المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب قصة الجساسة - أحاديث في الفتن والحوادث (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الحادي عشر)

[محمد بن عبد الوهاب]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ الْفِتَنِ

- ‌بَابُ أَمَارَاتِ السَّاعِةِ

- ‌باب: من أحاديث الفتن

- ‌بَابُ النَّهْيِ عن السَّعْيِ فِي الْفِتْنَةِ

- ‌بَابُ التّعرّب فِي الْفِتْنَةِ

- ‌بَابُ النَّهي عَن تَعَاطِي السَّيْفِ الْمَسْلُولِ

- ‌بَابُ بَدَأَ الإسْلَامُ غَرِيْباً وَسَيَعُودُ غَرِيباً

- ‌بَابُ لَا يَأْتِي زَمَانٌ إِلَاّ وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ

- ‌بَابُ تَحْرِيْمِ رُجُوعِ الْمُهَاجِرِ إِلَى اسْتِيْطَانِ وَطَنِهِ

- ‌بَابُ إِذَا الْتَقَى الْمُسْلَمَانِ بِسَيْفِهِمَا

- ‌بَابُ هَلَاكِ الأُمَّةِ بَعْضِهِم بِبَعِضٍ

- ‌بَابُ كَفِّ اللِّسانِ فِي الْفِتْنَةِ

- ‌باب: من أحاديث النهي عن السعي في الفتنة

- ‌باب: من أمارات الساعة

- ‌بَابُ مُلَاحِمِ الرُّومِ

- ‌بَابُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ الدُّخَانُ

- ‌باب: الدجال وصفه وما معه

- ‌ باب قصّة الجساسة

- ‌بَابُ فِي سُكْنَى الْمَدِينَةِ وَعِمَارَتِهَا

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَهْدِيِّ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْمَسِيحِ بْنِ مَريَم وَالْمَسِيحِ الدَّجَّالِ

- ‌باب: من أحاديث الدجال

- ‌بَابٌ فِي خُرُوجِ الدَّابَّةِ

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌ باب قصة الجساسة

قِصَّةُ الْجَسَّاسَةِ

(132)

وله1 في حديث فاطمة بنت قيس: فلما قضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم-صَلاُتَهُ جَلَس على المنبر – وهو يضحك- فقال: "ليَلْزَم كُلّ إِنْسَانٍ مُصَلَاّه". ثمّ قال: "أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُم؟ "، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "إِنِّي والله ما جَمَعْتُكُم لرَغَبِةٍ ولا لِرَهْبَةٍ، ولكن جَمَعْتُكُم، لأنّ تَميماً الدّاري2، كان رجلاً نَصْرَانِياً، فجاء فَبَايَعَ وَأَسْلَم، وحدّثنِي

1 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة،‌

‌ باب قصّة الجساسة

، ص: 80، وما بعدها، وفي سنن ابن ماجه، ج 2، كتاب الفتن، باب فتنة الدّجّال، ص:1354.

2 "لأنّ تميماً الدّاري"، هذا معدود من مناقب تميم؛ لأنّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم روى عنه هذه القصة.

وفيه: رواية الفاضل عن المفضول ـ ورواية المتبوع عن تابعه ـ وفيه قبول خبر الواحد.

ص: 184

حديثاً وافق الّذي كنت أحدِّثكم عن مسيح الدّجّال".

حدّثني: أنّه ركب فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، مع ثلاثين رجلاً مِنْ لَخْم وجُذَمَ، فلعب بِهِمُ الْمَوجُ شهراً فِي الْبَحر، ثُمّ أَرْفَؤُوا إلى جزيزة1 في البحر حين2 مغرب الشّمس، فجلسوا في أقرب السّفينة3، فدخلوا الجزيرة، فَلَقِيَتْهُم دَابَّةٌ أهلبٌ4 كثير الشّعر، لا يدرون ما قبله مِنْ دُبُره، من كثرة الشّعر. فقالوا: وَيْلَكَ ما أنت؟ قالت5: أنا الْجَسَّاسَةُ. قالوا: وما الْجَسَّاسَةُ؟ قالت:

1 "ثم ارفؤوا إلى جزيرة"، أي: التجأوا إليها، قال في اللّسان: أرفأت السّفينة إذا أدنيتها إلى الجدة، والجدّة: وجه الأرض أي: الشّطّ.

2 في صحيح مسلم: "حتّى مغرب الشّمس".

3 "فجلسوا في أقرب السّفينة"، الأقرب جمع قارب، على غير قياسٍ، والقياس: قوارب، وهي سفينة صغيرة تكون مع الكبيرة، كالجنيبة يتصرّف فيها ركاب السّفينة لقضاء حوائجهم.

وقيل: أقرب السّفينة: أخرياتها وما قرب منها للنّزول.

4 "أهلب"، الأهلب: غليظ الشّعر كثيره.

5 في صحيح مسلم: "فقالت": والجساسة: سمّيت بذلك لتجسسها الأخبار للدّجّال.

ص: 185

أيها القوم! انطلقوا إلى هذا الرّجل في الدَّيْر؛ فإنّه إلى خبركم بالأشواق1.

قال: لمّا سَمَّت لنا رجلا ًَ فَرِقْنَا منها2 أن تكون شيطانةً. قال: فانْطَلَقْنَا سِراعاً، حتّى دَخَلْنا الدَّيْرَ، فإذا فيه أعظم إنسانٍ3 رأيناه قطُّ خَلْقاً. وأشدُّه وثَاقاً مَجموعة يداه إلى عنقه، ما بين رُكْبَتَيْهِ إلى كَعْبَيْه بالْحَديد4. قلنا: ويلك! ما أنت؟ فقال5: قد قدرتم على خبري. فَأَخْبِرُونِي ما أنتم؟ قالوا: نَحن من العرب، ركبنا في سفينةٍ بَحريَّةٍ، فصادفنا البحر

1 "فإنّه إلى خبركم بالأشواق"، أي: شديد الأشواق إلى خبركم.

2 "فرقنا منها"، أي: خفنا.

3 "أعظم إنسان"، أي: أكبره جثة، أو أهيب هيئة.

4 "بالحديد" الباء متعلّق بمجموعة، "وما بين ركبتيه إلى كعبيه"، بدل: اشتمال من يداه.

5 في صحيح مسلم: "قال".

ص: 186

حين اغْتَلَمَ1، فلعب بنا الموج شهراً، ثمّ أَرْفَأْنَا إلى جَزِيْرَتِك هذه. فجلسنا في أقربِها؛ فدخلنا الْجزيرة، فَلَقِيَتْنا دابّةٌ أهلب كثير الشّعر، لا ندري2 ما قبله من دبره من كثرة الشّعر. قلنا: ويلك! ما أنت؟ فقالت: أنا الْجَسَّاسَةُ. قلنا3: وما الْجَسَّاسَةُ؟ قالت: اعمدُوا إلى هذا الرّجل في الدّير؛ فإنّه إلى خَبَرِكُم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعاً. وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانةً. قال4: أخبروني عن نخل بيسان5. قلنا: عن أيِّ شأنها تَسْتَخْبِر؟ قال: [هل فيها ماءُ؟ قالوا: هي كَثِيْرَةُ الماء. قال] 6: أسألكم عن نَخْلِها

1 "صادفنا البحر حين اغتلم"، أي: هاج وجاوز حدّه المعتاد.

قال الكسائي: "الاغتلام: أن يتجاوز الإنسان ما حدّ له من الخير والمباح.

2 في صحيح مسلم: "لا يدرى" بالبناء للمجهول.

3 في صحيح مسلم: "فقلنا" بالفاء.

4 في صحيح مسلم: "فقال" بالفاء.

5 "نخل بيسان"، هي: قرية بالشّام.

