الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السابع: موازنة بين "شرح شذورات الذهب للجوجري" و"شرح شذورات الذهب لابن هشام
…
المطلب السابع: موازنة بين "شرح شذور الذهب للجوجري"و"شرح شذور الذهب لابن هشام".
لاشك أن الموازنة بين كتب العلماء من أدق الأمور وأصعبها لأنها تحتاج إلى قراءة متأنية لكل فقرة من فقرات هذه الكتب.
وقد جرت عادة الباحثين بعقد موازنات بين الكتاب الذي يبحثون فيه وكتاب آخر يماثله في موضوعه.
فاخترت كتاب (شرح شذور الذهب) لابن هشام لأعقد موازنةً بينه وبين موضوع الرسالة، وهو (شرح شذور الذهب) للجوجري.
وبعد قراءتي للكتابين خرجت بفوارق أساسية وعامة بين الكتابين ألخصها فيما يلي:
1-
لم يذكر الجوجري في مقدمته المنهج الذي اتبعه في الشرح، بينما ذكر ابن هشام منهجه الذي سار عليه في مقدمته للكتاب.
2-
حَرَص الجوجري على ذكر مناسبة كل نص لما قبله1، حتى يكون الكتاب متسلسلا من أوله إلى آخره، لكن ابن هشام لم يذكر ذلك ولم يهتم به.
3-
كان الجوجري يفسر متن (شذور الذهب) كلمة كلمة، ويعلق على كل نص منها، أما ابن هشام فكان يشرح النص كاملا دون تفسير لكلماته أو جزئياته.
1 ينظر على سبيل المثال ص 141، 143، 150، 269، 319، 728.
4-
اهتم الجوجري بذكر التنبيهات التي يلحقها في آخر كل باب ويودعها ذكر الخلافات النحوية والاعتراضات على بعض الأقوال والإجابة عنها ولم يرد ذكر لهذه التنبيهات في كتاب ابن هشام.
5-
ينص الجوجري على ذكر المذاهب النحوية في المسائل الخلافية، وأقوال العلماء وأدلتهم في الغالب، ولم يهتم ابن هشام بذكر الخلافات النحوية إلا نادراً.
6-
شرح شذور الذهب لابن هشام كتاب تعليمي، كما ذكر ذلك الأستاذ سعيد الأفغاني1.
أما شرح الشذور للجوجري فهو كتاب مبسوط، توسع فيه شارحه جداً فأورد الأقوال والمذاهب والتعليلات.
7-
كتاب الجوجري فيه مناقشة لأقوال العلماء واعتراضات عليها مع الاهتمام بذكر التعليلات النحوية2، بينما خلا كتاب ابن هشام من كل ذلك.
هذه أهم الظواهر التي برزت لي أثناء قراءتي لهذين الكتابين.
ولو أردنا أن نُطَبّق هذه الظواهر على الكتابين فلنأخذ مثلا باب الصفة المشبهة، فنسجد الفرق واضحا بين الكتابين من حيث الأسلوب والمنهج.
1 ينظر كتاب (من تاريخ النحو) للأستاذ سعيد الأفغاني ص 204.
2 تنظر الصفحات 173، 183، 199، 256، 330، 454، 591، 758، 851.
وفيما يلي سأنقل من هذا الباب نصوصا من كلا الكتابين.
