الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فمات بنواحيها هو ومحمد بن الحسن في يوم واحد، وكان الرَّشِيدُ يَقُولُ: دَفَنْتُ الْفِقْهَ وَالْعَرَبِيَّةَ بِالرَّيِّ.
قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ: وَقِيلَ إِنَّ الْكِسَائِيَّ تُوُفِّيَ بِطُوسَ سنة ثنتين وثمانين ومائة، وَقَدْ رَأَى بَعْضُهُمُ الْكِسَائِيَّ فِي الْمَنَامِ وَوَجْهُهُ كالبدر فَقَالَ: مَا فَعَلَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِالْقُرْآنِ.
فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ حَمْزَةُ؟ قَالَ: ذَاكَ فِي عِلِّيِّينَ، مَا نَرَاهُ إلا كما نرى الكوكب.
وفيها توفي:
محمد بن الحسن بن زفر أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّيْبَانِيُّ مَوْلَاهُمْ، صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ.
أَصْلُهُ مِنْ قَرْيَةٍ (1) مِنْ قُرَى دِمَشْقَ، قَدِمَ أَبُوهُ الْعِرَاقَ فَوُلِدَ بِوَاسِطَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَنَشَأَ بِالْكُوفَةِ فَسَمِعَ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمِسْعَرٍ وَالثَّوْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ ذَرٍّ وَمَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، وَكَتَبَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ، وَسَكَنَ بَغْدَادَ وَحَدَّثَ بِهَا، وَكَتَبَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ حِينَ قَدِمَهَا فِي سَنَةِ أربع وثمانين ومائة، وولاه الرشيد قضاء الرقة ثم عزله.
وَكَانَ يَقُولُ لِأَهْلِهِ: لَا تَسْأَلُونِي حَاجَةً مِنْ حَاجَاتِ الدُّنْيَا فَتَشْغَلُوا قَلْبِي.
وَخُذُوا مَا شِئْتُمْ من مالي فَإِنَّهُ أَقَلُّ لِهَمِّي وَأَفْرَغُ لِقَلْبِي.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا رَأَيْتُ حَبْرًا سَمِينًا مِثْلَهُ، وَلَا رَأَيْتُ أَخَفَّ رُوحًا مِنْهُ، وَلَا أَفْصَحَ مِنْهُ.
كُنْتُ إذا سمعته يقرأ القرآن كأنما ينزل القرآن بلغته.
وقال أيضاً: ما رأيت أعقل منه، كَانَ يَمْلَأُ الْعَيْنَ وَالْقَلْبَ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: كَانَ الشَّافِعِيُّ قَدْ طَلَبَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ كِتَابَ السِّيَرِ فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى الْإِعَارَةِ فَكَتَبَ إليه: قل للذي لم ترَ عيناي مِثْلَهُ * حَتَّى كَأَنَّ مَنْ رَآهُ قَدْ رَأَى مَنْ قَبْلَهْ
الْعِلْمُ يَنْهَى أَهْلَهُ أَنْ يَمْنَعُوهُ أهله * لعله ببذله لِأَهْلِهِ لَعَلَّهْ قَالَ: فَوَجَّهَ بِهِ إِلَيْهِ فِي الْحَالِ هَدِيَّةً لَا عَارِيَّةً.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: قيل لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: هَذِهِ الْمَسَائِلُ الدِّقَاقُ مِنْ أَيْنَ هِيَ لَكَ؟ قَالَ: مِنْ كُتُبِ مُحَمَّدِ بن الحسن رحمه الله.
وقد تقدم أنه مات هو وَالْكِسَائِيِّ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.
فَقَالَ الرَّشِيدُ: دَفَنْتُ الْيَوْمَ اللُّغَةَ وَالْفِقْهَ جَمِيعًا.
وكان عمره ثمانية وخمسين سنة.
ثم دخلت سنة تسعين ومائة من الهجرة فِيهَا خَلَعَ رَافِعُ بْنُ لَيْثِ بْنِ نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ نَائِبُ سَمَرْقَنْدَ الطَّاعَةَ وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ (2) ، وَتَابَعَهُ أَهْلُ بَلَدِهِ وَطَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ، فَسَارَ إِلَيْهِ نَائِبُ خراسان على بن عيسى فهزمه
(1) وهي حرستا على باب دمشق في وسط الغوطة (2) قال في الاخبار الطوال ص 391: وكان سبب خروجه أن علي بن عيسى بن ماهان لما ولي خراسان أساء السيرة.
وتحامل على من كان بها من العرب.
