الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في أحكام الدماء والحدود
يعني ذكر ما يجب في الدماء قتلا وقضاء وغير ذاك من الأحكام وما يوجب ذلك وما يمنعه.
والحد لغة المنع، وشرعا: ما رسم لمنع أمور معلومة بوجه خاص.
(ولا تقتل نفس بنفس إلا ببنية عادلة أو اعتراف أو بالقسامة إذا وجبت).
قد حرم الله في كل ملة قتل النفس بغير حق وأوجب النفس بالنفس فيقتل القاتل عمدا وعدوانا بالمقتول على الوجه الذي قتله ما لم يتضمن معصية يكون قتله بالسيف عند وجوبه فمن قتل بشيء قتل به إلا اللواط والسحر فيعدل إلى السيف ونحوها لتضمن السبب معصية إجماعا واختلف في النار والسم فقيل مثلها وقيل لا.
وطريق ثبوت الدم ثلاثة بينة عادلة تشهد بالقول المستوفى أو اعتراف يشهد به عدلان على عاقل بالغ غير مكره ولا مزلزل الذهن وشرط البينة العادلة على المقاتلة وكذلك الاعتراف أي الشهادة على إخبار القاتل عن نفسه أنه قتل والقسامة لها شروط لا تجب بها فلذلك قال إذا وجبت وشروط وجوبها سبعة: بلوغ المدعي عليه الدم، وعقله بل تكليفه وكون المقتول عمدا عدوانا وكونه غير ثابت ببينة ولا اعتراف وثبوت اللوث على ما يذكر بعد إن شاء الله وكون الدعوى بين المسلمين يصح قتل أحدهما بالآخر ومن مسلم حر على ذمي ونحوه واتحاد المطلوب بالدم وتعدد الحالفين وكونهم عصبة واثنين فصاعدا.
وسمع ابن القاسم إن لم يكن للقتيل عمدا عصبة بطلبت القسامة قال ولا قسامة لأحد إلا بوراثة ونسب ثابت أو ولاء قال ولا يقسم الولاة الأسفلون وفي المدونة من لا عصبة له فلا قسامة يه ولا يقتل فيه إلا ببينة أو اعتراف ولا يصح القتل حيث يتوجه إلا بشروط ستة مكافأة المقتول للقاتل في الدين والحرية أو كون المقتول أعلى وثبوت الدم بما يثبت به من شهادة أو اعتراف أو قسامة على وجها واتفاق الأولياء على القتل وكون القتل على وجه العمد العدوان وكون القاتل بالغا عاقلا لأن عمد الصبي والمجنون كالخطأ وكون القاتل غير أب على خلاف في بعض صوره وكون الدعوى على من تمكن غالبا على خلاف في هذه القسامة والله أعلم.
(يقسم الولاة خمسين يمينا ويستحقون الدم).
قوله الولاة فيه شرط التعدد وكونهم ولاة فلا يقسم غير والة الدم قال في المدونة ويمين القسامة على البت وإن كان أحدهم أعمى أو غائبا عن القتل ومثله في الموازية قال سحنون في المجموعة لأن القتل يحصل به العلم بالخبر والسماع كما يحصل بالمعاينة (ع) القسامة حلف الولاة خمسين يمينا أو جزءها على إثبات الدم وقد تقدمت شروطها ذكرها الشيخ مفصلة فمنها قوله.
(ولا يحلف في العمد أقل من رجلين ولا يقتل بالقسامة أكثر من رجل واحد).
أما أنه لا يحلف في العمد أقل من رجلين فنحوه في الموطأ ابن رشد والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام: " تحلفون وتستحقون دم صاحبكم" فجمعهم في الأيمان ولأن الدم لما كان لا يستحق بأقل من شاهدين لم تصح القسامة إلا باثنين والنصاب شرط فإن لم يكن الولي غير واحد فلا قسامة إلا أن يجد من يحلف معه من العصبة أو
العشيرة الذين يجتمعون معهم في أب واحد معروف فيقسم كل واحد منهما خمسة وعشرين يمينا وإن كانوا أكثر قسمت الأيمان على حسبهم كما سيأتي فإن رضوا حمل أكثر مما عليهم لم يجز وإن رضى بحمل أكثر مما عليه جاز ما لم يجاوز خمسة وعشرين انظر كلام ابن رشد وأما أنه لا يقتل بالقسامة أكثر من رجل واحد فإن انفرد أقسموا عليه وقتلوه وإن تعدد المدعى عليهم.
فقال ابن القاسم في المدونة والمجموعة يختارون واحدا فيقسمون عليه ثم يقتل وقال أشهب إن شاءوا أقسموا على الجميع وقتلوا واحدا أو اختاروا واحد وأقسموا عليه وقال سحنون إن كان الضرب واحدا حلفوا على الجميع ثم قتلوا واحدا وإن افترقوا في الضرب لم يحلفوا إلا على واحد.
(وإنما تجب القسامة بقول الميت دمي عند فلان أو بشاهد على القتل أو بشاهدين على الجرح ثم يعيش ويأكل ويشرب).
اللوث شرط في ثبوت القسامة ويقال له اللطخ أيضا ومعناه القرينة المقوية للتهمة ويشترط في العمد على قوله: (دمي عند فلان) كونه بالغا عاقلا مسلما وسواء كان المدعى عليه مسلما أو كافر عبدا أو حرا ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا والخطأ في ذلك كالعمد ابن حارث والشاهد العدل بالقتل لوث اتفاقا وظاهر كلام الشيخ أن قوله دمي عند فلان كاف في اللوث وإن لم يكن جرحا ولا غيره وهي التدمية البيضان وقال بها أصبغ وعيسى بن دينار وهو دليل سماع يحيى وقال ابن كنانة التدمية البيضاء لغو واختاره اللخمي وابن رشد وبه العمل ولطخ الصبي غير المراهق لغو اتفاق.
وكذلك المراهق على المشهور والعبد كذلك لأنه مدع لغيره ولا قسامة فيه والكافر كذلك ولو شهد بالقتل غير عدل لم يكن لوثا عند ابن القاسم وسمع أشهب أنه لوث وتأوله ابن رشد بمجهول الحال الذي لا تتوهم فيه جرحه ولا عدالة فأما المتهم بالجرحة فليس بلوث عنده.
وروى مطرف اللوث اللطخ البين من النساء والسواد والصبيان قال مطرف وقتل بذلك عندنا بالمدينة مالك ومثل الرجلين النفر يشهدون على ذلك وهم عدول وليست رواية مطرف هذه بخلاف رواية أشهب وروى ابن وهب اللوث الشهادة غير
القائمة من شهادة النساء وشبهها قال ومثل أن يرى المتهم بحذاء المقتول أو مر به فإن لم يكونوا رأوه حين أصابه ونحوه للجلاب قائلا وفي شهادة النساء قولان أبو عمر القول بأن الواحد وإن لم يكن عدلا لوث ضعيف لا عمل عليه ولا يعرض عليه واختلف في الشاهد العدل يشهد على إقرار القاتل بأنه قتل عمدا أو خطأ على ثلاثة أقوال لأشهب أنه لوث ولابن القاسم في الموازية عدم إعماله بلا قسامة وهو في آخر سماع سحنون وظاهر المدونة وثالثها الفرق بين العمد والخطأ وهو الأظهر وعليه أصلح سحنون المدونة وقاله (ع) ناقلا عن ابن رشد والله أعلم.
فأما أكله وشربه بعد الشاهدين على الجرح فقال ابن الحارث اتفقوا على أنه إن شهد شاهد أن فلانا ضرب فلانا أو جرحه فغاش المجروح أو المضروب وأكل وشرب ثم مات أو لورثته أن يقسموا أو يستحقوا الدم ما لم ينفذ الجرح مقاتله فلا قسامة هو كالمقتول قطعا وإن لم تنفذ مقاتله وشهد به شاهد فقط فلابن القاسم في كتاب الديات ثبوت القسامة. وقال في العتبية لا قسامة فيه وقال سحنون هذا أصل تنازعته الروايات فانظر ذلك ولو قيل للمجروح من ضربك فقال لا أعرف ولا أدري من ضربني ثم قال دمي عند فلان فالتدمية باطلة والله أعلم.
(وإن نكل مدعو الدم حلف المدعى عليهم خمسين يمينا فإن لم يجد من يحلف معه من ولاته غير المدعى عليه وحده حلف الخمسين يمينا).
قال في المدونة وإن نكل ولاة الدم عن الأيمان ردت على المدعى عليه فإن حلف خمسين يمينا برئ فإن نكل حبس حتى يحلف اللخمي وقال أشهب إذا نكل كانت عليه الدية وأراد يخير أولياء الدم في حبسه أبدا حتى يحلف أو الدية.
وفي المقدمات إذا نكل ولاة الدم والقسامة بقول الميت دمي عند فلان أو بشاهد على القتل فثلاثة رواية سحنون ومحمد عن ابن القاسم ترد على المدعى عليه فيحلف خمسين يمينا أو يحلفها عنه رجلان من أوليائه ولا يحلف معهم ولابن القاسم في العتبية ترد الأيمان على القتال وأوليائه فيحلف معهم فإن لم يجد من أوليائه من يحلف معهم حلفها وحده وهذا الذي هنا وثالثها إنما يحلف وحده وقال مطرف في الواضحة ابن رشد ولو ثبتت القسامة بشاهدين على الجرح ففي رد الأيمان على القاتل وأوليائه قولان
فانظر ذلك.
(ولو ادعى القتل على جماعة حلف كل واحد خمسين يمينا).
يعني أن الأيمان إذا ردت على المدعى عليه والقتل متعدد فلا بد لكل واحد من الخمسين في نفي ما ادعى عليه فإن امتنعوا أو أحدهم فالممتنع مطالب بما طولب به الجميع من الدم لاستوائهم في حكم الطلب به والله أعلم.
(ويحلف من الولاة في طلب الدم خمسون رجلا خمسين يمينا وإن كانوا أقل من ذلك قسمت عليهم الإيمان).
يعني: أن (الولاة) إذا كان ولاة الدم أكثر من خمسين لم يحلف منهم إلا خمسون هذا هو المشهور المعلوم وحكى ابن رشد أنه رأى لعبد الملك لابد من حلف كل واحد منهم يمينا قال وروايته في كتاب مجهول ابن رشد وإن كان أولياء الدم أكثر من اثنين إلى خمسين رجلا وهم في القعد سواء وتشاحوا في حملها قسمت على عددهم فإن وقع فيها كسر ككونهم عشرين فتبقى من الأيمان عشرة يقال لهم لا سبيل إلى الدم حتى تأتوا بعشرة منكم يحلفون ما بقى فإن أبوا بطل الدم كنكولهم فإن طاع اثنان بحمل الخمسين جاز عند ابن القاسم.
وقال أشهب والمغيرة وعبد الملك لا بد أن يحلفوا كلهم وإن لم يحلف واحد منهم فنكولهم ولو كانوا اثنين خاص حلف كل واحد منهما خمسة وعشرين يمينا فإن طاع واحد منهم بأكثر من نصيبه حتى يحلف مثل صاحبه والله أعلم.
(ولا تحلف المرأة في العمد).
يعني: لأن استحاق الدم بالقسامة شرطه الذكورية ما ذكر هو معروف المذهب وحكى ابن الفاكهاني قولا بأنها تحلف قال القلشاني ولم أقف عليه وأصل المذهب أن لا مدخل للنساء في القسامة في العمد وإن كان لهمن القيام بالدم والعفو فيه على تفصيل يذكر بعد إن شاء الله فانظر ذلك.
(ويحلف الورثة في الخطأ على قدر ما يرثون من الدية من رجل أو امرأة وإن انكسرت عليهم يمين حلفها أكثرهم نصيبا منها).
يعني أن أيمان القسامة في الخطأ تفارق العمد في دخول النساء فيها وعدم تقيدها
بالعصبة وأن من له نصيب من الإرث يحلف على قدر نصيبه فتوزع الأيمان على الأنصباء وقوله (حلفها أكثرهم نصيبا منها) يعني من اليمين الباقية لا من جلة الأيمان وصورة ما ذكر من انكسار اليمين أن يكون الورثة أخا شقيق وأختا شقيقة أو لأب فيكون عليه الثلثان وهي أينان وثلاثنون من ثمانية وأربعين وعليها ستة عشر فتبقى يمينان عليه منها يمين وثلث لأن له في كل يمين ثلثين فاستوفى إحدى اليمينين ودخل في الأخرى بثلث فبقى للأخت منها ثلثان فهي أكثرهم نصبا من هذه اليمين وإن كانت أقل نصيبا من الأيمان فيحلف ثلاثة وثلاثين وتحلف سبعة عشر يمينا وهذا مذهب المدونة وهو مبني على إلغاء التبع وإعطاء التابع حكم المتبوع وحكى ابن رشد قولا بأنه يحلفها أكثرهم نصيبا من الأيمان وعزاه بعضهم للموطأ من رواية يحيى لا من رواية ابن القاسم وابن بكير وغيرهم. وثالثها تلزم كل من عليه كسر وهو قول الشافعي والأظهر في النظر والله أعلم.
ولو انكسرت اليمين بأجزاء متساوية مثل أن يكون أخوة ثلاثة فلابن القاسم يحلف كل واحد سبعة عشرة يمينا وقال أشهب يحلف كل ستة عشرة ثم يعينون اثنين منهم يحلفون الاثنين الباقية فإن تشاحوا فقال ابن رشد رأيت لابن كنانة لا يجبرون على اليمين ولكن لا يعطون شيئا حتى يحلفوا الباقية قال ويشبه أن يقول أشهب هذه أو يقرع بينهم فيهما وقال بعض أهل النظر والله أعلم.
(وإذا حضر بعض ورثة دية الخطأ لم يكن له بد أن يحلف جميع الأيمان ثم يحلف من يأتي بعده بقدر نصيبه من الميراث).
يعني: أن الأول لا يستحق شيئا إلا بعد الثبوت وهو مشروط بتمام الخمسين ومن بعده إنما يحلف على استحاقه فيحلف بقدر نصيبه (ع) لا يستحق الدية إلا أن يحلف خمسين يمينا فلو تعذر بعض الورثة لصغر أو غيبة لم يستحق من حضر إلا أن يحلف الخميسن ومن بعده بقدر حظه فيها وإن لم يدع الميت إلا ابنه بغير عصبة حلفت خمسين يمينا واستحقت نصيب الدية وإن حلفت مع العصبة من حلفت خمسة وعشرين يمينا والعصبة مثلها وإن كانت بنتا وابنا غائبا فلم تأخذ البنت ثلث الدية حتى تحلف الخمسين يمينا كلها فإذا قدم الابن الغائب حلف ثلثي الأيمان وأخذ ثلثي الدية والله أعلم.
