المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن العارية والوديعة واللقطة والغصب - شرح زروق على متن الرسالة - جـ ٢

[زروق]

فهرس الكتاب

- ‌باب في الجهاد

- ‌باب في الأيمان والنذور

- ‌باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع

- ‌باب في العدة والنفقة والاستبراء

- ‌باب في البيوع وما شاكل البيوع

- ‌باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

- ‌باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن العارية والوديعة واللقطة والغصب

- ‌باب في أحكام الدماء والحدود

- ‌باب في الأقضية والشهادات

- ‌باب في الفراض

- ‌باب جمل من الفرائض ومن السنن الواجبة والرغائب

- ‌باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك

- ‌باب في الطعام والشراب

- ‌باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله عز وجل والقول في السفر

- ‌باب في التعالج وذكر الرقي والطيرة والنجوم والخصاء والوسم وذكر الكلاب والرفق بالمملوك

- ‌باب في الرؤيا والتثاؤب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي وغير ذلك

- ‌باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات

- ‌باب ما يجب منه الوضوء والغسل

- ‌باب طهارة الماء والثوب والبقعة وما يجزئ من اللباس في الصلاة

- ‌باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه وذكر الاستنجاء والاستجمار

- ‌باب في الغسل

- ‌باب فيمن لم يجد الماء وصفة التيمم

- ‌باب في المسح على الخفين

- ‌باب في أوقات الصلاة وأسمائها

- ‌باب الأذان والإقامة

- ‌باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن

- ‌باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم

- ‌باب جامع في الصلاة

- ‌باب في سجود القرآن

- ‌باب في صلاة السفر

- ‌باب في صلاة الجمعة

- ‌باب في صلاة الخوف

- ‌باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى

- ‌باب في صلاة الخسوف

- ‌باب في صلاة الاستسقاء

- ‌باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت وكفنه وتحنيطه وحمله ودفنه

- ‌باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

- ‌باب في الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله

- ‌باب في الصيام

- ‌باب في الاعتكاف

- ‌باب في زكاة العين والحرث والماشية وما يخرج من المعدن وذكر الجزية وما يؤخذ من تجار أهل الذمة والحربيين

- ‌باب في زكاة الماشية

- ‌باب في زكاة الفطر

- ‌باب في الحج والعمرة

- ‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

- ‌باب في الجهاد

- ‌باب في الأيمان والنذور

- ‌باب في النكاح والطلاق الرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع

- ‌باب في العدة والنفقة والاسبتراء

- ‌باب في البيوع وما شاكل البيوع

- ‌باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

- ‌باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن والعارية والوديعة واللقطة والغصب

- ‌باب في أحكام الدماء والحدود

- ‌باب في الأقضية والشهادات

- ‌باب في الفرائض

- ‌باب جمل من الفرائض والسنن الواجبة والرغائب

- ‌باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك

- ‌باب في الطعام والشراب

- ‌باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله عز وجل والقول في السفر

- ‌باب في التعالج وذكر الرقي والطيرة والنجوم والخصاء والوسم والكلاب والرفق بالملوك

- ‌باب في الرؤيا والتثاؤب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي ويغير ذلك

الفصل: ‌باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن العارية والوديعة واللقطة والغصب

‌باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن العارية والوديعة واللقطة والغصب

ذكر في هذه الترجمة تسعة أشياء يتسع الكلام فيها وهي من أبواب الأقضية فلنقتصر على ما لا بد منه في كل باب منها في محله، فأما الشفعة فقال عياض هي بسكون الفاء وهل هي من الشفع لأن الشريك يشفع نصيبه بنصيب صاحبه بعد أن كان وترا أي فردا أو من الشفاعة لأن العرب كانت إذا باع الشريك شفعة لشريكه أي يصير البيع له هذا الذي ارتضاه ابن الفاكهاني وقيل لأن أحد النصيبين شفع لمالكه في تحصيل الآخر (ع) الشفعة استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمنه ورد قول ابن الحاجب أخذ شريك حصة الشريك جبرا بشراء فانظر ذلك والمشهور أن الذمي كغيره في الشفعة وفي المجموعة عن ابن القاسم لا شفعة لشريك النصراني والله أعلم.

(وإنما الشفعة في المشاع ولا شفعة فيما قد قسم ولا لجار ولا في طريق ولا عرصة دار قد قسمت بيوتها ولا في فحل نخل أو بئر إذا قسمت النخل أو الأرض ولا شفعة إلا في الأرض وما يتصل بها من البناء والشجر).

أصل هذا الباب عندنا حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة متفق عليه قال ابن الفاكهاني تضمن هذا الحديث ثلاثة أحكام وجوب الشفعة بالشركة وسقوطها بالجوار

ص: 810

لأنه بعد القسم جائز وأن الشفعة في الرباع دون العروض الحيوان قال والشفعة تجب بثلاثة شروط:

أحدها: أن يكون المبيع عقارا أو ما يتصل به. الثاني: أن يكون البيع قبل القسمة. الثالث: أن يكون مما يحمل القسمة انتهى.

والمشاع هو الذي يقسم بل كل نصيب الشريكين شائع في كله، وقال الحنفي بشفعة الجار لحديث:" الجار أحق بصقبة ومحمله" على الندب والإرشاد فأما بقعة الطريق والرصة فهي تبع لما تؤدي إليه فإذا قسم كانت تبعا له بخلاف ما إذا كان مشاعا فإنها تشفع كمتبوعها عبد الوهاب أما البئر وفحل النخل إذا كان في أرض غير مقسمومة ففيه الشفعة لأن أصله فيه الشفعة وهما تبع بخلاف ما إذا قسمت لعدم إمكان القسمة هو متصل بما لا شفعة فيه.

(والعرصة) بفتح المهملة القاعة و (فحل النخل) ذكره الذي يذكر منه واختصاص الشفعة بالأصول الثابتة هو المذهب واختلف في توابع النخل وشبهه ففي الثمر المعلق روايتان وسواء المساقي وغيره وذكر اللخمي اثنتي عشرة مسألة في كل واحد قولين ونقلها ابن الفاكهاني بلفظه فانظره.

(ولا شفعة للحاضر بعد السنة والغائب على شفعته وإن طالت غيبته).

