المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث: أقسام الصفات - البيهقي وموقفه من الإلهيات

[أحمد بن عطية الغامدي]

الفصل: ‌الفصل الثالث: أقسام الصفات

‌الفصل الثالث: أقسام الصفات

لقد سلك المتكلمون فيما أثبتوه من صفات طريقة خاصة بهم، وقبل بيان التقسيم الذي ارتضاه البيهقي؛ أرى من المناسب أن أذكر الطريقة التي سلكها أولئك المتكلمون حتى يتضح لنا مدى اتفاق البيهقي أو اختلافه معهم.

فأقول: إن المتكلمين ممن أثبتوا الصفات قد درجوا على تقسيم صفات الله تعالى إلى أربعة أقسام:

نفسية، وسلبية، وصفات معان، وصفات معنوية.

1 -

النفسية: وعرفوها بأنها الحال الواجبة للذات، مادامت الذات غير معللة بعلة1 وهي الوجود.

2 -

السلبية: وعرفوها بأنها التي سلبت أمراً لا يليق بالله سبحانه وتعالى 2، وهي عندهم خمس صفات: القدم، والبقاء، ومخالفته تعالى للحوادث، وقيامه بنفسه، والوحدانية.

3 -

صفات المعاني: وقد عرفت بأنها كل صفة قائمة بموصوف زائدة على الذات، موجبة له حكماً3، وهي سبع: القدرة، والإرادة، والعلم والحياة، والسمع، والبصر، والكلام. وإنما سميت بذلك لأن كل صفة منها تدل على معنى زائد على ذاته تعالى.

1 شرح أم البراهين للسنوسي ص: 25.

2 حاشية الدسوقي على أم البراهين ص: 93.

3 حاشية الصاوي على شرح الخريدة البهية ص: 76.

ص: 181

وهي ما يسمونه أيضاً بالصفات الوجودية.

4 -

الصفات المعنوية: وهي ملازمة للسبع الأولى، وقد عرفت بأنها الحال الواجبة للذات، ما دامت المعاني قائمة بالذات 1. وعللوا تسمية هذه الصفات بهذا الاسم بأن الاتصاف بها فرع عن الاتصاف بالسبع الأولى، فإن اتصاف محل من المحال بكونه عالماً، أو قادراً مثلاً، لا يصح إلا إذا قام به العلم، أو القدرة، وقس على هذا.

فصارت السبع الأولى وهي صفات المعاني عللاً لهذه أي ملزومة لها، فلهذا نسبت هذه إلى تلك، فقيل فيها: صفات معنوية2 وهذه الصفات المعنوية هي كونه تعالى قادراً، ومريداً، وعالماً، وحياً، وسميعاً، وبصيراً، ومتكلماً.

ولا يخفى أن هذا التقسيم مبني على اعتقادهم إثبات بعض الصفات إثباتاً حقيقياً، والتفويض في بعضها الآخر، أو إرجاعه إلى معان فيها تنزيه لله سبحانه وتعالى على مشابهة المخلوقات - على حد زعمهم.

وإذا كان هذا هو موقف المتكلمين من تقسيم الصفات، فما موقف البيهقي؟ وهل يوافقهم على هذا التقسيم أم أنه استقلّ برأيه في هذا الشأن؟

الواقع أن البيهقي رحمه الله قد ذهب إلى تقسيم الصفات إلى قسمين لا ثالث لهما، وهذان القسمان هما:

(أ) صفات ذات.

(ب) صفات فعل.

1 المصدر السابق ص: 59.

2 شرح أم البراهين للسنوسي ص: 33.

ص: 182

ثم قسم كلاً من هذين النوعين إلى عقلي وخبري، استناداً إلى نوع الأدلة التي ثبتت بها، إذ إن منها مادل العقل على نبوّته لله سبحانه وتعالى مع ورود النص به، ومنها ما كان طريق إثياته الأدلة النقلية فحسب.

يقول رحمه الله في إيضاح هذا التقسيم. "صمفات الله قسمان:

أحدهما: صفات ذاته، وهو ما استحقه فيما لم يزل ولا يزال.

والآخر: صفات فعله، وهي ما استحقه فيما لا يزال دون الأزل.

ثم منه ما اقترنت به دلالة العقل كالحياة، والقدرة، والعلم والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، ونحو ذلك من صفات ذاته، وكالخلق والرزق، والإحياء، والإماتة، والعفو، والعقوبة، ونحو ذلك من صفات فعله.

ومنه ما كان طريق إثباته ورود خبر الصادق به فقط، كالوجه واليدين، والعين، في صفات ذاته، وكالاستواء على العرش، والإتيان والمجيء، والنزول ونحوذلك من صفات فعله"1.

ولا ريب أن هذا التقسيم الذي قال به البيهقي أشمل من تقسيم المتكلمين السابق، لأنه شمامل لجميع صفات الله تبارك وتعالى، أما تقسيم المتكلمين فقاصر على ما أثبتوه منها فحسب. وبهذا تتضح لنا مخالفة البيهقي للمتكلمين فيما ذهبوا إليه من تقسيم.

1 الأسماء والصفات ص: 110.

ص: 183

ونظراً لما عهدناه عن البيهقي من أنه لا يقول في الصفات قولاً إلا ويسنده بدليل شرعي، فإننا نجده هنا يستدل لهذا التقسيم بآيات كريمات رآها صالحة لأن تكون مناطاً لاستدلاله وهي قوله تعالى:{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا َّهُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 1. وقد بيّن وجهة استدلاله بهذه الآيات على تقسيمه للصفات بقوله: "فأشار في هذه الآيات إلى فصل أسماء الذات من أسماء الفعل"2.