(ويحلفون في القسامة قياما يجلب إلى مكة والمدينة وبيت المقدس أهل أعمالها للقسامة ولا يجلب في غيرها إلا من الأميال اليسيرة).
تغلظ اليمين في القسامة بالزمان والمكان والكيفية
والزمان: كونه بعد العصر ويوم الجمعة
والمكان: بأن يكون في الأماكن المعظمة.
والهيئة: أن يحلف قائما.
ابن الفاكهاني إنما يحلف قائما لكونها أردع للحالف وأهول في حقه لعله يرجع للحق إن كان مبلطا فإن لم يحلفوا قياما فهل يكون كالنكول أو لا قولان وذكر مكي في تكرته أنهم يحلفون قعودا عن عبد الملك المذهب خلافه وأمال الجلب فقال اللخمي لا يجلب في الأيمان إلى غير موضعع إلا في القسامة فقال مالك يجلب إلى مكة والمدينة وبيت المقدس وغيرهم يستحقون في موضعهم إلا أن يكون قريبا من مصر كعشرة أميال ونحوها وقال أبو مصعب يجلب إلى الأمصار من كل محل ثلاثة أميال.
(ولا قسامة في حرج ولا في عبد ولا بين أهل الكتاب لا في قتيل بين الصنفين أو وجد في محلة قوم)
يعني: أنه لما كان الجراح يتسع فيها النظر ويتوجه الاحتمال لم تصح فيها القسامة بخلاف القتل فإنه متحد لا يقع الجزم به إلا بعد التحقق وأيضا فالقسامة رخصة وضعت لحفظ الدماء لعظمتها والجراح أخف أمرا منها لم يتعد بها محلها وأما العبد فلا قسامة فيه لأنه مال وحرمته دون حرمة الحر فلا يستباح له ما يستباح للحر والله أعلم.
وأما أهل الكتاب فإذا تحاكموا إلينا لا نحكم بينهم بالقسامة ولا بيننا وبينهم قسامة في قتيلهم بخلاف ما إذا قتلوا منا قتيلا فإن القسامة متوجهة وأما القتيل بين الصفين فحكى الجلاب فيه روايتين إحداهما أنه لا قود فيه وديته على الفئة التي نازعت إن كانت من الفئة الأخرى وإن من غيرها فديته عليهما معا.
والرواية الأخرى إن وجد بينهما معا فهو لوث يوجب القسامة لولاته فيقسمون على من الدعوى عليه ويقتلونه ابن رشد قيل في قوله لا قسامة فيمن قتل بين الصفين أنه لا قسامة فيه بحل لا بقول المقتول ولا بشاهد على القتل وقيل معناه لا قسامة بينهم بدعوى أولياء القتل على الطائفة التي ناعزعت طائفته ولو ادعى القتيل على واحد أو شهد عليه بالقتل واحد وجبت القسامة قال والقولان لابن القاسم.
وأمال الموجود في محله قوم فقال في المدونة إن وجد قتيل في قرية أو في دار لقوم
ولا يدري من قتله لم يؤخذ به أحد وتبطل ديته فلا تكون في بيت المال ولا غيره ابن يونس يريد إن لم يوحد معه أحد ولو وجد في ذلك معه رجل وعليه أثر القتل قتل به مع القسامة ابن رشد في المقدمات لو وقعت مثل قضية حويصة ومحيصة في زماننا لوجب الحكم به ولا يصح أن يعدل إلى غيره قلت: وقضية حويصة ومحصية في الصحيحين أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في عين أو فقير فأتي يهودي فقال: أنتم والله قتلتموه قالوا والله ما قتلناه فقدم على قومه فأخبرهم بذلك ثم أقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحيصة: " كبر كبر" يريد السن فتكلم حويصة فقال رسول الله: " أما أن يدوا صاحبكم أو يؤذنوا بحرب" فكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتبوا إنا والله ما قتلناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصلة ومحيصة وعبد الرحمن" تحلفون وتستحقون دم صاحبكم" قالوا لا قال: " فتحلف لكم يهود" قالوا لسوا بمسلمين فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده فبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم مائة ناقة حمراء وفي بعض طرقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقسم خمسون منكم" الحديث.
وهذا أصل باب العمل بالقسامة وفي الباب تفصيل واختلاف يطول ذكره فلينظره من له به حاجة وبالله التوفيق.
(وقتل الغيلة لا عفو فيه)
قال أهل اللغة قتل الغيلة أن يخدعه بالقول حتى يأمن فيمشي به إلى موضع فيقتله يريد لأخذ ماله لا لثائرة بينهما وإلا فليس بغيلة وفي النوادر عن الموازية قتل الغيلة من الحرابة أن يغتال رجلا أو صبيا فيخدعه حتى يدخل موضعا فيقتله ويأخذ ما معه اللخمي من أخذ مال رجل بالقهر ثم قتله خوفا من أن يطلبه بما أخذ لم يكن محاربا وإنما هو مغتال (ع) هذا إذا فعل ذلك خفية وإلا فليس بغيله عبد الوهاب وإنما لم يجز العفو في قتل الغيلة لأنه حق لله وكل حق تعلق به حق الله فلا عفو فيه كالزكاة وغيرها.
قلت وعلى هذا فهو مقتول حدا لا قودا والله أعلم.
(وللرجل العفو عن دمه العمد إن لم يكن قتل غيلة وعفوه عنا الخطأ في ثلثه).
يعني: أن للمقتول قبل قتله إن انفذت مقاتله العفو عن قاتله عمدا لأن القاتل حق الله فإذا تكره صح تركه بخلاف قتل الخطأ عفوه لا يصح إلا إذا كانت ديته ثلث ماله لأنه قد تهيأ للمورثهة ما سواه وإلا كان له ما يحمله الثلث لا غيره قال في صلح المدونة وللمقتول العفو عن دم العمد وجراحاته وإن لم يدع مالا وإن كان عليه يغترقه لا مقال لغرمائه.
وفي الجواهر لولي المفلس العفو عن القود إذ ليس بمال إلا عن الدية بعد تقررها فلو كان الدم لرجلين مفلسين فعفا أحداهما ثم الثاني صح عفو الأول لا الثاني إلا فيما زاد عن ديته وفي ديات المدونة إن قطع يده عمدا فعفا عنه ثم مات فلأوليائه القود بالقسمة في النفس إن كان عفا عن الدية لا النفس واستثناؤه لقتل الغيلة لما تقدم فوقه والحرابة كالغيلة في ذلك لما سيأتي إن شاء الله.
(وإذا عفا أحد البنين فلا قتل ولمن بقي نصيبهم من الدية ولا عفو للبنات مع البنين).
يعني أن عفو أحد البنين مسقط للقود لأن الدم لا يتبعض وإسقاط البعض كإسقاط الكل في عدم القود وينتقل الحكم للدية في حق من بقى على حقه وغير البنين من الولاة كالبنين في ذلك إن كانوا رجالا وهم في القعدد كذلك كالإخوة الأشقياء أو لأب والعمومة وكذا بنوا النبين أعني الأخوة والعمومة عند آبائهم إذا عفا أحدهم سقط القود كأحد البنين وإن كان بعضهم أقرب من بعض فالقول قول الأقرب وإن كانوا نساء ورجالا وهم في العقدد سواء فلا قول للنساء في عفو ولا قتل يفهم هذا من قول الشيخ لا عفو للبنات مع البنين وأما إن كان النساء أقرب فلا بد من اجتماعهم على العفو أو القتل أعني الرجال والنساء وطلب العصبة مقدم على الأم فإن لم يكن للمقتول غير أم وعصبة فلا عفو للعصبة عند ابن القاسم إلا بالموافقة الأم.
وفي الجلاب في أم مع عصبة أو بنت مع عصبة أو أخت مع عصبة ثلاثة أقوال ثالثها القول قول مدعي القصاص وهو معنى ما في المدونة أن لا عفو إلا باجتماعهم
كلهم ابن رشد ولا حق فيه إلا لمن لا إرث له منهن كالعمات وبنات الأخت.
وأفتى ابن رشد فيمن له بنون صغار وعصبة كبار أن الصغار ينتظرون لأنهم أحق بالدم فسئل عن فتواه بخلاف الرواية المأثورة في ذلك فقال خفي عن السائل معنى ذلك وظن أنه لا يسوغ للمفتي العدول عن الرواية وليس كذلك بل لا يسوغ للمفتي تقليد الرواية إلا بعد معرفته بصحتها ولا خلاف فيه بين أهل العلم وحكى الباجي أن مالكا لا يجيز تقليد الرواية إلا بعد معرفة صحة ما رواه وهو قريب من هذا والله أعلم.
(ومن عفي عنه في العمد ضرب مائة وحبس عاما).
يعني كان حرا أو عبدا ذكرا أو أنثى مسلما أو ذميا (ع) والقاتل يرتفع عنه القصاص أو يمتنع بضرب مائة ويسجن عاما قال في المدونة ومن ثبت عليه أنه قتل إنسانا عمدا ببينة أو بإقرار أو بقسامة فعفي أو سقط قتله لأن الدم لم يتكافأ ضرب مائة وسجن عاما، وروى ابن عبدوس وابن المواز لو تعلقت القسامة بجماعة فقتل أحدهم فالضرب والسجن على الباقين لكل واحد مائة وسجنه وكذا لو نكل أولياء الدم فحلف القاتل وبرئ قاله محمد وعزاه لأصحاب مالك إلا عبد الملك ولو عفا عنه قبل ثبوت الدم كشف عن ذلك وإن كان آيلا إلى الثبوت بقسامة أو بينة ضرب وإلا فلا قال ابن الفاكهاني ومعنى هذا الضرب والسجن عمل الصحابة رضي الله عنهم وخرج الدارقطني عن عمرون بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا قتل عبدا متعمدا فجلده النبي صلى الله عليه وسلم مائة ونفاه سنة ومحا اسمه من المسلمين وأمره بعتق رقبة وصححه ابن القطان قال بعض المتأخرين يتعين على المالكي حفظ هذا الحديث لتصحيح ابن القطان له لأنه حجة المذهب والله أعلم.
(والدية على أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل المذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم).
الدية بتخفيف المثناة التحتية مال يجب بقتل نفس آدمي حر وعوضا عن دمه كذا قال (ع) انظر بقيته وهي ثابتة في الشرع إجماعا في الخطأ ونحوه بشرط وما ذكر من فتصيله كذلك هو في الحديث (وأهل الإبل) أهل العمود والبادية وفي المدونة أهل الذهب كأهل مصر والشام ابن الجلاب وأهل المغرب ابن حبيب وأهل الأندلس ومكة والمدينة أهل الورق وقال في المجموعة أهل العراق وفي الجلاب وفارس وخراسان وقال أصبغ يعتبر في كل قطر ما يغلب على أهله في عصره وقت وجوبها وفرضها وكون
الدارهم اثني عشر ألفا في مقابلة ألف دينار يقتضي أن صرف كل دينار اثنا عشر درهما وهو كذلك هنا وفي النكاح وفي السرقة وتغليظ اليمين لأن كل واحد منهما بربع دينار أو ثلاثة دراهم بخلاف دينار الزكاة والجزية فإن كل دينار مقابل بعشرة دراهم والله أعلم.
(ودية العمد إذا قبلت خمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون بنت مخاض ودية الخطأ مخمسة عشرون من كل ما ذكرناه وعشرون ابن لبون ذكرا وإنما تغلظ الدية في الأب يرمي ابنه بحديدة فيقتله فلا يقتل به وتكون الدية عليه ثلاثين جذعة وثلاثين حقة وأربعين خلفة في بطونها أولادها وقيل ذلك على عاقلته وقيل ذلك في ماله).
يعني أن الديات ثلاثة مربعة ومخمسة ومثلثة.
والمخمسة للخطأ المطلق والمربعة للعمد إذا قبلت فهي لا تجب إلا أن يصطلحوا عليها بحث يقول أولياء الدم عفونا ولم يبينوا شيئا ولو بينوا شيئا لزم ولو قال الجاني ليس لكم إلا قود أو عفو فقالوا لم نرد إلا الدية فقولان لابن القاسم وأشهب فقوله إذا قبلت شرطا في وجوبها مع الجهل وفي كلامه أن الحق لهم فيها لا للجاني والله أعلم.
والأسنان الجارية المذكورة في الديات مفصلة في الزكاة إذ ليس هنا إلا ما هناك غير أن الخلفات في الدية المغلظة- بكسر اللام بعد خاء معجمة مفتوجة- هن الحوامل من أي سن كن الحقاق فما فوقهن ابن رشد وأهل الدية العمد من أهل الذهب والورق كأهل الخطأ لا يزاد عليهم شيء إنما هي ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم.
وأما الدية المغلظة فليس في مذهب مالك إلا صورة واحدة وهي الرجل يرمي ابنه بحديدة واختلف في إطلاق شبه العمد ومشهور المذهب عدم إطلاقه عياض وشبه العمد ما أشكل هل يريد به القتل أم لا فاختلف فيه هل له حكم يخصه من رفع القصاص وتغليظ الدية وهو قول أكثر الفقهاء وسموه شبه العمد ولم ير ذلك مالك إلا في الآباء مع أبنائهم وهو قول أكثر أصحابه وفي المدونة شبه العمد باطل لا أعرفه وإنما هو عمد أو خطأ ولا تغلظ الدية إلا في مثل المدلجي بابنه فإن الأب إذا قتل ابنه بحديدة حذفه بها أو بغيرها بما يقاد فيه فإن الأب يدرأ عنه القود وتغلظ عليه الدية وتكون في ماله قلت وهذا أحد القولين اللذين حكاهما الشيخ وهما لمالك وحكى
اللخمي ثالثا هو إن كان له مال ففيه الدية وإلا فعلى عاقتله والله أعلم.
(ودية المرأة على النصف من دية الرجل وكذلك دية الكتابيين ونسائهم على النصف من ذلك والمجوسي ديته ثمانمائة درهم ونساؤهم على النصف من ذلك ودية جراحهم كذلك).
أما كون دية المرأة مثل نصف دية الرجل فمتفق عليه وكذلك في كتابه عليه الصلاة والسلام لعمرو ابن حزم وأما كون الكتابي مثل المرأة فهو المذهب خلافا لأبي حنيفة والشافعي في مساواة المسلم عندهما وألحق به أبو حنيفة المجوسي ووافقنا عليه الشافعي لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في ذلك وأخرجه النسائي عن عقبة بن عامر رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " دية المجوسي ثمانمائة درهم" قال علماؤنا وذلك ثلثا عشر دية المسلم والله أعلم.
