الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما بلغ المأمون هذه الأبيات - وهي قصيدة طويلة - عارض فيها أبا نواس فتطلبه المأمون فهرب منه ثُمَّ أُحْضِرَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ فَضَّلْتَ الْقَاسِمَ بْنَ عِيسَى عَلَيْنَا.
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتُمْ أَهْلُ بَيْتٍ اصْطَفَاكُمُ اللَّهُ مِنْ بَيْنِ عِبَادِهِ، وَآتَاكُمْ مُلْكًا عَظِيمًا، وَإِنَّمَا فَضَّلْتُهُ عَلَى أَشْكَالِهِ وَأَقْرَانِهِ.
فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أبقيت أحداً حَيْثُ تَقُولُ: كلُّ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنْ عرب * بين باديه إلى حضره وَمَعَ هَذَا فَلَا أَسْتَحِلُّ قَتْلَكَ بِهَذَا، وَلَكِنْ بشركك وكفرك حَيْثُ تَقُولُ فِي عَبْدٍ ذَلِيلٍ: أَنْتَ الَّذِي تُنْزِلُ الْأَيَّامَ مَنْزِلَهَا * وَتَنْقُلُ الدَّهْرَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالِ وَمَا مَدَدْتَ مَدَى طَرَفٍ إِلَى أَحَدٍ * إِلَّا قَضَيْتَ بِأَرْزَاقٍ وَآجَالِ ذَاكَ اللَّهُ يَفْعَلُهُ، أَخْرِجُوا لِسَانَهُ مِنْ قَفَاهُ.
فَأَخْرَجُوا لِسَانَهُ في هذه السنة فمات.
وقد امتدح حميد
ابن عَبْدِ الْحَمِيدِ الطُّوسِيَّ: إِنَّمَا الدُّنْيَا حُمَيْدٌ * وَأَيَادِيهِ جسام * فإذا ولَّى حميد * فعلى الدنيا السلام ولما مات حميد هذا رثاه أبو العتاهية بقوله: أَبَا غَانِمٍ أَمَّا ذَرَاكَ فَوَاسِعٌ * وَقَبْرُكَ مَعْمُورُ الْجَوَانِبِ مُحْكَمُ وَمَا يَنْفَعُ الْمَقْبُورَ عُمْرَانُ قَبْرِهِ * إِذَا كَانَ فِيهِ جِسْمُهُ يَتَهَدَّمُ وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ خِلِّكَانَ لِعَكَوَّكٍ هَذَا أَشْعَارًا جَيِّدَةً تَرَكْنَاهَا اختصاراً.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا الْتَقَى مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَبَابَكُ الخرَّمي لَعَنَهُ اللَّهُ، فَقَتَلَ الخرَّمي خَلْقًا كَثِيرًا مِنْ جَيْشِهِ، وَقَتَلَهُ أَيْضًا وَانْهَزَمَ بَقِيَّةُ أَصْحَابِ ابْنِ حميد، فَبَعَثَ الْمَأْمُونُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ وَيَحْيَى بْنَ أَكْثَمَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ يُخَيِّرَانِهِ بين خراسان، ونيابة الجبال وأذربيجان وأرمينية ومحاربة بَابَكَ، فَاخْتَارَ الْمُقَامَ بِخُرَاسَانَ لِكَثْرَةِ احْتِيَاجِهَا إِلَى الضبط، وللخوف من ظهور الخوارج
.
وَفِيهَا دَخَلَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ الرَّشِيدِ الدِّيَارَ المصرية فانتزعها من يد عبد السَّلَامِ وَابْنِ جَلِيسٍ وَقَتَلَهُمَا.
وَفِيهَا خَرَجَ رَجُلٌ يقال له بلال الضبابي فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْمَأْمُونُ ابْنَهُ الْعَبَّاسَ فِي جَمَاعَةٍ من الأمراء فقتلوا بلالاً ورجعوا إلى بغداد.
وَفِيهَا وَلَّى الْمَأْمُونُ عَلِيَّ بْنَ هِشَامٍ الْجَبَلَ وَقُمَّ وَأَصْبَهَانَ وَأَذْرَبِيجَانَ.
وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ إِسْحَاقُ بن الْعَبَّاسُ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ.
وفيها توفي
أحمد بن خالد الموهبي (1) .
(1) في تقريب التهذيب الذهبي، ويقال الواهبي.
الحمصي الكندي أبو سعيد راوي المغازي عن ابن إسحاق وكان = (*)
أحمد بْنُ يُوسُفَ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ صُبَيْحٍ أَبُو جعفر الكاتب ولي ديوان الرسائل المأمون.
تَرْجَمَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ وَأَوْرَدَ مِنْ شِعْرِهِ قَوْلَهُ: قد يرزق المرء من غير حيلة صدرت * وَيُصْرَفُ الرِّزْقُ عَنْ ذِي الْحِيلَةِ الدَّاهِي مَا مسني من غنى يوماً ولا عدم * إلى وَقَوْلِي عَلَيْهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ
وَلَهُ أَيْضًا: إِذَا قلت في شئ نَعَمْ فَأَتِمَّهُ * فَإِنَّ نَعَمْ دَيْنٌ عَلَى الْحُرِّ واجب وإلا فقل لا تستريح بِهَا * لِئَلَّا يَقُولَ النَّاسُ إِنَّكَ كَاذِبُ وَلَهُ: إِذَا الْمَرْءُ أَفْشَى سِرَّهُ بِلِسَانِهِ * فَلَامَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ فَهُوَ أَحْمَقُ إِذَا ضَاقَ صَدْرُ الْمَرْءِ عن سر نفسه * فصدر الذي يستودع السر أضيق وحسن بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ شَيْخُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.
وَعَبْدُ الله بن الحكم المصري (1) .
ومعاوية بن عمرو (2) أبو محمد عبد الله بْنِ أَعْيَنَ بْنِ لَيْثِ بْنِ رَافِعٍ الْمِصْرِيُّ أحد من قرأ الموطأ على مَالِكٍ وَتَفَقَّهَ بِمَذْهَبِهِ، وَكَانَ مُعَظَّمًا بِبِلَادِ مِصْرَ، وَلَهُ بِهَا ثَرْوَةٌ وَأَمْوَالٌ وَافِرَةٌ.
وَحِينَ قَدِمَ الشَّافِعِيُّ مِصْرَ أَعْطَاهُ أَلْفَ دِينَارٍ، وَجَمَعَ لَهُ من أصحابه ألفي دينار، وأجرى عليه وَهُوَ وَالِدُ محمَّد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ [عَبْدِ](3) الْحَكَمِ الَّذِي صَحِبَ الشَّافِعِيَّ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ دُفِنَ إِلَى جَانِبِ قَبْرِ الشَّافِعِيِّ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ دُفِنَ إلى جانب قبر أَبِيهِ مِنَ الْقِبْلَةِ.
قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْبُرٍ الشَّافِعِيُّ شَامِيُّهَا.
وَهُمَا قِبْلَتُهُ.
رحمهم الله.
= مكثرا حسن الحديث.
(1)
في التقريب وشذرات الذهب 2 / 35: عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصري، أبو محمد الفقيه المالكي أفضت إليه الرياسة بمصر، أنكر عليه ابن معين شيئا.
(2)
من التقريب والشذرات، وفي الاصل عمر، وهو ابن عمرو بن المهلب بن عمرو الازدي، أبو عمرو البغدادي الحافظ المجاهد ويعرف بابن الكرماني ثقة أدركه البخاري.
(3)
انظر حاشية رقم 1.
(*)