الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في التعالج وذكر الرقي والطيرة والنجوم والخصاء والوسم وذكر الكلاب والرفق بالمملوك
ذكر في هذه الترجمة ثمانية أشياء كلها مهم أولها التعالج وهو محاولة الداء بدوائه والرقى وهو ما يعالج به المرض بالآيات والأذكار ونحوهما من واضح وغير واضح من القول والطيرة العمل على سماع ما يكره أو رؤيته في الانصراف عند المقصد أصلا أو بقية والنجوم ذكر ما يحل تعلمه من علمها والنظر فيه وما لا والخصاء غزالة المذاكير ومافي معناه مما يبطل بقاء النسل من فعل به والوسم بالسين المهملة العلامة بالكي في الحيوان كله وذكر الكلاب أي حكم اتخاذها والرفق بالمملوك يعني من الآدميين إذ لا يسمى بذلك عرفا غيره والله أعلم.
(ولا بأس بالاسترقاء من العين وغيرها والتعوذ والتعالج بشرب الداء والفصد والكي).
أما (الاسترقاء من العين) والنزلة فقد وردت إباحته شرعا غير أنه مرجوح بحديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنهة بغير حساب وأنهم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون وحمل على فعلهم ذلك في الصحة وإلا فقد تداوى صلى الله عليه وسلم وأمر به وكوى غيره وما اكتوى ورقى غيره وما استرقى ورقاه جبريل عليه السلام بقوله أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما باسم الله أرقيك والله يشفيك من كل عين وحاسد يؤذيك وكان عليه الصلاة والسلام في مرضه يقرأ بالمعوذات وينفث في كفيه ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده قالت عائشة رضي الله عنها فلما ثقل جعلت آخذ كفيه فاصنع فيهما مثل ما كان يصنع رجاء بركة يده المباركة صلى الله عليه وسلم وكان يعلمهم رقية التربة ونحوها " باسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى بها سقيمنا بإذن ربنا" يجعل أصبعه في التربة ثم يقول ذلك وينفث معه وأمر بعض نساء المؤمنات يعلمن بعض أزواجه رقية النملة وكل ذلك في الصحيح فدل على الجواز.
وأما التعوذ فهو التحصن من الآفات بأذكار تقال وتكتب وتعلق فقد كان ابن عمر رضي الله عنه يعلم من عقل من أولاده تعوذا مرويا لدفع الفزع بالليل ونحوه ومن
لم يعقل منه كتبه وعلقه في عنقه أخرجه الأئمة إلا أني لا أستحضره الآن فانظره.
وأما شرب الدواب المسهل وغيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الذي أنزل الداء أنزل الدواء فتداووا عباد الله" رواه مسلم وغيره البلالي رحمه الله وإذا كان التوكل اعتماد القلب عليه تعالى فقط فلا يقدح فيه تسببه ولو موهوما ككي في مرض لا قبله ثم قال: تزود صلى الله عليه وسلم واستأجر دليلا وتداوى وأمر به وذكر القاضي أبو بكر بن العربي اختلافا في التطبب لحفظ الصحة وإبراء المرض أيهما يكره فقيل الأول لأنه تعمق في الأسباب وتعلق بالإبهام والثاني لأنه عمل في دفع الأقدار.
قال: والصحيح الأول لأن طلب البرء من دفع المؤلمات والآخر تكلف وشواهد في السنة كثيرة وذكر ذكل في القبس وأما الفصد والكي فلا خلاف في جوازهما بشرط معرفة الفاعل وللضرورة إليهما وقد قال عليه السلام " شفاء أمتي في ثلاثة: لعقة عسل أو شرطة محجمة أو لذعة بنار ولا أحب أن أكتوي" قيل المراد بشرطة محجم الفصد وإنما كره الكي لأنه من القوادح في التوكل إذ لا يحمل عليه إلا قلة الصبر من جهة أنه مؤلم والمسارعة للمؤلم في العلاج دليل التبرم والضجر وهو من الشفقة على النفس وقلة الاستسلام أيضا فالأدواء كلها من ثلاثة: زيادة الخلط واستفراغه بالفصد ونحوه واهتياج المزاج ودواؤه بالعسل على اختلاف تدبيره وانفتاح المجاري أو استدادها وعلاجه بالكي لكنه إن صادف انقضاء الانحذار لم يتحرك ذلك المرض بعد على صاحبه وإن كان منه بقية لم يكن برؤه أبدا فلذلك كره ومن ثم كان آخر الطب الكي.
