الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في الطعام والشراب
يعني: في ذكر آدابها المستعملة أولا وآخرا أوحال التناول.
(إذا أكلت أو شربت فواجب عليك أن تقول باسم الله وتتناول بيمينك وإذا فرغت فتقل الحمد لله وحسن أن تلعق يدك قبل مسحها).
يعني: أنك إذا أردت الشروع في الأكل يتعين عليك التسمية وجوبا يعني: وجوب السنن لا وجوب الفرائض وهي أن تقول باسم الله لا تزيد على ذلك لأن الأكل استهلاك لا يصح معه ذكر الرحمة، وذكر الغزالي والنووي إكمالها وهل هو على الأعيان وهو ظاهر المذهب ومن السنن الكفائية يحمله الواحد عن الجماعة وهو الذي حكاه النووي عن الشافعي قائلا هو كرد السلام وتشميت العاطس ونحوه.
قال ابن الحاج ومن سنة التسمية الجهر لأنه إغراء للحاضرين على الأكل البلالي وتسميته بكل لقمة وحمده عقبها أزكى قال فباسم الله أوله وآخره درياقة وتزكية طعامه وفي الحديث أن من نسي التسمية أوله يقول إذا ذكر باسم الله أوله وآخره وفي حديث عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كانت تطيش يده في القصعة فقال له عليه الصلاة والسلام: " قل باسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك" روه مسلم وفي مسلم أيضا من حديث ابن عمر رضي الله عنه: " إذا أكل أحدك فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله" الحديث.
وأما الحمد عند الفراغ ففي حديث أنس رضي الله عنه: " أن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها" رواه مسلم أيضا قال علماؤنا: وسنة الحمد الإسرار لأنه كالأمر بالانفكاك لمن سمعه من الآكلين وأنكر ابن الحاج البسملة عند أكل لقمة والحمد على بلعها وقال هذا وإن كان حسنا فالسنة أحسن منه والتسمية أولا والحمد لله آخرا وذكرت ذلك لبعض الصالحين فقال لا معارضة فيه للسنة فقلت هو مخالف لما ورد من السنة التحدث على الطعام فقال يفعل
ذلك إذا كان وحده وفي نظر وأما لعق الأصابع ففي حديث ابن عباس رضي الله عنه: " إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها" متفق عليه زاد النسائي: " فإنه لا يدري البركة في أوله أو آخره".
وفي روايةكان عليه السلام لا ترفع الصحفة حتى يلعقها أو يلعقها فإن آخر الطعام فيه البركة وروى أنه عليه السلام كان يلعق أصابعه حتى تحمر وظاهر ما هنا أن اللعق أولا ثم المسح ثم الغسل وهو أنظف وأطيب للنفس وحكى لي بعض الأصحاب أن الزناتي ذكر آخرا من السنة والله أعلم.
(ومن آداب الأكل أن تجعل بطن ثلثا للطعام وثلثا للماء وثلثا للنفس).
هذا حديث أصله قوله عليه الصلاة والسلام: " ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه حسب المؤمن لقيمات يقمن صلبه فإن كان ولا بد فثلث للطعام وثلث للماء وثلث للنفس" أخرج الترمذي وصححه فالشبع إلى حد التخمة وإفساد المعدة بإفساد الطعام حرام وما دون ذلك ما يؤدي إلى الثقل مختلف فيه بالكراهة والإباحة وعليهما اختلفا في الجشاءة هل يقول الحمد لله أو يستغفر الله؟ وجمع بينهما وهو أحسن فيحمد اعتبارا بالنعمة ويتسغفر لسوء أدبه في أكله وما لا يحسن معه بالثقل مما لا يخل بغذائه وهو المطلوب.
وقال في سراج المريدين ينبغي أن يكون طعام المريد أربعا وعشرين أوقية بين الليل والنهار ويجزئ ذلك على ثلاثين سواء أكله في مرة أو مرات قلت: والميزان الحق في ذلك ثلاث تغير الطعام في الفم فإنه لا يكون إلا بعد أخذ الطبيعة ما تحتاج إليه والإحساس بالثقل الذي يخشى منه التثبط والتخمة أو ما يقرب منهما وطلب الشرب لفدع ما يؤكل لا للاحتراق في الطبيعة وعلامته قلة لذة الماء في فيه.
