الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ويستحب أن يقرأ في صلاة السر بفاتحة الكتاب وسورة كالإمام، وكذلك في صلاة الجهر إن اتسعت السكتات لذلك، وإلا اقتصر على الفاتحة، فإن كان لا يسمع قراءة الإمام في حال الجهر؛ لكونه بعيداً، لم تكره له القراءة في ظاهر المذهب المنصوص عنه، بل تستحب، وحكي عنه أنه يكره؛ لعموم الأمر بالإنصات، لقوله:«لَا يَقْرَأَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِذَا جَهَرْتُ بِالْقِرَاءَةِ» ، والأول أصح؛ لأنه في معنى: من لا يسمع قراءة الإمام لسكوته وإسراره، ولأن الأمر بالإنصاتِ إنما يكون للمستمع، وكذلك قوله:«لا يقرأن أحد منكم معي إذا جهرت» إنما يكون لمن يعلم الجهر، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان صغيراً يبلغ صوت الإمام إلى عامة من فيه، فإن سمع هممة الإمام أو شيئاً يسيراً، مثل الحرف بعد الحرف، فهل يقرأ؟ على روايتين:
إحداهما: لا يقرأ؛ لأنه سامع في الجملة، ولأن بقراءته ربما
خلط على من يليه، ممن يمكن استماعه، وربما ارتفع صوت الإمام فسمع أكثر، وهذه الرواية أشهر عنه، فإن كان لا يسمع القراءة لطرشه وبعده.
وروى عبيد الله بن أبي رافع قال: كان علي يقول: «اقْرَءُوا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الإِمَامِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ» رواه النجاد، والدارقطني وقال: هذا إسناد صحيح.
وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال: سألت أبي بن كعبٍ: اقرأ خلف الإمام؟ قال: «نعم» ورواه النجاد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «أنه قرأ خلف الإمام في الظهر والعصر في الركعتين بفاتحة الكتاب وسورة» .
وعن مجاهد: «سمع عبد الله بن عمرو يقرأ خلف الإمام في الركعتين في الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة» .
وقال أبو السائب: قلت لأبي هريرة: إني أكون أحياناً وراءَ
الإمام، فقال:«اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ يَا فَارِسِيُّ» .
وقال أسامة بن زيدٍ الليثي سألت القاسم بن محمد عن القراءة خلف الإمام فيما يجهر به الإمام، فقال:«إن قرأت فلك أسوةٌ برجالٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإن تترك فلك أسوة برجالٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم» .
وقال مجاهد: «صليت إلى جانب عبد الله بن عمرو، فسمعته يقرأ خلف الإمام في صلاة الظهر من سورة مريم» وفي رواية: «كان ابن عمر لا يقرأ» رواهما سعيد.
قلنا: ليس في شيء من الحديث عنهم أنهم أوجبوا القراءة على المأموم، وإنما كان بعضهم يستحب القراءة، ويراها، وبعضهم لا يستحبها، وبعضهم لا يفعلها، كاختلافهم في الصوم والفطر في السفر، ولو كانت القراءة واجبة على المأموم وجوبها على الإمام، لأفصحوا بذلك وبينوه، ولم يفسروا حديث النبي بأن قراءة الإمام تكفي المأموم.
وأيضاً: فلعل من شدَّد في ترك القراءة لما بلغه أن أناساً يرونها واجبةً، حتى إنهم يقرؤون مع جهر الإمام، فبالغ في الإنكار عليهم، بأن أمر بتركها بالكلية؛ ليتبين للناس أنها ليست واجبة، كما أمر بعضهم من صام في السفر بالقضاء، لما رأى منه تعظيماً للفطر في رمضان، وضرباً من الغلو في الدين، وكما أنكر بعضهم على من يرى الاستنجاء بالماء؛ لما رأى من محافظتهم على الماءِ
محافظة من يعتقد وجوبه، وكما قال بعضهم:«صلاة السفر ركعتان، من خالف السنة كفر» يعني: من اعتقد أن ركعتين لا تجزيانه، وهذا كثير في أمورهم، ومن أمر بها فلعله لما رأى من رغبة بعض الناس عن القراءةِ بالكلية، كما [يؤمر] الناس بالسنن المستحبة.
وأيضاً: فلو كانت القراءة على المأموم واجبة، لأنكر من فعلها على من يتركها، كما أنكر من تركها على من فعلها، والمأثور عنهم مجرد الفعل لا الإنكار على التارك.
الرابع: أن المأموم إذا أدرك الإمام راكعاً فقد أدرك الركعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ» وكما
في حديث أبي بكرة حين ركع والنبي صلى الله عليه وسلم راكع، وكما كان الصحابة يفعلون ذلك، ولو كانت واجبة على المأموم لم تسقط بفوات محلها، كالركوع والاعتدال عنه وسائر الأركان.
الخامس: أن الإمام وافد المصلين إلى الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«اجعلوا أئمتكم خياركم، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين الله» ، والمفروض من القراءة هو قراءة الفاتحة، ونصفها ثناء على الله ونصفها دعاء للعبد، والوافد هو: لسان القوم فيما يأتي به من ثناءٍ، ولذلك جاء الدعاء فيها بصيغة الجمع في قوله:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أم قوم فخص نفسه بدعاء دونهم فقد خانهم» وهذا إنما يكون فيما يفعله
الإمام عن نفسه عن المأمومين، ولذلك قال:«الإِمَامُ ضَامِنٌ» .
السادس: أن الإمام خص بالقراءة في قوله: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ
أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ» وقوله: «وَلْيَؤُمُّكُمْ أَقْرَأَكُمُ» وغير ذلك من الأحاديث، حتى يخبر عن الإمام بالقارئ في قوله:«إِذَا أمَّنَ الْقَارِئُ فَأَمِّنُوا» فلولا أن قراءته يتعدى حكمها إلى المأمومين لم تكن لإمامة القارئ مزية، إذا كان واحد من الإمام والمأموم إنما يقرأ لنفسه خاصة.
السابع: أن الأدلة الواضحة قد قامت على أنها لا تجب في حال جهر الإمام، فكذلك في حال إخفائه؛ لأن الأذكار الواجبة على المأموم من التكبيرات لا تسقط بجهر الإمام.