(وفي اليدين الدية وكذلك في الرجلين والعينين وفي كل واحد منهما نصفها وفي الأنف يقطع مارنه الدية وفي السمع الدية وفي العقل الدية وفي الصلب ينكسر الدية وفي الأنثيين الدية وفي الحشفة الدية وفي اللسان الدية وفي ما منع منه الكلام الدية وفي ثدي المرأة الدية وفي عين الأعور الدية.).
ذكر الشيخ في هذه الجملة الأبعاض التي تكمل فيها الدية وهي نوعان منها ما هو منفرد في الإنسان فتكمل فيه الدية وحده ومنها ما هو مزدوج فتكون الدية فيه وفي مثله وهي أحدهما نصف الدية قال في المدونة الأعين الأعور للسنة فإن فيها الدية كاملة وقد ذكر الشيخ اثني عشر موضعا دون عين الأعور وجمعها الغافقي في رجز بوجه حسن فقال:
وكل شيء هو في الإنسان
…
منفرد وليس منه اثنان
فدية الإنسان فيه تكمل
…
في كل جسم خمسة تحصل
أول ما يذكر منه عقله
…
ثم اللسان يعطي ذاك مثله
والأنف والذكر ثم الصلب
…
وكلها منصوصة في الكتبة
وما يكون منه اثنان في الجسد
…
فجملة الدية فيها تعد
وهي سبع في جميع الأبدان
…
جملتها العينان ثم الأذنان
وبعدها فعدد اليدين
…
وصلهما في ذاك بالرجلين
والشفتان ثم الأنثيان
…
وبعدها في المرأة الثديان
وعلى الأنثى عشر اقتصر في الجواهر وفي المقدمات فيما يجني على الرجل ثمان عشرة دية على خلاف فيه إحدى عشر في راسه العقل والسمع والبصر وإشراف الأذنين عند أشهب والشم على خلاف فيه والأنف والذوق والكلام والشفتان والشوى والأضراس والأسنان يجتمع فيها على قول مالك أكثر من دية والتي في الجسد اليدان والرجلان والصلب والذكر والأنثيان وإذهاب الجماع قال وفي المرأة ثمان عشرة أيضا ليست في الرجل الشفرتان والحلمتان والأليتان.
زاد ابن الفاكهاني في المرأة الإفضاء وهو خلط السبيلن وعزاه لابن القاسم وقال اللخمي تجب الدية إذا أجذمه أو أبرصه أو سقاه سما أو سود جلده أو وجه وقال عبد الملك تجب في هدم عظام الصدر وقال ابن عبدوس فيه حكومة وقال عبد الوهاب الحكومة أن يقوم المجني عليه لو كان عبدا سليما ثم يقوم بالجناية فما نقص من ديته جعل من قيمته بالغا ما بلغ وإنما تتعلق الدية بالمنفعة المقصودة التي هي الزينة والإفادة فيما أعد العضو له فالمعتبر في العينين إذهاب ضوئهما وإن بقيت العين بحالها وفي اليد ذهاب نفعها فشلل اليد كقطعها وقطعها من الكف كقطعها من الأصابع وقطعها من الأصابع كقطعها من الكتف ومنفعتها في أصابعها وفي المدونة إن لم يكن في الكف أصبع ففي قطعها أو بعضها حكومة وإن كانت فالدية على قدر الأصابع الشيخ.
وروى ابن نافع إن دخلها نقص ففيه من ديتها بقدر ما نقص منها أو من جمالها زاد اللخمي اعتبار القود من الأصابع لا من جملة اليد والرجلان في ذلك كاليدين بل كل عضو يعتبر فيه ما ذكر من الذهاب والنقص وتفصيل ذلك يطول فانظره في الأصول وانفردت عين الأعور بكمال الدية من بين المزدوجات لرجوع ضوء الأخرى إليها وعلله المدونة بالسنة وقال به ابن المسيب والحسن والزهري ويحيى بن سعيد وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون والد عبد الملك والليث بن سعد وغيرهم خلافا لأبي حنيفة والشافعي في قولهما أن فيها نصف الدية والله أعلم.
وفي المدونة ليس في ثدي الرجل إلا الاجتهاد فانظر ذلك ثم ذكر الشيخ دية الأبعاض غير المستوفية فقال.
(وفي الموضحة خمس من الإبل وفي السن خمس وفي كل أصبع عشر وفي
الأنملة ثلاثة وثلث وفي أنملة من كل الإبهامين خمس من الإبل وفي المنقلة عشر ونصف عشر).
جراح البدن أما في الرأس فتسمى شجاجا وأما في البدن فتسمى جراحا ليس إلا فكل شجاج جراح وليس كل جراح شجاجا فالشجاج كله على الاجتهاد إلا ثلاثة الموضحة والمنقلة والمأمولة وجراح الجسد كلها كذلك إلا الجائفة فهذه الأربع فيها أمر مقرر من الشارع هو ما ذكر وتفسيرها يأتي الآن إن شاء الله فالخمس في الموضحة نصف عشر الدية فليعتبر به في الذ
…
هب والورق في المنقلة خمسة عشر بعيرا وهي عشر الدية ونصف عشرها فيعتبر ذلك في غير الإبل والمأمولة الجائفة في كل واحد ثلث الدية ونسبتها واضحة من كل ما يستعمل في الدية وفي الأسنان هو قضاء معاوية رضي الله عنه ومجموعها يزيد عن الدية لأن الأسنان اثنا عشر سنا، أربع ثنايا، وأربع رباعية، وأربع أنياب، والأضراس عشرون؛ أربع ضواحك وهي التي تلي الأنيابن والاثنا عشر وهي ثلاثة في كل شق أربع نواجذ وهي أقصاها فجميع دياتها على قول مالك مائة وستون بعيرا اللخمي والنواجذ سن الحلم التي تخرج أقصى الحنك بعد الاحتلام الكبر وقال ابن شعبان للرجل الألح اثنان وثلاثون سنا وللكوسج ثمانية وعشرون يريد أنه لا نواجذ له والله أعلم.
وفي المدونة السن والضرس سواء وفيها إن ضربه فاسودت سنة ثم عقلها وإن اصفرت أو احمرت أو اخضرت فإن ذلك كالسواد تم عقلها وإلا فعلى حساب ما نقص وفي المدونة السوداء في الدية كالصحيحة وفي تحريكها تفصيل فانظره وبالله التوفيق.
وأما الأصابع فإن كان هناك أصبع زائدة ففي العتبية إن كانت لها قولة كغيرها ففيها عشر من الإبل ولو قطعت عمدا إذ لا قصاص فيها وإن كانت ضعيفة ففيها حكومة قاله ابنا لقاسم وفي سماع يحيى ولابن سحنون عن أبيه في يديها سادس تنقطع ففيها نصف الدية وحكومة ولم يفرق بين قوية وضعيفة والمشهور أن البارز في الإباهام أنملتان خاصة وعليه مشى الشيخ هنا. ابن المواز: ورجع مالك إلى أنها ثلاثة أنامل في الإبهام، ورواه ابن كنانة قيل: وهذا الخلاف خاص بأنامل اليديل فلا يدخل فيها أنامل الرجلين وما ذكره في المنقلة بكسر القاف المشددة مذكور في كتابه عليه الصلاة
والسلام لعمرو بن حزم ابن رشد ولا خلاف أن ديتها ما ذكر والخطأ والعمد سواء إذ لا قصاص فيها لأنها من التآلف والله أعلم.
(والموضعة ما أوضع العظم والمنقلة ما طار فراشها من العظم ولم يصل إلى الدماغ وما وصل إليه فهي المأمونة ففيها ثلث الدية وكذلك الجائفة وليس فيما دون الموضعة إلا الاجتهاد وكذلك في جراح الجسد).
بين في هذه الجملة أسماء الجراح بمعانيها وما ذكر في الموضحة عند الجوهري نحوه وهي لا تختص بالرأس بل يشاركها الوجه فيها والتي تختص به هي المأمومة كما تختص الجائفة بالجسد لأنها التي نفذت للجوف ثم الجراح المسماة إحدى عشر أولها الحارصة بحاء وصاد مهملتين التي حرصتالجلد فشقته وتسمى الدامية ولأنها تدمي والدامعة بالمهملة لأن ما يخج منها كالدمع وقيل الدامية التي تدمي الرأس ولا تشق الجلد ثم الحارصة ودمها أكثر قيل هي السمحاق لأنها تجعل الجلد كسماحيق السحاب ثم الدامغة ثم الباضعة وهي التي أخذت في اللحم وبضعته وهي المتلاحمة ثم الملطا بكسر الميم وسكون اللام والطاء المهملة وهي التي بينها وبين العظم قليل من اللحم قيل وهي السمحاق ثم الموضحة وهي التي كشفت العظم ثم الهاشمة التي هشمت العظم ثم المنقلة وهي التي يحتاج في إصلاحها لإخراج بعض عظامها.
عياض وإنما تكون الموضحة في الرأس والوجه خاصة ما عدا الأنف واللحي الأسفل لأنه غير متصل بعظم الرأس والله أعلم.
وقوله: (وليس فيما دون الموضحة إلا الاجتهاد) عياض والعقول المفروضة وهي الديات المحدودات في الموضحة فما فوقها من شجاج الرأس المختصة وعن ابن زرقون لابن كنانة في المبسوط في الملطا نصف عشر الموضحة وقضى به عمر وعثمان اللخمي وفي كون الهاشمة عند من عرفها ثلاثة كالموضحة لابن المواز مع حكومة لابن القصار وكالمنقلة للأبهري وحكى ابن رشد فيها عند غير مالك عشر من الإبل والله أعلم.
(ولا يعقل جرح إلا بعد البرء وما برئ على غير شين مما دون الموضحة فلا شيء فيه).
معنى (لا يعقل جرح) أي لا يفرض له ما يلزم فيه في الخطأ حتى يعلم قدر الزيادة
والنقص به ولأنه فد يترامى إلى النفس فتكون في الدية أو القود وظاهر كلام الشيخ ولو لم يبرأ في سنة وقاله في المدونة في العين ينتظر برؤها بعد السنة ولا دية ولا قود إلا بعد البرد وقال أشهب ليس بعد السنة انتظار يعني في الخطأ ويعقل الجرح بحاله بعدها ويطالب بما زاد بعد عيضا وظاهر الرسالة إذا حصل البر قبل السنة عقد الجرح.
وقال ابن مناس السنة شرط فلا يعقل قبلها ولو برئ واختلف في الصلح قبل البرء فانظر ذلك ابن رشد والفقهاء السبعة على وجوب أجرة الطبيب فيما دون الموضحة من جراح الخطأ وأخذه بعضهم من قول مالك مرة بوجوب رفو الثوب (ع) وهو أحرى لأن الدماء أكبر من الأموال وقوله وما برئ على غير شين ظاهرة لا شيء فيه مطلقا إلا في الموضحة وفي الموضحة إذا برئت على شين ثلاثة مشهورها قول مالك وابن القاسم أنه يزاد على ديتها بقدر الشين.
وروى أشهب لا يزاد وروى ابن وهب وابن نافع إن كان أمرا منكرا زيد له وإلا فلا.
(وفي الجراح القصاص في العمد إلا في المتآلف مثل المأمومة والجائفة والمنقلة والفخذ والأنثيين والصلب ونحوه ففي كل ذلك الدية).
قال الله تعالى: {والجروح قصاص} أي مساواة يؤاخذ بمثل ما جنى به إن أمكنته المماثلة ابن زرقون وربيعة يرى القصاص في كل جرح وإن كان متلفا إلا ما خصه الحديث كالمأمومة والجائفة الباجي وقال أشهب أجمع العلماء على أنه لا قود في المخوف وقال ابن المواز أجمعنا على أنه لا قود في عظام العنق والفخذ والصلب وشبه ذلك من المتآلف وما لا قصاص فيه من المخوف فلا بد من وجيع الأدب والله أعلم.
(ولا تحمل العاقلة قتل عمد وهي اصطلاحية ودية خطأ وهي حكمية فالاصطلاحية عوض عن العفو وهو أمر يتعلق بالجاني من حيث جنايته فلا يحمل عنه ودية الخطأ أمر نزل به فينبغي بل يجب أن يعان ويقام به عنه والأصل خلاف ذلك لكن قررتها
السنة والإجماع فلم يبق لأحد مقال وهي من أمر الجاهلية التي قررها الإسلام بشرطها وما ذكر في الاعتراف فيه ستة أقوال وما ذكره الشيخ هو قول مالك في المدونة وقاله المغيرة وعبد الملك فانظر ذلك.
وإنما لا تحمل العاقلة الاعتراف بالدم العمد لاحتمال التواصي على أخذ الدية من العاقلة بين القاتل وولي المقتول والله أعلم.
وقوله: (قدر الثلث) يعني من دية المجني عليه هذا الذي رجحه ابن رشد واللخمي وفي الموازية عن ابن القاسم لا تحمل العاقلة إلا ثلث دية الرجل يكون الجاني من كان والمجني عليه من كان وفي المدونة إن جنى مسلم على مجوسية خطأ بلغ ما بلغ ثلث ديتها أو ثلث ديته حملته عاقلته مثل أن يقطع لها أصبعين فتحمل ذلك عاقلته فتحصل في المسألة ثلاثة أقوال والله أعلم.
(وأما المأمومة والجائفة عمدا فقال مالك ذلك على العاقلة وقال أيضا إن ذلك في ماله إلا أن يكون عديما فتحمله العاقلة لأنهما لا يقاد من عمدهما وكذلك ما بلغ ثلث الدية مما لا يقاد منه لأنه متلف).
في المدونة وعقل المأمومة والجائفة عمدا على العاقلة ولو كان للجاني مال وعليه ثبت مالك وبه أقول وكان يقول أنها في ماله إلا أن يكون عديما فعلى العقالة وقال ابن زرقون الرواية الثابتة أنها في ماله من غير تفصيل قال غيره لأنه عمد والعمد لا تحمله العاقلة س وهو قول مالك الأول.
(ولا تعقل العاقلة من قتل نفسه عمدا أو خطأ).
يعني: ولا يكون له دية بل هو هدر ولا يلزم أحدا منها شيء قاله فقهاء الأمصار ونقله عبد الوهاب وشروط لزنوم الدية العاقلة ثلاثة:
كون القتل خطأ واختلف في شبه العمد وفيما امتنع فيه القصاص من المتآلف لأنه اشبه الخطأ من حيث إن مثله في الجانب ولا يقتص منه.
