الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجبال، وهلك جماعة، وخسف بِعِدَّةِ قُرًى، وَخَرَجَ النَّاسُ إِلَى الصَّحْرَاءِ وَأَقَامُوا هنالك، ووقع حريق بنهر معلى (1) فاحترق مائة دكان وثلاثة دور، وذهب للناس شئ كثير، ونهب بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَفِي شَعْبَانَ وقع قتال بدمشق فأحرقوا داراً كانت قريبة من الجامع، فَاحْتَرَقَ جَامِعُ دِمَشْقَ.
كَذَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: والصحيح المشهور أن حريق جامع دمشق إنما هو في ليلة النصف من شعبان سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ بَعْدِ ثَلَاثِ سِنِينَ مما قال، وَأَنَّ غِلْمَانَ الْفَاطِمِيِّينَ اقْتَتَلُوا مَعَ غِلْمَانِ الْعَبَّاسِيِّينَ فَأُلْقِيَتْ نَارٌ بِدَارِ الْإِمَارَةِ، وَهِيَ الْخَضْرَاءُ، فَاحْتَرَقَتْ وتعدى حريقها حتى وصل إلى الجامع فسقطت سقوفه، وبادت زخرفته، وتلف رخامه، وبقي كأنه خربة، وبادت الخضراء فصارت كوماً من تراب بعد ما كانت في غاية الإحكام والإتقان، وطيب الفناء، ونزهة المجالس، وحسن المنظر، فَهِيَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا لَا يَسْكُنُهَا لِرَدَاءَةِ مكانها إلا سفلة الناس وأسقاطهم، بعد ما كانت دار الخلافة والملك وَالْإِمَارَةِ، مُنْذُ أَسَّسَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وأما الجامع الأموي فإنَّه لم يكن على وجه الأرض شئ أحسن منه ولا أبهى منظراً، إِلَى أَنِ احْتَرَقَ فَبَقِيَ خَرَابًا مُدَّةً طَوِيلَةً ثُمَّ شَرَعَ الْمُلُوكُ فِي تَجْدِيدِهِ وَتَرْمِيمِهِ، حَتَّى بُلِّطَ فِي زَمَنِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أيوب، ولم يزالوا فِي تَحْسِينِ مَعَالِمِهِ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا، فَتَمَاثَلَ وهو بالنسبة إلى حاله الأول كلا شئ، وَلَا زَالَ التَّحْسِينُ فِيهِ إِلَى أَيَّامِ الْأَمِيرِ سيف الدين
بتكنزين عبد الله الناصري، في حدود سنة ثلاث وَسَبْعِمِائَةٍ، وَمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا بِيَسِيرٍ.
وَفِيهَا رخصت الأسعار ببغداد رخصاً كثيراً، ونقصت دجلة نقصاً بيناً.
وَفِيهَا أَخَذَ الْمَلِكُ أَلْبُ أَرْسَلَانَ الْعَهْدَ بِالْمُلْكِ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ مَلِكْشَاهْ، وَمَشَى بَيْنَ يَدَيْهِ بالغاشية والأمراء يمشون بين يديه، وكان يوماً مشهوداً.
وحج بالناس فيها نُورُ الْهُدَى أَبُو طَالِبٍ الْحُسَيْنُ بْنُ نِظَامِ الحضرتين الزينبي وجاور بمكة.
وفيها توفي
من الأعيان
…
الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الله بن موسى أبو بكر البيهقي، له التصانيف التي سارت بها الركبان إلى سائر الأمصار، ولد سنة أربع وثمانين وثلثمائة، وكان أوحد أهل زَمَانِهِ فِي الْإِتْقَانِ وَالْحِفْظِ وَالْفِقْهِ وَالتَّصْنِيفِ، كَانَ فَقِيهًا مُحَدِّثًا أُصُولِيًّا، أَخَذَ الْعِلْمَ عَنِ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيِّ، وَسَمِعَ عَلَى غَيْرِهِ شيئاً كثيراً، وجمع أشياء كثيرة نافعة، لَمْ يُسْبَقْ إِلَى مِثْلِهَا، وَلَا يُدْرَكُ فِيهَا، منها كِتَابُ السُّنَنِ الْكَبِيرِ، وَنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ كُلٌّ فِي عشر مجلدات، والسنن الصغير،
(1) من الكامل ومعجم البلدان، وفي الاصل " يعلى ".
وقيل: المعلى، نسبة إلى المعلى بن طريف مولى المهدي وكان من كبار قواد الرشيد.