ظاهر كلامه أن الحاضر لا شفعة له بعد السنة ولو بلحظة وهو قول أشهب وروايته وفي التوضيح عن الميتطي إنما يقطع شفعة الحاضر أكثر من السنة بما يعد طولا وهو قول ابن القاسم وبه القضاء قال والغائب والصغير المهمل والسفثه الذي مات وليه واليتيم والبكر لا تنقطع شفعتهم إلا بعد عام من قدوم الغائب وبلوغ اليتيم وترشيد

ص: 811

السفيه وإنكاح البكر ورشدها قال وهذا هو المشهور وبه العمل قال والذي في المدونة لابن القاسم وروايته أن السنة قليل والزيادة عليها في الوثائق المجموعة الشهر والشهر أن وبالشهرين قال ابن الهندي وفي القاسمية الذي جرى به العمل ما زاد على الشهرين وللعبدي ثلاثة ولابن سهل أربعة وهذا كله ما لم يحضر البيع ويشهد في وثيقته فإنه لا يسامح إلا فيما قرب كالعشرة الأيام وفي أصل المسألة أقوال ثمانية وفي فروعها اختلاف فانظره.

(وعهده الشفيع على المشتري).

يعني أن المشفوع إذا استحق من يد الشفيع رجع بالثمن على الذي أخذ من يده بالشفعة وهو المشتري لأنه المأخوذ من يده بعد صيرورة الملك له ابن المواز وأجمع مالك وأصحابه أن عهدة الشفيع على المشتري أشهب وإليه يرجع الثمن إن كان دفع للبائع وعلى المشتري إقباض الشقص للشفيع وللشفيع قبضه من البائع وعهدته في كل ذلك على المبتاع ابن رشد. وفي المدونة ما يدل على أن الشفيع مخير في كتب عهدته على ما شاء منهما وليس بصحيح.

(ويوقف الشفيع فإما أخذ أو ترك).

يعني يوقف الحاكم المشتري بعد الشراء لا قبله إن طلب ذلك فإما أخذ بعد العلم بالثمن وصفة عقده والمشتري أو ترك فإن أبى واحد منهما جبرة الحاكم عليه ابن يونس روى ابن عبد الحكم ويؤخره الحاكم اليومين والثلاثة لينظر ويستشير وقال ابن عبد السلام المشهور لا يؤخر ويقال له خذ الآن أو دع وهو نص كتاب ابن المواز ومثله لأشهب في المجموعة وهو ظاهر المدونة واختار اللخمي إن كان إيقافه بحدثان الشراء أمهل اليومين ونحوهما وإن لم يوقف حتى طال لم يهمل ابن المواز وإيقاف غير الحاكم لغو وله تأخيره بالثمن الأيام إذ أخذ وهل اليومين ونحوهما وقاله مالك أو أكثر أقوال.

(ولا توهب الشفعة ولا تباع).

يريد لغير المشتري عبد الوهاب لأن الشفعة إنما جعلت للشفيع لرفع الضرر بأن يدخل عليه من لا يعرف شركته ولا معاملته فإذا نقلها لغيره بطل المعنى المقصود منها وكان المشتري أحق وفي بعضها مسائلها اختلاف وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه " الشفعة كحل العقال" رواه ابن ماجه والبزار وهو ضعيف.

ص: 812

(وتقسيم بين الشركاء بقدر الأنصباء).

يريد لا على عدد الرءوس وهذا إن شفعوا كلهم وهذا قول ابن القاسم وقال عبد الملك على عدد رءوسهم فإن طلب بعضهم وترك البعض فليس للطالب أخذه بقدر نصيبه فإما أخذ الكل أو ترك الكل كان الشفيع واحدا أو جماعة ابن شاس هذا إذا كانوا في الشركة سواء لا خصوص لبعضهم عن بعض وإلا فأهل كل حيز من حيزهم ثم لمن يليهم وتفصيل ذلك يطول فانظره إن شئت.

(ولا تتم هبة ولا صدقة ولا حبس إلا بالحيازة).

ولا يشترط التحويز في ذلك وهو معاينة الشهود للحوز بخلاف الرهن كذا نص عليه (ع) وسيأتي والحاصل أن ما ذكر يلزم بالعقد ويتمم بالحيازة (ع) لزوم العطية بعقدها ابن زرقون عن المازري للواهب الرجوع في هبته قبل حوزها عند جماعة وفي قولة شاذة عندنا حكاها الطحاوي عن مالك وكذا ابن خويز منداد (ع) والمذهب وقف تمامها على حوزها ابن زرقون وروى أبو تمام عدم وقف الصدقة والحبس على الحوز ووقف الهبةعليه ثم الحوز معنوي وحسي فالمعنوي حوز الولي لمن في حجره فيخرج الحوز للرشيد ويدخل الكبير السفيه لا الوالد العبد ولا الأم لولدها إلا أن تكون وصية عليه. والحسي رفع تصرف المعطي في العطية تصرف التمكين منه للمعطي أو نائبه سمع ابن القاسم دفع المتصدق بدار مفتاحها للمتصدق عليه بها حوز ولو لم يسكنها ابن رشد اتفاقا.

(فإن مات قبل أن تحاز عنه فهي ميراث إلا أن يكون ذلك في المرض فذلك نافذ من الثلث إن كان لغير وارث).

شرط الحوز أن يكون في صحة المعطى وعقله وشرط الواهب كونه لا حجر عليه بوجه فإن كان في غير صحته كان لاحقا بكل تصرفاته تخرج من ثلثه كما لم يكن عليه دين مستغرق سابق لها وفي كون إحاطته بعدها قبل حوزها يبطلها أو لا قولان

ص: 813

لأخوين وأصبغ وفيما إذا منعه منع من الحوز دون تراخ اختلاف وفيما حيز في مرض موت معطية ثلاثة بطلانها وصحتها في ثلث الشيء الموهوب للمعطي وكونها في ثلث المعطى بجملتها للمدونة وأشهب وتخريج اللخمي فانظره وظاهر الرسالة فيما إذا عقد ولم يجز والله أعلم.

(والهبة لصلة الرحم أو لفقير كالصدقة لا رجوع فيها ومن تصدق على ولده فلا رجوع له).

الجوهري (الصدقة) ما تصدق به على الفقراء (ع) والصدقة تمليك ذي منفعة لوجه الله (والهبة) لغير ثواب تمليك ذي منفعة لوجه المعطى له بغير عوض فإن أراد مع ذلك ثوابها لله فقال الأكثر تصير صدقة يمنع فيها الاعتصار أي الرجوع ممن يصح له وقال مطرف لا تخرج بذلك عن حكم الهبة وقال ابن عبد البر لا خلاف أعلمه أن الصدقة وكل هبة أريد بها وجه الله فالرجوع فيها حرام.

