الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتنكسر ثُمَّ قَاتَلَهُ حُمَيْدُ بْنُ قَحْطَبَةَ نَائِبُ الْجَزِيرَةِ، فَهَزَمَهُ ملبَّد وَتَحَصَّنَ مِنْهُ حُمَيْدٌ فِي بَعْضِ الْحُصُونِ ثُمَّ صَالَحَهُ حُمَيْدُ بْنُ قَحْطَبَةَ عَلَى مائة ألف فدفعها إليه وقبلها ملبَّد وتقلع عَنْهُ.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَمُّ الْخَلِيفَةِ إِسْمَاعِيلُ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ.
وَكَانَ نَائِبَ الْمَوْصِلِ - يعني عم المنصور - وَعَلَى نِيَابَةِ الْكُوفَةِ عِيسَى بْنُ مُوسَى، وَعَلَى الْبَصْرَةِ سُلَيْمَانُ بْنُ عَلِيٍّ، وَعَلَى الْجَزِيرَةِ حُمَيْدُ بْنُ قَحْطَبَةَ، وَعَلَى مِصْرَ صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ، وعلي خراسان أبو داود إبراهيم بن خالد، وَعَلَى الْحِجَازِ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (1) .
وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ صَائِفَةٌ لِشُغْلِ الخليفة بسنباذ وغيره.
ومن مشاهير من توفي فيها
أبو مسلم الخراساني كما تقدم، ويزيد بن أبي زياد أحد من تُكلِّم فيه كما ذكرناه في التَّكْمِيلِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ فِيهَا دَخَلَ قُسْطَنْطِينُ مَلِكُ الرُّومِ مَلَطِيَةَ عَنْوَةً فَهَدَمَ سُورَهَا وَعَفَا عَمَّنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ مُقَاتِلِيهَا
.
وَفِيهَا غَزَا الصَّائِفَةَ صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ نَائِبُ مِصْرَ، فَبَنَى مَا كان هدم مَلِكُ الرُّومِ مِنْ سُوَرِ مَلَطْيَةَ، وَأَطْلَقَ لِأَخِيهِ عِيسَى بْنِ عَلِيٍّ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَكَذَلِكَ أَعْطَى لِابْنِ أَخِيهِ العبَّاس بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ.
وَفِيهَا بَايَعَ عَبْدُ الله بن علي الذي كسره أبو مسلم وَانْهَزَمَ إِلَى الْبَصْرَةِ وَاسْتَجَارَ بِأَخِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ، حَتَّى بَايَعَ لِلْخَلِيفَةِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَرَجَعَ إِلَى طَاعَتِهِ.
وَلَكِنْ حُبِسَ فِي سِجْنِ بَغْدَادَ كَمَا سَيَأْتِي.
وَفِيهَا خَلَعَ جَهْوَرُ بْنُ مرار العجلي الخليفة المنصور بعدما كسر سنباذ (2) واستحوذ على حواصله وعلى أَمْوَالِ أَبِي مُسْلِمٍ، فَقَوِيَتْ نَفْسُهُ بِذَلِكَ وَظَنَّ أنه لا يقدر عليه بعد، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ الْخُزَاعِيَّ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَهُزِمَ جهور وقتل عامة من معه، وَأُخِذَ مَا كَانَ مَعَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْحَوَاصِلِ والذخائر، ثُمَّ لَحِقُوهُ فَقَتَلُوهُ.
وَفِيهَا قُتِلَ الْمُلَبَّدُ الْخَارِجِيُّ عَلَى يَدَيْ خَازِمِ بْنِ
خُزَيْمَةَ فِي ثَمَانِيَةِ آلَافٍ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ الْمُلَبَّدِ مَا يَزِيدُ على ألف وانهزم بقيتهم.
قال الواقدي: وحج بالناس فيها الفضل بن علي، والنواب فيها هم المذكورون بالتي قبلها.
وممن توفي فيها
من الأعيان زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ، وَالْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وليث بن أَبِي سُلَيْمٍ فِي قَوْلٍ.
وَفِيهَا كَانَتْ خِلَافَةُ (3) الداخل من بني أمية إلى بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ الهاشمي.
قلت: ليس هو بهاشمي إنما هو من بني أمية ويسمى أمويا،
(1) في الطبري وابن الاثير: زياد على المدينة، وعلى مكة العباس بن عبد الله بن معبد ومات خلال الموسم فضم اسماعيل عمله إلى زياد.
