الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترجمة المتوكل على الله
جعفر بن المعتصم بن الرشيد بن محمد المهدي بن المنصور العباسي، وأم المتوكل أَمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا شُجَاعُ، وَكَانَتْ مِنْ سروات النساء سنحاً وَحَزْمًا.
كَانَ مَوْلِدُهُ بِفَمِ الصُّلْحِ سَنَةَ سَبْعٍ وَمِائَتَيْنِ، وَبُويِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ أَخِيهِ الْوَاثِقِ فِي يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِسِتٍّ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ لسنة ثنتين وثلاثين ومائتين.
وقد روى الْخَطِيبُ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" مَنْ حُرِمَ الرِّفْقَ حُرِمَ الْخَيْرَ "(1) .
ثُمَّ أَنْشَأَ الْمُتَوَكِّلُ يَقُولُ: الرِّفْقُ يُمْنٌ وَالْأَنَاةُ سَعَادَةٌ * فَاسْتَأْنَ فِي رِفْقٍ تُلَاقِ نَجَاحَا لَا خَيْرَ فِي حَزْمٍ بِغَيْرِ رويَّة * وَالشَّكُ وَهْنٌ إِنْ أَرَدْتَ سَرَاحَا وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ: وَحَدَّثَ عَنْ أَبِيهِ الْمُعْتَصِمِ وَيَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ الْقَاضِي.
وَرَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ الْجَهْمِ الشَّاعِرُ، وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدمشقي، وقدم المتوكل دمشق في خلافته وبنى بِهَا قَصْرًا بِأَرْضِ دَارَيَّا.
وَقَالَ يَوْمًا لِبَعْضِهِمْ: إن الخلفاء تتغضب عَلَى الرَّعِيَّةِ لِتُطِيعَهَا، وَإِنِّي أَلِينُ لَهُمْ لِيُحِبُّونِي وَيُطِيعُونِي.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَرْوَانَ الْمَالِكِيُّ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ قَالَ: وَجَّهَ الْمُتَوَكِّلُ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ الْمُعَذَّلِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَجَمَعَهُمْ فِي دَارِهِ ثمَّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَامَ النَّاس كلهم إليه إلا أَحْمَدَ بْنِ الْمُعَذَّلِ.
فَقَالَ الْمُتَوَكِّلُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ: إنَّ هذا لا يرى بيعتنا؟ فقال: يا أمير المؤمنين بلى! وَلَكِنْ فِي بَصَرِهِ سُوءٌ.
فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ المعذل: يا أمير المؤمنين مَا فِي بَصَرِي سُوءٌ، وَلَكِنْ نَزَّهْتُكَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
قَالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَحَبَّ أَنَّ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فليتبوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ "(2) .
فَجَاءَ الْمُتَوَكِّلُ فجلس إلى جنبه.
وروى الخطيب أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْجَهْمِ دَخَلَ عَلَى الْمُتَوَكِّلِ وَفِي يَدِهِ دُرَّتَانِ يُقَلِّبُهُمَا فَأَنْشُدُهُ قَصِيدَتَهُ الَّتِي يقول فيها: وإذا مررت ببئر عروة فاستقي مِنْ مَائِهَا فَأَعْطَاهُ الَّتِي فِي يَمِينِهِ وَكَانَتْ تُسَاوِي مِائَةَ أَلْفٍ.
ثُمَّ أَنْشَدَهُ: بسرِّ مَنْ رأى أمير * تَغْرِفُ مِنْ بَحْرِهِ الْبِحَارُ يُرْجَى وَيُخْشَى لِكُلِّ خَطْبٍ * كَأَنَّهُ جَنَّةٌ وَنَارُ
الْمُلْكُ فِيهِ وَفِي بنيه * ما اختلف الليل والنهار
(1) أخرجه مسلم في البر والصلة ح (74 - 76) وابن ماجة في الادب.
باب (9) والامام أحمد في المسند 4 / 362، 366.
(2)
أخرجه التِّرمذي في كتاب الأدب.
باب (13) .
(*)
يَدَاهُ فِي الْجُودِ ضَرَّتَانِ * عَلَيْهِ كِلْتَاهُمَا تَغَارُ لَمْ تَأْتِ مِنْهُ الْيَمِينُ شَيْئًا * إِلَّا أَتَتْ مِثْلَهُ الْيَسَارُ قَالَ: فَأَعْطَاهُ الَّتِي فِي يَسَارِهِ أيضاً.
