الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الرحمن بن أحمد (1) أَبُو طَاهِرٍ وُلِدَ بِأَصْبَهَانَ، وَتَفَقَّهَ بِسَمَرْقَنْدَ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ سَبَبَ فَتْحِهَا عَلَى يَدِ السُّلْطَانِ ملك شاه، وَكَانَ مِنْ رُؤَسَاءِ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ.
قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مَنْدَهْ: لَمْ نَرَ فَقِيهًا فِي وَقْتِنَا أَنْصَفَ مِنْهُ، وَلَا أَعْلَمَ.
وَكَانَ فَصِيحَ اللَّهْجَةِ كَثِيرَ الْمُرُوءَةِ غَزِيرَ النِّعْمَةِ، تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ، وَمَشَى الْوُزَرَاءُ وَالْكُبَرَاءُ فِي جنازته، غير أن النظام ركب واعتذر بكبر سَنَةً، وَدُفِنَ إِلَى جَانِبِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشيرازي، وجاء السلطان إِلَى التُّرْبَةِ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: جَلَسْتُ بُكْرَةَ الْعَزَاءِ إِلَى جَانِبِ نِظَامِ الْمُلْكِ وَالْمُلُوكُ قِيَامٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، اجْتَرَأْتُ عَلَى ذَلِكَ بِالْعِلْمِ.
حَكَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ.
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ أَبُو نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ (2) ، كَانَ إِمَامًا فِي الْقِرَاءَاتِ، وَلَهُ فِيهَا الْمُصَنَّفَاتُ، وَسَافَرَ فِي ذَلِكَ كَثِيرًا، وَاتَّفَقَ لَهُ أَنَّهُ غَرِقَ فِي الْبَحْرِ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَبَيْنَمَا الْمَوْجُ يَرْفَعُهُ وَيَضَعُهُ إِذْ نَظَرَ إِلَى الشَّمْسِ قَدْ زَالَتْ، فَنَوَى الْوُضُوءَ وَانْغَمَسَ فِي الْمَاءِ ثُمَّ صَعِدَ فَإِذَا خَشَبَةٌ فَرَكِبَهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا، وَرَزَقَهُ اللَّهُ السَّلَامَةَ بِبَرَكَةِ امتثاله للأمر، واجتهاده على العمل، وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ دَهْرًا، وَتُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً.
مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله بن الحسن (3) أَبُو بَكْرٍ النَّاصِحُ الْفَقِيهُ الْحَنَفِيُّ الْمُنَاظِرُ الْمُتَكَلِّمُ المعتزلي، ولي القضاء بنيسابور، ثم عزل لجنونه وكلامه وأخذه الرُّشَا، وَوَلِيَ قَضَاءَ الرَّيِّ، وَقَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ، وَكَانَ مِنْ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ.
تُوُفِّيَ فِي
رَجَبٍ (4) منها.
أرتق بن ألب التركماني جد الملوك الارتقية الذي هم مُلُوكُ مَارْدِينَ، كَانَ شَهْمًا شُجَاعًا عَالِيَ الْهِمَّةَ، تَغَلَّبَ عَلَى بِلَادٍ كَثِيرَةٍ وَقَدْ تَرْجَمَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ وَأَرَّخَ وَفَاتَهُ بِهَذِهِ السَّنَةِ.
ثُمَّ دَخَلَتْ سنة خمس وثمانين وأربعمائة فيها أمر السلطان ملكشاه ببناء سور سُوقِ الْمَدِينَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِطُغْرُلْبَكَ، إِلَى جَانِبِ دَارِ الملك
،
(1) في الكامل 10 / 200 عبد الرحمن بن محمد بن علك.
وفي شذرات الذهب 3 / 372: عبد الرحمن بن أحمد بن علك بن دات.
(2)
في الوافي وتذكرة الحفاظ: المقرئ ابن حامد الكركانجي.
نسبة إلى كركانج وهي مدينة خوارزم (3) في الكامل 1 / 201 والوافي بالوفيات 3 / 338: الحسين.
(4)
كذا بالاصل وابن الاثير، وذكرت وفاته في الوافي سنة 485 هـ.
(*)
وَجَدَّدَ خَانَاتِهَا وَأَسْوَاقَهَا وَدُورَهَا، وَأَمَرَ بِتَجْدِيدِ الْجَامِعِ الَّذِي تَمَّ عَلَى يَدِ هَارُونَ الْخَادِمِ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَوَقَفَ عَلَى نَصْبِ قبلته بنفسه، ومنجمه إبراهيم حاضر، ونقلت أَخْشَابُ جَامِعِ سَامَرَّا، وَشَرَعَ نِظَامُ الْمُلْكِ فِي بناء دار له هائلة، وَكَذَلِكَ تَاجُ الْمُلُوكِ أَبُو الْغَنَائِمِ، شَرَعَ فِي بناء دار هائلة أيضاً، واستوطنوا بَغْدَادُ.
وَفِي جُمَادَى الْأُولَى وَقَعَ حَرِيقٌ عَظِيمٌ ببغداد في أماكن شتى، فما طفئ حتى هلك للناس شئ كَثِيرٌ، فَمَا عَمَّرُوا بِقَدْرِ مَا حُرِقَ وَمَا غَرِمُوا.
وَفِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ خَرَجَ السُّلْطَانُ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَفِي صُحْبَتِهِ وَلَدُ الْخَلِيفَةِ أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرٌ، ثُمَّ عَادَ إِلَى بَغْدَادَ فِي رَمَضَانَ، فبينما هو في الطريق (1) يوم عاشوراء عَدَا صَبِيٌّ مِنَ الدَّيْلَمِ عَلَى الْوَزِيرِ نِظَامِ الْمُلْكِ، بَعْدَ أَنْ أَفْطَرَ، فَضَرَبَهُ بِسِكِّينٍ فَقَضَى عليه بعد ساعة (2) ، وَأُخِذَ الصَّبِيُّ الدَّيْلَمِيُّ فَقُتِلَ، وَقَدْ كَانَ مِنْ كِبَارِ الْوُزَرَاءِ وَخِيَارِ الْأُمَرَاءِ وَسَنَذْكُرُ شَيْئًا مِنْ سِيرَتِهِ عِنْدَ ذِكْرِ تَرْجَمَتِهِ، وَقَدِمَ السُّلْطَانُ بَغْدَادَ فِي رَمَضَانَ بِنِيَّةٍ غَيْرِ صَالِحَةٍ، فَلَقَّاهُ اللَّهُ فِي نَفْسِهِ مَا تَمَنَّاهُ لِأَعْدَائِهِ، وَذَلِكَ أنَّه لَمَّا اسْتَقَرَّ رِكَابُهُ بِبَغْدَادَ، وَجَاءَ النَّاسُ لِلسَّلَامِ
عَلَيْهِ، وَالتَّهْنِئَةِ بِقُدُومِهِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ يُهَنِّئُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَقُولُ لَهُ: لَا بدَّ أن تنزل لي عن بَغْدَادَ، وَتَتَحَوَّلَ إِلَى أَيِّ الْبِلَادِ شِئْتَ.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ يَسْتَنْظِرُهُ شَهْرًا، فَرَدَّ عَلَيْهِ: وَلَا سَاعَةً وَاحِدَةً، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَتَوَسَّلُ فِي إِنْظَارِهِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، فَأَجَابَ إِلَى ذَلِكَ بَعْدَ تَمَنُّعٍ شَدِيدٍ، فَمَا اسْتَتَمَّ الْأَجَلُ حَتَّى خَرَجَ السُّلْطَانُ يَوْمَ عِيدِ الْفِطْرِ إِلَى الصَّيْدِ فَأَصَابَتْهُ حُمَّى شَدِيدَةٌ، فَافْتَصَدَ فَمَا قَامَ مِنْهَا حَتَّى مَاتَ قَبْلَ الْعَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ (3) .
فَاسْتَحْوَذَتْ زوجته زبيدة (4) خاتون على الجيش، وضبطت الأموال والأحوال جَيِّدًا، وَأَرْسَلَتْ إِلَى الْخَلِيفَةِ تَسْأَلُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ وَلَدُهَا مَحْمُودٌ مَلِكًا بَعْدَ أَبِيهِ، وَأَنْ يُخْطَبَ لَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ، فَأَجَابَهَا إِلَى ذَلِكَ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِالْخِلَعِ، وَبَعَثَ يُعَزِّيهَا وَيُهَنِّئُهَا مَعَ وزيره عميد الدولة بن جَهِيرٍ، وَكَانَ عُمُرُ الْمَلِكِ مَحْمُودٍ هَذَا يَوْمَئِذٍ خَمْسَ سِنِينَ (5) ، ثُمَّ أَخَذَتْهُ وَالِدَتُهُ فِي الْجُيُوشِ وسارت به نحو أصبهان ليتوطد لَهُ الْمُلْكَ، فَدَخَلُوهَا وَتَمَّ لَهُمْ مُرَادُهُمْ، وَخُطِبَ لهذا الغلام في البلدان حَتَّى فِي الْحَرَمَيْنِ، وَاسْتُوْزِرَ لَهُ تَاجُ الْمُلْكِ أبا الغنائم المرزبان بن خسرو، وأرسلت أمه إلى الخليفة تسأله أن تكون ولايات العمال إليه، فامتنع الخليفة ووافقه الغزالي على ذلك، وأفتى العلماء بجواز ذلك، منهم المتطبب بن محمد الحنفي، فَلَمْ يُعْمَلْ إِلَّا بِقَوْلِ الْغَزَّالِيِّ، وَانْحَازَ أَكْثَرُ جيش السلطان إلى ابنه الآخر بركيارق فَبَايَعُوهُ وَخَطَبُوا لَهُ بِالرَّيِّ، وَانْفَرَدَتِ الْخَاتُونُ وَوَلَدُهَا ومعهم شرذة
(1) بالقرب من نهاوند (الكامل - العبر لابن خلدون - مختصر أخبار البشر) .
وفي شذرات الذهب وروضات الجنات: قرية يقال لها: سحنة.
(2)
قال في الوافي 12 / 125: ويقال: إن السلطان دس عليه من قتله لانه سئم طول حياته، واستكثر ما بيده من الاقطاعات.
ولم يعش السلطان بعده سوى خمسة وثلاثين يوما.
(3)
يذكر ابن الأثير هنا رواية أخرى.
انظر (الكامل 10 / 210 والعبر لابن خلدون 3 / 478) .
(4)
في الكامل: تركان.
وفي العبر: تركمان.
أما زبيدة بنت عم ملك شاه فهى أم بركيارق (العبر) .
(5)
في الكامل 10 / 214: أربع سنين وشهور، وفي العبر 3 / 478: أربع سنين.
(*)