الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.
وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ لمن خالف هواه أن يجعل جنة الْخُلْدِ قَرَارَهُ وَمَأْوَاهُ ثُمَّ أَنْشَدَ لِنَفْسِهِ:
إِنْ كُنْتَ تَبْغِي الرَّشَادَ مَحْضًا * فِي أَمْرِ دُنْيَاكَ وَالْمَعَادِ فَخَالِفِ النَّفْسَ فِي هَوَاهَا * إِنَّ الْهَوَى جامع الفساد قال ابْنُ عَسَاكِرَ: الْمَحْفُوظُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: إحدى وستين وَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ.
وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ ابْنُ عساكر والله أعلم.
وذكروا إنه توفي في جزيرة مِنْ جَزَائِرِ بَحْرِ الرُّومِ وَهُوَ مُرَابِطٌ، وَأَنَّهُ ذهب إلى الخلاء ليلة مات نحواً من عشرين مرة، وفي كل مرة يجدد الوضوء بعد هذا، وكان به البطن، فلما كانت غشية الموت قال: أوتروا لي قوسي، فأوتروه فقبض عليه فمات وهو قابض عليه يريد الرمي به إلى العدو رحمه الله وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ: حَدَّثَنَا محمد بن علي بن يزيد الصائغ قال: سمعت الشافعي يقول: كان سفيان معجباً به: أجاعتهم الدنيا فخافوا وَلَمْ يَزَلْ * كَذَلِكَ ذُو التَّقْوَى عَنِ الْعَيْشِ ملجما أخو طئ داود منهم ومسعر * ومنهم وهيب والعريب ابْنُ أَدْهَمَا وَفِي ابْنِ سَعِيدٍ قُدْوَةَ الْبِرِّ وَالنُّهَى * وَفِي الْوَارِثِ الْفَارُوقِ صِدْقًا مُقَدَّمًا وَحَسْبُكَ مِنْهُمْ بِالْفُضَيْلِ مَعَ ابْنِهِ * وَيُوسُفُ إِنْ لَمْ يَأْلُ أَنْ يَتَسَلَّمَا أُولَئِكَ أَصْحَابِي وَأَهْلُ مَوَدَّتِي * فَصَلَّى عَلَيْهِمْ ذُو الْجَلَالِ وَسَلِّمَا فَمَا ضَرَّ ذَا التَّقْوَى نِصَالُ أَسِنَّةٍ * وَمَا زَالَ ذُو التَّقْوَى أَعَزَّ وَأَكْرَمَا وَمَا زَالَتِ التَّقْوَى تُرِيكَ عَلَى الْفَتَى * إِذَا مَحَّضَ التَّقْوَى مِنَ الْعِزِّ مِيسَمَا وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ عَنْ إبراهيم بن أدهم وأخرج التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ حَدِيثًا مُعَلَّقًا فِي الْمَسْحِ على الخفين.
والله سبحانه أعلم.
وفيها توفي
أبو سليمان داود بن نصير الطائي الْكُوفِيُّ الْفَقِيهُ الزَّاهِدُ، أَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ أَبِي حنيفة.
قال سفيان بن عيينة: ثم ترك داود الْفِقْهِ وَأَقْبَلَ عَلَى الْعِبَادَةِ وَدَفَنَ كُتُبَهُ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: وَهَلِ الْأَمْرُ إِلَّا ما كان عليه داود الطائي.
وقال ابن معين: كان ثقة، وفد على المهدي ببغداد ثم عاد إلى الكوفة.
ذكره الخطيب البغدادي.
وقال: مَاتَ فِي سَنَةِ سِتِّينَ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ فِي سنة ست وخمسين ومائة.
وقد ذكر شيخنا الذَّهَبِيُّ فِي تَارِيخِهِ أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ - أَعْنِي سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ.
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ فِيهَا حُصِرَ الْمُقَنَّعُ الزِّنْدِيقُ الَّذِي كَانَ قَدْ نَبَغَ بِخُرَاسَانَ وَقَالَ بِالتَّنَاسُخِ، وَاتَّبَعَهُ عَلَى جَهَالَتِهِ
وَضَلَالَتِهِ خَلْقٌ مِنَ الطَّغَامِ وَسُفَهَاءِ الْأَنَامِ، وَالسَّفِلَةِ من العوام، فلما كان في هذا العام لجأ إلى قلعة كش فحاصره سعيد الحريثي (1) فَأَلَحَّ عَلَيْهِ فِي الْحِصَارِ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِالْغَلَبَةِ تَحَسَّى سُمًّا وَسَمَّ نِسَاءَهُ فَمَاتُوا جَمِيعًا، عَلَيْهِمْ لِعَائِنُ اللَّهِ.
وَدَخَلَ الْجَيْشُ الْإِسْلَامِيُّ قَلْعَتَهُ فَاحْتَزُّوا رَأَسَهُ وَبَعَثُوا بِهِ إِلَى الْمَهْدِيِّ، وَكَانَ الْمَهْدِيُّ بحلب.
قال ابن خلكان: كان اسم المقنع عطاء، وقيل جكيم، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ (2) .
