الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
و
يستحب للمأموم أن يقرأ في صلاة السر
، فإن ترك القراءة لم يكره له ذلك.
فأما في صلاة الجهر: فإن أمكنه أن يقرأ في سكتات الإمام بالفاتحة، قرأ، فإن لم يكن للإمام سكتات يتمكن فيها من القراءة، كره له أن يقرأ، هذا هو المنصوص عنه في عامة رواياته وهو الذي عليه عامة أصحابه، وصرح القاضي وغيره: أن القراءة في هذه الحال لا تجوز، وهو مقتضى كلام أحمد، ويتخرج أنه يكره كراهة تنزيه، كالكلام والإمام يخطب وأوْلى.
ومنهم من استحب له أن يقرأ بالفاتحة بكل حالٍ، وإن لم يكن إلا في حال جهر الإمام؛ لأن الصلاة بدون ذلك مختلف في صحتها، ففي القراءة خروج من الخلاف، ولما روى محمد بن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ، فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:«إِنِّي أَرَاكُمْ تَقْرَءُونَ وَرَاءَ إِمَامِكُمْ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِي وَاللهِ، قَالَ: لَا تَفْعَلُوا، إِلَاّ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا» رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث
حسن، ورواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه.
ورواه أبو داود من حديث زيد بن واقد عن مكحول، والنسائي [من حديث] عن حرام بن حكيم، كلاهما عن نافع عن محمود بن [الربيع] عن عبادة، وقال فيه:«لا تقرءوا فيه بشيء من القرآن إذا جهرت به، إلا بأمّ القرآن» وخرجه الدارقطني عنهما، وقال: إسناد حسن، ورجاله كلهم ثقات.
وفي رواية عن نافع بن محمود بن [الربيع] قال: أبطأ [علينا] عبادة عن صلاة الصبح، فأقام أبو نعيم المؤذن الصلاة، وكان أبو نعيم أول من أذن في بيت المقدس، فصلى بالناس أبو
نعيم، وأقبل عبادة وأنا معه حتى صففنا خلف أبي نعيم، وأبو نعيم يجهر [بالقراءة فجعل عبادة يقرأ بأم القرآن فلما انصرف قلت لعبادة: قد صنعت شيئاً فلا أدري أسنة هي أم سهو كانت منك؟ قال: ما ذاك؟ قال: سمعتك تقرأ بأم القرآن وأبو نعيم يجهر] قال: أجل، صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْضَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ:«هَلْ تَقْرَءُونَ إِذَا جَهَرْتُ بِالْقِرَاءَةِ؟» فَقَالَ بَعْضُنَا: إِنَّا لَنَصْنَعُ ذَلِكَ: قَالَ: فَلَا تَفْعَلُواْ «وَأَنَا أَقُولُ: مَا لِي أُنَازِعُ الْقُرْآنُ، فَلَا تَقْرَءُوا بِشَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ إِذَا جَهَرْتُ إِلَاّ بِأُمِّ الْقُرْآنِ» .
وأيضاً: فقد تقدم حديث أبي قلابة وقوله: «فَلَا تَفْعَلُوا إِلَاّ أَنْ يَقْرَأَ أَحَدُكُمْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ» .
وأيضاً: فقد تقدم حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة ورجال من الصحابة في قراءة الفاتحة مع جهر الإمام، ويُحمل الأمر بالأنصات في حال غير قراءة الفاتحة، جمعاً بين العام والخاص.
فإن قيل: فهلا أوجبتم القراءة على المأموم بهذا التقرير، لا سيما مع قوله:«لَا صَلَاةَ إِلَاّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وروى الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاة [مكتوبة أو تطوعاً فليقرأ فيها بأم الكتاب وسورة
معها فإذا انتهى إلى أم الكتاب فقد أجزى ومن صلى صلاة] مع إمام يجهر فليقرأ بفاتحة الكتاب في بعض سكتاته، فإن لم يفعل فإن صلاته خداج غير تمام».
قلنا: لأن الدلالة قد قامت على أنها لا تجب كما تقدم، وهذه الأحاديث وإن احتججنا بها في الاستحباب، فلا يلزم مثله في الإيجاب، فإن فيها ضعفاً لا يقاوم الأحاديث الصحيحة، ثم المراد بها استحباب القراءة؛ لأن في حديث أبي قلابة المتقدم:«إن كنتم لا بد فاعلين فليقرأ بفاتحة الكتاب في نفسه» وفي لفظ: «فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه» وهذا صريح في أنه أراد الإذن والإباحة، لا سيّما وقد استثناه من النهي، وذلك لا يفيد إلا الإذن، ولأن في حديث عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم:«فإني أراكم تقرؤون وراء إمامكم» وفي لفظ: «هل تقرؤون إذا جهرت بالقراءة؟» فلو كانت قراءة المأمومين واجبة كما يجب عليهم التكبير والتشهد والتسليم، لم يسألهم النبي صلى الله عليه وسلم: هل يفعلون ذلك؟ بل كان يكون قد أمرهم بذلك وبيّنه لهم قبل ذلك؛ لأن تأخير البيان لا يجوز، وأيضاً فوجوده في تلك الصلاة دون غيرها دليل على أنه لم يكن عادة، وأنه لم يكن يفعلوه كلهم.