وقد قال بعض الناس ببلادنا لبعض مهرة الأطباء ببلاد ناقل لي في الطب قولا جامعا فقال: ما دمت صحيحا فكل ما شئت فإن الطبيعة تدفع عن نفسها فإذا مرضت فتحفظ من غير لائق بك فإن الطبيعة مغلوبة وأصل الأشربة والمعاجن العسل وأصل الأدهان كلها الزيت يعني ولكل كيفية تزيد في وقته أو تنقص منها لأجلها يدخل عليهما يغيرهما فتأمل ذلك وبالله التوفيق.
(والحجامة حسنة والكحل للتداوي للرجال جائز وهو من زينة النساء).
أما الحجامة فقد تداوى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بها وقال إنها معينة على العبادة.
قال الأطباء وهي أسلم من الفصادة بل قالوا الفصادة مخطرة فلا يوثق بها إلا من ماهر بخلاف الحجامة فإن فيها وجوها تكون من كل من يعرف فعلما وقد احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحو سبعة مواضع في اليافوخ والأخدعين والكاهل والورك والساق وظهر القدم وسمى كل واحد باسم فانظر ذلك وقال الشيخ أبو عبد الله القوري رحمه الله إن حجامة الكاهل يخرج بها كل خلط زائد لكن لمن يحكمها وتتقى الأيام التي يذكر فيها شيء إلا لقوة إيمان أو خوفا من ضلال جاهل كما فعل مالك.
ويحكى أن بعض العلماء احتجم في يوم أربعاء أو سبت فتبرص فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه فشكا إليه ما به فقال: " أما سمعت الحديث من احتجم يوم السبت أو من احتجم يوم الأربعاء فأصابه برص فلا يلومن إلا نفسه".
قال نعم ولكنه لم يصح فقال: " أما يكفيك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال الغزالي فينبغي أن يعمل بمثل هذا ولا ينظر للصحة إلا في باب الأحكام ونحوها نعم وعند الضرورة لا توقف وقد ورد الأمر بمراعاة يوم الثلاثاء أو عكسه وهذا كله مع السعة وعدم اعتقاد التأثير والاعتماد والله أعلم.
وأما الكحل فقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به يعني بالأثمد وقال: " إنه يجلو البصر وينبت الشعر" فدل على أن فعله وأمره إنما هو للتداوري وهو قول مالك وقال الشافعية هو سنة لذاته وذكر عياض نحوه في آخر الشفاء مجملا في الأمور الخلقية كالسواك وقال ابن العربي وأنكر بعضهم الاستياك بما يصفر أو يحمر ثم قاس جوازه على الكحل بجامع التداوي ورده غيره فانظره وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتحل كل ليلة عند النوم ثلاثا في كل عين وكان يستاك عرضا ويترجل غبا والترجل مشط الشعر بالدهن أو الماء والله أعلم.
وقول الشيخ (من زينة النساء): تنبيه على أنه رخصة للضرورة لأن زينة النساء والتشبه بهن فيها حرام كالعكس إلا لضرورة إجماعا وبالله التوفيق.
(ولا يتعالج بالخمر ولا بالنجاسة ولا بما فيه ميتة ولا بشيء مما حرم الله سبحانه).
لم يكتف بذكر النجس عن الخمر في نجاستها فإن ابن لبابة وابن الحداد يقولان
الخمر طاهر لأن تحريمه لعلة غير خبثه والمشهرو نجاسته ولا يجوز التداوي به ولا بغيره فيما يسري للباطن كدهن الجائفة ونحوها اتفاقا وفي التداوي به حيث يؤمن السريان قال بعض شيوخنا كالبول على العثرة وشبهه ففيه اختلاف وقال الباجي المشهور منع التدواي بالخمر وفي نجس غيره بظاهر الجسد قولان لابن سحنون ومالك وفي حديث وائل الحضرمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لطارق بن سويد وقد سأله عن الخمر يصنعها للدوا " إنها ليست بدواء ولكنها داء" أخرجه مسلم وأبو داود وغيرها.
