الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُعَسْكَرِ فَأُلْبِسَ جِلْدَ ثَوْرٍ بِقَرْنَيْهِ، وَعُلِّقَ بِكَلُّوبٍ في شدقيه، ورفع إلى الخشبة، فَجَعَلَ يَضْطَرِبُ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ فَمَاتَ رحمه الله.
وَكَانَ آخِرُ كَلَامِهِ أَنْ قَالَ: الْحَمْدُ لله الذي أحياني سعيداً، وأماتني شهيداً.
وفيها وَقَعَ بَرَدٌ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ أَهْلَكَ كَثِيرًا مِنَ الْغَلَّاتِ، وَقُتِلَ بَعْضُ الْفَلَّاحِينَ، وَزَادَتْ دِجْلَةُ زِيَادَةً كثيرة، وزلزلت بغداد في هذه السنة قَبْلَ الْفِتْنَةِ بِشَهْرٍ زِلْزَالًا شَدِيدًا، فَتَهَدَّمَتْ دُورٌ كثيرة، ووردت الأخبار أن هذه الزلزلة اتصلت بهمذان وواسط، وتكريت، وعانة، وذكر أن
الطواحين وقفت من شدتها.
وفيها كَثُرَ النَّهْبُ بِبَغْدَادَ حَتَّى كَانَتِ الْعَمَائِمُ تُخْطَفُ عن الرؤوس، وخطفت عمامة الشيخ أبي نصر بن الصباغ، وطيلسانه وهو ذاهب إلى صلاة الجمعة.
وفي أواخر السَّنَةِ خَرَجَ السُّلْطَانُ طُغْرُلْبَكُ مِنْ هَمَذَانَ فَقَاتَلَ أخاه وانتصر عليه، ففرح الناس وتباشروا بذلك، وَلَمْ يُظْهِرُوا ذَلِكَ خَوْفًا مِنَ الْبَسَاسِيرِيِّ، وَاسْتَنْجَدَ طُغْرُلْبَكُ بِأَوْلَادِ أَخِيهِ دَاوُدَ - وَكَانَ قَدْ مَاتَ - على أخيه إبراهيم فغلبوه وأسروه فِي أَوَائِلِ سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِينَ، وَاجْتَمَعُوا عَلَى عَمِّهِمْ طُغْرُلْبَكَ، فَسَارَ بِهِمْ نَحْوَ الْعِرَاقِ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي السَّنَةِ الآتية إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ
مِنَ الْأَعْيَانِ
…
الحسن (1) بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْوَنِّيُّ الْفَرَضِيُّ، وهو شيخ الحربي، وكان شافعي المذهب، قتل في بغداد فِي فِتْنَةِ الْبَسَاسِيرِيِّ وَدُفِنِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ يوم عرفة منها.
داود أخو طغرلبك وكان الأكبر منهم، توفي فيها وقام أولاده مقامه.
أبو الطيب الطبري الفقيه، شيخ الشافعية، طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرِ بْنِ عمر، ولد بآمل طبرستان سنة ثمان وأربعين وثلثمائة، سمع الحديث بِجُرْجَانَ مِنْ أَبِي أَحْمَدَ الْغِطْرِيفِيِّ، وَبِنَيْسَابُورَ مِنْ أبي الحسن الماسرجسي، وعليه درس الفقه أيضاً وعلى أَبِي عَلِيٍّ الزَّجَّاجِيِّ، وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ كَجٍّ، ثم اشتغل ببغداد على أبي حامد الاسفراييني، وشرح المختصر وفروع ابن الحداد، وصنف في الأصول
(1) في وفيات الاعيان 2 / 138: الحسين.
وترجمته في طبقات السبكي 3 / 163 ونكت الهميان ص 145 وسيرد في وفيات سنة 451 هـ.
(*)
وَالْجَدَلِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعُلُومِ الْكَثِيرَةِ النَّافِعَةِ، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ، وَوَلِيَ الْقَضَاءَ بِرَبْعِ الْكَرْخِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيِّ، وَكَانَ ثِقَةً دَيِّنًا وَرِعًا، عَالِمًا بِأُصُولِ الفقه وفروعه،
حسن الخلق سَلِيمَ الصَّدْرِ مُوَاظِبًا عَلَى تَعْلِيمِ الْعِلْمِ لَيْلًا ونهاراً.