وقد قال سفيان رضي الله عنه كل ما شئت ولا تشرب وأقوال الناس تختلف والمقصود حفظ القوة مع خفة الأعضاء للعبادة بلا علاج والله أعلم.
(وإذا أكلت مع غيرك أكلت مما يليك ولا تأخذ لقمة حتى تفرغ الأخرى).
أما أكله ما يليه فقد تقدم الحديث في الأمر به عموما ويتأكد مع الغير ابن رشد وكذلك إذا كان الطعام واحدا كالثريد واللحم وشبه ذلك فأما الأصناف المختلفة كأصناف الفاكهة في طبق مما تختلف فيه أغراض الآكلين فلا باس للرجل أن يتناول ما بين يدي غيره وذلك منصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا بأس إذا أكل الرجل مع أهله وبنيه أن يتناول ما بين يدي وغيره منهم إذ لا يلزمه أن يتأدب معهم ويلزمهم أن يتأدبوا معه في الأكل فإن لم يفعلوا أمرهم بذلك ما فعل عليه الصلاة والسلام مع عمر بن أبي سلمة حين طاشت يجه في الصحفة والله أعلم.
وقد صح أنه عليه السلام كان يتتبع الدباء من حوالي القصعة فحكى أبو محمد صالح في المنهاج عن ابن رشد أن ذلك خاص به صلى الله عليه وسلم وذكرت كلامه للشيخ الفقيه الصالح سيدي سليمان بن يوسف البجاوي فقال الأصل التأسي حتى يثبت خلافه ووجه الخصوص أن كل البيوت بيته عليه السلام وجولان يده في الطعام ترجي بركته بل تتحقق فجولانه تطيب لقلب صاحبه البلالي ويأكل متأنيا ناظرا بين يديه منزها لمائدته عما يلقيه ثم قال نعم ويكسر الخبز لقلته أو إيناس آكله وإلا فأرغفة. والأكل من جوانبها يعني القصعة أفضل انتهى واختلف في البداءة باللحم وتأخيره ثالثها يبدأ به الجائع لا غيره وفي جعل الإدام على الخبز ثالثها إن كان يأكله جاز وإلا كره كان صلى الله عليه وسلم لا يذم ذواقا إن اشتهى أكل وإلا ترك وكان لا يحب الطعام السخن جدا وإذا أتى به قال: " أبردوه إن الله لم يطعمنا نارا" وينبغي إذا حضر القوم ذو هيئة أن ينظر إليه فلا يمد أحد يده إلا بعده ولا يرفع أحد إلا بعد رفعه كما قيل قالوا ولا يرفع يدا ما داموا في الأكل وليقم متى قاموا وفي المناولة من القصعة اللحم وغيره تفصيل كتقليم بعض الناس لبعض.
وقوله: (لا تأخذ اللقمة) إلى آخره: من باب التأني في الأكل خلاف حال النهم والشره والحديث على الطعام من السنة قالوا وليكن الكلام بين فترات التناول لا حالة امتلاء الفم بالطعام لأنه مثلة وقد يخرج من فيه ما يكره مع أنه لا يفهم أو لا يكاد يفهم وآداب الأكل كثيرة غيزيرة فنقتصر وبالله التوفيق.
(ولا تتنفس في الإناء عن شربك ولتبن القدح عن فيك ثم تعاوده إن شئت
ولا تعب الماء عبا ولتمصه مصا وتلوك طعامك وتنعمه مضغا قبل بلعه).
قد صح نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التنفس في الإناء من حديث سلمان رضي الله عنه وغيره وفي حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال رجل يا رسول الله إني لا أروى من نفس واحد قال: " فلتبن القدح عن فيك" قال فإني أرى القذارة فيه قال: " فأهرقها" رواه مسلم وقد أتى الشيخ بمعناه وفي النسائي ما يدل لاستحباب الشرب في ثلاثة أنفاس يمسي عند كل مرة ويحمد عليها وفي هذه الحديث جواز الشرب في نفس واحد وكراهة التنفس في الإناء والشرب في القدح وهو السنة.