قال ابن هشام في باب الصفة المشبهة1:
"الخامس من الأسماء العاملة عمل الفعل الصفة المشبهة"، ثم قال: ومثال ذلك قولك: (زيد حسن وجهَِه) بالنصب أو الجر، والأصل (وجهُه) بالرفع، لأنه فاعل في المعنى؛ إذ الحُسْن في الحقيقة إنما هو للوجه، ولكنك أردت المبالغة فحولت الإسناد إلى ضمير زيد، فجعلت (زيدا) نفسه حسنا وأخرت (الوجه) فضلةً، ونصبته على التشبيه بالمفعول به، لأن العامل، وهو (حَسَن) طالب له من حيث المعنى، لأنه معموله الأصلي، ولا يصح أن ترفعه على الفاعلية والحالة هذه لاستيفائه فاعله، وهو الضمير، فأشبه المفعول في قولك: زيد ضارب عمرًا لأن (ضاربا) طالب له، ولا يصح أن ترفعه على الفاعلية، فنُصب لذلك. فالصفة مشبهة باسم الفاعل المتعدي لواحد، ومنصوبها يشبه مفعول اسم الفاعل. ثم لك بعد ذلك أن تخفضه بالإضافة، وتكون الصفة حينئذ مشبهة أيضا، لأن الخفض ناشئ على الأصح عن النصب، لا عن الرفع، لئلا يلزم إضافة الشيء إلى نفسه، إذ الصفة أبداً عين مرفوعها وغير منصوبها.." ثم ذكر بعد ذلك الفوارق بين الصفة المشبهة واسم الفاعل.
ثم قال: "ثم بينت أن الخفض له وجه واحد وهو الإضافة، وأن الرفع له وجهان، أحدهما أن يكون فاعلا، والثاني أن يكون بدلا من ضمير
1 شرح شذور الذهب ص 396- 399.
مستتر في الصفة، وأن النصب فيه تفصيل، وذلك أن المنصوب إن كان نكرة ففيه وجهان؛ أحدهما:
أن يكون انتصابه على التشبيه بالمفعول به، والثاني: أن يكون تمييزاً.
وإن كان معرفة امتنع كونه تمييزا، وتعيَّن كونه مشبها بالمفعول به، لأن التمييز لا يكون إلا نكرة.
ثم بينت أن جواز الرفع والنصب مطلق، وأن جواز الخفض مقيد بألاّ تكون الصفة بأل والمعمول مجرد منها ومن الإضافة لتاليها، وتضمن ذلك امتناع الجر في (زيد الحسنُ وجهَه) و (الحسن وجهُ أبيه) و (الحسنُ وجها) و (الحسنُ وجهُ أبٍ") .
وقال الجوجري في باب الصفة المشبهة1: "هذا هو الخامس مما يعمل عمل الفعل، وهي الصفة المشبهة باسم الفاعل، وميزها الشيخ بقوله:(كل صفة صح..) إلى آخره، فقوله:(كل صفة) بمثابة الجنس، يدخل فيه اسم الفاعل والمفعول والمثال وغيرها.
وقوله: (صح تحويل إسنادها..) إلى آخره بمثابة الفصل، ويخرج ما عداها من الصفات.
واعلم أن اسم المفعول يصح أن يضاف إلى مرفوعه معنى، وإضافته تستلزم تحويل إسناده إلى ضمير موصوفه، نحو (زيد محمود المقاصد) والأصل: محمودة مقاصده، ثم حولت الإسناد إلى ضمير (زيد) ثم أضفت
1 شرح الشذور للجوجري ص 694.
فقلت: محمود المقاصد، وهو حينئذ جار مجرى الصفة المشبهة، فلا يضر دخوله في مميز الصفة.
وقد اقتضى كلام المصنف أن اسم الفاعل لا يصح تحويل إسناده إلى ضمير موصوفه".
ثم أحال القارئ في هذه القضية على ما ذكره في باب المشبه بالمفعول به.
بعد ذلك ذكر الأمور التي خالفت الصفة المشبهة فيها اسم الفاعل كما ذكرها ابن هشام، ثم زاد على ما ذكره وجهين آخرين، فقال:"ومن وجوه الافتراق غير ما ذكره الشيخ، أنها تصاغ من اللازم دون المتعدي، وهو يصاغ منهما. ومنها أنها تكون مجارية للفعل كطاهر، وغير مجارية له وهو الغالب في المبنية من الثلاثي كحسن وجميل وضخم، واسم الفاعل لا يكون إلا مجاريا".
