الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في الأيمان والنذور
قال بعض الشيوخ هذا أول النصف الثاني من الرسالة والأيمان جمع يمين ابن العربي واليمين ربط الحلف والعقد بالامتناع والترك أو الإقدام على فعل بمعنى معظم حقيقة أو اعتقاد (ع) اليمين قسم أو التزام مندوب غير مقصود به القربة أو ما يجب بإنشاء لا يفتقر إلى قبول معلق بأمر مقصود عدمه فدخل بالتزام مندوب الحج والصوم ونحوه وخرج بقوله غير مقصود بالقربة والنذر والذي يجب بالإنشاء ولا يفتقر للقبول هو الطلاق والعتاق وكون الالتزام معلقا بأمر مقصود عدمه به يتحقق كونه يمينا والله أعلم.
(ومن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت).
هذا نص حديث متفق عليه من رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهل المراد من أراد أن يحلف مطلقا فلا يكره اليمين ابتداء وهو الذي رجحه ابن رشد أو من لزمته يمين لا بد له منها فيكون القدوم اختيارا مكروه وهو الذي رجحه غير واحد ولا خلاف في
كراهته والإكثار لقوله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} [البقرة: 224] الآية وللشيخ عن ابن حبيب أقول كما قال عمر رضي الله عنه اليمني مأثمة مندمة ولا يكاد من حلف يسلم من الحنث انتهى. وأنه لكذلك والله أعلم.
(ويؤدب من حلف بطلاق أو عتاق ويلزمه).
إنما يؤدب للتشبه بالفساق وإلا فاليمين مكروهة فقط وقد روى ابن حبيب في الواضحة كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ورثة الأنبياء وإلى أشبه الناس" لا تحلفوا بطلاق ولا بعتاق فإنهما من أيمان الفساق" قال ابن حبيب وترد شهادة الحالف به وذلك غير المكره وفاقد العقل ثم لزومه مشروط بوجود ما علق عليه من امرأة أو عبد فلا يلزم الطلاق من لا زوجة له ولا العتق من لا عبد له حين الحلف قاله ابن القاسم في سماع أبي زيد إلا أن يعلق على وجود ذلك فيلزم عند وجوده والله أعلم.
(ولا ثنيا ولا كفارة إلى في اليمين بالله أو بشيء من أسمائه وصفاته).
(الثنيا) الاستثناء أي تعليق الأمر بمشيئة الله تعالى وهذا الوجه الذي يختص باليمين بالله لا آلائه فأدوات الاستثناء مثل إلا أن يكون كذا فإنه ينفع في جميع الأيمان وتقرير كلام الشيخ (لا تنفع ثنيا ولا كفاة في يمين إلا في اليمين بالله) أي هذا الاسم الكريم أو بشيئ من أسمائه كالعزيز والخلاق والرزاق والبارئ ونحوه وصفاته الذاتية والمعنوية كحياته وعلمه وقدرته وإرادته وكلامه وسمعه وبصره وعظمته وجلاله وكبريائه وكفالته وعهده وميثاقه.
وكذا بما أنزل في التوراة والإنجيل والفرقان والمصحف لأنه كلامه ما لم يقصد الورق ونحوه فله نيته قال ابن حبيب والآية كالكل والله أعلم.
(ومن استثنى فلا كفارة عليه إذا قصد الاستثناء وقال إن شاء الله ووصلها بيمينه قبل أن يصمت وإلا لم ينفعه ذلك).
فائدة: الاستثناء رفع حكم الحنث ثم هل هو بدل من الكفارة أو حل لليمين قولان لابن القاسم وعبد الملك وعليهما لو طرأ بعد تمام اليمين متصلا فالمشهور صحته خلافا لابن المواز في اشتراط قصده قبل تمام وقد ذكر الشيخ شروطا ثلاثة القصد فلا يجزئ إن لهج به دون قصد قاله في العتبية والقول فال تجزئ النية وحدها إلا أن يكون
اليمين بالنية وكونه إن شاء الله ويلحق به إلا أن يريد الله أو يقضي الله على الأرجح خلافا لابن القاسم وأصبغ فيهما.
