الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السادس: نقد الكتاب
يراد بالنقد هنا إبراز ما للكتاب من محاسن ومزايا وما عليه من مآخذ واعتراضات.
وكتاب (شرح شذور الذهب) للجوجري، كغيره من المصنفات له ميزات ومحاسن، وعليه بعض المآخذ والاستدراكات، وإن كانت قليلة.
فمن ميزات هذا الكتاب ما يلي:
أولاً: أن هذا الشرح أقدم شرح كامل لكتاب (شذور الذهب) يصل إلينا بعد شرح مؤلفه ابن هشام.
ثانياً: ذكره لمناسبة كل نص أو فقرة من نصوص (شذور الذهب) لما قبله، وهذا يعطي الكتاب ترابطا منطقيا بين جميع أبوابه.
ثالثاً: ذكره التعليلات النحوية واستكثاره منها، حيث إنه قلما ترد مسألة نحوية إلا ويذكر لها التعليل المناسب، وبعض هذه التعليلات لم أجده في كتب النحو الأخرى.
رابعاً: اعتناؤه بشرح جميع مفردات (شذور الذهب) فلم يترك في هذا المتن كلمة إلا وقد شرحها ووثق ذلك بالشواهد والأمثلة.
خامساً: عزوه للآراء والمذاهب النحوية كان دقيقا وموفقا إلا في القليل النادر.
سادساً: أنه كان ينص على قواعد عامة، مثل قوله في أثناء جوابه عن اعتراض ورد في باب المفعول معه: "لا يلزم من اعتبار أمر عند قوة
الداعي إليه اعتباره عند عدم قوته".
سابعاً: ظهور براعة الشارح وثقافته في مجال علم الرياضيات فكثيرا ما يستخرج من الأبواب النحوية مسائل رياضية، كما فعل في باب الضمير وباب الإشارة، وكذلك في باب الصفة المشبهة، ففيه يظهر ذلك بوضوح.
ثامناً: اعتماد كثير من المؤلفين المتأخرين على هذا الكتاب، وبخاصة الذين قاموا بشرح الشذور أو وضعوا حواشي على بعض شروحه.
فقد وجدت الشيخ زكريا الأنصاري في شرحه على (شذور الذهب) قد اعتمد اعتمادا كبيرا على شرح الجوجري هذا، فهو قد قام بنقل غالب التعليلات التي ذكرها الجوجري وأحيانا ينقل عبارات كاملة بنصها دون الإشارة إلى مؤلفه1.
وكذلك فعل العدوي في حاشيته على شرح شذور الذهب والفاكهي في شرحه على القطر، والشيخ خالد الأزهري في التصريح، فقد نقل عنه نصين كاملين إلا أنه لم يصرّح بالجوجري، بل قال:"قال بعضهم"2.
ومن هؤلاء تلميذه معمر بن يحيي المكي، فقد نقل عنه نصوصا كثيرة في كتابه (التعليقة المفيدة في العربية) وقد صرح في كثير من المواضع بنقله عن هذا الكتاب. وسيأتي لهذا مزيد بحث في المطلب الثامن.
1 ينظر شرح الشذور لزكريا الأنصاري الورقة [4/ أ] و [الورقة 31/ أ] .
2 تنظر ص 700، 741.
تاسعاً: ظهور شخصية مؤلف هذا الكتاب من خلال شرحه فهو لا يكتفي بإيراد الأقوال فقط، بل يورد الأقوال مقرونة بالأدلة ويناقش ويورد اعتراضات عليها ويجيب عن الاعتراضات التي ترد على القول الذي اختاره أو رجحه. ولكنه يعترض بأسلوب مؤدب، فكثيرا ما يقول:"وهذا القول فيه نظر" 1 ونحو ذلك، تأدبا مع كبار العلماء.
عاشراً: يصرح الجوجري أحيانا بالسماع من بعض شيوخه مما يعطي النص توثيقا أكثر، فقد ذكر العلماء أن تلقي العلم بالسماع هو أعلى مراتب التحمل.
قال في باب العَلَم: "وسمعت من بعض الأشياخ المحققين رحمه الله أن التحقيق هو الأول لثلاثة أوجه.. 2".
هذه بعض المزايا التي ظهرت لي في أثناء قراءتي لهذا الشرح الكبير.
وعلى الرغم من محاسن هذا الكتاب فإنه لا يخلو أيضا من بعض المآخذ والاعتراضات التي لا يخلو منها كتاب من كتب البشر، فقد قال الإمام الشافعي رحمه الله:"أبى الله لغير كتابه أن يتم".
فمن المآخذ على كتاب شرح شذور الذهب للجوجري ما يلي:
أولا: لم يبين الشارح في مقدمته منهجه الذي اتبعه في شرحه للكتاب، وإنما ذكر مقدمة مقتضبة بيّن فيها هدفه من تأليف الكتاب.
1 تنظر مثلا ص 741.
2 تنظر ص 292.
ثانيا: وقوع الشارح في بعض الأخطاء في حالات مختلفة، وذلك كما يلي:
1-
أنه قد يذكر الآية دون ذكر موضع الاستشهاد منها: فقوله تعالى: {يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ} استشهد بها على جواز تعليق ما ينصب ثلاثة مفاعيل واقتصر على هذا الجزء من الآية1، مع أن الشاهد في آخرها، وهو كسرة همزة (إن) في قوله تعالى:{إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ.} .
2-
من خلال عزوه لبعض الآراء النحوية، فقد نَسَب لبعض العلماء أقوالا ليست لهم.
من ذلك ما نسبه لأبي علي الشلوبين في باب ظرف المكان من أنه يقول:"إن مفيد المقدار داخل في المبهم"2.
والمعروف عنه أنه يقول: إن المقدر ليس داخلا في المبهم، كما ذكر ذلك في التوطئة، ونسبه له العلماء.
ولكن هذا نادر وقليل جدا، ولا يكاد يعدو ما ذكرته.
3-
من خلال نسبته نصوصا لبعض الكتب النحوية، وهي غير موجودة في هذه الكتب.
فمن ذلك قوله في ص 801: "ووقع في شرح المصنف التمثيل
1 تنظر صفحة 672.
2 تنظر ص 436.
لهذا بقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ} .
وهذه الآية لم ترد في شرح الشذور أصلا، وقد أوضحت ذلك في الحاشية.
وقوله في ص 148 عند تعريفه للإسناد: "قال في التسهيل: تعلق خبر بمخبر عنه أو طلب بمطلوب".
وهذا القول لم يرد في التسهيل لابن مالك بل في شرح التسهيل.
ثالثا: توهمه أن (الناقص) في قول العرب: (الناقص والأشج أعدلا بني مروان) هو الوليد بن اليزيد1.
بينما المعروف أن المراد بالناقص هنا هو (يزيد بن الوليد بن عبد الملك) كما بينت ذلك في موضعه.
رابعا: استشهاده ببيت لشاعر متأخر زمانه عن عصور الاحتجاج، وهو أبو فراس الحمداني2.
ولعل عذر (الشارح) في ذلك أن كثيرا من النحويين قد ذكروا هذا البيت فلعله اتبع طريقتهم، أو أنه ذكر هذا البيت من باب التمثيل فقط، بدلالة ذكره بيتا قبله شاهدا على القضية نفسها.
1 تنظر ص 727.
2 وذلك في ص 352.