الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: ثقافته ومؤلّفاته
ثقافته
لقد أفنى البيهقي رحمه الله حياته راتعاً في رياض العلم والمعرفة حتى برز في جوانب شتى من العلوم الإسلامية، وبز فيها حتى مشايخه وأقرانه، فذاع صيته في كل حدب وصوب، وسار الركبان بإنتاجه العلمي إلى كل صقع من أصقاع العام الإسلامي، فكان شاهداً حياً على سعة اطلاع البيهقي، وأصالة ثقافته. وكان نبوغه رحمه الله في علوم الشريعة الإسلامية أصولاً وفروعاً محل إعجاب كثير من العلماء قديماً وحديثاً حتى إن السبكي وصفه بأنه أحد أئمة المسلمين.. حافظ كبير، وأصولي نحرير
…
جبلاً من جبال العلم1.
ولذلك فإن مؤلفاته في العقيدة والحديث والفقه كانت موضع عناية العلماء، حتى لا نكاد نجد مؤلفاً في هذه الفنون - ممن جاء بعد البيهقي - لم يفد منها، لأن مصنفاته العظام أصبحت فيما بعد مرتعاً خصباً ومورداً عذباً لطلاب هذا العلم الجليل، بل ولحذاقة الذين عرفوا قيمة ما حصله البيهقي من علم وجاد به لطلابه.
أما في التفسير واللغة فكان صاحب اطلاع واسع، وإن لم يكن إنتاجه فيهما بدرجة إنتاجه في العلوم الإسلامية الأخرى.
1 طبقات الشافعية4/8.
ولكي تتضح لنا ثقافة البيهقي بعمقها وأصالتها نعرض لكل فن اشتغل به، فحصل منه وأفاد طلابه.
1 -
العقيدة:
فأما في العقيدة فقد كان صاحب معرفة واسعة بالمذاهب المختلفة التي تشعبت آراؤها واختلفت أهواؤها، فكانت بمنأى عن العقيدة الإسلامية االصافية، لذلك رأى من واجبه - وهو العالم البصير - أن يدرس العقيدة كما جاءت في منبعها الصافي الأصيل، حتى يسهم في توضيحها كما جاءت في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فألف في ذلك المؤلفات العظيمة، التي سار في تأليفها على طريقة المحدثين، وإن كان في تعليقات وإيضاحه لمسائل العقيدة، قد رضي أن يكون المذهب الأشعري هو السائد على آرائه، مع استقلاله عن الأشاعرة ببعض الآراء في مسائل مهمة متبعاً طريقة السلف فيها، وراضياً بمذهبهم، كما سيتضح لنا ذلك في ثنايا البحث إن شاء الله.
وقد شمل إنتاجه العلمي في هذا المجال كتباً قيمة، منها الخاص في مسائل معينة، ومنها العام لكل مسائل العقيدة.
فكتاب الأسماء والصفات، وكتاب البعث والنشور، وكتاب القدر وإثبات عذاب القبر، جميعها كتب متخصصة، كل منها يدل عنوانه على موضوعه.
أما الشمول فقد اختص به كتاب الاعتقاد.
وسيكون بحثنا هذا من أوضح الشواهد على سعة اطلاع البيهقي ومعرفته في مسائل العقيدة، تقريراً للمعتقد ومناقشة لآراء الخصوم.
2 -
الحديث:
وقد كان أشهر الجوانب التي نبغ فيها البيهقي على الإطلاق، إذ كرس جهده لخدمة هذا العلم الجليل فحقق ودقق، وصنف المجلدات الضخام التي تشهد بغزارة علمه، وسعة اطلاعه.
وقد كانت للبيهقي بين علماء الحديث مكانة لا تسامى، ولا أدل على مكانته تلك من استحقاقه للقب الحافظ، وهو لقب لم يظفر به إلاّ عدد قليل من المحدثين، رغم أن الكثير ممن لم يحظوا بإطلاق هذا اللقب عليهم محدثون عظام لا يستهان بهم.
إلاّ أن البيهقي يعد من أكثر رواد هذا الفن حفظاً إتقاناً، فقد كان إنتاجه الغزير في هذا الجانب من أهم المصادر التي اعتمدها طلابه، مما يشهد بغزارة علمه ورسوخ قدمه، وإمامته في هذا المجال.
ولم يكن مجرد جمع الحديث هو الهدف الوحيد للبيهقي، بل اتجه إلى جانب ذلك، لنقد رجاله، حتى ينفي عنه ما ليس منه، ويبين صحيحه من سقيمه، إذ العدالة في راوي الحديث أمر لابد منه، بل هي - عند البيهقي - ألزم من عدالة الشهود، ويوضح هذا المبدأ بقوله:"إن القاضي إذا توقف في قبول شهادة من لا يعرفه على درهم حتى يعرفه، فأولى بنا أن نقف في رواية من لا نعرفه في مثل هذا الأمر العظيم حتى نعرفه"1.
وكان دائم الحرص على أن لا تتضمن كتبه إلاّ ما صح من الأخبار وإن اشتملت على غير ذلك، فمع بيان شاف لدرجة ذلك الخبر، حتى يكون التمييز بين صحيح الأخبار، وحسنها، وضعيفها واضحاً. ولذلك يقول:
1 القراءة خلف الإمام ص: 127.
"وعادتي في كتبي المصنفة في الأصول والفروع، الاقتصار على ما يصح منها دون ما لا يصح، أو التمييز بين ما يصح منها وما لا يصح، ليكون الناظر فيها من أهل السنة على بصيرة مما يقع الاعتماد عليه، لا يجد من زاغ قلبه من أهل البدع عن قبول الأخبار مغمزاً فيما اعتمد عليه أهل السنة من الآثار"1.
ومن اكبر الشواهد على نبوغ البيهقي في علم الحديث، حتى أصبح حجة يركن إليها، ما حدث من أمره مع شيخه أبي محمد والد إمام الحرمين2 حين شرع هذا الأخير في تأليف كتاب في الفقه، عزم على أن لا يتقيد فيه بالمذهب، بل يقف على موارد الأحاديث لا يتجاوزها. وما إن أنجز من هذا المؤلف الذي سماه (المحيط) ثلاثة مجلدات، حتى اطلع عليه البيهقي، فعثر فبه على أخطاء حديثية، رأى من واجبه التنبيه عليها، فكتب إلى الجويني بذلك، بأسلوب العالم الحاذق، والناقد البصير. فقد كانت تلك الرسالة القيمة مثالاً للنقد العلمي البناء، الذي تميز بالأدب الرفيع، وقوة الحجة، والقدرة على الدفع بالتي هي أحسن ولكي ندلل على ذلك نورد من تلك الرسالة اقتباسات تدل على ذلك كله وعلى ما هو أكثر منه.