وَكَانَ أَوَّلًا قَصَّارًا ثُمَّ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ أَعْوَرَ قَبِيحَ الْمَنْظَرِ، وكان يتخذ له وجهاً من ذهب (3) ، وتابعه على جهالته خلق كثير، وَكَانَ يُرِي النَّاسَ قَمَرًا يُرَى مِنْ مَسِيرَةِ شهرين ثم يغيب، فعظم اعتقادهم له وَمَنَعُوهُ بِالسِّلَاحِ، وَكَانَ يَزْعُمُ - لَعَنَهُ اللَّهُ وَتَعَالَى عما يقولون عُلُوًّا كَبِيرًا - أَنَّ اللَّهَ ظَهَرَ فِي صُورَةِ آدَمَ، وَلِهَذَا سَجَدَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ، ثُمَّ فِي نُوحٍ، ثُمَّ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَاحِدًا وَاحِدًا، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيِّ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إليه.
ولما حاصروه الْمُسْلِمُونَ فِي قَلْعَتِهِ الَّتِي كَانَ جَدَّدَهَا بِنَاحِيَةِ كَشٍّ مِمَّا وَرَاءَ النَّهْرِ وَيُقَالُ لَهَا سَنَامُ (4) ، تحسى هو ونساؤه سماً فماتوا واستحوذ المسلمون على حواصله وأمواله.
وَفِيهَا جَهَّزَ الْمَهْدِيُّ الْبُعُوثَ مِنْ خُرَاسَانَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ لِغَزْوِ الرُّومِ، وَأَمَّرَ عَلَى الْجَمِيعِ وَلَدَهُ هَارُونَ الرَّشِيدَ، وَخَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ مُشَيِّعًا لَهُ، فَسَارَ مَعَهُ مَرَاحِلَ (5) وَاسْتَخْلَفَ عَلَى بَغْدَادَ وَلَدَهُ مُوسَى الْهَادِي، وَكَانَ فِي هَذَا الْجَيْشِ الْحَسَنُ (6) بْنُ قَحْطَبَةَ وَالرَّبِيعُ الْحَاجِبُ وَخَالِدُ بْنُ بَرْمَكَ - وَهُوَ مِثْلُ الْوَزِيرِ لِلرَّشِيدِ وَلِيِّ الْعَهْدِ - وَيَحْيَى بْنُ خَالِدٍ - وَهُوَ كَاتِبُهُ وَإِلَيْهِ النَّفَقَاتُ - وَمَا زَالَ الْمَهْدِيُّ مَعَ وَلَدِهِ مُشَيِّعًا لَهُ حتى بلغ الرشيد إلى بلاد الروم، وَارْتَادَ هُنَاكَ الْمَدِينَةَ الْمُسَمَّاةَ بِالْمَهْدِيَّةِ فِي بِلَادِ الرُّومِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الشَّامِ وَزَارَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَسَارَ الرَّشِيدُ إِلَى بِلَادِ الرُّومِ فِي جحافل عظيمة، وفتح اللَّهُ عَلَيْهِمْ فُتُوحَاتٍ كَثِيرَةً، وَغَنِمُوا أَمْوَالًا جَزِيلَةً جِدًّا، وَكَانَ لِخَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ جَمِيلٌ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ، وَبَعَثُوا بِالْبِشَارَةِ مَعَ سُلَيْمَانَ بْنِ بَرْمَكَ إِلَى الْمَهْدِيِّ فَأَكْرَمَهُ الْمَهْدِيُّ وَأَجْزَلَ عَطَاءَهُ.
وَفِيهَا عَزَلَ الْمَهْدِيُّ عَمَّهُ عَبْدَ الصَّمَدِ بْنَ عَلِيٍّ عَنِ الْجَزِيرَةِ وَوَلَّى عَلَيْهَا زُفَرَ بْنَ عَاصِمٍ الْهِلَالِيَّ، ثُمَّ عَزَلَهُ وَوَلَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَالِحِ بْنِ عَلِيٍّ.
وَفِيهَا وَلَّى الْمَهْدِيُّ وَلَدَهُ هَارُونَ الرَّشِيدِ بِلَادَ الْمَغْرِبِ وَأَذْرَبِيجَانَ وَأَرْمِينِيَّةَ، وَجَعَلَ عَلَى رَسَائِلِهِ يَحْيَى بْنَ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ، وَوَلَّى وَعَزَلَ جَمَاعَةً من النواب.
وحج بالناس فيها علي بن المهدي.
(1) في الطبري 9 / 342: الحرشي.
(2)
في الاثار الباقية ص 211: اسمه هاشم بن حكيم.
(3)
قيل له المقنع لأنه كان لا يسفر عن وجهه بل اتخذ وجهاً من ذهب تقنع به فقد كان مشوه الخلق.
(4)
في المشترك 254 لياقوت: وسنام أربعة مواضع والموضع الرابع منها سنام قلعة عمرها المقنع الخارجي بما وراء النَّهر.
قال ابن خلكان: انها من رستاق كش.
(5)
عسكر بالبردان (انظر الطبري 9 / 342 - ابن الأثير 6 / 60) .
(6)
من الطبري وابن الاثير، وفي الاصل: الحسين وهو تحريف.
(*)