وقد ترجمته في طبقات الشافعية، وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ عَنْهُ - وَكَانَ شيخه، وقد أجلسه بعده في الحلقة - أن أبا الطيب أسلم خفاً له - وكان متقللاً من الدنيا فقيراً - عِنْدَ خَفَّافٍ لِيُصْلِحَهُ لَهُ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَكَانَ كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أَخَذَهُ فَغَمَسَهُ فِي الْمَاءِ وقال: أيها الشيخ الساعة أصلحه، فقال الشيخ: أسلمته لِتُصْلِحَهُ وَلَمْ أُسْلِمْهُ لِتُعَلِّمَهُ السِّبَاحَةَ.
وَحَكَى ابْنُ خلكان: أنه كان له ولأخيه عمامة واحدة، وقميص واحد، إِذَا لَبِسَهُمَا هَذَا جَلَسَ الْآخَرُ فِي الْبَيْتِ لا يخرج منه، وإذا لبسهما هذا احتاج الآخر أن يقعد في البيت ولا يخرج منه، وإذا غسلاهما جلسا في البيت إلى أن ييبسا وقد قال في ذلك أَبُو الطَّيِّبِ: قَوْمٌ إِذَا غَسَلُوا ثِيَابَ جَمَالِهِمْ * لبسوا البيوت إلى فراغ الغاسل وقد تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ، وَهُوَ صَحِيحُ الْعَقْلِ، وَالْفَهْمِ، وَالْأَعْضَاءِ، يُفْتِي ويشتغل إلى أن مات، وقد ركب مرة سفينة فلما خرج منها قفز قفزة لا يستطيعها الشاب فقيل له: ما هذا يا أبا الطيب؟ فقال: هذه أعضاء حفظناها في الشبيبة تنفعنا في الكبر رحمه الله.
القاضي الماوردي صاحب الحاوي الكبير، عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ، أَبُو الْحَسَنِ الماوردي البصري، شيخ الشافعية، صَاحِبُ التَّصَانِيفِ الْكَثِيرَةِ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالتَّفْسِيرِ والأحكام السلطانية، وأدب الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
قَالَ: بَسَطْتُ الْفِقْهَ فِي أَرْبَعَةِ آلاف وَرَقَةً، يَعْنِي الْإِقْنَاعَ.
وَقَدْ وَلِيَ الْحُكْمَ فِي بِلَادٍ كَثِيرَةٍ، وَكَانَ حَلِيمًا وَقُورًا أَدِيبًا، لَمْ يَرَ أَصْحَابُهُ ذِرَاعَهُ يَوْمًا مِنَ الدَّهر مِنْ شِدَّةِ تَحَرُّزِهِ وَأَدَبِهِ، وَقَدِ اسْتَقْصَيْتُ تَرْجَمَتَهُ فِي الطبقات، توفي عَنْ سِتٍّ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِبَابِ حَرْبٍ.
رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْمُسْلِمَةِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ (1) بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عمر، وَزِيرُ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ، كَانَ أَوَّلًا قَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي أَحْمَدَ الْفَرَضِيِّ وَغَيْرِهِ، ثم صار أحد المعدلين، ثم استكتبه الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَاسْتَوْزَرَهُ، وَلَقَّبَهُ رَئِيسَ الرُّؤَسَاءِ، شرف الوزاء، جمال الوزراء، كَانَ مُتَضَلِّعًا بِعُلُومٍ كَثِيرَةٍ مَعَ سَدَادِ رَأْيٍ، وَوُفُورِ عَقْلٍ، وَقَدْ مَكَثَ فِي الْوِزَارَةِ ثِنْتَيْ عشرة سنة وشهراً، ثم قتله البساسيري بعد ما
شهره كما تقدم، وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ ثِنْتَانِ وَخَمْسُونَ سَنَةً وَخَمْسَةُ أشهر.
(1) في الفخري ص 295: الحسين (*)