الشرط الثاني: أن يثبت القتل ببينة وما في معناها من لوث وقسامة.
الثالث: أن يبلغ قدره ثلث الدية قال في المدونة وعلى الجاني القود وكذلك كل ما لا يستطاع القود منه إذا بلغت الحكومة فيه ثلث الدية والله أعلم.
(وتعاقل المرأة الرجل إلى ثلث دية الرجل فإن بلغتها رجعت إلى عقلها).
يعني أن دية المرأة في أبعاضها ما دامت لم تبلغ دية الرجل فإذا بلغتها كانت دية أبعاضها على نسبة ديتها قال أبو عمر بن عبد البر قال ربيعة لابن المسيب كم في أصبع في أصابع المرأة قال عشر من الإبل قال كم في إصبعين قال عشرون قال كم في ثلاث قال ثلاثون قال كم في أربع قال عشرون قال حين عظم جرحها واشتدت بليتها قل عقلها قال أعراقي أنت قال بل عالم متثبت أو جاهل متعلم قال هذه السنة قال أبو عمر هذا مذهب مالك وجمهور أهل المدينة والليث وعمر بن عبد العزيز وغيرهم وتمامه في المدونة والموطأ فانظره.
(والنفر يقتلون رجلا فإنهم يقتلون به).
(النفر): الجماعة المجموعة من ثلاثة إلى عشرة وفي المدونة إن اجتمع نفر في قتل امرأة أو صبي عمدا قتلوا بذلك وكذلك إن اجتمعوا على قتل عبد أو ذمي قتل غيلة؛ قتلوا به، وفيها إذا قطع جماعة يد رجل عمدا فله قطع أيديهم كلهم بمنزلة القتل والعبد كذلك.
وفي الموطأ: من أمسك رجلا لآخر ليضربه فمات إن كان يرى أنه يريد قتله قتلا معا وإن كان يرى أنه لا يقتله قتل الممسك خاصة وعوقب الآخر أشد العقوبة وحبس عاما ابن القصار إنما يقتل الممسك إذا علم أنه يقتله ظلما والله أعلم.
(والسكران إن قتل قتل وإن قتل مجنون رجلا فالدية على عاقلته وعمد الصبي كالخطأ وذلك على عاقلته إن كان ثلث الدية فأكثر وإلا ففي ماله).
أما السكران ففي المدونة كما هنا وأطلق بن يونس لأنه أدخل الفساد على نفسه فيؤخذ بجنايته وقال ابن يونس والباجي: هذا في المختلط الذي معه بقية من عقله وأما الذي لا يعرف الأرض من السماء ولا يفرق بين الرجل والمرأة فلا خلاف أنه كالمجنون في أقواله وأفعاله: قالوا: واختلف في أفعال المختلط من طلاق وعتق وبيع وشراء وغير ذلك على أربعة أقوال فقيل تلزمه وهو قول مالك وقيل لا تلزمه وثالثها تلزمه الأفعال لا الأقوال. ورابعها: تلزمه الجنايات والديات والحدود والعتق والطلاق بخلاف الإقرارات والعقود من بيع وشراء ونكاح ونحو ذلك.
وأما المجنون: فالمراد في حال جنونه كان مطبقا أم لا وإنما كانت الدية على عاقتله لأنه غير متسبب في ذهاب عقله وفي المدونة والمجنون الذي يفيق أحيانا في حال إفاقته كالسليم وأما الصبي ففي سماع ابن القاسم في رسم العشور أن الصبي الذي لا يعقل كابن سنة ونصفها لا خلاف أن حكمه حكم المجنون وقد اختلف في ذلك فقال مالك وابن القاسم جنايته على المال في ماله وعلى الدماء على عاقلته إلا ما دون الثلث وفي الموازية: جنايته هدر في الجميع وثالثها: السماع ابن القاسم: المال هدر والدية على العاقلة ابن رشد ولا خلاف أن الصبي الذي لا يعقل يضمن المال عمدا أو خطأ وحكم عمده في الدماء حكم المجنون وحكم الكبير المولى عليه فيما حكم الرشيد ولابن زرقون: الخلاف المتقدم إنما هو في صبي ينزجر وأما ابن ستة أشهر ونحوها فإنه جبار وقال ابن رشد وعبر عنه بالرضيع.
فرع:
قال المازري المكره على قتل رجل ظلما يقتل المباشر لأن الإكراه لا يبيح له قتل مسلم ظلما ويقتل المكره لأن المباشر كالآلة (ع) الخطأ في الدماء ما مسببه غير مقصود لفاعله ظلما انتهى فانظر بقيته.
(وتقتل المرأة بالرجل والرجل بها ويقتص لبعضهم من بعض في الجراح، ولا يقتل حر بعبد ويقتل به العبد ولا يقتل مسلم بكافر ويقتل به الكافر ولا قصاص بين عبد وحر في جرح ولا بين مسلم وكافر).
أما قتل المرأة بالرجل والرجل بها فحكى ابن عطية الإجماع عليه ولابن رشد نحوه قائلا على الشرط الذي ذكرناه وهو أن لا يكون المقتول ناقصاعن مرتبة القاتل بعد حرية أو إسلام إلا أن بعض أهل العلم قال: الرجل إذ قتل بالمرأة قضي له بنصف الدية قال: وهو قول عثمان البتى وهو قول مرغوب عنه ترده الأصول في قوله تعالى: {الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} [البقرة: 178] تخصيص يطول ذكره ونقل الزمخشري عن مالك والشافعي والحسن وغيرهم: أن الذكر لا يقتل بالأنثى وهو قول لا يصح وإن صح فهو في غاية الشذوذ والعمل على حديث " المسلمون تتكافأ دماؤهم" فانظر ذلك.
وقصاص الجراح شرطه كشرط القتل من التكافؤ (ع) ومتعلق الجناية غير نفس إذا أبانت بعض الجسم فقطع وإلا فإن أزالت اتصال عظم لم بين فكسر وإلا فإن أثرت في الجسن فجرح وإلا فإتلاف منعفة فالقصاص في الأطراف كالنفس إلا في جناية آدمي على أعلى فلو قطع كافر أو عبد حرا مسلما فطريق الباجي ومشهور مذهب مالك: لا قصاص وتلزم الدية.
وروى القاضي في قطع الكافر المسلم الاجتهاد وتحمل هذه الرواية القود اللخمي: قال مالك: لا قصاص، وروى ابن القصار القصاص قال: وهو القياس وروى العتبي: يمنع في العبد ويجوز في النصراني ولابن نافع: الخيار بين القصاص والعقل وهو أحسن ولابن عبد الحكم ونحوه.
وقال: له الدية ولا قود بينهما وعليه فللحر أن يقتص من العبد في الجراح وفي المسألة أقوال ستة يطول ذكرها فانظر وفي الصحيحين قيل لعلي رضي الله عنه هل عندكم شيء من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما عندنا شيء إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة قالوا وما في هذه الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مؤمن بكافر.
(والسائق والقائد والراكب ضامنون لما وطئت الدابة وما كان منها من غير فعلهم فذلك هدر أو وهي واقفة بغير شيء فعل بها فذلك هدر وما مات في بئر أو معدن من غير فعل أحد فهو هدر).
هذا كله مأخوذ مما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم " العجماء جبار والبئر جبار والنار جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس".
يعني ما تلف بذلك كله بغير فعل أحد ومعنى جبار هدر لا شيء فيه والعجماء الدابة وقول الشيخ: (السائق): هو الذي يضربها من خلفها و (القائد): هو الذي يجرها من أمامها و (الراكب): معلوم قال عبد الوهاب إنما كانوا ضامنين لأنهم قادرون على ضبطها وإمساكها وظاهر كلام الشيخ إذا كانوا منفردين مع احتمال الاجتماع.
وفي المدونة إذا اجتمعوا فعلى السائق والقائد لا أن يكون فعلهما بسبب الراكب
وحده فذلك عليه خاصة إذا لم يكن فيه عون من السائق والقائد وكل من تسبب منهم بانفراده ضمن ابن المواز: ومن انفتلتت دابته فنادى رجلا يحبسها له فضربته فمات فلا شيء عليه وهذا من فعل العجماء لا أن يكون المأمور صبيا أو عبدا فإن دية الحر على عاقلته وقيمة العبد في ماله ابن حبيب: عن مطرف وعبد الملك وأصبغ عن ابن القاسم ما أتلف الفلو يتبع أمه جبار لا على راكب ولا قائد. وحكى ابن المواز عن أصحابنا: من هلك بنفور دابة من مار ولو على الطريق جبار إلا أن يكون من حركته.
وسمع أبو زيد من ابن القاسم من طلب غريقا فأخذه ثم خاف الموت فتكره فلا شيء عليه ولو ذهب يعلمه العوم فنال ذلك ضمن ديته ابن رشد على عاقتله. ومعنى (وطئت الدابة): أي مشت عليه يريد وكذا لو دفعته في سيرها واختلف إذا طارت حصاة من تحت حافرها ففقأت عين إنسان أو كسرت آنية فقال أبو عمر الأشبيلي: يضمن الراكب وقال ابن زرب هدر فلا ضمان (ع) بعضهم إن أطارت بطرف حافرها ضمن وإن كان بوسطه لم يضمن وفي أكرية المدونة: إذا ربط المشتري دابته بباب الدار فرمحت فكسرت أو قتلت ابن رب الدار فذلك جبار وكذلك من نزل عنها باب المسجد أو باب الأمير أو الحانوت ينزل لحاجته فما أصابت فهو جبار.
ابن العطار: إن كان يعلم أنها تضرب برجلها فهو ضامن كتخذ كلب عقور حيث لاي جوز له يضمن وإن لم يتقدم إليه وإنما يحتاج إلى التقدم إذا كان في داره فأما في الطريق فهو ضامن وأما في البئر فقال الباجي: روى عيسى في المجموعة من فعل ما يجوز له كمن حفر بئرا بباب داره لغير ضرر أحد أو بداره غيره بإذنه أو رش فناءه تبردا أو تنظفا فزلق به من هلك أو ربط كلبا بداره للصيد أو للغنم أو أوقف دابته بالطريق بباب مسجد أو حمام أو سوق أو أخرج روشنا من داره أو عسكرا فلا شيء عليه.
وفي الزاهي لابن شعبان من نضح ماء بالطريق فأصيب به إنسان أو مال ضمن ومن وضع خفية أو نعله بالمسجد ضمن إن عثر به إنسان كالطريق وسمع محمد بن خالد من ابن القاسم: من أوقد نارا تحت قدر له فطار ما فيها فقتل صبيا كان حوله لم يعلم به رب القدر لا شيء عليه ابن رشد لا جناية فيه عمدا ولا خطأ ولا شيء على العاقلة كقولها: فيمن أرسل نارا بأرضه وأرض جاره بعيدة مأمونة من النار فحملها
الريح إلى أرض جاره فلا شيء عليه فيما أحرقت ولو كانت غير مأمونة فما قتلت فعلى عاقلته ومسائل الباب كثيرة فنظرها وبالله التوفيق.
(وتنجم الدية على العاقلة في ثلاث سنين وثلثها في سنة ونصفها في سنتين).
أما تنجيم الدية فللرق والإعانة على القيام بها وفي الموطأ سمعت أن الدية تقطع في ثلاث سنين أو أربع مالك والثلاث أحب إلى الباجي هذا حكم الدية وأما بعضها ففي حلوله وتأجيله روايتان بالتأجيل والتعجيل حكاهما عبد الوهاب وعلى التأجيل ثلثها في سنة وثلثاها في سنتين الجلاب في النصف والثلاثة الأرباع روايتان إحداهما في سنتين والأخرى ترد إلى الاجتهاد وقال ابن المواز: وبالأولى قال أصحاب مالك كلهم إلا أشهب فانظر ذلك.
(ودية موروثة على الفرائض).
يعني: لأنها مال من مال المبيت إذ هي عوض نفسه وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورث امرأة من دية فزوجها قاله عبد الوهاب وفي كتاب الديات من المدونة قال مالك تنفذ منها وصاياه وتقضى منها ديونه والله أعلم.
(وفي جنين المرأة غربة عبد أو وليد تقوم بخمسين دينار أو ستمائة درهم وتورث عل كتاب الله).
الرواية الصحيحة غرة بالتنوين دون إضافة وكذا عبد وما ذكر هو قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد في المتفق عليه من الصحيحين واتفق العلماء على أن دية الجنين الغرة ذكرا كان أو أنثى (ع): الغرة دية الجنين الحر المسلم محكما يلقى غير مستهل بفعل آدمي قال والجنين هو ما علم أنه حمل وإن كان مضغة أو علقة أو مصورا والدم المجتمع لغو وفي استبراء المدونة أنه حمل قال في المدونة والحمران من الرقيق أحب إلي من السودان فإن قل الحمران فلتؤخذ من السودان والقيمة في ذلك خمسون دينارا أو ستمائة درهم اللخمي هذا ليس ببين لأنه عليه الصلاة والسلام إنما أوجب الغرة من غير اعتبار بقيمة وأثمان العبيد تختلف في البلدان.
عبد الحق: إنما جعلوا قيمتها خمسين دينارا أو ستمائة درهم قياسا على أقل
الجراح المنصوص عليها وهي الموضحة فانظر ذلك.
وفي كون الغرة في مال الجاني أو على عاقلته روايتان لأبي الفرج والمدونة وإنما تجب في جنين انفصل ميتا قبل موت أمه ولو انفصل ميتا بعد موتها فالمشهور لغو خلافا لأشهب انظر بقية كلامه وكون دية الجنين موروثة على الفرائض هو المشهور قال ابن هرمز هي للأبوين من انفرد بها منهما أخذها وقال ربيعة: وهي للأم فقط والله أعلم.
(ولا يرث قاتل العمد من مال ولا دية ويرث قاتل الخطأ من المال دون الدية).
موانع الإرث ثلاثة: الكفر والرق وقتل العمد مطلقا والخطأ من الدية عند مالك.
وقال الشافعي: لا إرث لقاتل مطلقا، وحكى ابن الفاكهاني عن شيخه الغماري عن بعض العلماء إرثه مطلقا والحديث خلافه وإنما يمنع الإرث في العمد لاتهامه بالاستعجال وهو ظالم ولا حق للظالم وفي الخطأ لأن الدية وجبت عليه لفعله فلا تجب له والله أعلم.