عياض وخرج بعض شيوخنا من إجازة مالك في العتبية الآكل مما تصدق به على ولده جواز الاعتصار في الصدقة ونقل ابن رشد قول مطرف أن هبته لولده لله أو لصة الرحم له اعتصارها حتى يسميها صدقة ثم وجه ذلك بأن الهبة ما قصد به الموهوب وإن كان مع طلب الثواب والمشهور ما هنا والله أعلم.

(وله أن يعتصر ما وهب لولده الصغير أو الكبير ما لم ينكح لذلك أو يداين أو يحدث في الهبة حدثا).

ص: 814

الاعتصار ارتجاع المعطي لعطيته دون عوض لا بطوع المعطي والمذهب أنه لا رجوع في هبة حيزت بوجه صحيح إلا الأب والأم في ابنيهما فالأب يعتصر مطلقا ما لم يتعلق حق بعين العطية كأن ينكح لذلك أو يداين فيتعلق به حق الغير أو يحدث بناء ونحوه معتبرا فيتعلق حقه به فلا يصح اعتصاره.

وقال ابن دينار إنكاح الذكر بعد الهبة لا يمنع الاعتصار لأن له أن يحل عن نفسه بخلاف الأنثى واختار اللخمي إن لم يتزوج للهبة لقلتها أو لكثرتها وهو ظاهر اليسار فله الاعتصار إلا أن تكون كثيرة ولولا هي ما تزوج وهذا الذي يطعيه كلام الشيخ وروى مطرف كقوله مع ابن القاسم وأصبغ إن لم يتزوج لأجلها لم يمنع الاعصار وقال عبد الملك يمنع وقال اللخمي عن محمد إنما يمنع الدين إن داينه الناس لأجلها وأرى لغوه أن استدان وله وفاء بدينه لأن له هبة الهبة وإنما يمنع الاعتصار إذا تعلق حق الغريم به والمشهور منع الاعتصار بحدوث مرض للوالد أو الولد وقوله أو يحدث حدثا يعني معتبرا كضرب الحديد أو النحاس آنية (ع) وتغير الأسواق لغو وفي فوته بتغير الزيادة والنقص قولان. وفي الجلاب خلط الدنانير والدراهم فوت وأخذ من المدونة خلافه والله أعلم.

(والأم تعتصر ما دام الأب حيا فإذا مات لم تعتصر ولا يعتصر من يتميم واليتيم من قبل الأب).

اعتصار الأب من ولده الصغير أو الكبير هو المذهب وفي كون الأم مثله مطلقا أو بشرط عدم حوز الأب الهبة قولان المشهور وعبد الملك وظاهر الرسالة مع المشهور فلا يمنعها إلا موت الأب وفي الجواهر كون الابن صغيرا وعديم الأب يمنع الأم من الاعتصار ولو بعد البلوغ قال القاضي أبو الوليد هذا قول أصحاب مالك ولو كان الأب موجودا في يوم العطية فلم تعتصر حتى مات الأب كان لها أن تعتصر لأنه لم يكن على وجه الصدقة.

وفي الموازية لا تعتصر إذا مات قبل بلوغه اللخمي والأول أحسن لأن المراعاة وقت العطية فلو لم تعتصر حتى مات الأب كان لها أن تعتصر لأنه لم يكن على وجه الصدقة وفي الموازةي (ع) وطرو اليتم وهو موت أب الصغير قال الباجي يمنع اعتصار الأم قال ولو كبر في حياة أبيه ثم مات لم يمنعه انتهى وقوله (ولا يعتصر من يتيم) بيان

ص: 815

لقاعدة المنع وأنه اليتيم وتفسير لليتم وأنه موت الأب وذلك في حق الآدمي لأن قوامه منه بخلاف غيره فإنه من أمه والله أعلم.

(وما وهبه لابنه الصغير فيحازته له جائزة إذا لم يسكن ذلك أو يلبسه إن كان ثوابا وإنا يحوز له ما يعرف بعينه وأما الكبير فلا تجوز حيازته له).

المراد (بالصغير) في هذه المواضع كلها غير البالغ والكبير هو البالغ يعني الرشيد والأب يحوز لصغار ولده ومن بلغ من أبكار بناته ما وهب لهم وأشهد عليه ولا زال حتى يؤنس رشهدهم والوصي ومن يجوز أمره عليه كأبيه ابن سهل ويكتفي بالإشهاد إلا في دار سكناه فلابد من الإخلاء ابن عبد السلام يقال في إشهاد الأب بالحيازة لما وهب لولده الصغير رفع يد الملك ووضع يد الحوز وألحقوه بالأجنبي في هبة دار سكناه فشرطوا معاينة الشهود لها خالية من شواغلها.

وقوله (إنما يجوز له ما يعرف بعينه) يعني كالدور والأرضين والحيوان والرقيق (ع) حوز الأب لصغير ولده ما يعرف بعينه صحيح ابن رشد اتفاقا ولو حاز له ما لا يعرف بعينه فقال ابن القاسم لغو وقال مطرف إن حيز بحضرة البينة ورفعها عنده بختمه فوجدت كذلك فهي له. وباقي مسائله فيها اختلاف فانظرها.

(ولا يرجع الرجل في صدقته ولا ترجع إليه إلا بالميراث ولا بأس أن يشرب من لبن ما تصدق به ولا يشتري ما تصدق به).

ص: 816

هذا كله لحديث عمر رضي الله عنه: " ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه" متفق عليه اللخمي واختلف في محمله هل هو على الندب أو على الوجوب فقال مالك لا ينبغي أن يشتريها وقد يكره وقال الداودي حرام وظاهر الموازية لا يجوز وفي كتاب الزكاة لا يشتري الرجل صدقة حائطة ولا زرعة ولا ماشيته ابن رشد في جواز شراء الصدقة من غير الذي تصدق به عليه رواية ابن وهب لا بأس بذلك وقولاها: لا يجوز اللخمي ولابن نافع في شرح ابن مزين أكره أن ينتفع بصدقته على ولده كانت أو أجنبيا فهو أحسن لعموم الحديث والمشهور كراهة الشراء ومنع الرجوع والله أعلم.

وما ذكر في شرب اللبن. قال بعض الشيوخ لا يوجد لغيره وكأنه استخف اللبن لاستهلاكه فيكون الماء المتصدق به في ذلك أحرى وانظر التادلي فقد طال عهدي بالمسألة.

(والموهوب للعوض إما أثاب القيمة أو رد الهبة فإن فاتت فعليه قيمتها وذلك إذا كان يرى أنه أراد الثواب من الموهوب له).