1 المدخل إلى دلائل النبوّة1/39، تحقيق عبد الكريم عثمان.
2 هو: أبو محمّد، عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمّد بن حيويه الجويني، ثم النيسابوري. الإمام الفقيه الأصولي تخرج به جماعة من أئمة الإسلام، توفي في ذي القعدة عام ثمانية وثلاثين وأربعمائة. انظر تبيين كذب المفتري لابن عساكر ص:257.
قال البيهقي في صدر رسالته: "أما بعد، عصمنا الله بطاعته وأقمنا بالاعتصام بسنة خيرته من بريته صلى الله عليه وسلم، وأعاننا على الاقتداء بالسلف الصالحين من أمته وعافانا في ديننا ودنيانا، وكفانا كل هول دون الجنة بفضله ورحمته، إنه واسع المغفرة والرحمة به التوفيق والعصمة. فقلبي للشيخ – أدام الله عصمته، وأيد أيامه - مفتد، ولساني له بالخير ذاكر، ولله على حسن توفيقه إياه شاكر.
وقد علم الشيخ اشتغالي بالحديث، واجتهادي في طلبه، ومعظم مقصودي منه في الابتداء، التمييز بين ما يصح الاحتجاج به من الأخبار وبين ما لا يصح، حين رأيت المحدثين من أصحابنا يرسلونها في المسائل على ما يحضرهم من ألفاظها، من غير تمييز منهم بين صحيحها، وسقيمها ثم إذا احتج عليهم بعض مخالفيهم بحديث يشق عليهم تأويله، أخذوا في تعليله بما وجدوه في كتب المتقدمين من أصحابنا تقليداً، ولو عرفوه معرفتهم لميزوا صحيح ما يوافق أقوالهم من سقيمه، ولأمسكوا عن كثير مما يحتجون به، وإن كان يطابق آراءهم، ولاقتدوا في ترك الاحتجاج برواية الضعفاء والمجهولين بإمامهم، فشرطه فيمن يقبل خبره عند من يعتني بمعرفته مشهور، وهو بشرحه في كتاب الرسالة مسطور".
وبعد أبحاث دقيقة مفيدة قال: "وكنت أسمع رغبة الشيخ رضي الله عنه في سماع الحديث، والنظر في كتب أهله، فأسكن إليه، وأشكر الله تعالى عليه، وأقول في نفسي ثم فيما بين الناس: قد جاء الله بمن يرغب في الحديث، ويرغب فيه
من بين الفقهاء ويميز فيما يرويه ويحتج به الصحيح من السقيم، من جملة العلماء، وأرجو من الله أن يحمي سنة إمامنا المطلبي في قبول الآثار، حيث أماتها أكثر فقهاء الأمصار، بعد من مضى من الأئمة الكبار الذين جمعوا بين نوعي علم الفقه والأخبار، ثم لم يرض بعضهم بالجهل به، حتى رأيته حمل العالم به بالوقوع فيه، والإزراء به، والضحك منه، وهو مع ذلك يعظم صاحب مذهبه ويجله، ويزعم أنه لا يفارق في منصوصاته قوله، ثم لم يدع في كيفية قبول الحديث ورده طريقته، ولا يسلك فيها سيرته، لقلة معرفته بما عرف، وكثرة غفلته عما عليه وقف.
هلا نظر في كتبه ثم اعتبر باحتياطه في انتقاده لرواة خبره؟ واعتماده فيمن اشتبه عليه حاله على رواية غيره؟ فيرى سلوك مذهبه مع دلالة العقل والسمع واجباً على كلّ من انتصب للفتيا، فإما أن يجتهد في تعلمه أو يسكت عن الوقوع فيمن يعلمه، فلا يجتمع عليه وزران، حيث فاته الأجران والله المستعان وعليه التكلان.
ثم إن بعض أصحاب الشيخ وقع إلى هذه الناحية فعرض على أجزاء ثلاثة مما أملاه من كتابه المسمى (المحيط) فسررت به، ورجوت أن يكون الأمر فيما يورده من الأخبار على طريقة من مضى من الأئمة الكبار، لائقاً بما خص به من علم الأصل والفرع، موافقاً لما ميز به من فضل العلم والورع، فإذا أوّل حديث وقع عليه بصري فيه الحديث المرفوع في النهي عن الاغتسال بالماء المشمس، فقلت في نفسي: يورده ثم يضعفه أو يصحح القول فيه. فرأيته قد أملى: "والخبر فيه ما روى مالك
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة" فقلت: هلا قال: روي عن عائشة؟ أو روى عن ابن وهب عن مالك؟ أو روى عن إسماعيل بن عمرو الكوفي عن ابن وهب عن مالك؟ أو روى خالد ابن إسماعيل أو وهب بن وهب أبو البختر، عن هشام بن عروة؟ أو روى عمرو بن محمد الأعسم، عن فليح، عن الزهري، عن عروة؟ ليكون الحديث مضافاً إلى من يليق به مثل هذه الرواية، ولا يكون شاهداً على مالك بن أنس بما أظنه يبرأ إلى الله تعالى من روايته، ظناً مقروناً بعلم. والله أعلم1.
وهكذا سار البيهقي في نقده لكتاب الجويني، بهذا الأسلوب البارع الذي جعل الجويني ينزل عند حسن ظن البيهقي، فقد حمل رسالته هذه على أحسن المحامل، وعدها نصيحة نافعة تستوجب الشكر والثناء، بدليل عدوله عن إكمال الكتاب.
3 -
الفقه:
وقد أولاه عناية فائقة، حتى أصبح فيه إماماً ذا مكانة كبيرة، وقد فضل أن يتمسك في ذلك بمذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، لأنه كان يرى فيه أنه أكثر المذاهب موافقة للحديث الذي وهبه جل حياته.
فبعد اعتذاره للأئمة عند وقوعهم في خطأ ما، بأن أحدهم إنما يخطئ عن غير قصد، بل لأنه غفل عن الحديث الذي خالفه أو عن موضع الحجة
1 انظر: الرسالة التي أخذت منها هذه المقتطفات في طبقات الشافعية للسبكي5/77-90، وهي ناقصة هنا، إلاّ أن الرسالة توجد مخطوطة كاملة، كما سأشير إلى مكان وجودها فيما بعد إن شاء الله.
