الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ النَّهْيِ عن السَّعْيِ فِي الْفِتْنَةِ
(53)
ولأبِي1 داود، عن أبي موسى: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُم فِتَناً كَقِطَعِ اللّيلِ الْمُظْلِمِ2، يُصْبِحُ الرّجلُ فِيهَا مُؤْمِناً، ويُمْسِي كَافِراً، وَيُمْسِي مُؤْمِناً، وَيُصْبِحُ كَافِراً. الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمُ. وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي"3. قالوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يارسولَ الله؟
1 عون المعبود شرح سنن أبي داود جـ 11 – كتاب الفتن والملاحم – باب النهي عن السعي في الفتنة ص 343.
2 أنظر حديث رقم1.
3 في سنن أبي داود – القائم فيها خير من "الماشي، والماشي فيها خير من السّاعي"، وما بين القوسين ساقط من المخطوطة.
والمقصود من الحديث: أن التباعد عنها خير، في أي مرتبة كانت.
قال النووي: معناه: بيان عظم خطرها – والحث على تجنبها والهرب منها، ومن التسبب في شيء، وإن شرها وفتنتها يكون على حسب التعلق بها – أي كلما بعد الإنسان من مباشرتها يكون خيراً.
قال: "كُونُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُم"1.
(54)
ولابنِ ماجة2، عن أبِي بَرْدَةَ. قال: دَخَلْتَ عَلَى مُحَمَّد ابن مَسْلَمَةَ. فَقَالَ: - إنّ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم قال:
"إنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ وَفِرْقَةٌ وَاخْتِلَافٌ، فَإِذَا كان ذلك3 فَأْتِ بِسَيْفِكَ أُحُداً، فَاَضْرِبْهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ4، ثُمَّ اجْلِسْ فِي بَيْتِكِ حَتَّى تَأْتِيكَ5 يَدٌ خَاطِئِةٌ، أَوْ مَيْتَةٌ قَاضِيَةٌ".
1 "كونوا أحلاس بيوتكم"، أي ألزموا بيوتكم – أنظر حديث رقم 50
2 سنن ابن ماجه – ج 2 – كتاب الفتن – باب التثبت في الفتنة ص 1310.
وفي الزوائد: هذا إسناد صحيح إن ثبت سماع حماد بن سلمة من ثابت البناني.
3 في سنن ابن ماجه: "فإذا كان كذلك".
4 قال النّووي: المراد: كسر السّيف حقيقة على ظاهر الحديث؛ ليسد على نفسه باب هذا القتال. وقيل: هو مجاز، والمراد: ترك القتال. والأول أصحّ.
5 "حتّى تأتيك يد خاطئة"، اليد الخاطئة، هي: التي تقتل المؤمن ظلماً. أي تقتل ظلماً، أو تموت بقضاء وقدر. والميتة: الموت.
فَقَدْ وَقَعَتْ، وَفَعَلُتُ ما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
(55)
وَلَهُ1: عن عَائِشَةَ2 بِنْتِ أُهْبَانَ. قَالَتْ لَمَّا جَاءَ عَلِيُّ ابنُ أَبِي طَالِبٍ هَهُنَا الْبَصْرَةَ، دَخَلَ عَلَى أبِي فَقَالَ: يا أبا مسلمٍ! أَلَا تُعِينُنِي عَلَى هَؤُلَاءِ الَقَومِ؟ قَالَ: بَلَى. قالت: فَدَعَا بِجَارِيَةٍ لَهُ. فقال:
يا جَارِيَةُ! أَخْرِجِي سَيْفِي. قَالَت: فَأَخْرَجْتُهُ. فَسَلَّ3 منه قَدْرَ شِبْرٍ، فَإِذَا هُو خَشَبٌ. فقال: إنَّ خَلِيلِي وابنِ عَمِّك–صلى الله عليه وسلم -عَهِدَ إِلَيَّ، إَذَا كَانَتْ
1 سنن ابن ماجه – ج 2 – كتاب الفتن – باب التثبت في الفتنة ص 1309.