ويعني بذلك أن الله تبارك وتعالى ذكر في هذه الآيات أسماء الذات التي تشتمل على الصفات التي اشتقت منها هذه الأسماء، وذكر بعد ذلك أسماء الفعل الدالة على الصفات التي اشتقت منها أيضاً وفصل بين النوعين بضمير الفصل "هو" وهذا دليل على صحة هذا التقسيم عند البيهقي.

وينبغي أن نعلم أن مخالفة البيهقي للمتكلمين في هذا التقسيم يعني موافقة السلف على ماذهبوا إليه، لأن ماذهب إليه البيهقي هو التقسيم الصحيح للصفات، لأنه يشمل جميع أنواع الصفات الثابتة للباري سبحانه وتعالى، فلا تخرج عن هذين القسمين اللذين ذهب إليهما البيهقي وهذا بعينه ما سلكه السلف في تقسيمهم لها، لأن جميع نصوص الصفات من آيات

1 سورة الحشر آية: 22-24.

2 الاعتقاد ص: 21.

ص: 184

قرآنية، وأحاديث نبوية تدل على صحة هذا التقسيم، إذ ورد بعضها بإثبات صفات لازمة للذات، وبعضها الآخر ورد بإثبات صفات تتعلق بها مشيئته واختياره سبحانه. ويرى الدكتور علي سامي النشار إن أوّل من فرّق هذه التفرقة في الصفات هو الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه، استناداً إلى ما ذكره في كتاب الفقه الأكبر حيث قال: "

لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته الذاتية والفعلية"1.

ولبيان سلامة هذا المنهج في التفريق بين الصفات يقول العلامة السلفي المعاصر، أستاذنا الدكتور محمّد خليل هراس رحمه الله – "دلت هذه النصوص القرآنية على أن صفات الباري قسمان:

1 -

صفات ذاتية لا تنفك عن الذات، بل هي لازمة لها أزلاً وأبداً ولا تتعلق بها مشيئته تعالى وقدرته، وذلك كصفات الحياة والعلم، والقدرة، والتوة، والعزة، والملك، والعظمة، والكبرياء، والمجد، والجلال

إلخ.

2 -

صفات فعلية، تتعلق بها مشيئته وقدرته كل وقت وآن، وتحدث بمشيئته وقدرته

كالاستواء على العرش، والمجيء، والإتيان والنزول إلى السماء الدنيا، والضحك، والرضا، والغضب...."2.

1 انظر: نشأة التفكير الفلسفي في الإسلام للنشار1/232، وراجع كلام أبي حنفية في الفقه الأكبر بشرح ملا علي القاري ص:15.

2 شرح العقيدة الواسطية ص: 89، وانظر: الكواشف الجلية لعبد العزيز المحمّد السلمان ص: 258.

ص: 185

وهكذا فإن منهج البيهقي في هذا التقسيم سليم لا اعتراض عليه لموافقته للأدلة، وشموله لجميع الصفات.

إلا أن ثمة اعتراضاً واحداً لا يتعلق بالتقسيم، بل بالضابط الذي وضعه لصفات الفعل، حيث عرفها بأنها ما استحقه فيما لا يزال دون الأزل، وهو بذلك يقول بحدوثها والكلام عن هذه القضية له موضعه عند بحثنا لهذه الصفات فيما بعد إن شاء الله.

وقد وافق البيهقي أيضاً في هذا التقسيم أبو الهذيل العلاف من المعتزلة، وإن خالفه في تعريفها. حيث عرف صفات الذات بأنها التي لا يجوز أن يوصف الباري بأضدادها، ولا بالقدرة على أضدادها.

وعرف صفات الفعل بأنها التي يجوز أن يوصف الباري سبحانه بها وبضدها1.

وقصارى القول أن تقسيم البيهقي للصفات تقسيم منطقي وسليم يتفق مع واقعها من خلاله الأدلة التي ثبتت بها.

أما رأيه في طريهت إثباتها، فإنه يرى أن إثبات الصفات لله سبحانه وتعالى إنما يكون توقيفياً، كرأيه في إثبات الأسماء، وفي ذلك يقول: "

فلا يجوز وصفه إلاّ بما دلّ عليه كتاب الله تعالى، أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أجمع عليه سلف هذه الأمة"2.

1 تاريخ الفرق الإسلامية لعلي الغرابي ص: 158.

2 الأسماء والصفات ص: 11.

ص: 186

وهذه بعينها طريقة السلف الصالح التي نهجوها في إثبات الصفات، والتي بيّنها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بقوله:

"

فالأصل في هذا الباب: أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسله، نفياً وإثباتاً، فيثبت لله ما أثبته لنفسه وينفي عنه ما نفاه عن نفسه، وقد علم أن طريقة السلف وأئمتهم إثبات ما أثبته من الصفات من غير تكييف، ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل، وكذلك ينفون عنه ما نفاه عن نفسه"1.

وقد سبق أن تعرضت للكلام عن هذه المسألة عند الحديث عن منهج البيهقي في الباب الأوّل من هذا البحث.

وإذا كان البيهقي رحمه الله قد وافق السلف في تقسيم الصفات، وطريقتهم في إثباتها، فهل وافقهم في إثبات جميع الصفات بقسميها، أم أنه وافق المتكلمين على ماذهبوا إليه من تفويض أو تأويل لبعضها، استناداً إلى بعض الشبه التي علقت بأذهانهم؟

هذا ما سيتضح لنا من خلال الفصول التالية إن شاء الله.

1 الرسالة التدمرية لابن تيمية ص: 4.

ص: 187