وقد جاء النهي عن عب الماء عبا قيل لأنه يورث الكباد ولا يروي معه ولا يطفئ الحرارة الغريزية فيتضرر ولأنه من الشره ومن المعلوم أن السنة شرب الماء بالمص واللحم وبالنهش والخبز بالقرص إلا لعذر فيجوز غير ذلك واللوك تحريك الطعام وإدارته في الفم لتطييبه وقوة إنعامه ليأتي المعدة وقد تهيأ للهضم ومن المعلوم أن ذلك لا يكون إلا مع تصغير اللقمة يعني صغرا لا يؤدي إلى المقت وفي كلام ابن العربي أن اللقمة ينبغي أن تكون أوقية إلا ربعا ونحوها لأنه قال رطل ونصف في ثلاثين لقمة وقال بعض السلف الأكل بأصبع واحد مقت وباثنين ظرافة وكبرا وبثلاثة سنة وبأربعة جواز والله أعلم.
وذكر ابن العربي كراهة الشرب من ناحية العروة ومن الكسر يكون في الإناء وبالله التوفيق.
(وتنظيف فاك بعد طعامك وإن غسلت يدك من الغمر واللبن فحسن وتخلل ما تعلق بأسنانك من الطعام ونهى الرسول عليه السلام عن الأكل والشرب بالشمال وتناول إذاشربت من على يمينك).
أما تنظيف الفم من الطعام بالسواك والمضمضة ونحوهما فهي السنة وفائدته دفع ما يتقي من تغيير طعم الفم ورائحة بذلك مع أنه يجلب العطش وربما دخل في ضرس مسوسة فيتغير فيها كرائحة العذرة وطعمها فتحرم وتنجس وقد نص على ذلك العلماء.
وقد تمضمض رسول الله صلى الله عليه وسلم من اللبن وقال " إن له دسما".
وقال عليه السلام: " من بات وبيده غمر لم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه" رواه أبو داود وغيره والغمر بفتح المعجمة والميم الودك وأما تخليل الأسنان فخرج أبو نعيم مرفوعا: " نقوا أفواهكم بالخلال فإنها مجالس الملائكة" وليس شيء أضر على الملائكة من بقايا الطعام بين الأسنان وأما الأكل بالشمال فقد تقدم قريبا وف الشفاء أنه عليه السلام رأى رجلا يأكله بشماله فقال له: " كل بيمينك" فقال لا أستطيع، فقال عليه السلام" لا استطعت" فما رفعها إلى فيه بعد ولا خلاف أنه مكروه غير محرم إلا من ضرورة أو عذر.
وقد رئي علي كرم الله وجهه وفي يده خبز وبالأخرى شواء وهو يأكل من هذه ومن هذه وأما مناولة الأيمن ففي حديث أنس رضي الله عنه: " إذا شرب أحدكم فليتناول للأيمن" وقال عليه السلام " الأيمنون الأيمنون ألا فيموا".
متفق على رواية معناه وقصته عليه السلام في ذلك مع الشاب الذي قال لا أوثر بنصيي منك أحدا شهيرة في الصحيحين وغيرهما والله أعلم.
(ونهى عن النفخ في الطعام والشراب والكتاب وعن الشرب في آنية الذهب والفضة).
أما الثلاث الأول فروى حديث النهي عنها البزار وغيره وهو في الأولين لما يتقي من القذر والاحتقار وأما الثالث فلحرمته وخوف أن يفهم عنه وجود ازدرائه وسواء في ذلك ما قل وجل وحار الطعام وبارده وأجاب بعض الشافعية بأن تقبيل الخبز وحمله على الرأس تعظيما لم يرد به شيء واحتقار بلقائه في القاذورات ونحوها ممنوع وحكى لنا بعض الطلبة أن الشيخ ابن مرزوق – رحمه الله – كان يقول: إذا اختلط الطعام بالتراب ونحوه بحيث لا يمكن النفع به سقطت حرمته.
وحكى لنا شيخنا أبو عبد القوري – رحمه الله – في أكل الخبز المحترق الذي صار كالتراب قولين قال وذكرهما في المعين في شرح التلقين وأما الشرب في آنية الذهب والفضة ففي حديث أم سلمة رضي الله عنها: " الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر
في بطنه نار جهنم" متفق عليه قال علماؤنا بنبه في هذا الحديث بالأدنى على الأعلى فإذا كان هذا في آنية الفضة فالذهب أحرى لقوة السرف والرفاهية فيه وإذا كان هذا في الشرب فالأكل أحرى.
