الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: من أحاديث النهي عن السعي في الفتنة
…
مِنْ أَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنِ السَّعْيِ فِي الْفِتْنَةِ
(87)
ولأبِي1 داود عن أبي ذر: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
"يا أبَا ذَرٍّ"، قلت: لبّيك يا رسول الله! وسعديك وذكر الحديث. قال فيه: "كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخَذَتِ2 النّاسَ مَوْتٌ، تكون الْبَيْتُ فِيهِ بِالْوَصِيفِ؟ "3. – يعني:
1 عون المعبود بشرح سنن أبي داود – ج11 – كتاب الفتن – باب النهي عن السعي في الفتنة ص 340.
2 في سنن أبي داود:"إذا أصاب الناس موت"،وإلحاق تاء التأنيث في أخذ: خطأ.
3 المراد بالبيت: القبر. وبالوصيف: الخادم والعبد.
قال الخطابي: يريد أن الناس يشتغلون عن دفن موتاهم. حتّى لا يوجد فيهم من يحفر قبر الميت، أو يدفنه، إلاّ أن يعطي وصيفاً، أو قيمته.
وقد يكون معناه: أن مواضع القبور تضيق عليهم، فيبتاعون لموتاهم القبور. كل قبر بوصيف.
وقيل: المراد بالبيت: المتعارف. والمعنى: أن البيوت تصير رخيصة؛ لكثرة الموت، وقلّة من يسكنها. فيباع البيت بعبد.
الْقَبْر – قلت: الله ورسولُهُ أَعْلَمُ، أو قال: ما يَخْتَارُ1 الله لي ورسولُهُ. قال: "عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ"، أو قال:"تَصْبِرْ". ثُمَّ قال لي: "يَا أبَا ذَرٍّ! "، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يا رسولَ الله! وسَعَدَيْكَ2. قال: "كَيْفَ أَنْتَ! إذا رَأَيْتَ أَحْجَارَ3 الزّيْتِ قَدْ غَرِقَتْ بالدَّمِ؟ "، قُلْتُ: مَا خَارَ الله لِي ورسولُه. قال: "عَلَيْكَ بِمَنْ أَنْتَ مِنْهُ"4، قلتُ: يا رسولَ الله! أفلا آخذُ سَيْفِي فَأَضَعُهُ عَلَى عَاتِقِي؟ قال: "شَارَكْتَ5
1 في السنن:"أو قال: ما خار الله لي ورسوله".وأو للشك. وما خار: أي اختار.
2 في السنن: "لبيك وسعديك"، بدون لفظ النداء.
3 "أحجار الزيت"، موضع بالمدينة: في الحرة. سمي بها لسواد الحجارة. كأنها طليت بالزيت.
أي: أن الدم يعلو حجارة الزيت ويسترها؛ لكثرة القتلى. وهذا إشارة إلى وقعة الحرة. التي كانت زمن يزيد.
4 في السنن: "بمن أنت فيه"، بدل: منه: أي: بأهلك وعشيرتك.
5 "شاركت القوم إذا"، أي: إذا أخذت السيف ووضعته على عاتقك. وقوله: "شاركت"،لتأكيد الزجر عن إراقة الدماء وإلاّ فالدفع واجب. قاله ابن عبد الملك.
قال القاري: والصواب أن الدفع جائز إذا كان الخصم مسلماً، إن لم يترتب عليه مفسدة بخلاف ما إذا كان العدو كافراً، فإنّه يجب الدفع ما أمكن.
الْقَومَ إِذاً"، قال: قُلْتُ: فماذا تَأْمُرُنِي1؟ قال: "تَلْزَمُ بَيْتَكِ"، قلتُ: فإن دخلَ عَلَى بَيْتِي؟ قال: "فَإِنْ خَشِيْتَ أَن يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ2، فَأَلْقِ ثَوْبَكَ عَلَى وَجْهِكَ يَبُوءُ بِإِثْمِكَوَإِثْمِهِ".
(88)
زاد ابن3 ماجه: "كيفَ أنْتَ وَجَوائِحُ4 تُصِيبُ النّاسَ، حتّى تَأْتِي مَسْجِدَكَ، فَلا تستَطِيعُ أَنْ تَرْجِعَ إلى فِرَاشِكِ ولا5 تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُومَ مِن فِرَاشِكَ إلى مَسْجِدَك؟ ". قُلْتُ: الله ورسولُهُ أعلم، أَوْ خَارَ6 الله لِي وَرُسُولُه. قال:"عَلَيْكَ بالعِفّة".
1 في السنن "فما تأمرني".
2 "إن خشيت أن يغلبك شعاع السّيف"، أي: أن خشيت أن يغلبك لمعان السّيف وبريقه، - وهو كناية عن أعمال السيف- فغط وجهك، حتى لا ترى ولا تفزع. والمعنى: لا تحاربهم وإن حاربوك.
3 سنن ابن ماجه، ج2، كتاب الفتن، باب التثبت في الفتنة، ص 1308.
4 في سنن ابن ماجه: "وجوعاً يصيب الناس".
5 في السنن: "أولا تستطيع أن تقوم من فراشك"،بلفظ أو. بدل واو العطف.
6 في السنن: "أو ما خار الله لي ورسوله".
(89)
وفي حديث1 عن ابن مسعود: وذكر الْفِتْنَةَ. قال:
"الْزَمْ بَيْتَكَ"، قيل: فَإِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي؟ قال: "فَكُنْ مِثْلَ الْجَمَلَ الأَوْرقَ2 الثَّفَّال3، الّذي لا يَنْبَعِثُ إِلاّ كرهاً، ولا يَمْشِي إلاّ كَرْهاً". رواه أبو عبيد.
(90)
ولأبِي4 داود عن الْمِقْداد مرفوعاً:
"إنّ5 السَّعِيدَ لِمَن جُنِّب الْفِتَن. إنّ السَّعِيدَ لَمَنْ
1 لم نجده فيما بين أيدينا من أصول.
2 الجمل الأورق: الأسمر. ومنه ناقة ورقاء. نهاية.
3 الثفّال: البطيء الثقيل الذي لا ينبعث إلاّ كرها – أي لا تتحرك في الفتنة. من لسان العرب.
4 عون المعبود بشرح سنن أبي داود – ج11- كتاب الفتن – باب النهي عن السعي في الفتنة ص 344.
5 صدر الحديث بلفظ: "أيم الله. لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم –"، يقول:"إنّ السعيد لمن جنب الفتن"، وكررت هذه الجملة في السنن ثلاث مرات. وقد ذكرت في الأصل مرتين.
ومعنى جنب: أبعد. والتكرار للمبالغة في التأكيد. ويمكن أن يكون التكرار باعتبار أول الفتن وآخرها.
جُنِّب الْفِتَن. وَلِمَن ابْتُلِيَ فَصَبَرَ. فَوَاهاً"1.
1 "فواهاً"، معناه: التلهف والتحسر. أي: واهاً لمن باشر الفتنة، وسعى فيها. وقيل معناه: الإعجاب والاستطانة. ولمن بكسر اللام. أي: ما أحسن وما أطيب صر من صبر عليها.
قال في القاموس: واهاً بالتنوين، وبدونه. كلمة تعجب من طيب شيء. وكلمة تلهف.