(2)
في مروج الذهب 3 / 360: بسنفاد.
(3)
في الطبري 9 / 171: روى خبر خلافته في حوادث سنة 139.
(*)
عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ.
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي عِنْدَ انْقِطَاعٍ مِنَ الزَّمَانِ وَظُهُورٍ مِنَ الْفِتَنِ، يُقَالُ لَهُ السَّفاح، يُعْطِي الْمَالَ حَثْيًا "(1) .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا الثَّوريّ، عَنْ خَالِدٍ الحذَّاء، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يَقْتَتِلُ عند حرتكم هَذِهِ ثَلَاثَةٌ كلَّهم وَلَدُ خَلِيفَةٍ لَا تَصِيرُ إلا واحد منهم، ثمَّ تقبل الرايات مِنْ خُرَاسَانَ فَيَقْتُلُونَكُمْ مَقْتَلَةً لَمْ يُرَ مِثْلُهَا.
ثم ذكر شيئاً فإذا كان كذلك فَأْتُوهُ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلج، فإنَّه خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ " (2) .
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ ثَوْبَانَ فَوَقَفَهُ وَهُوَ أَشْبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَا: ثنا راشد بْنُ سَعْدٍ، حدَّثني يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ هُوَ ابْنُ ذُؤَيْبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" يَخْرُجُ مِنْ خراسان رايات سود لا يردها شئ حتى تنصب بأيليا "(3) .
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلائل مِنْ حَدِيثِ راشد بْنِ سَعْدٍ الْمِصْرِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
ثُمَّ قَالَ: قد روي قريباً مِنْ هَذَا عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَهُوَ أَشْبَهُ.
ثم رواه عن كعب أيضاً قَالَ: " تَظْهَرُ رَايَاتٌ سُودٌ لِبَنِي العبَّاس حَتَّى يَنْزِلُوا الشَّامَ، وَيَقْتُلُ اللَّهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ كُلَّ جبَّار وعدو لهم ".
وروى إبراهيم بن الحسين، عَنِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذؤيب،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحمن الْعَامِرِيِّ، عَنْ سَهْلٍ (4) عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ للعبَّاس: " فيكم النُّبوة وفيكم المملكة ".
وروى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: عَنِ ابْنِ مَعِينٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي قُرَّةَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِي قُبَيْلٍ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ مَوْلَى العبَّاس قَالَ سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: " انْظُرْ هَلْ تَرَى فِي السَّماء من شئ؟ قُلْتُ: نَعَمْ! قَالَ: مَا تَرَى؟ قُلْتُ: الثُّريا، قَالَ: أَمَا إنَّه سَيَمْلِكُ هَذِهِ الأمَّة بِعَدَدِهَا مِنْ صُلْبِكَ ".
قَالَ الْبُخَارِيُّ: عُبَيْدُ بْنُ أَبِي قُرَّةَ لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ.
وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَجَّاجُ بْنُ تَمِيمٍ، عَنْ مَيْمُونٍ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ جِبْرِيلُ وَأَنَا أَظُنُّهُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ، فَقَالَ جِبْرِيلُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّه لَوَسِخُ الثِّياب، وَسَيَلْبِسُ وَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ السَّوَادَ "(5) .
وَهَذَا مُنْكَرٌ من هذا
(1) المصدر السابق.
(2)
أخرجه ابن ماجه في سننه 2 / 1367 وفيه: الرايات السود.
والحديث في اسناده أبي قلابة الرقاشي الضرير واسمه عبد اللك بن محمد بن عبد الله الرقاشي كان يحدث من حفظه فكثرت الاوهام في حديثه.
وقال الدارقطني: صدوق (التهذيب 6 / 419) .
(3)
أخرجه أحمد في مسنده 2 / 365.
والترمذي في الفتن 4 / 531 وفيه رشدين بن سعد المهري المصري قالوا فيه: ليس بشئ (قاله ابن معين) وقال أبو زرعة: ضعيف.
وقال النَّسائي: متروك وقال ابن حبان: يقلب المناكير في أخباره على مستقيم حديثه.
وانظر دلائل النبُّوة للبيهقي ج 6 / 516 - 517.
(4)
في البيهقي: سهيل وهو سهيل بن أبي صالح.
(5)
دلائل البيهقي 6 / 518.