وقال عيسى ينفعان في اليمين بالله فحمله ابن حارث وابن رشد على الخلاف كما هنا واختار قول عيسى وظاهر النوادر حمل الأول على الإطلاق فهو وفاق واتصاله باليمين شرط مع الاختيار فلو فصله لضرورة سعال أو عطاس نفعه اتفاقا لا لفكرة خلاف للشافعي والله أعلم.
(والأيمان بالله أربعة يمينان يكفران وهو أن يحلف بالله إن فعلت أو يحلف ليفعلن ويمينان لا يكفران إحداهما لغو اليمين بأن يحلف على شيء يظنه كذلك في يقينه ثم تبيه له خلافه ولا كفارة عليه ولا إثم والآخر الحالف متعمدا للكذب أو شاكا فهو آثم ولا تكفر ذلك الكفارة وليتب من ذلك إلى الله سبحانه).
مرجع الأقسام الأربعة على أن الحلف على المستقبل بنفي أو إثبات هي التي تكفر وعلى الماضي لا تكفر إلا أنه في النفي على بر وصيغتها ثلاث لا فعلت وإن فعلت ولا أفعلن وفي الإثبات: لأفعلن وإن لم أفعل (ع) يمين البر متعلقها سعي أو وجود
مؤجل ويمين الحنث خلافها وفي من حلف ليكلمن زيدا أو ليضربن دابة قولان لابن المواز لأنهما كالأجل وعكس ابن كنانة والحلف على الماضي لا كفارة فيه والكذب منه يسمى غموسا لأنه يغمس صاحبه في الإثم وكذا مع الشك والظن الذي فيه تردد بخلاف الظن الجازم فإنه لغو اليمين على المشهور كأن يحلف على زيد قاطعا به فإذا به عمر ولا لغو إلا في موجب الكفارة.
فقد قضى عمر بن عبد العزيز فيمن حلف بالطلاق على ناقة إنها فلانة فظهر خلافه بالحنث وللشيخ عن ابن حبيب الحلف على شك أو ظن فإن صادف صدقا فلا شيئ عليه وقالت عائشة –رضي الله عنها لغو اليمين قول الرجل لا والله وبلى والله رواه البخاري ورفعه أبو داود قال به إسماعيل والأبهري واللخمي والله أعلم.
(والكفارة في ذلك إطعام عشرة مساكين من المسلمين الأحرار مدا لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم وأحب إلينا أن لو زاد على المد ثلث مد أو نصف مد وذلك بقدر ما يكون وسط عيشهم في غلاء أو رخص ومن أخرج مدا على كل حال أجزأه).
هذا أحد ما يكفر به اليمين وقد ذكر الله تعالى في كتابه ثلاثة على التخيير أي الإطعام والكسوة والعتق وواحد على الترتيب وهو الصوم بالعدد وشرط في الإطعام التعدد فلا تعطى لأكثر ولا لأقل ولا لواحد مرارا وإن أعطاها لغني أو كافر أو عبد أو من فيه بقية رق عالما بذلك بطلت وإن كان جاهلا ففي بطلانها قولان للأسدية والمدونة اللخمي إن فات وإلا انتزعت قال وعدم الإجزاء أحسن بخلاف الزكاة فإن مقصدها الإخراج وكذا لو ضاعت بعد الإخراج بلا تفريط تجزئ الزكاة لا الكفارة
والمد شرط فلا يخرج دونه ويجزئ بالمدينة اتفاقا ابن القاسم وكذلك بغيرها وقال أشهب: وثلث وقال ابن وهب: ونصف ونحوه مالك في المدونة: ويعطي الفطيم كالكبير وفي الرضيع ثلاثة الجلاب وظاهر المدونة وثالثها لأصبغ إن كان حبا أعطى وإلا فلا وأوسط العيش الحب المقتات غالبا الباجي ما يجزئ في زكاة الفطر.
وفي المدونة لا يجزئ سويق ولا دقيق في كفارة كما لا يجزئ في الفطر وهل المعتبر عيش أهل البلد وهو المشهور ورواية المدونة ولابن حبيب عيش المكفر غير البخيل وروى محمد الأرفع وجعله الباجي الأظهر والأشهر.