فيه، ولو علم ذلك لما تردد عن القول بما يدل عليه، وقال بعد ذلك - مبرراً تفضيله لمذهب الشافعي على سواه:"وقد قابلت - بتوفيق الله تعالى - أقوال كل واحد منهم بمبلغ علمي من كتاب الله عز وجل، ثم بما جمعت من السنن والآثار في الفرائض والنوافل، والحلال، والحرام، والحدود والأحكام، فوجدت الشافعي رحمه الله أكثرهم اتباعاً، وأقواهم احتجاجاً وأصحهم قياساً، وأوضحهم إرشاداً.. فخرجت - بحمد الله ونعمته - أقواله مستقيمة وفتاواه صحيحة"1.
من أجل هذه النظرة لآراء الإمام الشافعي، أولى مذهبه عناية عظيمة حتى إن إمام الحرمين الجويني أحد معاصري البيهقي قد تملكه العجب من فرط اهتمام البيهقي بأقوال الإمام الشافعي حين ألف كتابه (المبسوط) جامعاً فيه نصوصه في الفقه، فوصفه بقوله:"ما من شافعي إلاّ وللشافعي في عنقه منة، إلاّ البيهقي فإن له على الشافعي منة، لتصانيفه في نصرته لمذهبه وأقاويله"2.
وقد بلغ من اهتمامه بالفقه أن أفرد بعض مسائله المهمة بالتأليف مثل القراءة خلف الإمام، ومسألة الخاتم، كما ألف كتاباً تناول فيه المسائل الخلافية بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة.
وقد أشاد الذهبي بسعة اطلاع البيهقي في الفقه حيث قال عنه لو شاء البيهقي أن يعمل لنفسه مذهباً يجتهد فيه لكان قادراً على ذلك لسعة علومه، ومعرفته بالاختلاف3.
1 معرفة السنن والآثار1/141، 142.
2 طبقات الشافعية للسبكي4/10.
3 سير أعلام النبلاء11/ ل 185.
4 -
التفسير:
أما عن التفسير فإن البيهقي رحمه الله لم يكن له فيه من المكانة ماله في الفنون السابقة، إلاّ أنه كان ذا معرفة واسعة به، بدليل ما يتخلل كتبه من آراء، بعضها يرويها عن أئمة التفسير ويجتهد في الاختيار، وأفضل منهج عنده هو التفسير بالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه أبعد عن الشبهات، أو ما روى عن الصحابة. أما إذا صار الأمر إلى تأويل الفقهاء فلا يجعل قول بعضهم حجة على بعض1.
ومن أهم الآراء - في نظره - التي توافق منهجه هذا: آراء الإمام الشافعي، إذ يقول عنها إنها من أصح الآراء، لدلالة الأدلة عليها. لذلك قام بعمل جليل، حيث جمع آراء الإمام الشافعي في التفسير في كتاب مستقل سمّاه (أحكام القرآن) .
5 -
اللغة:
وهذا العلم أيضاً كان للبيهقي منه نصيب الأسد، لأن من اشتغل بالعلوم الإسلامية لا بد وأن يكون على علم بالعربية وقواعدها، لأنها لغة القرآن.
وإدراكاً من البيهقي لأهمية هذا العلم تضلع فيه، حتى أصبح من أهل الخبرة به، ولا أدل على ذلك من الكتاب الذي ألّفه للرد على منتقدي الإمام الشافعي في مسائل لغوية ادعوا غلطه فيها، فرد عليهم البيهقي في
1 القراءة خلف الإمام ص: 151.
كتاب خصّصه لهذا العرض سمّاه (الانتقاد على أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي) . وذكر ثناء علماء اللغة على الشافعي، وأثبت صحة ما قاله، وخطأ انتقادهم، وذلك بأدلة لغوية دامغة مما ينبئ عن اطلاع واسع، وتمكن من هذا العلم الأصيل.
فالبيهقي رحمه الله كان ذا ثقافة واسعة، وعلم راسخ مما جعله يحتل المرتبة الأولى بين علماء عصره.
وقد وصفه أبو الحسن عبد الغافر1 في ذيل تاريخ نيسابور بقوله:
"أبو بكر البيهقي الفقيه الحافظ الأصولي،
…
واحد زمانه في الحفظ، وفرد أقرانه في الإتقان والضبط، من كبار أصحاب الحاكم، ويزيد عليه بأنواع من العلوم"2.
وسيتضح لنا من خلال عرضنا لإنتاجه العلمي - فيما يأتي - بالإضافة إلى ما تقدم ذكره، سيتضح لنا من ذلك كله مدى ما وصل إليه البيهقي رحمه الله من تعمق في العلوم الإسلامية، التي قضى عمره من المهد إلى اللحد خادما لها ولطلابها.
1 أبو الحسن، عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي، من علماء العربية والتاريخ والحديث، فارسي الأصل، من أهل نيسابور، ولد سنة أربعمائة وإحدى وخمسين، وتوفي سنة تسع وعشرين وخمسمائة. انظر الأعلام للزركلي4/157.
2 نقلاً عن تذكرة الحفاظ للذهبي3/1133.
مؤلفاته
لقد كان للبيهقي رحمه الله إنتاج علمي وفير، أثرى به المكتبة الإسلامية، سيما في مجال الحديث النبوي الشريف، الذي عُنِيَ به عناية فائقة شأنه في ذلك شأن أمثاله من المحدثين العظام، الذين بذلوا جهوداً مضنية في سبيل حفظ السنة وتنقيتها من كل دخيل، ببيان صحيحها من سقيمها، وجمعها في مؤلفات ضخمة، كانت ولا تزال إلى يومنا هذا، وستظل - إن شاء الله - نبراساً يضيء الطريق لطلاب المعرفة الصافية، ويبدد ظلمات الجهل، ويحفظ على الإسلام مصدراً من أهم مصادر العقيدة والتشريع.
وكان نبوغه في الحديث سبباً في أن مؤلفاته العقدية، جاءت ذات صبغة حديثية واضحة، نظراً لأنه سلفي المنهج، وتأليفه في العقيدة جاء على طريقة المحدثين.
وقد بلغت مصنفاته ما يقارب ألف جزء1.
وكانت لها ميزة خاصة انفردت بها، حيث جاءت منظمة تنظيماً دقيقاً لا يكاد يوجد في غيرها، ولذلك وصفت بأنه لم يسبق إلى مثلها، ولا يدرك فيها2.
1 طبقات الحفاظ للسيوطي ص: 434، وتبيين كذب المفتري ص:266.
2 انظر: البداية والنهاية لابن كثير12/94، ومختصر طبقات المحدّثين لابن عبد الهادي ص:200.
كما وصفها السبكي بأنها كلها مصنفات نظاف، مليحة الترتيب والتهذيب، كثيرة الفائدة، يشهد من يراها من العارفين بأنها لم تتهيأ لأحد من السابقين1.
