الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَهُ أَيْضًا: وَحَدَّثْتَنِي يَا سَعْدُ عَنْهَا فِزِدْتَنِي * جُنُونًا فَزِدْنِي مِنْ حَدِيثِكَ يَا سَعْدُ هَوَاهَا هَوًى لَمْ يَعْرِفِ الْقَلْبُ غَيْرَهُ * فَلَيْسَ لَهُ قَبْلٌ وَلَيْسَ لَهُ بَعْدُ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: دَخَلْتُ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ الْأَحْنَفِ بِالْبَصْرَةِ وَهُوَ طَرِيحٌ عَلَى فِرَاشِهِ يَجُودُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: يَا بَعِيدَ (1) الدَّارِ عَنْ وَطَنِهِ * مُفْرَدًا يَبْكِي عَلَى شجنه كلما جدَّ النحيب (2) بِهِ * زَادَتِ الْأَسْقَامُ فِي بَدَنِهْ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ انْتَبَهَ بِصَوْتِ طَائِرٍ عَلَى شَجَرَةٍ فقال: ولقد زاد الفؤاد شجاً * هَاتِفٌ (3) يَبْكِي عَلَى فَنَنِهْ شَاقَهُ مَا شَاقَنِي (4) فَبَكَى * كُلُّنَا يَبْكِي عَلَى سَكَنِهْ قَالَ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أُخْرَى فَحَرَّكْتُهُ فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ.
قَالَ الصُّولِيُّ: كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذِهِ السنة،
وقيل بعدها، وقيل قبلها في سنة ثمان وثمانين ومائة فالله أعلم.
وزعم بعض المؤرخين أَنَّهُ بَقِيَ بَعْدَ الرَّشِيدِ.
عِيسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ أَخُو زُبَيْدَةَ، كَانَ نَائِبًا عَلَى الْبَصْرَةِ فِي أَيَّامِ الرَّشِيدِ فَمَاتَ في أثناء هذه السنة.
وفيها توفي:
الفضل بن يحيى ابن خَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ أَخُو جَعْفَرٍ وَإِخْوَتِهِ، كَانَ هو والرشيد يتراضعان.
أرضعت الخيزران فضلاً، وأرضعت أم الفضل وهي زبيدة بنت بن بريه هَارُونَ الرَّشِيدَ.
وَكَانَتْ زُبَيْدَةُ هَذِهِ مِنْ مُوَلَّدَاتِ بتبين البرية، وقد قال في ذلك بعض الشُّعراء (5) :
(1) في مروج الذهب 4 / 127 ووفيات الاعيان 3 / 26: يا غريب.
(2)
في مروج الذهب: البكاء به
…
* دبت الاسقام
…
(3) في مروج الذهب والوفيات: طائر.
(4)
في مروج الذهب: شفه ما شفني.
(5)
هو مروان بن أبي حفصة كما في الفخري ووفيات الاعيان.
(*)
كَفَى لَكَ فَضْلًا أَنَّ أَفْضَلَ حُرَّةٍ (1) * غَذَتْكَ بِثَدِيٍ وَالْخَلِيفَةَ وَاحِدِ لَقَدْ زِنْتَ يَحْيَى فِي الْمَشَاهِدِ كُلِّهَا * كَمَا زَانَ يَحْيَى خَالِدًا فِي الْمَشَاهِدِ قَالُوا: وَكَانَ الْفَضْلُ أَكْرَمَ مِنْ أَخِيهِ جَعْفَرٍ، وَلَكِنْ كَانَ فِيهِ كِبْرٌ شَدِيدٌ، وَكَانَ عَبُوسًا، وَكَانَ جَعْفَرٌ أَحْسَنَ بِشْرًا مِنْهُ وَأَطْلَقَ وَجْهًا، وَأَقَلَّ عَطَاءً.
وَكَانَ النَّاسُ إِلَيْهِ أَمْيَلَ، ولكن خصلة الكرم تغطي جميع القبائح، فهي تستر تلك الخصلة التي كانت في الفضل.