وفي سنن الترمذي بشرح تحفة الأحوذي ج6 أبواب الفتن – باب ما جاء في اتخاذ السّيف من خشب ص 445.
2 في سنن ابن ماجه: عن: عُدَيْسَةَ: بدل عائشة. وهو كذلك في الترمذي.
(فسل) : أي أظهر وأخرج.
فِتْنَةُ بَيْنَ الْمُسْلِميِنْ، فَأَتَّخِذُ1 سَيفاً مِن خَشَبٍ، فَإِنْ شِئْتَ خَرَجْتُ مَعَكَ. قَالَ: لا حَاجَةَ لِي فِيكَ، ولا فِي سَيْفِكَ.
(56)
ولأبِِي2 داود: عن أبي موسى: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ بَيْنَ يَدَي السّاعَةِ فِتْناً، كَقِطَعِ اللّيلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرّجلُ فِيهَا مُؤْمِناً، وَيُمْسِي كَافِراً. وَيُمْسِي مُؤِمناً، وَيُصْبِحُ كَافراً. الْقَاعِدُ فِيْهَا خَيْرٌ
1 هكذا – مضبوطة – في ابن ماجه – بلفظ المضارع – والظّاهر أنه بلفظ الأمر – حتى يستقيم وجود الفاء الواقعة في جواب الشّرط مع الطّلب.
2 عون المعبود شرح سنن أبي داود – ج 11 – كتاب الفتن – باب النّهي عن السّعي في الفتنة – ص 337 وفي سنن ابن ماجه – ج 2 – كتاب الفتن – باب التثبت في الفتنة ص 1310.
مِنَ الْقَائِمِ (والْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي) 1 وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي. فَكَسِّرُوا قِسِيَّكُم2. وَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُم، وَاضْرِبُوا بِسُيُوفِكُمُ الْحِجَارَةِ3. فَإِنَ دُخِلَ عَلَى أَحْدٍ مِنْكُم، فَلْيَكُنْ كَخَيْرِ ابْنِي4 آدم.
(57)
وَلَهُ5: عن سَعْدِ6، قُلْتُ: يا رسولَ الله7! إِنْ دَخَلَعَلِيّ بَيْتِي، وَبَسَطَ يَدَهُ إِلَيَّ8 لِيَقْتُلَنِي؟ قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم:
1 ما بين القوسين لا يوجد في سنن أبي داود. وما في المخطوطة موافق لسنن ابن ماجه.
2 "قسيكم"، بكسرتين: جمع قوس. وفي العدول عن الكسر إلى التكسير مبالغة؛ لأن باب التفعيل للتكثير.
3 في سنن أبي داود: "واضربوا سيوفكم بالحجارة"، وما في المخطوطة موافق لسنن ابن ماجه.
4 أي فليستسلم حتى يكون قتيلاً كهابيل، ولا يكون قاتلاً كقابيل.
5 عون المعبود شرح سنن أبي داود – ج 11 – كتاب الفتن – باب النّهي عن السّعي في الفتنة ص 335.
6 "عن سعد" بن أبي وقاص كما في سنن أبي داود.
7 في سنن أبي داود: "يا رسول الله أرأيت إن دخل" بزيادة: "أرأيت".
8 في سنن أبي داود: "وبسط يده" بدون لفظ (إلى) .
"كُنْ كَخَيْرِ ابْنِي آدمَ. وَتَلَا1 هذه الآية: {لَئِنْ بَسَطْتَّ} ، الآية، [المائدة، من الآية: 28] .
(58)
وَلَهُ2: عن ابن عُمَرَ3: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم:
كَيْفَ بِكُم وَبِزَمَانٍ يُوشِكُ4 أَنْ يَأْتِيَ، فَيُغَرْبَلُ النّاسُ فِيهِغَرْبَلَةً، تَبْقَى حُثَالَةٌ مِن النّاسَ قَدْ
1 في سنن أبي داود: "وتلا بزيد" – وهو من رواة الحديث: هذه الآية: 28 من سورة المائدة.
