الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الأصمعي: فقلت له: صدقت، أنت العاقل وهو المجنون.
وعبيدة بْنُ حُمَيْدِ بْنِ صُهَيْبٍ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ التميمي الْكُوفِيُّ، مُؤَدِّبُ الْأَمِينِ.
رَوَى عَنِ الْأَعْمَشِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.
وَكَانَ يُثْنِي عَلَيْهِ.
وفيها توفي:
يَحْيَى بْنُ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ أَبُو عَلِيٍّ الْوَزِيرُ وَالِدُ جَعْفَرٍ الْبَرْمَكِيُّ، ضَمَّ إِلَيْهِ الْمَهْدِيُّ وَلَدَهُ الرَّشِيدَ فَرَبَّاهُ، وَأَرْضَعَتْهُ امْرَأَتُهُ مَعَ
الْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى، فَلَمَّا وَلِيَ الرَّشِيدُ عَرَفَ لَهُ حقه، وكان يقول: قال أبي، قَالَ أَبِي.
وَفَوَّضَ إِلَيْهِ أُمُورَ الْخِلَافَةِ وَأَزِمَّتَهَا، وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى نُكِبَتِ الْبَرَامِكَةُ فَقَتَلَ جعفر وخلد أباه يحيى فِي الْحَبْسِ حَتَّى مَاتَ فِي هَذِهِ السَّنة.
وكان كريماً فصيحاً، ذا رأي سديد، يظهر مِنْ أُمُورِهِ خَيْرٌ وَصَلَاحٌ.
قَالَ يَوْمًا لِوَلَدِهِ: خذوا من كل شئ طَرَفًا، فَإِنَّ مَنْ جَهِلَ شَيْئًا عَادَاهُ.
وَقَالَ لِأَوْلَادِهِ: اكْتُبُوا أَحْسَنَ مَا تَسْمَعُونَ، وَاحْفَظُوا أَحْسَنَ مَا تَكْتُبُونَ، وَتُحَدَّثُوا بِأَحْسَنِ مَا تَحْفَظُونَ.
وَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ: إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا فَأَنْفِقُوا مِنْهَا فإنها لا تبقى، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَأَنْفِقُوا مِنْهَا فَإِنَّهَا لَا تَبْقَى، وَكَانَ إِذَا سَأَلَهُ سَائِلٌ فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ رَاكِبٌ أَقَلُّ مَا يَأْمُرُ لَهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فقال رَجُلٌ يَوْمًا: يَا سميَّ الْحَصُورِ (1) يَحْيَى * أُتِيحَتْ لَكَ مِنْ فَضْلِ رَبِّنَا جَنَّتَانِ كُلُّ مَنْ مَرَّ فِي الطَّرِيقِ عَلَيْكُمْ * فَلَهُ مِنْ نَوَالِكُمْ مائتان مائتا درهم لمثلي قليل * هي (2) للفارس العجلان فقال: صدقت.
وأمر فسبق بِهِ إِلَى الدَّارِ، فَلَمَّا رَجَعَ سَأَلَ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ قَدْ تَزَوَّجَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى أَهْلِهِ فَأَعْطَاهُ صَدَاقَهَا أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وعن دار أربعة آلاف، وعن الأمتعة أربعة آلاف.
وكلفه الدُّخُولِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَأَرْبَعَةَ آلَافٍ يَسْتَظْهِرُ بِهَا.
وجاء رجل يوماً فسأله شَيْئًا فَقَالَ: وَيْحَكْ لَقَدْ جِئْتَنِي فِي وَقْتٍ لا أملك فيه مالاً، وقد بَعَثَ إِلَيَّ صَاحِبٌ لِي يَطْلُبُ مِنِّي أَنْ يُهْدِيَ إِلَيَّ مَا أُحِبُّ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَبِيعَ جَارِيَةً لَكَ، وَأَنَّكَ قَدْ أُعْطِيتَ فِيهَا ثَلَاثَةَ آلَافِ دِينَارٍ، وَإِنِّي سَأَطْلُبُهَا فَلَا تَبِعْهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دينار.
فجاؤوني فبلغوا معي بالمساومة إلى عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَلَمَّا سَمِعْتُهَا ضَعُفُ قَلْبِي عن ردها، وأجبت إلى بيعها، فأخذها وأخذت العشرين ألف دينار.
فأهداها إلى يحيى، فَلَمَّا اجْتَمَعْتُ بِيَحْيَى قَالَ: بِكُمْ بِعْتَهَا؟ قُلْتُ: بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ.
قَالَ: إِنَّكَ لَخَسِيسٌ خُذْ جاريتك إليك وقد بعث إلى صاحب فَارِسَ يَطْلُبُ مِنِّي أَنْ أَسْتَهْدِيَهُ شَيْئًا، وَإِنِّي سَأَطْلُبُهَا مِنْهُ فَلَا تَبِعْهَا بِأَقَلِّ مِنْ خَمْسِينَ ألف دينار.
فجاؤوني فوصلوا في ثمنها إلى ثلاثين ألف دينار، فبعتها منهم.
فلما جئته لامني أيضا
(1) الحصور: الذي لم يتزوج، ويحيى المشار إليه هنا هو يحيى بن زكريا.