وَقَدْ وَهَبَ الْفَضْلُ لِطَبَّاخِهِ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فعابه أبوه على ذلك، فقال: يا أبت إن هذا يصحبني في العسر واليسر وَالْعَيْشِ الْخَشِنِ، وَاسْتَمَرَّ مَعِي فِي هَذَا الْحَالِ فأحسن صحبتي، وقد قال بعض الشعراء:
إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا * من كان يعتادهم فِي الْمَنْزِلِ الْخَشِنِ وَوَهَبَ يَوْمًا لِبَعْضِ الْأُدَبَاءِ عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ فَبَكَى الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ: مِمَّ تَبْكِي، أَسْتَقْلَلْتَهَا؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، وَلَكِنِّي أبكي أن الأرض تأكل مثلك، أو تُوَارِي مِثْلَكَ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْجَهْمِ عَنْ أبيه: أصبحت يوماً لا أملك شيئاً حتى وَلَا عَلَفَ الدَّابَّةِ.
فَقَصَدْتُ الْفَضْلَ بْنَ يَحْيَى، فَإِذَا هُوَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ دَارِ الْخِلَافَةِ فِي مَوْكِبٍ مِنَ النَّاس، فَلَمَّا رَآنِي رَحَّبَ بِي وَقَالَ: هَلُمَّ.
فَسِرْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ سَمِعَ غُلَامًا يَدْعُو جَارِيَةً مِنْ دار، وإذا هو يدعوها بَاسِمِ جَارِيَةٍ لَهُ يُحِبُّهَا، فَانْزَعَجَ لِذَلِكَ وَشَكَا إِلَيَّ مَا لَقِيَ مِنْ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَصَابَكَ ما أصاب أخي بَنِي عَامِرٍ حَيْثُ يَقُولُ: وَدَاعٍ دَعَا إِذْ نَحْنُ بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى * فَهَيَّجَ أَحْزَانَ الْفُؤَادِ ولا يدري دعا باسم ليلى غيرها وكأنما * أَطَارَ بِلَيْلَى طَائِرًا كَانَ فِي صَدْرِي فَقَالَ: اكْتُبْ لِي هَذَيْنَ الْبَيْتَيْنِ.
قَالَ: فَذَهَبْتُ إِلَى بَقَّالٍ فَرَهَنْتُ عِنْدَهُ خَاتِمِي عَلَى ثَمَنِ وَرَقَةٍ وَكَتَبْتُهُمَا لَهُ، فَأَخَذَهُمَا وَقَالَ: انْطَلِقْ رَاشِدًا.
فَرَجَعْتُ إِلَى مَنْزِلِي فَقَالَ لِي غُلَامِي: هَاتِ خَاتِمَكَ حَتَّى نَرْهَنَهُ عَلَى طَعَامٍ لَنَا وَعَلَفٍ لِلدَّابَّةِ، فَقُلْتُ: إِنِّي رَهَنْتُهُ.
فَمَا أَمْسَيْنَا حَتَّى أَرْسَلَ إلي الفضل بثلاثين ألفاً من الذهب، وعشرة آلاف من الورق، أجراه عليَّ كل شهر، وأسلفني شهراً.
ودخل على الفضل يوماً بَعْضُ الْأَكَابِرِ فَأَكْرَمَهُ الْفَضْلُ وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ، فَشَكَا إِلَيْهِ الرَّجُلُ دَيْنًا عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يُكَلِّمَ فِي ذَلِكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ: نعم، وكم دينك؟ قال ثلاثمائة ألف ردهم.
فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ مَهْمُومٌ لِضَعْفِ رَدِّهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ مَالَ إِلَى بَعْضِ إِخْوَانِهِ فَاسْتَرَاحَ عِنْدَهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَإِذَا الْمَالُ قد سبقه إلى داره.
وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ فِيهِ بَعْضُ الشُّعراء:
(1) في الفخري: كفى لك فخرا أن أكرم حرة.
(*)
لَكَ الْفَضْلُ يَا فَضْلُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ * وَمَا كُلُّ مَنْ يُدْعَى بِفَضْلٍ لَهُ فضل رَأَى اللَّهُ فَضْلًا مِنْكَ فِي النَّاسِ وَاسِعًا * فَسَمَّاكَ فَضْلًا فَالْتَقَى الِاسْمُ وَالْفِعْلُ
وَقَدْ كَانَ الفضل أكبر رتبة عند الرشيد من جعفر، وكان جعفر أَحْظَى عِنْدَ الرَّشِيدِ مِنْهُ وَأَخَصُّ.
