الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَوَلَّى شَبَابِي كَأَنْ لَمْ يَكُنْ * وَجَاءَ الْمَشِيبُ كَأَنْ لَمْ يَزَلْ (1) كَأَنِّي بِنَفْسِي عَلَى غِرَّةٍ * وَخَطْبُ الْمَنُونِ بِهَا قَدْ نَزَلْ فَيَا لَيْتَ شِعْرِيَ مِمَّنْ أَكُونُ * وَمَا قَدَّرَ اللَّهُ لِي في الأزل قال: وقد التزم فيها بما لم يلزم وهو الزاي مع اللَّامِ.
قَالَ: وَكَانَ أَخُوهُ صَائِنُ الدِّينِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ مُحَدِّثًا فَقِيهًا، اشْتَغَلَ بِبَغْدَادَ عَلَى أَسْعَدَ الْمِيهَنِيِّ، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ فَدَرَّسَ بالغزالية وتوفي بها عن ثلاث وستين سنة.
ثم دخلت سنة ثنتين وسبعين وخمسمائة استهلت هذه السنة والناصر محاصر حلب
، فَسَأَلُوهُ وَتَوَسَّلُوا إِلَيْهِ أَنْ يُصَالِحَهُمْ فَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ تَكُونَ حَلَبُ وَأَعْمَالُهَا لِلْمَلِكِ الصَّالِحِ فَقَطْ، فكتبوا بذلك الكتاب، فلما كان المساء بعث السلطان
الصالح إسماعيل يطلب منه زيادة قلعة إعزاز، وَأَرْسَلَ بِأُخْتٍ لَهُ صَغِيرَةٍ وَهِيَ الْخَاتُونُ بِنْتُ نور الدين ليكون ذلك أدعى له بقبول السؤال، وأنجع في حصول النوال، فحين رآها السلطان قام قائماً، وَقَبَّلَ الْأَرْضَ وَأَجَابَهَا إِلَى سُؤَالِهَا، وَأَطْلَقَ لَهَا من الجواهر والتحف شيئاً كثيراً، ثم ترحل عن حلب فقصد الفداوية الذين اعتدوا عليه فحاصر حصنهم مصبات (2) فقتل وسبى وحرق وأخذ أبقارهم وخربت ديارهم، ثم شَفَعَ فِيهِمْ خَالُهُ شِهَابُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ تتش صاحب حماه، لأنهم جيرانه، فقبل شفاعته، وأحضر إِلَيْهِ نَائِبُ بَعْلَبَكَّ الْأَمِيرُ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بن عبد الملك مُقَدَّمٍ، الَّذِي كَانَ نَائِبَ دِمَشْقَ، جَمَاعَةً مِنْ أسارى الفرنج (3) الذين عاثوا في البقاع في غيبته، فجدد ذلك له الغزو في الفرنج، فصالح الفداوية الْإِسْمَاعِيلِيَّةَ أَصْحَابَ سِنَانٍ، ثُمَّ كَرَّ رَاجِعًا إِلَى دمشق فتلقاه أخوه شمس الدولة توران شاه، فلقبه الملك المعظم، وعزم الناصر على دخول مصر، وكان القاضي كمال الدين محمد الشهرزوري قد توفي في السادس من الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَدْ كَانَ مِنْ خِيَارِ الْقُضَاةِ وَأَخَصِّ النَّاسِ بِنُورِ الدِّينِ الشَّهِيدِ، فَوَّضَ إِلَيْهِ نَظَرَ الْجَامِعِ وَدَارَ الضَّرْبِ وَعِمَارَةَ الْأَسْوَارِ وَالنَّظَرَ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ.
وَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَوْصَى بِالْقَضَاءِ لِابْنِ أَخِيهِ ضِيَاءِ الدِّينِ بن تاج الدين الشهرزوري، مع أنه كان يجد عليه، لما كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِينَ كَانَ صَلَاحُ الدِّينِ سجنه بِدِمَشْقَ، وَكَانَ يُعَاكِسُهُ وَيُخَالِفُهُ، وَمَعَ هَذَا أَمْضَى وَصِيَّتَهُ لِابْنِ أَخِيهِ، فَجَلَسَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ على عادة عمه وقاعدته، وبقي في نفس
(1) البيت منسوب لعلي بن جبلة المعروف بالعكوك من تغيير يسير: شَبَابٌ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ * وَشِيبٌ كَأَنْ لَمْ يزل (2) في الروضتين 1 / 2 / 669 مصياث ; وفي معجم البلدان: مصياث أو مصياف أو مصياب: حصن الاسماعيلية، الحشيشية بالشام قرب طرابلس.
(3)
أكثر من مائتي أسير (الروضتين 1 / 2 / 669) .