(2)
في وفيات الاعيان 6 / 223: هي منكم للقابس.
(*)
وَرَدَّهَا عليَّ، فَقُلْتُ: أُشْهِدُكَ أَنَّهَا حُرَّةٌ وَأَنِّي قد تزوجتها، وقلت: جارية قد أفادتني خمسين ألف دينار لا أفرط فيها بعد اليوم.
وَذَكَرَ الْخَطِيبُ أَنَّ الرَّشِيدَ طَلَبَ مِنْ مَنْصُورِ بْنِ زِيَادٍ عَشَرَةَ آلَافِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يكن عنده منها سوى ألف ألف درهم، فضاق ذرعاً، وقد توعده بالقتل وخراب الديار إن لم يحملها في يومه ذلك، فدخل علي يحيى بن خالد وذكر أَمْرَهُ فَأَطْلَقَ لَهُ خَمْسَةَ آلَافِ أَلْفٍ، وَاسْتَطْلَقَ لَهُ مِنَ ابْنِهِ الْفَضْلِ أَلْفَيْ أَلْفٍ، وَقَالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَشْتَرِيَ بِهَا ضَيْعَةً.
وَهَذِهِ ضَيْعَةٌ تُغِلُّ الشُّكْرَ وَتَبْقَى مَدَى الدَّهْرِ.
وَأَخَذَ لَهُ مِنَ ابْنِهِ جعفر ألف ألف، ومن جاريته دنانير عقداً اشتراه بمائة أَلْفِ دِينَارٍ، وَعِشْرُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَقَالَ لِلْمُتَرَسِّمِ عَلَيْهِ: قَدْ حَسَبْنَاهُ عَلَيْكَ بِأَلْفَيْ أَلْفٍ.
فَلَمَّا عُرِضَتِ الْأَمْوَالُ عَلَى الرَّشِيدِ رَدَّ الْعُقْدِ، وَكَانَ قَدْ وَهَبَهُ لِجَارِيَةِ يَحْيَى، فَلْمْ يَعُدْ فِيهِ بعد إذ وهبه.
وقال لَهُ بَعْضُ بَنِيهِ وَهُمْ فِي السِّجْنِ وَالْقُيُودِ: يَا أَبَتِ بَعْدَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالنِّعْمَةِ صِرْنَا إِلَى هَذَا الْحَالِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ دَعْوَةُ مَظْلُومٍ سَرَتْ بِلَيْلٍ وَنَحْنُ عَنْهَا غَافِلُونَ وَلَمْ يَغْفُلِ اللَّهُ عَنْهَا.
ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: رُبَّ قَوْمٍ قَدْ غَدَوْا فِي نِعْمَةٍ * زَمَنًا وَالدَّهْرُ رَيَّانُ غَدَقْ سَكَتَ الدَّهْرُ زَمَانًا عَنْهُمُ * ثُمَّ أَبْكَاهُمْ دَمًا حِينَ نَطَقْ وَقَدْ كَانَ يَحْيَى بن خالد هذا يُجْرِي عَلَى سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كُلَّ شَهْرٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَكَانَ سُفْيَانُ يَدْعُو لَهُ فِي سجوده يقول: اللهم إنه قد كفاني المؤنة وفرغني للعبادة فَاكْفِهِ أَمْرَ آخِرَتِهِ.
فَلَمَّا مَاتَ يَحْيَى رَآهُ بعض أصحابه فِي الْمَنَامِ فَقَالَ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي بِدُعَاءِ سُفْيَانَ.
وَقَدْ كَانَتْ وَفَاةُ يَحْيَى بْنِ خالد رحمه الله في الحبس في الرافقة لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ سَبْعِينَ سَنَةً، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ الْفَضْلُ، وَدُفِنَ عَلَى شَطِّ الْفُرَاتِ، وَقَدْ وُجِدَ فِي جَيْبِهِ رُقْعَةٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا بِخَطِّهِ: قَدْ تَقَدَّمَ الخصم والمدعا عَلَيْهِ بِالْأَثَرِ، وَالْحَاكِمُ الْحَكَمُ الْعَدْلُ الَّذِي لَا يجوز وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى بيِّنة.
فَحُمِلَتْ إِلَى الرَّشِيدِ فلما قرأها بكى يَوْمَهُ ذَلِكَ، وَبَقِيَ أَيَّامًا يُتَبَيَّنُ الْأَسَى فِي وَجْهِهِ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فِي يَحْيَى بن خالد:
سَأَلْتُ النَّدَا هَلْ أَنْتَ حُرٌّ فَقَالَ لَا * وَلَكِنَّنِي عَبْدٌ لِيَحْيَى بْنِ خَالِدِ فَقُلْتُ شِرَاءً قال لا بل وراثة * توارث رقي والد بعد والد (1)
(1) ذكرهما صاحب شذرات الذهب ونسبهما لكلثوم العتابي باختلاف: 1 / 327: سألت الندى والجود حران أنتما؟ * فقالا: كلانا عبد يحيى بن خالد فقلت: شراء ذلك الملك قال لا * ولكن ارثا والدا بعد والد (*)