاء طيبها وهي ثلاثة أنواع أمر سماوي لا سبب لأحد فيه ولا قدرة على دفعه كالجليد والبرد وهي الحجارة من السماء والثلج العطش ونحوه وهذا لا خلاف في الرجوع بما نقص على الوجه الذي ذكر والمشهور قول ابن القاسم أن المعتبر ثلث المكيلة لأن الضرر متعلق بعينها وقال أشهب ثلث القيمة لأنها المقصودة منها قيل والخلاف إنما هو في ثمرة لا يحبس أولها على آخرها فانظره.

الثاني: أمر أرضى مقدور على دفعه ومنه السارق عند ابن القاسم وهو خلاف قوله في المدونة لو أن سارقا سرقها لكانت جائحة وقيده بعض الأندلسين بالفتنة أو حيث لا يستطاع وصرح الإخوان بأن ما كان من آدمي فليس بجائحة.

الثالث: ما كان من الأمور الأرضية التي لا يقدر على دفعها فاختلف فيه كالدود والفأر والجيش وهذا مختلف فيه ففي المدونة الجيش جائحة ومقتضى قول الأخوين ليس بجائحة فانظر ذلك وقوله: (وما نقص عن الثلث): يريد ولو قال فلا شيء فيه لا في المكيلة ولا في القيمة والله أعلم.

(ولا جاحئة في الزرع ولا فيما اشترى بعد أن يبس من الثمار وتوضع جائحة البقول وإن قلت وقيل لا يوضع إلا قدر الثلث).

المشتري من النبات ثلاثة البل والمشهور لا حد فيه بل توضع جائحته قلت أوكثرت لأن الغالب جاحته العطش والحكم أن يوضع بجائحته ما قل وجل وقل عبد الوهاب هو كالثمار يعتبر فيه الثلث ورواه علي بن زياد وفي مختصر الشيخ ثالث بالسقوط مطلقا والزرع لا جائحة فيه لأنه لا يباع إلا بعد يبسه.

ابن القاسم: كل ما لا يباع إلا بعد يبسه من قمح أو شعير أو غيرهما فلا جائحة

ص: 791

فيه الثالث: الثمار وهي على ثلاثة أقسام ما بيع منها بعد يبسه واستيفاء طيبه كله فلا جائحة فيه كالزرع اتفاقا وما بيع منها في ابتداء طيبة وبقي لتلاحقه وانتهائه ففيه اتفاقا وما بيع بعد تمام صلاحه وبقى لحفظ رونقه نضارته وخيفة تغيره كالعنب وقصب السكر فاختلف في جائحته كما إذا بقى لنفاق سوقه وفي الكيل روايتان والله أعلم.

وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح" وهو عمدة الباب والله الموفق للصواب.

(ومن أعرى ثمر نخلات لرجل من جنانه فلا بأس أن يشتريها منه إذا أزهت بخرصها ثمرا يعطيه ذلك عند الجداد إن كان فيها خمسة أوسق فأقل ولا يجوز شراء أكثر من خمسة أوسق إلا بالعين أو العرض).

العرية بتشديد الياء اشتقاها من عروت الرجل أعروه إذا طلبت معروفة ومنه قوله تعالى: {وأطعموا القانع والمعتر} أي طالب المعروف عبد الوهاب هي هبة الرجل نخلة أو نخلات من حائطه الباجي وهذا الحد على مذهب أشهب وابن حبيب فأما على مذهب ابن القاسم فيه إعطاؤها على وجه يخصها وقد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق وفي خمسة أوسق متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفي رواية لزيد بن ثابت رضي الله عنه عند مسلم بخرصها كيلا يأكلها أهلها رطبا عياض والعربة رخصة مستثناة من أربعة أصول ممنوعة محرمة من المزابنة ومن بيع طعام بمثله دون تحقق تماثل ومن بيع الطعام بالطعام إلى أجل ومن الرجوع في الهبة هذا جملة كلامه بمعناه.

قال: وشراء العرية بخرصها يجوز بعشرة شروط الأول أن يكون معريها هو مشتريها الثاني: أن تكون قد طابت يعني أزهت أي يبدوا صلاحها. الثالث: أن لا تكون إلا بثمر.

الرابع: أن لا تكون إلا بخرصها.

الخامس: أن لا تباع إلا بنوعها.

ص: 792

السادس: أن لا تكون إلا بالجداد هذه الستة متفق عليها.

السابع: أن لا تكون إلا باسم العرية.

الثامن: أن تكون خمسة أوسق فما دونها.

التاسع: أن يكون المشتري جملة ما أعري.

العاشر: أن تكون العرية مما يبس ويدخر وهذه الأربعة مختلف فيها اختلاف مشهورا.

انتهى وبتمامه تم الباب وهو من آكد الأبواب وأهما على المتدين فقد قال عليه الصلاة والسلام لما سئل أي: الكسب أطيب؟ " عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور".

رواه الترمذي من حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه وصححه الحاكم والله الموفق للعمل عليه وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ص: 793