6 ما بين القوسين لا يوجد في مسلم، والظّاهر أنّه خطأ من النّاسخ.

ص: 187

هل يثمر؟ قلنا له: نعم. قال: أمّا إنّه يُوْشِكُ ألاّ يثمر. قال: أَخْبِرُونِي عن بًحَيْرَة الطَّبَريّة1. قلنا: عن أيِّ شأنها تَسْتَخْبِرُ؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أمَا إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زَغَرَ2. قالوا: عن أيِّ شأنها تَسْتَخْبِرُ؟ قال: هل في العين ماءٌ؟ وهل يَزْرَعُ أهلها بماء ذلك3 العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأُمَّتَيْن. ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكّة ونزل بيثرب4. قال: قاتله5 العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صَنَعَ بِهُم؟ فَأَخْبَرْنَاه أنّه قد ظهر على من يليه من

1 "بحيرة الطّبرية"، هي: بحر صغير معروف بالشّام.

2 "عين زغر"، هي: بلدة معروفة في الجانب القبلي من الشّام.

3 في صحيح مسلم: "بماء العين" بدون اسم الإشارة.

4 في صحيح مسلم: "ونزل يثرب"، بدون الجارّ.

5 في صحيح مسلم: "أقاتله" بهمزة الاستفهام لفظاً.

ص: 188

العرب وأطاعوه. قال1: قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما إنّ ذلك2 خير لهم أن يطيعوه، وإنِّي مخبركم عنِّي: إنِّي أنا المسيح الدّجّال3، وإنِّي أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فَأَسِيْر في الأرض، فلا أدع قرية إلاّ هَبَطتها في أربعين ليلة، غير مكّة وطيبة4، فهما مُحَرَّمَتَان عليّ، كلتاهما كلّما أرادت أن أدخل واحدة منهما5، اسْتَقْبَلَنِي ملك بيده السّيف صلتاً6 يصدّني عنها، وأنّ على كلّ نقب منها ملائكة يَحْرُسُونَها. قال7 رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر "هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ"، يَعْنِي: المدينة. "ألا هلْ كنْتُ حَدَّثْتُكم ذلك؟ ".

1 في صحيح مسلم لا توجد: "قال الأولى".

2 في صحيح مسلم: "أما إنّ ذاك"، بدون اللام.

3 في صحيح مسلم لا توجد كلمة: "الدّجّال".

4 "طيبة" هي: المدينة، ويقال لها أيضاً: طابة.

5 في صحيح مسلم: "أن أدخل واحدة أو واحد منهما".

6 "صلتا" بفتح الصّاد وضمّها، أي: مسلولاً.

7 في صحيح مسلم: "قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 189

فقال النّاس: نعم. "فإنّه أعْجَبَنِي حديث تَمِيم: لأنّه1 وفق الّذي كنتحدّثتكم2 عنه وعن المدينة ومكّة ألا إنّه في بحر الشّام، أو بَحْر الْيَمَن؛ لا بل من قبل الْمَشْرِق، ما هو، من قبل3الْمَشْرِقِ ما هو، من قبل الْمَشْرِقِ ما هو، وأومأ بيده إلى الْمَشْرِقِ قالت: فحفظت هذا من رسول الله– صلى الله عليه وسلم.

(133)

وله4 عن أنس. قال رسول الله– صلى الله عليه وسلم:

"ما من5 بلدٍ ألاّ سَيَطَؤُهُ الدّجّال إلاّ مكّة والْمدينة

1 في صحيح مسلم: "أنّه وافق" بدون اللام.

2 في صحيح مسلم: "كنت أُحَدِّثُكم عنه".

3 "ما هو" قال القاضي: "لفظة: ما هو، زائدة، صلة للكلام ليست بنافية: والمراد إثبات أنّه في جهات المشرق.

4 صحيح مسلم بشرح النّووي ج18،كتاب الفتن وأشراط السّاعة، ص:85.

وصحيح البخاري بشرح الفتح ج 9، ص: 95، مع اختلاف في اللّفظ.

5 في صحيح مسلم: "ليس من بلدٍ".

ص: 190

وليس نقب من نقابها1، إلاّ عليه الملائكة صافين تحرسها، فينْزل بِالسَّبْخَة2، فترجف المدينة ثلاث رَجْفَاتٍ يَخرج3 إليه منها كلّكافرٍ ومُنَافِقٍ".

وفي لفظٍ4: فيأتي سَبْخَةَ الْجُرُفِ فَيَضرب رواقةُ5.

(134)

وله6 عنه أنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم-قال:

"يتبع الدّجّال من يَهُود أَصْبَهَان، سبعون ألفاً. عليهم الطَّيَالِسَة"7.

1 في صحيح مسلم: "من أنقابها".

2 بالسّبخة، في القاموس: السّبخة: محركة ومسكنة، أرض ذات نزّ وملح.

3 في صحيح مسلم: "يخرج إليه منها كل كافرٍ ومنافقٍ" بالبناء للمعلوم.

4 صحيح مسلم بشرح النّووي، نفس الصّفحة.

5 "فيضرب رواقه"، أي: يَنْزل هناك، ويضع ثقله.

6 صحيح مسلم بشرح النّووي نفس الصّحيفة.

7 "الطّيالسة" جمع طيلسان، والطّيلسان أعجمي معرَّب، قال في معيار اللّغة: ثوب يلبس على الكتف، يحيط بالبدن ينسج للبس، خالٍ من التّفصيل والخياطة.

ص: 191

(135)

وله1 عن أم شريك أنّها سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول:

"لَيَفِرَّنَّ النّاسُ من الدّجّال في الْجبال"، قالت: يا رسول الله! فأين الْعَرَبُ يومئذٍ؟

قال: "هُمْ قَلِيلٌ".

(136)

وله2 عن عمران سَمِعتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم يقول:

"ما بَيْنَ خَلْق آدم إلى قيام السّاعة خلق أكبر من الدّجّال"3.

(137)

وله4 عن أنس قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

1 صحيح مسلم بشرح النّووي ج 18، كتاب الفتن، ص:86.

2 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18،كتاب الفتن وأشراط السّاعة، ص:86.

3 "خلق أكبر من الدّجال"، أي: أكبر فتنةً وأعظم شوكة.

4 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة باب ذكر الدّجّال ص:59.

ص: 192

"ومَا من نَبِيٍّ إلاّ وقد أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الْكَذَّابَ ألا إنّه أعورُ – وإنّ ربّكم – عزّ وجلّ1 – ليس بأعور، ومكتوبٌ بَيْنَ عينيه: ك. ف. ر".

وفي روايةٍ2: بعد الْحُرُوفِ: أي: كَافرٌ.

وفي رواية3: ثمّ تَهَجَّاهَا: ك. ف. ر. "وَيَقْرَؤُهُ كل مسلم"4.

1 لا توجد هذه الجملة في صحيح مسلم.

2 صحيح مسلم بشرح النّووي ج 18، كتاب الفتن، وأشراط السّاعة، باب ذكر الدّجّال ص:59.

3 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن، باب ذكر الدّجّال، ص: 60، ولفظ الحديث:

"الدّجّال ممسوح العين، مكتوب بين عيْنيه كافر"، ثم تهاجاها

الحديث.

ومعنى ممسوح العين: الممسوحة هي الطّافئة بالهمزة التي لا ضوء فيها، وهي أيضاً موصوفة في الرّواية الأخرى بأنّها ليست مجراء ولا ناتئة.

والصّحيح الذي عليه المحقّقون: أنّ هذه الكتابة على ظاهرها، وأنّها كتابة حقيقية، جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بفكره وكذبه وإبطاله، ويظهرها الله تعالى لكلّ مسلمٍ، كاتب وغير كاتبٍ، ويخفيها عمَن أراد شقاوته وفتنته ولا امتناع في ذلك.

