الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسلم الله والخليفة وَأَهْلَهُ، فَأَصْبَحَ فَتَصَدَّقَ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، وَأَطْلَقَ خَلْقًا مِنَ الْمُحْبَسِينَ.
وَفِي رَجَبٍ مِنْهَا وَقَعَ بَيْنَ الْخَلِيفَةِ وَالسُّلْطَانِ مَسْعُودٍ وَاقِعٌ فَبَعْثَ الْخَلِيفَةُ إِلَى الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ فَأُغْلِقَتْ ثَلَاثَةَ أيَّام، حَتَّى اصْطَلَحَا.
وفي يوم الجمعة نصف ذِي الْقَعْدَةِ جَلَسَ ابْنُ الْعَبَّادِيِّ الْوَاعِظُ فَتَكَلَّمَ وَالسُّلْطَانُ مَسْعُودٌ
حَاضِرٌ، وَكَانَ قَدْ وَضَعَ عَلَى النَّاس فِي الْبَيْعِ مَكْسًا فَاحِشًا، فَقَالَ فِي جُمْلَةِ وَعْظِهِ: يَا سُلْطَانَ الْعَالَمِ، أَنْتَ تُطْلِقُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لِلْمُغَنِّي إِذَا طَرِبْتَ قَرِيبًا مما وضعت على المسلمين من هذه الْمَكْسِ، فَهَبْنِي مُغَنِّيًا وَقَدْ طَرِبْتَ فَهَبْ لِي هَذَا الْمَكْسَ شُكْرًا لِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْكَ.
فَأَشَارَ السُّلْطَانُ بِيَدِهِ أَنْ قَدْ فَعَلْتُ، فَضَجَّ النَّاسُ بِالدُّعَاءِ لَهُ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ سِجِلَّاتٍ، وَنُودِيَ فِي الْبَلَدِ بِإِسْقَاطِ ذَلِكَ الْمَكْسِ، فَفَرِحَ النَّاسُ بِذَلِكَ ولله الحمد والمنة.
وفيها قَلَّ الْمَطَرُ جِدًّا، وَقَلَّتْ مِيَاهُ الْأَنْهَارِ، وَانْتَشَرَ جَرَادٌ عَظِيمٌ، وَأَصَابَ النَّاسَ دَاءٌ فِي حُلُوقِهِمْ، فمات بذلك خلائق كثيرة فإنا الله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَفِيهَا قُتِلَ الْمَلِكُ عِمَادُ الدين زنكي بن قيم الدولة التركي صاحب الموصل، وحلب وغيرها من البلاد الشامية والجزيرة، وكان محاصراً قلعة جعبر، وفيها شهاب الدين سالم بن ملك الْعُقَيْلِيُّ، فَبَرْطَلَ بَعْضَ مَمَالِيكِ زَنْكِيٍّ حَتَّى قَتَلُوهُ فِي اللَّيْلَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ (1) مِنْ هذه السنة.
قال العماد الكاتب: كان سكراناً فالله أعلم.
وقد كان زنكي مِنْ خِيَارِ الْمُلُوكِ وَأَحْسَنِهِمْ سِيرَةً وَشَكْلًا، وَكَانَ شُجَاعًا مِقْدَامًا حَازِمًا، خَضَعَتْ لَهُ مُلُوكُ الْأَطْرَافِ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ غَيْرَةً عَلَى نِسَاءِ الرعية، وأجود الملوك معاملة، وأرفقهم بالعامة، وقام بالأمر من بعده بالموصل ولده سيف الدولة، وبحلب نُورُ الدِّينِ مَحْمُودٌ، فَاسْتَعَادَ نُورُ الدِّينِ هَذَا مدينة الرها، وكان أبوه قد فتحها.
فلما مات عصوا فقهرهم نور الدين.
وفيها ملك عبد المؤمن صاحب المغرب وخادم ابن تومرت جَزِيرَةَ الْأَنْدَلُسِ، بَعْدَ حُرُوبٍ طَوِيلَةٍ.
وَفِيهَا مَلَكَتِ الفرنج مَدِينَةَ طَرَابُلُسَ الْغَرْبِ، وَفِيهَا اسْتَعَادَ صَاحِبُ دِمَشْقَ مدينة بعلبك.
وفيها جاء نجم الدين أيوب إلى صاحب دمشق فسلمه القلعة وأعطاه أمزبة عِنْدَهُ بِدِمَشْقَ.
