الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: صفات الفعل العقلية
سبق لنا بيان أن من صفات الفعل ماهو عقلي، كما أن صفات الذات منها ما هو عقلي أيضاً.
وقد عرف البيهقي رحمه الله صفات الفعل جميعاً، العقلي منها والخبري بأنها:"تسميات مشتقة من أفعاله، ورد السمع بها مستحقة له فيما لا يزال دون الأزل"1.
وقد علل تعريفه هذا لصفات الأفعال: بأن الأفعال التي اشتقت منها هناه الصفات لم تكن في الأزل2.
ومثل للعقلية منها بالخلق، والرزق، والإحياء والإماتة والعفو، والعقوبة3.
وإنما سمي هذا النوع من الصفات عقلياً، لأن العقل دل على ثبوتها، مع ورود النص بها، كما سبق أن ذكرت عند بيان صفات الذات العقلية.
فالبيهقي رحمه الله يرى أن مصدر إثبات هذه الصفات العقل والشرع جميعاً.
وإذا كان رحمه الله لم يسهب في بيان هذه الصفات على مثل ما فعل في صفات الذات السالفة، فإنه بين طريقته إجمالاً، بمعنى أن الطريق
1 الأسماء والصفات ص: 110، الاعتقاد ص:22.
2 الاعتقاد ص: 22.
3 الأسماء والصفات ص: 110.
التي ثبتت بها هذه الصفات هي بينها الطريق التي ثبتت بها صفات الذات العقلية، حيث قال في الصفات العقلية بنوعيها: إنها ما كان طريق إثباته أدلة العقول مع ورود السمع به1.
واكتفى من كلامه عن صفات الفعل العقلية ببيان الفارق الذي تضمنه التعريف، حيث ذكر فيما سبق قدم صفات الذات العقلية وذكر هنا حدوث صفات الفعل العقلية، وهو بهذا يوافق الأشاعرة القائلين هم أيضاً بحدوثها2، وهذا رأي المعتزلة3.
وقد استدل البيهقي - ربه الله- لثبوت صفات الفعل بالكتاب والسنة.
فمما استدلّ به من القرآن الكريم قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} 4. وقوله {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} 5 وقوله: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} 6
إلى سائر ما ورد في كتاب الله تعالى، في هذا المعنى. فهذا دليله رحمه الله من القرآن على ثبوت الصفات الفعلية عامة وصمفات الفعل العقلية المتعدية خاصة.
1 الاعتقاد ص: 22.
2 انظر: الشامل في أصول الدين للجويني ص: 537، حاشية البيجوري على متن السنوسية ص:19.
3 المختصر في أصول الدين للقاضي عبد الجبّار، ضمن رسائل العدل والتوحيد تحقيق محمّد عمارة1/202.
4 سرة غافر آية: 62.
5 سورة الفرقان آية: 2.
6 سورة الروم آية: 27.
وأما من السنة فقد استدل بحديث عمران بن حصين قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه نفر من أهل اليمن فقالوا: يا رسول الله، أتيناك لنتفقه في الدين، ولنسألك عن أوّل هذا الأمر كيف كان؟ قال: "كان الله عز وجل ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء، ثم كتب في الذكر كلّ شيء، ثم خلق السموات والأرض" 1.
ووجهة استدلاله على إثبات صفات الفعل بهذه النصوص واضحة إذ إنها ناطقة بإثباتها.
وأما استدلاله بها على حدوثها فإن الآيات تضمنت إثبات صفة الخلق الذي هو إيجاد للشيء من العدم، وإيجاد الشيء بعد عدمه أمر حادث.
وأما الحديث فقد بين وجهة استدلاله به بقوله: قوله "كان الله ولم يكن شيء غيره" لا الماء ولا العرش، ولا غيرهما، وكل ذلك أغيار، وقوله:{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} يعني: به ثم خلق الماء، وخلق العرش على الماء"2.