4 في صحيح مسلم: "يقرؤه كلّ مسلم" بدون الواو.

ص: 193

(138)

وله1 عن حذيفة: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

"الدّجّالُ أَعْورُ الْعَيْن الْيُسَرَى، جُفَالُ الشَّعَر2، معه جَنَّةٌ ونَارق"3.

(139)

وله4 عنه قال رسول الله– صلى الله عليه وسلم:

لأنا أعلم مع الدّجّال منه. معه نَهْرَان يَجْرِيَان؛ أحدهما رأي العين، ماء أبيض، والآخر رأي العين

1 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب ذكر الدّجال، ص: 60، 61.

2 "جفال الشّعر"، أي: كثيره.

3 تتمة الحديث في صحيح مسلم: "فناره جنة، وجنته نار".

قال العلماء: هذا من جملة فتنة، امتحن الله تعالى به عباده، ليحق الحقّ ويبطل الباطل، ثم يفضحه ويظهر للنّاس عجزه.

4 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، بنفس الباب ص:61.

ص: 194

نارٌ تَأَجَّجُ. فإمّا أدركن أحد1. فليأت النّهر الّذي يراه2 ناراً، ولْيُفَصِحَنَّ، ثُمَّ ليُطَأْطِيءْ رأسه فَيَشْرَبَ منه؛ فإنّه ماء بارد، وإنّ الدّجّال ممسوح العين. عليها ظَفرَةٌ غَلِيظَةٌ3 مَكْتُوبٌ بَيْنَ عينيه كافرٌ. يَقْرؤُه كل مؤمن، كاتبٌ وغير كاتبٍ.

(140)

وله4 عن أبي هريرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ألا أُخْبِرُكُم عن الدّجّال حديثاً ما حدّثه نَبِيٌّ قومه: إنّه أَعْوَرُ، وإنّه يَجِيءُ معه مثل الجنّة والنّار، فالتي

1 "فإمّا أدركن أحد"، هكذا هو في أكثر النّسخ "أدركن"، وفي بعضهم:"أدركه"، وهذا الثّاني ظاهر، وأمّا الأوّل: فغريب من حيث العربية؛ لأنّ هذه النّون لا تدخل على الفعل الماضي.

2 "يراه" بفتح الياء وضمّها.

3 "ظفرة غليظة"،هي جلدة تغشي البصر، وقال الأصمعي: لحمة تنبت عن المآقي.

4 صحيح مسلم بشرح النّووي ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب ذكر الدّجّال، ص: 62، 63.

ص: 195

يقول إنّها الْجنّة، هي النّار. وإنِّي أنذركم1 كما أنذر به نوح قومه".

(141)

وله2 عن نافع:

"ألَا إنّ المسيح الدّجّال أعور العين اليمنى؛ كَأَنَّ عينه عنبة طَافِئَةٌ"3.

(142)

وله4 عن أبي سعيد قول ابن صَيَّادٍ له:

1 في صحيح مسلم: "وإنّي أنذرتكم به".

2 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن أشراط السّاعة، باب ذكر الدّجّال ص: 58، 59.

ولفظ الحديث:

عَن نَافِع عَن ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الدَّجَّالَ بَيْن ظَهْرانِي النَّاسِ فَقَالَ: "إنّ الله تعالى لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلَا وَأَنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ

الحديث".

3 "كأنّ عينه عنبة طافئة"، أمّا طافئة: فرويت بالهمز وتركه، وكلاهما صحيح. فالمهموزة هي التي ذهب نورها، وغير المهموزة التي نتأت وطفت مرتفعة وفيها ضوء.

والعور في اللّغة: العيب، وعيناه معيبتان عوراوان، وإنّ إحداهما طافئة (بالهمزة) لا نور فيها، والأخرى طافية (بلا همز) ظاهرة ناتئة.

4 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب ذكر ابن صياد ص:50.

ص: 196

أَلَسْتَ سَمِعْتَ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم يقول:

"إنّه لَا يُولَدُ لَه؟ "، قلت: بلى. قال: فقد ولد لي. أو ليس سَمِعتَ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم-يقول: "لا يدخل الْمدينةَ ولا مكّة"؟ قلت: بلى. قال: فقد وُلدتُ بِالْمَدينة، وهَأَنَا أريد مكّة1. ألم2 يقل نَبِيُّ الله – صلى الله عليه وسلم:"إِنّه يَهُودِي"، وقد أسلمت؟

الخ.

1 في صحيح مسلم: "وهذا أنا أريد مكّة".

وتتمة هذه الرّواية عند مسلم بعد لفظ: أريد مكّة: "قال: ثُمَّ قال في آخر قولِهِ: أَمَا الله إِنِّي لأعْلَمُ مَوْلِدَهُ وَمَكَانَه، وَأَيْنَ هُوَ؟ قال: فَلَبِسَني"، ومعنى: لبسنِي بالتخفيف؛ جعلني ألتبس في أمره وأشكّ فيه.

2 ألم يقل نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم: "إنّه يهودي"، هذا اللّفظ من رواية أخرى عند مسلم عن أبي سعيد أيضاً في نفس الصّفحة ونصّها:

(عن أبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ قال: لي ابْن صائد ـ وأخذَتْنِي مِنْهُ ذَمَامَةٌ، هذا عَذَرْتُ النَّاسَ، مَا لي وَلَكُم يا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ؟ أَلَمْ يَقُلْ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم:"إنّهُ يَهُودِيٌّ؟ "، وقد أَسْلَمْتُ. قال:"وَلَا يُولَدُ لَهُ"، وقد وُلِدَ لِيَ، وقال: إِنّ الله حَرَّم عَلَيهِ مَكَّة" وقَدْ حَجَجْتُ، قال: فَمَا زَالَ حَتَّى كّادَ أن يَأْخُذَ فِيَّ قَوْلُهُ. قال: فَقَالَ لَهُ، أَمّاَ والله إِنِّي لأعْلَمُ الآن حَيْثُ هُوَ وَأَعْرَفُ أباهُ وَأُمُّهُ. قال: وقيل لَهُ: أَيَسُرُّكَ أَنَّكَ الرَّجُلُ؟ قال: فَقَال: لَوْ عُرِضَ عَلَيَّ مَا كَرِهْتُ".

وذمامة: بذال معجمة مفتوحة ثم ميم مخفّفة، أي: حياء وإشفاق من الذّمّ واللّوم.

ومعنى: "حتّى كاد أن يأخذ في قوله"، بتشديد ياء فيَّ. وقوله: مرفوع، وهو فاعل يأخذ، أي: يؤثّر فيَّ وأصدقه في دعواه.

ص: 197

(143)

وله1 قول حَفْصَةَ لابن عمر: ما تريد إليه؟ ألم تعلم أنّه قد قال:

"إنَّ أَوَّلَ مَا يَبْعَثُهُ على النّاس غَضَبٌ يَغْضَبُهُ".

(144)

وله2 عن أبي الدّرداء، أنّ نبيّ الله – صلى الله عليه وسلم-قال:

1 صحيح مسلم، بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب ذكر ابن صياد، ص:58.

قالته أم المؤمنين ـ حفصة رضي الله عنها لعبد الله بن عمر ـ تذكيراً له، وقد فعل مع ابن صياد ما أغضبه. انظر الحديث بأكمله في مسلم.

2 صحيح مسلم، بشرح النّووي، ج 6، فضل سورة الكهف ص:92.

ص: 198

"مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ1 مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ من الدّجّال ".

وفي رواية2: "مِنْ آخر الْكَهْفِ".

(145)

وله3 عن عمرو بن ثابت: عن الصّحابة مرفوعاً:

"تَعَلَّمُوا4 أَنَّه لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِّنْكُم رَبَّه حَتَّى يَمُوتَ".

