الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة: ويرفع يديه عند ابتداء تكبيره إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه
.
وجملة ذلك أن ي
رفع اليدين
عند تكبيرة الافتتاح من السنن المتفق عليها، وأما منتهى الرفع: فإن شاء إلى حذو منكبيه، وإن شاء إلى فروع أذنيه، كلاهما جائز غير مكروه من غير خلاف في المذهب. وهل أحدهما أفضل من الآخر؟ على ثلاث رواياتٍ:
إحداهن: أن الرفع إلى حذو المنكبين أفضل؛ لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا بحذو منكبيه، ثم يكبر، فإذا أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك، وقال:«سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» متفق عليه وعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنه قال في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاتِهِ، كَانَ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ اعْتَدَلَ قَائِمًا وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ. قَالُوا: صَدَقْتَ» رواه أبو داود والترمذي وصححه. وفي حديث علي وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ
رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ» وهذا اختيار أكثر أصحابنا.
والرواية الثانية: هو إلى فروع الأذنين أفضل. اختاره الخلال وقال: تواترت الروايات عن أبي عبد الله رحمه الله في فتياه وفعله، أن أحب إليه فروع أذنيه، وإن رفع إلى منكبيه فهو جائز؛ لما روى مالك بن الحويرث أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم «كَانَ إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فَقَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ» رواه أحمد ومسلم والنسائي. وفي رواية: «يُحَاذِيَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيْهِ» رواه مسلم وأبو داود والنسائي. وعن (وائل بن حجر)«أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ حِيَالَ أُذُنَيْهِ» وروى ذلك أيضاً من حديث البراء بن
عازب وابن الزبير، رواه أحمد.
والرواية الثالثة: هما سواء، وهي اختيار الخرقي وأبي حفص العكبري وأبي علي بن أبي موسى وغيرهم؛ لمجيء بكل واحد منهما، فإن صحة الروايات بكل منهما دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا تارة وهذا تارة.
ومن رجَّح الأولى قال: إن راويه من الصحابة أكثر وأفضل
[لدى الله] ومكانهم من الرسول أقرب، وهم له ألزم، فيكونون أحفظ وأضبط، ويكون ما نقلوه هو الغالب من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووائل بن حجر ومالك بن الحويرث وفدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفادةً، ثم رجعا إلى قومهما، وأيضاً فإن الإسناد إلى الصحابة بالمنكبين أثبت، اتفق عليه صاحبا الصحيح، وإسناد الرفع إلى الأذنين إنما خرجه مسلم. قالوا: وتحمل روايتهم على رواية المنكبين، ويكون معنى قولهم: حتى يحاذي بهما أذنيه، يعني يقارب محاذاة الأذنين، أو يعني رؤوس الأصابع هي التي حاذت، ويؤيد ذلك أنه قد اختلف عنهم، فروى الدارقطني في حديث مالك بن الحويرث عن النبي صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ» إلا أن هذا خلاف المحفوظ في حديثه، لكن قد روي في لفظ بإسناد جيد «حتى يجعلها قريباً من أذنيه» .
وأما حديث وائل بن حجر فقد رواه أحمد بإسناد صحيح عن حديث عبد الواحد بن زيادٍ، عن عاصم بن كليبٍ، عن أبيه، عن وائل، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«فاستقبل القبلة ورفع يديه حتى كانتا حذو منكبيه» وفيه: «فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى كَانَتَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ» وفيه: «فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى كَانَتَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ» وكذلك رواه الشافعي وغيره عن ابن عيينه عن عاصم، إلا
أن الجماهير، مثل شعبة وأبي عوانة وزائدة بن قدامة والمفضل وجماعة غيرهم، رووه عن عاصم، فقالوا في الحديث:«فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَتَا أُذُنَيْهِ» وقال بعضهم: «حذاء أذنيه» وكذلك رواه مسلم وغيره من حديث عبد الجبار بن وائل عن وائل عن علقمة.
ومن رجَّح الثاني قال: صحة النقل بهما توجب أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فعل كل واحدٍ منهما، لكن الرفع إلى الأذن أزيد، فيكون أولى؛ لأنه زيادة عبادةٍ، ويشبه أن يكون هو آخر الأمرين؛ لأن الوفود إنما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح، ولأن الانتقال من النقص إلى الزيادة هو اللائق، لا سيما وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث ومن معه:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وقد رأوه يصلي رافعاً يديه إلى فروع أذنيه.