ورأي البيهقي هذا في الحديث هو أحد القولين اللذين ذكرهما شارح الطحاوية في معناه حيث قال: "والناس في هذا الحديث على قولين:
1 - منهم من قال: إن المقصود إخباره بأن الله كان موجوداً وحده ولم يزل كذلك دائماً، ثم ابتدأ إحداث جميع الحوادث، فجنسها وأعيانها مسبوقة بالعدم. وإن جنس الزمان حادث لا في زمان وإن الله صار فاعلاً
1 الاعتقاد ص: 31. والحديث رواه البخاري في كتاب التوحيد. انظر: حديث رقم: 7418، 13/403.
2 الاعتقاد ص: 31.
بعد أن لم يكن يفعل شيئاً من الأزل إلى حين ابتداء الفعل، ولا كان الفعل ممكناً.
2 -
والقول الثاني: المراد إخباره عن مبدأ خلق هذا العالم المشهود، الذي خلقه الله في ستة أيام ثم استوى على العرش كما أخبر القرآن بذلك في غير موضع"1.
وكلام البيهقي السالف يدل على أنه من أصحاب الرأي الأول، الذي يتضمن القول بنفي تسلسل الحوادث، الذي سنبين الآراء حوله ووجه الحق فيه في نهاية هذا المبحث إن شاء الله.
وليس معنى قول البيهقي بحدوث هذه الصفات، أنه يلزمه القول بحلول الحوادث بذات الله تعالى، والذي سبق أن بينت أنه يرفض القول به، لأنه لا يرى قيامها بذات الله سبحانه، شأنه في ذلك شأن أصحابه الأشاعرة الذين يرون أن أفعال الله تعالى عبارة عن تعليقات القدرة بالمقدورات، دون قيام فعل بذاته تعالى، إذ إنهم يثبتون للقدرة تعلقين:
1 -
تعلق صلوحي قديم.
2-
تعلق تنجيزي حادث.
فالأول: صلاحيتها في الأزل لإيجاد كل ممكن فيما لا يزال أي حين وجوده.
والثاني: إبرازها بالفعل للممكنات التي أراد الله وجودها فتعلقها في الأزل أعم لأنها صالحة في الأزل لإيجاد كل ممكن على أي صفة كانت، بخلاف تعلقها التنجيزي فإنه تعلقها بالممكن الذي أراد الله وجوده على صفة كذا
…
2.
1 شرح الطحاوية ص: 7-78.
2 حاشية الدسوقي على شرح أم البراهين ص: 98، وحاشية إبراهيم البيجوري على متن السنوسية ص:19.
والرأي المقابل لرأي البيهقي والأشاعرة هو رأي الماتريدية القائلين برجوع جميع صفات الأفعال هذه إلى صفة واحدة هي صفة التكوين، وهذه قديمة عندهم، ومغايرة لصفة القدرة.
وقد عرفوا صفة التكوين بأنها صفة أزلية قائمة بذات الله تعالى كصفة العلم والقدرة1.
ويقولون إن الله تعالى متصف بهذه الصفة أزلاً، وإن جميع صفات الله تعالى قديمة بدون استثناء، لأن هذه صفات كمال ومدح والله سبحانه منزه عن حدوثها، لأن معنى ذلك أنه كان محلاً للنقص الذي يقتضيه فقد صفة من الصفات.
وفي ذلك يقول النسفي: "وقال أصحابنا: إنه كان خالقاً لقيام صفة الخلق وهو التكوين بذاته في الأزل، كما كان عالماً قادراً سميعاً بصيراً، وصار الحاصل أن جميع ما هو صفة الله تعالى كان أزلياً، وهو تعالى كان موصوفاً به في الأزل، تعالى ربّنا أن يحدث له صفات المدح"2.
وهذا شبيه بالحل الذي ارتضاه الغزالي لقضية تسلسل الحوادث في جانب الماضي، والذي سنتعرض لذكره بعد قليل.
وقد بنى الماتوريدية مذهبهم في إثبات هذه الصفة التي هي مرجع جميع صفات الأفعال العقليّة المتعدية من خلق ورزق وإحياء وإماتة وغير ذلك، بنوا مذهبهم هذا على أن التكوين لا بد أن يكون غير المكون، لأنه
1 تبصرة الأدلة لأبي المعين النسفي1/339.