وأظهر الجور وانظر الطبري 10 / 98 وابن الاثير 6 / 195.
(*)
رافع وتفاقم الأمر به.
وفيها سار الرَّشِيدُ لِغَزْوِ بِلَادِ الرُّومِ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ، وَقَدْ لَبِسَ عَلَى رَأْسِهِ قَلَنْسُوَةً فَقَالَ فيها أبو المعلا الْكِلَابِيُّ: فَمَنْ يَطْلُبْ لِقَاءَكَ أَوْ يُرِدْهُ * فَبِالْحَرَمَيْنِ أو أقصى الثغور ففي أرض العدو على طمر * وفي أرض الترفه فَوْقَ كُورِ وَمَا حَازَ الثُّغُورَ سِوَاكَ خَلْقٌ * من المتخلفين على الأمور فسار حتى وصل إلى الطوانة فعسكر بها وبعث إِلَيْهِ نَقْفُورُ بِالطَّاعَةِ وَحَمَلَ الْخَرَاجَ وَالْجِزْيَةَ حَتَّى عن رأس ولده ورأسه، وأهل مملكته، في كل سنة خمسة عشر أَلْفَ دِينَارٍ، وَبَعَثَ يَطْلُبُ مِنَ الرَّشِيدِ جَارِيَةً قد أسروها وكانت ابْنَةَ مَلِكِ هِرَقْلَةَ (1) ، وَكَانَ قَدْ خَطَبَهَا عَلَى وَلَدِهِ، فَبَعَثَ بِهَا الرَّشِيدُ مَعَ هَدَايَا وَتُحَفٍ وطيب بعث يطلبه من الرشيد، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ الرَّشِيدُ أَنْ يَحْمِلَ فِي كُلِّ سنة ثلثمائة أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَنْ لَا يُعَمِّرَ هِرَقْلَةَ.
ثُمَّ انْصَرَفَ الرَّشِيدُ رَاجِعًا وَاسْتَنَابَ عَلَى الْغَزْوِ عَقَبَةَ بن جعفر ونقض أهل قبرص الْعَهْدَ
فَغَزَاهُمْ مَعْيُوفُ بْنُ يَحْيَى، فَسَبَى أَهْلَهَا وَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا.
وَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ الرَّشِيدُ مَنْ قَتَلَهُ.
وحج بالناس فيها عيسى بن موسى الهادي.
مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْمَشَاهِيرِ أَسَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ أَبُو الْمُنْذِرِ الْبَجَلِيُّ الكوفي صاحب أبي حنيفة، حكم ببغداد وبواسط، فلما انكف بصره عزل نفسه عن القضاء.
قال أحمد بن حنبل: كَانَ صَدُوقًا.
وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ علي بن المديني والبخاري.
وسعدون الْمَجْنُونُ صَامَ سِتِّينَ سَنَةً فَخَفَّ دِمَاغُهُ فَسَمَّاهُ الناس مجنوناً، وَقَفَ يَوْمًا عَلَى حَلْقَةِ ذِي النُّونِ الْمِصْرِيِّ فَسَمِعَ كَلَامَهُ فَصَرَخَ ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: وَلَا خَيْرَ فِي شَكْوَى إِلَى غَيْرِ مُشْتَكَى * وَلَا بُدَّ مِنْ شَكْوَى إِذَا لَمْ يَكُنْ صَبْرُ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: مَرَرْتُ بِهِ وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رأس شيخ سكران يذب عنه، فقلت له: مَا لِي أَرَاكَ عِنْدَ رَأْسِ هَذَا الشَّيْخِ؟ فقال: إنه مجنون.
فقلت: أنت مجنون أَوْ هُوَ؟ قَالَ: لَا بَلْ هُوَ، لِأَنِّي صليت الظهر والعصر في جَمَاعَةً وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ جَمَاعَةً وَلَا فُرَادَى.
وهو مع هذا قد شرب الخمر وأنا لم أشربها.
قُلْتُ: فَهَلْ قُلْتَ فِي هَذَا شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: تَرَكْتُ النَّبِيذَ لِأَهْلِ النَّبِيذِ * وَأَصْبَحْتُ أَشْرَبُ مَاءَ قَرَاحًا لِأَنَّ النَّبِيذَ يذل العزيز * ويكسو السواد الْوُجُوهَ الصِّبَاحَا فَإِنْ كَانَ ذَا جَائِزًا لِلشَّبَابِ * فما العذر منه إذا الشيب لاحا
(1) نسخة كتاب نقفور إلى الرشيد في شأن ابنته الاسيرة في الطبري 10 / 99.
(*)