وقال بعض العلماء إن كل ما يذكر من منافع الخمر ارتفع بتحريمها فلا يكاد يوجد منه شيء اليوم وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها".
أخرج البيهقي من حديث أم سلمة رضي الله عنها وصححه ابن حبان ومن المتفق على تحريمه الاكتحال بالعذرة للرمد وهل يحرم التداوي بتحريم السبب الذي هوكشف العورة ونحوه وظاهر نصوص الأئمة جوازه وقد عمت البلوى في هذه البلاد بالاحتقان ولم نقف في ذلك على شيء إلا في التوضيح من قوله فائدة.
قال ابن حبيب في كتاب له في الطب كان علي وابن عباس ومجاهد والشعبي والزهري وعطاء والنخعي والحكم بن عتبة وربيعة وابن هرمز يكرهون الحقنة إلا من ضرورة غالبة وكانوا يقولوان لا تعرفها العرب وهي من فعل العجم وهي ضرب من فعل قوم لوط قال ابن حبيب وأخبرني مطرف عن مالك أنه كرهها وذكر أن عمر بن الخطاب كرهها وقال هي شعبة من عمل قوم لوط قال عبد الملك وسمعت ابن الماجشون يكرهها ويقول كان علماؤنا يكرهونها.
وقال ابن حبيب وكان من مضى من السلف وأهل العلم يكرهون التعالج بالحقن إلا من ضرورة غالبة لا يوجد عن التعالج بها مندوحة انتهى ثم قال (خ): وسئل مالك في مختصر ابن عبد الحكم عن الحقنة فقال: ليس بها بأس ألا ترى أنه إنما قال ذلك لأنه ضرب من الدواء فيها منفعة للناس وقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم التداوي وأذن فيه فقال: " ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله فتداووا عباد الله"
انتهى. (خ) وظاهر معارضة النقل الأول يمكن تأويله على حال الاضطرار فيتفق النقلان انتهى ما نقل من التوضيح بنصه وحروفه وذكره في كتاب الصيام وذكرته هنا لإفادته وبالله التوفيق.
(ولا بأس بالاكتواء ولا بأس بالرقي بكتاب الله والكلام الطيب ولا بأس بالمعاذاة تعلق وفيها القرآن).
قد تقدم الكلام في الاكتواء وأما الرقى بكتاب الله فلقوله تعالى {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} [الإسراء: 82] وحديث أبي سعيد رضي الله عنه إذا نزلوا على قوم فلم يضيفوهم فلدغ سيدهم فسعوا له بكل شيء فلم ينفعه شيء فقالوا لو أتينا هؤلاء الرهط فلعل فيهم راقيا فأتوهم فقال أبو سعيد قد أتيناكم فلم تضيفونا فوالله ما أنا براق لكمن حتى تجعلوا لنا جعلا فشارطهم على قطيع من الغنم فإذا أو سعيد رضي الله عنه يقرأ عليه بفاتحة الكتاب ويتفل حتى قام وما به من قلبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لئن أكل غيركم برقية باطل فقد أكلتم برقية حق وما يدريك أنها رقية" الحديث متفق عليه.
وأما الكلام الطيب فهو العربي المفهوم المحتوي على ذكر الله ورسوله والصالحين من عباده لا الموهمات والمبهمات إذ حكى المازري أن مالكا سئل عن الأسماء المعجمة فقال ما يدريك لعلها كفر وعلى هذا فالأصل المنع حتى يأتي المبيح وقال بعضهم الأصل خلاف ذلك حتى يتبين الباطل لأنه عليه السلام حين قال" اعرضوا علي رقياكم" فعرضوا فقال: " لا أربى بأسا" الحديث وقد توسع البزلي في آخر كتابه فانظره.
والمعاذة: هي الحروز وقد حصل ابن رشد في جوازها ومنعها أربعة مشهورها سماع أشهب جوازها مطلقا وتعلق على المريض والصحيح والجنب والحائض والنفساء والبهائم بعد جعلها فيما يكنها وثالثها الجواز للإنسان المريض فقط ورابعها جوازها له وإن لم يكن مريضا فانظر ذلك.
(وإذا وقع الوباء بأرض قوم فلا يقدم عليه ومن كان بها فلا يخرج فرارا منه).
