الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ويستحب أن يقوم الإمام والمأموم إلى الصلاة إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة؛ لما روي عن الحجاج بن فروخ الواسطي عن العوام ابن حوشبٍ عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، قال «كان بلال إذا قال قد قامت الصلاة، نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه حرب، وأبو يعلى الموصلي وأبو حفص العكبري وغيرهم، وهو محفوظ عن الحجاج، وقد قيل:
إنه لا يروي إلا عنه، وهو وإن كان فيه لين فليس في الباب حديث يخالفه، وقد اعتضد بعمل الصحابة، قال ابن المنذر وغيره: كان أنس بن مالك إذا قيل: «قد قامت الصلاة» نهض وقام. وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما: أنه كان يفعل ذلك. رواه النجاد وغيره.
ولا يعرف عن صحابي خلاف ذلك، وهذا يتعين اتباعه، لا سيما إذا كان الكلام في الاستحباب، ولم يوجد ما يعتمد عليه سوى ذلك. ولأنَّ قوله:«حي على الصلاة حي على الفلاح» دعاء إلى الصلاة، لكن هو مشترك بين الأذان والإقامة، فإذا قيل:«قد قامت الصلاة» تم الدعاء إلى الصلاة، فينبغي أن تكون الإجابة عقبه، ولأن قوله:«قد قامت الصلاة» فيه معنى الأمر بإقامتها، فاستحب أن يكون القيام إلى الصلاة عقبه، امتثالاً للأمر، وهو
أيضاً إخبار عن قرب قيامها، فإذا كان القيام عقبه كان أتم في القرب، ولأن قيامه قبل ذلك لا حاجة إليه، وتأخيره القيام عن ذلك يقتضي تأخير التحريم والتسوية.
فأما إذا عرضت له حاجة فلا بأس أن يتأخر القيام إلى الصلاة عن الإقامة؛ لما روى أنس قال: أقيمت الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يناجي رجلاً في جانب المسجد، فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم، وسيأتي قوله صلى الله عليه وسلم:«إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي» .
فأما التكبير فيستحب أن يكون بعد فراغ الإقامة إن كانت الصفوف مستويةً، كبر عقبها، وإن لم يكن مستوية سواها ثم كبّر، لأنا قد قدمنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول كما يقول المؤذن في الإقامة، وصح من غير وجه أنه كان يعدل الصفوف بعد
القيام إلى الصلاة، وقد جاء مفسراً أنه يفعل ذلك بعد الإقامة، فروى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: أقيمت الصلاة، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم علينا بوجهه، فقال:«أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ» . وفي روايةٍ [عن] رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعد أن أقيمت الصلاة قبل أن يكبر أقبل بوجهه على أصحابه. وقال إسحاق بن راهوية: [سن] رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكبر بعد فراغ المؤذن من الإقامة كلها، قال:[وأخذ بذلك بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه]، وقد روي أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا أقمتم الصلاة فليؤمكم أحدكم» ، «إذَا قَرَأَ
الإِمَامُ فَأَنْصِتُوا» رواه أحمد.
ثم إذا كان الإمام حاضراً بحيث يرونه، قاموا عند كلمة الإقامة، قام الإمام أو لم يقم، وإن علموا بقربه من المسجد أو خارج المسجد ولم يروه، فهل يقومون؟ على روايتين.
إحداهما: يقومون؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ قِيَامًا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ إِلَيْنَا فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَاّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنْبٌ، فَقَالَ لَنَا:«مَكَانِكُمْ» فَمَكْثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا يَعْنِي قِيَامًا ثُمَّ رَجِعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا فَكَبَّرَ فَصَلَّيْنَا مَعَهُ. متفق عليه. ولمسلم عن أبي هريرة قال: إن كانت الصلاة لتقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأخذ الناس مقامهم قبل أن يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم مقامه.
والرواية الثانية: لا يقومون حتى يروه؛ لما روى أبو قتادة
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي» رواه الجماعة إلا ابن ماجة، بهذا اللفظ إلا البخاري لم يذكر قوله:«خرجت» ، وهذا يدل على نسخ ما كانوا يفعلونه قبل ذلك، وقد روي عن أبي خالد الوالبي قال: خرج إلينا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكنا قيام، فقال:«ما لي أراكم سامدين؟» يعني قيامًا. ولأن في ذلك مشقة على المأمومين من غير فائدة، وقيام إلى الصلاة قد تحقق قرب الشروع فيها فلم يكن إليه حاجة.