الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ويستحب التأمين بعد الفاتحة، والسنة للمصلي إذا قال:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} أن يقول: آمين، ويقولها الإمام والمأموم والمنفرد، يجهر بها الإمام والمأموم فيما يجهر بقراءته تبعاً للفاتحة، وكذلك المنفرد إن جهر؛ لما روى أبو هريرة: أّنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رواه الجماعة. وقال ابن شهاب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «آمين» وفي رواية أحمد والنسائي: «إِذَا قَالَ الإِمَامُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا آمِينَ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ: آمِينَ، وَإِنَّ الإِمَامَ يَقُولُ: آمِينَ، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» .
وقد تقدم عن بلالٍ نه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ» ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت:«كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ بالتَّكْبِيرِ، وَيَفْتَتِحُ قِرَاءَتَهُ بِالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَإِذَا قَالَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: آمِينَ» رواه.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: «إِنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَلَا {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}. قَالَ: آمِينَ حَتَّى يَسْمَعَ مَنْ يَلِيهِ مِنَ الصَّفِّ الأَوَّلِ» رواه أبو داود وابن ماجة وقال: «حَتَّى يَسْمَعَهَا أَهْلُ الصَّفِّ الأَوَّلِ، فَيَرْتَجُّ الْمَسْجِدُ» ، وفي رواية قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} رفع صوته بآمين، ويأمرنا بذلك» رواه الأثرم، وفي رواية:«كَانَ إِذَا قَالَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}. قَالَ آمِينَ وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ» رواه الخمسة، وقال الترمذي: حديث حسن.
وفي روايةٍ: قال: «آمين» يمد بها صوته. وقال الدارقطني:
حديث صحيح. وعن وائل بن حجر قال: «صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَهَرَ بِآمِينَ» .
فهذه كلها نصوص في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالتأمين، وقد أمر المأمومين أن يؤمنوا مع تأمين الإمام، وظاهره أنهم يؤمنون مثل تأمينه؛ لأن التأمين في حقهم أوكد؛ لكونهم أمروا به، فإذا كان هو يجهر به فالمأموم أولى، وقد تقدم التصريح بذلك، ولذلك فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الأمر بالجهر به، وأجمعوا* على ذلك، فروى إسحاق بن راهويه عن عطاء قال: أدركت مائتين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إذا قال الإمام:{وَلَا الضَّالِّينَ} سمعت لهم ضجَّة بآمين، وعن عكرمة قال: أدركت الناس في هذا المسجد ولهم ضجة بآمين، قال إسحاق: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرفعون أصواتهم بآمين، حتى يسمعوا للمسجد رِجَّة.
ولأن المؤمّن داع، ولهذا قال الله سبحانه لموسى:{قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا} وإنما كان يدعو موسى ويؤمن هارون.
[تعليق معد الكتاب للشاملة]
* في الأصل المطبوع: (وأجمعهوا)، وهو خطأ تم تصويبه.
وقد شرع التأمين للقارئ ومستمعه، حتى الملائكة في السماء تقول: آمين.
وإذا ترك الإمام التأمين أو الجهر به أمَّن المأموم وجهر به، وسواء كان قريباً من الإمام يسمع قراءته ويسمع همهمته، أو كان لا يسمع له صوتاً، فإنه يؤمن، ثم إن كان في قراءةٍ تركها وأمَّن، ثم يبني على قراءته.
وإذا ترك التأمين في موضعه لم يأتِ به بعد ذلك، مثل أن يأخذ في قراءة السورة حتى يشرع في القراءة، فقد فات في محله فلا يعيده، وإن ذكر قبل أن يطول الفصل أتى به؛ لأن محله باقٍ، ولا يجب عليه سجود السهو، نص عليه؛ لأنه دعاء لا يتميز بفعل فلم يشرع له سجود السهو، كالتعوذ من أربع في التشهد.
وفيه لغتان: «آمين» على وزن فعلي، و «آمين» على وزن فاعيل، فالياء ممدودة فيهما، وفي إحدى اللغتين يأتي بألفٍ ممدودة بعد الهمزة، فيجتمع فيه كلمتان، وقال القاضي والآمدي: هذه اللغة أشبه بالسنة؛ لأنَّ في حديث «مَدَّ بِهَا صَوْتَهُ» ولا حجة فيه؛ لأن مدّ الصوت قد يكون في الياء، وهو أظهر منه في الألف، فإن قال:«آمِّين» بتشديد الميم، وأتى بألف، أو لم يأت بها، قال
الآمدي لا يجوز؛ لأن «آمِّين» قاصدين، من قوله تعالى:{وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} .
ومعناها: اللهم استجب، وهي عند أهل العربية من [أسماء] الأفعال، التي يطلب بها، مثل: هلم وهيئت، ولذلك بُنيت.
وتركها مكروه، قال أحمد:«آمين» أَمْرُ النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«إِذَا أَمَّنَ الْقَارِئُ فَأَمِّنُوا» فهذا أمر من النبي صلى الله عليه وسلم أوكد من الفعل. وقياس قول أبي [بكر] وجوبها، عن أبي مُصبِّح المقرائي قال: كنا نجلس إلى أبي زهير النميري، وكان من الصحابة، فيتحدث أحسن الحديثِ، فإذا دعا الرجل منا قال: اختمه بآمين، فإن «آمين» مثل الطابع على الصحيفة. قال أبو زهير: أخبركم عن ذلك، خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ قَدْ
أَلَحَّ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعَ مِنْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَوْجَبَ إِنْ خَتَمَ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: بِأَيِّ شَيْءٍ يَخْتِمُ؟ قَالَ: «بِآمِينَ» فَمَا مَرَّ أَنْ خَتَمَ بِآمِينَ هَذَا أَوْجَبَ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ الَّذِي سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَى الرَّجُلَ فَقَالَ:«اخْتِمُ يَا فُلَانُ بِآمِينَ وَأَبْشِرْ» رواه أبو داود.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا حَسَدَتْكُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى: آمِينَ فَأَكْثِرُوا مِنْ آمِينَ» رواه النجاد.
فإن قال: آمين رب العالمين، فقال القاضي والآمدي وغيرهما: قياس قول أحمد أنه غير مستحب، كما لم يستحب الزيادة على تكبيرة الافتتاح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وهو صلى الله عليه وسلم إنما قال: آمين، من غير زيادة.