الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خدمته إلى طريق الحج حين خرج، ووكل الْمُتَوَكِّلُ الْحِجَابَةَ لِوَصِيفٍ الْخَادِمِ عِوَضًا عَنْ إِيتَاخَ.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ أَمِيرُ مَكَّةَ وَهُوَ أَمِيرُ الْحَجِيجِ مِنْ سِنِينَ مُتَقَدِّمَةٍ.
وفيها توفي
أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ.
وَسُلَيْمَانُ بْنُ داود الشاركوني أَحَدُ الْحُفَّاظِ.
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ.
وَأَبُو رَبِيعٍ الزَّهْرَانِيُّ (1) .
وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَدِينِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِي صِنَاعَةِ الْحَدِيثِ.
وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ (2) .
ومحمد بن أبي بكر المقدمي.
والمعافا الرسيعني.
ويحيى بن يحيى الليثي راوي الموطأ عن مالك.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْهَا كَانَ هَلَاكُ إِيتَاخَ فِي السِّجْنِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رَجَعَ مِنَ الْحَجِّ فَتَلَقَّتْهُ هدايا الخليفة، فلما اقترب يريد دخول سامرا التي فيها المتوكل بَعَثَ إِلَيْهِ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَائِبُ بَغْدَادَ عَنْ أَمْرِ الْخَلِيفَةِ يَسْتَدْعِيهِ إِلَيْهَا لِيَتَلَقَّاهُ وُجُوهُ النَّاسِ وَبَنِي هَاشِمٍ، فَدَخَلَهَا فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ابْنَيْهِ مُظَفَّرٍ وَمَنْصُورٍ وَكَاتِبَيْهِ سُلَيْمَانَ بْنِ وَهْبٍ وَقُدَامَةَ بْنِ زِيَادٍ النَّصْرَانِيِّ فَأَسْلَمَ تَحْتَ الْعُقُوبَةِ، وَكَانَ هَلَاكُ إِيتَاخَ بِالْعَطَشِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَكَلَ أَكْلًا كثيراً بعد جوع شديد ثم استسقى الْمَاءَ فَلَمْ يُسْقَ حَتَّى مَاتَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ لِخَمْسٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْهَا
.
وَمَكَثَ وَلَدَاهُ فِي السِّجْنِ مُدَّةَ خِلَافَةِ الْمُتَوَكِّلِ، فَلَمَّا وَلِي الْمُنْتَصِرُ وَلَدُ الْمُتَوَكِّلِ أَخْرَجَهُمَا.
وَفِي شَوَّالٍ مِنْهَا قَدِمَ بُغَا سَامَرَّا وَمَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْبُعَيْثِ وَأَخَوَاهُ صَقْرٌ وَخَالِدٌ، وَنَائِبُهُ الْعَلَاءُ وَمَعَهُمْ من رؤوس أَصْحَابِهِ نَحْوٌ مَنْ مِائَةٍ وَثَمَانِينَ إِنْسَانًا فَأُدْخِلُوا عَلَى الْجِمَالِ لِيَرَاهُمُ النَّاسُ، فَلَمَّا أُوقِفَ ابْنُ الْبُعَيْثِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُتَوَكِّلِ أَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ،
فَأُحْضِرَ السَّيْفُ وَالنِّطْعُ فَجَاءَ السَّيَّافُونَ فَوَقَفُوا حَوْلَهُ، فَقَالَ لَهُ الْمُتَوَكِّلُ: وَيْلَكَ مَا دَعَاكَ إِلَى مَا فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: الشِّقْوَةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنْتَ الْحَبْلُ الْمَمْدُودُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، وَإِنَّ لِي فِيكَ لَظَنَّيْنِ أَسْبَقُهُمَا إِلَى قَلْبِي أَوْلَاهُمَا بِكَ، وَهُوَ الْعَفْوُ.
ثُمَّ انْدَفَعَ يَقُولُ بَدِيهَةً: أَبَى النَّاسُ إِلَّا أَنَّكَ الْيَوْمَ قَاتِلِي * إِمَامَ الْهُدَى وَالصَّفْحُ بِالْمَرْءِ أَجْمَلُ وَهَلْ أَنَا إلا جبلة من خطيئة * وَعَفْوُكَ مِنْ نُورِ النُّبُوَّةِ يُجْبَلُ فَإِنَّكَ خَيْرُ السابقين إلى العلى * وَلَا شكَّ أنَّ خَيْرَ الْفَعَالَيْنِ تَفْعَلُ فَقَالَ الْمُتَوَكِّلُ: إِنَّ مَعَهُ لَأَدَبًا.
ثُمَّ عَفَا عَنْهُ.
ويقال بل شفع فيه المعتز بن المتوكل فشفعه، ويقال بل أودع في السجن في قيوده فَلَمْ يَزَلْ فِيهِ حَتَّى هَرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ، وقد قال حين هرب:
(1) وهو سليمان بن داود العتكي، البصري نزيل بغداد ثقة لم يتكلم فيه أحد بحجة.
(2)
أبو عبد الرحمن الهمذاني الكوفي أحد الائمة جمع العلم والسنة والزهد.