(*)
وَالْآثَارِ، وَالْمَدْخَلِ، وَالْآدَابِ وَشُعَبِ الْإِيمَانِ، وَالْخِلَافِيَّاتِ، وَدَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ الْمُفِيدَةِ، الَّتِي لَا تُسَامَى وَلَا تُدَانَى، وَكَانَ زَاهِدًا مُتَقَلِّلًا مِنَ الدُّنْيَا، كَثِيرَ العبادة والورع، توفي بِنَيْسَابُورَ، وَنُقِلَ تَابُوتُهُ إِلَى بَيْهَقَ فِي جُمَادَى الأولى منها.
الحسن بن غالب ابن علي بن غالب بن منصور صُعْلُوكٍ، أَبُو عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ الْمُبَارَكِ المقري، صحب ابن سمعون، وقرأ الْقُرْآنَ عَلَى حُرُوفٍ أُنْكِرَتْ عَلَيْهِ، وَجُرِّبَ عَلَيْهِ الْكَذِبُ، إمَّا عَمْدًا وإمَّا خَطَأً، وَاتُّهِمَ فِي رواية كثيرة، وكان أبو بكر الْقَزْوِينِيُّ مِمَّنْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ، وَكُتِبَ عَلَيْهِ مَحْضَرٌ بِعَدَمِ الْإِقْرَاءِ
بِالْحُرُوفِ الْمُنْكَرَةِ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ السمرقندي: كان كذاباً، توفي فيها عن ثنتين وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَدُفِنَ عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: أَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ أَبِي الْفَتْحِ نصر بْنِ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيِّ الْمَرْوَزِيِّ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ وَاشْتُهِرَ بِهِ، وَرَحَلَ فِي طَلَبِهِ.
الْقَاضِي أبو يعلى بن الفرا الحنبلي محمد بن الحسن (1) بن محمد بن خلف بن أحمد الفرا الْقَاضِي، أَبُو يَعْلَى شَيْخُ الْحَنَابِلَةِ، وَمُمَهِّدُ مَذْهَبِهِمْ فِي الْفُرُوعِ، وُلِدَ فِي مُحَرَّمٍ سَنَةَ ثَمَانِينَ وثلثمائة، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَحَدَّثَ عَنِ ابْنِ حُبَابَةَ.
قال ابن الجوزي: وكان من سادات العلماء الثِّقَاتِ، وَشَهِدَ عِنْدَ ابْنِ مَاكُولَا وَابْنِ الدَّامَغَانِيِّ فقبلاه، وتولى النظر في الحكم بحريم الْخِلَافَةِ، وَكَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْهِ، لَهُ التَّصَانِيفُ الْحِسَانِ الْكَثِيرَةُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَدَرَّسَ وَأَفْتَى سنين، وانتهت إليه رياسة الْمَذْهَبُ، وَانْتَشَرَتْ تَصَانِيفُهُ وَأَصْحَابُهُ، وَجَمَعَ الْإِمَامَةَ وَالْفِقْهَ وَالصِّدْقَ، وَحُسْنَ الْخُلُقِ، وَالتَّعَبُّدَ وَالتَّقَشُّفَ وَالْخُشُوعَ، وَحُسْنَ السمت، والصمت عما لا يعني توفي في العشرين من رمضان منها عَنْ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَاجْتَمَعَ فِي جِنَازَتِهِ القضاة والأعيان، وَكَانَ يَوْمًا حَارًّا، فَأَفْطَرَ بَعْضُ مَنِ اتَّبَعَ جنازته، وَتَرَكَ مِنَ الْبَنِينَ عُبَيْدَ اللَّهِ أَبَا الْقَاسِمِ، وَأَبَا الْحُسَيْنِ وَأَبَا حَازِمٍ، وَرَآهُ بَعْضُهُمْ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ فَقَالَ: رَحِمَنِي وَغَفَرَ لِي وَأَكْرَمَنِي، وَرَفَعَ مَنْزِلَتِي، وَجَعَلَ يَعُدُّ ذَلِكَ بِأِصْبَعِهِ، فَقَالَ: بِالْعِلْمِ؟ فَقَالَ: بَلْ بالصدق.
ابن سيده صاحب المحكم في اللغة، أَبُو الْحُسَيْنِ (2) عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمُرْسِيُّ (3) ، كَانَ إماماً حافظاً في
(1) في الكامل 10 / 52 وتذكرة الحفاظ / 1135: الحسين.
انظر ترجمته في العبر 3 / 243 المنتظم 8 / 243 الوافي 3 / 7 تاريخ بغداد 2 / 256 المنهج الاحمد 2 / 128.
(2)
في ابن خلكان 3 / 330 وشذرات الذهب 3 / 305: أبو الحسن.
(انظر مختصر أخبار البشر 2 / 186) .
(*)