وأما قوله في تمام الحديث: «فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا» .
تعليل لتخصيص الفاتحة بالذكر؛ لأنه المفروض من القراءة، وإنما يتحملها الإمام عن المأموم، فمن أحب أن يأتي بها بنفسه ولا يتحملها الإمام فَعَلَ وكان ذلك عذراً له فيما دون غيرها مما ليس بواجب عليه، ولا على الإمام، وهذا كما قال القاسم بن محمد: لرجلٍ سأله عن القراءة خلف الإمام فقال: إذا قرأت خلف الإمام فقد قضيت ما عليك، وإن لم تقرأ فقد أجزأك ذلك الإمام. وفعل عبادة إنما يدل على الجواز والاستحباب دون الوجوب، وحديث عمرو بن شعيب ضعيف.
والصحيح هو المنصوص المشهور؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ، وروي عن ابن مسعود وأبي هريرة وابن عباسٍ وسعيد بن المسيب وعبيد بن عمير وأبي العالية وعطاء ومجاهد والحسن وإبراهيم ومحمد بن كعبٍ والزهري وقتادة وزيد بن أسلم وغيرهم:«نزلت في القراءة في الصلاة» .
ومنهم من قال: «في الصلاة والخطبة» .
قال أبو داود: قيل للإمام أحمد: إن فلاناً قال: قراءة فاتحة الكتاب [يعني] خلف الإمام مخصوص من قوله: {إِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنْصِتُواْ} فقال: عمن يقول هذا أجمع الناس أن هذه الآية في الصلاة، وقال في رواية المروذي في هذه الآية: هي في الصلاة والخطبة. وهذا لأن القراءة في الصلاة والخطبة إنما شرعت لأجل استماع الناس، فلو لم يكن ذلك واجباً لبطل معنى الاقتداء في الصلاة والخطبة.
والإنصات: السكوت على وجه الإصغاء إلى الشيء، ويقال: الاستماع. والإنصات: الإصغاء إلى الكلام، والإقبال عليه، فقد أمر باستماع القرآن وبالسكوت إذا كان الإمام يقرأ، وفي الإشتغال بالقراءة ترك لهذين الواجبين، والفاتحة وغيرها في ذلك سواء.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: إن نبي الله خطبنا، فعلمنا سنتنا، وبين لنا صلاتنا، فقال:«لْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» . رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» رواه الخمسة إلا الترمذي، [وقال مسلم: هو عندي صحيح].
وصحح هذين الحديثين أحمد واعتمد عليهما، وهذا أمر بالإنصات عن الفاتحة وغيرها، ولو كانوا مأمورين بالإنصات إلا حال قراءتهم الفاتحة لوجب بيان ذلك، فإن مثل هذا الكلام لا يجوز إطلاقه وتعميمه لقوم يراد تعلمهم من غير تفسير لا سيما وهم لا يفهمون الإنصات عن القراءة المشروعة في الصلاة، وأعظم القراءة المشروعة قراءة الفاتحة.
وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: هَلَ قَرَأَ مَعِي أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: إِنِّي أَقُولُ: مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ قَالَ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَجْهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الصَّلَوَاتِ بِالْقِرَاءَةِ، حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم» . رواه الخمسة إلا ابن ماجة،
وقال الترمذي: حديث حسن. وفي رواية لأبي داود: قال أبو هريرة؛ فانتهى الناس. وفي رواية أخرى: قال الزهري: فانتهى [الناس].
وفي رواية «أنها الصبح» ، وأن القراءة إنما جهر فيها لاستماع المأمومين، فإذا لم ينصتوا كان الجهر ضائعاً بمنزلة من يتكلم والإمام يخطب، ولأن الاستماع يحصل مقصود القراءة، ويذكر عن علي رضي الله عنه قال:«أقرأ خلف الإمام أو أُنصت؟ قال: بل أنصت، فإنه يكفيك» قال الدارقطني: والمرسل عن الشعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا أصح.