1 في صحيح مسلم: "مَن حفظ عشر آيات من أوّل سورة الكهف) بزيادة لفظ: أوّل.

2 ذكرها النّووي في شرحه للحديث السّابق ج 6، ص:93.

قيل: سبب ذلك ما في أوّلها من العجائب والآيات، فمَن تدبّرها لم يفتن بالدّجّال، وكذا في آخرها قوله تعالى:{أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} ، [الكهف، من الآية: 102] .

3 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن، باب ابن صياد، ص: 55، والرّاوي للحديث عمر ثابت، لا عمرو، ولفظ الحديث: أنّّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حَذَّرَ النَّاسَ الدَّجَّالَ: "أنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ مَن كَرِهَ عَمَلَهُ، أو يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وقال: تَعَلَّمُوا أنَّهُ

" الحديث.

4 "تعلَموا"، اتّفق الرّواة على ضبط تعلموا بفتح العين واللام المشدّدة، قالوا: ومعناه: اعلموا. (وبعدها كلمة مطموسة) .

ص: 199

(146)

وله1 عن ابن عمر عن النّبيّ – صلى الله عليه وسلم-قال:

"لتقاتلنّ اليهود، فَلْتَقْتُلَنَّهم حتّى يقول الْحَجَرُ: يا مسلم! هذا يَهُودِيٌّ، فتعال فَاقْتُلْهُ".

وفي رواية: "إلاّ الْغَرْقَدَ2؛ فَإِنَّهُ من شجر اليهود". رواه من حديث أبي هريرة.

(147)

وقال ابن ماجه3: ثنا عليُّ بن محمّد ثنا عبد الرّحمن الْمَحَارِبِيّ عن إسْمَاعيلَ بن رافعٍ أبي رافعٍ، عن أبي عمرو الشّيبانِي – زرعة4، عن أبي أُمَامة5.

1 صحيح مسلم بشرح النّووي، كتاب الفتن، ج 18، باب لا تقوم السّاعة حتّى يمرّ الرّجل بقبر الرّجل فيتمنّى أن يكون مكانه، ص:44.

2 "الفرقد"، نوع من شجر الشّوك، معروف ببلاد بيت المقدس.

وقال أبو حنيفة الدّينوري: إذا عظمت العوسجة صارت غرقدة.

3 سنن ابن ماجه، ج 2، كتاب الفتَن، باب فتنة الدّجّال، ص: 1359، وما بعدها،

4 في سنن ابن ماجه: عن أبي زرعة الشّيباني، يحيى بن أبي عمر.

5 في سنن ابن ماجه: "عن أبي أمامة الباهلي".

ص: 200

قال: خطبنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم فكان أكثر خطبته حديثاً حدّثناه1 وحذرناه، وكَانَ مِنْ قوله أنّ قال: "إنّه لَمْ تَكُن2 فِتْنَةٌ فِي الأرض مُنْذُ ذَرَأَ الله آدم ـ صلّى الله عليه وسلّم3- أعظم من فِتْنَةِ الدَّجَّال، وإنّ الله عز وجل ـ4 لم يبعث نبيّاً إلاّ حذّر أمّته الدّجّال. وأنا آخر الأَنْبِيَاء. وأنتم آخر الأمم، وهو خارج عليكم5 لا مَحَالَة؛ فإن6 يَخرج وأنا بَيْن ظَهْرانَيْكم فأنا حجيجُ كلِّ مسلم7، وإن يَخرج من بعدي فكلٌّ حجيجٌ بنفسه8، والله خليفتِي على كلّ مسلم، وإنّه يَخرج من خلّة بين الشّام والعراق، فََيعيثُ يَمِيناً ويَعِيث

1 في سنن ابن ماجه: "حدّثناه عن الدّجّال".

2 في سنن ابن ماجه: "إنّه لم تكن فتنة"، بالتّاء بدل الياء.

3 في سنن ابن ماجه: "منذ ذرأ الله ذريّة آدم".

4 لا توجد هذه الجملة في سنن ابن ماجه.

5 في سنن ابن ماجه: "وهو خارج فيكم".

6 في سنن ابن ماجه: "وإن يخرج" بالواو.

7 في سنن ابن ماجه: "فأنا حجيج لكّ مسلمٍ".

8 في سنن ابن ماجه: "فكلّ امرئٍ حجيج نفسه".

ص: 201

شَمالاً. يا عباد اللهَ! أيّها النّاس1! فاثبتوا؛ فإنِّي سَأَصِفُهُ لكم صِفَةً. لَمْ يَصِفْهَا إِيَّاه نَبِيُّ قبلي

إنّه يبدأ فيقول: أنا نِبِيٌّ وإنه لا نَبِيَّ بعدي2. ثمّ يَنْثَنِي3 فيقول: أنا ربّكم ولا ترون ربّكم حتّى تَمُوتوا، وإنّه أعور. وإنّ ربّكم – عز وجل-4 ليس بأعور، وإنّه مكتوبٌ بَيْن عينيه: كافرٌ، يقرؤه كلّ مُؤْمِنٍ: كاتبٌ وغير كاتبٍ5، وإنّ مِن فِتْنَته أنَّ مَعَهُ جَنَّةً وناراً6، فَمَنْ ابْتُلِيَ بِنَارِهِ فَلْيَسْتَعِذْ7 بالله، وليقرأ فَوَاتِيحَ الْكَهف؛ فتكون عليه برداً وسلاماً. كما كانت8 على إبراهيم – عليه السلام–9 وإنّ مِنْ فِتْنَته: أنْ يقُولَ لأعْرَابِيٍّ:

1 لا توجد جملة: "أيها النّاس"، في سنن ابن ماجه.

2 في سنن ابن ماجه: "ولا نَبِي بعدي"، بدون لفظ: إنّه.

3 في سنن ابن ماجه: "ثم يثني فيقول".

4 لا توجد هذه الجملة في سنن ابن ماجه.

5 في سنن ابن ماجه: "كاتب أو غير كاتبٍ) ، بأو بدل الواو.

6 في سنن ابن ماجه: "بعد هذه الجملة: "فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُه نارٌ".

7 في سنن ابن ماجه: "فليستغث".

8 في سنن ابن ماجه: "كما كانت النّار على إبراهيم".

9 لا توجد هذه الجملة في سنن ابن ماجه.

ص: 202

أَرَأَيْتَ إن بَعَثت لك أَبَاكَ وأُمُّكَ، أَتَشْهَدُ أنِّي ربُّك؟ فيقول: نَعَم. فَيَمْثُل1 له شيطانان في صورة أبيه وأمِّه، فيقولان: يا بُنَيّ! اتَّبِعهُ، فإنّه ربّك. وإنّ من فتنته أن يسلِّط على نفسٍ واحدةٍ يقتلها ينشرها بِالْمِنْشَار2؛ حتّى يُلْقَي شَقَّتَيْن، ثُمّ يقول: انظروا إلى عبدي: فإنّه أبعثه الآن3، ثمّ يَزْعمُ أن له ربًّا غيري. فبعثه الله تعالى فيقول له الخبيث: من ربّك فيقول: ربِّي الله، وأنت عدو الله، أنت الدّجّال، والله ما كنت بعد أشدّ بصيرة بك منِّي الْيَومَ".

قال أبو الحسن الطَّنَافَسِي: فحدثنا الْمَحَارِبِي. ثنا عبيد الله بن الوليد الوصّافيّ عن عطيّة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: "ذلك الرَّجُلُ أَرْفَعُ أُمَّتِي دَرَجَةً فِي الْجَنَّة ".

1 في سنن ابن ماجه: "فيتمثل له شيطانان".

2 في سنن ابن ماجه: "فيقتلها وينشرها بالمنشار".