ومنهم من قال: لعل الرفع إلى المنكبين كان لعذرٍ من به داء وغيره، وليس بشيء.
واعلم أن رفع اليد إلى المنكب أو إلى فروع الأذنين هو: أن يحاذي بيده ذلك العضو، واليد جميعاً لا تحاذيه، فالمحاذاة: إما أن تكون بأصل اليد وهو الرسغ، أو تكون بطرف اليد وهو رؤوس أصابع اليد، أو توسط اليد وهو أصول الأصابع عن الكف، أما الأول فلا أعلم أحداً قال إن المحاذاة تكون بذلك الموضع. وأما الآخران ففيهما وجهان:
أحدهما: أن يحاذي منكبيه أو فروع أذنيه برؤوس أصابعه، وهذا قول القاضي في «المجرد» وطائفة من أصحابنا، منهم أبو محمد؛ لأن المفهوم من قولنا:«رفع يده إلى كذا» : أن يحاذي برأسها ذلك المكان.
والثاني: أن يحاذي بكفه منكبيه أو فروع أذنيه، وهو الذي ذكره القاضي في «الجامع» و «الخلاف» وغيره من أصحابنا، وهو الصحيح المنصوص عن أحمد، قال في رواية: الأذنين. وقد سأله أبو الحرث: إلى أين يرفع يديه؟ قال: يرفعها إلى فروع أذنيه. وقال: الذي اختار له أن يجاوز بهما أذنيه. قال: ورأيت أبا عبد الله إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يجاوز بهما أذنيه، فقد نص صريحاً إذا قلنا: يرفعهما إلى أذنيه، على مجاوزة الأذنين، ومعلوم أنه لا يجاوزهما بكفه؛ لأن ذلك لم يقله أحد، فعلم أنه جاوزهما برؤوس الأصابع، وكيف يصح أن يحمل قوله:«على رفع رؤوس الأصابع» إلى «فروع الأذنين» ؟ وإن كان في الرفع إلى الأذنين، ففي الرفع إلى المنكبين
أولى، ويدل على ذلك وجوه:
أحدها: أنه ليس حمل رفع اليد على رأسها بأولى من أصلها، فيجب حمله على الوسط.
الثاني: أن اليد اسم للجميع، فإذا أُريد نفس محاذاتها لموضع كان اعتبار الوسط أولى؛ لأنه أقرب إلى التعديل.
الثالث: أن الروايات مصرحة بأن حاذي بيده فروع أذنيه أو منكبيه، ففي لفظ «حتى يكونا بحذو منكبيه» وفي رواية «رَفَعَ يَدَيْهِ حِيَالَ أُذُنَيْهِ» فقد جعل المحاذي للمنكب والأذن إنما هو اليد، ولم يقل:«رفع يديه إلى منكبيه أو أُذنيه» ، حتى يجعل ذلك عائداً لليد، وإنما جعل اليد تحاذي ذلك الموضع، ومعلوم أن ذلك لا يصح في رؤوس الأصابع.
الرابع: أن في حديث وائل بن حجر: «رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى كَانَتَا بِحِيَالِ مَنْكِبَيْهِ، وَحَاذَى بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ» رواه أبو داود، وفي رواية لأحمد:«رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح الصلاة حتى صارت إبهامه تحاذي شحمة أذنه» ، وكذلك روى البراء بن عازبٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى تكون إبهامه حذاء أُذنيه. رواه أحمد. فإذا حاذت الإبهام الأذن، ولو أنه
شحمة الأذن، جاوزت الأصابع الفروع، وهذا مستند المنصوص، ولذلك تأول القاضي وغيره أحاديث الأذنين: على أن رؤوس الأصابع تبلغ فروع الأذنين، وأن أحاديث المنكبين على المنكب نفسه، كما جاء مفسراً في حديث وائل بن حجر، وحمل رواية من روى: إبهاميه، على المقاربة؛ لأن في حديث مالك بن الحويرث:«كَانَ إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَجْعَلَهُمَا قَرِيبًا مِنْ أُذُنَيْهِ» رواه أحمد. ولا يخرج عن هذا إلا بعض الروايات التي فيها: جاوز أذنيه، وهي قليلة.