2 المصدر السابق نفسه.
لو كان نفس المكان للزم أن يكون المكون موجوداً بنفسه ضرورة أنه مكون بالتكوين الذي هو عينه، ويلزم من هذا أن يكون المكون قديماً مستغنياً عن الصانع وهو محال، كما يلزم ألاّ يكون للخالق تعلق بالعالم سوى أنه أقدم منه وقادر عليه من غير صنع وتأثير فيه ضرورة تكونه بنفسه. وهذا لا يوجب كونه خالقاً والعالم مخلوقاً له، كما أن التكوين إذا كان عن المكون لا يكون قائماً بذات الله تعالى1.
وقد ظهر من كلامهم هذا أنهم رادون به على من قد يتوهم أنهم يوافقون الفلاسفة في القول بقدم العالم، أو القائلين بتسلسل الحوادث في جانب الماضي.
فهنا إذاً رأيان متقابلان:
أحدهما: رأي متأخري الأشاعرة الذي اختاره البيهقي، وهو القول بحدوث هذه الصفات، لأن القول بقدمها يفضي إلى القول بتسلسل الحوادث وهو ممنوع عندهم.
ثانيهما: رأي متأخري الماتوريدية القائل بقدمها بل قدم جميع الصفات، لأنهم يرون أن ذلك هو الذي يجب أن يقال من أجل أن يوصف الله سبحانه بصفات الكمال أزلاً وأبداً، ولأنهم يرون أن ذلك لا يؤدي إلى القول بتسلسل الحوادث، لأن التكوين غير المكون.
وإذا قلنا بحدوثها فإن ذلك يقتضي القول بحلول الحوادث بذات الله تعالى. وقد سبق أن بينت أن القول بحلول الحوادث بذات الله تعالى - على المعنى الذي ذكرت - هو الرأي السليم كما سيأتي أن القول
1 انظر: العقائد النسفية ص: 89.
بتسلسل الحوادث في الماضي والمستقبل هو الصحيح أيضاً الذي نكون بموجبه قد أثبتنا لله سبحانه صفات الكمال اللائقة به أزلاً وأبداً. وهذا هو رأي السلف، لأنهم لا يقولون بقدم الصفات مطلقاً، كما لا يقولون بحدوثها مطلقاً بل مترددة بين القدم والحدوث، فنوعها هو القديم، وآحادها هي الحادثة.
فالرب تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء والفعل من لوازم الحياة فالرب لم يزل حياً فعالاً كما ذكر ذلك ابن تيمية عن الإمام أحمد بن حنبل، والبخاري صاحب الصحيح، ونعيم بن حماد الخزاعي، وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهم1.
ولا شك أن هذا القول مستلزم لجواز القول بتسلسل الحوادث، وهو ما التزمه السلف - كما سيأتي وفيما يلي نعرضه للبحث في هذا الموضوع، مبينين الآراء فيه، وموضحين المذهب الذي نراه صحيحاً مدعماً بالأدلة فأقول وبالله التوفيق.
الآراء في تسلسل الحوادث:
التسلسل ذو شقين:
(أ) تسلسل في جانب الماضي.
(ب) تسلسل في جانب المستقبل.
وقد اختلف الناس في التسلسل بنوعيه على ثلاثة آراء:
1 - منعه في جانب الماضي والمستقبل، وهو قول جهم بن صفوان وأبي الهذيل العلاف.
1 منهاج السنة لابن تيمية1/151-152.
2 -
إمكانه في المستقبل دون الماضي، وهو قول كثير من أهل الكلام من الجهمية، والمعتزلة، ومن وافقهم من الكرامية والأشعرية والشيعة وغير هم.
3 -
إمكانه في الماضي والمستقبل، وهو قول أئمة أهل الحديث، وأئمة الفلاسفة وغيرهم1.
وقد سبق أن ذكرت تعليل البيهقي لقوله بحدوث صفات الأفعال، بأن الأفعال التي اشتقت منها حدثت بعد أن لم تكن وهذا تصريح بمنع التسلسل في جانب الماضي الذي هو محل الخلاف بين السلف والمتكلمين.