(*)
الوجه، ولا شكَّ أنَّ بني العباس كان السواد من شعارهم، أخذوا ذَلِكَ مِنْ دُخُولِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ عمامة سوداء، فأخذوا بذلك وجعلوه شعارهم في الأعياد والجمع وَالْمَحَافِلِ.
وَكَذَلِكَ كَانَ جُنْدُهُمْ لَا بدَّ أَنْ يكون على أحدهم شئ من السواد، ومن ذلك الشربوش الذي يلبسه
الأمراء إذا خلع عليهم.
وكذلك دخل عبد الله بن علي دمشق يوم دخلها وعليه السواد، فجعل النساء والغلمان يَعْجَبُونَ مِنْ لِبَاسِهِ، وَكَانَ دُخُولُهُ مِنْ بَابِ كيسان.
وقد خطب النَّاس يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَصَلَّى بِهِمْ وَعَلَيْهِ السَّوَادُ.
وَقَدْ روى ابن عساكر عن بعض الخراسانية قال: لما صلى عبد الله بن علي بالناس يوم الجمعة صلى إلى جانبي رجل فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، انظروا إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ مَا أَقْبَحَ وجهه وأشنع سواده؟ ! وشعارهم إلى يومك هذا كما تراه على الخطباء يوم الجمعة والأعياد.
استقرار أبي العباس السفاح واستقلاله بالخلافة وَمَا اعْتَمَدَهُ فِي أَيَّامِهِ مِنَ السِّيرَةِ الْحَسَنَةِ قد تقدم أنه أول ما بويع به بالخلافة بِالْكُوفَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَقِيلَ الْأَوَّلُ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، سَنَةَ ثنتين وثلاثين ومائة، ثم جرد الجيوش إلى مروان فطردوه عن المملكة وأجلوه عنها، وما زالوا خلفه حتى قتلوه ببوصير من بلاد الصعيد، بأرض مصر، فِي الْعُشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هذه السنة على ما تقدم بيانه، وحينئذ استقل السفاح بالخلافة وَاسْتَقَرَّتْ يَدُهُ عَلَى بِلَادِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَالْحِجَازِ والشام والديار المصرية، خلا بلاد الأندلس، فإنه لم يحكم عليها ولا وصل سلطانه إليها، وذلك أن بعض من دخلها من بني أمية استحوذ عليها وملكها كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
وَقَدْ خَرَجَ عَلَى السَّفَّاحِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ طَوَائِفُ، فَمِنْهُمْ أَهْلُ قِنَّسْرِينَ بعد ما بايعوه على يدي عمَّه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَقَرَّ عَلَيْهِمْ أَمِيرُهُمْ مَجْزَأَةُ بْنُ الْكَوْثَرِ بْنِ زُفَرَ بْنِ الْحَارِثِ الْكِلَابِيُّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ مَرْوَانَ وَأُمَرَائِهِ، فَخَلَعَ السَّفَّاحَ وَلَبِسَ الْبَيَاضَ، وَحَمَلَ أَهْلَ الْبَلَدِ عَلَى ذَلِكَ فَوَافَقُوهُ، وَكَانَ السَّفَّاحُ يَوْمَئِذٍ بِالْحِيرَةِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ مَشْغُولٌ بِالْبَلْقَاءِ يُقَاتِلُ بِهَا حبيب بن مرة المزي وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَلْقَاءِ وَالْبَثَنِيَّةِ وَحَوْرَانَ على خلع السفاح، فَلَمَّا بَلَغَهُ عَنْ أَهْلِ قِنَّسْرِينَ مَا فَعَلُوا صالح حبيب بن مرة وسار نَحْوَ قِنَّسْرِينَ، فَلَمَّا اجْتَازَ بِدِمَشْقَ - وَكَانَ بِهَا أَهْلُهُ وَثِقَلُهُ - اسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا أَبَا غَانِمٍ عَبْدَ الحميد بن ربعي الكناني (1) فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَلَمَّا جَاوَزَ الْبَلَدَ وَانْتَهَى إِلَى حِمْصَ، نَهَضَ أَهْلُ دِمَشْقَ مَعَ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ سراقة فخلعوا السفاح وبيضوا وقتلوا الأمير أبا غانم وَقَتَلُوا جَمَاعَةً مِنْ
أَصْحَابِهِ وَانْتَهَبُوا ثِقَلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ وَحَوَاصِلِهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِأَهْلِهِ.