هذه هبة الثواب وحكها الجواز إلا النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز له أن يهب ليثاب بأكثر لقوله تعالى: {ولا تمنن تستكثر} الآية ومنعها الشافعي والحنفي في آخرين مطلقا والمشهور أن الخيار للموهوب في القيمة أو الرد مع القيام وقال مطرف يلزمه أكثر

ص: 817

ورواه عن مالك قائلا لو أراد القيمة ما أهداها ولباعها في السوق (ع) وفي كون الفوت الموجب له على الموهوب قيمتها قبضها أو حوالة سوقها أو تغيرها بزيادة أو نقصان رابعها ينقصها فقط وقوله (إذا كان يرى) إلخ يحتاج لتفصيل وتحقيق مراده على المعروف ابن شعبان لا ثواب فيما وهب لفقيه اللخمي إلا أن يكون بين فقيهين القاضي وكذلك الرجل الصالح الباجي لمحمد عن أشهب لا ثواب فيما وهب ذو سلطان وفي كون الهبة له كذلك قول ابن شعبان ونقل الباجي عن المذهب.

(ويكره أن يهب لبعض ولده ماله كله وأما الشيء منه فذلك واسع)

المذهب كراهة ما ذكر لحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه إذ قال عليه الصلاة والسلام " اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" الحديث ابن القاسم إن وقع وحيز فلايرد بقضاء وعنه يرد في حياته ومماته قال مالك وقد قضى برده في المدونة وقال أصبغ إذا حيز عنه جاز اجتمع أمر القضة والفقهاء على ذلك وقوله و (أما الشيء منه) قال في النوادر وقد فعله الصديق وقال به عمر وعثمان رضي الله عنهم.

(ولا بأس أن يتصدق على الفقراء بماله كله لله تعالى).

يريد بشروط خمسة أن يكون رجاؤه في الله مانعا من ندمه وقوة يقينه مانعا من تشويشه وأن يرجع إلى سبب لا شبهة فيه ولا ارتكاب محظور ولا يخشى الحاجة والتكفف لغنى يصرف أو سبب يكتسب به كحال أبي بكر رضي الله عنه حين خرج عن ماله كله لله ورسوله والله أعلم. وقد ذكر معنى ذلك ابن الفاكهاني فانظره.

(ومن وهب هبة فلم يحزوها الموهوب له حتى مرض الواهب أو أفلس فليس له حينئذ قبضها ولو مات الموهوب له كان لروثته القيام فيها على الواهب الصحيح).

هذا معنى ما تقدم أنه لا تمام إلا بجوز وأن الوجوب بالقول فالمنع يؤثر مع عدم الحوز فتصير ميراثا إن مات واهبا ومن ماله إن أفلس لخراب ذمته مطلقا في الأخير ومنع تصرف فيما سوى الثلث أولا ولو كان الموهوب هو الميت فذلك حق ترتيب له في ذمة صحيحة ومن مات عن حق فلورثته والله أعلم.

ص: 818

(ومن حبس دارا فهي على ما جعلها عليه إن حيزت قبل موته).

يريد وكذلك غير الدار ثم هذه أول مسائل الحبس (ع) الحبس إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازما بقاؤه في ملك معطية ولو تقديرا فتخرج الذوات والعارية والعمرى والعبد المخدم حياته يموت قبل موت سيده لعدم لزوم بقائه في ملك معطية لجواز بيعه برضاه مع معطاه ثم رد تعريف ابن عبد السلام فانظره والمذهب جوازه بل ندبه في بعض الوجوه وعليه الوجوب بعد الإجماع عليه في المساجد ونحوها ويصح في الأصول الثابتة باتفاق المذهب وفي غيرها اختلاف وقيل الخلاف في غير الخيل وفي قوله على ما جعلها عليه أنه يتعين ما عليه المحبس من المصرف السائغ شرعا واختلف إذا لم يذكر مصرفا هل يصرف للفقراء أو في وجوه الخيرات؟ قولان لشيخ وللقاضي ابن عبد السلام المذهب سؤال المحبس فإن تعذر حمل على غالب البلد فإن لم يمكن صرفه للفقراء والله أعلم.

(ولو كانت حبسا على ولده الصغير جازت حيازته له إلى أن يبلغ وليكرها له ولا يسكنها فإن لم يدع سكناها حتى مات بطلت).

إنما يرتفع حكم حوزه ببلوغه إذا كان رشيدا المتيطى فإن بقي بيده بعد رشده حتى مات الأب أو مرض بطل وهي ميراث كالهبة والصدقة وسمع عيسى رواية ابن القاسم كراء الأب ما وهب لابنه الصغير من ربع حوز وإن لم يقل أكريت ولم يخرجه لم يحز له ونحوه في سماع أصبغ وفي نوازله الأب يتصدق بالأرض على ابنه الصغير محمول على تعميره إياها لولده حتى يثبت خلافه قال وفي الدار يتصدق بها عليه محمول

ص: 819

على أنه كان يسكنها أو يشغلها بمتاعه حتى يثبت إخلاؤه الغبريني والعمل على أنه إذا خلاها سنة من تاريخ الهبة أو الصدقة أو الحبس أو بعده ثم رجع إليها لا يبطل فانظر ذلك.

(وإن انقضر من حبست عليه رجعت حبسا على أقرب الناس بالمحبس يوم المرجع).

مقصود هذه المسألة أن الحبس المعقب الذي لا تعرف نهايته وقد قيد بنسب أو أشخاص يرجع عند انتهائهم لأقرب الناس بالمحبس يوم المرجع الذي هو انقراض من حبس عليه إن كان قد مات ولا ترجع إليه إن كان حيا وإنما ترجع لنحو أخميه ثم وجود عمه ثم كذلك فإن لم تكن له قرابة رجعت إلى الفقراء والمساكين فانظر ذلك.

(ومن أعمر رجلا حياته دارا رجعت بعد موت الساكن ملكا لربها وكذلك أن أعمر عقبه فانقرضوا بخلاف الحبس فإن مات المعمر يومئذ كانت لورثته يوم موته ملكا).

العمري تمليك منفعة معطى بغير عوض إنشاء إلى أمد هو عمر المعمر أو المعمر أو غيرهما أو جملة من عقب أو غيره وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقبي وأرخص في العمري الرقبي – بضم الراء وسكون القاف- أن يترقب كل موت صاحبه ليأخذ داره وهي باطلة وفي الإرشاد العمى هبة السكنة مدة عمر الموهوب فإذا انقضى عادت لمالكها أو وارثه إلا أن يعمره أو عقبه فتمتد إلى انقراضهم ثم تعود لربها أو لروثته وهي كالحبس إلا في التأبيد والله أعلم.