(وإن كساهم كساهم للرجل قميص وخمار أو عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد ذلك ولا إطعاما فليصم ثلاثة أيمام يتابعهن فإن فرقهن أجزأه إلخ).
هذه بقية ما تكفر به اليمين أولها الكسوة والعدد شرط فيها كالإطعام وفي المدونة لا يجزئ من الكسوة إلا ما تحل به الصلاة للرجل قميص وللمرأة قميص وخمار فلا تجزئ عمامة وحدها الباجي ولا نص فيما يتزر به الرجل ويشتمل والأشهر منعه لأنه ليس بكسوة والصغير كالكبير وقيل يعطي ثوبا قدره وقيل ثوب كبير بلا خمار.
وعن ابن القاسم لا يعجبني كسوة الأصاغر بحال إلا من أمر بالصلاة يكسى ثوبا وهل على قدره أو كالرجل تأويلان ابن بشير لا يشترط كون الكسوة كسوة أهله ونفسه ورأى اللخمي لزومه والمعروف الأول وشرط الرقبة كونها مؤمنة سليمة من العيوب كما يذكر في الظهار إن شاء الله والتكفير بالصوم مشروط بالعدم فلا يصوم من له دار وخادم إلا أن يكون عليه دين مستغرق وإن كان الدين انتظر حلوله إن فرق وإن صام أجزأه كعبد ملي أذن له سيده وقال ابن حبيب لا يجزيه ويتسلف ذو المال الغائب مطلقا عند ابن القاسم.
وقال أشهب إن قرب انتظره أو تسلف وإن صام مع وجود مسلف أجزأه وروى محمد لا يصوم حتى لا يجد إلا قوته أو كونه في محل لا يعطف عليه فيه اللخمي هذا حرج ومقتضى الدين التوسعة فوق هذا.
(ع) والأقرب اعتبار عجزه عن الفاضل الذي يباع على المفلس واستحباب
التتابع في الصيام هو المشهور وقاله في المدونة وروى القاضي جواز ذلك ابتداء وأجزأه ولابن القاسم مع محمد يجزئ إن وقع وفي الجلاب عدم الإجزاء وهو ظاهر رواية أشهب وتؤولت بالكراهة ولابن القاسم في الموازية إن كانت يمينه على حنث كفر قبله وإلا فلا وأصل الخلاف هل الكفارة حل لليمين أو رفع لإثم الحنث.
وقد قال عليه السلام: " إني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يمين وأتيت الذي هو خير" وروي " إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يمين" وكذا حديث " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها" أبو عمر وأكثر الروايات " فليأت الذي هو خير ثم ليكفر عن يمينه" وعليه فلا يكفر قبل الحنث ولا أقل من استحباب التأخير والله أعلم.
(ومن نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصيه ولا شيء عليه).
هذا لفظ حديث رواه البخاري إلى آخره من حديث عائشة رضي الله عنها غير قوله (ولا شيء عليه) وفيه إشارة لمن يقول عليه كفارة يمين وأن المذهب خلافه الباجي ونذر الطاعة جائز ما لم يعلق ببرء مريض أو ملك كذا فيكره ابن رشد يستحب إن كان مطلقا شكر الله تعالى لأمر وقع ويباح إن علق بشيء لا يتكرر ومتكرر لا مكروه وفي التزامه خلاف وشرط لزوم نذر الطاعة التكليف والإسلام فلو أسلم لم يلزمه ما نذر كافرا خلافا للمغيرة ولابن بشير عن ابن القاسم في نذر اللجاج والغضب كفارة يمين.
وفي الشامل النذر التزام مكلف تأهل للعبادو ولو غضب على المعروف وقيل كنذر المعصية ابن عرفة النذر الأعم من الجائز إيجاب امرئ على نفسه لله أمرا والأخص المأمور بأدائه التزام طاعة بنية قربة لا للامتناع من أمر إذ صلى الله عليه وسلم إذ هذه يمين كما مر والله أعلم.
(ومن نذر صدقة مال غير أو عتق عبد غيره ولم يلزمه شيء).