وتفاقم الأمر علي عبد الله وذلك
(1) في الطبري 9 / 138 وابن الاثير 5 / 433: الطائي.
(*)
أَنَّ أَهْلَ قِنَّسْرِينَ تَرَاسَلُوا مَعَ أَهْلِ حِمْصَ وتزمروا وَاجْتَمَعُوا عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ السُّفْيَانِيِّ، وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ معاوية بن أبي سفيان، فبايعوه بِالْخِلَافَةِ وَقَامَ مَعَهُ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا فَقَصَدَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ فَالْتَقَوْا بِمَرْجِ الأخرم، فَاقْتَتَلُوا مَعَ مُقَدِّمَةِ السُّفْيَانِيِّ وَعَلَيْهَا أَبُو الْوَرْدِ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا وَهَزَمُوا عَبْدَ الصَّمَدِ وَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ أُلُوفٌ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بن علي ومعه حميد بن قحطبة فاقتتلوا قتالاً شديداً جداً، وَجَعَلَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ يَفِرُّونَ وَهُوَ ثَابِتٌ وهو حميد.
وَمَا زَالَ حَتَّى هُزِمَ أَصْحَابُ أَبِي الْوَرْدِ، وثبت أبو الورد في خمسمائة فارس مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَقَوْمِهِ، فَقُتِلُوا جَمِيعًا وَهَرَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ السُّفْيَانِيُّ وَمَنْ مَعَهُ حَتَّى لَحِقُوا بِتَدْمُرَ، وَآمَنَ عَبْدُ اللَّهِ أَهْلَ قِنَّسْرِينَ وَسَوَّدُوا وبايعوه ورجعوا إلى الطاعة، ثم كر عبد الله راجعاً إلى دِمَشْقَ وَقَدْ بَلَغَهُ مَا صَنَعُوا، فَلَمَّا دَنَا منها تفرقوا عنها ولم يكن منهم قتال فأمنهم ودخلوا في الطاعة.
وَأَمَّا أَبُو مُحَمَّدٍ السُّفْيَانِيُّ فَإِنَّهُ مَا زَالَ مضيعاً ومشتتاً حَتَّى لَحِقَ بِأَرْضِ الْحِجَازِ فَقَاتَلَهُ نَائِبُ أَبِي جعفر المنصور في أيام المنصور (1) ، فَقَتَلَهُ وَبَعَثَ بِرَأْسِهِ وَبِابْنَيْنِ لَهُ أَخَذَهُمَا أَسِيرَيْنِ فأطلقهما المنصور في أيامه.
وقد قيل إن وقعة السفياني يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سنة ثنتين وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وممَّن خَلَعَ السَّفَّاحَ أَيْضًا أَهْلُ الْجَزِيرَةِ حِينَ بَلَغَهُمْ أَنَّ أَهْلَ قنسرين خلعوا، فوافقوهم وَبَيَّضُوا وَرَكِبُوا إِلَى نَائِبِ حَرَّانَ مِنْ جِهَةِ السَّفَّاحِ - وَهُوَ مُوسَى بْنُ كَعْبٍ - وَكَانَ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ قَدِ اعْتَصَمَ بِالْبَلَدِ، فَحَاصَرُوهُ قَرِيبًا مِنْ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ بَعَثَ السَّفَّاحُ أَخَاهُ أَبَا جَعْفَرٍ الْمَنْصُورَ فِيمَنْ كَانَ بِوَاسِطَ مُحَاصِرِي ابْنِ هُبَيْرَةَ، فَمَرَّ فِي مِسِيرِهِ إِلَى حَرَّانَ بِقَرْقِيسِيَا وَقَدْ بَيَّضُوا فَغَلَّقُوا أَبْوَابَهَا دُونَهُ، ثُمَّ مَرَّ بِالرَّقَّةِ وَعَلَيْهَا بِكَّارُ بْنُ مُسْلِمٍ (2) وَهُمْ كَذَلِكَ، ثم بحاجر وَعَلَيْهَا إِسْحَاقُ بْنُ مُسْلِمٍ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ يُحَاصِرُونَهَا فَرَحَلَ إِسْحَاقُ عَنْهَا إِلَى الرُّهَا، وَخَرَجَ مُوسَى بْنُ كَعْبٍ فِيمَنْ مَعَهُ من جند حران فتلقاه المنصور وَدَخَلُوا فِي جَيْشِهِ، وَقَدِمَ بَكَّارُ بْنُ مُسْلِمٍ عَلَى أَخِيهِ إِسْحَاقَ بْنِ مُسْلِمٍ بِالرُّهَا فَوَجَّهَهُ إِلَى جَمَاعَةِ
رَبِيعَةَ بَدَارَا وَمَارِدِينَ، وَرَئِيسُهُمْ حَرُورِيٌّ يقال له بريكة، فصارا حِزْبًا وَاحِدًا، فَقَصَدَ إِلَيْهِمْ أَبُو جَعْفَرٍ فَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، فَقَتَلَ بَرِيكَةَ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَهَرَبَ بَكَّارٌ إِلَى أَخِيهِ بِالرُّهَا، فَاسْتَخْلَفَهُ بِهَا وَمَضَى بمعظم العسكر [حتى نزل] سميساط وخندق عَلَى عَسْكَرِهِ، وَأَقْبَلَ أَبُو جَعْفَرٍ فَحَاصَرَ بَكَّارًا بالرها، وجرت له معه وقعات.