(ومن مات من أهل الحبس فنصيبه على من بقي منهم).

يريد إذا كان المحبس عليهم غير معدودين ولا مسمين وكانوا يلون ذلك بأنفسهم فأما إن كانوا على عدد مسمين وهو مقسوم بينهم وهم لا يلون ذلك فمن مات منهم فنصيبه راجع إلى الذي حبسه وهذا قول مالك الأول الذي عليه الرواية ويحتمل أن تبقى على إطلاقها على قول ابن القاسم فانظر ذلك.

(ويؤثر في الحبس أهل الحاجة بالسكنى والغلة ومن سكن فلا يخرج لغيره إلا أن يكون في أصل الحبس شرط فيمضي).

ابن رشد مشهور المذهب قسم الحبس المعقب بين آخذيه بقدر حاجتهم ولابن

ص: 820

الماجشون يقسم بالسورية والغني كالفقير وقال الباجي معنى المجموعة المعقب كالصدقة لا يعطي منه غني ويعطي للمسدد بقدر حاله ولابن القاسم في النوادر وما على قوم بأعيانهم فقيرهم وغنيهم وحاضرهم وغائبهم سواء ابن رشد اتفاقا والساكن بالاستحقاق لا يخرج لمستحق ولا غيره ابن الفاكهاني إلا أن يرى الناظر إخراجه وإساكن غيره مصلحة للحبس فله ذلك لا سيما إن خاف من سكناه ضررا ولمثل هذا جعل الناظر.

وفي المدونة لا يخرج من الحبس أحد لأحد ومن لم يجد مسكنا فلا كراء له ومن مات أو غاب غيبة انتقال استحق الحاضر مكانه ومن سافر لا يريد انتقالا فهوعلى حقه وشرط الحبس معتبر إلا أن يمنعه مانع شرعي والله أعلم.

(ولا يباع الحبس وإن خرب).

الجمهور على منع الحبس واستدل له سحنون ببقاء أحباس السلف خرابا إذا انقطعت منفعة الحبس وعاد بقاؤه ضررا أجاز بيعه وإن لم يكن ضرر أو رجى أن تعود منفعته لم يجز بيعه واختلف إذا لم يكن ضرر ولا رجيت منفعته والذي آخذ به المنع خوف كونه ذريعة لبيع الحبس (ع) في منعه ثالثها إن كان بمدينة للمعروف وإحدى روايتي أبي الفرج ونقلا اللخمي انتهى.

(وبياع الفرس الحبس يكلب ويجعل ثمنه في مثله أو يعان به فيه).

المشهور جوازو تحبيس الفرس لحديث: " من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا لوعده فإن شبعه وريه في ميزانه يوم القيامة"(ع): لفظ الحديث من حبس بتخفيف الموحدة وهو لا يقتضي التحبيس فوهم اللخمي في ذلك فانظره ومعنى الكلب بفتح الكاف واللام في الحيوا هو شبه الجنون قاله أهل اللغة وما ذكر من بيعه ذلك هو معروف المذهب لدورانه بين الضياع والانتفاع بخلاف الدار تنهدم فإنها ترجى للبناء.

(واختلف في المعاوضة بالربع الخرب بربع غير خرب).

وجواز المعاوضة رواه أبو الفرج المالكي فيما نقل عز الدين بن عبد السلام وعزاه غيره لربيعة قال والمشهور المنع وفي نوازل ابن رشد تفصيل يطول فانظره.

ص: 821

(والرهن جائز ولا يتم إلا بالحيازة).

ابن الحاجب (الرهن) إعطاء امرئ وثيقة بحق وتعقبوه بأنه غير مانع لدخول اليمين ليقضينه إلىأجل كذا ودفع الوثيقة المشهودة بالدين ونحو ذلك فانظره وكونه جائزا لا خلاف فيه لقوله تعالى {فرهان مقبوضة} ورهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه في شطر شعير عند يهودي لحديث.

وهذا من العقود الجائز التي تلزم بالعقد ولا يتم إلا بالحيازة فيجبر الراهن على إقباضه المرتهن إن عقد عليه لأن عين ماله فيه عند الفلس فيما أخذه دون غيره من الغرماء برد ما زاد وإلا تباع بما نقص إن ظهر ما يستوفى منه وفهم من هذا أنه لا يكون إلا بما يعرف بعينه وأن يكون معينا فلو عقد على غير معين خير البائع بين إمضاء البيع بلا رهن أو فسخه نعم وشرط المرهون أن يصح منه الاستيفاء عند تعذر أخذه الغريم وشرط المرهون به أن يكون دينا في الذمة لازما أو صائر إلى اللزوم يمكن استيفاؤه من

ص: 822

الرهن وشرط ابن القاسم التصريح بأنه رهن وإلا فلا يصح عنده خلافا لأشهب وهو قول (ع) في كون الدلالة مطابقة أو تكفي دلالة الالتزام قولان لابن القاسم وأشهب والله أعلم.

(ولا تنفع الشهادة في حيازته إلا بمعاينت البينة).

عبد الوهاب لأن البينة إذا شهدت بحيازته ثبت كونه رهنا وتعلق حق المرتهن به وانفرد به وإذا لم يكن إلا بإقرار المرتهن لا يقبل لأنه إسقاط لحق غيرهما ابن الفاكهاني ولا بد من معيانة البينة خوف قيام الغرماء على الرهن بادعائهم سبق حقهم على إعطائه للمرتهن وأنه لم يعطه إلا بعد قيامهم عليه فيحتاج لليمين على نفي دعواهم والمشهور اشتراط التحويز أي إذن الراهن في الحوز وتمكين منه بالإشهاد على معاينة قبضه ودوام القبض شرط فلو رده إليه ولو بالعارية وصادق قيام الغرماء وهو تحت يد الراهن فلا حق له فيه كما إذا فوته بعتق أو تحبيس وشبهه ولو عاد إلى الراهن بغير اختيار المرتهن كهروب الدابة والعبد فهو على حقه والمطالبة به والله أعلم.

(وضمان الرهن من المرتهن فيما يغاب عليه ولا يضمن ما لا يغاب عليه).