يريد إلا أن يعلق على ملكه فيلزمه متى ملكه كقوله إن تزوجتك فأنت طالق وكذا امرأة فلان أو جاريته على المشهور وقد قال عليه السلام " لا وفاء لنذر في معصية الله ولا في قطيعة رحم ولا فيما لا يملك ابن آدم" رواه أبو داود والطبراني من
حديث ثابت بن الضحاك – رضي الله عنه وهو صحيح الأسانيد والله أعلم.
(ومن قال إن فعلت كذا فعلي نذر كذا وكذا لشيء يذكره من فعل البر من صلاة أو صوم أو حج أو عمرة أو صدقة شيء سماه فذلك يلزمه إن حنث كما يلزمه لو نذره مجردا بغير يمين وإن لم يسم لنذره مخرجا من الأعمال فعليه كفارة يمين).
قال الجزولي قصده بيان الفرق بين مفسر النذر ومبهمه ومعلقه ومقيده فمفسره بين ولا خلاف في لزومه ومبهمه ما لم يسم له مخرج كقول لله علي نذر والمذهب أن عليه فيه كفارة يمين لحديث ابن عباس – رضي الله عنه – " من نذر نذا لم يسم به فكفارته كفارة يمين" أخرج أبو داود بإسناد صحيح وإن رجح الحافظ وقفه والمطلق ما لم يعلق بشيء والمقيد ما علق بمتوقع كـ " إن جاء غائبي" أو شفا الله مريضي فيلزم بوقوعه لأنه يمين كما أشار إليه كما يلزم الذي لا تعليق فيه.
وفي قوله (لشيء سماه) تنبيه على تعيين قدره أنه لا يلزم إن لم يعين أو في الجملة انظر ذلك.
(ومن نذر معصية من قتل نفس أو شرب خمر أو شبهه أو ما ليس بطاعة
ولا معصية فلا شيء عليه وليستغفر الله).
هذا واضح ولا خلاف في منع نذر المعصية والوفاء به إن وقع لحديث مسلم عن عمر – رضي الله عنه – " لا وفاء لنذر في معصية" وظاهر كلامه أن نذر المباح ممنوع للزومه الاستغفار وأطلق عليه مالك في الموطأ اسم المعصية ورآه من التلاعب بالدين واستحب أن يأتي عنه بطاعة من جنسه وجعل ابن رشد نذر المباح مباحا ولا يجب الوفاء به وهو مقتضى الحديث والله أعلم.
(وإن حلف بالله ليفعلن معصية فليكفر عن يمينه ولا يفعل ذلك وإن تجرأ ففعله أثم ولا كفارة عليه ليمينه).
يجب عليه الحنث في هذا اليمين ويحرم الوفاء فإن حلف وفعل برئ من اليمين وتعلق به الإثم وإن كان إلى أجل لم يحنث إلا بأجله وإن كان له محل فات بفوت محله كسائر الأيمان والله أعلم.
(ومن قال علي عهد الله وميثاقه في يمين فحنث فعليه كفارتان).
قال الجوهري العهد الأمان واليمين والموثق والذمة فالميثاق إذا بمعنى العهد عبدا لوهاب العهد عندنا يمين والميثاق يمين فإذا اجتمعا في يمين كانا يمينين العوفي عهد الله إلزامه لقوله تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} [النحل: 91] أي بتكاليفه فهو صفة ذاته والميثاق والعهد المؤكد بالحلف يرجع إلى كلامه وذكر اللخمي في الحلف
بالعهد أربعة أقسام تلزم الكفارة في واحد وتسقط في اثنين ويختلف في الرابع فالأول على عهد الله والاثنان لك علي عهد الله وأعطيك عهد الله والرابع أعاهد الله اعتبره ابن حبيب وأسقطه ابن شعبان وهو أحسن.
(وليس على من وكد اليمين فكررها في شيء واحد غير كفارة واحدة).
يريد ما لم يقصد التعداد بالتكرار فبحسبه وكذا إن كان قصده الإنشاء دون تعدد الكفارة على المشهور، وقال لا بعته من فلان ولا من فلان أو قال والله ووالله ولم ينو التعدد ووالله والله أو والله وإن قصد التعداد اختير تعددها وإن قال علي كذا وسمي عهودا ونذورا أو عهدوا أو كفارات أو مواثيق فعدده كفارات وفى فعددها بالصفات مشهورها نفيه وهذا كله في اليمين بالله وفي غيره تفصيل.