ر؟ ب السَّفَّاحُ إِلَى عمَّه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ إنَّ يَسِيرَ إِلَى سُمَيْسَاطَ وَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَى إِسْحَاقَ بْنِ مُسْلِمٍ سِتُّونَ أَلْفًا مِنْ أَهْلِ الجزيرة، فسار إليهم عبد الله وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ، فَكَاتَبَهُمْ إِسْحَاقُ وَطَلَبَ مِنْهُمُ الْأَمَانَ فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ، عَلَى إذن أمير المؤمنين.
وولى السفاح أخاه أبا جعفر المنصور الْجَزِيرَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ وَإِرْمِينِيَّةَ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَيْهَا حَتَّى أفضت إليه الخلافة بعد أخيه، ويقال
(1) وهو زياد بن عبيد الله الحارثي.
(2)
في ابن الاثير 5 / 435: سلم، ورد كذلك في الخبر.
(*)
إِنَّ إِسْحَاقَ بْنَ مُسْلِمٍ الْعَقِيلِيَّ إِنَّمَا طَلَبَ الأمان لما تحقق أن مروان قد قُتِلَ، وَذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ وَهُوَ مُحَاصَرٌ، وَقَدْ كَانَ صَاحِبًا لِأَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ فَآمَنَهُ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ ذَهَبَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ عَنْ أَمْرِ أَخِيهِ السَّفَّاحِ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَهُوَ أَمِيرُهَا، لِيَسْتَطْلِعَ رَأْيَهُ فِي قتل أبي سلمة، لأنه كان يريد أن يصرف الخلافة عنهم، فيسأله هل ذلك كان عن ممالأة أبي مسلم لأبي سلمة فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَقَالَ السَّفَّاحُ: لَئِنْ كَانَ هَذَا عَنْ رَأْيِهِ إِنَّا لَبعَرَ (1) بلاء عظيم، إِلَّا أَنْ يَدْفَعَهُ اللَّهُ عَنَّا.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَقَالَ لِي أَخِي: مَا تَرَى؟ فَقُلْتُ: الرأي رأيك.
فقال: أنه لَيْسَ أَحَدٌ أَخَصُّ بِأَبِي مُسْلِمٍ مِنْكَ، فَاذْهَبْ إليه فاعلم لي عِلْمَهُ، فَإِنْ كَانَ عَنْ رَأْيِهِ احْتَلْنَا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ رَأْيِهِ طَابَتْ أَنْفُسُنَا.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ قَاصِدًا عَلَى وجل.
قال المنصور: فَلَمَّا وَصَلْتُ إِلَى الرَّيِّ إِذَا كِتَابُ أَبِي مسلم إلى نائبها يستحثني إليه في المسير، فَازْدَدْتُ وَجَلًا، فلمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى نَيْسَابُورَ إِذَا كِتَابُهُ يَسْتَحِثُّنِي أَيْضًا وَقَالَ لِنَائِبِهَا: لَا تَدْعْهُ يقر سَاعَةً وَاحِدَةً.
فَإِنَّ أَرْضَكَ بِهَا خَوَارِجُ، فَانْشَرَحْتُ لِذَلِكَ فَلَمَّا صِرْتُ مِنْ مَرْوَ عَلَى فَرْسَخَيْنِ، خرج يتلقاني ومعه الناس، فلما واجهني ترجل فَقَبَّلَ يَدِي، فَأَمَرْتُهُ فَرَكِبَ.