ثم ذكر بعد ذلك أوجه الاشتراك والموافقة بين الصفة المشبهة واسم الفاعل فقال: "وذلك من أوجه:
أحدها: أن كلاً منهما يدل على حدث ومن قام به.
الثاني: أنهما يذكّران ويؤنثان.
الثالث: أن كلاً منهما يُثنَّى ويجمع.
الرابع: أن عملهما مشروط بالاعتماد المشروط في عمله، على ما تقدم فيه، من غير فرق. لأنه إذا شرط في اسم الفاعل الذي هو الأصل المشبه به ففي الفرع المشبه الذي هو الصفة أولى.
ثم تابع شرحه للصفة المشبهة بعد أن ذكر فقرة من الشذور، فقال: "الصفة المشبهة واسم الفاعل مشتركان في العمل، ومختلفان في التوجيه في الجملة. فوجه الرفع فيها الفاعلية أو الإبدال من الضمير، ووجه النصب في المعرفة التشبيه بالمفعول به، وفي النكرة التمييز، ووجه الجر الإضافة.
فقوله: (فاعلا أو بدلا) أي في كل مرفوع. وقوله: (مشبها أو تمييزا) أي مشبها في المعرفة وتمييزا في النكرة. وقوله: (بالإضافة) أي أن الجر بسبب الإضافة، فلا ينافي ذلك كون العامل الإضافة، وهذه العبارة تكررت للمصنف ولغيره من النحاة، واعتُرض على ظاهرها، وقد علمت اندفاعه.
وقوله: (إلا..) إلى آخره بيان لما يستوفى من عمل الصفة للجرّ وهو يحتاج إلى تمهيد، فنقول: إن الصفة تارة تكون بأل، وتارة تكون مجردة منها، وهي إما رافعة أو ناصبة أو جارة. فهذه ثلاثة أحوال مضروبة في حالتي اقترانها بأل وتجردها منها، تصير ستة، والمعمول له مع كل من هذه الستة ست حالات، لأنه إما بأل كالوجه، أو مضاف لما هو بأل كوجه الأب، أو مضاف للضمير كوجهه، أو مضاف لمضاف للضمير كوجه أبيه، أو مجرد كوجه، أو مضاف إلى المجرد كوجه أب، فتصير الصور ستا وثلاثين صورة، كلها تؤخذ من إطلاقه.
إذا علمت ذلك، فقوله:(إلا إن كانت بأل وهو عار منها) استثناء من قوله: (أو تجره) فقط، أي أنك ترفع معمول الصفة وتنصبه مطلقا وتجره إلا إن كان.. إلى آخره.
فدخل تحته أربع صور ممنوعة:
الأولى: أن تكون الصفة بأل والمعمول مجرور مضاف إلى ضمير، نحو (الحسن وجهه) .
الثانية: أن تكون بأل والمعمول مجرور مضاف إلى مضاف إلى الضمير، نحو (الحسن وجه أبيه) .
الثالثة: أن تكون بأل والمعمول مجرور مجرد من أل والإضافة، نحو (الحسن وجهٍ) .
الرابعة: أن تكون بأل والمعمول مجرور مضاف إلى المجرد من أل والإضافة، نحو (الحسن وجهِ أبٍ) لأن الصفة في كل من هذه الصور بأل والمعمول في كل منها عارٍ من أل.
ثم نقل عن بعض المتأخرين أنه أوصل الصور الحاصلة من الصفة ومعمولها إلى أربعة عشر ألف صورة ومائتين وست وخمسين صورة.
ثم أخذ في تفصيل هذه الصور وذكر حالاتها مستشهدا لكل حالة ببعض الشواهد الشعرية والنثرية أو مُمثِّلاً لها بالأمثلة.
ولو نظرنا إلى الشواهد في هذا الموضع لرأينا أن ابن هشام لم يستشهد فيه بأي شاهد، بينما استشهد فيه الجوجري بثلاثة شواهد شعرية وقولين من أقوال العرب.