ص: 823

(ما يغاب عليه) كالعروض والثياب وما لا يغاب عليه كالرقيق والحيوان فإذ ادعى المرتهن ضياع ما يغاب عليه أو هلاكه لم يقبل قوله إلا ببينة تشهد- بهلاكه من غير تفريط منه ولا سبب يملكه فلا يضمنه على المشهور وقاله ابن القاسم وقال أشهب يضمنه على كل حال بناء على أن ضمانه للتهمة أو بالأصالة ولو شرط الضمان فيما لا يغاب عليه أو نفيه فيما يغاب لعيه فقولان وأصل المذهب وجوب الوفاء بالشروط في هذا الفصل لأن الضمان المختلف فيه يجوز نقله كما تقدم في بيع الغائب فانظره وإنما يضمن ما يغاب عليه فقط لأنه أخذ بالذمة والأمانة معا كالعراية وما في معناها ولو أخذ بالأمانة كالوديعة فلا ضمان عليه ويضمن في عكسه مطلقا وهو ما إذا أخذ بالذمة فقط كالبيع وإن كان فاسدا فاعرف ذلك.

(وثمرة النخل الرهن للراهن وكذلك غلة الدور والولد رهن مع الأمة تلده بعد الرهن ولا يكون مال العبد رهنا معه إلا بشرط).

يعني أن التوابع لا تعطي حكم الأصول في الرهن فالثمرة للراهن ولا تكون رهنا

ص: 824

مع الأصل على المشهور من قولي مالك وقال ابن القاسم عسل النحل الرهن للراهن الشيخ يريد ولا يكون رهنا معها وإلا جنة داخلة في الرهن لقوله عليه الصلاة والسلام " كل ذات رحم فولدها بمنزلتها".

خلافا للشافعي واتفقوا على أن النماء المتصل داخل كالسمن ابن الجلاب وكذلك فراخ النخل والشجر والمشهور عدم دخول مال العبد إلا بشرط وقال ابن رشد يدخل فيه عند مالك في القول الشاذ والله أعلم.

فرع:

شرط المرتهن الانتفاع بالرهن جائز في البيع لا في القرض لأنه سلف جر نفعا ولا يتطوع به بعد عقدا لبيع لأنه هدية المديان ولو شرط أن يكريه ويأخذ كراءه في حقه ففي المدونة إن ان دينه من قرض جاز وكذا إن كان من بيع إلا أنه بعد عقدته ولا يجوز في عقدة البيع إذ لا يدري ما يقتضي أيقل أم يكثر فانظر ذلك.

(وما هلك بيد أمين فهو من الراهن).

يعني أنهما لو وضعا الرهن بيد أمين فهلك فإن ضمانه من الراهن لأنه ملكه وقد دفعه بالأمانة المحضة فلا ضمان على الأمين ولا المرتهن وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يغلق الرهن من راهنه" الحديث فاشتراط غلقه بمبطل والغلق منعه من بيعه عند الأجل والاصل اختصاص الرهن بالمرتهن من بين الغرماء ولا يتسقل بالبيع بعد الأجل إلا بإذن.

وفي سماع أصبغ من كتاب السلطان من ادعى أن رجلا رهنة قدحا في كساء أن السلطان يأمره ببيع القدح في الكساء على زعمه أنه رهن وقال ابن رشد لا يأمره حتى يثبت ارتهانه عنده وبه العمل ولو اشترط المرتهن بيعه عند الأجل إن لم يوفه فإن كان في عقد المعاملة فروى ابن القاسم لا يبيع إلا بأمر السلطان واختلف فيه قول ابن القاسم فروى عنه أصبغ مثل قول مالك وروى غيره كراهية البيع وجوازه إن وقع وبهذا القول القضاء ولم يفرق بين عظيم وحقير في هذه الرواية وفي أقوال أخر وأما إن كان الشرط

ص: 825

بعد العقد فأجازه اللخمي لأنه معروف ورده بعض الموثقين بأنه هدية مديان ولو أراد عزله بعد ما جعل له فقال إسماعيل له ذلك وقال القاضيان لا يعزله اللخمي وهو أقيس وفروع الباب كثيرة وفيما ذكر كفاية وبالله التوفيق بمنه وكرمه.

(والعارية مؤداة يضمن ما يغاب عليه ولا يضمن ما لا يغاب عليه من عبد أو دابة إلا أن يتعدى).

(العارية) قال الجوهري بالتشديد كأنها منسوبة إلى العار وقيل من التعاور الذي هو التداول (ع) وهي مصدرا تمليك منفعة مؤقتة ملكت بغير عوض فيدخل العمري والإخدام لا الحبس قال وهي اسم مال ذو منفعة مؤقتة ملكت بغير عوض م تمليك منفعة عين بلا عوض وحكمها من حيث ذاتها الندب لأنها إحسان والله يحب المحسنين ويعرض وجوبها وحرمتها وكراهتها ومعنى قوله (مؤداة) مأمور بإرجاعها لأهلها لما دخلها من معنى الأمانة غير أنه يضمن ما يغاب عليه ضمان تهمة على المشهور ولا يضمن ما لا يغاب عليه كما لو هلك ببينة مما يغاب عليه على المشهور خلافا لأشهب والمذهب إن كان أخذ لمنفعة نفسه ضمن ومن أخذ لمنفعة رب الشيء لم يضمن ومن أخذ لمنفعته ومنفعة ربه ضمن ما يغاب عليه ولم يضمن ما لايغاب عليه وذهب الشافعي إلى أن العارية مضمونة ضمان أصالة مطلقا والحنفي إلى نقيضه وقوله (إلا أن يتعدى) يعني المستعير بالخروج عن الشرط أو ما تنزل منزلته من عادة أو قصد وقد قال ابن القاسم فيمن استعار آلة كالفأس والمنشار ونحوه فأتى به مكسورا وادعى أنه انكسر في الاستعمال أنه يضمن.

وقال ابن وهب وأشهب لا يضمن وقال عيسى وابن حبيب إنما يضمن إذا ادعى ما لا يشبه من الاستعمال ولا يضمن إن ادعى ما يشبه وصوبه (س) بأنه إن فعل ما يجوز له ولم يقم دليل على كذبه أنه لا يضمن اللخمي ومستعير الرحا إذا ردها حفية فلا ضمان عليه قولا واحدا والله أعلم.

(والمودع إن قال: رددت الوديعة إليك صدق إلا أن يكون قبضها بإشهاد وإن قال ذهبت فهو مصدق بكل حال).

(الوديعة) قال ابن الحاجب: استنابة في حفظ المال (م) الوديعة توكيل على

ص: 826

حفظ مال دون عوض وهي أمانة غير لا زمة لهما إلا لمعارض (ع) الوديعة بمعنى الإيداع نقل مجرد حفظ ملك منتقل فيدخل إيداع الوثائق ويخرج حفظ الإماء والولاية لأنها لا زيد م الحفظ وحفظ الربع ومعنى لفظها متملك نقل لمجرد حفظه فتنتقل وتصديقه في ادعاء الرد.