فَلَمَّا دَخَلْتُ مَرْوَ نزلت في داره فمكث ثلاثاً لا يسألني في
أي شئ جئت، فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ سَأَلَنِي مَا أقدمك؟ فأخبرته بالأمر.
فَقَالَ: أَفْعَلَهَا أَبُو سَلَمَةَ؟ أَنَا أَكْفِيكُمُوهُ.
فَدَعَا مرَّار بْنَ أَنَسٍ الضَّبِّيَّ فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى الْكُوفَةِ فَحَيْثُ لَقِيتَ أَبَا سَلَمَةَ فَاقْتُلْهُ، وَانْتَهِ فِي ذَلِكَ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ.
فَقَدِمَ مرَّار الْكُوفَةَ الْهَاشِمِيَّةَ، وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ يَسْمُرُ عِنْدَ السَّفَّاحِ، فَلَمَّا خَرَجَ قَتَلَهُ مرِّار وَشَاعَ أَنَّ الْخَوَارِجَ قَتَلُوهُ، وَغُلِّقَتِ الْبَلَدُ.
ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَخُو أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَدُفِنَ بِالْهَاشِمِيَّةِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ وَزِيرُ آلِ مُحَمَّدٍ.
وَيُقَالُ لِأَبِي مُسْلِمٍ أَمِيرُ آلِ محمد.
قَالَ الشَّاعر (2) .
إنْ الْوَزِيرَ وَزِيرَ آلِ مُحَمَّدِ * أودى فمن يشناك كان وزيرا ويقال إن أبا جعفر إنما سار إلى أبي مسلم بعد قتل أبي سلمة وكان معه ثلاثون رجلاً على البريد، مِنْهُمُ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ الْفَضْلِ الهاشمي، وجماعة مِنَ السَّادَاتِ.
وَلَمَّا رَجَعَ أَبُو جَعْفَرٍ مِنْ خراسان قال لأخيه: لَسْتَ بِخَلِيفَةٍ مَا دَامَ أَبُو مُسْلِمٍ حَيًّا حتى تقتله، لما رأى من طاعة العساكر له، فقال له السفاح: اكتمها فسكت.
ثم إن السفاح بعث أخاه أبا جعفر إلى قتال ابْنِ هُبَيْرَةَ بِوَاسِطَ، فَلَمَّا اجْتَازَ بِالْحَسَنِ بْنِ قَحْطَبَةَ أَخَذَهَ مَعَهُ، فَلَمَّا أُحِيطَ بِابْنِ هُبَيْرَةَ كَتَبَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ لِيُبَايِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ جَوَابَهُ، فَمَالَ إِلَى مُصَالَحَةِ أَبِي جَعْفَرٍ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو جعفر أخاه السفاح في ذلك فأذن
(1) في الطبري 9 / 140: ليعرض، وفي ابن الاثير 5 / 437: لنعرفن.
(2)
وهو سليمان بن المهاجر البجلي، وقبله في مروج الذهب: إن المساءة قد تسر وربما * كان السرور بما كرهت جديرا (*)
لَهُ فِي الْمُصَالَحَةِ (1) ، فَكَتَبَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ كِتَابًا بِالصُّلْحِ (2) ، فَمَكَثَ ابْنُ هُبَيْرَةَ يُشَاوِرُ فِيهِ الْعُلَمَاءَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا.
ثمَّ خَرَجَ يَزِيدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ هُبَيْرَةَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ فِي أَلْفٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ مِنَ الْبُخَارِيَّةِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ سُرَادِقِ أَبِي جَعْفَرٍ همَّ أَنْ يَدْخُلَ بِفَرَسِهِ فَقَالَ الْحَاجِبُ سَلَّامٌ: انْزِلْ أَبَا خَالِدٍ.
فَنَزَلَ.