(ومن قال أشركت بالله أو هو يهوي أو نصراني إن فعل كذا فلا يلزمه غير الاستغفار).
هذا لما في الحديث من قوله عليه السلام " من حلف بدين غير الإسلام فهو كما قال" قال علماؤنا إذا قصد تعظيم ذلك الدين ودخوله لأن الرضا بالكفر كفر وإلا فهو محرم وفي الصحيح" من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله".
والأيمان ثلاثة مباح وهو اليمين بالله أو بشيء من أسماء الله وصفاته ومحرم وهو باللات والعزى وما يعبد من دون الله وإن كان لتعظيم فهو كفر ومكروه كالحلف بالأمانة للنهي عنه وقوله يرغم الله أنفي.
وقول الصائم والذي خاتمه على فمي والمشهور التحريم بنحو النبي والكعبة والمخلوق وقيل يكره وشهره ابن الفاكهاني ولا كفارة إلا في اليمين المباحة والله أعلم.
(ومن حرم على نفسه شيئا مما أحل الله فلا شيء عليه إلا في زوجته فإنها تحرم عليه إلا بعد زوج).
لهذه المسألة صورة أحدها أن يقول الحلال عليه حرام فتحرم عليه الزوجة دون ما سواها إلا أن يخرجها بالاستثناء وهي الثانية من الصور فثلاثة أقوال قال ابن عبد السلام مشهورها ينفعه يريد فيما بينه وبين الله وتعقب ابن عرفة عزوه لابن القاسم بنقله ابن رشد عن ابن حبيب قال وعزوه ابن هارون للمدونة وهم فانظره الثالث أن
يذكر الزوجة وحدها وهذا لا خلاف عندنا في تحريمها عليه.
(ومن جعل ماله صدقة أو هديا أجزأه ثلثه).
(الصدقة) ما يخرج لله تعالى (والهدي) ما يبعث لبيت الله و (إجزاء الثلث) هو المشهور وقال ابن وهب يجب جميعه وثالثها إن لم يحجف به ابن رشد إن حلف بصدقة ما يفيد أو يكتسبه فلا شيء ع ليه اتفاقا ولو استثنى شيئا لزمه الباقي ولو قال في مدة كذا أو مكان كذا لزمه الثلث خلافا لعبد الملك وعليهما كل ما أربحه في مدة كذا إلا أنه يتصدق بجملة الربح ولو قال في السبيل حمل على الجهاد وفي الرباط الثغر المخوف (ع) ونذر شيء لميت صالح معظم في نفس الناذر لا أعرف نصا فيه وأرى إن قصد مجرد كون الثواب للميت تصدق بموضع الناذر وإن قصج به الفقراء الملازمين لقبره أو زاوية تعين لهم إن أمكن وصوله إليهم والله أعلم.
(ومن حلف بنحر ولده فإن ذكر مقام إبراهيم أهدى هديا يذبح بمكة وتجزيه شاة وإن لم يذكر المقام فلا شيء عليه).
مشهور المذهب فيمن حلف بنحر ولده أو نذهره أنه يلزمه هدي إن قال في مقام إبراهيم أو ما في معناه من مكة ومنى وتجزيه الشاة وفاقا لابن شعبان وقيل البدنة فإن لم يجد فالبقر فإن لم يجد فالغنم وإن لم يذكر المقام ولا ما في معناه فلا شيء عليه وقيل لا شيء عليه مطلقا وقيل لا كفارة عليه مطلقا وثالثها عليه كفارة يمين الباجي ولو قال ذلك لأجنبي فالأكثر كذلك وإن لم يذكر مكانا ولا هديا فعن مالك روايتان السقوط والكفارة.