وفي حديث حذيفة رضي الله عنه صريح النهي عنهما متفق عليه ولا خلاف في تحريم استعمال أواني الذهب والفضة وإنما اختلف في جواز اقتنائها فأخذ الباجي من جواز بيعها جواز اقتنائها ورد بأن عينها تملك إجماعا فعلى المشهور لا يجوز الاستئجار على صوغها ولا شيء على من أتلفه وعلى الثاني يجوز الاستئجار ويلزم الغرم وفرض ابن بزيزة في شرح التلقين ذلك في اتخاذها لتزيين البيوت بتعليقها وعد عياض في مكروهات الوضوء كونه منها وهو مشكل م وفي إناء الجوهر قولان ولو غشي ذهب أو نحوه برصاص ونحوه وموه رصاص ونحوه بذهب ونحوه فقولان: قال الباجي ولا يتعدى التحريم إلى الياقوت والفيروزج وشبه ذلك من الجواهر النفيسة لمجرد نفاستها وقال الأبهري ما يصنع من الياقوت واللؤلؤ والمرجان أولى بالتحريم من الذهب والفضة ولابن سابق يكره عياض في المغشي والمموه على اعتبار السرف يجوز الأول ويمنع الثاني وقيل عكسه لاستهلاك عينها واعتبار العين يمنعها وفي المضبب بهما أو بأحدهما ثالثها يكره ومثله ذو الحلقة والمنع للباجي وابن العربي وعياض مع رواية العتبي عن مالك لا يعجبني الشرب فيها يعني الآنية لا ما ينظر فيها يعني المرآة من ذهب أو فضة وقد أتى الحسن بطيب في من فضة فقلبه في يده واستعمله وفي حديث أنس رضي الله عنه انكسر قدح النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة متفق عليه وهو خلاف ما قالوا في المضبب وذي الحلقة فانظر أبوابه وبالله التوفيق.
(ولا ينبغي لمن أكل الكراث أو الثوم أوالبصل نيأ أن يدخل المسجد).
يعني أنه يكره ذلك له لأنه يؤذي الناس بريحه وقال عليه الصلاة والسلام في الثوم: " من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مساجدنا يؤذينا بريح الثوم" متفق عليه مع اختلاف ألفاظه وقد أخذ به جمهور العلماء وأرباب الفتيا قالوا بكراهتها لدخول المسجد من غير تحريم خلافا لأهل الظاهر وقال بعض العلماء النهي خاص بمسجد المدينة والصحيح عمومه قال بعضهم ومصلى العيد والجنائز وغير ذلك مما يجتمع.
فيه الناس كالمسجد في ذلك.
وقال ابن المرابط من به داء البخر كآكل الثوم في النهي وما ذكر من أن البصل والكراث لم يرد فيه حديث بخصوصه فهو مقيس على الثوم وهل يحرم إخراج الريح فيه أو يكره قولان وقد ذكروا أكل الثوم في مبيحات التخلف عن الجمعة وكذا ما كان في معناه فانظر ذلك وسيأتي تعظيم المساجد وما يجوز فعله فيها ودخولها به بعد إن شاء الله.
(ويكره أن يأكل متكئا ويكره الأكل من رأس الثريد ونهى عن القرن في التمر وقيل إن ذلك مع الأصحاب الشركاء فيه ولا بأس بذلك مع أهلك أو مع قوم تكون أنت أطمعتهم ولا بأس في التمر وشبهه أن تجول يدك في الإناء لتأكل ما تريد منه).
أما كراهة الأكل متكئا فلأنه صفة المتكبرين أعني الميل على شق حال الأكل وفسر عياض الاتكاء بالتمكن للأكل على وجه يتهيأ معه الإكثار قائلا: وليس الاتكاء هنا الميل على شق عند المحققين وانظر الشفاء عند قوله عليه السلام: " أما أنا فلا أكل متكئا إنما أنا عبد أكل كما يأكل العبد" أخرجه البخاري من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه.