3 في سنن ابن ماجه: "انظروا إلى عبدي هذا، فإنّي أبعثه الآن".

ص: 203

قال أبو سعيد: ما كنّا1 نُرَى ذلك الرّجل إلاّ عُمر ابن الخطّاب – رضي الله عنه2 – حتّى مضى لسبيله.

قال الْمحاربيّ: ثمّ رجعنا إلى حديث أبي رافع قال:

وإنّ مِنْ فِتْنَته أَن يَأْمُرَ السَّمَاءَ أنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرَ، ويَأْمُرَ الأرضَ أنْ تُنْبِتَ فَتَنْبِتَ.

وإنّ من فتنته أن يَمُرَّ بِالْحَيِّ فَيكَذِّبُوهُ3، فَلَا تَبقَى لَهُم سَائمَةٌ إِلَاّ هَلَكَت.

وَإِنَّ مِن فِتْنَتِهِ أَن يَمُرَّ بِالْحَيِّ فيصدِّقوه4، فيَأْمُرُ السّماءَ أَنْ تُمْطرِ فَتُمطر، والأرض5 أن تُنْبت فَتُنْبت؛ حتّى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت

1 في سنن ابن ماجه: "والله ما كنا نرى"، بزيادة القسم.

2 لا توجد هذه الجملة في سنن ابن ماجه.

3 في سنن ابن ماجه: "وإن من فتنته أن يمر بالحيّ فيكذبونه! ".

4 في سنن ابن ماجه: "فيصدّقونه" بالنّون.

5 في سنن ابن ماجه: "ويأمر الأرض".

ص: 204

وأعظمه، وأمّده خواصر، وأدرّه ضروعاً، وإنّه لا يبقى شيء من الأرض إلاّ وَطِئَه وَظَهَر عليه إلاّ مكّة والْمدينة؛ فإنّه لا1 يَأْتِيهما من نَقْبٍ مِنْ نقَابِهما إلاّ لَقِيَتْهُ الْمَلائكةُ بالسُّيُوفِ صَلْتَةً2؛ حتّى يَنْزِلَ عند الظّريب3 الأَحْمَر، عند منْقَطَع السَّبْخَة4. فَتَرجفُ5 الْمَدينة بأهلها ثلاث رَجْفَاتٍ، فلا يَبْقَى منافقٌ، ولا مُنَافِقَةٌ إلاّ خَرج إليه فَتَنْفِي الْخَبَثَ6 منها كما ينفي الكيْرُ خَبَثَالْحديدِ، ويدعى ذلك اليوم يوم الْخَلَاص".

1 في سنن ابن ماجه: "لا يأتيهما من نقب"، بدون لفظ: فإنّه، والنّقب: الطّريق بين جبلين.

2 "صلته"، أي: مجرّدة، يقال: أصلت السّيف، إذا جرّده من غمده، وضربه بالسّيف صَلْتَاً وصُلْتاً.

3 "الظّريب"، تصغير ظربٍ، بوزن كتف، والظّراب: الجبال الصّغار.

4 "السّبخة"، هي: الأرض التي تعلوها الملوحة، ولا تكاد تنبت إلاّ بعض الشّجر.

5 "فترجف"، أصل الرّجف: الحركة والاضطراب، أي: تتزلزل وتضطرب.

6 "الخبث" هو: ما تلقيه النّاس من وسخ الفضّة والنّحاس وغيرهما إذا أُذيبا.

ص: 205

فقالت أم شريك بنت أبي العَكَر: يا رسول الله! فأين العرب يومئذ؟ قال: "هُمْ قَلِيلٌ، وجلّهم ببيت المقدس، وإمامهم رجلٌ صالحٌ، قد1 تقدّم يصلِّي بِهم الصّبح، إذ نزل عليهم عيسى بن مريم الصّبح. فرجع ذلك الإمام ينكص2: يمشي الْقَهْقَرَى، ليتقدّم عيسى – عليه السلام-3 يصلِّي بالنّاس. فيضع عيسى يده بين كتفيه، ثمّ يقول له: تقدّم فصلِّّ. فإنّها لك أقيمت. فيصلِّي بهم إمامهم. فإذا انصرف، قال عيسى – عليه السلام افتحوا الباب، فيفتح، ووراءه الدّجّال، معه سبعون ألف يهوديٌّ. كلّهم ذو سيف محلّى وساجٍ4؛ فإذا نظر إليه الدّجّال ذاب

1 في سنن ابن ماجه: "فبينما إمامهم قد تقدّم يصلّي بهم".

2 "ينكص" النّكوص: الرّجوع إلى الوراء، وهو القهقري.

3 لا توجد هذه الجملة في سنن ابن ماجه.

4 "وساج" السّاج: هو الطّيلسان الأخضر، وقيل: الطّيلسان المقور، ينسج كذلك.

ص: 206

كما يذوب الملح في الماء، وانطلق1 هارباً، ويقول عيسى – عليه السلام: إنّ لي فيك ضربة لن تَسبِقَنِي بها2، فيدركه عند باب لُدٍّ3 الشّرقي فيقتله، ويهزم الله اليهود، ولا يبقى شيء4 ممّا خلق الله يتوارى به يهوديٌّ إلاّ أنطق الله ذلك الشّيء، لا حجر ولا شَجَر ولا حَائِطَ ولا دَابَّة "إلاّ الْغَرْقَدَ فَإنَّه مِنْ شَجَرِهم لا ينطق) 5 إلاّ قال: يا عبد الله المسلم! هذا يهوديٌّ؛ فتعال فأقتله" 6.

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

"وإنَّ أَيَّامَهُ

1 في سنن ابن ماجه: "وينطلق هارباً" بالمضارع.

2 "لن تسبقنِي بها"، أي: لن تفوّتها عليَّ.

3 في سنن ابن ماجه: "باب اللّدّ الشّرقي"، في النّهاية: لدّ، موضع بالشّام، وقيل: بفلسطين.

4 في سنن ابن ماجه: "فيهزم الله اليهود فلا يبقى شيءٌ"، بالفاء في الجملتين.

5 في سنن ابن ماجه: "إلاّ الغرقدة، فإنّها من شجرهم لا تنطق". بالتّأنيث.

والغرقدة: هو ضرب من شجر العضاة وشجر الشّوك.

6 في سنن ابن ماجه: "فتعال اقتله" بدون الفاء مع لفظ: اقتله.

ص: 207

أربعون سنة، السّنة كنصف السّنة، والسّنة كالشّهر، والسّنة1 كالْجمعة. وآخر أيّامه كالشَّرَرَةِ2، يصبح أحدكم على باب الْمدينة، فلا يبلغ بابها الآخر حتى يُمْسِيَ"، فقيل له: يا رسولَ الله! كيف نصلِّي في تلك الأيّام القِصَار؟ قال: "تُقَدِّرُون فيها الصّلاةَ، كما تُقَدِّرُونَها في هذه الأيام الطِّوال، ثُمّ صَلُّوا".

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

"فَيَكُونُ عيسى3 – عليه السلام – في أمّتي حكماً4 عدلاً، وإماماً مُنْشِطاً: يَدُقُّ5 الصَّلِيبَ، ويَذْبَحُ الْخِنْزِيرَ6

1 في سنن ابن ماجه: "والشّهر كالجمعة".

2 "كالشّررة": واحدة الشّرر، وهو ما يتطاير من النّار.

3 في سنن ابن ماجه: "فيكون عيسى بن مريم عليه السلام".

4 "حكماً أي: حاكماً بين النّاس ومقسطاً"، أي: عادلاً في الحكم.

5 يدقّ الصّليب، أي: يكسره بحيث لا يبقى من جنس الصّليب شيءٌ.