وفيما يلي عرض لمؤلفاته، مع التعريف بما اطلعت عليه منها، وهذه المؤلفات جميعها ذكرت في المصادر التي ترجمت للبيهقي ومنها ما ذكره البيهقي نفسه وأحال عليه وهذه المصنفات هي:
1 -
إثبات عذاب القبر:
تناول فيه البيهقي ما يتعلق بإثبات هذه القضية، وما يتقدمها من سؤال الملكين، بسياق أدلة ذلك الإثبات من الكتاب والسنة، وتوضيح تلك الدلالة بأقاويل سلف الأمة.
ويوجد من هذا الكتاب نسخة مخطوطة بمكتبة أحمد الثالث ضمن مكتبة المتحف باستنبول، ضمن مجموعة رقمها:4288.
كما يوجد نسخة أخرى منه بمكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة.
2 -
أحكام القرآن:
ويقع في جزئين. وقد خصصه البيهقي لجمع أقوال الإمام الشافعي في تفسير آيات الأحكام، بعد أن كانت مفرقة في كتبه المصنفة في الأصول والأحكام2.
وقد قام بتحقيقه الشيخ محمّد زاهد الكوثري، وعني بنشره عزت العطار سنة 1371هـ، 1951م. وقد أعيد نشره بدار الكتب العلمية في بيروت سنة 1395هـ.
1 طبقات الشافعية4/10.
2 انظر: مقدمة البيهقي لهذا الكتاب ص: 19.
وهو الكتاب الوحيد الذي خصصه البيهقي لعلم التفسير مختاراً ما يتعلق بالأحكام من الآيات.
وقد وصف السبكي هذا الكتاب بأنه كتاب نفيس من ظريف مصنفات البيهقي1.
3 -
الآداب:
من هذا الكتاب نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقمها: 43 حديث. ويقع في اثنتين وستين ومائتي ورقة، ويتناول البيهقي في هذا الكتاب جملة من الآداب والأخلاق، التي ينبغي أن يكون عليها الإنسان المسلم، مع نفسه ومع أخيه ومع مجتمعه، وغير ذلك من الآداب الإسلامية الفاضلة التي حفل هذا الكتاب بذكرها، والحث عليها.
4 -
الأربعين الكبرى، والأربعين الصغرى:
كتابان متشابهان في التبويب والتنسيق، مختلفان في الجوهر والموضوع وقد ذكرهما جماعة ممن ترجموا للبيهقي بهذين الاسمين.
وقد ذكر حاجي خليفة كتاباً بعنوان الأربعين في الأخلاق، وذكر اشتماله على مائة حديث مرتبة على أربعين باباً، وأن أوله: الحمد لله كفاء حقه2.
وقد عثرت على نسخة من هذا الكتاب في مكتبة عاشر أفندي ضمن المكتبة السليمانية باستنبول، مع مجموعة منوعة، تحمل رقم 1179.
1 طبقات الشافعية2/97.
2 كشف الظنون1/53.
كما أشار البيهقي في مقدمته لهذا الكتاب إلى أنه ذكر فيه ما يحتاج أصحاب الحديث إلى معرفته، للاستعمال في أحوالهم وأخلاقهم، ليكون بلغة لهم فيما لا بد لهم من معرفته في عبادة الله تعالى1.
وأشار في نفسه الموضع إلى أنه ألف كتاباً آخر بنفس العنوان خصصه لبيان معالم دين الله تعالى.
ويدل ذلك – بوضوح - على صحة وجود كتابين بعنوان واحد ونعت مختلف. ولكن أيهما الكبرى، وأيهما الصغرى؟ هذا ما لا أستطيع تبينه لانعدام الدليل.
5 -
الأسماء والصفات:
ويعد هذا الكتاب من أهم المراجع التي اعتمدها العلماء في النصوص الواردة في موضوع الأسماء والصفات، لأنه يعد مني أوفى الكتب التي ألفت في هذه القضية، حيث شرحها البيهقي فيه شرحاً وافياً.
وقد طبع هذا الكتاب طبعتين، إحداهما بالهند سنة 1313? قام بتحقيقها محمّد محيي الدين الجعفري.
والأخرى بمطبعة السعادة بمصر سنة 1358?، وقد قام بتحقيقها والتعليق عليها الشيخ محمد زاهد الكوثري.
ويوجد له نسخة خطية بمكتبة فيض الله باستنبول، رقمها: 1307، كتبت سنة 577?، وعدد أوراقها: 205 ورقات.
وينقسم هذا الكتاب إلى قسمين رئيسيين: أحدهما تناول فيه أسماء الله تعالى، وثانيهما تناولت فيه الصفات وما يتعلق بها.
1 كتاب الأربعين ل 3.
وقد وصف السبكي هذا الكتاب بقوله: "وأما كتاب الأسماء والصفات فلا أعرف له نظيراً"1.
وهو كتاب عظيم، نادر المثال دون شك، لأنه قد جمع فيه عق قضية الأسماء والصفات، من النصوص والآثار، ما لم يحصل لغيره مثله.
6 -
الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، على مذهب السلف، أهل السنة والجماعة:
وقد وضع هذا الكتاب ليكون مختصراً شاملاً لجميع مسائل العقيدة التي تناولها في كتب شتَّى، كما ذكر هو ذلك في مقدمته لهذا الكتاب2.
وقد طبع هذا الكتاب في القاهرة سنة: 1380?، بتصحيح الشيخ أحمد مرسي.
ويوجد لهذا الكتاب نسختان خطيتان، إحداهما بمكتبة لاله لي برقم:
2423، تقع في 81 ورقة.
والثانية بمكتبة نور عثمانية برقم: 1208/2، وتقع في 98 ورقة. وكلتاهما في استنبول.
كما يوجد نسخة ثالثة في مكتبة شستربتي بلندن تحت رقم 35 ضمن مجموعة. ومنها صورة بمكتبة مركز البحث العلمي بجامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة.
وقد ذكر حاجي خليفة في كشف الظنون أن الإمام برهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي، المتوفى سنة: 885? قد اختصر هذا الكتاب3.
1 طبقات الشافعية4/9.
2 الاعتقاد ص: 4.
3 كشف الظنون2/1393.
7 -
الألف مسألة:
وهو عبارة عن رسالة صغيرة لا تزيد عن أربع ورقات، بيّن فيها ضعف الحديث الذي رواه الجويباري أحمد بن عبد الله بن مخلد بسنده، عن عبد الله بن سلام أنه سأل النبيصلى الله عليه وسلمعن ألف مسألة، وبيّن أن الصحيح الثابت أن عبد الله بن سلام، إنما سأل النبيصلى الله عليه وسلمعن ثلاث مسائل فقط.
يوجد لهذه الرسالة نسخة ضمن مجموعة رقمها: 1127 بمكتبة أحمد الثالث باستنبول.
