الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: توثيق نسبة الكتاب لمؤلفه
كتاب (شرح شذور الذهب) ثابت النسبة لمؤلفه محمد بن عبد المنعم الجوجري. وقبل البدء في ذكر الأدلة على ذلك أود أن أذكر قصة حصلت لي مع هذا الكتاب. فقد كنت فيما سبق قد سجلت الكتاب على أنه لأحمد بن محمد ابن الهائم، بناء على دليلين:
الأول: وجود ذلك على نسخة من نسخ الكتاب، وهي النسخة الموجودة في ذلك الوقت، ولم أعثر على غيرها، حيث جاء على غلافها ما يلي:(شرح شذور الذهب، الضوابط الحسان فيما يتقوم به اللسان لابن هشام لابن الهائم) .
وقد نسبت كتب التراجم (الضوابط الحسان) لابن الهائم وعدته من مؤلفاته، فلما رأيت هذه العبارة على هذه النسخة من الكتاب اعتقدت أن هذا الكتاب هو كتاب (الضوابط الحسان) لابن الهائم، لوجود ذلك على غلاف النسخة.
الثاني: نقل بعض المتأخرين نصا كاملا عن هذا الكتاب وصرح في أوله بأنه من كتاب (شرح شذور الذهب) لابن الهائم.
فقد جاء في كتاب (إعراب آيات الشذور) 1 لأبي القاسم البجائي ما نصه: "قال ابن الهائم في (شرح الشذور) : هذا كله في المصدر الذي ليس بدلا من اللفظ بفعله، أما ما هو بدل من اللفظ بفعله فإنه يعمل وإن
1 إعراب آيات الشذور للبجائي 2/664.
لم يخلفه (أنْ) والفعل ولا (ما) ، والفعل..".
وهذا النص موجود بتمامه في كتابنا هذا 1.
وبعد أن انتهيت من تحقيق الكتاب ودراسة مؤلفه ذكر لي بعض الزملاء أن لديه كتابا يسمى (شرح شذور الذهب) لمحمد بن عبد المنعم الجوجري، وأنه قد حصل على نسخة له من تونس، وكان قد أحضره ليقدمه لرسالة الدكتوراه. فطلبت منه الكتاب للاطلاع عليه، لما له من علاقة بشذور الذهب، فأعارني الكتاب مشكورا، ولما تصفحت الكتاب فوجئت أن هذا الكتاب وهو شرح شذور الذهب هو الكتاب الذي قمت بتحقيقه من قبل على أنه لابن الهائم، لأن هذا الكتاب لا يختلف مع كتابي في شيء، إلا ما يكون من خلاف النسخ فقط.
ولما رجعت مرة أخرى إلى كتب التراجم ظهر لي أن جميع كتب التراجم تنسب (شرح شذور الذهب) للجوجري، ولم تذكر لابن الهائم شرحا على شذور الذهب، وبعد ذلك ظهرت أمور أكدت لي بما لا يدع مجالا للشك أن هذا الكتاب الذي بين أيدينا هو شرح شذور الذهب لمحمد بن عبد المنعم الجوجري، وليس لابن الهائم.
ولمّا تبيّن لي ذلك عرضت الأمر على قسم اللغويات الموقر بالجامعة، وبعد اقتناعهم بالأدلة التي قدمتها وافق القسم مشكورا على تصحيح نسبة الكتاب من أحمد بن محمد بن الهائم إلى محمد بن عبد المنعم الجوجري
1 تنظر ص 680 من هذا الكتاب.
المتوفى سنة (889 هـ) .
وفيما يلي أذكر الأدلة التي تثبت صحة نسبة الكتاب للجوجري.
وهذه الأدلة أنواع:
أولا: ما ذكرته كتب التراجم:
ترجم للجوجري كل من السخاوي في الضوء اللامع والشوكاني في البدر الطالع والزركلي في الأعلام وعمر رضا كحالة في معجم المؤلفين، وهؤلاء جميعا نصوا على أن (الجوجري) شرح شذور الذهب، وعدوا ذلك من مؤلفاته.