قال عبد الحق يمينه كان متهما أم لا وظاهر ما هنا يصدق بغير يمين وثالثها يحلفها المتهم ومراده في قبضا الإشهاد إذا كان الإشهاد للتوثيق فلا يرد إلا به لأنه لم يؤمنه إذا شهد عليه اللخمي ولو وكان الإشهاد لا للتوثيق كأن يقول أشهد عليها إنها وديعة لئلا يقال إنها سلف فهو كمن قبض بغير إشهاد وحكى عبد الحق عن بعض شيوخه من أهل بلده يعني صقلية أنه يحلف في دعوى الرد متهما وغير متهم ولا يحلف في دعوى الضياع إلا متهما لظن صدقة في دعوى الضياع بخلاف دعوى الرد فإنه متيقن الكذب عند صاحبه فأصل الأمانة ثابت في دعوى الضياع بخلاف الرد والفرق وهو ثالث الأقوال والله أعلم.

(والعارية لا يصدق في هلاكها فيما يغاب عليه).

يعني بل يضمنه إلا ببينة تشهد بهلاكه وقد تقدم وجهه وقاعدة المذهب إن من قبض بالأمانة وهو المودع لا يضمن بحال ومن قبض بالذمة يضمن في كل حال ومن قبض فيهما يضمن ما يغاب عليه لا غيره ويقال من قبض لنفع غيره لم يضمن ولنفع نفسه يضمن وما دخله نفع المالك مع نفعه ضمن ما يغاب عليه فقط وقد تقدمت هذه القاعدة في البيوع الفاسدة وتكرر معناها فتأمله ولو ادع رد العارية وأنكره ربها لم يقبل قوله على المنصوص.

وخرج اللخمي خلافه فيمن قبض بغير بينة من قول عبد الملك في الصانع يدعي الرد أنه يقبل والله أعلم.

(ومن تعدى على وديعة ضمنها وإن كانت دنانير فردها في صرتها ثم هلكت فقد اختلف في تضمينه).

أما الضمان بالتعدي فلا إشكال فيه ابن الفاكهاني يكون بسبعة أشيا أولها الإيداع لغير عذر الثاني نقل الوديعة إلى غير محلها. الثالث: خلطها بما لا تتميز عنه

ص: 827

كالقمح والشعير بمثله. الرابع: الانتفاع بها كلبس الثوب وركوب الدابة ثم تهلك في أثناء ذلك. الخامس: المخالفة في حفظها إلى ما هو إغراء ونحوه كأن يقول في صندوق له لا تقفله فيقفله ولو قال اقفله بواحد فقفله باثنين لم يكن متعديا إلا أن يعرف أن ذلك إغراء ولو أمره بجعلها في آنية خزف فجعلها في آنية نحاس فهو إغراء بخلاف العكس. السادس: إتلافها بأن يجعلها في مضيعة من الأرض أو يدل عليها سارقا أو ظالما ونحوه. السابع: النسيان فلو نسيها في مكان قبضها فيه فقال ابن عبد الحكم لا يضمن قال وهذا أصل مختلف فيه وقال ابن حبيب يضمن كما لو ظن أنها له فجعلها في كمة فضاعت من كمه والله أعلم.

وقوله: (فردها في صرتها فقد اختلف في تضمينه) يعني على أربعة أقوال مشهورها عدم تضمينه وأنه يبرأ بردها وقاله مالك وابن القاسم وأشهب وابن عبدالحكم وأصبغ وعليه فهل يصدق في الرد بيمين أو بغير يمين والأول ولأشهب ونحوه في الموازية ابن شعبان ومن أودع وديعة قويل له إن شئت تسلفها فتسلفها لم يردها إلا إلى ربها اللخمي ولا يختلف في هذا لأن السلف من ربها (ع) ووجهه الباجي بهذا وقال عندي أنه يبرأ بردها والله أعلم.

(ومن اتجر مكروه والربح له إن كانت عينا وإن باع الوديعة وهي عرض فربها مخير بين أخذ الثمن أو القيمة يوم التعدي).

إنما يكون التجر بالوديعة مكروها إذا جهل طيب نفس صاحبها بذلك والآخذ لها ملئ بما تؤدي منه وقيل يحرم لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذن وإنما كان الربح له لأنه بنفس التعدي صارت في ذمته وقيد في العتبية جواز التصرف فيها بما إذا أشهد عليه (س) وهذا التقييد لا بد منه وقال عبد الملك إن كانت مربوطة مختومة لم يجز التصرف فيها وإن علم طيب نفس صابحها والمتصرف ملئ جاز بلا كراهة وإن كان معدما مما تؤدي به منع أخذها.

وقد قال عليه السلام: " من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله" وما ذكر من تخيير رب العرض في ثمنه أو قيمته لأنه في الثمن كتقدير بيع الفضولي وفي القيمة ضامن بالتعدي ثم إنه لا يجوز له القدوم على أخذ ذوات القيم لاختلاف الأغراض فيها

ص: 828

واختلف في ذوات الأمثال فقيل العين كالعرض اللخمي المكيل والموزون وإن كثر اختلافه لم يجز تسلفه وكذا ما لا يقضي فيه بالقيمة وفي إلحاق القمح والشعير وشبهه بالعين أو بالعرض قولان.

(ومن وجد لقطة فليعرفها سنة بموضع يرجو التعريف بها).

ص: 829

(اللقطة) بسكون القاف هي القياس والأكثر بضم اللام وفتح القاف على غير قياس (ع) اللقطة مال وجد بغير حرز محترما ليس حيوانا ناطقا ولا بكما فيخرج الركاز وما بأرض الحرب ويدخل الدجاج وحمام الدور ونحو ذلك لا السمكة تقع في سفينة فهي لمن وقعت إليه حكاه ابن عات عن الشعباني.

(م) اللقط مال معصوم عرض للضيعة وإن في عام وإن فرسا أو حمار أو كلبا أذن في اتخاذه وحرم أخذه لمن علم خيانة نفسه ووجب لخوف خائن وكره في غير ذلك وقيل يستحب فيما له بال وقيل مطلقا ووجب تعريفه ولو في كدار لا لإتلافها يعني كالثمرة ونحوها لقوله عليه الصلاة والسلام في تمرة وجدها بالطريق: " لولا أني أخشى أن تكون صدقة لأكلتها" وتعريفها سنة مخصوص بما له بال وإلا فبحبسه على خلاف ذلك ثم السنة من حين الأخذ في كل يوم ثلاث مرات بنفسه أو ثقة واختلف عن مالك في تسمية جنسها في التعريف اللخمي وتركه أحسن وروى الباجي من طريق ابن نافع لا يريها أحدا ولا يقول من يعرف دنانير أو دراهم أو حليا أو عرضا وغير ذلك وتعريفها بأبواب المساجد لا فيها برفع الصوت.