قال الخطيب: وقد رويت هذه الأبيات لعلي بن هارون البحتري فِي الْمُتَوَكِّلِ.
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عَلِيِّ بن الجهم قال: وقفت فتحية حَظِيَّةُ الْمُتَوَكِّلِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَدْ كَتَبَتْ عَلَى خَدِّهَا بِالْغَالِيَةِ جَعْفَرٌ فَتَأَمَّلَ ذَلِكَ ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: وَكَاتِبَةٍ فِي الْخَدِّ بِالْمِسْكِ جَعْفَرًا * بِنَفْسِي تحطُّ الْمِسْكِ مِنْ حَيْثُ أَثَّرَا لَئِنْ أَوْدَعَتْ سَطْرًا (1) مِنَ الْمِسْكِ خَدَّهَا * لَقَدْ أَوْدَعَتْ قَلْبِي مِنَ الْحُبِّ أَسْطُرًا فَيَا مَنْ مُنَاهَا فِي السَّرِيرَةِ جعفر * سقا اللَّهُ مِنْ سُقْيَا ثَنَايَاكِ جَعْفَرًا (2) وَيَا مَنْ لمملوك بملك يَمِينِهِ * مُطِيعٍ لَهُ فِيمَا أسرَّ وَأَظْهَرَا قَالَ ثم أمر المتوكل عرباً فَغَنَّتْ بِهِ.
وَقَالَ الْفَتْحُ بْنُ خَاقَانَ: دَخَلْتُ يَوْمًا عَلَى الْمُتَوَكِّلِ فَإِذَا هُوَ مُطْرِقٌ مُفَكِّرٌ فقلت: يا أمير المؤمنين ما لك مفكر؟ فَوَاللَّهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ أَطْيَبُ مِنْكَ عَيْشًا، ولا أنعم منك بالاً.
قال: بلى أطيب مني عيشا لَهُ دَارٌ وَاسِعَةٌ وَزَوْجَةٌ صَالِحَةٌ وَمَعِيشَةٌ حَاضِرَةٌ، لَا يَعْرِفُنَا فَنُؤْذِيهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَيْنَا فَنَزْدَرِيهِ.
وكان المتوكل محبباً إلى رعيته قائماً في نصرة أهل السنة، وقد شبهه بعضهم بالصديق في قتله أهل الردة، لأنه نصر الحق ورده عليهم حَتَّى رَجَعُوا إِلَى الدِّينِ.
وَبِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العزيز حين رد مظالم بني أمية.
وقد أظهر السنة بعد البدعة، وأخمد أهل البدع وبدعتهم بَعْدَ انْتِشَارِهَا وَاشْتِهَارِهَا فَرَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَدْ رَآهُ بَعْضُهُمْ فِي الْمَنَامِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ في نور قال فقلت: المتوكل؟ قال: المتوكل.
قلت: فَمَا فَعَلَ بِكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي.
قُلْتُ: بِمَاذَا؟ قَالَ: بِقَلِيلٍ مِنَ السُّنَّةِ أَحْيَيْتُهَا.
وَرَوَى
الْخَطِيبُ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَحْمَدَ أَنَّهُ رَأَى فِي مَنَامِهِ لَيْلَةَ مَاتَ الْمُتَوَكِّلُ كَأَنَّ رَجُلًا يَصْعَدُ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَقَائِلًا يَقُولُ: مَلِكٌ يُقَادُ إِلَى مَلِيكٍ عَادِلٍ * مُتَفَضِّلٍ فِي العفو ليس بحائر وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شَيْبَانَ الْحَلَبِيِّ قَالَ: رأيت ليلة الْمُتَوَكِّلُ قَائِلًا يَقُولُ: يَا نَائِمَ الْعَيْنِ فِي أوطان جُثْمَانِ * أَفِضْ دُمُوعَكَ يَا عَمْرُو بْنَ شَيْبَانِ
(1) في مروج الذهب 4 / 144: خطا
…
من الوجد أسطرا (2) البيتان في مروج الذهب: فيا من لمملوك يظل مليكه * مطيعاً له فيما أسرَّ وأجهرا ويا من لعيني من رأى مثل جعفر سقى الله صوب المستهلات جعفرا (*)