6 "ويذبح الخنْزير"، أي: يحرم أكله أو يقتله بحيث لا يوجد في الأرض ليأكله أحدٌ، والحاصل أنّه يبطل دين النّصارى.

ص: 208

ويضع الْجِزْيَةَ1. ويَتْرُكُ الصَّدَقَةَ2، فلا يسعى على شارةٍ ولا بعير، وتُرْفَعُ الشَّحنَاءُ والتَّبَاغُض، وتَنْزع حمَة3 كلِّ ذات حمة، حتّى يدخل الْوليد يده في الْحَيَّة، فلا تضرّه، وتُفرُّ4 الوليدة الأسد، فلا يضرها، ويكون الذِّئب في الغنم كأنّه كلبها. وتُمْلأُ الأرض مِنَ السِّلْمِ كَمَا يُمْلأُ الإِنَاءُ من الْمَاءِ، وتكون الْكَلْمَةُ واحِدَةً، فلا يعبد إلاّ الله، وتَضَعُ الْحَربُ أَوْزَارَها، وتُسْلَب قريشٌ ملْكَها، وتكون الأرض كَفَاثُور5 الفضّة، تنبت نباتها بعهد آدم – عليه السلام ـ6

1 "ويضع الجزية"، أي: لا يقبلها من أحدٍ من الكفرة، بل يدعوهم إلى الإسلام.

2 "ويترك الصّدقة"، أي: الزّكاة، لكثرة الأموال، فلا يسعى. قال في النّهاية: أي: يترك زكاتها فلا يكون لها ساعٍ.

3 "حمة" بالتّخفيف: السّمّ، ويطلق على إبرة العقرب للمجاورة؛ لأنّ السّمّ منها يخرج.

4 "وتفرّ" أي: تحمله على الفرار.

5 "كفاثور الفضّة"،الفاثور: الخوان، وقيل: هو طست أو جام من فضّةٍ أو ذهبٍ.

6 لا توجد هذه الجملة في سنن ابن ماجه.

ص: 209

حتّى يَجْتَمِعَ النَّفَر على الْقِطف1 من الْعِنَب فَيشْبعَهُم، ويَجْتَمِع النَّفَر على الرُّمَّانَة فتشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا: من المال، وتكون الَفَرس بالدُّرَيْهِمَاتِ".

قيل: يا رسول الله! وما يرخص الفرس؟ قال:

"لا تركَب لِحَرٍب أَبَداً" فقيل له: وما2 يغلي الثّور؟ قال: "تُحرثُ الأرض كُلُّها. وإنَّ قبلَ خُروجِ الدّجّال ثلاثَ سَنَواتٍ شِدَاٍد، يصيب النّاس فيها جُوعٌ شَدِيدٌ، فيأمر3 الله السّماء في السّنة الأولى أن تَحْبِسُ ثُلُثَ مَطَرِها، ويأمر الأرض أن4 تَحْبِسُ ثُلُثَ نَبَاتِها، ثُمّ يأمر الله السّماء في السّنة الثّانية5، فتَحْبِسُ ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتَحْبِسُ ثلثي نباتِها، ثمّ يأمر الله السّماء في السّنة

1 "القطف" العنقود، وهو اسم لكلّ ما يقطف.

2 في سنن ابن ماجه: "فما يغلي" بالفاء.

3 في سنن ابن ماجه: "يأمر الله السّماء"، بدون الفاء.

4 في سنن ابن ماجه: "ويأمر الأرض فتحبس" بدون لفظ أن.

5 في سنن ابن ماجه: "ثم يأمر السّماء في الثّانية) بدون لفظي: الله، السّنة.

ص: 210

الثّالثة، فتَحْبِسُ مطرها كلّه، فلا تقطر قطرة1، ويأمر الأرض فتَحْبِسُ نباتِها2، فلا تنبت خضراء، ولا يَبْقَى ذات ظلْفٍ إلاّ هلك3، إلاّ ما شاء الله".

فقيل: فما يعيش النّاس في ذلك الزّمان؟ قال: "التَّهْلِيل والتَّكْبِير والتَّسْبِيح والتَّحْمِيد، ويَجري ذلك عليهم مجري الطّعام.

قال ابن ماجه: سمعت أبا الحسن الطّنافسيّ يقول: سمعت عبد الرّحمن الْمحاربِيّ يقول: ينبغي أن يدفع هذا الحديث إلى المؤدِّب، حتّى يعلِّمه الصِّبيان في الكتّاب.

1 "فلا تقطر قطرة" في المصباح، يتعدّى، ولا يتعدى، هذا قول الأصمعي.

وقال أبو زيد: لا يتعدى بنفسه، بل بالألف.

2 في سنن ابن ماجه: "فتحبس نباتها كلّه"، بزيادة لفظ التّأكيد.

3 في سنن ابن ماجه: "فلا تبقى ذات ظلفٍ إلاّ هلكت"، بالتّأنيث.

والظّلف: هو لما اجتر من الحيوانات كالبقرة والظّبي، بِمَنْزلة الحافر للفرس.

ص: 211

باَبُ نُزُولِ عِيسَى1 عليه الصلاة والسلام

1 يُسَمّى عيسى عليه الصلاة والسلام بالمسيح.

وقد اختلف العلماء في سبب تسميته مسيحاً.

قال الواحدي: ذهب أبو عبيد واللّيث: إلى أنّ أصله بالعبرانية مشيحاً، فعرّبته العرب وغيّرت لفظه كما قالوا: موسى، وأصله: موشى، أو ميشا بالعبرانية، فلما عرّبوه غيّروه، فعلى هذا لا اشتقاق له.

قال: وذهب أكثر العلماء إلى أنّه مشتقٌ، وكذا قال غيره: إنّه مشتق على قول الجمهور، ثم اختلف هؤلاء.

فحكى عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه قال: لأنّه لم يمسح ذا عاهة إلاّ بُرِئَ.

وقال إبراهيم وابن الأعرابي: المسيح: الصّديق.

وقيل: لأنّه ممسوح أسفل القدمين، لا أخمص له.

وقيل: لمسح زكريا إيّاه.

وقيل: لمسحه الأرض، أي: قطعها.

وقيل: لأنّه خرج من بطن أمّه ممسوحاً بالدّهن.

وقيل: لأنّه مسح بالبركة حين وُلدِ.

وقيل: لأنّ الله تعالى مسحه، أي: خلقه خلقاً حسناً.

وقيل: غير ذلك. والله أعلم. اهـ. نووي.

ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام حقّ عند جمهور المحدِّثين والمفسِّرين والفقهاء، وقد جاء به كثير من الأحاديث الصّحيحة

ص: 212

......................................

في كتب السّنة، كما جاء به القرآن الكريم. قال تعالى:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} ، [النّساء، من الآية: 159] .

قال ابن كثير: قال ابن جرير: أولى الأقوال بالصّحّة في تفسير هذه الآية: أنّه لا يبقى أحد من أهل الكتاب بعد نزول عيسى عليه الصلاة والسلام إلاّ آمن به قبل موت عيسى عليه الصلاة والسلام، ثم قال ابن كثير: ولا شكّ أنّ هذا الذي قاله ابن جرير هو الصّحيح؛ لأنّه المقصود من سياق الآي في تقرير بطلان ما ادّعته اليهود من قتل عيسى وصلبه وتسليم مَن سلم لهم من النّصارى الجهلة ذلك، فأخبر الله: أنّه لم يكن الأمر كذلك، وإنّما شبّه لهم فقتلوا الشّبه وهم لا يتبيّنون ذلك، ثم إنّه رفعه إليه، وإنّه باقٍ حيٌّ، وإنّه سيَنْزِلُ قبل يوم القيامة، كما دلّت عليه الأحاديث المتواترة، فيقتل مسيح الضّلالة ويكسّر الصّليب، ويقتل الْخِنْزِير، يضع الجزية ـ يعني: لا يقبلها من أحدٍ من أهل الأديان بل لا يقبل إلاّ الإسلام أو السّيف ـ، فأخبرت هذه الآية الكريمة: أنّه يؤمن به جميع أهل الكتاب حينئذٍ، ولا يتخلّف عن التّصديق به واحدٌ منهم:{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً} ، [النّساء، من الآية: 159] .