(وفي جنين الأمة من سيدها ما في جنين الحرة وإن كان من غيره ففيه عشر قيمتها).
كل جنين ففيه نصف عشر دية أبيه حتى ولد أم الولد، والقاعدة أن كل ذوات رحم فولدها بمنزلتها إلا ولد أم الولد ففيه نصف عشر دية أبيه وهي خمسون دينارا كجنين الحرة وإن كان من غير السيد فهو عبد يراعى فيه قيمة أمه لأن القيمة فيها كالدية.
(ومن قتل عبدا فعليه قيمته).
لأنه مال يجب غرمه لسيده وخرج الدارقطني من حديث ابن عباس رضي الله عنه " لا يقتل حر بعبد".
مالك: وسواء في ذلك القن ومن فيه شائبة حرية حتى المكاتب لا يلزم في الجميع لا القيمة والله أعلم.
(وتقتل الجماعة بالواحد في الحرابة والغيلة وإن ولي القتل بعضهم).
عبد الوهاب لأن كل معنى أوجب قتل الواحد بالواحد أوجب قتل الجماعات
بالواحد أصله القود ولأن القتل بالحرابة أغلظ وآكد من القتل بالقود لأن العفو في القود جائز بخلاف الحرابة قالوا هذا قولنا وقول أبي حنيفة والشافعي لا يقتل إلا المباشر وفي الموطأ: " أن عمر رضي الله عنه قتل نفرا خمسة أو ستة أو سبعة برجل واحد قتلوه قتل غيلة وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلهم به جميعا" فانظر ذلك.
(وكفارة القتل في الخطأ واجبة عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ويؤمر بذلك إن عفي عنه في العمد فهو خير).
يعني: أن الله عز وجل قد قال {ومن قتل مؤمنا خطئاً فتحرير رقبة مؤمنة} ، {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} [النساء: 92] فإنما هو عتق ثم صيام على الترتيب ولا إطعام فيها وإنما كانت الكفارة في الخطأ دون العمد لأنه أعظم من أن تكفره الكفارة وفي الحديث" ومن أظلم ممن هدم بنيان الله لهدم الكعبة ورميها في البحر حجرا حجرا أيسر عند الله من قتل نفس مؤمنة" وقد اختلف قول مالك في صحة ثبوت القاتل ومال ابن رشد إلى قبولها وصححه قائلا: وينبغي له أن يعتق ويكفر يكون ذلك مقدمة له في التكفير ويتحامل على الجهاد ونحوه فانظر ذلك.
(ويقتل الزنديق ولا تقبل توبته وهو الذي يسر الكفر ويظهر الإسلام وكذلك الساحر لا تقبل توبته).
أما قتل الزنديق وهو المنافق في زمنه عليه الصلاة والسلام فقد خرج البخاري أن عليا رضي الله عنه وكرم وجهه: أحرق زنادقة فبلغ ابن عباس رضي الله عنه فقالوا لو كنت أنا قتلتهم ولم أحرقهم بنار لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يعذب بالنار إلا الذي خلقها".
وإنما لا تقبل توبة الزنديق لأنها لا تتحقق وخبثه يدل على بقائها في باطنه.
وأما الساحر فيقتل كفرا عند مالك قال ابن عطية والسحر والعمل عند مالك كفر ولا يستتاب كالزنديق وقال الشافعي: إن تضمن سحره كفرا استتيب وإلا فلا ابن العربي حقيقة السحر كلام مؤلف يعظم به غير الله وتنسب المقادير فيه والكيفيات والكائنات لغيره وقال مالك: في الذي يعقد الرجل عن النساء يعاقب ولا يقتل وهل يقتل ساحر أهل الذمة أو إلا أن يتصل سحره قولان ولا يقتل الساحر إلا الإمام أصبغ:
ولا يقتل حتى يتستثبت أن ما فعله سحر. وفي الموازية: المتعلم للسحر دون مباشرة فعله فيؤدب أدبا شديد فقط.
فرع:
لو لم يعثر على الزنديق والساحر حتى جاء تائبا قبل والذي لا تقبل توبته من ظهر عليه وقال ابن لبابة: تقبل وإن ظهر عليه.
(ويقتل من ارتد إلا أن يتوب ويؤخر للتوبة ثلاث وكذلك المرأة).
الردة كفر بعد إسلام تقرر بالنطق مع التزام أحكامها المتيطي: إن نطق الكافر بالشهادتين وقف على شرائع الإسلام وحدوده فإن التزامها تم إسلامه وإن أبى من التزامها لم يقبل إسلامه ولم يكره على التزامها ويترك على دينه ولم يعد مرتدا وإذا لم يوقف هذا الإسلامي على الشرائع فالمشهور أنه يؤدب ويشدد عليه فإن أبى وتمادى على غيه ترك في لعنة الله وقال مالك وابن القاسم وغيرهما وبه العمل والقضاء وقال أصبغ: إن رجع بعد تشهده قتل بحكم الارتداد وإن لم يصل الإمام.
ابن شاس ظهور الردة إما بالتصريح بالكفر أو بلفظ يقتيضيه أو بفعل يتضمنه وفسر ذلك (ع) فانظره.
ابن شاس: لا ينبغي أن تقبل الشهادة على الردة مطلقا دون تفصيل لاختلاف المذاهب في التكفير والله أعلم وقوله: (ثلاثا) يعني: (ثلاث) مرات ويرفق به في ذلك إن أبى هدد وضيق عليه فإن أبى إلا تماديا بعد الثلاث فإلى أمه الهاوية نسأل الله السلامة والعافية.
(ومن لم يرتد وأقر بالصلاة وقال لا أصلي أخر حتى يمضي وقت الصلاة واحدة فإن لم يصلها قتل).
لا خلاف في تكفير جاحد وجوب الصلاة وأنه مرتد إلا أن يكون قريب عهد بدخول الإسلام ويحمل على الجهل ويعلم قال القاضي: وكذلك جاحد فروض الوضوء والغسل وفي استتابته كالمرتد ولزوم قتله قولان للأكثر وابن مسلمة وعلى الأول ففيها في الحال وفي ثلاثة أيام روايتان وفي تخويفه فيه قولان لمالك وأصبغ وإن كان مقرا بالوجوب ممتنعا من الفعل بقوله لا أصلي قتل حدا على المشهور لتكره ولو قال أصلي
ولم يفعل ففي قتله والمبالغة في أدبه قولان لمالك ابن حبيب وظاهر ما هنا أن قوله لا أصلي شرط في استباحة دمه فهوعلى قول ابن حبيب وفي امتناعه من قضاء الفوائت قولان للمتأخرين. وقوله: (أخر حتى يمضي وقت صلاة واحدة) يعني: وقتها الضروري وخطأ المازي قول ابن خويز منداد لآخر الوقت الاختياري إلا أن يقال المؤخر عنه قاض آثمن وحكى ابن زرقون عن عبد الملك لا يؤخر القائل لا أصلي بل يعجل قتله فإن لم يصلها قتل، قيل: حدا وهو المذهب وقيل: كفرا لابن حبيب وهو قول أصبغ ونحوه عن مالك واستشكل قتله حدا بأنه لو قال أصلي وصلى لم يقتل وليس هذا شأن الحدود.
وفي كون قتله بالسيف وهو المشهور وسماع أشهب أو ينخس به حتى يموت وهو قول بعض المتأخرين قولان وتحصيل القول في ذلك أن تارك الصلاة مع الإقرار بوجوبها أكثر الفقهاء مع أقل المحدثني يقول بقتله حدا وأكثر المحدثين مع أقل الفقهاء يقولون يقتل كفروا ومال إليه ابن عبد السلام.
وثالثها: الحنفي يبالغ في أدبه ولا يقتل ومال إليه ابن دقيق العيد وفي المسألة كلام أوسع من هذا فانظره.
(ومن امتنع من الزكاة أخذت منه كرها ومن ترك الحج فالله حسيبه).
أما أخذ الزكاة من تاركها فهو أصل الشريعة وفي الحديث " من أعطاها مؤتجرا بها فله أجرها ومن منعها فأنا آخذها" الحديث أخرجه الحاكم من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ولقوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} [التوبة: 103] الآية ثم إن نواها صاحبها أجزأته وإن لم ينوها زكاته فالمشهور تكفيه الأخذ وقيل: لا وفائدته إذا تاب من منعها هل يلزمه إعادة ما أخذ منه كراها أم لا؟ قال ابن بزيرة وإنما قال في تارك الحج: (الله حسيبه) لأن شرطه موكول علمه لأمانته وهو الاستطاعة ومعنى (الله حسيبه): أن الله منتقم منه وإنما يقال هذا فيمن توفرت فيه شروط وبلغ معترك المنايا إن قلنا بأنه على الفور والمفطر في نهار رمضان يؤدب لانتهاك الحرمة ويلزم الكفارة.
(ومن ترك الصلاة جحدا لها فهو كالمرتد يستتاب ثلاثا فإن لم يتم قتل).
ابن الحاجب أما جاحدها فكافر باتفاق (س) يعني جاحدا وجوبها ولو وافق على
مشروعيتها وكذا جاحد الركوع والسجود ونص مالك رحمه الله على ذلك وقال فيمن يقال له صل فيقول لمن قال له: ذلك إذا دخلت الجنة فأغلق الباب عليك، فهذا ينبغي أن ينظر في لفظه وفيما أراد فإن أراد صلاة المنكر عليه خاصة وأنه لم تنهه عن الفحشاء والمنكر فهو ممن اختلف فيه وإن أراد أن الصلاة لا أثر لها في الدين وشبه ذلك فلا يختلف في كفره.
ومن قال عند الإمام: لا أتوضأ ولا أغتسل من جنابة ولا أصوم شهر رمضان؛ فكتارك الصلاة قاله ابن يونس وعزاه غيره لابن حبيب وفي تكفير من امتنع عن رمضان ما فيها.
(ومن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل ولا تقبل توبته ومن سبه من أهل الذمة بغير ما به كفر أو سب الله عز وجل بغير ما به كفر قتل إلا أن يسلم).
يعني أنه سبه عليه الصلاة والسلام كفر مبيح الدم وكذا سب الله تعالى قال الله تعالى {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً} [الأحزاب:57] قال بعض العلماء لا أعلم أحدا من المسلمين اختلف في كفره وقتله إذا كان مسلما وسواء سبه أو عابه أو تنقصه في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة ممن خصاله أو عرض به أو أزرى عليه وصغر شأنه أو دعا عليه أو نسب إليه ما لا يليق به على طريق الذم أو غيره بشيء مما جرى عليه في ذات الله وهذا كله بإجماع العلماء وقد استوفى القاضي في الشفاء الكلام على ذلك فانظره في آخر الكتاب وبالله التوفيق.
وإنما لا تقبل توبته لأنه مقتول حدا وقيل: كفرا وعليهما الخلاف في ميراثه فقال سحنون: لجماعة المسلمين بناء على كفره وقال أصبغ إن كان مظهرا وإلا فلورثته وقال القاضي إن مات منكرا لما شهد به عليه فميراثه لورثته وكذا لو أقر وتبا وهو ناكر فهو للمسلمين.
(وميراث المرتد لجماعة المسلمين).
يعني إن مات على ارتداده وإلا فالحكم إيقاف ماله فإن مات على ارتداده فماله لجماعة المسلمين وإن تاب رجع إليه على الأصح وقبل هو في نفسه والله أعلم.
(والمحارب لا عفو فيه إذا ظفر به فإن قتل أحا فلا بد من قتله وإن لم يقتل
أحدا فيسع الإمام فيه اجتهاده بقدر جرمه وكثرة مقامه في فساده فأما قتله أو صلبه ثم قتله أو يقطعه من خلاف أو ينفيه إلى بلد يسجن بها حتى يتوب فإن لم يقدر عليه حتى اء تائبا وضع عنه كل حق هو لله من ذلك وأخذ بحقوق الناس في مال أو دم).
(الحرابة): الخروج لإخاقة السبيل بأخذ مال محرز مكابرة بقتال أو خوف أو ذهاب عقل أو قتب لخفية لمجرد قطع الطريق لا لإمرة ولا نائرة ولا عدواة فيدخل قولها يعني المدونة والخناقون والذين يسقون الناس السيكران ليأخذوا أموالهم محاربون وللباجي عن ابن القاسم الغيلة حرابة وهو قتل الرجل خفية لأخذ ماله وفي الموازية والعتبية من خرج لقطع السبيل لغير مال فهو محارب كقوله: لا أدع هؤلاء يخرجون إلى الشام أو إلى مصر أو إلى مكة وكذلك كل من حمل السلاح على الناس وأخافهم من غير عداوة ولا ناشرة الشيخ عن محمد: من أدخل رجلا فقتله لعداوة أو ناشرة ليس لأخذ مال فليس بحرابة ابن الفاكهاني في قوله لا عفو فيه هو عام.
قال العلماء: المحارب هو القاطع للطريق المخيف للسبيل الشاهر للسلاح الطلاب للمال فإن أعطى وإلا قاتل عليه في المصر أو خارجا عنه والمشهور ما ذكر من أنه إن قتل فلا بد من قتله وقال أبو مصعب يخير فيه الإمام مطلقا.
وقوله (أحدا): أعم من أن يكون عبدا أو حرا أو ذميا أو مسلما وهو كذلك وشرط الإمام في الاجتهاد تقييده بالأربع الواقعة في القرآن {أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض} [المائدة:33] ويشاور فيهم أصحابه من الفقهاء والعلماء وقاله مالك وأصحابه.
وقوله: (بقدر جرمه): هو المشهور وقاله أشهب وروى ابن وهب: قليل الجرم وكثيره سواء والاجتهاد مع قتل فلا بد من قتله اللخمي وقتله بالسيف لا بصفة تعذيب ولا يصلب منكوسا وتطلق يداه وظاهر القرآن الصلب وحده كاف والمذهب إضافته إلى القتل في بعض المواضع ابن القاسم: يصلب ثم يقتل وهذا الذي اقتصر عليه الشيخ.
وقال أشهب: يؤخر الصلب ولو قدم على العقل فله ذلك عبد الملك ولا يمكن أهله من إنزاله حتى يفنى أو تأكله الكلاب وقال سحنون: ينزل من ساعته ويدفع لأهله
لتجهيزه وقال أيضا: إن رأى الإمام أن يبقيه اليومين والثلاثة لردع أمثاله فله ذلك ولكن ينزله حتى يغسل ويصلى عليه ثم إن شاء أعاده.