2 عون المعبود شرح سنن أبي داود ص 11 – كتاب الملاحم – باب الأمر والنهي 497.
وفي سنن ابن ماجه ج 2، كتاب الفتن، باب التثبت في الفتنة ص 1307
3 في سنن أبي داود، وكذلك ابن ماجه:"عن عبد الله بن عمرو بن العاص".
4 في سنن أبي داود، "أو يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه"، وما في المخطوطة موافق لما في سنن ابن ماجه مع عدم ذكر الفاء في قوله:"فيغربل".
والمعنى: يذهب خيارهم وأراذلهم، كما أن الغربال ينقي الدقيق ويبقي الحثالة.
والحثالة: الرديء من كل شيء. والمراد: أراذلهم.
مَرَجَتْ1 عُهُودُهُم وَأَمَانَاتُهُم، واخْتَلَفُوا، فَكَانُوا: هَكَذَا وَهَكَذا2: "وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ".
قالوا: كَيْفَ بنا يا رسولَ الله3! إِذَا كَانَ ذَلِكَ الزَّمَانُ؟ قال:
"تَأْخُذُونَ بِمَا تَعْرِفُونَ4، وَتَدَعُونَ مَا5 تُنْكِرُونَ، وَتُقْبِلُونَ عَلَى خَاصَّتِكُم6، وَتَدَعُونَ أَمْرَ عَامَّتِكِم".
1 مرجت: أي اختلطت وفسدت. وهي بكسر الراء، والمرج: الخلط. النهاية.
2 في السنن: "فكانوا هكذا وشبك بين أصابعه" – بدون تكرار هكذا – وكذلك في ابن ماجة بلفظ: "وكانوا هكذا".
والمعنى: يموج بعضهم ببعض، ويلبس أمر دينهم، فلا يعرف الأمين من الخائن، ولا البر من الفاجر.
3 في سنن أبي داود: "كيف بنا يا رسول الله؟ قال"، وما في المخطوطة موافق لما في سنن ابن ماجه، بدون ذكر لفظ:"الزّمان".
4 في سنن أبي داود: تأخذون ما تعرفون. وما في المخطوطة موافق لما في سنن ابن ماجه.
وفي الزوائد: هذا إسناد صحيح إن ثبت سماع حماد بن سلمة من ثابت البناني.
5 في سنن أبي داود: "وتذرون" في الموضعين – وما في المخطوطة موافق لما في سنن ابن ماجه.
6 في سنن أبي داود: وتقبلون على أمر خاصتكم. وما في المخطوطة موافق لما في سنن ابن ماجه.
والمعنى: على من يختصّ بكم من الأهل والخدم أو على إصلاح الأحوال المختصة بأنفسكم.
(59)
وللنِّسَائِيِّ1: مِن حديث ابن عَمْرٍو: نَحْوَه وقال: فَقُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قال: "الْزَمْ بَيْتَكَ، وَأَمْلِكْ2 عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ مَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ"3. وأوّلُهُ: "إَذَا رَأَيْتَ النّاسَ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ، وَخَفَّتْ4 أَمَانَاتُهُم، وَكُانُوا: هَكَذَا وَهَكَذَا"، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. فَقُمْتُ إِلَيهِ. فَقُلْتُ
…
الخ.
(60)
وللتِّرمذي5: عن أبِي هُرَيْرَةَ: عن النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم قال:
1 لم نجده في مظانه من سنن النسائي. وهو موجود: في سنن أبي داود بشرح عون المعبود ج 11 كتاب الملاحم – باب الأمر والنهي ص 498، وفي مسند الإمام أحمد ج 2 ص 212.
2 "وأَمْلِكْ عليك لسانك"، أي: لا تُجِرْه إلاّ بما يكون لك لا عليك، ولا تتكلم في أحوال الناس.
3 أي الزم أمر نفسك، واحفظ ابنك، واترك الناس ولا تتبعهم.
