الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تسمع، فتسمع فلا يَسْمَعْ شَيْئًا، ثُمَّ عَادَ الصَّوْتُ بِذَلِكَ فَمَا كَانَ إِلَّا لَيْلَةٌ أَوْ لَيْلَتَانِ حَتَّى قُتِلَ في رابع صفر يوم الاحد، وقل حصل له من الجهد والضيق في حصره شيئاً كثيراً بحيث أنه لم يبق له طعام يأكله ولا شراب بحيث إنه جاع لَيْلَةً فَمَا أُتِيَ بِرَغِيفٍ وَدَجَاجَةٍ إِلَّا بَعْدَ شدة عظيمة، ثُمَّ طَلَبَ مَاءً فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ فَبَاتَ عَطْشَانًا فَلَمَّا أَصْبَحَ قُتِلَ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبَ الماء.
كَيْفِيَّةِ مَقْتَلِهِ
لَمَّا اشْتَدَّ بِهِ الْأَمْرُ اجْتَمَعَ عِنْدَهُ مَنْ بَقِيَ مَعَهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْخَدَمِ وَالْجُنْدِ، فَشَاوَرَهُمْ فِي أَمْرِهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تَذْهَبُ بِمَنْ بَقِيَ مَعَكَ إِلَى الْجَزِيرَةِ أَوِ الشَّامِ فتتقوى بالأموال وتستخدم الرجال.
وقال بعضهم تَخْرُجُ إِلَى طَاهِرٍ وَتَأْخُذُ مِنْهُ أَمَانًا وَتُبَايِعُ لِأَخِيكَ، فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَإِنَّ أَخَاكَ سَيَأْمُرُ لك بما يكفيك ويكفي أهلك مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، وَغَايَةُ مُرَادِكَ الدَّعَةُ وَالرَّاحَةُ، وذلك يحصل لك تاماً.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ هَرْثَمَةُ أَوْلَى بِأَنْ يَأْخُذَ لك منه الأمان فإنه مولاكم وهو أحنى عليك.
فَمَالَ إِلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْأَحَدِ الرَّابِعِ مِنْ صَفَرٍ بَعْدَ عِشَاءِ الْآخِرَةِ وَاعَدَ هَرْثَمَةَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْهِ، ثُمَّ لَبِسَ ثِيَابَ الْخِلَافَةِ وَطَيْلَسَانًا وَاسْتَدْعَى بِوَلَدَيْهِ فَشَمَّهُمَا وَضَمَّهُمَا إِلَيْهِ وَقَالَ: أَسْتُوْدِعُكُمَا اللَّهَ، وَمَسَحَ دُمُوعَهُ بِطَرَفِ كُمِّهِ، ثُمَّ رَكِبَ
عَلَى فَرَسٍ سَوْدَاءَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ شَمْعَةٌ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى هَرْثَمَةَ أَكْرَمَهُ وَعَظَّمَهُ وَرَكِبَا فِي حَرَّاقَةٍ فِي دِجْلَةَ، وَبَلَغَ ذَلِكَ طَاهِرًا فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ: أَنَا الَّذِي فَعَلْتُ هَذَا كُلَّهُ وَيَذْهَبُ إِلَى غَيْرِي، وَيُنْسَبُ هَذَا كُلُّهُ إِلَى هَرْثَمَةَ؟ فَلَحِقَهُمَا وَهُمَا فِي الحراقة فأمالها أصحابه فغرق من فيها، غير أن الْأَمِينَ سَبَحَ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ وَأَسَرَهُ بَعْضُ الجند.
وجاء فأعلم طاهراً فبعث إليه جنداً من العجم فجاؤوا إلى البيت الذي هو فيه وَعِنْدَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ: ادْنُ مِنِّي فَإِنِّي أَجِدُ وَحْشَةً شَدِيدَةً، وَجَعَلَ يَلْتَفُّ فِي ثِيَابِهِ شَدِيدًا وَقَلْبُهُ يَخْفِقُ خَفَقَانًا عَظِيمًا، كَادَ يَخْرُجُ مِنْ صَدْرِهِ.
فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أُولَئِكَ قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
ثُمَّ دَنَا مِنْهُ أَحَدُهُمْ (1) فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَجَعَلَ يَقُولُ: وَيْحَكُمُ أَنَا ابْنُ عَمِّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَا ابْنُ هَارُونَ، أَنَا أَخُو الْمَأْمُونِ، اللَّهَ الله في دمي.
فلم يلتفتوا إلى شئ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ تَكَاثَرُوا عَلَيْهِ وَذَبَحُوهُ مِنْ قفاه وهو مكبوب على وجهه وَذَهَبُوا بِرَأْسِهِ إِلَى طَاهِرٍ وَتَرَكُوا جُثَّتَهُ، ثُمَّ جاؤوا بكرة إِلَيْهَا فَلَفُّوهَا فِي جلِّ فَرَسٍ وَذَهَبُوا بِهَا.
وذلك لَيْلَةَ الْأَحَدِ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَتْ مِنْ صَفَرٍ من هذه السنة.
شئ من ترجمته
هو محمد الْأَمِينُ بْنُ هَارُونَ الرَّشِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَهْدِيِّ بْنِ الْمَنْصُورِ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَيُقَالُ أَبُو موسى الهاشمي العباسي، وَأُمُّهُ أُمُّ جَعْفَرٍ زُبَيْدَةُ بِنْتُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ، كَانَ مَوْلِدُهُ بِالرُّصَافَةِ سَنَةَ
(1) ويقال له خمارويه غلام لقريش الدنداني مولى طاهر بن الحسين.
(الطبري - ابن الأثير) وفي مروج الذهب 3 / 501: قرين الديراني غلام طاهر.
(*)