وأما الأكل من رأس الثريد ففي السنن الأربعة من رواية ابن عباس رضي الله عنه قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقصعة من ثريد فقال: " كلوا من جوانبها ولا تأكلوا من وسطها فإن البركة تنزل على وسطها" قال ابن حجر هذا لفظ النسائي وسنده صحيح.
وأما القران في التمر بمعنى قرن إحدى التمرتين بالأخرى عند الأكل ففي المتفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القران في التمر إلا أن يستأذن أصحابه فظاهره أن ذلك لمكان الشركة ويحتمل أن يكون للأدب معهم وعليهما القولان المذكوران في النص والله أعلم.
ويحكى أن أبا هريرة رضي الله عنه أكل تمرا مع أعرابي فرآه يقرن فقال أوتر يا أعرابي فجعل يأكل ثلاثا ثلاثا وأما الجولان في التمر فهو السنة ولكن ينبغي أن يكون بأدب وحشمة وحديثه متفق عليه وقد تقدم كلام ابن رشد فيه ثم هل هذا خاص بالتمر أو لا ظاهر الحديث في قوله أنه أنواع يدل على عدم اختصاصه بالتمر ولا
بالفاكهة فانظر ذلك وبالله التوفيق.
(وليس غسل اليد قبل الطعام من السنة إلا أن يكون بها أذى وليغسل يده وفاه بعد الطعام وليمضمض فاه من اللبن ويكره غسل اليد بالطعام أو بشيء من القطاني وكذلك بالنخالة وقد اختلف في ذلك).
ما ذكر أن غسل اليد قبل الطعام ليس من السنة هو قول مالك ورده أبو عمر بن عبد البر في جامع الكافي بحديث سلمان رضي الله عنه غسل اليد قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم وقال: إنه صحيح وهذا فيما هو مائع من الطعام وأما غيره فلا وجه له نعم قيل هو شكر لنعمة التناول قبل التلبس بالنعمة والأذى عبارة عن نجس أو قذر إن كان طاهرا.
وقد ثبت غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الغمر وتمضمضه من اللبن وأمره بذلك وثبت أن الصلاة أقيمت وهو يجتز من كتف شاة فمسح يده بالحصباء وصلى وقد تقدم بعض الكلام في ذلك وأما غسل اليد بالطعام كالدقيق والعسل والقطاني التي هي منها الترمس وقد عمت البلوى به وفيه اختلاف قال سحنون يمنع كالنخالة لحرمة الطعامية.
وحكى ابن يونس عن مالك الجواز بالنخالة وغيرها قائلا أن الصحابة كانوا يتمندلون بأقدامهم وكانوا يأكلون الطعام الدسم ولابن وهب في المختصر سمعت مالكا يقول في الجلبان والفول وما أشبهه من الطعام لا بأس أن يتوضأ منه ويتدلك في الحمام.
وقال مالك: إن الرجل ليدهن بعض جسده بالسمن أو الزيت من الشقاق قال وسئل عن الدقيق يغسل في اليد فقال غيره أحب إلي ولو فعل لم أر به بأسا ثم كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتمندل ببعض رجله وفي النخالة ثلاثة المنع لسحنون والكراهة لمالك والجواز لابن نافع والله أعلم.
(ولتجب إذا دعيت إلى وليمة العرس إن لم يكن هناك لهو مشهور ولا منكر بين وأنت في الأكل بالخيار وقد أرخص مالك في التخلف لكثرة زحام الناس فيها).
يعني أن إجابة دعوة وليمة العرس أي النكاح مطلوب وهل واجب أو مندوب قولان عياض لم يختلف العلماء في وجوب إجابة دعوة الوليمة الباجي: وروى ابن
حبيب ليس ذلك حتما ولا فرضا وأحب له أن يأتيه فجعله ندبا ونحوه في الجواهر عن ابن القصار.
وقال اللخمي: إن كان المدعو جارا أو قريبا أو صديقا أو ممن يتجدد بتخلفه عداوة أو مقاطعة وجبت إجابته وغيره إن لم يأت من الناس ما تقع به شهرة النكاح ندبته وإلا أبيتحت قال وروي لمحمد لا بأس أن يقول الرجل للرجل ادع لي من لقيت وليس على المدعو كذا إن لم يجب عيب يريد لأن تخلف من يعرف ولا يقطع به شنآن.