4 "وخفت أمانتهم"، أي: قلت أمانتهم.
5 تحفة الأحوذي بشرح الترمذي ج6 أبواب الفتن ص 545.
"إِنَّكُم فِي زَمَانٍ، مَنْ تَرَكَ مِنْكُمْ فِيهِ عُشْرَ مَا أُمِرَ بِهَ هَلَكَ. وَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، مَنْ عَمِلَ مِنْهُم بِعُشْر مَا أُمِرَ بَهِ نَجَا".
وقال: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
(61)
ولابن ماجة: عن أبِي هُرَيْرَةَ. قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم:
1"في سنن الترمذي: "ثمّ يأتي زمان".
ومعنى الحديث: أن الزمان الأول – وهو متصف بالأمن وعز الإسلام – من ترك فيه عشر ما أمر به وقع في الهلاك؛ لأن الدين عزيز وأنصاره كثير، فالترك تقصير بلا عذر.
ما الزمان الثاني. فمن عمل فيه بعشر ما أمر به نجا؛ لأنه المقدور في زمن ضعف فيه الإسلام، وكثر الظلم، وعم الفسق، وقل أنصار الدين.
2"في سنن الترمذي: (هذا حديث غريب"، بدون ذكر وصف: حسن.
3" سنن ابن ماجه ج 2 – كتاب الفتن – باب شدة الزمان- ص 1340.
وفي الزوائد: في إسناده مقال. وأبو حميد، لم أر من جرحه، ولا وثقه.
ويونس هو: ابن يزيد الأيلي. وباقي رجال الإسناد ثقات.
"لَتُنْتَقُونَ كَمَا يُنْتَقَى التَّمْرُ مِنْ أَغْفَالِهِ1. وَلَيَذْهَبَنَّ2 خِيَارُكُم. وَلَيَبْقَيَنَّ شِرَارُكُم. فَمُوتُواإِنْ3 اسْتَطَعْتُم".
(62)
وللبخاريّ4: عن مِرْدَاسٍ الأَسْلَمِيِّ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
"يَذْهَبُ الصَّالِحُون: الأوّلُ فَالأوّلُ، وَتَبْقَى حُفَالَةُ5 كَحُفَالَةِ الشَّعِيْرِ وَالتَّمْرِ، لَا يُبَالِيْهُمُ الله6 بَالَةً".
1 "من أغفاله"، أي: مما لا خير فيه. جميع غُفل.
2 في سنن ابن ماجه: "فليذهبنّ"، بالفاء بدل الواو.
3 "فموتوا إن استطعتم"، أي: إذا تحقق ذلك فموتوا. يريد أن الموت خير حينئذ من الحياة- فلا ينبغي أن تكون الحياة عزيزة.
4 فتح الباري بشرح البخاري – ج11 – كتاب الرقاق – باب ذهاب الصالحين ص 251.
5 الحفالة والحثالة: بمعنى واحد. وقد وردت الرواية بكل من اللفظين. قال الخطابي: الحفالة بالفاء، وبالمثلثة: الرديء من كل شيء.
وقيل: آخر ما يبقى من الشعير والتمر وأردؤه. وقال ابن التين: الحثالة: سقط الناس.
6 "لا يباليهم الله بالة". قال الخطابي: لا يرفع لهم قدراً، ولا يقيم لهم وزناً.
وفي رواية: "لا يَعْبَأُ الله1 بِهم".
1 "لا يعبأ الله بهم"، أي: لا يبالي. وأصله من العبء بالكسر. وهو: الثقل. فكأن معنى لا يعبأ به: أي لا وزن له عنده.
وفي الحديث: انقراض أهل الخير في آخر الزمان حتى لا يبقى إلا أهل الشر.
وفيه: أن موت الصّالحين من أشراط الساعة. وفيه: الندب إلى الاقتداء بأهل الخير، والتحذير من مخالفتهم، خشية أن يصير من خالفهم ممن لا يعبأ الله بهم.