وقد استدل المانعون له في جانب الماضي بأدلة أشهرها ما يسمى برهان التطبيق ويتلخص هذا الدليل في أنهم يقدرون الحوادث من زمن الهجرة مثلاً إلى ما لا يتناهى، والحوادث من زمن الطوفان إلى ما لا يتناهى أيضاً، ثم يوازنون بين الجملتين فيقولون: إن تساوتا لزم مساواة الزائد للناقص، وهذا ممتنع، وإن تفاضلتا لزم أن يكون فيما لا يتناهى تفاضل وهو محال2.
إلا أن هذا الاستدلال غير صالح من وجهة نظر مجيزي التسلسل في الماضي لأنهم يقولون: "لا نسلم أن حصول مثل هذا التفاضل في ذلك ممتنع، بل نحن نعلم أن من الطوفان إلى ما لا نهاية له في المستقبل أعظم من الهجرة إلى ما لا نهاية له في المستقبل، وكذلك من الهجرة إلى ما لا بداية
1 ذكر هذه الآراء الثلاثة شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبويّة1/122.
2 انظر: شرح العقائد النسفية للتفازاني ص: 60، والأربعين في أصول الدين للرازي ط/ الأولى بدائرة المعارف العثمانية ـ حيدر أباد الدكن 1353?.
له في الماضي أعظم من الطوفان إلى ما لا بداية له في الماضي، وأن كلاً منهما لا بداية له، فإن ما لا نهاية له من هذا الطرف وهذا الطرف، ليس أمراً محصوراً محدوداً موجوداً حتى يقال هما متوازنان في المقدار، فكيف يكون أحدهما أكثر.
بل كونه لا يتناهى معناه أنه يوجد شيئاً بعد شيء دائماً، فليس هو مجتمعاً محصوراً والاشتراك في عدم التناهي لا يقتضي التساوي في المقدار إلا إذا كان ما يقال عليه إنه لا يتناهى قدراً محدوداً، وهذا باطل، فإن ما لا يتناهى ليس له حد محدود، ولا مقدار معين، بل هو بمنزلة العدد المضعف، فكما أن اشتراك الواحد والعشرة والمائة، والألف في التضعيف الذي لا يتناهى لا يقتضي تساوي مقاديرها، فكذلك هذا.
وأيضاً فإن هذين هما متناهيان من أحد الطرفين وهو الطرف المستقبل غير متناهيين من الطرف الآخر وهو الماضي، وحينئذ فقول القائل للزم التفاضل فيما لا يتناهى غلط، فإنه إنما حصل في المستقبل وهو الذي يلينا وهو متناه، ثم هما لا يتناهيان من الطرف الذي لا يلينا وهو الأزل.
وهما متناهيان من الطرف الذي يلينا وهو طرف الأبد فلا يصح أن يقال وقع التفاوت فيما لا يتناهى، إذ هذا يشعر بأن التفاوت حصل في الجانب الذي لا آخر له وليس كذلك بل إنما حصل التفاضل في الجانب المنتهي الذي له آخر فإنه لم ينقض"1.
1 ابن تيمية، منهاج السنة النبويّة1/305-306.
والحاصل أن القول بجوار تسلسل الحوادث في الماضي والمستقبل هو القول الصحيح، فإنه سبحانه لم يزل حياً، والفعل من لوازم الحياة، فلم يزل فاعلاً لما يريد كما وصف بذلك نفسه حيث قال:{ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فعال لما يريد} 1.
والآية تدل على أمور:
أحدها: أنه تعالى يفعل بإرادته ومشيئته.
الثاني: أنه لم يزل كذلك، لأنه ساق ذلك في معرض المدح والثناء، على نفسه، وأن ذلك من كماله سبحانه، ولا يجوز أن يكون عادماً لهذا الكمال في وقت من الأوقات. وقد قال تعالى:{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} 2. ولما كان من أوصاف كماله ونعوت جلاله لم يكن حادثاً بعد أن لم يكن.