8 -
الانتقاد على الشافعي:
يرد البيهقي في هذا الكتاب على جماعة من المخالفين انتقدوا على الإمام الشافعي حروفاً من العربية، زعموا أنه خالف فيها أهل اللغة فبين البيهقي عدم صحة تلك الانتقادات بأسلوب علمي رصين، يدل على سعة اطلاع البيهقي وتمكنه من هذا الفن.
ويوجد من هذا الكتاب نسخة بخط حديث بمكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة، تقع في خمس عشرة ورقة.
9 -
البعث والنشور.
تناول في هذا الكتاب قضية البعث، وما يعقبها من أحداث. ويتفتت لنا موضوع الكتاب تفصيلاً من قول مؤلفه رحمه الله في مقدمته:
"نذكر ما ورد في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلمثم في أقاويل أهل التفسير من وجوب الإيمان به - أي بالبعث - وأشراط الساعة، وما يكون عند قيامها من بعث الناس وحشرهم إلى موقفها وأهوالها، وما جاء في الحساب والميزان، والحوض، والمرور على الصراط
ودخول الجنة والنار، وما جاء في خلقهما، ومن يخرج من النار بالشفاعة ومن يخلد فيها، وغير ذلك مما يتعلق بهذه الجملة1.
ويذكر الأستاذ السيد أحمد صقران الإمام الذهبي قد اختصر هذا الكتاب2.
ويوجد له مجموعة من النسخ مفرقة في بعض مكتبات العالم، منها ثلاث نسخ في استنبول بتركيا، إحداها بالمكتبة السليمانية ورقمها 1872 والأخريان بمكتبة المتحف رقم 2665-2666.
ونسختان بمكتبة شستربتي بلندن. إحداهما تحمل رقم 3909 والأخرى رقمها 3280، ويوجد لهما صورة ميكروفيلم بمكتبة مركز البحث العلمي بجامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة.
وقد ذكر بروكلمان - سوى هذه النسخ - نسختين، إحداهما بمكتبة الموصل بالعراق برقم 228/ 17.
والأخرى بمكتبة برلين برقم 27343.
10 -
بيان خطأ من أخطأ على الشافعي:
خصّص البيهقي هذا الكتاب للرد على من زعم أن للإمام الشافعي أخطاء حديثية، مبيناً أن ما نسب إليه من ذلك لا يخلو من أحد أمرين:
فإما أن يكون ذلك الخط الذي وجد في كتب الشافعي من جهة غيره بتقصيره، وعدم دقته في النقل عن الشافعي.
وإما يكون ناسب الخطأ إلى الشافعي قد وهم في اعتباره خطأ وليس كذلك.
1 البعث والنشور. مخطوط بمكتبة شستربتي بلند.
2 انظر: مقدمة كتاب معرفة السنن والآثار ص: 12.
3 انظر: تاريخ التراث العربي1/447 ط/ الألمانية.
وقد ناقش البيهقي رحمه الله تلك الأخطاء المنسوبة خطأ إلى الشافعي، وهذه الأوهام، مناقشة علمية دقيقة.
ويوجد لهذا المؤلّف نسخة خطية بمكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة تحت رقم (195) عام، و (80) مجاميع.
11 -
تخريج أحاديث الأم:
وقد تناول في هذا الكتاب تخريج أحاديث كتاب الأم للشافعي حديثاً حديثاً، مع ذكر سنده والتعليق عليه.
وقسمه على أبواب كتاب الأم.
ويوجد الجزء الأوّل منه بمكتبة شستربتي بلندن تحت رقم 3280، ويبلغ مجموع أوراقه 148 ورقة.
ويوجد الجزء الثاني بدار الكتب المصرية تحت رقم (911) حديث يقيم في 298 ورقة.
أما الجزء الثالث فلم أجد ذكراً له، ولم أعثر عليه.
12 -
الجامع في الخاتم:
رسالة صغيرة، لا تتجاوز خمس ورقات، بحث فيها مسألة لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم للخاتم ومن أي معدن كان خاتمه عليه السلام، وصفة ذلك الخاتم.
ويوجد من هذه الرسالة القيمة نسخة بمكتبة أحمد الثالث ضمن المجموعة المشار إليها سابقا - عند رسالة الألف مسألة.
كما يوجد أخرى منها بمكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة.
13 -
الجامع لشعب الإيمان:
قسم البيهقي رحمه الله كتابه هذا على سبعة وسبعين باباً، تشمل مسائل شتى في أصول الدين وفروعه. وتقسيمه هذا كان مبنياً على ما صح عنده من ألفاظ حديث "الإيمان بضع وستون، أو سبعون شعبة" حيث أحصى في كتابه هذا بالتفصيل ما أشار إليه الحديث مجملاً وذكر أن السبب لتأليفه لهذا الكتاب، أن شيخه أبا عبد الله الحليمي قد ألف في هذا الموضوع كتاباً، كان مرشداً له في تقسيمه لأبواب هذا الكتاب، إلاّ أنه إنما ذكر المتون وحذف الأسانيد، تحرياً للاختصار، فرأى أن يذكر ما أورده شيخه مسنداً مع الاقتصار على ما لا يغلب كونه كذباً1.
وقد طبع جزء صغير من هذا الكتاب النفيس في حيدر أباد بالهند سنة 1395?، ويوجد له نسخة خطية من ثلاثة مجلدات في مكتبة المتحف باستنبول من رقم: 2667-2669 وقام باختصاره الشيخ أبو جعفر عمر القزويني المتوفى سنة 619?. وقام بتحقيق هذا المختصر والتعليق عليه زكريا علي يوسف، ونشره بالقاهرة.
14 -
حياة الأنبياء في قبورهم:
وهو عبارة عن كتيب صغير تناول فيه البيهقي ما يتعلق بحياة الأنبياء في قبورهم، وما ورد في ذلك مما رآه دليلاً على هذه القضية، وهذا الكتاب طبع في القاهرة بالمطبعة المحمودية، سنة: 1357?، بتعليق الشيخ محمّد بن محمّد الخانجي البوسنوي من علماء الأزهر.
1 انظر: الجامع لشعب الإيمان ل 1، وكتاب الحليمي الذي أشار إليه البيهقي يوجد منه نسختان بمكتبة المتحف باستنبول، إحداهما لا تحمل رقماً، وتقع في مجلد واحد بخط نسخ رفيع، وأوراقه من الحجم الكبير، والأخرى تقع في ثلاثة مجلدات من رقم: 2618-2620.
وقد وجدت نسخة من هذا الكتاب ضمن المجموعة المشار إليها عند الكلام على كتاب إثبات عذاب القبر، وهي بعنوان (كتاب العدة) ولم أجد أحداً ممن ذكره أشار إلى هذا العنوان.