وقال أصبغ: لا بأس أن يخلى لأهله ينزلوه ويصلى عليه ويدفن وفي معنى النفي خمسة أقوال مشهورها ما ذكر الشيخ.
وقوله فإن جاء تائبا هو معنى قوله تعالى {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} [المائدة: 34] وفي المقدمات اختلف في صفة توبته على ثلاثة أقوال:
أحدها: يترك ما هو عليه فقط.
الثاني: أن يلقي السلاح ويأتي الإمام طائعا ولو لم يصل الإمام.
الثالث: أن الحد لا يسقط عنه إلا بوصوله إليه تائبا ثم اختلف فيما تسقط عنه توبته والمشهور ما ذكره الشيخ.
فرع:
في المدونة جهاد المحاربين جهاد ابن شعبان جهادهم أفضل من جهاد الكفار ابن رشد: جهاد المحاربين عند مالك وأصحابه جهاد قال عنه أشهب من أفضل الجهاد وأعظمه أجرا عند الله وقال مالك في أعراب قطعوا الطريق جهادهم أفضل من جهاد الروم وفي المدونة إذا طلب السلابة طعام أو شيئا خفيفا رأيت أن يعطوه ولا يقاتلوا الشيخ عن سحنون لا أرى أن يعطوا شيئا ولو قل انتهى وهو حيث المنعة والقدرة عليهم لا حيث تكون يدهم أقوى إذ لا يجوز لأحد أن يلقي نفسه إلى الهلكة والله أعلم.
(وكل واحد من اللصوص ضامن لجميع ما سلبوه من الأموال وتقتل الجماعة بالواحد في الحرابة وإن لوي القتل واحد منهم ويقتل المسلم بقتل الذمي قتل غيلة أو حرابة).
لما كان فعل الكل من اللصوص بإعانة الكل كان كل واحد كالكل فيؤخذ بما يؤخذ به الكل إن انفرد ومع الكل في النفس وفي النوادر روى محمد إن تاب أحد المحاربين وقد أخذ كل منهم حصته من المال ضمن هذا التائب جميع المال ولمحمد بن عبد الحكم لا أرى على كل واحد منهم إلا ما أخذوه وتجوز شهادة القافلة ونحوها على من حاربهم فيما أخذوه وقتلوه إن كانوا عدولا لأنفسهم.
اللخمي: وروى ذلك ابن سحنون عن أبيه وأتى به حتى في التفصيل انظر كلام اللخمي في ذلك، وقتل الجماعة بالواحد تقدم وقتل المسلم بالذمي في الحرابة والغيلة حكم فيه عثمان – رضي الله عنه وليس من باب القصاص لكن المغتال والمحارب محدود بالقتل والله أعلم.
(ومن زنا من حر محصن رجم حتى يموت)
حرمة الزنا معلومة من الدين ضرورة ابن رشد: الزنا من أعظم الذنوب وأجل الخطايا فليس بعد الشرك بالله تعالى وقتل النفس التي حرم الله تعالى أعظم منه (ع): الزنا الشامل للواط مغيب حشفة من آدمي في فرج آخر دون شبهة حله عمدا فتخرج المحللة ووطء الأب أمة ابنه لا زوجته ابن الحاجب الزنا هو أن يطأ فرج آدمي لا ملك له فيه باتفاق متعمدا فيتناول اللواط وإتيان الأجنبية في دبرها وفي كونه زنا ولواطا قولان: ولا يتناول المساحقة وتعقب رسمه هذا بخروج المرأة لأنها موطوءة لا واطئة.
وقوله (محصن) روي – بفتح الصاد المهملة وكسرها والفتح أصوب- وقال الجوهري: ياقل أحصن الرجل إذا تزوج فهو محصن بالفتح ابن عطية: الإحصان تستعمله العرب في أربعة أشياء وعلى ذلك تصرفت فيه اللغة في كتاب الله فتستعمله في الزواج وفي الحرية والإسلام والعفة وكون رجمه حتى يموت لا خلاف فيه عند توفر شروطه وإنما يرمى بحجارة متوسطة تؤلمه ولا تعذبه ولا تعجل عليه الموت فلا يرمى بالصخور ولا الحجارة الصغيرة جدا. الشيخ عن أبي إسحاق يرمى بأكبر حجر يقدر الرامي على حمله وتقصد مقاتله ولا يحفر له وقال أصبغ: يحفر له مع الإرسال يديه إن أمن فراره بالكلية ولا ترجم الحامل ونحوها والله أعلم.
(والإحصان أن يتزوج الرجل امرأة نكاحا صحيحا ويطأها وطأ صحيحا).
شروط الإحصان ستة: البلوغ، والعقل، والإسلام، والحرية، والنكاح الصحيح، والوطء الصحيح.
ولا خلاف أن النكاح الفاسد لا يحصن والوطء الصحيح هو الذي لم يتعلق به نهى فلا إحصان بوطء صائمة ولا محرمة ولا حائض ونحوها.
(فإن لم يحصن جلد مائة جلدة وغربه الإمام إلى بلد آخر وحبس فيه عاما). لقوله عليه الصلاة والسلام: " البكر بالكبر جلد مائة وتغريب عام" وفي حديث العيسف" إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام" وفي كتابه عليه الصلاة
والسلام لأهل اليمين" ومم زنى مم حر محصن فضرجوه بالأضاميم ومم زنى مم بكر فاضعفوه مائة واستوفضوه سنة".
(وعلى اليد في الزنا خمسون جلدة وكذلك الأمة وإن كان متزوجين ولا تغريب عليهما ولا على امرأة).
أما أن العبد والأمة على كل واحد منهما في زناه خمسون فلقوله تعالى {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} [النساء: 25] وشرط الإحصان الحرية ولا حرية فحدهما أبدا الخمسون ولا يغرب العبد ولا الأمة لأنه تفويت لحق السيد ولا المرأة لأنه زيادة هتكة ومثله قد يؤديها لأعظم مما وقعت فيه والله أعلم.
(ولا يحد الزاني إلا باعتراف أو حمل يظهر أو بشهادة أربعة رجال أحرار بالغين عدول يرونه كالمردود في المكحلة ويشهدون في وقت واحد وإن لم يتم أحدهم الصفة حد الثلاثة الذين أتموها).
أما الاعتراف فقال القاضي إذا كان ممن يصح اعترافه وأما الحمل فقال اللخمي تحد به إن لم يكن زوج ولا سيد ولا شبهة ولم تكن طارئة فإن كان طارئة وقالت من زوج طلقني أو غاب عني أو ادعت أنه من غاصب وتقدم لها ذكر ذلك وادعته على من يشبه فإنها لا تحد وإن ادعت على رجل صالح حدت والله أعلم.
وشروط الشهادة: أن تكون في وقت واحد بفعل واحد فإن شهدوا متفرقين بفعل واحد فقال ابن القاسم: لا تثبت الشهادة ولا يحد المشهود عليه وقال أشهب في الموازية: تجمع شهادتهم ويحد المشهود عليه وقد شهد على المغير عند عمر – رضي الله عنه أبو بكرة وشبل ونافع فأكملوا الصفة وقال زياد: رأيته بين رجلي امرأة وقدماها مخضوبتان واستين مكشوفتين وسمعت حفزا شديدا قال: هل رأيت كالمرود في المكحلة قال لا قال فهل تعرف المرأة قال لا ولكن أشبهها قال: تنح وأمر بالثلاثة فجلدوا والقصة شهيرة ذكرت للضرورة المازري: ويجوز النظر لفروجهما للشهادة عليهما لأنه لا يتحقق أمرهما إلا بذلك عز الدين وينظرون من ذلك ما يحصل به وجوب الحد فقط.
(ع): ويشترط في قبول شهادتهم عجزهم عن منع الفاعلين عن تمام ما هم عليه ولو فتروا عن ذلك بقول أو فعل بطلت شهادتهم لأنهم عصاة بعدم النكير للمنكر والله أعلم.
(ولا حد على من لم يحتلم ويحد واطئ أمة والده ولا يحد واطئ أمة ولده وتقوم عليه وإن لم تحمل ويؤدب الشريك في الأمة يطؤها ويضمن قيمتها إن كان له مال فإن لم تحمل فالشريك بالخيار بين أن يتماسك أو تقوم عليه).
أما أنه لا حد على من لم يحتلم فلقوله عليه الصلاة والسلام: " رفع القلم عن ثلاث". فذكر: " الصبي حتى يحتلم" وأما واطئ أمة والده فالمشهور ما ذكر. وذكر ابن خوبز منداد عن أشهب وابن وهب: أنه لا حد على الأب اللخمي لأن شبهة الأب في مال ولده من جهة وجوب الإنفاق عند العجز فكذلك الولد يتعين على الوالد إنفاق عند العجز في قول أهل العلم. فكان مثله فيدرأ عنه الحد للاختلاف والجد في ذلك كالأب، وإن كان للأم وأما الشريك في الأمة فيؤدب لإقدامه على ما لا يحل له ويدرأ عنه الحد لما له فيه من الملك وإنما تقوم أمة الوالد على الولد لأنها تحرم على الولد بعد الأب وكذلك أمة الشريك تقوم عليه حيث تفوت عليه بالحمل بخلاف إذا لم تحمل.
(وإن قالت امرأة بها حمل استكرهت لم تصدق وحدت إلا أن تعرف بينة أنها احتملت حتى غاب عليها أو جاءت مستغيثة عند النازلة أو جاءت تدمي).
يعني أن دعوى المرأة الإكراه مع ظهور الحمل بها لا يفيد إلا بوجه واضح وفي المدونة قال مالك: في امرأة ادعت أن فلانا قد استكرهها أنه إن كان ممن لا يشار إليه بذلك حدت وإن كان ممن يشار إليه به نظر الإمام فيه اللخمي: وإذا كانت المرأة معروفة بالخير وظهر بها الحمل فاعتذرت بأنه اغتصبها وقالت كتمت ذلك رجاء أن لا أحمل ويسقط أنها تعذر وقضى به عمر- رضي الله عنه.
وقوله: (إلا أن تعرف ببينة) إلى آخره ويكون لها المهر على الغاصب إن أقر مع الحد وإن أنكر صدقت وهل بيمين أو لا قولان اللخمي نفيها أحسن إلا أن تكون بكرا فينظرها النساء.
وعن ابن محرز حلفها لابن القاسم ومجيئها تدمي عند النازلة مصدق لها فيما تدعيه والله أعلم. وفي المسألة تفصيل يطول فانظره.
وقوله (إن جاءت عند النازلة تدمي). من خواص البكر وقد يقع منه للثيب واستئكله ابن رشد واغتصاب المغتصبة ومغيب الغائب عليها يثبت بشاهدين على رواية سحنون عن ابن القاسم والله أعلم.
(والنصراني إن غصب المسلمة في الزنا قتل).
يعني: أنه ناقض للعهد باغتصابها إذا لم تعاده على ذلك ويعني بالمسلمة الحرة فأما الأمة فإنه يبالغ في عقوبته فقط ويغرم ما نقصها قال أشهب: لأنها مال ولا يقتل بالجناية على مال واختلف إن زنا النصراني بالحرة المسلمة طائعة هل يقتل أم لا فقال مالك لا ح عليه ويرد إلى أهل دينه ويعاقب العقوبة الشديدة أشهب ويجب أن يتجاوز الحد بذلك وقد أخبرني مالك عن ربيعة أنه قال يقتل ورآه ناقضا للعهد قال مالك وتحد المرأة.
(وإن رجع المقر بالزنا أقيل وترك).
يعني: إن رجع إلى شبهة اتفاقا مثل أن يقول: إنما وطئت جارية لي فيها شرك فظننت أنه زنى وإن رجع إلى غير شبهة فكذلك على المشهور وقول ابن القاسم: وظاهر ما هنا وقال أشهب لا ورواه عن مالك وفي حديث ماعز بن عامر أنه لما أذلقته الحجارة فرها ربا قال عليه الصلاة والسلام ألا تركتموه لعله يرجع هذا أصل الباب وظاهره الإطلاق وقد يفهم تقييده والله أعلم.
(ويقيم الرجل الحد على عبده وأمته حد الزنا إذا ظهر حمل أو قامت بينة غيرة أربعة شهداء أو كان إقرار ولكن إن كان للأمة زوج حر أو عبد لغيره فلا يقيم الحد عليها إلا السلطان).
أما إقامة الرجل الحد على عبده فلقوله عليه الصلاة والسلام: " إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها ثم إذا زنت فليجلدها ثم إذا زنت فليبعها ولو بحبل من شعر" متفق عليه وأما تقييده بحد الزنا يريد وكذلك حد الخمر والقذف بخلاف حد السرقة لأن هذا يؤدي إلى استباحة المثلة به الموجبة لتعتقه عليه أن لو لم يكن السبب فيكون ذريعة لدعوى ذلك عند وقوعه وإنما لا يقيمة عند التزوج إلا السلطان لأن فيه ضررا بالزوج في إلحاق المعرة به وبولده إذ الولد للفراش فيكون ذلك إقرار به وقوله عليه الصلاة والسلام في الثالثة أو الرابعة بيعها على سبيل الإرشاد والندب للمصلحة لأنها إذا ألفت الزنا دعاها ذلك للسرقة ونحوها إذ طلب ما تتقرب به للرجال مع عظم جرءتها والله أعلم.
(ومن عمل عمل قوم لوط بذكر بالغ أطاعه رجما أحصنا أو لم يحصنا).
عمل قوم لوط معلوم وشرطه الحد فيه كالزنا من مغيب الحشفة وثبوته ببينة كالزنا أو اعتراف ثم إن كان بالغين رجما وإلا فالبالغ مرجوم وغيره يبالغ فيه وكذا من حصلت له خلوة من غير مغيب حشفة وشرط الحد في المفعول به الطوع فلا حد على مكره بالقتل ونحوه مغتصبا.
قال مال: الرجم هي العقوبة التي أنزل الله بقوم لوط ولم يميز بين محصن ولا غيره فيجب أن يكون حد اللائط رجمه.