(*)
كَمْ قَدْ قَضَيْتُ أُمُورًا كَانَ أَهْمَلَهَا * غَيْرِي وَقَدْ أَخَذَ الْإِفْلَاسُ بِالْكَظَمِ لَا تَعْذِلِينِي فِيمَا ليس ينفعني * إليك عني جرى المقدور (1) بِالْقَلَمِ سَأُتْلِفُ الْمَالَ فِي عُسْرٍ وَفِي يُسْرٍ * إن الجواد يعطي على العدم وفيها أمر المتوكل أَهْلَ الذِّمَّةِ أَنْ يَتَمَيَّزُوا عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي لباسهم وعمائمهم وثيابهم، وأن يتطيلسوا بالمصبوغ بالقلى وأن يكون على عمائمهم رِقَاعٌ مُخَالِفَةٌ لِلَوْنِ ثِيَابِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ وَمِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، وَأَنْ يُلْزَمُوا بِالزَّنَانِيرِ الْخَاصِرَةِ لِثِيَابِهِمْ كَزَنَانِيرِ الْفَلَّاحِينَ الْيَوْمَ، وَأَنْ يَحْمِلُوا فِي رِقَابِهِمْ كُرَاتٍ مِنْ خَشَبٍ كَثِيرَةً، وَأَنْ لَا يَرْكَبُوا خَيْلًا، وَلْتَكُنْ رُكُبُهُمْ مِنْ خَشَبٍ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُذِلَّةِ لَهُمُ الْمُهِينَةِ لِنُفُوسِهِمْ، وأن لا يستعملوا في شئ مِنَ الدَّوَاوِينِ الَّتِي يَكُونُ لَهُمْ فِيهَا حُكْمٌ عَلَى مُسْلِمٍ، وَأَمَرَ بِتَخْرِيبِ كَنَائِسِهِمُ الْمُحْدَثَةِ، وَبِتَضْيِيقِ منازلهم المتسعة، فيؤخذ منها العشر، وأن يعمل مما كان متسعاً من منازلهم مسجد، وَأَمَرَ بِتَسْوِيَةِ قُبُورِهِمْ بِالْأَرْضِ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى سَائِرِ الْأَقَالِيمِ وَالْآفَاقِ، وَإِلَى كُلِّ بَلَدٍ وَرُسْتَاقٍ.
وَفِيهَا خَرَجَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مَحْمُودُ بْنُ الْفَرَجِ النَّيْسَابُورِيُّ، وَهُوَ مِمَّنْ كَانَ يَتَرَدَّدُ إِلَى خشبة بابك وَهُوَ مَصْلُوبٌ فَيَقْعُدُ قَرِيبًا مِنْهُ، وَذَلِكَ بِقُرْبِ دار الخلافة بسر مَنْ رَأَى، فَادَّعَى أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَّهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ وَقَدِ اتَّبَعَهُ عَلَى هَذِهِ الضَّلَالَةِ وَوَافَقَهُ على هَذِهِ الْجَهَالَةِ جَمَاعَةٌ قَلِيلُونَ، وَهُمْ تِسْعَةٌ (2) وَعِشْرُونَ رَجُلًا، وَقَدْ نَظَمَ لَهُمْ كَلَامًا فِي مُصْحَفٍ له قبّحه الله، زعم أن جبريل جَاءَهُ بِهِ مِنَ اللَّهِ، فَأُخِذَ فَرُفِعَ أَمْرُهُ إلى المتوكل فأمر فَضُرِبَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالسِّيَاطِ، فَاعْتَرَفَ بِمَا نُسِبَ إِلَيْهِ وَمَا هُوَ مُعَوِّلٌ عَلَيْهِ، وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ مِنْ ذَلِكَ وَالرُّجُوعَ عَنْهُ، فَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ كُلَّ واحد من أتباعه التسعة والعشرين أن يصفعه فصفعوه عشر صفعات فعليه وعليهم لعنة رب الأرض والسَّموات.
ثُمَّ اتَّفَقَ مَوْتُهُ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الحجة أخذ الْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللَّهِ الْعَهْدَ مِنْ بَعْدِهِ لِأَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ وَهُمْ: مُحَمَّدٌ الْمُنْتَصِرُ، ثُمَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُعْتَزُّ، وَاسْمُهُ مُحَمَّدٌ، وَقِيلَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ لإبراهيم وسماه المؤيد بالله (3) ، ولم يل الخلافة هذا.
وَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَائِفَةً مِنَ الْبِلَادِ يكون نائباً عليها ويستنيب فِيهَا وَيَضْرِبُ لَهُ السَّكَّةُ بِهَا، وَقَدْ عَيَّنَ ابْنُ جَرِيرٍ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنَ البلدان والأقاليم، وَعَقَدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِوَاءَيْنِ لِوَاءً أَسْوَدَ للعهد، ولواء للعمالة، وكتب بينهم كتاباً بالرضى منهم ومبايعته لأكثر الأمراء عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا.
وَفِيهَا فِي شهر ذي الحجة مِنْهَا تَغَيَّرَ مَاءُ دِجْلَةَ إِلَى الصُّفْرَةِ ثَلَاثَةَ أيَّام ثمَّ
(1) في الطبري 11 / 35 وابن الاثير 7 / 48: المقدار.
(2)
في الطبري 11 / 38 وابن الاثير 7 / 50: سبعة.
(3)
في مروج الذهب 4 / 100: المستعين بالله.
(*)