وَقَدْ وَلِيَ الْفَضْلُ أَعْمَالًا كِبَارًا، مِنْهَا نِيَابَةُ خُرَاسَانَ وَغَيْرُهَا.
ولما قتل الرشيد البرامكة وحبسهم جلد الفضل هذا مائة سوط وخلَّده فِي الْحَبْسِ حَتَّى مَاتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، قبل الرشيد بشهور خمسة في الرقة وَصَلَّى عَلَيْهِ بِالْقَصْرِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ أُخْرِجَتْ جِنَازَتُهُ فَصَلَّى عَلَيْهَا النَّاسُ، وَدُفِنَ هُنَاكَ وَلَهُ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً، وَكَانَ سَبَبُ مَوْتِهِ ثِقَلٌ أَصَابَهُ فِي لِسَانِهِ اشْتَدَّ بِهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَتُوُفِّيَ قَبْلَ أَذَانِ الْغَدَاةِ مِنْ يَوْمِ السَّبْتِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ مائة، وقال ابن الجوزي: في سنة ثنتين وتسعين فالله أعلم.
وقد أطال بن خِلِّكَانَ تَرْجَمَتَهُ وَذَكَرَ طَرَفًا صَالِحًا مِنْ مَحَاسِنِهِ وَمَكَارِمِهِ، مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ بَلْخَ حِينَ كَانَ نَائِبًا عَلَى خُرَاسَانَ، وَكَانَ بِهَا بَيْتُ النَّار الَّتِي كَانَتْ تَعْبُدُهَا الْمَجُوسُ، وَقَدْ كَانَ جَدُّهُ بَرْمَكُ مِنْ خُدَّامِهَا، فَهَدَمَ بَعْضَهُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ هَدْمِهِ كُلِّهِ، لِقُوَّةِ إِحْكَامِهِ، وَبَنَى مَكَانَهُ مَسْجِدًا لِلَّهِ تَعَالَى.
وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يتمثل في السجن بهذه الأبيات ويبكي: إِلَى اللَّهِ فِيمَا نَالَنَا نَرْفَعُ الشَّكْوَى * فَفِي يَدِهِ كَشْفُ المضرَّة وَالْبَلْوَى خَرَجْنَا مِنَ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا * فَلَا نَحْنُ فِي الْأَمْوَاتِ فِيهَا وَلَا الْأَحْيَا إِذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمًا لجاجة * عَجِبْنَا وَقُلْنَا: جَاءَ هَذَا مِنَ الدُّنْيَا (1) وَمُحَمَّدُ بْنُ أُمَيَّةَ الشَّاعِرُ الْكَاتِبُ، وَهُوَ مِنْ بَيْتٍ كُلُّهُمْ شُعَرَاءُ، وَقَدِ اخْتَلَطَ أَشْعَارُ بَعْضِهِمْ فِي بعض.
ومنصور بن الزبرقان ابن سَلَمَةَ أَبُو الْفَضْلِ النُّمَيْرِيُّ الشَّاعِرُ، امْتَدَحَ الرَّشِيدَ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْجَزِيرَةِ وَأَقَامَ بِبَغْدَادَ وَيُقَالُ لِجَدِّهِ مطعم الكبش الرخم، وذلك أنه أضاف يوما فجعلت الرخم تحوم حَوْلَهُمْ، فَأَمَرَ بِكَبْشٍ يُذْبَحُ لِلرَّخَمِ حَتَّى لَا يتأذى بها ضيفانه، ففعل له ذلك.
فقال الشاعر فيه: أَبُوكَ زَعِيمُ بَنِي قَاسِطٍ * وَخَالُكَ ذُو الْكَبْشِ يغذي الرَّخَمَ وَلَهُ أَشْعَارٌ حَسَنَةٌ، وَكَانَ يَرْوِي عَنْ كُلْثُومِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ شَيْخَهُ الَّذِي أَخَذَ عنه الغناء.
(1) نسبها ابن خلكان لصالح بن عبد القدوس، وقيل إنها لعلي بن الخليل، وقال غيره هي لابي العتاهية.
(*)