وقد غلط حاجي خليفة عندما ذكر هذا الكتاب، ووصفه بأنه يشتمل على ألف مسألة جمعها البيهقي1. لأن الألف مسألة عبارة عن كتاب آخر، وقد تقدم ذكره.
كما غلط بروكلمان حينما ذكر كتابين مشيراً لكل منهما منفرداً عن الآخر، أحدهما بعنوان (حياة الأنبياء في قبورهم) والآخر بعنوان (ما ورد في حياة الأنبياء بعد وفاتهم) 2 وأشار إلى وجود الأخير بالمدينة المنورة دون الأوّل، والواقع أن الإثنين كتاب واحد هو (حياة الأنبياء في قبورهم) وهو بعينه الموجود في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة.
15 -
الخلافيات بين الشافعي وأبي حنيفة:
تناول البيهقي في هذا الكتاب جميع المسائل الفقهية التي وقع الاختلاف فيها بين الشافعي وأبي حنيفة، ورتبه على أبواب الفقه.
ويوجد لهذا الكتاب نسخة بمعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية مصورة عن نسخة أصلية في مكتبة سليم آغا من نسخة كتبت في القرن السابع. وتقع جزئين الأوّل يتكون من 172 ورقة والثاني من 174 ورقة. والجزءان بهما خروم من الأول والآخر.
ومنه نسخة أخرى بدار الكتب المصرية تحت رقم (94 فقه شافعي) مكتوب عليها أنها الجزء الثاني وتقع في 172 ورقة.
1 كشف الظنون2/1455.
2 تاريخ التراث العربي1/447.
ويبدو أن هذا الجزء مكمل لنسخة جامعة الدول العربية وإن لم تكن النسخة واحدة. لأن نسخة جامعة الدول العربية ينتهي جزؤها الثاني منها بمسائل الحج، التي بدأ بها الجزء الموجود بدار الكتب المصرية.
16 -
الدعوات الكبيرى:
ألف البيهقي رحمه الله هذا الكتاب استجابة لطلب أحد إخوانه أن يجمع له ما ورد من الأخبار المأثورة في الأدعية المرجوة، التي دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو علمها أحداً من صحابته، وقد ذكرها بأسانيدها، ورتبها على ترتيب كتاب المختصر لأبي بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة، وضمنه زيادات لم يذكرها ابن خزيمة1. وبدأ كتابه هذا بذكر ما للدعاء والذكر من الأجر والثواب.
ويوجد لهذا الكتاب نسخة مخطوطة بالمكتبة الأصفية بحيدر آباد بالهند رقمها (14) أدعية.
ويوجد منها صورة ميكروفيلم بمعهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية برقم 3163.
17 -
دلائل النبوة:
وهو كتاب قيم، يعتبر من أجمع المؤلفات في بابه، وقد تكلم فيه البيهقي رحمه الله عما يتعلق بالنبي محمّد صلى الله عليه وسلممن صفات ومعجزات، وفي إيضاح موضوعه يقول البيهقي:
"
…
أردت - والمشيئة لله تعالى – أن أجمع بعض ما بلغنا من معجزات نبينا محمّد صلى الله عليه وسلم، ودلائل نبوته، ليكون عوناً لهم على إثبات رسالته، فاستخرت الله تعالى في الابتداء بما أردته، واستعنت به في إتمام ما قصدته، مع ما نقل إلينا من شرف أصله، وطهارة مولده، وبيان أسمائه
1 انظر: ل2 من المخطوطة.
وصفاته، وقدر حياته، ووقت وفاته، وغير ذلك مما يتعلق بمعرفته صلى الله عليه وسلم، على نحو ما شرطته في مصنفاتي، من الاكتفاء بالصحيح من السقيم، والاجتزاء من المعروف بالقريب، إلا فيما لا يتضح المراد من الصحيح أو المعروف دونه فأورده"1.
ويعتبر هذا الكتاب من أوثق كتب السيرة قاطبة، لما لمؤلفه من علو مكانة في معرفة صحيح الأخبار من سقيمها.
وقد قام الشيخ عبد الرحمن محمّد عثمان بتحقيق وطبع الجزئين الأولين منه بدار النصر للطباعة بالقاهرة سنة 1389?.
كما قام الأستاذ السيد أحمد صقر بتحقيق الجزء الأوّل منه، وتولى نشره المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة سنة 1395?.
ويوجد له نسخة خطية بمكتبة المتحف باستنبول تقع في أربعة مجلدات رقمها (6000-6003) كما يوجد له عدة نسخ بدار الكتب المصرية إلا أن جميعها ناقصة.
18 -
رسالة إلى أبي محمّد الجويني:
أوضح البيهقي للجويني في هذه الرسالة ما وقع فيه الأخير من أخطاء حديثية في كتابه الذي سماه (المحيط) عزم على أن لا يتقيد فيه بالمذهب وأن يقف على موارد الأحاديث مما حمل الجويني على العدول عن إتمام التأليف، شاكراً للبيهقي حسن صنيعه، وجميل نصحه.
ويوجد لهذه الرسالة نسخة خطية مكونة من سبع ورقات بمكتبة أحمد الثالث باستنبول ضمن مجموعة رقمها 1127.
وقد طبعت ناقصة ضمن طبقات الشافعية للسبكي، كما سبق أن ذكرت.
1 دلائل النبوّة1/63 تحقيق عبد الرحمن محمّد عثمان.
19 -
الزهد الكبير:
يتناول البيهقي رحمه الله في هذا الكتاب ما ورد من الأخبار والآثار عن السلف والخلف في الترغيب في الزهد في الدنيا، حيث ذكر رحمه الله أنه أورد في كتاب الجامع كثيراً من الأخبار، والآثار الواردة في هذا الموضوع، وأنه أورد في كتاب (دلائل النبوّة) وغيره، كيف كان يعيش النبي صلى الله عليه وسلم، ونظراً لكثرة أقاويل السلف والخلف في فضيلة الزهد وكيفيته، أفرد لذكرها هذا المؤلف1 الذي يقع في خمسة أجزاء صغيرة، يبلغ عدد أوراقها مائة وتسع عشرة ورقة، ويوجد منه نسخة خطية نادرة بمكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة تحت رقم (142) حديث، كتبت سنة ست وعشرين وستمائة، وعليها عدة سماعات.
20 -
السنن الصغرى:
بيّن البيهقي في مقدمة قصيرة وضعها لهذا الكتاب أنه كما جعل كتاب الاعتقاد مختصراً في العقائد فقد جعل هذا المصنف مختصراً يرجع إليه في العبادات والمعاملات، والمناكحات، والحدود، والسير، والحكومات ويوجد لهذا الكتاب نسخة كاملة بمكتبة المتحف باستنبول تقع في اثنتين وتسعين وثلاثمائة ورقة، ورقمها:2664.