(*)
السلطان من تولية شرف الدين أبي سعيد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَصْرُونَ الْحَلَبِيِّ، وَكَانَ قَدْ هَاجَرَ إِلَى السُّلْطَانِ إِلَى دِمَشْقَ فَوَعْدَهُ أن يوليه قضاءها، وأسر بذلك إلى القاضي الفاضل، فأشار الْفَاضِلُ عَلَى
الضِّيَاءِ أَنْ يَسْتَعْفِيَ مِنْ الْقَضَاءِ فَاسْتَعْفَى فَأُعْفِيَ، وَتُرِكَ لَهُ وَكَالَةُ بَيْتِ الْمَالِ، وَوَلَّى السُّلْطَانُ ابْنَ أَبِي عَصْرُونَ عَلَى أَنْ يستنيب القاضي محيي الدين أبي المعالي محمد بن زكي الدين، ففعل ذلك، ثم بعد اسْتَقَلَّ بِالْحُكْمِ مُحْيِي الدِّينِ أَبُو حَامِدِ بْنُ أَبِي عَصْرُونَ عِوَضًا عَنْ أَبِيهِ شَرَفِ الدِّينِ، بسبب ضعف بصره.
وفي صفر منها وقف السلطان النَّاصِرُ قَرْيَةَ حَزْمٍ عَلَى الزَّاوِيَةِ الْغَزَّالِيَّةِ، وَمَنْ يشتغل بها بالعلوم الشرعية، وما يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْفَقِيهُ، وَجَعَلَ النَّظَرَ لِقُطْبِ الدِّينِ النَّيْسَابُورِيِّ مُدَرِّسِهَا.
وَفِي هَذَا الشَّهْرِ تَزَوَّجَ السُّلْطَانُ الملك الناصر بِالسِّتِّ خَاتُونَ عِصْمَةِ الدِّينِ بِنْتِ مُعِينِ الدِّينِ أنر، وكانت زوجة نور الدين محمود، وكانت مقيمة بالقلعة، وَوَلِيَ تَزْوِيجَهَا مِنْهُ أَخُوهَا الْأَمِيرُ سَعْدُ الدِّينِ بن أنر، وحضر القاضي ابن عَصْرُونَ الْعَقْدَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْعُدُولِ، وَبَاتَ النَّاصِرُ عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَالَّتِي بَعْدَهَا، ثُمَّ سافر إلى مصر بعد يومين، ركب يوم الجمعة قبل الصلاة فنزل مرج الصفر، ثم سافر فعشا قريباً من الصفين (1) ، ثم سار فدخل مصر يَوْمَ السَّبْتِ سَادِسَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هذه السنة، وتلقاه أخوه ونائبه عليها الْمَلِكُ الْعَادِلُ سَيْفُ الدِّينِ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عند بحر القلزم، ومعه من الهدايا شئ كثير من المآكل المتنوعة وغيرها، وَكَانَ فِي صُحْبَةِ السُّلْطَانِ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ، وَلَمْ يكن ورد الديار المصرية قبل ذلك، فجعل يَذْكُرُ مَحَاسِنَهَا وَمَا اخْتُصَّتْ بِهِ مِنْ بَيْنِ البلدين، وذكر الأهرام وَشَبَّهَهُمَا بِأَنْوَاعٍ مِنَ التَّشْبِيهَاتِ، وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ حَسْبَ مَا ذَكَرَ فِي الرَّوْضَتَيْنِ.
وَفِي شَعْبَانَ منها ركب الناصر إلى الإسكندرية فأسمع ولديه الفاضل علي وَالْعَزِيزَ عُثْمَانَ عَلَى الْحَافِظِ السَّلَفِيِّ (2) ، وَتَرَدَّدَ بِهِمَا إِلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ الْخَمِيسَ وَالْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ رَابِعَ رمضان، وعز الناصر على تمام الصِّيَامِ بِهَا، وَقَدْ كَمَّلَ عِمَارَةَ السُّورِ عَلَى الْبَلَدِ، وَأَمَرَ بِتَجْدِيدِ الْأُسْطُولِ وَإِصْلَاحِ مَرَاكِبِهِ وَسُفُنِهِ وشحنه بالمقاتلة وَأَمَرَهُمْ بِغَزْوِ جَزَائِرِ الْبَحْرِ، وَأَقْطَعَهُمُ الْإِقْطَاعَاتِ الْجَزِيلَةَ على ذلك، وأرصد للأسطول من بيت المال ما يكفيه لجميع شؤونه، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْقَاهِرَةِ فِي أَثْنَاءِ رَمَضَانَ فأكمل صومه.
وفيها أمر الناصر ببناء مدرسة للشافعية على قبر الشَّافِعِيِّ، وَجَعَلَ الشَّيْخَ نَجْمَ الدِّينِ الْخُبُوشَانِيَّ مُدَرِّسَهَا وَنَاظِرَهَا.
وَفِيهَا أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَارَسْتَانِ بِالْقَاهِرَةِ وَوَقَفَ عليه وقوفاً كثيرة.
وفيها بنى الأمير مجاهد
(1) في الروضتين 1 / 2 / 679: الصنمتين.
(2)
وهو عماد الدين أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي، والسلفي نسبة إلى سلفة، وهو لفظ أعجمي معناه ثلاث شفاه، لان إحدى شفتيه كانت مشقوقة.
واستقر السلفي في الاسكندرية سنة 511 وتوفي سنة 576 (وفيات الاعيان - طبقات الشافعية - تذكرة الحافظ) .
(*)