الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وممن توفي فيها
من الأعيان الأصيفر الذي كان يخفر الحجاج.
أحمد بن موسى بن مردويه ابن فُورَكَ، أَبُو بَكْرٍ الْحَافِظُ الْأَصْبَهَانِيُّ، تُوَفِّي فِي رمضان منها.
هِبَةُ اللَّهِ بْنُ سَلَامَةَ أَبُو الْقَاسِمِ الضَّرِيرُ الْمُقْرِئُ الْمُفَسِّرُ، كَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ وَأَحْفَظِهِمْ لِلتَّفْسِيرِ، وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ فِي جَامِعِ الْمَنْصُورِ، رَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ قَالَ: كَانَ لَنَا شَيْخٌ نَقْرَأُ عَلَيْهِ فَمَاتَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ
فرآه فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي.
قَالَ: فَمَا كَانَ حَالُكَ مَعَ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ؟ قَالَ: لَمَّا أَجْلَسَانِي وسألاني ألهمني الله أَنْ قُلْتُ: بِحَقِّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ دَعَانِي، فقال أحدهما للآخر: قد أقسم بعظيمين فَدَعْهُ، فَتَرَكَانِي وَذَهَبَا.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى عشرة وأربعمائة فيها عدم الحاكم بمصر، وَذَلِكَ أنَّه لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الثُّلَاثَاءِ لِلَيْلَتَيْنِ بقيتا من شوال فقد الحاكم بْنِ الْمُعِزِّ الْفَاطِمِيُّ صَاحِبُ مِصْرَ، فَاسْتَبْشَرَ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ جَبَّارًا عَنِيدًا، وَشَيْطَانًا مَرِيدًا
.
وَلْنَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِهِ الْقَبِيحَةِ، وسيرته الملعونة، أخزاه الله.
كان كثير التلون في أفعاله وأحكامه وأقواله، جائراً، وقد كَانَ يَرُومُ أَنْ يَدَّعِيَ الْأُلُوهِيَّةَ كَمَا ادَّعَاهَا فرعون، فكان قد أمر الرعية إذا ذكر الخطيب على المنبر اسمه أَنَّ يَقُومَ النَّاسُ عَلَى أَقْدَامِهِمْ صُفُوفًا، إِعْظَامًا لذكره واحتراماً لاسمه، فعل ذلك فِي سَائِرِ مَمَالِكِهِ حَتَّى فِي الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وكان قد أمر أهل مصر على الخصوص إذا قاموا عند ذكره خروا سجداً له، حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْجُدُ بِسُجُودِهِمْ مَنْ فِي الْأَسْوَاقِ من الرعاع وغيرهم، ممن كان لا يصلي الجمعة، وكانوا يتركون السجود لله في يوم الجمعة وغيره ويسجدون للحاكم، وأمر في وقت لأهل الكتابين بالدخول في دين لاسلام كُرْهًا، ثُمَّ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْعَوْدِ إِلَى دينهم، وخرب كنائسهم ثم عمرها، وخرب القمامة ثُمَّ أَعَادَهَا، وَابْتَنَى الْمَدَارِسَ.
وَجَعَلَ فِيهَا الْفُقَهَاءَ والمشايخ، ثم قتلهم وأخربها، وألزم الناس بغلق الْأَسْوَاقِ نَهَارًا، وَفَتْحِهَا لَيْلًا، فَامْتَثَلُوا ذَلِكَ دَهْرًا طويلاً، حتى اجتاز مرة برجل يَعْمَلُ النِّجَارَةَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ.
فَوَقَفَ عَلَيْهِ فقال: ألم أنهكم؟ فقال: يا سيدي لما كان الناس يتعيشون بالنهار كانوا يسهرون بالليل، ولما كانوا يتعيشون بالليل سهروا بِالنَّهَارِ فَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ السَّهَرِ، فَتَبَسَّمَ وَتَرَكَهُ.
وَأَعَادَ النَّاسَ إِلَى أَمْرِهِمُ الْأَوَّلِ، وَكُلُّ هَذَا تغيير للرسوم، واختبار لطاعة العامة له، ليرقى في ذلك إلى ما هو أشر وأعظم منه.