قال السخاوي في الضوء اللامع: "كتَب على شذور الذهب مطولا ومختصرا"1.
وقال الشوكاني في البدر الطالع: "وشرح شذور الذهب شرحا مطولا وشرحا مختصرا"2.
وقال الزركلي في الأعلام: "من كتبه.. شرح شذور الذهب، مخطوط في الأحمدية"3.
وقال عمر كحالة في معجم المؤلفين: "من آثاره.. شرح شذور الذهب لابن هشام في النحو"4.
1 الضوء اللامع 8/124.
2 البدر الطالع 2/ 201.
3 الأعلام 6/ 251.
4 معجم المؤلفين 10/260.
ثانيا: النقولات عن هذا الكتاب
نقل عن هذا الكتاب بعض المؤلفين، منهم من صرح باسمه، ومنهم من لم يصرح بذلك، ولكن يتضح من النص أنه منقول عن هذا الشرح.
وممن صرح باسمه معمر بن يحيي المكي (897 هـ) وهو تلميذ للجوجري. فإنه نقل عن هذا الكتاب نقولات كثيرة هي بنصها موجودة في كتابنا هذا. وسأكتفي بذكر موضعين من كتاب معمر المكي، وهما:
1-
قال معمر المكي في كتابه (التعليقة المفيدة في العربية) ص 131 ما نصه: "وأما تقديرا فقال شيخنا المحقق شمس الدين الجوجري حفظ الله مهجته وخلد رفعته في شرحه على الشذور: "كأنه أراد بقوله: (تقديرا) نحو سيبويه من الأعلام المبنية إذا كانت مناداة فإن ضمة النداء وهي حركة بناء مقدرة فيه انتهى".
وهذا النص موجود بتمامه في كتابنا هذا (شرح الشذور) ص..
2-
قال معمر المكي في (التعليقة المفيدة في العربية) ص 614: "قوله: (اسم) كالجنس، قال شيخنا أبقاه الله تعالى في شرحه على الشذور: فيه إعلام بجنسيته، وأنه ليس كالحال في كونه ظرفا أو مجرورا أو جملة. انتهى". وهذا الكلام ذكره الجوجري في باب التمييز ص 476 حيث قال: "فقوله: (اسم) إعلام بجنسيته، وأنه ليس كالحال في كونه ظرفا أو مجرورا أو جملة".
وقد نقل معمر المكي أيضا نصوصا أخرى من كتاب شيخه (شرح
شذور الذهب) . ينظر (التعليقة المفيدة في العربية) ص 136 و147 و193 و228 و254 و331 و685 و743.
ثالثا: بعض النصوص الواردة في الكتاب.
ورد في هذا الكتاب بعض النصوص المنقولة عن علماء تأخرت وفاتهم عن وفاة ابن الهائم المتوفى سنة (815 هـ) .
فقد ورد فيه نصوص من كتاب (شرح الصدر لشرح زوائد الشذور) .
ومؤلف هذا الكتاب هو محمد بن عبد الدائم البرماوي المتوفى سنة (831) هـ وقيل (836) هـ فيبعد أن ينقل ابن الهائم عن هذا الكتاب الذي توفي صاحبه بعد وفاته بأكثر من ستة عشر عاما.
وكذلك ورد في كتابنا هذا (شرح الشذور) نصوص من كتاب (حاشية الحفيد ابن هشام على التوضيح) . وقد توفي الحفيد سنة (835) هـ، وذكر العلماء أن حاشيته على التوضيح لم تجمع إلا بعد وفاته.
فهذا دليل قاطع على أن هذا الكتاب الذي بين أيدينا ليس لابن الهائم، إذ لا يعقل أن ينقل ابن الهائم عن كتاب كُتب بعد وفاته بأكثر من عشرين سنة على أقل تقدير.
رابعا: (ما جاء في أول الكتاب وآخره) .
جاء في أول هذا الكتاب التصريح بنسبته لمحمد بن عبد المنعم الجوجري. فقد جاء على غلاف نسخة الأصل (شرح الجوجري على شذور الذهب) وجاء في مقدمة الكتاب في نسختي (أ) و (ب) ما يلي:
"قال الشيخ الإمام العلامة البحر الفهامة فريد عصره وحيد دهره أبو عبد الله شمس الدين محمد الشافعي الجوجري..".
