الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
أن المأموم لا تجب عليه القراءة، لا في صلاة السر ولا في الجهر، من غير اختلاف في المذهب، حتى كان الإمام أحمد بعد الخلاف في ذلك يقول: ما سمعت أحداً في الإسلام يقول: إن الإمام إذا جهر بالقرآن لا تجزي صلاة من خلفه إذا لم يقرأ، وقال: هذا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون، وهذا مالك في أهل الحجاز، وهذا سفيان في أهل العراق، وهذا الأوزاعي في أهل الشام، وهنا الليث في أهل مصر، ما قالوا: الرجل [إذا] صلى خلف إمامه ولم يقرأ هو صلاته باطلة.
أما إذا جهر الإمام فالأدلة عليه كثيرة.
وأما إذا خافت فيدل عليه وجوه:
أحدها: ما روى موسى بن أبي عائشة قال: سألت عبد الله بن شداد بن الهاد عن القراءة خلف الإمام في الظهر والعصر، فقال:
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ورجل خلفه يقرأ، وبجنبه رجل فجعل يومئ إليه وينهاه، حتى عرف المنهي أنه ينهاه عن القراءة، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فقال المنهي: ما إقبالك علي؟ أتنهاني أن اقرأ القرآن؟ فقال: أتقرأ ورسول الله صلى الله عليه وسلم إمامنا؟ فقال المنهي؟ يا رسول الله، إن هذا ينهاني أن أقرأ خلفك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كان له إمام فقراءته له قراءة» رواه سعيد وأحمد وغيرهما، وهذا حديث معروف ثابت عن موسى بن أبي عائشة، وقد أسنده بعضهم عن جابر، والمشهور عنه مرسلاً لوجوه:
أحدها: أن الذي أرسله احتج به، فلولا أنه قد حدثه به ثِقة ما جاز الاحتجاج به، وهو من كبار التابعين.
الثاني: أنه قد عضده أقوال الصحابة، كما سيأتي وذلك نص وحجة على من لا يقول بالدليل المجرد.
الثالث: أنه روي من غير هذا الوجه، (فليعتضد به ما يعضده).
الرابع: أنه شهد له ظاهر الكتاب والسنة.
الخامس: أن الإمام أحمد وابن ماجة رواه من حديث جابر الجعفي عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَتُهُ لَهُ قِرَاءَةٌ» رواه الدارقطني من حديث ليث وجابر عن
أبي الزبير وجابر الجعفي: قد وثقه سفيان وشعبة، وقال أحمد: لم يتكلم فيه لحديثه، بل لرأيه، وليث قد حدث عنه الناس، وقد تكلم فيهما بالجملة، لكن الحديث محفوظ عن جابر، رواه مالك عن وهب بن كيسان عن جابر قال:«مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» .
فإذا كان للمستمع أجرين وللقارئ أجر، فلا حاجة إلى
........................
القراءة معه، ولأنه إذا قرأ مع جهر الإمام نازع الإمام القراءة وخالجه إياها، وربما منع من يليه من كمال الاستماع والإصغاءِ، وفاته هو الاستماع والإنصات، ولم يكد يفقه ما يقرأه من أجل إسراعه بالقراءةِ، واشتغاله بقراءةِ الإمام، ومثل هذا لا يكون مشروعاً إلى التحريم أقرب منه إلى الاستحباب أو الإيجاب، ولأن القراءة في حال الجهر منهي عنها، والاستماع واجب فكيف يترك ذلك لقراءة الفاتحة وهي مستحبة للمأموم؟ ولأن حقيقة
المؤتم هو المتبع المقتدي للإمام في أقواله وأفعاله، كما قال تعالى:{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} أي استمع له، فإذا لم يفهم ما هو فيه كان كالحمار يحمل أسفاراً، وإلى هذه المعاني أشارت الصحابة رضوان الله عليهم، وما اعتل به بعض أصحابنا من الخروج من الخلاف، ففيه أجوبة:
أحدها: أن السنة إذا تبينت تعين اتباعها، ولم يقدح في حرمتها خفاؤها على بعض الأئمة، ولهذا نظائر كثيرة، ذكرنا بعضه في باب التيمم.
الثاني: أن الخلاف هنا شاذ مسبوق بالإجماع قبله.
الثالث: أن الخروج من الخلاف في هذه المسائل لا سبيل إليه، فإن أكثر الناس ينهون عن القراءَةِ ويرون ذلك مما ينتقص
الصلاة، فرعايتهم في الاختلاف أوْلى.
وأما الحديث المذكور فقد ضعفه الإمام أحمد وغيره وقال: لا يصح عندنا، وقد وقفه رجاء بن حيوة على عبادة، وهو أشبه بالصحة، والإسناد الذي وقفه الدارقطني قد طعن فيه جماعة، وبالجملة فإسناده لو تجرَّد عن معارضٍ لكان مقارب الحالِ، لكن [اختلاف] الرواة في الإسناد وقفاً ورفعاً، ومن وقفه أوثق ممن رفعه، واختلافهم في رجاله أوجب علةً في الحديث مع
معارضة الأحاديثِ التي هي صحيحة.
وبكل حالٍ فما صح في هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه فمعناه -والله أعلم-: لا تقرؤوا في صلاة الجهر إلا بأم الكتاب في حال سكتاتِ الإمام، لا في حال جهره؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان له سكتتان أو ثلاثة، تتسع لقراءة الفاتحة فيها، فلا يحتاجون إلى القراءة في غيرها، ولذلك قصرهم على الفاتحة؛ لعلمه بأن زمن السكتات لا يتسع لغيرها، بخلاف صلاة السر، فإنها تتسع لأكثر من ذلك، ولهذا قال أبو سلمة:«للإمام سكتتان، فاغتنم القراءة فيهما» أو لعل هذا كان مقصوده، فرواه بعض الرواة بالمعنى، وبين ذلك أن قراءة غير الفاتحة لا تشرع في
حال جهر الإمام، مع أنه سنة مؤكدة للإمام والمنفرد، فإذا نهى عن هذه السنة المؤكدة وسقط، اعتياضاً بالاستماع الواجب، جاز أن تسقط الفاتحة الواجبة، اعتياضاً بالاستماع الواجب.
وحمل بعضهم القراءة خلف الإمام على الحال الذي كانوا يقضون ما فاتهم ثم يتابعون الإمام، ثم نسخ ذلك.