وقد كان يعمل
الحسبة بنفسه فكان يدور بنفسه فِي الْأَسْوَاقِ عَلَى حِمَارٍ لَهُ - وَكَانَ لَا يَرْكَبُ إِلَّا حِمَارًا - فَمَنْ وَجَدَهُ قَدْ غَشَّ في معيشة أَمَرَ عَبْدًا أَسْوَدَ مَعَهُ يُقَالُ لَهُ مَسْعُودٌ، أن يفعل به الفاحشة العظمى، وَهَذَا أَمْرٌ مُنْكَرٌ
مَلْعُونٌ، لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ، وَكَانَ قَدْ مَنَعَ النِّسَاءَ مِنَ الْخُرُوجِ مِنْ منازلهن (1) وقطع شجر الأعناب حتى لا يتخذ الناس منها خَمْرًا (2) ، وَمَنَعَهُمْ مِنْ طَبْخِ الْمُلُوخِيَّةٍ (3) ، وَأَشْيَاءَ مِنَ الرعونات التي من أحسنها منع النساء من الخروج، وكراهة الخمر، وكانت العامة تبغضه كثيراً، ويكتبون له الأوراق بالشتيمة البالغة له ولأسلافه، في صورة قصص، فإذا قرأها ازداد غيظاً وحنقاً عَلَيْهِمْ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ مِصْرَ عَمِلُوا صُورَةَ امْرَأَةٍ مِنْ وَرَقٍ بِخُفَّيْهَا وَإِزَارِهَا.
وَفِي يَدِهَا قصة من الشتم واللعن والمخالفة شئ كَثِيرٌ، فَلَمَّا رَآهَا ظَنَّهَا امْرَأَةً، فَذَهَبَ مِنْ نَاحِيَتِهَا وَأَخَذَ الْقِصَّةَ مِنْ يَدِهَا فَقَرَأَهَا فَرَأَى ما فيها، فأغضبه ذلك جداً، فأمر بقتل المرأة، فلما تحققها من ورق ازداد غيظاً إلى غيظه، ثم لما وصل إلى القاهرة أمر السُّودَانِ أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى مِصْرَ فَيُحَرِّقُوهَا وَيَنْهَبُوا ما فيها من الأموال والمتاع والحريم، فذهبوا فامتثلوا ما أمر هم به، فقاتلهم أهل مصر قتالاً شديداً، ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَالنَّارُ تَعْمَلُ فِي الدُورِ وَالْحَرِيمِ، وهو في كل يوم قبحه الله، يخرج فيقف من بعيد وينظر وَيَبْكِي وَيَقُولُ: مَنْ أَمَرَ هَؤُلَاءِ الْعُبَيْدَ بِهَذَا؟ ثُمَّ اجْتَمَعَ النَّاس فِي الْجَوَامِعِ وَرَفَعُوا الْمَصَاحِفَ وصاروا إلى الله عزوجل، وَاسْتَغَاثُوا بِهِ، فَرَقَّ لَهُمُ التُّرْكُ وَالْمَشَارِقَةُ وَانْحَازُوا إليهم، وقاتلوا مَعَهُمْ عَنْ حَرِيمِهِمْ وَدُورِهِمْ، وَتَفَاقَمَ الْحَالُ جِدًّا، ثم ركب الحاكم لعنه الله ففصل بين الفريقين، وكف العبيد عنهم، وكان يظهر التنصل مما فعله العبيد وأنهم ارْتَكَبُوا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ وَإِذْنِهِ، وَكَانَ ينفذ إليهم السلاح ويحثهم على ذلك في الباطن، وما انجلى الأمر حتى احترق من مصر نحو ثلثها، ونهب قريب من نصفها، وسبيت نساء وبنات كثيرة وفعل معهن الْفَوَاحِشُ وَالْمُنْكَرَاتُ، حَتَّى إِنَّ مِنْهُنَّ مَنْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا خَوْفًا مِنَ الْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ، وَاشْتَرَى الرِّجَالُ مِنْهُمْ مَنْ سُبِيَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ وَالْحَرِيمِ، قال ابن الجوزي: ثم ازداد ظلم الحاكم حتى عنَّ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ الرُّبُوبِيَّةَ، فَصَارَ قَوْمٌ مِنَ الْجُهَّالِ إِذَا رَأَوْهُ يَقُولُونَ: يَا وَاحِدُ يَا أحد يا محيي يا مميت قبحهم الله جميعاً.
صِفَةُ مَقْتَلِهِ لَعَنَهُ اللَّهُ كَانَ قَدْ تَعَدَّى شره إلى النَّاس كلهم حتى إلى أخته (4) ، وكان يتهمها بالفاحشة، ويسمعها
(1) أصدر مرسومه الشهير هذا في شعبان سنة 404 هـ.
(2)
صدر مرسوم في ربيع الأول سنة 399 هـ وصدر مرسوم في محرم 402 وأتبعه بمرسوم جديد في جمادى الآخرة سنة 403 بشأن الخمر وتحريم المسكرات والفقاع والزبيب وجميع الاعناب، وهكذا خصت الخمر ومصادرها طوال عهد الحاكم بأقسى المطاردات وأعنفها (انظر الخطط للمقريزي 4 / 72 وابن خلكان 2 / 166) .
(3)
صدر مرسوم منع أكل الملوخية في المحرم سنة 395.
(4)
واسمها ست الملك (الكامل - العبر) .
(*)