وقال الشافعي في أحد قوليه والمشهور عنه هو كالزنا فيرجم المحصن ويجلد البكر. وقال أبو حنيفة: إنما يلزمه التعزيز لأنه لا قياس في الحدود وهذا أمر غير طبيعي يعني شهوة الدبر وقال بعض أصحابه يلقى من شاهق لأن الله قد خسف بقوم لوط وهذا مثله وقال ابن عباس – رضي الله عنه – بزيادة ويتبع بالحجارة وكتب أبو بكر – رضي الله عنه – في رجل كان يؤتي في زمانه أن يحرق وحكم به ابن الزبير- رضي الله
عنه- وعلى العبد والحر سواء في ذلك، وقاله ابن عبد الحكم وقال أشهب لا يرجم العبيد ويضرب كل واحد خمسين ووجد رجل معه صبي في كساء بحيث لم يشكوا في المنكر فأمر مالك أمير المدينة بسجنه فسجنه سنة ثم ضربه أربعمائة سوط فانفتح منها ومات ولم يحفل به وكان أبوه في مدة سجنه يقول اتق الله يا مالك فوالله ما خلقت النار باطلاق فيقول من الباطل ما فعله والدك فاعرف ذلك.
فرع:
ذكر القاضي أبو بكر بن العربي في أحكامه من سورة {قد أفلح} [المؤمنون: 1] في قوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظن (5) إلا على أزواجهم} [المؤمنون: 5 - 6] الآية.
أن مذهب مالك والشافعي تحريم الاستمناء قال وأحمد على جلالة قدره يقول بإباحته وأنه كالفصادة ثم قال: وليس هذا من الخلاف الذي يجوز العمل به وليت شعري لو كان فيه نص صريح بالجواز كان ذو همة يرضاه لنفسه قلت والذي في كتاب الحنابلة يعزر فاعله إلا أن يكون له عذر واضح والله أعلم
(وعلى القاذف الحر الحد ثمانون وعلى العبد أربعون في القذف وخمسون في الزنا والكافر يحد في القزف ثمانين).
حد القذف ثابت بالقرآن بقوله تعالى {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمنانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون} [النور: 4] الآية.
(ع) القذف الأعم نسبة آدمي غيره لزنا أو قطع نسب والأخص بإيجاب الحد نسبة آدمي مكلف غيره حرا عفيفا مسلما بالغا أو صغيرة تطيق الوطء لزنا أو قطع نسب مسلم فيخرج قاذف نفسه. عياض: يجب حد القاذف بعشرة شروط ستة في المقذوف وأربعة في القاذف؛ فالمقذوف أن يكون عاقلا مسلما حرا بالغا حد التكليف على خلاف في هذا بريئا من الفاحشة التي رمي بها مع آلتها وهو ما يمكن الزنا به في القاذف أن يكون بالغا عاقلا قد صرح بالقذف بالفاحشة أو عرض بها بها تعريضا بينا يمكن لصحة جسمه إقامة الحد عليه بالسوط والله أعلم.
وإنما يشترط حد القذف للعبد قياسا على زناه لقوله تعالى {فعليهن نصف ما على
المحصنات من العذاب} [النساء: 25] وحد الكافر في القذف بكمال الحد لأنه أدنى فيستوفى منه لا له إذا ليس من أهل الحق والله أعلم.
(ولا حد على قاذف عبد أو كافر ويحد قاذف الصبية إن كان مثلها يوطأ ولا يحد قاذف الصبي ولا حد على من لا يبلغ في قذف ولا وطء).
يعني: لأن موجب الحد قوة حرمة العرض والكافر لا حرمة لعرضه والعبد كذلك لعدم تأثيره بالمعرة غالبا عبد الوهاب إنما يحد قاذف الصبية للحقو المعرة والنقص بها بخلاف الصبي أبو محمد صالح بل يحد إذا قذفه بأن مفعول لأن المعرة فيه موجودة بل هي أقوى وقد تقدم أنه لا حد على من لم يحتلم فانظره.
(ومن نفى رجلا من نسبه فعليه الحد وفي التعريض الحد ومن قال لرجل يا لوطي حد).
فأما نفي الرجل من نسبه بأن يقول له لست ابن فلان ولا فلانة أو لست من القبيلة الفلانية وهو منها اللخمي: لو قال رجل يا ابن اليهودي أو ابن النصاراني قال ابن القاسم يحد وقال أشهب لا يحد.
(ع): وربما جريا على القول بالتكفير بنفي الصفات وعدمه وكذا قول يا ابن الأعمى ويا ابن الأقطع ويا بن الأعور وليس في آبائه الباجي: ومن قال لا أصل لك ولا فصل ففي العتبية والموازية لا يحد، وقال أصبغ: يحد وثالثها إن كان من العرب حد له، وفي زاهي ابن شعبان لو قيل لعربي أنا خير منك حد له وجعله بعض المتأخرين موقف نظر فانظره ولو كان الأب عبدا والأم والولد حرين حد لقطع نسب الولد ولقذف الأم ولو كان الأبو الابن رين حد لقطع النسب فقط والله أعلم.
وأما الترعيض فهو ما يفهم نفي نسب أو ثبوت فاحشة ابن رشد كقوله أما أنا فلست بزان وفي الموازية إذا قال لرجل ما أنا بزان أو أخبرت أنك بزان حد. وفي الموطأ تقييده بالمشاتمة ابن الماجشون من قال لامرأته في مشاتمته أني لعفيف حد ولو قاله لرجل فكذلك إلا أن يدعي أنه عفيف في الكسب والمطعم فيحلف ولا يحد وفروع الباب كثيرة فانظرها ولما كان حد القذف لأجل تنقص العرض كان قوله يا لوطي كقوله يا زاني والله سبحانه والله أعلم.
(ومن قذف جماعة فحد واحد يلزمه لمن قام به ثم منهم لا شيء عليه ومن كرر شرب الخمر أو الزنا فحد واحد في ذلك كله وكذلك من قذف جماعة).
أما من قذف جماعة فلا يلزمه إلا حد واحد فهو قول مالك سواء قاموا في مجلس واحد أو في مجالس وقال المغيرة وابن دينار: إن قاموا قيمة رجل واحد فكذلك وإلا فلكل واحد حد.
وثالثها: إن قذفهم بكلمة فحدوا حدا وإن افترق فبقدره حكاه ابن شعبان ولو قال لجماعة أحدكم زان وابن زانية لم يحد لعدم التعيين الشيخ ومن قال لرجل يا قران قال محمد يحد إن قامت به المرأة لأنه عند الناس زوج الفاعلة وقال ابن القاسم وقال يحيى بن عمر لا يحد ويضرب عشرين سوطا.
فرع:
ومن قذف بالزنا وهو يعلم أنه فعله فمذهب المدونة له القيام بالحد نفيا عن عرضه وقال ابن الحكم لا يحل له القيام وفي سماع أبي زيد ابن القاسم إن كان المقذوف يعلم أنه رآه وهو يعلم ذلك منه لم يحل له أن يقوم به والله أعلم. وقوله: وكذلك من قذف جماعة قيل تكرار وتحصيل أحدهما في المفترقين والآخر في المجتمعين والله أعلم.
(ومن لزمته حدود وقتل فالقتل يجزئ عن ذلك إلا في القذف فليحد قبل أن يقتل).
يعني: أن الحدود تتداخل بل تندرج في الأقوى منها وهو القتل وظاهر كلامه ولو كان القتل قودا ولم أقف عليه وإنما لا يندرج حد القذف في القتل لأنه لدفع المعرة التي لا تندفع شرعا إلا بإيقاعه غالبا وحكى ابن حارث في اندراج حد القذف في حد الزنا قولين لعبد الملك وابن القاسم مع أشهب وفي المدونة: من قذف قوما فلم يحد حتى حد في شرب الخمر فقد سقكت عنه كل فرية كانت قبلة ابن رشد لأنهما من جنس واحد وفروع الباب واسعة فانظرها.
(ومن شرب خمرا أو نبيذا مسكرا حد ثمانين سكر أو لم يسكر ولا سجن عليه).
يعني: إذا ثبت عليه الشرب بشهادة أو اعتراف أو بثبوت الرائحة قال أبو عمر وجوب الحد بالرائحة هو قول عمر وعثمان وابن مسعود ومالك وجمهور أهل الحجاز وصفة الشهادة مختلف فيها وفي الموطأ استشار عمر في الخمر فقال علي رضي الله عنه
أرى أن يجلد ثمانين لأنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذي وإذا هذي افترى.
وفي رواية فقال عمر أعوذ بالله من معضلة لا يحضرها علي ثم استقر على ذلك وفي المدونة: لا يحد السكران حتى يصحو زاد في سماع أبي زيد ولو خاف أنه يأتي بشفيع يبطل حده اللخمي وكذلك في الزنا والفرية ولو أخطأ الإمام فحده طافحا لم يجزئه وإن كان نشوانا أجزأه إذا كان يجد ألم الضرب وقال ابن حبيب ليس على المحدود في الخمر سواه من حلاق ولا سجن ولا طواف إلا المدمن المعتاد المشهور بالفسق فلا بأس أن يطاف به ويشهر واستحب مالك أن يلزم السجن ولا حد على مكره ولا غالط ولا ذي غصة لم يجد مساغا إلا بالخمر وقد تقدم ما في التداوي به في الضحايا فانظره وسيذكر في الجامع إن شاء الله.
(ويجرد المحدود ولا تجرد المرأة إلا مما يقيها الضرب ويجلدان قاعدين).
أما تجريد الرجل فزيادة في زجره وعقوبته وعدم كشف المرأة لأن جسدها عورة وفي العتبية: يجرد الرجل للضرب ويترك للمرأة ما يستر جسدها ولا يقيها الضرب زاد في المدونة: أن بعض الأئمة أقعد المرأة في قفة فبلغ ذلك مالك فأعجبه ابن عبد الحكم أحب إلي أن يضرب المحدود بين يدي القاضي لئلا يتعدى عليها فيها.
وفي المدونة: صفة الضرب في الزنا والشرب والفرية والتعزيز ضرب واحد بين ضربين ليس بالمبرح ولا بالخفيف ولم يحد مالك ضرب الضارب ويده مضمونة إلى جنبه ولم يجز الضرب في الحدود بقضيب ولا شراك ولا درة ولكن السوط وإنما كانت درة عمر للأدب فإذا وقعت الحدود ضرب بالسوط وللباجي عن محمد لا يتولى ضرب الحد قوي ولا خفيف ولا ضعيف ولكن سوط من الرجال قال مالك: وكنت أسمع أنه يختار له العدل ويضرب في الظهر والكتفين دون سائر الأعضاء والله أعلم.
(ولا تحد الحامل حتى تضع ولا مريض مثقل حتى يبرأ).
أما أن الحامل لا تحد حال حملها فلأن الضرر يلحق ما في بطنها بالموت في الرحم فتكون عقوبتين في حد واحد لنفسين إحداهما جانية والأخرى بريئة أو بالزجر في الضرب فيكون إهلاك أحد النفسين بغير حق أو تضرب من لا فعل له بذلك فلابد من تأخيرها إلى الموضع قالوا فإن شهد على المرأة بالزنا منذ أربعين يوما أخرت إلى تمام
ثلاثة أشهر فإن ظهر حمل أخر لوضعه وإن لم يظهر حدت حينئذ وإن لم تض له أربعون عجل حدها كان ضربا أو رجما إذا لم يقع تخليق في بطنها وأما المريض ففي المدونة وكذا المريض إن خيف عليه من إقامة الحد أخر.
وقد قال مالك: إن خيف على السارق أن يقطع في البرد أخر ابن القاسم: والذي يضرب المحدود في البرد مثله يؤخر إذا خيف عليه والحر كالبر في ذلك اللخمي: إن كان ضعيف الجسم فخيف عليه الموت سقط الحد وسجن وإن قصاصا رجع إلى الدية في كونها في ماله أو على العاقلة قولان.
(ولا يقتل واطئ البهيمة وليعاقب).
هذا الذي ذكر في المشهور خلافا لما في كتاب ابن شعبان من أنه يحد حكاه عنه اللخمي وكذلك خالف المشهور أيضا فيمن وطئ امرأة ميتة وفي رضاع المدونة يحد من وطئ ميتة وقال ابن شعبان لا يحد الأبهري وما روى عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من وطئ بهيمة فاقتلوه واقتولها معه" فغير ثابت، قال الطرطوشي: لا يختلف مذهب مالك أن البهيمة لا تقتل وإن كانت مما يؤكل أكلت أظن أني رأيت في الترمذي أنه حديث لم يعمل به أحد من أهل العلم ومن قال به علله بوجه لا يظهر في النظر والله أعلم.
(ومن سرق ربع دينار ذهبا أو ما قيمته يوم السرقة ثلاثة دراهم من العروض أو وزن ثلاثة دراهم فضة قطع إذا سرق من حرز).
(السرقة): أخذ مكلف حر لا يعقل لصغره مالا محترما لغيره نصابا أخرجه من حرزه بقصد واحد خفية لا شبهة له فيه قاله (ع): ثم فيخرج أخذ الأسير مال حربي وما اجتمع بتعدد إخراج وقصد الأب مال ولده والمضطر في المجاعة انتهى.
وأورد عليه ان من مال الذمي المحترم الخمر للذمي ولا قطع فيه مع لزوم القيمة في إتلافها عليه والنصاب الذي يقطع فيه ربع دينار من الذهب الخالص أو ثلاثة دراهم من فضة خالصة أو ما قيمته ثلاثة دراهم قال ابن رشد: ولا تقوم إلا بالدراهم كان البلد تجري فيه الدنانير أو الدراهم أو لا يجري فيه أحدهما وإنما التعامل بالعروض لأنه
عليه الصلاة والسلام: " إنما قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم".
والمجن – بكسر الميم وفتح الجيم والنون- الترس للأبهري تقوم بأغلب النقدين اللخمي القياس الرجوع إلى نصاب الذهب وكون المعتبر في القيمة يوم السرقة هو المذهب لأنه وقت تعلقها بالذمة وقوله: (أو وزن ثلاثة دراهم) يعني: أنه إذا سرق وزن ثلاثة دراهم من فضة غير مطبوعة وقال ابن عبد الحكم: المعتبر في ذلك ما يساوي ربع دينار يعتبر في كل مقوم منفعته المباحة وفي الموازية أيقوم البازي على ما هو عليه من التعليم وقال أشهب يقوم على أنه غير معلم والله أعلم.
وظاهر كلام ابن رشد أن المقوم الواحد إذا كان من عند الحاكم كاف وظاهر كلام غيره لا يكفي فانظره ذلك.
(والحرز): ما يعود صونا للمال استقل بحفظه أو بحافظ غيره كالحانوت والدار والجيب والكم ونحوه فانظره.
(ولا قطع في الخلسة).