21 -
معرفة السنن والآثار:
وهو كتاب نفيس لا يستغني عنه فقيه شافعي - كما قال السبكي. بل لا يستغني عنه فقيه كائناً من كان.
ويبيّن رحمه الله موضوع الكتاب وسبب تأليفه له بقوله في مقدمة الطويلة: "ثم إني رأيت المتفقهة من أصحابنا يأخذهم الملال من
1 انظر: مقدمة الكتاب ل3.
طول الكتاب، فخرجت ما احتج به الشافعي رحمه الله من الأحاديث بأسانيده في الأصول والفروع، مع ما رواه مستأنساً به غير معتمد عليه، أو حكاه لغيره مجيباً عنه، على ترتيب (المختصر) ، ونقلت ما وجدت من كلامه على الأخبار بالجرح والتعديل، والتصحيح والتعليل. وأضفت إلى بعض ما أجمله من ذلك من كلام غيره ما فسره، وإلى بعض ما رواه من رواية غيره ما قواه"1.
ويوجد لهذا الكتاب نسخة بمكتبة المتحف باستنبول، تبدأ من رقم 2638-2643.
وقد قام الأستاذ السيد أحمد صقر بتحقيق الجزء الأوّل منه، وتولى طبعه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر. ويطلق بعض العلماء على هذا الكتاب اسم (السنن الوسطى)2.
22 -
السنن الكبرى:
ويعتبر هذا الكتاب أهم مؤلفات البيهقي وأشهرها، جمع فيه أحاديث الأحكام، من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، وأفعاله وتقريراته وما يتعلق بالأحكام من موقوفات الصحابة، ومراسيل التابعين، فكان موسوعة كبرى، رتبه مؤلفه على المباحث الفقهية مبتدئاً بكتاب الطهارة، ومنتهياً بكتاب عتق أمهات الأولاد، ويقع هذا الكتاب العظيم في عشرة مجلدات، قام بتحقيقه جماعة من علماء الدولة العثمانية، وطبع بمطبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن بالهند، وقد طبع بحاشيتها (الجوهر النقي في الرد على البيهقي) لابن التركماني.
1 معرفة السنن والآثار1/144.
2 انظر: مقدمة الكوثري على كتاب أحكام القرآن ص:17.
ويوجد منه بدار الكتب المصرية نسخة مخطوطة تحمل رقم (254- 267) حديث. وأخرى بمكتبة المتحف باستنبول رقم (2644-2660) .
ومما يدلّ على عظم مكانة هذا الكتاب بين كتب السنة، وانفراده بخصائص لم يحظ بها غيره، ما ورد من وصفه على ألسنة عدد كبير من جهابذة العلماء.
فمنهم الشيخ تقي الدين السبكي الذي قال عنه: "أما السنن الكبير فما صنف في علم الحديث مثله، تهذيباً، وترتيباً، وجودة"1.
ويقول الإمام الذهبي في وصف مصنفات البيهقي عامة وكتابه هذا خاصة: "تصانيف البيهقي عظيمة القدر، غزيرة الفوائد، قلّ من جود تواليفه مثل الإمام أبي بكر البيهقي، فينبغي للعالم أن يعتني بها، سيما سننه الكبير"2.
وقال الإمام السخاوي عند ذكره: "فلا تعد عنه، لاستيعابه لأكثر أحاديث الأحكام، بل لا تعلم - كما قال ابن الصلاح - في بابه مثله، ولذا كان حقه التقديم على سائر كتب السنن، ولكن قدمت تلك لتقدم مصنفيها في الوفاة، ومزيد جلالتهم"3.
وكان البيهقي رحمه الله قد قضى ردحاً طويلاً من حياته في تصنيف هذا الكتاب، حيث بدأ تأليفه سنة خمس وأربعمائة، وفرغ منه سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة4.
1 طبقات الشافعية4/9.
2 سير أعلام النبلاء11/ل185.
3 فتح المغيث للسخاوي2/333.
4 السنن الكبرى1/2، 10/351.
ونظراً لما لهذا الكتاب من أهمية بالغة فقد نال عناية العلماء دراسة وتهذيباً، إذ يذكر حاجي خليفة أن الشيخ إبراهيم بن علي المعروف بابن عبد الخالق الدمشقي المتوفى سنة 744? اختصر هذا الكتاب في خمسة مجلدات، كما ذكر ممن اختصره الحافظ شمس الدين محمّد بن أحمد الذهبي المتوفى سنة 748?، والشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراني المتوفى سنة 974?، وأن الجوهر النقي في الرد على البيهقي، الذي أشرت إليه سابقاً - قد قام بتلخيصه وترتيبه على حروف المعجم الشيخ زين الدين قاسم بن قطلوبغا الحنفي المتوفى سنة 879? وسمّاه ترجيع الجوهر النقي1.
وهكذا تتضح لنا أهمية هذا الكتاب الجليل، الذي يعتبر – بحق – من أوسع الموسوعات العلمية قي أحاديث الأحكام.
23 -
القراءة خلف الإمام:
وهو من مصنفات البيهقي ذات الموضوع الواحد، تناول فيه مسألة القراءة للمأموم خلف الإمام، مورداً النصوص التي تناولتها، ومتبعاً أقوال العلماء فيها.
يوجد لهذا الكتاب نسخة مصورة بمعهد إحياء المخطوطات العربية تحت رقم (123) فقه شافعي، والأصل الذي صورت عنه يوجد بمكتبة أحمد الثالث، وتبلغ أوراقها إحدى وثمانين ورقة.
كما تم طبع هذا الكتاب طبعة حجرية بالهند بعناية (تلطف حسين) .
1 انظر: كشف الظنون2/1007، ويوجد من مختصر الذهبي المشار إليه هنا نسخة في مكتبة المتحف باستنبول، في ثلاثة مجلدات من رقم: 26661-2663.
24 -
القضاء والقدر:
خصّصه البيهقي رحمه الله لبحث ما يتعلق بهذا الموضوع، ويبين ما يشتمل عليه بقوله في أوّله:"كتاب إثبات القدر، والبيان من كتاب الله جل ثناؤه، وسنة رسوله محمّد صلى الله عليه وسلموعلى آله، وأقاويل الصحابة والتابعة، وأئمة المسلمين، رضي الله عنهم أجمعين أن أفعال الخلق كلّها مقدرة لله عز وجل، مكتوبة له، وإن الله عز وجل لم يزل عالماً بما يكون، ولا يزال عالماً بما كان ويكون"1.