وَكَانَ حَوْلَ السُّرَادِقِ عَشَرَةُ آلَافٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ فَقَالَ: أَنَا وَمَنْ مَعِي؟ قَالَ: لَا بَلْ أَنْتَ وَحْدَكَ، فَدَخَلَ وَوُضِعَتْ لَهُ وِسَادَةٌ فَجَلَسَ عَلَيْهَا، فَحَادَثَهُ أَبُو جَعْفَرٍ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَأَتْبَعَهُ أَبُو
جَعْفَرٍ بَصَرَهُ، ثُمَّ جَعَلَ يَأْتِيهِ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ فِي خَمْسِمِائَةِ فَارِسٍ وَثَلَاثِمِائَةِ رَاجِلٍ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ لِلْحَاجِبِ: مُرْهُ فَلْيَأْتِ فِي حَاشِيَتِهِ، فَكَانَ يَأْتِي فِي ثَلَاثِينَ نَفْسًا، فَقَالَ الحاجب: كأنك تأتي متأهباً (3) ؟ فقال: لو أمرتموني بالمشي لمشيت إليكم، ثم كان يأتي فِي ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ.
وَقَدْ خَاطَبَ ابْنُ هُبَيْرَةَ يَوْمًا لِأَبِي جَعْفَرٍ فَقَالَ لَهُ فِي غُبُونِ كَلَامِهِ: يَا هَنَاهُ - أَوْ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ - ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ لِسَانُهُ إِلَى ذَلِكَ، فَأَعْذَرَهُ.
وَقَدْ كَانَ السَّفَّاحُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ يَسْتَشِيرُهُ فِي مُصَالَحَةِ ابْنِ هُبَيْرَةَ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَكَانَ السَّفَّاحُ لا يقطع أمراً دونه، فَلَمَّا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى يَدَيْ أَبِي جَعْفَرٍ لم يحب السفاح ذلك ولم يعجبه، وَكَتَبَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ يَأْمُرُهُ بِقَتْلِهِ، فَرَاجَعَهُ أبو جعفر مراراً لا يفيده ذلك شيئاً، حتى جاء كتاب السفاح أن أقتله لا محالة، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ كيف يعطي الأمان وينكث؟ هذا فعل الجبابرة.
وَأَقْسَمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبُو جعفر طائفة من الخراسانية فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ ابْنُهُ دَاوُدُ وَفِي حِجْرِهِ صبي صَغِيرٌ، وَحَوْلُهُ مَوَالِيهِ وَحَاجِبُهُ، فَدَافَعَ عَنْهُ ابْنُهُ حَتَّى قُتِلَ وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنْ مَوَالِيهِ، وَخَلَصُوا إِلَيْهِ، فَأَلْقَى الصَّبِيَّ مِنْ حِجْرِهِ وخرَّ سَاجِدًا فَقُتِلَ وَهُوَ سَاجِدٌ، وَاضْطَرَبَ النَّاسُ، فَنَادَى أَبُو جعفر في الناس بالأمان إلا (4) عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ بِشْرٍ وَخَالِدَ بْنَ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيَّ وَعُمَرَ (5) بْنَ ذَرٍّ.
فَسَكَنَ النَّاسُ ثُمَّ استؤمن لبعض هؤلاء وقتل بعضاً.
وفي هذه السنة بعث أبو مسلم الخراساني مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ إِلَى فَارِسَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يأخذ عمال أبي سلمة الخلال فَيَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَفَعَلَ ذَلِكَ.
وَفِيهَا وَلَّى السَّفَّاحُ أَخَاهُ يَحْيَى بْنَ مُحَمَّدٍ الْمَوْصِلَ وَأَعْمَالَهَا، وَوَلَّى عمه داود مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وَالْيَمَنَ وَالْيَمَامَةَ، وَعَزَلَهُ عَنِ الْكُوفَةِ وولى مكانه عليها عيسى بن موسى، وولى قَضَاءَهَا ابْنَ أَبِي لَيْلَى، وَكَانَ عَلَى نِيَابَةِ البصرة سفيان بن معاوية المهلبي، وعلى
(1) في الاخبار الطوال ص 373: فكتب أبو العباس - ردا على كتاب أبي جعفر - لا حكم لابن هبيرة عندي إلا السيف.
فكتم أبو جعفر الكتاب عن جميع الناس.
(2)
نسخة كتاب الصلح في الامامة والسياسة 2 / 152.
(3)
في الطبري 9 / 145: مباهيا.
(4)
في الطبري وابن الاثير والاخبار الطوال: إِلَّا الْحَكَمَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ بِشْرٍ وفي الامامة والسياسة 2 / 157
الحكم بن عبد الله بن بشر.
(2)
(5) الاخبار الطوال ص 357: محمد بن ذر.
وفي الامامة والسياسة: عمرو بن ذر ولم يذكر خالدا.
(*)