الثاني: وروى سعيد عن أبي قلابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: «أَتَقْرَءُونَ خَلْفَ الإِمَامِ؟ فَقَالَ بَعْضٌ: نَعَمْ، وَقَالَ بَعْضٌ: لَا، قَالَ: «إِنَ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ فَلْيَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي نَفْسِهِ» ورواه أحمد في «المسند» بإسنادٍ صحيح عن أبي قلابة بن محمد بن عائشة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ الإِمَامِ وَالإِمَامُ يَقْرَأُ» قَالَ: إِنَّا لَنَفْعَلُ ذَلِكَ، قَالَ:«فَلَا تَفْعَلُوا إِلَاّ أَنْ يَقْرَأَ أَحَدُكُمْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ» وقال: بفاتحة الكتاب. وهذا دليل
على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم أنهم يقرءون خلف الإمام، وكان فيهم من لا يقرأ، ولو كانت القراءة واجبةً على المأموم لكان قد أمرهم بها وأعلمهم؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
وأما قوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ
…
} فليس المراد به القراءة المفروضة في الصلاة، بدليل قوله بعد ذلك:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} ولأن هذه السورة نزلت بمكة في أول الأمر قبل أن تفرض الصلوات الخمس، وكان وجوب الفاتحة بالمدينة وإنما المراد به -والله أعلم- التلاوة المأمور بها عوضاً عن قيام الليل، فإن حافظ القرآن ينبغي له أن يتلوه، وإذا نسيه فإنه يجب عليه أن يتلوه بحيث لا ينساه، وسياق الآية يدل على هذا، حيث قال:{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} إلى قوله: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} إلى قوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ
…
}.
وقد قيل: إن المراد به قراءة ما تيسر بعد الفاتحة، كما قال أبو سعيد:«أَمَرْنَا نَبِيُّنَا أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا تَيَسَّرَ» رواه أحمد،
وعلى هذا يحمل قوله للأعرابي، فإنه قد روي قصة رفاعة بن رافع وفيها:«ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْكِتَابِ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا شِئْتَ» -رواه أحمد- إذْ لم يكن يحسن الفاتحة، فيدل هذا على أن الناس قد أجمعوا لو قرأ كلمة أو كلمتين أو بعض آيةٍ، لم تصح صلاته، وإنما يشترط [بعضهم]: آيةً، وبعضهم،: ثلاث آياتٍ، فاشتراط ما شرطه الله ورسوله أولى إذا كان ما ادعوه من ظاهر الكتاب قد دخله التأويل وفاقاً.
فإن قيل: هذا قد روى سعيد والدارقطني عن يزيد بن شريك أنه سأل عمر عن القراءة خلف الإمام، فقال: اقرأ بفاتحة الكتاب، قلت: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا، قلت: وإن جهرت؟ قال: وإن جهرت. وإسناده كلهم ثقات.
وعن عباية بن رداد قال: كنا مع عمر بن الخطاب في
لأن من أصحابنا من يوجبه وقد أوما أحمد إلى ذلك، وقد أمر صلى الله عليه وسلم به، وتركه مكروه، بخلاف القراءة، فإنهم لم يختلفوا أن القراءة عليه لا تجب، لكن يكره تركها؛ لأن القراءة يحصل مقصودها بالاستماع، بخلاف الاستفتاح، ولأن القراءة يتعدى حكمها إلى المأموم، فيضمنها عنه الإمام وجوباً واستحباباً، بخلاف الاستفتاح، وأما الاستفتاح حال جهر الإمام فهو مثل الاشتغال عنه بتكبيرة الإحرام؛ لأنه من توابعها، ومثل اشتغال الداخل إلى المسجد والإمام يخطب عن الاستماع بركعتي التحية، ولعل الاستفتاح للمصلي أوكد من التحية للداخل؛ لأن هذا من تمام الدخول إلى الصلاة، وإلى المسجد، فلا يعد الاشتغال به إعراضاً عن الاستماع والإنصات، وقد تقدم حديث عبد الله بن أبي أوفى في الذي دخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فقال: «اللهُ أَكْبَرُ
كَبِيرًا، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، الْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، الْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، سُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، سُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، سُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، حَتَّى رَفَعَ الْقَوْمُ رُءُوسَهُمْ وَقَالُوا: مَنِ هَذَا الَّذِي يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ وَمَعْ هَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ رَأَيْتُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ فُتِحَتْ لَهَا فَمَا تَنَاهَنَّ شَيْءٌ دُونَ العَرْشِ» ، وكذلك الرجل الذي انتهى إلى الصف وقد انتهز، أو حَفَزَهُ النَّفْسُ، فَقَالَ: الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، قَالَ:«مَنْ صَاحِبُ الْكَلِمَاتِ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا» فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، أَسْرَعْتُ لِشَيْءٍ فَجِئْتُ وَقَدْ انَتَهَزَتْ فَقُلْتَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ:«لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا» فهذا رجلان قد استفتحا في حال جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل جهرا بالاستفتاح، ومع هذا لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم كما أنكر على الذين كانوا يقرءون في حال جهره، بل حمد هذا الأمر، وذكر ما فيه من الفضل والبركة.