وقد عثرت لهذا الكتاب القيم على نسخة خطية نادرة بمكتبة الشهيد علي باشا، ضمن المكتبة السليمانية باستنبول، تقع في 110 ورقات، كتبت سنة ست وستين وخمسمائة وعليها عدة سماعات ورقمها في المكتبة المذكورة 1488.
25 -
المبسوط:
ألّفه البيهقي ليكون جامعاً لكلام الإمام الشافعي ونصوصه في المسائل الفقهية مضبوطة، بعد ما ضاق صدره بما وجده في الكتب الجامعة لكلام الإمام الشافعي، والموردة للحكايات عنه دون تثبت.
ولهذا السبب قام بتأليف هذا الكتاب، كما قال في رسالته إلى أبي محمّد الجويني: "
…
وكنت أدام الله عزّ الشيخ أنظر في كتب بعض أصحابنا وحكايات من حكى منهم عن الشافعي نصاً، وأبصر اختلافهم في بعضها فيضيق قلبي بالاختلاف، مع كراهية الحكاية من غير تثبت، فحملني ذلك على نقل مبسوط ما اختصره المزني على ترتيب المختصر"2.
1 القضاء والقدر ل2.
2 رسالة البيهقي إلى الجويني ل16 من المجموعة.
ثم ذكر رحمه الله من تلك الكتب التي وجد الاختلاف بينها في النقل عن الشافعي ثلاثة أورد أسماءها، ولم يذكر مؤلفيها وهي: التقريب وجمع الجوامع، وعيون المسائل1.
وقد وصف السبكي هذا الكتاب بأنه لم يصنف في نوعه مثله2.
كما وصفه حاجي خليفة بأنه من أعظم كتبه قدراً، وأبسطها علما، يكون في عشرين مجلداً3.
26 -
المدخل إلى كتاب السنن:
وهو عبارة عن مقدمة وضعها البيهقي لكتاب السنن الكبرى في كتاب مستقل، وموضوع الكتاب يدور حول فضل العلم والعلماء، وما يجب أن يتحلى به العالم من خصال حميدة.
ويوجد لهذا الكتاب نسخة خطية بمكتبة الجمعية الآسيوية بكلكتا تحت رقم 368، ويوجد من نفس النسخة صورة ميكروفيلم بمركز البحث العلمي بجامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرّمة، وأخرى بمكتبة الشيخ عبد الرحيم صديقي. إلا أن النسخة ناقصة من أولها، حيث تبتدئ
1 ذكر الأستاذ السيد أحمد صقر مؤلفي هذه الكتب على النحو التالي: (التقريب) : للقاسم بن محمّد بن علي الشاشي، ابن الإمام القفال الكبير.
وكتاب (جمع الجوامع) ألفه أبو سهل بن العفريس الزوزني تلميذ الأصم. أما (عيون المسائل) فمؤلفه أبو بكر الفاسي، أحمد بن الحسن بن سهل تلميذ ابن سريج. انظر مقدمة السنن والآثار ص: 25، 26.
2 طبقات الشافعية4/9.
3 كشف الظنون2/1582.
بأثناء الباب الذي يسبق باب (الحديث الذي لم يرو خلافه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنتهي بباب (ما يخشى من رفع العلم وظهور الجهل) .
وهذه النسخة التي اطلعت عليها نادرة، وقد كان الفراغ من كتابتها سنة 635?، وعليها عدة سماعات بخط ابن الصلاح، والحافظ المزي وعدة سماعات أخرى.
27 -
مناقب الشافعي:
تناول البيهقي في هذا المصنف حياة الإمام الشافعي بجميع جوانبها استجابة لطلب بعض العلماء وفي ذلك يقول: "وقد سألني بعض أصحابنا من أهل العلم والبصيرة أن أجمع كتاباً مشتملاً على ذكر مولد الشافعي ونسبه، وتعلمه، وتعليمه، وتصرفه في العلم، وتصانيفه، واعتراف علماء دهره بفضله، وما يستدل به على كمال عقله، وزهده في الدنيا، وورعه، واشتهاره بخصال الخير، ومكارم الأخلاق - في وقته وبعد وفاته - فأجبته إلى مسألته"1.
ويقع هذا المؤلف في جزئين، قام بتحقيقهما الأستاذ السيد أحمد صقر، وطبع لأوّل مرة بدار النصر للطباعة بالقاهرة سنة 1391?.
وقد فاق البيهقي الكثيرين ممن كتبوا عن حياة الإمام الشافعي إذ أصبح كتابه هذا نموذجاً للتأليف في المناقب.
وقد نقل ياقوت الحموي في معجم الأدباء عند ترجمته للإمام الشافعي قدراً كبيراً من هذا الكتاب2.
1 انظر: مقدمة المحقّق1/8.
2 انظر: معجم الأدباء11/310-320.
وثمة مؤلفات أخرى سوى ما ذكرت فيما تقدم، عدها العلماء الذين ترجموا للبيهقي ضمن مؤلفاته، وقد أشار البيهقي إلى بعضها، وهذه المؤلفات هي:
1 -
كتاب الأسرى.
2 -
كتاب الإيمان.
3 -
الترغيب والترهيب.
4 -
الدعوات الصغير.
5 -
كتاب الرؤية.
6 -
الزهد الصغير.
7 -
فضائل الأوقات.
8 -
فضائل الصحابة.
9 -
مناقب الإمام أحمد.
ويوجد في فهرس المخطوطات المصورة بدار الكتب القطرية اسم لكتاب منسوب للبيهقي، وهذا الكتاب هو: العيون في الرد على أهل البدع1 وأشير عند ذكره إلى أنه مصور عن نسخة مخطوطة بمكتبة أمبروزيانا في ميلانو بإيطاليا تحت رقم 66.
وأخيراً أحب أن أشير إلى أن أحداً ممن ترجم للبيهقي، وعد مؤلفاته لم يدع استقصاءها، بل الكل يشير إلى أنه إنما ذكر بعضاً منها، وذلك
1 انظر: ص: 16 من الفهرس المذكور. وهو موجود بمكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة.
يدل على أن له مؤلفات غير هذه لم نهتد إلى أسمائها، وقد سبق أن نقلت عني السيوطي وابن عساكر أن مؤلفاته تصل إلى ألف جزء، مما يشير إلى أن بعضاً من كتب البيهقي لا زال في عالم المجهول.
وكثرة مؤلفاته رحمه الله تدل على عنايته بالتأليف واتجاهه إليه مما جعله ينتج هذا المقدار الضخم من المؤلفات في شتى ميادين المعرفة فجزاه الله عن الإسلام وأهله أوفر الجزاء.