وَفِيهَا قَتَلَ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ حَاجِبَهُ عبد الرحمن بن طغرلبك (2) وَقَتَلَ عَبَّاسًا صَاحِبَ الرَّيِّ، وَأَلْقَى رَأْسَهُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَانْزَعَجَ النَّاسُ وَنَهَبُوا خِيَامَ عبَّاس هَذَا، وَقَدْ كَانَ عَبَّاسٌ مِنَ الشُّجْعَانِ الْمَشْهُورِينَ، قَاتَلَ الْبَاطِنِيَّةَ مَعَ مَخْدُومِهِ جَوْهَرٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَقْتُلُ منهم حتى بنى مأذنة من رؤوسهم بِمَدِينَةِ الرَّيِّ.
وَفِيهَا مَاتَ نَقِيبُ النُّقَبَاءِ بِبَغْدَادَ محمد بن طراد الزينبي، فتولى بَعْدَهُ عَلِيُّ بْنُ طَلْحَةَ الزَّيْنَبِيُّ.
وَفِيهَا سَقَطَ جِدَارٌ عَلَى ابْنَةِ الْخَلِيفَةِ، وَكَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ مَبَالِغَ النِّسَاءِ، فَمَاتَتْ فَحَضَرَ جِنَازَتَهَا الْأَعْيَانُ.
وَحَجَّ بالناس قطز الخادم.
وممن توفي فيها
من الأعيان.. (1) في الكامل 11 / 110: ربيع الآخر.
(2)
في الكامل 11 / 116: طغايرك ; وفي ابن خلدون: طغابرك.
(*)
زنكي بن اقسنقر تقدم ذكر شئ من ترجمته، وهو أبو نور الدين محمود الشهيد، وقد أطنب الشيخ أَبُو شَامَةَ فِي الرَّوْضَتَيْنِ فِي تَرْجَمَتِهِ، وَمَا قِيلَ فِيهِ مِنْ نَظْمٍ وَنَثْرٍ رحمه الله.
سعد الخير مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَبُو الْحَسَنِ المغربي الأندلسي الأنصاري، رحل وَحَصَّلَ كُتُبًا نَفِيسَةً، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وغيره، وقد أوصى عند وفاته أَنْ يصلِّي عَلَيْهِ الْغَزْنَوِيُّ، وَأَنْ يُدْفَنَ عِنْدَ قَبْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَحَضَرَ جِنَازَتَهُ خَلَائِقُ مِنَ النَّاسِ.
شَافِعُ بْنُ عَبْدِ الرشيد ابن الْقَاسِمِ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجِيلِيُّ الشَّافِعِيُّ، تَفَقَّهَ على الكيا وَعَلَى الْغَزَالِيِّ، وَكَانَ يَسْكُنُ الْكَرْخَ، وَلَهُ حَلْقَةٌ بِجَامِعِ الْمَنْصُورِ فِي الرُّوَاقِ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَكُنْتُ أَحْضُرُ حَلْقَتَهُ.
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ ابن أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ أَبِي مَنْصُورٍ الزَّاهِدُ، قَرَأَ الْقِرَاءَاتِ وَصَنَّفَ فِيهَا، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَاقْتَنَى الْكُتُبَ الْحَسَنَةَ، وَأَمَّ فِي مَسْجِدِهِ نَيِّفًا وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَعَلَّمَ خَلْقًا القرآن.
قال ابن الجوزي: ما سمعت أحد أَحْسَنَ قِرَاءَةً مِنْهُ، وَحَضَرَ جِنَازَتَهُ خلقٌ كثيرٌ.
عَبَّاسٌ شِحْنَةُ الرَّيِّ تَوَصَّلَ إِلَى أَنْ مَلَكَهَا ثم قتله مسعود، وَقَدْ كَانَ كَثِيرَ الصَّدَقَاتِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الرَّعِيَّةِ، وقتل من الباطنية خلقاً حتى بنى من رؤوسهم منارة بالري، وتأسف الناس عليه.
محمد بن طراد
ابن محمد الزينبي، أبو الحسن نقيب النقباء، وَهُوَ أَخُو عَلِيِّ بْنِ طِرَادٍ الْوَزِيرِ، سَمِعَ الكثير من أبيه ومن عمه أَبِي نَصْرٍ وَغَيْرِهِمَا، وَقَارَبَ السَّبْعِينَ.
(*)