أي: بأعمالهم التي شاهدها منهم قبل رفعه إلى السّماء، وبعد نزوله إلى الأرض.

فأمّا مَن فَسَّر هذه الآية بأنّ المعنى أنّ كلّ كتابي لا يموت حتّى يؤمن بعيسى أو بمحمّدٍ ـ عليهما الصّلاة والسّلام ـ.

فهذا هو الواقع، وذلك أنّ كلّ أحدٍ عند احتضاره ينجلي له ما كان جاهلاً به فيؤمن به، ولكن لا يكون ذلك إيماناً نافعاً له إذا كان قد شاهد الملك، كما قال تعالى:

{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} ، [النّساء، من الآية: 18] .

وقال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ

ص: 213

..............................................................................................

وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} ، [غافر، الآيتان: 84-85] .

وفي حديث أبي هريرة عند مسلم ج 2، ص: 189، بشرح النّووي، يقول أبو هريرة بعد أن روى حديث نزول عيسى هذا، واقرؤوا إن شئتم:

{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} ، [النّساء، من الآية: 159] ، وفيه دلالة ظاهرة على أنّ مذهب أبي هريرة في الآية أنّ الضّمير في موته يعود على عيسى عليه الصلاة والسلام كما ذكر، والرّاوي أعرف بما رواه.

وقال الله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً} ، [آل عمران، من الآية: 46] .

يقول ابن جرير عند تفسيره لهذه الآية ص: 272، ج 3، نقلاً عن ابن زيد، يقول في قوله تعالى:{وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً} ، [آل عمران، من الآية: 46]، قال: وقد كلّمهم عيسى في المهد، وسيكلّمهم إذا قتل الدّجّال وهو يومئذٍ كهل، يعني: كما أنّ كلامه في المهد آية ومعجزة يكون كلامه كهلاً، ولا يكون كهلاً آية، إلاّ بعد نزوله وقتله الدّجّال كما صرّحت بذلك الأحاديث.

وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} ، [الزّخرف، من الآية: 61] .

قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: "الصّحيح أنّ الضّمير عائد على عيسى عليه الصلاة والسلام فإنّ السّياق في ذكره، ثم المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة.

ويؤيّد هذا المعنى القراءة الأخرى: [وَإِنَّه لَعَلَمٌ للسَّاعة]، أي: أمارة ودليل على وقوع السّاعة.

قال مجاهد: "وإنّه لعلم للساعة، أي: آية للسّاعة خروج عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام قبل يوم القيامة.

ص: 214

...................................................................................................

وهكذا روى عن أبي هريرة وابن عبّاس وعكرمة والحسن وقتادة وغيرهم، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه أخبر بِنُزُول عيسى عليه الصلاة والسلام قبل يوم القيامة إماماً عادلاً وحَكَماً مقسطاً.

وليس المراد بِنُزُول عيسى عليه الصلاة والسلام إنّه يَنْزِل بشرية متجدّدة غير شريعة نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم، وإنّما نزل مقرِّراً لهذه الشّريعة، ومجدِّداً لها؛ إذ هي آخر الشّرائع، ومحمّد صلى الله عليه وسلم آخر الرّسل.

قال الله تعالى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ، [الأحزاب، من الآية: 40] .

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا نَبِيَّ بَعدي".

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجلٍ بنى داراً فأكلمها وأحسنها إلاّ موضع لبنة، فكان مَن دخلها ونظر إليها قال: ما أحسنها إلاّ موضع هذه اللّبنة! فأنا موضع هذه اللّبنة ختم بي الأنبياء ـ عليهم الصّلاة والسّلام ـ. رواه أبو داود الطّيالسي، ورواه الخباري ومسلم والتّرمذي إلى غير ذلك من الأحاديث.

وأجمع المسلمون على أنّه لا نبي بعد نَبِيّنا محمّدٍ صلى الله عليه وسلم، وأنّ شريعته مؤبّدة إلى يوم القيامة.

والحكمة في نُزُول عيسى عليه الصلاة والسلام دون غيره من الأنبياء: الرّدّ على اليهود في زعمه: أنّهم قتلوه، فبيّن الله تعالى كذبّهم، وأنّه الذي يقتلهم.

أو نُزُوله لدنوّ أجله ليدفن في الأرض؛ إذ ليس لمخلوق من التّراب أن يموت في غيره.

وقيل: إنّه دعا الله ـ لما رأى صفة محمّدٍ وأمّته ـ أن يجعله منهم فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حتّى يَنْزِلَ في آخر الزّمان مجدِّداً الأمر الإسلام، فيوافق خروج الدّجّال فيقتله، والأوّل أوجه.

ص: 215

(148)

ولِمسلم1: عن أبي هريرة. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

"ليَنْزِلَنّ2 ابن مريم حكماً عادلاً، فَلَيَكسرَنّ الصّليبَ، ولَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ، ولَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ ولَيَتْرُكَنَّ الْقَلَائِصَ3، فلا يسعى عليها، ولَتَذْهَبَنَّ

1 صحيح مسلم، بشرح النّووي، ج 2، كتاب الإيمان، باب نُزول عيسى بن مريم، ص:192.

2 في صحيح مسلم: "والله لَيَنْزِلَن" بالقسم.

3 في صحيح مسلم: "ولتُتْركَن القلاص"، والقلاص جمع القلوص، وهي من الإبل كالفتاة من النّساء والحدث من الرّجال، ومعناه: أن يزهد فيها ولا يرغب في اقتنائها لكثرة الأموال، وقلّة الآمال وعدم الحاجة، والعلم بقرب القيامة، وإنّما ذكرت القلاص لكونها أشرف الإبل، التي هي أنفس الأموال عند العرب، وهو شبيه بمعنى قول الله عز وجل:{وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} ، [التّكوير: 4] .

ومعنى: لا يسعى إليها: لا يعتني بها، أي: يتساهل أهلها فيها ولا يعتنون بها. هذا هوا الظّاهر، وقال القاضي عياض وصاحب المطالع ـ رحمهما الله ـ: معنى لا يسعى عليها، أي: لا تطلب زكاتها؟ إذ لا يوجد مَن يقبلها.

ص: 216

الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ والتَّحَاسُدُ، ولَيَدُعُوَنَّ1 إلى الْمال فلا يقبله أحد".

(149)

وعنه2، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

"كَيْفَ أنتم إذا نزل ابن مريم فِيْكُم، وإِمَامُكم منكم؟ ".

(150)

وفي رواية3: "فأَمكُم مِنْكُم".

1 "وليدعون"، بضمّ العين وفتح الواو وتشديد النّون، وإنّما لا يقبله أحد لما ذكر من كثرة الأموال، وقصر الآمال، وعدم الحاجة، وقلّة الرّغبة، للعلم بقرب السّاعة.

2 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 2، كتاب الإيمان، باب نُزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ص:193.

3 صحيح مسلم، بشرح النّووي، ج 2، كتاب الإيمان، باب نُزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ص:193.

ولفظ الحديث:"كَيْفَ أَنْتُم إذا نَزَلَ فِيكُم ابنُ مريَمَ فَأمّكُم مِنْكُم"،ص:193.

ص: 217

قال ابن أبِي ذئب: تدري ما: فأمكم1 منكم؟ قلت: تُخْبِرُنِي. قال: فأمّكم بكتاب ربِّكم2 وسنّة نبيِّكم صلى الله عليه وسلم.