عياض: المختلس الخاطف والاختلاس أخذ المال بحضرة صاحبه أو القائم عليه أو الناس ظاهرا غفلة وفر به بسرعة وفي الترمذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس على منتهب ولا خائن ولا مختلس قطع" قال: حديث حسن صحيح عياض أخذ أموال الناس بغير حلها ورضى أربابها حرام وهي على ضروب عشرة: حرابة وغيلة وغصب وقهر وخيانة وسرقة واختلاس وخديعة وتعد وجحد واسم الغصب ينطلق على ذلك في اللغة ولكل واحد من هذه الضروب في الشرع حكم على حياله.
فالحرابة: كل ما أخذ بمكابرة ومدافعة.
والغيلة: كل ما أخذ بعد قتل صاحبه بحيلة إهلاكه كإلقائه في مهواة أو سقيه سما وحكمه حكم الحرابة والغصب في عرف الشرع: ما أخذه ذو القدرة والسلطان بسلطانه ممن لا قدرة له على دفعه.
والقهر: نحو منه إلا أن يكون من أهل القوة في الجسم للضعيف أو من الجماعة للواحد حكمه حكم الغصب واسمه ينطلق عليه لغة وشراعا وعلى ذلك يحمل ما في
كتاب محمد إذا كان ي داخل المصر وأما إذا كان خارجه فحكمه حكم الحرابة وعليه يحمل ما في المدونة إذا كان بغير سلاح وقول ابن القاسم لا قطع على كابر إلا أن يؤخذ بحكم الحرابة والخيانة كل ما كان لآخذه عليه أمانة أو يد أو للتصرف فيه إذن والسرقة كل ما أخذ على وجه الخفاء والتستر والاختلاس كل ما أخذ بحضرة صاحبه أو القائم عليه أو الناس ظاهرا على غفلة وفر به آخذه بغفلة وسرعة.
والخديعة: كل ما أخذ بحيلة خدع بها صاحبه كالمشبه بصاحب الحق والوديعة فيأخذها ممن هي عنده والمرائي لزي الصلاح أو الفقه وليس منهم ليأكل بذلك ما لا يحل أو ممن أبيح له ذلك أو الذي يسقي السكران حتى ينام أو يغفل غفلة فيأخذ ماله أو شبه شعوذة ونحو ذلك.
وفي المدونة في ساقي السكران أنها محاربة وظاهر كتاب محمد أنها إنما تكون حرابة إذا سقاه ما يموت منه والجحد إنكار ما تقرر في الذمة الجاحد على وجه القهر أو أمانته من مال وهونوع من الخيانة والتعدي ما أخذ بغير إذن صاحبه بحضرته أو مغيبة وليس على وجه القهر والاختلاس وهو نحو الغصب لأن بينهما فرقا في الصورة وفي بعض وجوه أحكامها ولهذها لوجوه في الشرع حكمان ضمان ما أخذ لربه وحدود الله عز وجل في أخذ ذلك فانظره ذلك وبالله التوفيق.
(ويقطع في ذلك يد الرجل والمرأة والعبد ثم إن سرق قطعت رجله من خلاف ثم إن سرق فيده ثم إن سرق فرجله ثم إن سرق جلد وسجن).
قال الله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله} [المائدة: 38] فعم الرجل والمرأة والعبد والذمي والمعاهد وأول ما تقطع اليمنى وتحسم بالنار لئلاتضرر بها أو يسري إلى النفس وقطع رجله اليسرى في الثانية قال عبد الوهاب لا خلاف فيه وإنما الخلاف في الثالثة والرابعة.
قال مالك: إن سرق ثالثة قطعت يده اليسرى أو رابعة فرجله اليمنى وبه قال الشافعي: ولأبي حنيفة ولا يقطع في السرقة إلا رجل واحدة وقول عبد الوهاب لا خلاف معارض بنقل ابن العربي عن عطاء لا تقطع إلا اليمنى فقط والله أعلم.
وما ذكر من جلده وسجنه بعد الرابعة هو المشهور وقال أبو مصعب يقتل وفيه
حديث أخرجه أبو داود والنسائي والله أعلم.
(ومن أقر بالسرقة قطع وإن رجع أقيل وغرم السرقة إن كانت معه وإلا اتبع بها).
(السرقة): إنما تثبت ببنية أو إقرار ففي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام أتى بسارق اعترف اعترافا ولم يوجد عنده شيء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أخالك سرقت" قال بلى: قال: " فاذهبوا به فاقطعوا" فقطعوه ثم جاءوا به فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قل استغفر
الله وأتوب إليه" فقال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم اغفر له وتب عليه" رواه النسائي وأبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فوقله:" ما خالك سرقت" تعريض له بالرجوع.
أبو عمر: وقد اتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة على قبول المقر بالزنى والسرقة والشرب إذا لم يدع المسروق منه ما أقر السارق به وقال ابن أبي ليلى وعمر والبتى لا يقبل رجوعهم في شيء من ذلك (ع): ولعله مما لم يذكر له وجها ابن يونس قال مالك: من أقر على أنه سرق لرجل مائة درهم ثم نزع لم يقطع ويغرم المائة لربها وقيل لا يقال إلا لعذر بين والأول أولى.
(ومن أخذ في الحرز لم يقطع حتى يخرج السرقة من الحرز وكذلك الكفن من القبر).
يعني أن شرط القطع في السرقة خروجها من الحرز ابن حارث اتفقوا في السارق يؤخذ في الحرز قبل أن يخرج المتاع أنه لا يقطع وسمع ابن القاسم إن دخل سارق دار رجل فاتزر بإزار فأخذ في البيت ففر منه والإزار ع ليه وقد علم أهل البيت أو لم يعلموا لأقطع عليه. ابن رشد لأنه لم يخرج به إلا مختلسا وفي المدونة لو قربه أحدهما لباب الحرز أو النقب فتناوله الآخر قطع الخارج إذ هو الذي أخرجه.
وقال أشهب في الموازية: يقطعان ولو أخذ في الحرز بعد أن ألقى المتاع خارجا فقد شك فيها مالك فقال مرة ويقطع مرة لا يقطع ولو كانت السرقة طعاما فأكله في الحرز لم يقطع بخلاف الدرة يبتلعها ثم يخرج بها وفي الكل اختلاف. وفي الجلاب: أن أخرج النباش الكفن من القبر قطع وإلا فلا وفي الباب مسائل يطول ذكرها فانظرها.
(ومن سرق من بيت أذن له في دخوله لم يقطع ولا يقطع المختلس).
يعني: لأن سرقته من موضع أذن له فيه خيانة إلا أن يسرق من صندوق فيه ونحوه مما حرز عنه وفي المدونة من أذنت له في دخول بيتك أو دعوته إلى طعامك فسرقك فهذه خيانة وفي سرقة قناديل المسجد ثالثها إن كان المسجد يغلق عليه والثلاثة لابن القاسم وفي حصره ثالثها إن تسور عليه ليلا ورابعها: إن خيط عليها أو بعضها.
إلى بعض وخامسها: إن كان عليها غلق وفي المدونة: قطع المرأة إذا سرقت من مال زوجها الذي حجر عليها لا ما هو في بيت سكناها وفروع الباب كثيرة فانظرها وقد مر الكلام في المختلس وبالله التوفيق.
(وإقرار العبد فيما يلزمه من بدنه في حد أو قطع يلزمه وما كان في رقبته فلا إقرار له).
يعني: لأن إقراراه في الأول مضر به وجناية على نفسه لا يتهم فيه وقال أشهب: لا يصح إقراره لتعلق حق السيد بعينه ويحلف السيد على نفيه وقوله في رقبته يعني: فيما يجب أخذه فيه فإنه يتهم يجب انتقاله إلى من أقر له لأن العبد فيما جنى فلا يقبل والله أعلم.
(ولا قطع في ثمر معلق ولا في الجمار في النخل ولا في الغنم الراعية حتى تسرق من مراحها وكذلك الثمر من الأندر).
أما (الثمر المعلق والجمار): ففي الحديث لا قطع فيه قال علماؤنا إلا أن يكون الشجر في داره ونحوها فإنه في حرز فإن يقطع سارقها وقال ابن المواز (ع) وعليه لو كان الحائط بحارس قطع سارقه وما ذكر في الغنم واضح لأن مراحها حرزها إذ يقصد به الحفظ بخلاف مراعها وفي الحديث في الثمر المعلق حتى يؤويه صاحب الجرين يعني الأندر والله أعلم.
(ولا يشفع لمن بلغ الإمام في السرقة والزنا واختلف في ذلك في القذف).
الأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " إذا بلغت الحدود الإمام فلعنة الله على الشافع والمشفع".
وقوله صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد حين شفع في المخزومية التي كانت تستعير المتاع وتجحده " أتشفع في حد من حدود الله؟ والذي نفسي بيده! لوسرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها". الحديث وقد أعاذها الله من ذلك فليست بأصالة ولكن خرج للمبالغة وإنما اختلف في القذف بناء على أنه حق الله فلا يشفع أو حق لمخلوق فيمكن رفعه والله أعلم.
(ومن سرق من الكم قطع ومن سرق من الهري أو بيت المال أو المغنم فليقطع وقيل إن سرق فوق حقه بثلاث دراهم قطع).
الهري موضع خزن زرع الزكاة أو نحوها مما للمسلمين على يد السلطان وظاهره ولو كان المسروق منه زكاة الفطر بعد وضعها في المسجد واختلف في ذلك بالخلاف الذي في حصر المسجد والمشهور أنه حرز كبيت المال الذي هو حاصل مال المسلمين وموضع خزنة فيقطع في ذلك كله لأنه موضع لحفظه.
وأما المعتم ففي المدونة قيل له يعني لابن القاسم أليس له في المغنم حصة قال قال مالك وكم تلك الحصة قال الشيوخ: وإنما اختصرها أبو سعيد سؤالا وجوابا لإشكالها إذ يفهم منها أن المسروق لو كان قدر حصة السارق من الغنم لم يقطع وهو القول الثاني الذي حكاه الشيخ بقوله: وقيل إن سرق فوق حقه بثلاثة دراهم وعليه فهل يعتبر مقدار حقه من المسروق أو من كل الغنيمة احتمالان فأما الكم فإنه حرز لما فيه إذا وضع لحفظه وكذلك الجيب وفيه تفصيل.
وقد نص عبد الوهاب: على أنه حرز وكذا غيره وفي تعاليق أبي عمران: أن سرق من كم رجل في دعوة أو صنيع فلا قطع عليه قال ابن الفاكهاني: فالكم ههنا ليس بحرز ونظر فيه بعض من قرب زمانه فتأمله.
(ويتبع السارق إذا قطع بقيمة ما فات من السرقة في ملائه ولا يتبع به في عمده).
اختلف المذهب في السارق إذا قطع وقد فات ما أخذ هل يتبع أم لا فقال أبو حنيفة لا يتبع وما أخذ هو دية يده وقال الشافعي يتبع مطلقا لأن هذا حرز للمال قد
تعلق بالذمة وقال مالك يتبع في ملائه لا عدمه وقد اعترض بعض من يتهم بالزندقة قطع اليد بربع دينار في السرقة مع أنها في الديات بخمسمائة دينار فقال:
يد بخمس مئين عسجد وديت
…
ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقض ما لنا إلا السكوت له
…
ونستجير بمولانا من النار
فأجابه بعض الشيوخ على ذلك جوابا شافيا حسنا إذ قال ما نصه:
عز الأمانة أغلاها وأوضعها
…
ذل الخيانة فافهم حكمة الباري
وذكر لنا الشيخ الصالح الأصولي المعتمد المدرس أبو زيد عبد الرحمن الجزولي رحمه الله أن قائل البيتين الأولين هو أبو العلاء المعري. وأن المجيب هو القاضي عبد الوهاب بن نصر صاحب التلقين وغيره والله أعلم.
ثم على مشهور الشيخ الصالح الأصولي المعتمد المدرس أبو زيد عبد الرحمن الجزولي رحمه الله أن قائل البيتين الأولين هو أبو العلاء المعري. وأن المجيب هو القاضي عبد الوهاب بن نصر صاحب التلقين وغيره والله أعلم.
ثم على مشهور المذهب وأنه يقوم السرقة في ملائه إذ كان قد استهلكها على ذلك إذا اتصل ملاؤه من حين سرقته إلى حين القطع فيه وهو المشهور أو إلى حين القيام عليه وهو قول أشهب وحكى عبد الوهاب عن بعض شيوخه أن غرمه استحسان لأن القياس عدم تغريمه كمذهب الحنفي قائلا لا يجمع عليه القطع والغرم بل المالك مخير فيهما وأيهما اختار سقط الآخر وقال ابن شعبان كالشافعية يغرم على كل حال لأن القطع حق لله والمال حق الآدمي فلا يندرج أحدهما في الآخر والله أعلم.
(ويتبع في عدمه بقيمة ما لا قطع فيه من السرقة.
يعني: سواء فات أو كان حاضرا موجودا أو ما لا قطع فيه أما أن يكون مما لا يحل تملكه وبيعه كالخمر والخنزير إذا سرقه من ذمي فباعه أو شربه أو أكله فقد حكى الشيخ: رواية محمد عدم قطعه في الميت والخمر والخنزير إن سرقة من مسلم أو ذمي إلا أن الذمي يتبعه به في ملائه وعدمه مع وجيع الألم والأدب والله أعلم.
وكذا إن كان مما يجوز تملكه ولا يجوز بيعه كالكلب المتخذ للضرع أو للزرع أو للصيد لا قطع فيه على المشهور ويلزم غرمه في الملاء والعدم هذا مذهب ابن القاسم وقال أشهب: يقطع وكذا لا يقطع سارق لحم الأضحية والزيت التي ماتت فيه فأرة ونحوها على المشهور ويغرم بكل حال وقال أصبغ: يقطع بناء على أنه لا يستدام ملكه وأنه يستقر ملكه عليه بوجه ما.
وقد تقدم عدم قطعه فيما ليس في حرز كالثمر المعلق والزرع قبل أيوائه محل حفظه ونحو ذلك وكذا لا يقطع إن قصر المسروق عن النصاب الذي هو ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو ما قيمته ثلاثة دراهم وسواء كان جميع المسروق نصابا أخرجه مرات كل مرة أقل من نصاب أو كان المجموع أقل من نصاب فأنه لا يقطع في ذلك ويغرم على كل حال ومسائل الباب كثيرة واسعة فانظرها وبالله التوفيق.
خاتمة:
اختلف هل الحدود كفارات أو زواجر وصحح كثير من العلماء الأول لقوله صلى الله عليه وسلم " بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهي كفارة". الحديث رواه البخاري وغيره من حديث عبادة بن الصمات رضي الله عنه وقال بعض أئمة الشافعية عقوبة الذنب أبلغ في كفارته من غفرانه فانظره والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.