الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَى ذُرِّيَّتِهِ، وَكَانَ لَا يَنْسَى ذَلِكَ لَهُ.
وَفِيهَا أَمَرَ الْخَلِيفَةُ بِإِجْلَاءِ بَنِي أَسَدٍ عَنِ الْحِلَّةِ وَقَتَلَ مَنْ تخلَّف مِنْهُمْ، وَذَلِكَ لِإِفْسَادِهِمْ وَمُكَاتَبَتِهِمُ السُّلْطَانَ مُحَمَّدَ شَاهْ، وَتَحْرِيضِهِمْ لَهُ عَلَى حِصَارِ بَغْدَادَ، فَقَتَلَ مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَرْبَعَةَ آلاف، وخرج الباقون منها، وتسلم الخليفة الحلة.
وحج بالناس فيها الأمير برغش الكبير.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا
مِنَ الْأَعْيَانِ السُّلْطَانُ الْكَبِيرُ: أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ عَلِيٍّ الْقَيْسِيُّ الْكُوفِيُّ تِلْمِيذُ ابْنِ التُّومَرْتِ، كَانَ أَبُوهُ يَعْمَلُ فِي الطِّينِ فَاعِلًا، فَحِينَ وَقَعَ نَظَرُ ابْنِ التومرت عليه أحبه وتفرس فيه أنه شجاع سَعِيدٌ، فَاسْتَصْحَبَهُ فَعَظُمَ شَأْنُهُ، وَالْتَفَّتْ عَلَيْهِ الْعَسَاكِرُ الَّتِي جَمَعَهَا ابْنُ التُّومَرْتِ مِنَ الْمَصَامِدَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَحَارَبُوا صَاحِبَ مُرَّاكِشَ عَلِيَّ بْنَ يُوسُفَ بْنِ تاشفين، ملك الملثمين، واستحوذ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ عَلَى وَهْرَانَ وَتِلِمْسَانَ وَفَاسَ وَسَلَا وَسَبْتَةَ، ثُمَّ حَاصَرَ مُرَّاكِشَ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا فافتتحها في سنة ثنتين وأربعين وخمسمائة، وتمهدت له الممالك هنالك، وصفا له الوقعت وكان عاقلاً وقوراً شكلاً حسناً محباً للخير، توفي في هذه السنة ومكث في الملك ثلاثاً وثلاثين سنة (1) ، وكان يسمى نفسه أمير المؤمنين رحمه الله.
طلحة بن علي ابن طراد، أبو أحمد الزينبي، نقيب النقباء، مات فجأة وولي النقابة بَعْدِهِ وَلَدُهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيٌّ وَكَانَ أَمْرَدَ فَعُزِلَ وَصُودِرَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ.
مُحَمَّدُ بْنُ عبد الكريم ابن إبراهيم، أبو عبد الله المعروف بابن الْأَنْبَارِيِّ كَاتِبُ الْإِنْشَاءِ بِبَغْدَادَ، كَانَ شَيْخًا حَسَنًا ظَرِيفًا وَانْفَرَدَ بِصَنَاعَةِ الْإِنْشَاءِ، وَبَعَثَ رَسُولًا إِلَى الْمَلِكِ سَنْجَرَ وَغَيْرِهِ، وَخَدَمَ الْمُلُوكَ وَالْخُلَفَاءَ، وَقَارَبَ التسعين.
ومن شعره في محبي الدنيا والصور: يامن هجرت ولا تبالي * هل ترجع دولة الوصال
هل أَطْمَعُ يَا عَذَابَ قَلْبِي * أَنْ يَنْعَمَ فِي هواك بالي مَا ضَرَّكِ أَنْ تُعَلِّلِينِي * فِي الْوَصْلِ بِمَوْعِدٍ المحال
(1) زيد في الكامل وتاريخ أبي الفداء: وشهورا.