الوباء لغة كثرة الموتى والمراد به هنا الطاعون وقد يفهم بما هو أعم وإنما لم يقدم عليه لئلا يصيبه شيء فيقول لولا أني قدمت عليه لنجوت ولا يخرج فرارا منه لئلا يرى نجاته بفراره فيتزلزل يقينه في الجانبين والمشهور في المسألة ما ذكر وهو على الكراهة في الوجهين لا على التحريم وقد حصل ابن رشد في ذلك أربعة أقوال وأصل ما ذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قدم الشام وجد بها الوباء فشاور الصحابة في الرجوع بمن معه من المسلمين فقال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أفرارا من قدر الله؟ قال: نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله أرايت لو كانت لك إبل فأتيت بها واديين أحدهما مجدب والآخر مخصب أكنت ترعاها في المجدب أم في المخصب، قال بل في المخصب قال إن رعيت المجدب رعيته بقدر الله وإن رعيت المخصب رعيته بقدر الله.
فجاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فأخبر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه" انتهى ونقلت حكايته بالمعنى.
وفي حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه " الطاعون شهادة لهذه الأمة ليس أحد يقع الطاعون ببلده فيقعد صابرا محتسبا يعلم أنه ما يصيبه إلا ما قدر الله له لكان له مثل أجر شهيد" رواه البخاري ثم هو مرض من الأمراض في حكم المداواة وغيرها فمما يدفع به تحكمه في الأجساد مركب يقال له روفش أخلاط جزء من صبر وجزء مر ونصف جزء زعفران يسحق كل ناعما ويضاف بشراب ريحاني ويشرب على الريق منه قدر يسير فإن كل جسم خالطه لا يتمكن منه الطاعون بقدرة الله كذا رأيته بخط من يعتمد عليه من الأطباء وصحت تجربته في متعددين.
وذكر بعض الأطباء أن شرب الماء بالقوة تدفعه لأنها تطفئ الحرارة الغريزية وقد جربناه إلا أنه يحدث عللا أخر وأما شرب الخل عند الإحساس به فله أثر كبير في حله وهذه كلها أسباب والقدر من وراء ذلك وقد ينفع الله بالخاصية رجلا ويضر بها آخر وبالله التوفيق.
وقد جاء في الحديث أنه سئل عليه السلام عن حقيقته فقال: " غدة كغدة البعير
تصيب في المراق" وفي الحديث الآخر: " هو وخز أعدائكم من الجن" وقال الأطباء هو غليان في الدم يحدث عن فساد في الهواء قلت وقد يجمع ذلك بأن يقال هو فساد في الهواء تأخذه الجهن فتخز به الأجسام أي تطعنها به فيحدث بذلك غليان في الدم لتنشأ عنه غدة كغدة البعير والله أعلم.
(وقال الرسول عليه السلام في الشؤم إن كان ففي المسكن والمرأة والفرس).
الشؤم: ارتباط الضر وعدم الإفادة ببعض الموجودات وقد أثبته الشارع في هذه الثلاث ونفاه عما سواها قيل حقيقة فيتقى من ذلك ما جرب اقترانه بذلك أو عرف بعلامة وهو الصحيح وقيل بل شؤم المرأة سوء خلقها وشؤم الفرس شماستها وشؤم الدار ضيق مدخلها وقبح مساكنها وهذا واضح فر به صاحبه من إثبات معنى الطيرة في النفس وبالله التوفيق.
(وكان الرسول عليه السلام يكره سيء الأسماء ويعجبه الفأل الحسن).
سيء الأسماء كمرة وحنظلة وحرب وكلب وجذام قال عليه السلام: " خير الأسماء أحمد وعبد واصدقها الحارث وهمام" لأن كل أحد حارث لدنياه أو لآخرته وهمام لهما.