وورد في آخر الكتاب في النسخة التونسية التي رمزت لها بالحرف (ب) التصريح بانتهاء مؤلفه من مسوّدة كتابه هذا في سنة (862) هـ حيث جاء في [الورقة 213] قال مؤلفه: "فرغت من مسودته في حادي عشر ذي القعدة سنة اثنتين وستين وثمانمائة..".
فهذا نص صريح في أن مؤلف هذا الكتاب قد فرغ من تأليفه في سنة (862) هـ فلا يعقل أن يكون هذا الكتاب لابن الهائم المتوفى سنة (815) هـ. وإنما المعقول أن يكون للجوجري المتوفى سنة (889) هـ الذي نسبته له كتب التراجم.
الرد على الأدلة التي تنسب الكتاب لابن الهائم:
لم ينسب أحد هذا الكتاب لابن الهائم إلا ما ورد في كتاب أبي القاسم البجائي عندما نقل نصا عنه، وهذه النسبة خاطئة بالتأكيد لما يلي:
1-
أن جميع كتب التراجم لم تذكر لابن الهائم كتابا بهذا الاسم.
2-
أن جميع الذين نقلوا نصوصا عن هذا الكتاب لم ينسبوه لابن الهائم، وقد نسبه بعضهم لمحمد بن عبد المنعم الجوجري.
3-
أن هذا النص الذي نقله البجائي موجود في النسختين الأخريين اللتين نسب الكتاب فيهما صراحة للجوجري.
4-
ما عرف عن أبي القاسم البجائي من تساهله في بعض النقولات
والكتب التي ينقل عنها، وتصريحه بأسماء مؤلفين آخرين لتلك الكتب غير مؤلفيها المعروفين.
وقد ذكر ذلك محقق كتابه (إعراب آيات الشذور 1/ 79) .
ويظهر أن البجائي لما نسب هذا الكتاب لابن الهائم كان قد اطلع على هذه النسخة وهي النسخة (ج) التي كتب اسم (ابن الهائم) على غلافها، فنقل النص عنها ونسب الكتاب إليه. يرجح ذلك أن أصل هذه النسخة محفوظ في تونس والبجائي تونسي أيضا.
أما ما وجد على غلاف تلك النسخة من نسبة الكتاب لابن الهائم فليس ذلك دليلا على صحة نسبة الكتاب إليه، فكم من كتاب كتب على غلافه اسم آخر غير مؤلفه الحقيقي.
ولاشك أن هذه النسبة خطأ وقع فيه ناسخ تلك النسخة، بدليل أنه كتب على النسخة ما يلي:
(شرح شذور الذهب الضوابط الحسان فيما يتقوم به اللسان لابن هشام لابن الهائم) فنلحظ أن الناسخ قد أدخل عبارة (الضوابط الحسان) بعد قوله: (شرح شذور الذهب) ثم نسب الكتاب لابن الهائم.
وكتاب (الضوابط الحسان) هو فعلا من كتب (ابن الهائم) وهو كتاب صغير في النحو، ولكنه مختلف كل الاختلاف عن كتابنا هذا (شرح الشذور) فيظهر أن الناسخ قد توهم أن (الضوابط الحسان) هو (شرح الشذور) فلذلك عدهما كتابا واحدا ونسبهما لابن الهائم.
وهذه النسخة متأخرة جدا عن النسختين السابقتين، فقد كتبت
سنة (1109) هـ، فلا يصح اعتماد ما جاء على غلافها وإلغاء ما جاء في تلك النسختين الأخريين.
وبهذا ثبت لنا خطأ نسبة هذا الكتاب لابن الهائم وصحة نسبته للجوجري. وعلى إثر ذلك قمت بنسخ الكتاب على النسخ التي حصلت عليها فيما بعد، وسيأتي الكلام على ذلك في مبحث وصف النسخ المعتمدة.