الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ولا بأس أن يقرأ بعض السورة من أولها في ركعةٍ، سواء أتمها في الثانية، أو قرأ في الثانية من غيرها، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ الأعراف في ركعتي المغرب، وأنه قرأ بعض «المؤمنون» في الركعة الأولى من الفجر.
فإما قراءة أواخر السور وأواساطها في الفرض، فعنه يكره ذلك؛ لأنه خلاف المأثور من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه، وقد قال:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» والغالب أن أواخر السور مرتبطة بأوائلها فأشبه من ابتدأ من أيها آية، وعنه: يكره أن يقرأ من وسطها، لا من آخرها؛ لما روى الخلال عن عبد الله أنه كان يقرأ
في آخر ركعةٍ من الفجر آخر آل عمران وآخر الفرقان.
وعن عبد الصمد قال: كنت جالسًا عند الحسن، فسأله رجل عن الرجل يقرأ في الصلاة ببعض هذه السورة؟ قال: فقال الحسن: غزوت إلى خراسان في جيشٍ فيه ثلاثمائة رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أحدهم يأُم أصحابه في الفريضة فيقرأ بخاتمة البقرة، وبخاتمة الفرقان، وبخاتمة الحشر، وكان بعضهم لا ينكر على بعْضٍ، بل يقرأ الرجل الآية الواحدة من حيث شاء إذا كانت كبيرة، مثل آية الكرسي، وآية الدين؛ لأن تلاوتها لا تكره خارج الصلاة، فكذلك في الصلاة، ولأنها لا تكره في النافلة، فكذلك في الفريضة. وقد دل على الأصل ما ورد في قراءة آية الكرسي والآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة، وقراءة العشر الأواخر من آل عمران، وما كان يقرأه في خطبه، وهو كثير وقرأ:
{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ
…
} الآية في قيام الليل.
ولا بأس أن يقرأ سورتين وأكثر في ركعة في النافلة؛ لأن ابن مسعود قال: «إِنِّي لأَعْرِفُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرِنُ بَيْنَهُنَّ، سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ» متفق عليه.
وروى عنه حذيفة رضي الله عنه: «أَنَّهُ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَالنِّسَاءَ وَآلَ عِمْرَانَ فِي رَكْعَةٍ» . رواه مسلم.
وهل يكره ذلك في الفرض؟ على روايتين.
إحداهما: يكره؛ لما روى أبو العالية قال: أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لِكُلِّ سُورَةٍ حَظُّهَا مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ»
رواه أحمد.
والثانية: لا تكره، وهي أشهر وأصح؛ لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، فَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بِقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، فَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَلَمَّا أَتَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرُوهُ بِالْخَبَرِ فَقَالَ:«وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟» . فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا، فَقَالَ:«حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ» رواه الترمذي، والبخاري معلقاً مجزوماً به.
وروى مالك عن ابن عمر: أنه كان يقرأ أحياناً بالسورتين والثلاث في الركعة الواحدة في صلاة الفريضةِ، فأما تكرار الآية الواحدة أو السورة الواحدة في الركعتين، فلا يكره في الفرض ولا النفل، لما روى أبو داود عن رجل من جهينة أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ: «إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ، فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا» . وعن أبي ذر رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَامَ لَيْلَةً بِآيَةٍ يَرْكَعُ بِهَا، وَيَسْجُدُ حَتَّى أَصْبَحَ وَهِيَ {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}» رواه الترمذي.
والأفضل: أن يقرأ من البقرة إلى أسفل.
وهل يكره أن يقرأ السورة على خلاف ترتيب مصحف عثمان؟ مثل أن يقرأ في الركعة الأولى سورة الناس، وفي الثانية بالفلق؟ على روايتين:
إحداهما: يكره؛ لأنه تنكيس للقرآن، فأشبه تنكيس آيات السورة، فإنه يكره كتابته وتلاوته في الصلاة وغيرها، من غير خلاف في المذهب، وقد سئل ابن مسعودٍ رضي الله عنه عمن
يقرأ القرآن منكوساً؟ فقال: ذاك (القلب) ، ولأنه لو نكسه في ركعةٍ واحدةٍ أو خارج الصلاة.
والرواية الأخرى: لا تكره؛ وهي أصح؛ لأن الصبي يعلم على ذلك، ولأن ذلك لا يخرج عن القرآن عن الوجه الذي أنزل عليه والنظم والتأليف الذي له، فأشبه ما لو قرأ سورة، وقرأ في الثانية بعدها سورة لا تليها، وقد تقدم حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بالبقرة والنساء وآل عمران، وحديث الذي كان يفتتح بقل هو الله أحد، ويقرأ بعدها سورة أخرى، فإذا لم يكره التنكيس في ركعةٍ واحدةٍ ففي ركعتين أَوْلى. واحتج أحمد بأن أنس بن مالك صلى المغرب فقرأ في أول ركعةٍ:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وفي الثانية: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} .
وقال البخاري: قرأ الأحنف بالكهف في الأولى، وفي الثانية بيونس أو يوسف، وذكر أنه صلى مع عمر الصبح بها.
فأما تكرار الآية أو السورة الواحدة في الركعةِ الواحدةِ، فلا تبطل الصلاة، سواء كانت الفاتحة أو غيرها؛ لأن أقصى ما فيها أنها ركنٌ قوليٌّ وتكرار الأركان القولية لا تبطل، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة بقوله: الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً. وكذلك الرجل الذي افتتح الصَّلاةَ.
ــ
«قال ناسخه الشيخ علي حفظه الله تعالى» : هذا آخر ما تيسر لي الآن من المجلد الثاني من هذا المصنف المبارك، والله تعالى المسئول والمعول على فضله وكرمه وجوده أن يمن بأوله وآخره، علقه لنفسه الفقير إلى الله عز شأنه علي بن إبراهيم بن صالح بن حمود بن مشيقح غفر الله له ولمؤلفه ووالديهما ومشايخهما وقع الفراغ منها نهار الأحد خامس عشر جماد الأولى من شهور سنة ثمان وستين وألف وثلاثمائة وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم أمين.
وانتهى التعليق عليه ومراجعته حسب الوسع والطاقة، بقلم الفقير إلى عفو ربه عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن حمود بن علي بن حمود بن مشيقح غفر الله له ولوالديه وذريته ولمشائخه
ولمؤلفه وناسخه ووالديهما ومشائخهما وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، سائلاً المولى جل شأنه أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه الكريم مقرباً للفوز لديه بأعلى درجات الفردوس في جنات النعيم.
حرر في صبيحة يوم الخميس الخامس عشر من شهر شوال من عام 1422 هـ في مدينة بريدة حرسها الله وبلاد المسلمين من كل سوء، مصلياً ومسلماً على أفضل البرية محمد عليه وآله وأصحابه وأزواجه وذرياته من الله أفضل الصلاة وأزكى التسليم. آمين.
تم والحمد لله