وقال ابن الحاج في مدخله ما معناه أن إبليس أتى أهل المشرق فوجدهم أهل نفخة وكبر فأحدث لهم فلان الدين شمس الدين شهاب الدين برهان الدين فتركوا بها الأسماء المعظمة من محمد وأحمد وإبراهيم وغير ذلك من الأسماء التي لها شرف شرعا وجاء أن من تسمى بها شفع له النبي المسمى بها وصاروا يتبرءون حتى إن أحدهم لو دعوته باسمه كانت مصيبة لا انتعاش لها وهذا أمر عظيم أعاذنا الله منه قال وجاء إلى المغاربة فوجدهم أهل مسكنة فأبدلهم من أسمائهم ما يناسب حالهم فقالوا لمحمد حمو ولأحمد حدو ولعبد الله عبو ولعبد الرحمن رحو ولعبد الصمد عصو ولعبد الكريم عكو إلى غير ذلك مما يكره لفظا ومعنى وربما حرم بعضه نسأل الله العافية بمنه وكرمه وأما الفأل فهو الكلمة الطيبة يسمعها المؤمن من غير قصد موافقة لما هو به أو متوجه له فتسره، والطيرة فعل أو قول ينبني على خلاف ذلك قال بعض العلماء وإنما أبيح الفأل
وكرهت الطيرة لأنه مؤد إلى حسن الظن بالله وهي إلى إساءة الظن به تعالى قال في تقريب الدلالة أظنه لابن الخطيب وقصد سماع الفأل ليعمل على ما يسمع من خير أو شر لا يجوز وكذا أخذ الفال من المصحف قلت بل عده أهل المذهب من الاستقسام بالأزلام وفي المدارك عمل بعض العلماء به وكان يريد السفر في البحر فخرج له {واتر البحر رهوا إنهم جند مغرقون} [الدخان: 24] فلم يسافر فيه فغرق أصحابه ونجا والله أعلم.
(والغسل للعين أن يغسل العائن وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم يصب على المعين).
هذه الصفة التي في الموطأ من حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه وذكر ابن حبيب عن ابن شهاب صفة مثلها بزيادة كيفية وأن عمل أهل المدينة عليها وذكر التلمساني في آخر شرح الجلاب قال مالك وداخله الإزار الذي يلي الجسد وقال ابن نافع لا يغسل موضع الحجز من داخل الإزار إنما يغسل الطرف المتدلي وقيل داخلة إزاره فرجه فيغسله بعد غسل الأذى منه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " العين حق وإذا استغسلتم فاغسلوا" الحديث فانظره.
(ولا ينظر في النجوم إلا ما يستدل به على القبلة وأجزاء الليل ويترك ما سوى ذلك).
النظر في النجوم على وجوه خمسة أولها ما يهتدي به للطرق ويتعرف منه المواضع والأماكن وهذا أحسن لقوله تعالى: {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر} [الأنعام:97].
الثاني: النظر فيها على وجه العبرة بسرها وسيرها ونحوهما وهذا أكبر وجه أعدت له وفعله مستحب.
الثالث: النظر فيها ليعرف الحوادث من المواليد والحدثان فإن كان يعتقد تأثيرها فكفر وإن كان يرى أنها أمارة ومعرفة لا متصرفة فقال الشارمساحي إن كان يخفي ذلك فقولان بالكراهة والإباحة وإن كان يتظاهر به فقولان بالتحريم والكراهة.
الرابع: ما يتعلق بالنظر فيه أمر عادي كمعرفة السنين والحساب وهذا مباح لا حرج فيه على صاحبه وقد يستحب ويجب لما يؤدي إليه.
الخامس: ما يتعلق به حق شرعي وهي ثلاثة ما يؤدي لمعرفة القبلة كالجدي والفردقين ومطالع المنازل وما يؤدي لمعرفة أجزاء الليل وهو مندوب إليه كالذي قبله وما يؤدي لمعرفة أوقات الصلاة وهو واجب على من لا يمكنه معرفة الوقت إلا به بل واجب الجملة وهذا القدر يحتصل في شهر أو جمعة أو يوم والله أعلم.
(ولا يتخذ كلب في الدور والحضر ولا في دور البادية إلا الزرع أو الماشية يصحبها في الصحراء ثم يروح معها أو لصيد يصطاده لعيشه لا للهو).
يعني أن اتخاذ الكلب محرم إلا للثلاثة المذكورة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية أو زرع أو صيد نقص كل يوم من أجره قيراط" متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفي الصحيح أيضا" إن الملائكة لا تدخل فيه بيتا فيه صورة أو كلب" يعني ملائكة التكريم لا ملائكة التصرف والتصريف فإنه لا يدفعهم شيء.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل بيت رجل من الأنصار ولا يدخل بيت آخر فقيل له في ذلك فقال: " بيت فلان فيه كلب" فقيل له بيت فلان فيه هر فقال: "الهر سبع ذو ناب".