الثالث: أنه إذا أراد شيئاً فعله، فإن "ما" موصولة عامة أي يفعل كل ما يريد أن يفعله، وهذا في إرادته المتعلقة بفعله.
الرابع: أن فعله وإرادته متلازمان، فما أراد أن يفعل فعل وما فعله فقد أراده. بخلاف المخلوق فإنه يريد ما لا يفعل، وقد يفعل ما لايريده، فما ثم فعال لما يريد إلا الله وحده.
الخامس: إثبات إرادات متعددة بحسب الأفعال وإن كل فعل له إرادة تخصه، هذا هو المعقول في اانظر فشأنه سبحانه أنه يريد على الدوام ويفعل ما يريد.
1 سورة البروج آية: 15-16.
2 سورة النحل آية: 17.
السادس: إن كان ما صح أن تتعلق به إرادته جاز فعله..
والقول بأن الحوادث لها أوّل يلزم منه التعطيل قبل ذلك وأن الله سبحانه وتعالى لم يزل غير فاعل ثم صار فاعلاً. ولا يلزم من ذلك قدم العالم، لأن كل ما سوى الله تعالى محدث ممكن الوجود، موجود بإيجاد الله تعالى له، ليس له من نفسه إلاّ العدم، والفقر والاحتياج وصف ذاتي لازم لكل ما سوى الله تعالى، والله تعالى واجب الوجود لذاته غني لذاته، والغني وصف ذاتي لازم له سبحانه وتعالى1.
فالقول بدوام الحوادث أزلاً وأبداً، هو الذي يتفق مع النصوص الشرعية التي تثبت لله سبحانه وتعالى كل كمال، وتنزهه عن كل نقص وأي كمال أوفى من إثبات ما أثبته لنفسه، ونفي ما نفاه عنها.
أما ما ذكره الإمام الغزالي من حل لمشكلة التسلسل وهو القول بأن الله تعالى متصف في الأزل بأنه فاعل بالقوة لأنه قادر على الفعل وليس فاعلاً حقيقة، والذي يبينه بقوله:
"
…
والكشف للغطاء عن هذا أن السيف في الغمد يسمى صارماً، وعند حصول القطع به، وفي تلك الحالة على الاقتران يسمى صارماً، وهما بمعنيين مختلفين فهو في الغمد صارم بالقوة، وعند حصول القطع صارم بالفعل، فمعنى تسمية السيف في الغمد صارماً أن الصفة التي يحصل بها القطع في الحال لا يتصور في ذات السيف وحدته واستعداده، بل لأمر آخر وراء ذاته،
1 شرح الطحاوية ص: 75-76.
وبالمعنى الذي يسمى السيف في الغمد صارماً يصدق اسم الخالق على الله تعالى في الأزل فإن الخلق إذا جرى بالفعل لم يكن لتجدد أمر في الذات لم يكن، بل كل ما يشترط لتحقيق الفعل موجود في الأزل، وبالمعنى الذي يطلق حالة مباشرة القطع للسيف اسم الصارم، لا يطلق في الأزل،
…
فقد ظهر أن من قال إنه لا يصدق في الأزل هذا الاسم فهو محق، وأراد به المعنى الأول"1.
إلا أن الغزالي ليس محقاً في كلامه هذا، وما ارتضاه من حل إنما يؤدي إلى تصور اتصافه سبحانه بصفة لا كمال فيها، لأن كمال صفة الخلق في إثبات اتصافه سبحانه بها بالفعل لا بالقوة فحسب. إذ الأدلة الشرعية تدل على ذلك. فيجب أن نعتقد بأن الله تعالى فعال لما ييريد، فهو يخلق متى شاء كيف شاء، وصفة الخلق ثابتة له سبحانه أزلاً وأبداً، وقوله سبحانه:{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ} استفهام إنكاري دليل على خطأ ما ذهب إليه الغزالي والذي هو عين تصور الماتوريدية في قولهم بقدم الصفات.
1 الغزالي، الاقتصاد في الاعتقاد ص:167.