الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وأما إن الإمام يجهر بتكبير الافتتاح وسائر التكبير وبالتسميع وبالسلام، في جميع الصلوات، كما يجهر بالقراءة في صلاة الجهر، فليسمعه المأمومون فيكبّرون بعد تكبيره، ويحمدون بعد تسميعه، ويسلمون بعد تسليمه، وليبلغ صوته لمن لا يراه من المأمومين فيعلمون بانتقالاته فيتابعونه، ولهذا أخبر الذين وصفوا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر ويسمع ويسلم، ولولا أنهم سمعوا ذلك لما علموا، ألا ترى أنهم إنما علموا قراءته في [السر] بتحريك لحيته صلى الله عليه وسلم؟ وقد قال أبو هريرة يا رسول الله:
«أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ» ولم يسمع دعاء الافتتاح، وذلك بَيِّن في أنه كان يجهر بالتكبير وبالقراءة، ويسر دعاء الافتتاح.
وقد جاء ذلك مصرحاً به، فروى سعيد بن الحارث قال: صلى بنا أبو سعيد، فجهر بالتكبير حين افتتح، وحين ركع، وبعد أن قال سمع الله لمن حمده، وحين رفع رأسه من السجود، وحين سجد، وحين رفع، وحين قام من الركعتين، حتى قضى صلاته على ذلك، فلما انصرف قيل له: قد اختلفت الناس على صلاتك، فخرج حتى قام عند المنبر فقال: أيها الناس، إني والله ما أبالي اختلفت صلاتهم أم لم تختلف، إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا يصلي.
وسنذكر إن شاء الله الأحاديث التي فيها أنه صلى الله عليه وسلم كان يكبر هكذا.
ثم إن بعض الأمراء ترك الجهر بسائر التكبير، فصار بعض الناس يجهل السنة في جهر الإمام بالتكبير، حتى اختلفوا على أبي سعيد، ولهذا لما صلى عمران خلف علي وجهر علي بالتكبير، قال: قد أذكرني هذا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك صلاة عكرمة خلف شيخٍ كبر ثنتين وعشرين تكبيرة. وعامة هذه الأحاديث إنما معناها الجهر، وهو الذي كان قد تركه بعض الأمراء، كما سيأتي إن شاء الله بيانه.
وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يؤم الناس بالتكبير؛ [يرفع] صوته بالتكبير. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: «إن لكل شيء شعاراً، وإن شعار الصلاة التكبير» .
رواه أبو نعيم الفضل ابن دكينٍ في كتاب الصلاة. وشعار الشيء: ما يشعر به، وهذا إنما يكون فيما يظهر ويجهر به.
فأما المأموم فالسنة في حقه أن يخفي التكبير وسائر أنواع الذكر، إلا التأمين والبسملة على ما سيأتي إن شاء الله تعالى؛ لأنه إنما يصلي لنفسه، فلا يحتاج إلى سماع غيره، وأفضل الذكر: الخفي، بل يكره له الجهر بذلك، كما يكره له الجهر بالقراءة؛ لأنه يغلط غيره من المصلين، إلا أن يجهر بالكلمات أحياناً، كما جهر المستفتح بقوله:«اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا» وكما جهر العاطس بقوله: «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» الحديث، وسيأتي إن شاء الله ذكر ذلك.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يجهر بالآية أحياناً في صلاة السر، ولا فرق في ذلك بين المؤذن وغيره، وبين من يقصد من المأمومين تبليغ غيره بصوته أو لا يقصد، فإن التبليغ على الإمام، ولهذا استحببنا له رفع الصوت، وليس على المأموم تبليغ، والأحاديث تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الذي يبلغ المأمومين التكبير، ولم يكن خلفه أحد يبلغهم، فإن مثل هذا لو كان لنقل ولما أراد الصحابة أن ينقلوا الجهر بالتكبير أخبروا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر، ولو كان خلفه مؤذن أو غيره يجهر بذلك لنقلوا ذلك، واستدلوا به على ذلك، ولم ينقلوا ذلك إلا في مرض موته صلى الله عليه وسلم، فإذا كان صوت الإمام لا يبلغ جميع المصلين إما لضعفه عن الجهر المبالغ بمرض أو كبر، أو لكثرة الجمع وتباعد أقطار المصلين، فيتسحب أن يجهر بعض المأمومين بالتكبير والتحميد والتسليم قدر ما يسمعه سائرهم؛ لما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يُسمع الناس تكبيره. وفي لفظٍ: صلى بنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأبو بكر خلفه، فإذا كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كبِّر أبو بكر فيسمعنا. رواهما مسلم والنسائي.
وينبغي أن يبين التكبير ويجزمه، ولا يطوله، ولا يمد في غير موضع المد، قال أبو عبد الله: ربما طوّل الإمام في التكبير إذا لم يكن له فقه، والذي يكبر معه ربما جزم التكبير، ففرغ من التكبير قبل أن يفرغ الإمام فقد صار هذا مكبراً قبل الإمام، ومن كبر قبل الإمام فليست له صلاة؛ لأنه دخل في الصلاة قبل الإمام وكبر قبل الإمام فلا صلاة له.
قال بعض أصحابنا إنْ مد في غير موضع المد، مثل أن يمد بعض الهمزة من اسم الله، فتصير همزة استفهام، أو يزيد ألفاً بعد الباء من أكبر، فتصير جمع كبر: وهو الطبل فارسي معرب الحرة؛ لأن المعنى يتغير به.