(ومن حلف بالمشي إلى مكة فحنث عليه المشي من موضع حلفه فليمش إن شاء في حج أو عمرة فإن عجز عن المشي ركب ثم يرجع ثانية إن قدر فيمشي أماكن ركوبه فإن علم أنه لا يقدر قعد وأهدى وقال عطاء لا يرجع ثانية وإن قدر ويجزيه الهدي وإن كان ضرورة جعل ذلك في عمرة فإذا طاف وسعى وقصر أحرم من مكة بفريضته وكان متمتعا والحلاق في غير هذا أفضل وإنما يستحب له التقصير في هذا استبقاء للشعث في الحج) اختلف في الحلف بالمشي إلى مكة
فالمذهب وجوب المشي كما ذكر وقال أبو عمر والثقات عن ابن القاسم أنه أفتى ولده عبد الصمد حين حلف بذلك بكفارة يمين وقال أفتيك بمذهب الليث فإن عدت أفتيك بمذهب مالك وعلى المشهور يمشي على قدميه لا حافيا ولو نذر الحفاء وهو قادر عليه وفي المدونة الرجال والنساء في لزوم المشي سواء ولابن المواز إن كان مشي
مثلها عورة مشت الأميال محتجزة عن الناس ثم ركبت وأهدت وظاهر ماهنا يمشي من موضع حلفه كانت يمينه على بر أو على حنث.
ابن بشير: إن كان برمشي من موضع حلفه لأنه يطالب بما قبله وإن كان على حنث قولان وتخييره بين الحج والعمرة شأن القريب وفي بعيد الدار قولان للمتأخرين بتعيين الحج والتخيير حكاهما في الجواهر قال وإنما يرجع لإماكن ركوبه من بعده كمصر ابن عبد السلام هذا ظاهر المدونة والموازية ابن رشد والبعيد جدا كإفريقية والأندلس لا يختلف في عدم رجوعه وبعدم الرجوع قال ابن مزين وحكاه عن مالك وابن وهب وأصبغ ثم رجوعه إنما هو في المركوب المعتبر لا كاليوم واليومين.
عند ابن حبيب وعن الأبهري مجموع اليوم والليلة قليلة والتحقيق عند ابن حبيب وغيره يختلف باختلاف المسافات وعطاء هو ابن أبي رباح مفتي الحج في زمن السلف وليقه مالك بالمدين فقال يا مالك اتق الله يحبك الناس وإن كرهوا والصرورة بالصاد المهملة الذي لم يحج قط وإنما يجعل يمينه في عمرة ليفرغ لحجة فلو جعله في حج أو قران نواهما ففي ذلك اختلاف يطول ولا يمكن متمتعا إلا إذا صادفت عمرته أو بعضها أشهر الحج قبله ثم حج من عامة قبل رجوعه إلى أفقه أو إلى مثل أفقه في البعد واستبقاء الشعث لقوله عليه السلام " الحاج أشعث أغبر" وليجد ما يحلق عند فراغ حجة والله أعلم.
(ومن نذر مشيا إلى المدينة أو إلى بيت المقدس أتاهما راكبا إن نوى الصلاة في مسجديهما وإلا فلا شيء عليه) يعني أنه لا يلزمه المشي في ذلك ولو صرح به.
في نذره لأه ليس بقربة بخلافه في الحج والعمرة وشرط نية الصلاة في اللزوم صحيح وإلا فلا قربة وظاهرة من أي محل نوى ذلك والمشهور إن كان نوى الأفضل لا يأتي غيره والمدينة أفضل على المشهور ثم مكة وهما أفضل من بيت المقدس اتفاقا ولا يأتي مسجد قباء منها ولا من غيرها على المشهور.
(وأما غير هذه الثلاثة مساجد فلا يأتيها ماشيا ولا راكبا لصلاة نذرها وليصل بموضعه).
أما ما يحتاج فيه إلى راحلته فلا يجوز قصده ونذره محظور قاله الباجي لقوله عليه السلام "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" متفق عليه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه وفيما قرب من ذلك من المساجد قولان للجلاب وغيره وظاهر الرسالة عدم وتقف الغبريني في نذر زيارته عليه السلام بعد النص واستظهر غيره اللزوم لتحقق القربة.
(ومن نذر رباط بموضع من الثغور فذلك عليه أن يأتيه).
ظاهره وإن كان في ساحل مثله وقال التونسي فيه نظر إن كان أشد خوفا من موضعه لزم بخلاف العكس وقال من نذر رباطا وصوما بموضع يقرب كعسقلان والإسكندرية لزمه وإن كان مكيا أو مدنيا انتهى.