ووليمة العرس شرط فلا يتأكد الأمر في غيرها وقد قال صلى الله عليه وسلم: " شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعي إليها من يأباها ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله" أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: وفي المتفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنه: " إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها" ولمسلم: " فليجب عرسا كان أو غيره".
وقد قسم ابن رشد الدعوة إلى الأطعمة خمسة أقسام فجعل دعوة وليمة العرس واجبة الإجابة إلا لعذر ودعوة المأدبة مستحب إجابتها وهي طعام الولد والإخاء والمعاشرة ودعوة تجوز إجابتها ولا حرج على التخلف عنها وهي كل ما كان دون دعوة الوليمة من الدعوات العادية كالعقيقة والعتيرة والخرس لإذلال ومنها ما تكره إجابته وهو ما قصد به مباهاة أو مفاخرة ونحو ذلك فتكره لا سيما لأهل الفضل والهيئات لأن إجابتهم لذلك إضاعة للتصاون وسبب لإذلال أنفسهم وتحرم لمن يحرم عليه قبول هديتهم كالمديان والخصمين للقاضي ونحو ذلك انتهى باختصار بعض ألفاظه وانظر المقدمات.
تنبيه:
المأدبة بفتح الدال وضمها ما يصنع للتودد ونحوه والوضيمة طعام المصيبة والنقيعة طعام قدوم المسافر والعتيرة طعام الختان والوكيرة كمال البناء والخرس طعام الولادة والعقيقة طعام سابع المولود والوليمة قال الخطابي طعام الأملاك وقال صاحب العين طعام النكاح وقيل طعام العرس والأملاك معا قال القاضي وروى ابن القاسم في المدونة إنما تجب الإجابة في طعام العرس وليس طعام الأملاك مثله.
عياض هذا على رواية محمد أنها بعد البناء وهو المسمى عندنا وليمة وعرسا
والمذهب استحباب الوليمة ابن سهل والمذهب القضاء بها على الزوج للعمل بها عند الخاصة والعامة ولحديث فيها، الباجي: المختار منها يوم احد عياض حكى ابن حبيب استحبابها عند العقد وعند البناء عياض لا خلاف أنه لا حد لها وهي بقدر حال الرجل وما يجد استحب أصحابنا لأهل السعة كونها أسبوعا قيل إذا دعي في اليوم الثاني من لم يدع في الأول ثم كذلك وتكره المباهاة والسمعتة (ع) وهو مقتضى نقل الباجي عن ابن حبيب وفيه إن دعا في الثالث من لم يكن دعاه مرة فهو سائع.
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه: " طعام أول يوم حق وطعام اليوم الثاني سنة وطعام اليوم الثالث سمعة". رواه الترمذي واستغربه ابن حجر ورجاله رجال الصحيح.
وقوله: (إن لم يكن هناك لهو مشهور) يعني: لما في سماع يحيى من رواية ابن القاسم لا يدخل الرجل يدعى لصنيع فيجد فيه اللعب إلا أن يخف كالدفء والكبر الذي يلعب به النساء فلا بأس (ع) معروف المذهب منع حضورها للعب المنكر أو للأكثر في اللعب المباح الحضور إلا لأهل الفضل والهيئات والمنكر البين كاجتماع النساء والرجال (ع) تخلفه لعذر فرش للاستناد إليه والجلوس عليه.
وقوله: (وأنت في الأكل بالخيار) الباجي لا نص لأصحابنا في وجوب الأكل للمجيب وفي المذهب ما يقتضي القولين روى محمد عليه أن يجيب وإن لم يأكل أو كان صائما ففي الحديث: " إن كان صائما فليصل لهم" أي يدعو بخير وقال أصبغ ليس الأكل بتأكيد وهو بعيد وقول مالك على هذا أن الأكل ليس بواجب وقول أصبغ وعلى وجوبه اللخمي وقول مالك يأكل خلاف الحديث: " فإن كان مفطرا أكل وإن كان صائما فليصل لهم" الحديث قال ولو جعل على صفة المدعو لكان حسنا فالرجل الجليل لا بأس أن يطعم لأن المراد التشرف بمجيئه وإن لم يكن كذلك وهو ممن يرغب في أكله ويحدث وحشة بتركه فاتباع الحديث أولى وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.