وروى القرينان لا باس أن يطوف على الخلق في المسجد ويخبرهم بها فأما رفع الصوت فيه فأكرهه حتى بالعلم وإن بين بلدين أو قريتين عرفها بكل منهما فانظر ذلك فإن فروعه كثيرة.

(فإن تمت سنة ولم يأت لها أحد فإن شاء حبسها وإن شاء تصدق بها وضمنها لربها إن جاء فإن انتفع بها ضمنها وإن هلكت قبل السنة أو بعدها بغير تحريك لم يضمنها).

التحديد بالسنة جاء بنص الحديث وهو خاص بغير مكة ابن رشد لقطة مكة لا يحل استنفاقها بوجه إجماعا وعليه أن يعرفها أبدا الباجي لقوله عليه الصلاة والسلام " لا

ص: 830

تحل ساقطتها إلا لمنشد" ابن زرقون ولابن القصار لقطة مكة كغيرها (ع) تصرفه فيها بالصدقة حيث يباح له جائز اتفاقا إن كان على خيار ربها قالوا وتملكها ما لم يأخذها على عدم وجه الغرم لربها غير جائز اتفاقا ثم هو فيها أمين لا يضره هلاكها ما لم يأخذها بنية التصرف فيها لنفسه وفي الباب فروع يطول هلاكها ما لم يأخذها بنية التصرف فيها لنفسه وفي الباب فروع يطول ذكرها فانظرها.

(وإذا عرف طالبا العفاص والوكاء أخذها).

(العفاص) عبارة عما هي مصرورة فيه و (الوكاء) ما هي مصرورة به وإن لم يعرف واحدا منهما لم يأخذ شيئا ولو عرف أحدهما فكذلك على المشهور وظاهر ما هنا إن مجرد معرفة العفاص والوكاء كاف وهو قول ابن القاسم وقال أشهب لا بد من يمينه وقيل لا بد من معرفة العدد وقال ابن عبد الحكم إن كان لها عشرة أوصاف فأخطأ واحدا لم يأخذها والمشهور الأول وهو نص الحديث والله أعلم.

(ولا يأخذ الرجل ضالة الإبل من الصحراء وله أخذ الشاة وأكلها إن كانت فيفاء لا عمارة فيها).

ص: 831

هذا كله لما ورد في المتفق عليه من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة فقال: " اعرف عفاصها ووكاءها وعرفها سنة فإن جاء ربها وإلا فاستنفق بها وإنما هو مال الله يؤتيه من يشاء".

قال: " فضالة الغنم قال هي لك أو لأخيك أو للذئب" قال: فضالة الإبل؟ قال: " ما لك ولها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وترعى الشجر حتى يلقاها ربها" الحديث قال الطحاوي ولم يقل أحد من العلماء أنه لا غرم عليه في شاة أكلها لوجودها بفيفاء لا عمارة فيها غير مالك فانظر ذلك.

(ومن استهلك عرضا فعليه قيمته وإن كان مما يكال أو يوزن فليرد مثله).

حاصل ما هنا أن من استهلك مقوما لزمته قيمته أو مثليا لزمه مثله فإن كان المثل متعذرا في الحال فقال أشهب يخير بين الصبر إلى زمن وجوده أو القيمة في الحال وقال ابن القاسم لا يخير ابن عبدوس والخلاف فيه كمن أسلم في الفاكهة فيفرغ إبانها يوبقى منها شيء.

(والغاصب ضامن لما غصب فإن رد ذلك بحاله فلا شيء عليه وإن تغير في يده فربه مخير بين أخذه بنقصه أو تضمينه القيمة).

الجوهري الغصب أخذ الشيء ظلما ابن الحاجب أخذ المال ظلما قهرا عدوانا من غير حرابة (ع) الغصب أخذ مال غير منفعة ظلما قهر لا بخوف قتال فتخرج الغيلة والحرابة والتعدي وقوله وإن تغير في يده يعني تغيرت ذاته ولو تغير سوقه لنقص فليس كذلك على المشهور وقال بن عبدوس روى ابن وهب عن مالك يضمن بحوالة الأسواق وذكر ابن حارث م الغصب أخذ مال قهرا تعديا لا حرابة وسيأتي الكلام بعد إن شاء الله.

(ولو كان النقص بتعديه خير أيضا في أخذه وأخذ ما نقصه وقد اختلف في ذلك).

مثال النقص بتعديه أن يكون عبدا فيقطع له جارحة أو ما في معنى ذلك فيخير.

ص: 832

ربه بين أخذه وما نقصه العيب أو يأخذ القيمة ويسلمه للغاصب هذا قول ابن القاسم وابن كنانة ومطرف وعبد الملك وقال أشهب ليس لربه إلا أخذه على حاله بغير عوض للقطع أو يغرم الغاصب قيمة العبد يوم الغصب وقاله ابن المواز وسحنون فانظره.

(ولا غلة للغاصب ويرد ما أكل من غلة أو انتفع وعليه الحد وإن وطئ وولده رقيق لرب الأمة).

يعني لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس لعرق ظالم حق" وظاهر ما هنا وجوب رد الغلة بالإطلاق سواء كان المغصوب ربعا أو رقيقا أو حيوانا أو غير ذلك وسواء استغلها أو استعملها وهو الذي رواه أشهب وابن زياد وذهب إليه الشافعي وهو التحقيق عند المتأخرين وفي المسألة أقوال فانظرها وإنما يحد ويرق ولده في الأمة إذا أولدها وهي المغصوبة لأنه لا شبهة له في تصرفه والله أعلم.

(ولا يطيب لغاصب المال ربحه حتى يرد الأصل على ربه ولو تصدق بالربح كان أحب إلى بعض أصحاب مالك).

ظاهر كلام الشيخ أنه إذا رد الغاصب الأصل حلت له الغلة والربح سواء كانت طابت نفس صاحبه أم لا وفي المسألة اختلاف يأتي منه إن شاء الله وهو الذي أشار إليه الشيخ بقوله:

(وفي باب الأقضية شيء من هذا المعنى).

يعني أنه سيذكر في باب الأقضية شيئا من أحكام الغصب وظاهر ما هنا أن باب الأقضية كتب قبل هذا الباب وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.

ص: 833