الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وهل تجب قراءتها في الصلاة؟ على روايتين منصوصتين.
إحداهما: يجب، بناء على أنها من فاتحة
الكتابِ، فإن لم يجعل البسملة أنه كان رأس الآية {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وليس نسبة لرؤوس الآي؛ لأن ما قبل الحرف الآخر يكون حرف لين، كما في سائر الآي.
وأيضاً: فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفاً ومرفوعاً: «إذا قرأتم الحمد فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم، إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها» ، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وجماعة من أصحابه، من عدة وجوهٍ رواها الدارقطني وغيره؛ لأنها مكتوبة في أولها في المصحف، فوجبت أن تتلى حيث كتبت كسائر آياتها.
والرواية الثانية: لا تجب قراءتها، لكن يكره ترك قراءتها كالاستعاذةِ وأولى، بناءً على أنها ليست من الفاتحةِ، والمفروض أنما هو قراءة الفاتحة، ويمكن أن يقال: هي وإنْ جعلتْ من الفاتحة باعتبار، فليست من القراءة المفروضة، وهذه الرواية هي الصحيحة عند عامة الأصحاب، وهي الغالب على كلام أحمد، وذلك لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَا يَقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ» يقولها ثلاثاً، فقيل لأبي هريرة: إنما نكون وراء الإمام، فقال: اقرأها في نفسك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«قَالَ اللهُ عز وجل: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: الْعَبْدُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللهُ: حَمَدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ اللهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قَالَ اللهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي -وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي- فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، فَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، وَإِذَا قَالَ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: هَؤُلَاءِ لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجة، وقال أبو زرعة: حديث صحيح. وفيه دلالة من أربعة أوجه:
أحدها: أن أبا هريرة هو راوي الحديث، وقد فهم أن أم الكتاب هي الحمد لله رب العالمين، إلى آخرها ولهذا فسر أحد الحديثين بالآخر، وهذا يضعف ما روي عنه بخلافه.
الثاني: أنها لو كانت منها أو هي واجبة لذكرها في القسمة، كما ذكر غيرها؛ لأن المراد بالصلاة: القراءة الواجبة في الصلاة.
.............................................
الثالث: أن القسمة باعتبار الآيات؛ لأنه وقف على رأس كل آية، وجعل يشير إليها، فلو كانت البسملة فيها لكان الذي لله أربع آيات ونصفاً، والذي للعبد اثنتين ونصفاً.
الرابع: أنه قال في آخره: فهؤلاء لعبدي، وهذه صيغة جمع، إنما يشار به إلى ثلاثة آيات، ولو لم تكن {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} رأس آية لقال:«فهاتان» والإشارة إنما هي إلى [الآي] دون الكلمات والحروف، كما قال: فهذه الآية بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل.
وأيضاً: حديث [أبي بن كعب] وحديث أبي سعيد بن المعلى وحديث ابن جابر، ولأنها لو كانت من الفاتحة
لكانت السنة الجهر بها، فإن الفرق بين آيات السورة بعيد عن القياس، بخلاف ما ليس من السورة وإنما نزل لأجلها، ولأنها لو كانت من أول الفاتحة لكانت من أول سائر السور؛ لأنها سورة من السور، ولا يختلف المذهب أنها ليست من غير الفاتحة، وقد دل على ذلك ما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إِنَّ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ ثَلَاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ، وَهِيَ: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ» رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن.
قال أصحابنا: وقد أجمع القراء على أنها ثلاثون آية بدون التسمية، فلو كانت منها لكانت آية وكانت إحدى وثلاثين، ولأن الناس مجمعون علي أن الكوثر ثلاث آياتٍ، ولو كانت منها لكانت أربع آياتٍ، ولأن الصحابة والتابعين وسائر الأمة يسمون حروف الهجاء فواتح السور، والحروف المقطعة في أوائل السور، ولو كانت البسملة أول آيةٍ من السور لما صح، ولأن الصحابة رضوان الله عليهم كتبوها في المصحف سطراً مفصولاً عن
السورة ولو كانت منها لخلطوها في سائر آياتها كغيرها.
ومع هذا فلا تختلف النصوص عن أحمد أنها آية من كتاب الله في كل موضعٍ كتبت في المصحف، إلا في سورة النمل، فإنها بعض آية، ومن لم يقرأها فقد أسقط مائة وثلاث عشرة آيةً من كتاب الله، وهي آية مفردة أنزلت في أول السورة وإن لم تكن منها؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كتبوها في المصحف، فعلم أنها من القرآن، مع اعتنائهم بتجريده عما ليس منه، حتى عما فيه مصلحة من التعشير والتخميس والنقط [وأسماء][السور] وغير ذلك.
وروى أبو داود عن ابن عباسٍ قال: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا
يَعْرَفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى تَنَزَّلَ عَلَيْهِ بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» ، وفي كتابة الصحابة لها في أول الفاتحة دون أول براءة، وكتابتها سطراً مفصولاً عما قبلها، دلالة واضحة علي ذلك.
هذه حقيقة المذهب، ومن تأمله علم الطريقة المثلى فيما اضطرب الناس فيه في شأن البسملة.
وطائفة من أصحابنا يحكون روايةً أخرى أنها بعض أيةٍ، وأنها ليست من القرآن إلا في سورة النمل، وربما اعتقد كثير منهم أن هذا هو المذهب، ظناً منهم أنا إذا قلنا: ليست من السورة، فقد قلنا: ليست من القرآن، وهذا غلط على المذهب توهَّموه عن مذهب غيرنا. والله أعلم.