قال ابن العربي لأنه يحفظ الأثاث ويهلك المؤذيات يعني ولا يروع أحدا من الناس قال ابن العربي فإن احتيج إلى الكلب في البادية تنزل منزلة الهر في حكمه وظاهر كلام الشيخ أنه لا يجوز اتخاذه لحراسة البيوت والأمتعة وأجازه عروة بن الزبير من الفقهاء السبعة وولده هشام بن عروة واختلف فيه الشافعية واختلف أهل المذهب هل يتقيد كلب الزرع بزمانه فإذا فرغ يصرف أو لا قولان.
والمازري على لزوم صرفه وخالفه غيره ويحكى أن الشيخ انهدم حائط بيته وكان يخاف من الشيعة فربط في موضعه كلبا فقيل له في ذلك فقال لو أدرك مالك زمانك
لاتخذ أسدا ضاريا كذا سمعته من شيخنا أبي عبد الله القوري رحمه الله عياض ذهب كثير من العلماء إلى جواز قتل الكلب إلا ما استثني في الحديث من كلب الزرع ونحوه.
وإلى الجواز ذهب مالك وأصحابه وذهب جماعة من العلماء إلى أن النهي عن اتخاذ الكلاب والأمر بقتلها منسوخ والنسخ يحتاج إلى إثبات بتاريخه ولعله لا يوجد ثم حكم الصيد قد تقدم وأنه لقوته وقوت عياله واجب وللتوسعة عليهم مندوب وللهو مكروه وللعبث حرام ولغير ذلك مباح على المشهور في ذلك خلافا لمن يرى إباحته مطلقا وقد تقدم في باب الضحايا فانظره وبالله التوفيق.
(ولا بأس بخصاء الغنم لما فيه من صلاح لحومها وينهى عن خصاء الخيل).
لا خلاف في تحريم خصاء بني آدم وفي الجواهر هو عيب يرد به العبد وهو جائز في مأكول اللحم بلا خلاف الغنم وغيرها وفي التلقين خصاء الخيل مكروه لأن نسلها مراد ولحمها غير مأكول والظاهر أن البغل ليس مثلها لعدم قصد نسله وقد يكره لضعف قوته ولم أقف على نص في ذلك فانظره.
(ويكره الوسم في الوجه ولا بأس به في غير الوجه)
الوسم: بالمهملة العلامة بالنار يجعل في البهيمة لتعرف به فيتقى أخذها ويستعان به في طلبها عند تلفها ونحوه وإنما كره في الوجه لأنه بغير وجه الحيوان ويذهب بحسنه وقد جاء النبي عن تغيير خلق الله وذكر ابن الفاكهاني أن الرواية هنا الوشم بالمعجمة وتفسير عبد الوهاب يدل على المهملة وقد تقدم أمر الوشم بالمعجمة وهو لا يتأتى في غير الآدمي والله سبحانه أعلم.
(ويترفق بالمملوك ولا يكلف من العمل ما لا يطيق).
كذا ورد في الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم " للملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق" أبو عمر ويكلف الرجل بأن يعلف دابته أو يرعاها إن كان في مرعاها وما يكفيها أو يبيعها أو يذبح ما يجوز ذبحه ولا يترك يعذبها بالجوع (ع) لازم هذا القضاء عليه لأنه منكر وتغيير المنكر والقضاء به واجب قال وهو أصوب من نقل ابن رشد أنه يؤمر بتقوى الله في ترك إجاعتها ولا يقضى عليه بعلفها قال:
وعن أبي يوسف يقضى عليه كنفقة العبد ثم إنه فرق بين العبد والدابة أن العبد مكلف تجب عليه الحقوق من الجنايات وغيرها فكما يقضى عليه يقضى له. والدابة كما لا يقضى عليها لا يقضى لها (ع) تعذر شكوى الدابة موجب أحروية القضاء بعلفها انتهى.
وفي البخاري وغيره من حديث أبي ذر رضي الله عنه:" إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفهوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم" الحديث ومحمله في الأمر بالتساوي على الندب قال (س) لحديث:" إذا أتى أحدكم خادمه بطعام فإن لم يجلسه معه فيناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين فإنه ولي حره وعلاجه" رواه البخاري وغيره وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.