(*)
أَهْوَاكِ وَأَنْتِ حَظُّ غَيْرِي * يَا قَاتِلَتِي فَمَا احتيالي أيام عنائي قبل سُودٌ * مَا أَشْبَهَهُنَّ بِاللَّيَالِي الْعُذَّلُ فِيكِ يَعْذِلُونِي * عَنْ حُبِّكِ مَا لَهُمْ وَمَا لِي يَا ملزمني السُّلُوَّ عَنْهَا * الصَّبُّ أَنَا وَأَنْتَ سَالِي وَالْقَوْلُ بِتَرْكِهَا صَوَابٌ * مَا أَحْسَنَهُ لَوِ اسْتَوَى لِي طَلَّقْتُ تَجَلُّدِي ثَلَاثًا * وَالصَّبْوَةُ بَعْدُ فِي خَيَالِي ثم دخلت سنة تسع وخمسين وخمسمائة فِيهَا قَدِمَ شَاوَرُ بْنُ مُجِيرِ الدِّينِ أَبُو شُجَاعٍ السَّعْدِيُّ الْمُلَقَّبُ بِأَمِيرِ الْجُيُوشِ، وَهُوَ إِذْ ذَاكَ وَزِيرُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بَعْدَ آلِ رُزِّيكَ، لَمَّا قُتِلَ النَّاصِرُ رُزِّيكُ بْنُ طَلَائِعَ، وَقَامَ في الوزارة بعده، واستفحل أمره فيها، ثار عَلَيْهِ أَمِيرٌ يُقَالُ لَهُ الضِّرْغَامُ بْنُ سَوَّارٍ، وَجَمَعَ لَهُ جُمُوعًا كَثِيرَةً، وَاسْتَظْهَرَ عَلَيْهِ وَقَتَلَ ولديه طيباً وَسُلَيْمَانَ، وَأَسَرَ الثَّالِثَ وَهُوَ الْكَامِلُ بْنُ شَاوَرَ، فَسَجَنَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ، ليدٍ كَانَتْ لِأَبِيهِ عِنْدَهُ، واستوزر ضرغام وَلُقَّبَ بِالْمَنْصُورِ، فَخَرَجَ شَاوَرُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ هارباً من العاضد ومن ضرغام، ملتجئاً إلى نور الدين محمود، وهو نازل بجوسق الميدان الأخضر، فأحسن ضيافته وأنزله بالجوسق المذكور، وطلب شاور منه عسكراً ليكونوا معه ليفتح بهم الديار المصرية، وليكون لِنُورِ الدِّينِ ثُلُثُ مُغَلِّهَا (1) ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ جَيْشًا عليه أسد الدين شيركوه بن شادي، فَلَمَّا دَخَلُوا بِلَادَ مِصْرَ خَرَجَ إِلَيْهِمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ بِهَا فَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ الْقِتَالِ، فَهَزَمَهُمْ أَسَدُ الدِّينِ وَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا، وَقَتَلَ ضِرْغَامَ بْنَ سَوَّارٍ وَطِيفَ بِرَأْسِهِ فِي الْبِلَادِ، وَاسْتَقَرَّ أَمْرُ شَاوَرَ فِي الْوِزَارَةِ، وَتَمَهَّدَ حَالُهُ، ثُمَّ اصْطَلَحَ العاضد وشاور على أسد الدين، ورجع عَمًّا كَانَ عَاهَدَ عَلَيْهِ نُورَ الدِّينِ، وَأَمَرَ أَسَدَ الدِّينِ بِالرُّجُوعِ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ، وَعَاثَ
فِي الْبِلَادِ، وَأَخَذَ أَمْوَالًا كَثِيرَةً، وَافْتَتَحَ بُلْدَانًا كَثِيرَةً مِنَ الشَّرْقِيَّةِ وَغَيْرِهَا، فَاسْتَغَاثَ شَاوَرُ عَلَيْهِمْ بِمَلِكِ الْفِرِنْجِ الَّذِي بِعَسْقَلَانَ، وَاسْمُهُ مُرِّيٌّ، فَأَقْبَلَ فِي خَلْقٍ كَثِيرٍ فَتَحَوَّلَ أَسَدُ الدِّينِ إِلَى بِلْبِيسَ وَقَدْ حَصَّنَهَا وَشَحَنَهَا بِالْعُدَدِ وَالْآلَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَحَصَرُوهُ فِيهَا ثَمَانِيَةَ (2) أَشْهُرٍ، وَامْتَنَعَ أَسَدُ الدِّينِ وَأَصْحَابُهُ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ الْمَلِكَ نُورَ الدين قد اغتنم غيبة الفرنج فَسَارَ إِلَى بِلَادِهِمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وفتح حارم وقتل من الفرنج بها خلقاً، وسار إلى بانياس، فضعف صاحب عسقلان الفرنجي، وطلبوا من أسد الدين الصلح فأجابهم إلى ذلك،
(1) حدد ابن الأثير في تاريخه شروط الاتفاق بين شاور ونور الدين: يكون ثلث دخل البلاد لنور الدين بعد إقطاعات العساكر ; ويكون شيركوه مقيما بعساكره في مصر، ويتصرف هو (أي شاور) بأمر نور الدين واختياره (11 / 298 والعبر لابن خلدون 5 / 246) .
(2)
في الكامل والعبر: ثلاثة أشهر (انظر تاريخ أبي الفداء) .
(*)