(151)

ولأحمد3 في المسند عن عائشة. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

"يَخْرج الدّجّالُ، فَيَنْزِلُ عيسى بن مريم فَيَقْتُلُه، ثُمّ يَمْكُثُ فِي الأرض أَربَعِيْن سنةً إماماً عادلاً، حكماًَ مقسطاً".

1 في صحيح مسلم: "تدري ما: أمكم منكم؟ "، بدون الفاء.

2 في صحيح مسلم: "بكتاب ربّكم تبارك وتعالى".

3 مسند الإمام أحمد ـ الجزء السّادس ـ ص: 75، ولفظ الحديث: عن عائشة رضي الله عنها قالت: دَخلَ عَلَيَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أبكي، فقال:"مَا يُبْكِيكِ؟ "، قلت: يا رسولَ الله! ذكرت الدّجّال، فَبَكَيْتُ.

فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِن يَخْرُج الدَّجَّالُ وأنا حَيٌّ كَفَيْتُكُمُوهُ، وإِن يَخْرُجِ الدَّجَّال بَعْدِي، فإنَّ رَبَّكُم عز وجل لَيْسَ بِأَعْوَرَ، إِنَّهُ يَخْرُجُ فِي يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ حَتَّى يَأتِيَ الْمَدِينَةَ، فَيَنْزِلَ نَاحِيَتَهَا، وَلَهَا يَوْمِئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ ثُقبٍ مِنْهَا مَلَكَان، فَيَخْرُجُ إِلَيهِ شِرَارُ أَهْلِهَا، حَتَّى يَأْتِي فلسطينَ ـ باب لُدٍّ ـ فَيَنْزِل عِيسَى عليه السلام فَيَقْتُلُه ثُمَّ يَمْكُثُ عيسى

" الحديث.

ص: 218

(152)

وله1: في الزّهد: عن أبي هريرة. قال:

"يَلْبَثُ عيسى في الأرض أربعين2 لو يقول للبطحاء: سيري3 عسلاً لكانت".

(153)

وللحاكم في المستدرك4 عن ابن ميعود عن النّبيّ – صلى الله عليه وسلم – قال:

"بَيْنَ أُذُنَي الدّجّال أربعون ذراعاً".

وذكر الحديث إلى أن قال:

"ويَنْزِلُ عيسى بن مريم فيقتله، فَيُمَتَّعُوا أربعين

1 المعجم الصّغير للطّبراني، ج 2، ص: 211، وقد نسبه للإمام أحمد في الزّهد.

2 في المعجم: "أربعين سنة".

3 في المعجم: "سيلي عسلا لسالت"، باللام في الفعل بدل الرّاء، وبالفعل لسالت بدل: لكانت.

4 لم نجد الحديث في مكانه في المستدرك للحاكم، إلاّ الجزء الأوّل منه في حديثٍ لجابرٍ ولفظه:

"وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعاً"، ج 4، كتاب الفتن، ص:530.

وقد ذكره الطّبراني في المعجم الصّغير ج 2، ص: 211، ونسبه كذلك إلى الحاكم في المستدرك عن ابن مسعود، وأوّله:"بين أذني حمار الدّجّال"، مع اختلاف في الألفاظ.

ص: 219

سنة، لا يَمُوت أحد منهم، فارعوا، وتمرّ الماشية بين الزَّرعين، لا تأكل منه سنبلةً واحدةً، والْحيّات والعقارب لا تؤذي أحداً، والسِّباع على أبواب الدور لا يؤذُون أحداً. ويأخذ الرّجل الْمُدَّ الْقَمح فَيبذُرُهُ بلا حرثٍ، فَيَجِيء منه سبعمائة مُدٍّ، فيمكُثُون في ذلك حتّى يكسر سدٌّ يَأْجُوج ومَأْجُوج، فيمرحون ويفسدون، فيبعث الله دابّة من الأرض، فتدخل في آذانِهم، فيصبحون موتى أجْمعين. وتَنْتُنُ الأرض منهم، فيؤذون النّاس بِنَتنهم، فيستَغيثُون بالله، فيبعث الله ريحاً يمانية غبْراً، وتكشف ما بهم بعد ثلاثة، وقد قذفت جيفهم في البحر، ولا يَلبثُون إلاّ قليلاً حتّى تطلع الشّمس من مغربِها".

(154)

وله1 فيه أيضاً في المختارة عن

1 المستدرك للحاكم ج 4، كتاب الفتن والملاحم، ص:457. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه.

ص: 220

بريدة. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

"إنّ لله تعالى ريْحاً يبعثُهَا على رأس مائة سنةٍ، تَقْبُضُ روح كلِّ مُؤْمنٍ".

(155)

ولابن أبي شيبة: عن1 ابن عمرو: أنّه قال لرجلٍ من أهل العراق:

هل تَعْرِفُ أرضاً فيكم كثيرة السِّباخ، يُقَالُ لَها كُوثَي. قلت: نعم. قال:

"مِنْها يَخْرجُ الدّجّالُ".

ثمّ قال2:

"إنّ الأشْرَارَ بعد الأخيار عشرين

1 ذكره الإمام عبد الرّزّاق الصّنعاني في مصنّفه ج 11، ص: 395، باب الفتن حديث رقم:(20829) ، مع اختلاف في اللّفظ، ورواه عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

وذكره الطّبراني في المعجم الصّغير ج 2، باب ذكر مدّة مكث النّاس بعد طلوع الشّمس من مغربها ص: 212، غير أنّه قال عن عبد الله بن عُمَرَ.

2 هذا تتمة لكلام ابن عمرو، وقال الطّبراني: أخرجه بن حماد في الفتن.

ص: 221

ومائة سنةٍ. لا ندري أحد من النّاس متى يدخل أوّلها؟ ".

وقال1: ثنا وكيع: عن إسماعيل: عن خثيمة.

قال: يَبْقَى النّاس بعد طلوع الشّمسِ من مغربِها عشرين ومائة سنة.

(156)

وقال: عبد2 بن حميد: نا يزيد بن هرون: نا إسْمَاعيل بن أبي خالد: سمعت أبا خيثمة يحدِّث عن عبد الله بن عمرو. قال:

"يَبْقَى النّاس بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِها عشرين ومائة سنة".

1 ذكره كذلك الطّبراني في المعجم الصّغير ج 2، ص: 313، وقال كذلك عن عبد الله بن عُمَر، وأوّل الحديث:"يمكثُ"بدل:"يبقى".ونسبه إلى ابن أبي شيبة.

2 ذكره الطّبراني في المعجم الصّغير ج 2، ص: 213، باب ذكر مدّة مكث الناس بعد طلوع الشّمس من مغربها، غير أنّه قال: عن عبد الله بن عُمَرَ، ثم قال: أخرجه نعيم بن حماد في الفتن.

ص: 222

(157)

ولأبِي نعيمٍ1: عن عبسة بن عمرو. قال:

لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتّى تَعْبُدَ الْعَرَبَ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ آباؤها عشرين ومائة سنة، بعد نزول عيسى بن مريم.

وللحاكم: عن بريدة: مرفوعاً: معناه.

1 ذكره الطّبراني في المعجم الصّغير ج 2، ص: 213، نفس الباب قال:

أخرج نعيم عبن عبد الله بن عُمَرَ، قال:"لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعْبُدَ الْعَرَبُ مَا كانت تَعْبُدُ آباؤها عَشْرين ومَائَةَ عامٍ بَعْدَ نُزُولِ عيسى بْنِ مريم وبَعْدَ الدّجّال"، بزيادة قوله:"وبعد الدّجّال"، وبلفظ:"عامٍ"، بدل:"سنة".

ص: 223